رسالة إلى الجنود المرابطين على الثغور

نبذة مختصرة

رسالة إلى الجنود المرابطين على الثغور: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - في المسجد النبوي يوم الجمعة 14/ 2/ 1431 هـ، وتوجَّه فيها برسالة شكرٍ إلى الجنود المرابطين على الحدود؛ لأجل دفاعهم وبسالتهم.

تنزيــل
أرسل ملاحظة

تفاصيل

    الخطبة الأولى

    الحمد لله على عظيم نعمائه والشكر له على كريم عطائه، أحمده استدرارًا لوابل فضله، وأشكره استمناحًا لجوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يفتقِرُ من كَفَاه، ولا يُضِلُّ من هَدَاه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم أنبيائه، وخير أصفيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من أَقَامَ من أمته على سَنن الحق إلى يوم الدين.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    اتقوا الله، فتقواه أفضل مُكتسب، وطاعته أعلى نسب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102 ].

    أيها المسلمون:

    حرَّم الله البغي والعدوان على الناس، فعن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله أوحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يفْخَر أحدٌ على أحد، ولا يبْغِي أحدٌ على أحد»؛ أخرجه مسلم.

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه قال: قيل: يارسول الله! أيُّ الناس أفضل؟ قال: «كلُّ مخمومِ القلْبِ، صدُوقِ اللِّسان»، قالوا: صدوقُ اللسَان نعرِفه، فما مخمُومُ القَلب؟ قال: «هو التَّقيُّ النَّقِي لا إثْمَ فيهِ ولا بغي، ولا غلَّ، ولا حسَد»؛ أخرجه ابن ماجه.

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سيصِيبُ أمَّتي داءُ الأمَم»، فقالوا: يا رسول الله! وما داءُ الأمم؟ قال: «الأشَر، والبَطَر، والتكَاثُر، والتَّناجُش في الدُّنيا، والتباغُض، والتَّحَاسُد، حتى يكونَ البَغي»؛ أخرجه الحاكم، والطبراني.

    أيها المسلمون:

    بلاد الإسلام بلادٌ محسودة، وبالأذى مقصودة، والمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين، وخادمة المسجدين العظيمين، وراعيةُ المدينتين المُقدَّستَيْن، مهبط الوحي، وموئل العقيدة، ومأرِزُ الإيمان، وحَرَمُ الإسلام، بلادٌ في ظلال الشرع وادعة، وفي رياض الأمن راتعة، ولأطراف المجد جامعة، بلدُ العطاء والنماء والوفاء، والإسلام والسلام.

    امتدت يدُ الخير منها إلى كل منكوب، وسَرَت يدُ العطاء منها إلى كل مكروب، ولا تزال تُعطِي وتمنح، وتساعد وتنفَح، ومع ذلك كله لم تسلَم من يد الغَدر والبغي والعدوان؛ فخرجت عليها عصبةٌ غاوية، وحفنةٌ شاذة، وسلالةٌ ضالة، قد ظهر طيشُها، ولاحَ سفَهُها، وبان هَوَجُها وسخَفُها، فتسلَّلَت إلى حدود بلادنا المباركة وأرضها الطاهرة، واعتَدَت على جنودنا وأهلنا ظلمًا وبغيًا وحقدًا وحسدًا، في محاولةٍ خاسئةٍ خاسرة، خاطئة خائبة، لنشر الفوضى، والنَّيل من أمن بلادنا، وكرامتها، وسيادتها، خدمةً لأعداء الإسلام وأهدافهم الخبيثة.

    فكانت المتالف لهم راصدة، والعزائم لهم حاصدة، جيوشٌ مؤمنةٌ ومُوحِّدة، أخبَت فتنتهم، وقطعت أنوفهم، وقلَّمَت أظفارهم، ودمَّرَت عَتَادَهم، واجتثَّت بغيَهم وعدوانهم، وعادَ الباغي يجُرُّ أذيال الخيبة مُهانًا، واندَحَرَ العادي إلى داره مهزومًا مقهورًا مُدانًا، ليكون سُمعةً رادعةً، ومُثلةً وازِعةً، وعِضَةً مانعةً لكل مَنْ تُسوِّل له نفسه النَّيل من أمن هذه البلاد المباركة وكرامتها وسيادتها وأرضها ودينها وعقيدتها.

    فهنيئًا لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، ونائبه الثاني، والأسرة الحاكمة الكريمة، وشعبنا المسلم الوفيّ دَحْرُ العدو وهزيمته وتدميره.

    البغي يصْرعُ أهله ويُحِلّهُمْ = دارَ المذلّةِ والمعاقص رُغَّم

    ولا خير في أمةٍ يُوطَأ من العِدا أرضُها، ويُداسُ من البُغاة حريمُها، فتخنع وتخضع، قال - جلَّ في علاه -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 39- 42 ].

    وعن قهيد بن مُطرِّف الغفاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله سائلٌ: إن عدا عليَّ عادٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذَكِّره»، وأمره بتذكيره ونهيه ثلاث مرات، قال: فإن أبى، قال: «فإن أَبَى فقاتله، فإنْ قَتَلَك فأنت في الجنة، وإن قَتَلتَه فهو في النار»؛ أخرجه أحمد.

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن عُدِيَ على مالي؟ قال: «انشد الله»، قال: فإن أبَوا عليَّ، قال: «انشد الله»، قال: فإن أبَوا عليَّ، قال: «فانشد الله»، قال: فإن أبَوا عليَّ، قال: «فقاتِلْ، فإن قُتلتَ ففي الجنة، وإن قَتلتَ ففي النار»؛ أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي.

    وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ قُتلَ دونَ ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتِلَ دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد»؛ أخرجه الترمذي.

    أيها الأبطال المساعير، والأمجاد المغاوير، جنودُنا المرابطون على حدودنا الجنوبية؛ الأمةُ تفخَر بكم وتعتز بتضحياتكم؛ فهنيئًا لكم شرف الدنيا، وثواب الآخرة.

    فعن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رِباطُ يومٍ وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عملُهُ الذي كان يعمل، وأُجرِيَ عليه رزقه، وأَمِنَ الفتَّان»؛ أخرجه مسلم.

    وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عينان لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله»؛ أخرجه الترمذي.

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مَكلومٍ يُكْلَمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكَلمه يدَْمى، اللونُ لونُ دمٍ، والريحُ ريحُ مِسْكٍ»؛ متفق عليه.

    أيها المسلمون:

    ستظل هذه البلاد المباركة - بحول الله وقوته، ثم بعزمات رجالها، وإيمان أهلها، وصدق وُلاتها، ونُصحِ عُلمائها - حاميةً لمعاقد الدين من التغيير، حافظةً لموارد الشريعة من التكرير، لا تُساوِمُ على حساب دينها، ولا تُصانِعُ على مُقتضيات عقيدتها، ولا تُداهِنُ على مُوجِبات إيمانها، بلدًا آمنًا مُطمئنًّا، ساكنًا مُستقرًّا، مُتلاحمًا مُتراحمًا، عزيزًا بعزِّ الإسلام، منيعًا محفوظًا مَصُونًا بحفظ الدين:

    وإنْ رغِمتْ أنوفٌ منْ أناسٍ = فقُلْ يا رب لا ترغمْ سوَاهَا.

    بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    اتقوا الله وراقِبُوه، وأطيعُوه ولا تعصوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119 ].

    أيها المسلمون:

    إننا نعيشُ في قوة وصحة وأمن تُوجبُ الشكرَ لله ذي المنِّ، وإن من حق الله علينا وحق أجيالنا وأوطاننا أن نكون أوفياءَ للإسلام، أُمَناءَ على الإسلام؛ فالأمن بالدين يبقى، والدين بالأمن يقوى، ولن تُصان حمى الأوطان بمثل طاعة الرحمن، فاستديموا بالطاعة النعم برغيد عيشها، وطيب أمنها، ونفيس زينتها، وكُفُّوا عن المعاصي المُهلِكة، والذنوب المُوبِقة، وتوبوا توبةً صادقةً، تُدفعْ عنكم النقم، وتُحرسْ عليكم النعم، ويدُمْ عزُّكم بين الأمم.

    ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولًا كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].

    اللهم صلِّ وسلم على نبينا وسيدنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنة المُتَّبعة: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الآل والأصحاب.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين.

    اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيئ له البطانة الناصحة الصالحة الصادقة، التي تدله على الخير وتعينه عليه، وأبعِد عنه بطانة السوء يا رب العالمين.

    اللهم كن لإخواننا في فلسطين ناصرًا ومُعينًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهمَّ عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم طهِّرِ المسجدَ الأقصى من رجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رجس يهود.

    اللهم أعِنَّا ولا تُعِنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

    اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم، وسدِّد سِهَامَهم، واكبِت أعداءهم، وانصرهم على القوم الباغين يا رب العالمين، اللهم اقبل مَنْ قُتلَ منهم في الشهداء، واشفِ مريضهم يا سميع الدعاء.

    اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ مبتلانا، وعافِ مبتلانا، وفكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.

    اللهم من أراد بلادنا أو أراد بلاد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاكشف سِرَّه، واهتك ستره، وأبطِل مكره، واكفِنا شرَّه، واجعله عبرةً يا رب العالمين.

    اللهم وفِّق أبناءنا الطلاب وبناتنا الطالبات في دراستهم وامتحانهم، اللهم لا سَهْلَ إلا ما جعلتَه سهلًا، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن - إذا شئتَ - سهلًا؛ فاجعل الامتحان عليهم سهلًا مُيسَّرًا يا رب العالمين، اللهم فاجعل الامتحان عليهم سهلًا مُيسَّرًا يا رب العالمين، اللهم ذَلِّل لهمُ الصِّعاب، ووفِّقهم للصواب، وألهِمْهم حُسْنَ الجواب، اللهم حقِّق لهم النجاح، واكتب لهم التوفيق والفلاح، والهدى والصلاح، اللهم اجعلهم لوالديهم وأهليهم وأوطانهم وذويهم قُرَّةَ عينٍ، وقِهِم شرَّ الحسد والعين، وأبعِد عنهم قُرناء السوء وأصحاب الفجور يا رب العالمين.

    عباد الله:

    {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90 ].

    فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.