(المونديال الكبير) – مقامك حيث تقيم نفسك
بقلم: فاتن صبري
مقام الإنسان حيث توجد أولوياته:
في رحلة الحياة بما فيها من أحزان وصعاب، وأفراح وتياسير، نجد أنفسنا ننتظر النصر والتأييد والتمكين.
لكننا في الواقع لا نحصل عليه، لأنه بمجرد حصولنا على هدف معين، تبدأ رغبتنا تشتعل للحصول على الهدف الآخر، والعمر يجري ولا تنتهي الأحلام.
فمتى النصر؟
كيف أعرف مقامي عند الخالق؟
كيف أعرف أنني سأحصل على رضاه؟
وجدت الإجابات على هذه الأسئلة عندما علمت أن النصر قد لا يأتي هنا في هذه الحياة الدنيا، وإن أتى فسوف يأتي مؤقتًا.
فإذا طهرت القلوب من كل شئ دنيوي وكان هدفها الوحيد ارضاء الله هنا يأتي النصر وقد لا يستمر طويلاً.
أعرف مقامي عند الخالق عندما أعبده وحده، ولا أنسب له الولد، ولا أي صفة بشرية أخرى أو حيوانية.
أعرف مقامي عند الخالق عندما لا ألجأ بالطلب عند الحاجة لأحد من مخلوقاته، كقسيس أو قديس، أو أي صنم أو حجر، أو أي نبي من أنبيائه أو لأحد من آل بيتهم.
أعرف مقامي عند الخالق عندما أؤمن وأصدق بجميع أنبيائه من آدم إلى محمد بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
وكلنا يعيش هذه الأيام مواقف متشابهة، وعلينا أن نختار ونرى بما تصدح به أصواتنا.
هل نردد دائمًا اسم الخالق على ألسنتنا، أم أسماء أخرى حسب اهتماماتنا الدنيوية و أهوائنا؟
هل أدافع عن حق لاعب أو مطرب، أم عن حق خالق اللاعب والمطرب؟
هل أدافع عن حق حرية الصحفي والإعلامي أولاً أم عن حق خالق الصحفي والإعلامي؟
هل أدافع عن حق أرض خلقها الخالق أولاً، أم عن حق خالق الأرض؟
هل أعمل اعتبار لقريب أو صديق أولاً، أم لحق خالق القريب والصديق.
إن مقام الإنسان عند خالقه حيث توجد أولوياته.
رحلة عاجلة وهدف سامي:
سألني طفل فرنسي يومًا:
ما هو الهدف من الحياة؟
قلت له:
هدف الحياة هو أن نتعرف على خالقنا.
قال:
وهل هناك خالق؟
قلت له:
يقول العلم مؤخرا بوجود قوة عظمى ذكية أعطت النقرة الأولى ل(الانفجار الكبير) الذي تسبب في وجود الكون. وهي ما يطلق عليها المؤمن لقب الخالق.
فلا شئ يأتي من العدم.
ويقول العلم مؤخرا بنقطة نهاية للكون(الانسحاق الكبير)، وهي ما يطلق عليها المؤمن لقب يوم الحساب.
فوجود يوم الحساب يعني بأن المجرم سوف يحاسب على اجرامه, ويثاب المحسن على إحسانه.
فبدون وجود الخالق لا قيمة لهذه الحياة.
قال:
وكيف نتعرف على الخالق؟
قلت له:
حياة الإنسان عبارة عن مهمة عاجلة على كوكب الأرض. إن حياة الإنسان في هذه المهمة عبارة عن سلسلة من القرارات التي يتخذها في كل دقيقة من دقائق عمره منذ بلوغه، والتي سوف يحاسَب عليها بعد الموت من خالقه.
إن لم ينشغل الإنسان بالمهمة التي خلقه الخالق لها وهي التعرف على الخالق من خلال عبادته وحده، فإنه سوف يخترع مهمة خاصة به.
كلاعب كرة القدم في المونديال على سبيل المثال، والذي جوهر مهمته لياقته البدنية، فيتبع نظامًا قاسيًا في التدريب والطعام ليحقق هدف أسمى بالنسبة له، وهو الحصول على الكأس.
فهو لا يبالي بكل الصعاب التي تواجهه، لأن تركيزه موجه على هدفه الأساسي، والذي هو الفوز باللقب.
فلاعب كرة القدم في المونديال يعرف أجوبة على أربعة أسئلة:
من أين جاء ؟
لماذا جاء؟
إلى أين يعود؟
ما هو شعار مهمته؟
وكذلك الحال في مونديال الحياة
شعار الإنسان في مونديال الحياة يجب أن يكون:
نتحمل ما نكره من مسؤوليات ونقاوم ما نريد من رغبات.
فمن أراد أن يسرق لاحتياجه للمال على سبيل المثال فعليه أن يقاوم رغبته ويلجأ إلى العمل لكسب المال وهو مسؤولية أراد أن يتجنبها. ومن أراد أن يغش صاحبه فعليه أن يكون أمين معه حتى ولو ظلمه صاحبه. ومن أراد أن يقيم علاقة مع فتاة خارج نطاق الزواج فعليه أن يقاوم رغبته ويتزوجها، فالزواج مسؤولية أراد أن يتجنبها. وهكذا.
وهذه المقاومة هي ما يمنح الإنسان انسانيته. فهو إن لم يتحكم في شهواته واستسلم لها فهو يتجرد من انسانيته، ويصبح عابدًا لشهواته. يجب على الإنسان أن يكون المسيطر على رغباته لكي يُثبت انسانيته
فنجد البشر الآن يريدون أن يفعلوا كل ما يخطر ببالهم، دون تفكير أو تقدير للعواقب، حتى انتهى بهم الأمر إلى معاشرة الحيوان. فأصبحوا بذلك أحط درجة من الحيوان، لأن الحيوان في كل الأحوال لا يفعل ما يعاكس فطرته السليمة التي خلقه الله عليها.
خلال هذه المهمة العاجلة في هذه الدنيا عندما يتعرض الإنسان للمرض على سبيل المثال فيلجأ إلى الخالق بالدعاء لطلب الشفاء فيتعرف على أسماء الله الشافي والمجيب. وعندما يحصل على نعمة فهو يتعرف على اسم الله المعطي.
وهو إن لم يعرف إلا صفات الجمال المتمثلة بالنعم والتياسير فكأنه لم يعرف الله.
فالخالق له صفات جمال وجلال.
فإن لم يعرف الإنسان صفات الجلال من خلال تعرضه للمصاعب والمحن فكأنه لم يعرف خالقه.
قال:
وما هو جوهر هذه المهمة وعلى أي أساس تقوم؟
قلت له:
جوهر مهمة البشر هي عقلانيتهم التي تميزوا بها عن الحيوان للتفريق بين الحق والباطل في كل خطوة من خطوات حياتهم.
ويظل الصراع بين الحق والباطل هو أساس الاختبار.
أمم تأتي ليختبرها الخالق، ويرى من سيقف مع الحق ومن سيقف مع الباطل. وتُسجَّل على الإنسان النتيجة مع علم الخالق المسبق بها، والتي سوف تكون حجة على الإنسان يوم القيامة.
ويتمايز البشر عن بعضهم البعض حسب مواقفهم.
وكأن تعدد المشاكل وتنوعها في هذه الحياة سواءً كان في داخل البيوت أو أماكن العمل أو حتى في الطرق العامة إنما هو فقط لتوثيق مواقف البشر تجاه هذه المشاكل.
هل سيشهد الشاهد شهادة حق في المحكمة في حق من ظلمه حتى لو كانت في صالح الظالم؟
هل سينصف المدير الموظف الذي قد يأخذه منصبه منه بكفاءته أم سيظلمه خوفًا على منصبه؟
هل سيعطي الماشي في الطريق الطريق حقه ويميط الأذى أم سوف يتجاهل الموضوع؟
هل سيفضل من لديه مبلغ من المال أن يساعد بهذا المبلغ أخاه المريض أم سينفقه على متعة شخصية؟
ويموت الإنسان وتبقى مواقفه مسجلة عند الخالق تشهد له أو عليه.
ويأتي غيره إلى هذه الحياة لاحقًا ليضع بصمته.
معيار النجاح:
قال الطفل وقد كان غاية في الذكاء:
وما هو معيار النجاح في هذه الدنيا؟
قلت له:
المعيار الأساسي للنجاح هو درجة قوة علاقة الإنسان مع خالقه، ومواقفه وترتيب أولوياته.
يجب أن يسأل الإنسان نفسه:
هل الخالق أولوية عنده أم أولويته شئ آخر.
وبناءً على الموقف الذي اختاره يكون نجاحه أو فشله في الاختبار.
يجب أن نُخرج كل هدف من برنامج حياتنا ونُبقي على هدف ارضاء الخالق.
قال الطفل:
لكن المؤمنون اليوم قد يقفوا مع الحق ولكن لا يحققون النصر في هذه الدنيا.
قلت له ما سمعته مرة وأعجبني:
يجب علينا أن نقف مع الحق ليس انتظارًا للنصر وإنما لنثبت صدقنا مع الخالق.
قال الطفل:
ولماذا لم يجعل الخالق الحياة بلا صراع بين الحق والباطل!
قلت له:
يجب أن يكون الاختبار صعب ليميز الخبيث من الطيب
إن كان اختبارًا سهلاً لينجح الجميع فسيصبح في هذه الحالة اختبارًا بلا معنى. وإذا وقف الجميع مع الحق، وكان الجميع ضد الباطل فقد ضاعت قيمة الاختبار. والباطل سيظل منتصرًا باستثناء فترات معينة فقط.
فنحن لم نُخلق لهذه الحياة، بل الخالق خلقنا للجنة وأراد من هذا الاختبار أن يُعطي الجنة لمن يستحقها بعمله.
تفاجأت بعدها بشقيقة الطفل الفرنسي والتي تبلغ ٩ سنوات تقول لي:
لماذا يُفضل الإله في دين الإسلام الذكر على الأنثى؟
قلت لها:
الإله في دين الإسلام هو خالق البشر أجمعين، والذي يعرف طبيعتهم وما يصلح لهم، وهو لا يفرق بينهم.
قلت لها مستطردة:
لنفترض أنكِ ركضتي ٥ كيلو في ساعة
و شقيقك ركض ٥ كيلو في ساعة و نصف
من أسرع و أقوى و أفضل؟
قالت:
أنا طبعًا.
قلت لها:
لو قلنا بأن شقيقك ركض على أرض رملية و أنتي داخل مضمار مجهّز.
قالت:
سوف يفهم الناس أن أخي أقوى مني.
هنا تتغير المعادلة إذًا.
وإذا عرفنا وزن كل منكما والعمر، فستتغير النتيجة.
فكلما عرفنا تفاصيل أكثر عنكِ و عن أخيكِ يتغير معنا الحكم على الأفضلية.
الخالق خلق الأنثى بطبيعة معينة وخلق الذكر بطبيعة مختلفة.
فكلما زادت معرفتنا بتفاصيل هذه الفروق سوف يتغير معنا الحكم على الأفضلية.
قالت:
يجب أن تحقق الأنثى نجاح كما يحقق الذكر.
قلت لها:
الخالق لم يخلق الأنثى لتقوم بما يقوم به الذكر، ولكن خلقها لكي تقوم بما لا يستطيع أن يقوم به الذكر.
ما هو معيار النجاح للأنثى؟
هل معيار النجاح هو فعل ما يفعله الذكر؟
هل إذا ألقى الذكر بنفسه من فوق جبل، تُلقي هي نفسها خلفه لتثبت أنها ناجحة؟
هل إذا عانى الرجل في حياته بسبب مسؤولياته التي كلفه بها الخالق وأراح المرأة منها، فيجب في هذه الحالة أن تعاني المرأة مثله لتثبت أنها ناجحة؟
هل يستطيع أباكِ تحمُّل الآلام التي تحملتها والدتك أثناء حملها بكِ وعند ولادتك؟
هل يستطيع أصلاً والدك أن يحمل بطفل ليُخفف عن والدتك متاعب الحمل؟
المقارنة الوحيدة العادلة في هذه الحالة هي مدى قوة علاقة الإنسان بخالقه.
نجاح الإنسان رجلاً كان أم امرأة في تقوية علاقته بالخالق.
لقد أخطأ البشر عندما حكموا بأن الذكر أفضل من الأنثى!
كذلك هي نفس السطحية عندما تقارني نفسك بأي أحد.
كل واحد بيئته مختلفة و الفرص التي تقابله مختلفة.
حياتك مختلفة، أسرتك مختلفة، ظروفك مختلفة.
ماذا ننال وعلى ماذا نحصل؟
تدخلت والدة الطفلة الفرنسية مباشرة قائلة:
وكيف تتحملون الحجاب، أليست هذه عبودية؟ هذا بالنسبة لنا لا يطاق. لماذا لا يلبس الرجل أيضًا الحجاب؟
ذكرت لها ما عبرت عنه سيدة مسلمة وأعجبني:
نتحمّل الحجاب وحرارة الجو تمامًا كما تتحملين آلام ارتداء الكعب العالي.
ولا تقولين لماذا لا يرتديه الرجال مثلي ؟
تتحمل المنتقبة تحديد النقاب للرؤية تمامًا كما تتحملين تحديد الرموش الإصطناعية لرؤيتك.
ولا تتساءلين لماذا كل هذا العذاب؟
بل تسارعين إلى مجاراة كل جديد مهما أزعجك واستنزف مالك ووقتك؟!
تتحمل المسلمة الحجاب كما تتحملين آلآم البوتوكس وجلسات التجميل العديدة.
نتحمل تغطية شعرنا بالأقمشة تمامًا كما تتحملين تغطية وجهك بالمساحيق التي تسد المسام، و كما تتحملين تغطية شعرك بالمثبتات والصبغات الكاوية!
قالت:
لكن الحجاب يقيد الحركة.
قلت لها:
هل الحجاب الواسع الفضفاض يقيد المراة عن الحركة؟
إذًا ماذا عن الملابس الضيقة حد الاختناق، والقصيرة، والتي تقيدك فلا يعود بامكانك الإنحناء أو حتى التنفس بحرية!
وماذا عن تقْيِدِك لساعات خارج المنزل لا تستطيعين فيها غسل وجهك أو لمس شعرك حتى لا يفسد المكياج وتخرب التسريحة؟!
نتقيد بحجابنا كما تتضور من الجوع من تشارك في مسابقات الجمال حتى تحصل على قوام ممشوق وبالتالي تحصل على اللقب.
وكل هذا الصبر وكل هذه المعاناة لأجل ماذا ومن أجل من؟
من أجل الرجل الذي تحاربه المرأة؟!
من هي العبدة الآن؟
والمسلمة تفعل ذلك ابتغاء مرضاة خالقها وليس لرجل أيًّا كان.
والمسلمة بما تتحمله تصون نفسها في الدنيا، وتنال خير الجزاء في الاخرة.
أرادت المرأة المسلمة أن يعاملها الرجل كقيمة عظيمة ولأن يُجردها من لقب أنثى لتصبح أمًا وأختًا وابنة.
تريد المرأة المسلمة أن يحكم عليها العالم حسب قناعاتها وأفكارها وثقافتها، وليس على مظهرها الخارجي.
المرأة المسلمة عرفت مقامها عند خالقها بثباتها على موقفها، وتحديد أولوياتها، والتي هي حق الخالق عليها بعبادته على الطريقة التي أرادها هو، وليس حسب هوى نفسها.
أما أنتِ فماذا تنالين؟ وعلى ماذا تحصلين؟
معيار صحة تعليمات المصدر:
قالت الفرنسية:
وكيف نعرف مراد الخالق والطريقة التي يريدنا أن نعبده بها؟
قلت لها:
الخالق أرسل مع رسله نظام حياة لكي يلتزم به البشر.
كتب الرسل السابقة تغيرت وتحرفت باعتراف أتباعها وبقي الكتاب الأخير القرآن محفوظًا.
قالت:
ما هو معيار تمييز الكتاب الصحيح عن المحرف؟
قلت لها:
معيار تمييز الكتاب الصحيح عن المحرف هو:
الكتاب الصحيح لا ينسب إلى الخالق صفات حيوانية أو بشرية.
الكتاب الصحيح يُكرم ويُنزه رسل الخالق عن النقائص.
يجب أن يكون الكتاب الصحيح محفوظًا بلغته الأصلية.
يجب ألا تتوفر من الكتاب الصحيح نسخ متناقضة ومتعددة.
يجب ألا يتعارض الكتاب الصحيح مع الفطرة البشرية.
يجب ألا يتعارض الكتاب الصحيح مع العلم الحديث.
يجب أن يكون الكتاب الصحيح محفوظًا من التبديل والتحريف.
يجب أن يعترف الكتاب الصحيح بجميع أنبياء الخالق من آدم إلى محمد، بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
وهذه الشروط جميعها لم تتوفر إلا في القرآن الكريم.