كتبه الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الله السحيم
أستاذ العقيدة في قسم الدراسات الإسلامية (سابقا)
كلية التربية، جامعة الملك سعود
الرياض، المملكة العربية السعودية
رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم
نبذة موجزة عن رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم أبين فيها اسمه ونسبه وبلده وزواجه، ورسالته، والذي دعا إليه، وآيات نبوته، وشريعته، وموقف خصومه منه.
1- اسمه ونسبه والبلدة التي ولد ونشأ فيها
رسول الإسلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام. وذلك أن نبي الله إبراهيم عليه السلام قدم من الشام إلى مكة، ومعه زوجه هاجر وابنه إسماعيل، وهو في المهد، وأسكنهما مكة بأمر من الله عز وجل، ولما شب الغلام جاء النبي إبراهيم عليه السلام إلى مكة، وبنى هو وابنه إسماعيل عليهما السلام الكعبة البيت الحرام، وتكاثر الناس حول البيت، وأصبحت مكة مقصد المتعبدين لله رب العالمين، الراغبين في أداء الحج، واستمر الناس في عبادة الله وتوحيده على ملة إبراهيم عليه السلام قروناً، ثم وقع الانحراف بعد ذلك، فكانت جزيرة العرب حالها كحال ما حولها من سائر بلاد العالم، ظاهرة فيها أمور الوثنية: كعبادة الأصنام، ووأد البنات، وظلم النساء، وقول الزور، وشرب الخمر، وارتكاب الفواحش، وأكل مال اليتيم وأخذ الربا ... في هذا المكان وفي هذه البيئة وُلِد رسول الإسلام محمد بن عبد الله من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام، عام 571م، توفي أبوه قبل مولده، وتوفيت أمه في عامه السادس، وكفله عمه أبو طالب، وعاش يتيماً، فقيراً، وكان يأكل ويتكسب من عمل يده.
2- الزواج المبارك من السيدة المباركة
ولما كان عمره خمساً وعشرين سنة تزوج بسيدة من نساء مكة وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ورزق منها بأربع بنات وابنين، ومات أبناؤه في طفولتهما، وكان تعامله مع زوجته وأسرته في غاية اللطف والمحبة، ولهذا أحبته زوجته خديجة حباً عظيماً، وبادلها هو كذلك الحب، ولم ينسها حتى بعد موتها بسنين طويلة، وكان يذبح الشاة ويفرقها في صدائق خديجة رضي الله عنها إكراما لهن، براً بها وحفظاً لمودتها.
3- بدء الوحي
كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على خُلُق عظيم منذ خلقه الله، وكان قومه يسمونه الصادق الأمين، وكان يشترك معهم في الأعمال الجليلة، ويبغض ما هم عليه من أمور الوثنية ولا يشاركهم فيها.
ولما بلغ أربعين سنة وهو في مكة اختاره الله ليكون رسولاً، فجاءه الملك جبريل عليه السلام بصدر أول سورة نزلت من القرآن وهي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))[سورة العلق:1-5]، فجاء إلى زوجته خديجة رضي الله عنها يرجف فؤاده، وقص عليها الخبر فطمأنته، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل -وكان قد تنصر وقرأ التوراة والإنجيل- فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: (هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجيّ هم»، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا).[2]
وفي مكة توالى نزول القرآن عليه، ينزل به جبريل عليه السلام من رب العالمين كما يأتيه بتفاصيل الرسالة.
وظل يدعو قومه إلى الإسلام، ونابذه قومه وخاصموه، وعرضوا عليه مقابل أن يتخلى عن الرسالة: المال والملك، ورفض كل ذلك، وقالوا له كما قال الملأ للرسل من قبله: ساحر، كذاب، مفتري، وضيقوا عليه، واعتدوا على جسده الشريف، واضطهدوا أتباعه، وظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة يدعو إلى الله، ويقصد موسم الحج، وأسواق العرب الموسمية، فيلتقي فيها بالناس ويعرض عليهم الإسلام، ولم يرغّب بدنيا ولا رئاسة، ولم يرهّب بسيف، فلم يكن له سلطان ولا كان ملكاً، وأعلن التحدي في أول دعوته أن يأتوا بمثل ما أتى به من القرآن العظيم، وظل يتحدى به خصومه، فآمن به من آمن من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
وفي مكة أكرمه الله بالآية العظيمة وهي الإسراء إلى بيت المقدس، ثم العروج به إلى السماء، ومن المعلوم أن الله رفع إلى السماء النبي إلياس والمسيح عليهما السلام، كما هو مذكور عند المسلمين والنصارى. وتلقى النبي صلى الله عليه وسلم من الله الأمر بالصلاة في السماء، وهي هذه الصلاة التي يصليها المسلمون في اليوم خمس مرات، وفي مكة المكرمة –أيضاً- حصلت الآية العظيمة الأخرى وهي انشقاق القمر حتى رآه المشركون.
واستخدم كفار قريش كل وسيلة للصد عنه؛ إمعاناً في الكيد له والتنفير منه، وتعنتوا في طلب الآيات، واستعانوا باليهود ليمدوهم بالحجج التي تعينهم في مجادلته وصد الناس عنه.
ولما تواصل اضطهاد كفار قريش للمؤمنين أذن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة إلى الحبشة، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن فيها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، وكان ملكاً نصرانياً، فهاجر منهم مجموعتان للحبشة، فلما وصل المهاجرون الحبشة عرضوا على الملك النجاشي الدينَ الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أسلم وقال: هذا -والله- والذي جاء به موسى عليه السلام ليخرج من مشكاة واحدة، وتتابع أذى قومه له ولأصحابه.
وكان ممن آمن به في الموسم نفر ممن قدموا من المدينة وبايعوه على الإسلام وعلى النصرة إذا انتقل إلى مدينتهم، وكانت تسمى (يثرب)؛ وأذن لمن بقي منهم في مكة بالهجرة إلى المدينة النبوية، فهاجروا وانتشر الإسلام في المدينة، حتى لم يكن فيها بيت إلا ودخله الإسلام.
وبعد أن أمضى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الله، أذن الله له في الهجرة إلى المدينة النبوية؛ فهاجر -صلى الله عليه وسلم-، وواصل الدعوة إلى الله، وتوالى فيها تنزل شرائع الإسلام شيئاً فشيئاً، وبدأ يرسل رسله ومعهم الرسائل إلى رؤساء القبائل والملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكان ممن أرسل إليه: ملك الروم، وملك الفرس، وملك مصر.
وفي المدينة وقعت حادثة كسوف للشمس ففزع الناس، وصادف ذلك يوم وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله، يخوف الله بهما عباده)[3]، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم كذاباً دعياً لسارع لتخويف الناس من تكذيبه وقال إن الشمس كسفت لموت ابني فكيف بمن يكذبني.
والرسول صلى الله عليه وسلم جمّله ربه بكمال الأخلاق، ووصفه الله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم:4]، فكان متصفاً بكل خلق حسن كالصدق والإخلاص والشجاعة والعدل والوفاء حتى مع الخصوم، والكرم ويحب الصدقة على الفقراء والمساكين والأرامل والمحتاجين، والحرص على هدايتهم، والرحمة بهم والتواضع لهم، حتى كان الرجل الغريب يأتي يبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأل عنه أصحابه رضي الله عنهم وهو بينهم فلا يعرفه فيقول: أيكم محمد؟
وكانت سيرته آية في الكمال والنبل في تعامله مع الجميع: العدو والصديق، والقريب والبعيد، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، والحيوان والطير.
ولما أكمل الله له الدين، وبلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرسالة غاية التبليغ، توفي وعمره ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبيا ورسولاً. ودفن بالمدينة النبوية -صلى الله عليه وسلم-، ولم يترك مالاً ولا ميراثاً، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة.[4]
وكان عدد الذين أسلموا وصدقوه وتابعوه خلق كثير، وحج معه من أصحابه حجة الوداع أكثر من مائة ألف، وكانت قبل موته تقريباً بثلاثة أشهر، ولعل هذا من أسرار حفظ دينه وانتشاره، ولقد كان أصحابه الذين رباهم على قيم الإسلام ومبادئه من خير الأصحاب عدلاً وزهداً وورعاً ووفاءً وبذلاً لهذا الدين العظيم الذي آمنوا به.
وكان أعظم أصحابه رضي الله عنهم أجمعين إيماناً وعلماً وعملاً وإخلاصاً وتصديقاً وبذلاً وشجاعة وكرماً: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وهم من أوائل من آمن به وصدقه، وكانوا هم الخلفاء من بعده، الذين حملوا لواء الدين من بعده، ولم يكن لهم شيء من خصائص النبوة، ولم يخصهم بشيء دون بقية أصحابه رضي الله عنهم.
وحفظ الله كتابه الذي جاء به وسنته، وسيرته وأقواله وأفعاله بلغته التي تكلم بها، فلم تُحفظ سيرةٌ -عبر التاريخ -كما حفِظت سيرته -صلى الله عليه وسلم-، بل حُفظ كيف كان ينام ويأكل ويشرب ويضحك؟ وكيف يتعامل مع أهله داخل بيته؟ وكل أحواله محفوظة مدونة في سيرته، فهو بشر رسول ليس له من خصائص الربوبية شيء، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
4- رسالته
أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم بعد أن عم الشرك والكفر والجهل أرجاء الأرض، ولم يكن على وجه الأرض من يعبد الله لا يشرك به شيئاً، إلا بقايا معدودون من أهل الكتاب، فبعث الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- خاتماً للأنبياء والمرسلين، بعثه الله بالهدى ودين الحق للعالمين كافة؛ ليظهره على الدين كله، وليُخرج الناس من ظلمات الوثنية والكفر والجهل إلى نور التوحيد والإيمان، ورسالته مكملة لرسالات الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام.
ودعا إلى كل ما دعا إليه الأنبياء والمرسلون عليهم السلام: نوح وإبراهيم وموسى وسليمان وداود وعيسى- من الإيمان بأن الرب هو الله الخالق الرازق المحيي المميت مالك الملك، وهو الذي يدبر الأمر، وهو الرؤوف الرحيم، وأن الله هو الخالق لكل ما في الكون مما نراه ومما لا نراه، وكل ما سوى الله فهو مخلوق من مخلوقاته.
كما دعا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، وبين -غاية البيان- أن الله واحد لا شريك له في عبادته، أو ملكه، أو خلقه، أو تدبيره، وبين أن الله سبحانه لم يلد ولم يولد، وليس له كفو ولا مثيل، ولا يحُلّ في شيء من خلقه ولا يتجسّد فيه.
ودعا إلى الإيمان بالكتب الإلهية كصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام والتوراة والزبور والإنجيل، كما دعا إلى الإيمان بالرسل كلهم عليهم السلام، واعتبر أن من كذب نبياً واحداً فقد كفر بجميع الأنبياء،
وبشر الناس كلهم برحمة الله، وأن الله هو الذي يتولى كفايتهم في الدينا، وأن الله هو الرب الرحيم، وهو وحده الذي سيحاسب الخلائق يوم القيامة حينما يبعثهم جميعاً من قبورهم، وأنه هو الذي يجزي المؤمنين على أعمالهم الصالحة الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، ولهم النعيم المقيم في الآخرة، ومن كفر وعمل السيئات ينال جزاءه في الدينا وفي الآخرة.
والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في رسالته لم يمجد قبيلته ولا بلده ولا نفسه الشريفة، بل ورد في القرآن الكريم أسماء الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام أكثر مما ورد اسمه، ولم يذكر اسم أمه ولا أسماء زوجاته في القرآن الكريم، وورد في القرآن ذكر اسم أم موسى أكثر من مرة، وورد ذكر مريم عليها السلام خمساً وثلاثين مرة.
والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- معصوم من كل ما يخالف الشرع والعقل والفطرة أو يرفضه الخُلق السليم؛ لأن الأنبياء معصومون عليهم السلام فيما يبلغونه عن الله، ولأنهم المكلفون بتبليغ أوامر الله لعباده، والأنبياء ليس لهم شيء من خصائص الربوبية أو الألوهية؛ بل هم بشر كسائر البشر يوحي الله تعالى إليهم برسالاته.
ومن أعظم الشواهد على أن رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحي من الله أنها إلى اليوم موجودة كما كانت عليه حال حياته، ويتبعها أكثر من مليار مسلم، يطبقون واجباتها الشرعية كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها بلا تغيير أو تحريف.
5- آيات نبوته وأعلامها وأدلتها
يؤيد الله الأنبياء بالآيات الدالة على نبوتهم، ويقيم لهم الحجج والبراهين الشاهدة على رسالتهم، ولقد آتى الله كل نبي من الآيات ما يكفي ليؤمن على مثلها البشر، وأعظم الآيات التي أوتيها الأنبياء آيات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد آتاه الله القرآن الكريم، وهو الآية الباقية من آيات الأنبياء إلى يوم القيامة، كما أيده الله بالآيات (المعجزات) العظيمة، وآيات الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كثيرة فمنها:
الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ونزول المطر مرات متعددة بعدما دعا ربه ليسقي الناس بعدما قحطوا.
وتكثير الطعام والماء القليل فيأكل منه أو يشرب منه الخلق الكثير.
وإخباره بالغيوب الماضية التي لم يعلم بتفاصيلها أحد، بإخبار الله له كقصص الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم، وقصة أصحاب الكهف.
وإخباره بالغيوب المستقبلة التي وقعت فيما بعد بإخبار الله له سبحانه كخبر النار التي تخرج من أرض الحجاز رآها من كان بالشام، وتطاول الناس في البنيان.
وكفاية الله له وعصمته له من الناس.
وتحقق وعوده لأصحابه كقوله لهم: (لتفتحن عليكم فارس والروم، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله).
وتأييد الله له بالملائكة.
وبشارة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أقوامَهم بنبوة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وممن بشر به موسى وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل.
وبالأدلة العقلية والأمثال المضروبة[5] التي تُذعن لها العقول السلمية.
وهذه الآيات والأدلة والأمثلة العقلية مبثوثة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وآياته أكثر من أن تحصر، ومن أراد الوقوف عليها فليراجع القرآن الكريم وكتب السنة والسيرة النبوية ففيها الخبر اليقين عن هذه الآيات.
وهذه الآيات العظيمة لو لم تكن وقعت لوجد خصومُهُ من كفار قريش ومن اليهود والنصارى الذين كانوا في جزيرة العرب الفرصة لتكذيبه وتحذير الناس عنه.
والقرآن الكريم هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وهو كلام رب العالمين، وتحدَّى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله، ولا يزال التحدي قائماً إلى اليوم، والقرآن الكريم يجيب على أسئلة مهمة كثيرة تحيّر فيها الملايين من الناس، والقرآن العظيم محفوظ إلى اليوم باللغة العربية التي نزل بها، لم ينقص منه حرف، وهو مطبوع منشور، وهو كتاب عظيم معجز ، وهو أعظم كتاب جاء إلى الناس، جدير بالقراءة أو قراءة ترجمة معانيه، ومن فاته الاطلاع عليه والإيمان به فقد فاته الخير كله، كما أن سُنَّة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وهديه وسيرته محفوظة ومنقولة وفق سلسلة من الرواة الموثوقين وهي مطبوعة باللغة العربية التي تحدث بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كأنه يعيش بيننا، ومترجمة إلى كثير من اللغات، والقرآن الكريم وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هما المصدر الوحيد لأحكام الإسلام وتشريعاته.
6- الشريعة التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-
الشريعة التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هي شريعة الإسلام، وهي خاتمة الشرائع الربانية والرسالات الإلهية، وهي متماثلة في أصولها مع شرائع الأنبياء السابقين وإن اختلفت كيفياتها
وهي شريعة الكمال، وهي صالحة لكل زمان ومكان، فيها صلاح دين الناس ودنياهم، وهي متضمنة لكل العبادات التي تجب على العباد لله رب العالمين كالصلاة والزكاة، وتبين لهم المعاملات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحربية والبيئية الجائزة والممنوعة وغير ذلك مما تتطلبه حياة الناس ومعادهم.
وهذه الشريعة تحفظ أديان الناس ودماءهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم وذرياتهم، وهي متضمنة لكل فضيلة وبر، وتحذر من كل رذيلة وشر، تدعو إلى كرامة الإنسان والوسطية والعدل والإخلاص والنظافة والإتقان والحب، وحب الخير للناس، وحقن الدماء، وسلامة الأوطان، وتحريم ترويع الناس وإخافتهم بغير حق. وكان الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- حربا على الطغيان والفساد بكل صوره وأشكاله، وضد الخرافة، والعزلة، والرهبانية.
والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بين أن الله كَرَّم الإنسان –رجالاً ونساءً- وكفل له كامل حقوقه، وجعله مسؤولاً عن سائر اختياراته وأعماله وتصرفاته، ويحمّله مسؤولية أي عمل يضر بنفسه أو يضر بالآخرين. وجعل الرجل والمرأة سواء من حيث الإيمان والمسؤولية والجزاء والثواب، وفي هذه الشريعة عناية خاصة بالمرأة أماً وزوجة وبنتاً وأختاً.
والشريعة التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- جاءت بحفظ العقل وتحريم كل ما يفسده كشرب الخمر، فالإسلام اعتبر الدين نوراً يضيء للعقل طريقه؛ ليعبد الإنسان ربه على بصيرة وعلم، ورفعت شريعة الإسلام شأنَ العقل وجعلته مناطَ التكليف، وحررته من أغلال الخرافة والوثنيات.
وشريعة الإسلام تعظّم العِلْم الصحيح، وتحث على البحث العلمي المجرد عن الهوى، وتدعو إلى النظر والتفكر في النفس وفي الكون، والنتائج العلمية الصحيحة للعلم لا تتعارض مع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وليس في الشريعة تمييز لجنس معين من الناس دون جنس، وليس فيها تفضيل لقوم على قوم، بل الجميع أمام أحكامها سواء؛ لأن الناس كلهم في أصلهم سواسية، ولا فضل لجنس على جنس، ولا لقوم على قوم إلا بالتقوى، وأخبر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أن كل مولود يولد على الفطرة، وليس أحد من البشر يولد مخطئاً أو وارثاً لخطيئة غيره.
في شريعة الإسلام شَرَع الله التوبة وهي: إنابة الإنسان إلى ربه وترك الذَّنْب، والإسلام يهدم ما كان قبله من الذنوب، والتوبة تَجُبُّ ما كان قبلها من الذنوب، فلا حاجة للاعتراف أمام بشر بخطايا الإنسان، ففي الإسلام تكون العلاقة بين الإنسان وبين الله مباشرة، فلا تحتاج إلى أحد ليكون واسطة بينك وبين الله، فالإسلام يمنع أن نجعل البشر آلهة أو مشاركين لله في ربوبيته أو ألوهيته.
والشريعة التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخة لكل شريعة سابقة، لأن شريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله هي آخر الشرائع إلى يوم القيامة، وهي للعالمين كافة؛ ولذلك نسخت ما قبلها، كما نسخت الشرائع السابقة بعضها بعضاً، والله سبحانه وتعالى لا يقبل شريعة غير شريعة الإسلام، ولا يقبل ديناً غير الإسلام الذي جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ومن يعتنق غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، ومن أراد معرفة تفاصيل أحكام هذه الشريعة فليطلبها في الكتب الموثوقة التي تعرف بالإسلام.
إن هدف شريعة الإسلام -كما هو هدف جميع الرسالات الإلهية-: أن يتسامى الدينُ الحقُ بالإنسان فيكون عبداً خالصاً لله رب العالمين، ويحرره من العبودية للإنسان أو للمادة أو للخرافة.
إن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، وليس فيها ما يتعارض مع المصالح الصحيحة للإنسان، لأنها تنزيل من الله الذي يعلم ما يحتاج إليه الناس، والناس بحاجة إلى شرع صحيح في نفسه، لا يناقض بعضه بعضاً، مصلح للبشرية، لا يضعه بشر من البشر، بل يكون متلقى من الله، يهدي النّاس إلى طريق الخير والرّشاد، فإذا احتكموا إليه استقامت أمورهم وسلموا من ظلم بعضهم لبعض.
7- موقف خصومه منه شهادتهم له
لا شك أن لكل نبي خصوما يعادونه ويقفون في سبيل دعوته، ويصدون الناس عن الإيمان به، وكان لرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- خصوم كثيرون في حياته وبعد مماته، ولقد نصره الله عليهم أجمعين، وقد تواترت شهادة الكثيرين منهم – قديما وحديثا- على أنه نبي، وأنه جاء بمثل ما جاء به الأنبياء السابقون عليهم الصلاة والسلام، وأنهم يعلمون أنه على حق لكن يمنع كثيراً منهم من الإيمان به موانع كثيرة كحب الرئاسة أو الخوف من المجتمع، أو فقد المال الذي يكسبه من منصبه.
والحمد لله رب العالمين.
* نرحب بمن يرغب المشاركة في ترجمة الرسالة إلى أي لغة من اللغات، وذلك وفق الضوابط التالية:
1. أن تكون الترجمة متقنة لغوياً وشرعياً ولكامل الرسالة دون نقص أو زيادة أو تغيير، مع التركيز على سلامة نقل المعنى الشرعي لكل عبارة أو مصطلح إلى اللغة الهدف بأعلى قدر ممكن من الوضوح، ودون تأثير لأي آراء أو اجتهادات أو اعتبارات أخرى.
2. أن تتم الترجمة من خلال فريق متمكن من الترجمة قادر على إخراج ترجمة سليمة شرعياً، ولغوياً متوافقة مع القواعد اللغوية للغة الهدف من مرجعياتها الرسمية.
3. أن تكون الترجمة مقسمة وفق تقسيم الفقرات في الرسالة بحيث تكون ترجمة كل فقرة مقابلة لأصلها العربي.
4. أن تكون الترجمة مجانية ومتاحة نصياً وليس عليها أي قيود تعيق نشرها وتعميم النفع بها وتطويرها.
[1] حرصت على أن أقرن دائما بين كلمتي الرسول محمد مراعاة للترجمة فيلاحظ ذلك.
[2] متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، صحيح البخاري (2) 1/ 7، وصحيح مسلم (152) 1/ 139.
3 صحيح مسلم (901)
[4] صحيح البخاري (4461) 6/15.
[5] مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾. [سورة الحج:73]