سُؤَالٌ وَجَوابٌ فِي أَهَمِّ المُهِمَّاتِ
تَعْلِيمُ أُصُوْل الإِيْمَانِ
وَبَيَانُ مَوَانِعِ الْإِيمَانِ
تأليف
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1307 – 1376 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
الحمد لله على ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة، والنعم السابغة، وأصلى على محمد المبعوث لصلاح الدين والدنيا والآخرة.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة احتوت على أهم المهمات من أمور الدين وأصول الإيمان، تدعو الحاجة والضرورة إلى معرفتها.
جعلتها على وجه السؤال والجواب، لأنه أقرب إلى الفهم، والتفهيم وأوضح في التعلم، والتعليم.
السؤال الأول: ما حد التوحيد؟ وما أقسامه؟
الجواب: حد التوحيد الجامع لكل أنواعه هو علم العبد واعتقاده واعترافه وإيمانه بتفرد الرب بكل صفة كمال وتوحده في ذلك واعتقاده أنه لا شريك له ولا مثيل له في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ثم إفراده بأنواع العبادة.
فدخل في هذا التعريف أقسام التوحيد الثلاثة.
أحدها: توحيد الربوبية وهو: الاعترافُ بانفرادِ الرب بالخلق والرزق والتدبير والتربية.
الثاني: توحيد الأسماءِ والصفات: وهو إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله
محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى وما دلت عليه من الصفات من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
الثالث: توحيد العبادة وهو: إفراد الله وحده بأجناس العبادات وأنواعها وإفرادها وإخلاصها لله من غير إشراك به في شيء منها. فهذه أقسام التوحيد التي لا يكون العبد موحدا حتى يلتزم بها كلها ويقوم بها.
السؤال الثاني: ما هو الإيمان والإسلام وأصولهما الكلية؟
الجواب: الإيمان هو التصديق الجازم بجميع ما أمر الله ورسوله بالتصديق به المتضمنُ للعمل الذي هو الإسلام وهو الاستسلام لله وحده والانقياد لطاعته.
وأما أصولُهما: فهي ما احتوت عليه هذه الآية الكريمةُ:
﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:136]
وما فسره به النبي في حديث جبريلَ وغيره حيث قال:
((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره والإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)).
ففسر الإيمان بعقائد القلوب، وفسر الإسلام بالقيام بالشرائع الظاهرة.
السؤال الثالث: ما هي أركان الإيمان بأسماء الله وصفاته؟
الجواب: هي ثلاثةُ إيمانٌ:
1. بالأسماء الحسنى كلها.
2. وإيمانٌ بما دلت عليه من الصفات.
3. وإيمانٌ بأحكام صفاته ومتعلقاته.
فنؤمنُ بأنه ((عليم)) له العلم الكامل، المحيط بكل شيء. وأنه ((قدير)) ذو قدرة عظيمة، يقدر بها على كل شيء.
وأنه ((رحيم رحمان)) ذو رحمة واسعة، يرحم بها من يشاء، وهكذا بقية الأسماء الحسنى والصفات ومتعلقاتها.
السؤال الرابع: ما قولكم في مسألة علو الله على الخلق واستوائه على العرش؟
الجواب: نعرف ربنا بأنه عليٌ أعلى بكل معنى واعتبار.
1. علو الذات.
2. وعلو القدر والصفات.
3. وعلو القهر.
وأنه بائنٌ من خلقه مستو على عرشه، كما وصف لنا نفسه بذلك.
والاستواء معلوم، والكيف مجهول، فقد أخبرنا أنه استوى ولم يخبرنا عن الكيفية.
وكذلك نقول في جميع صفات الباري: أنه أخبرنا بها ولم يخبرنا عن كيفيتها. فعلينا أن نؤمن بكل ما أخبرنا في كتابه، وعلى لسان رسوله ولا نزيد على ذلك، ولا ننقص منه.
السؤال الخامس: ما قولكم في الرحمة، والنزول إلى السماء الدنيا ونحوها؟
الجواب: نؤمن ونقر بكل ما وصف الله به نفسه من الرحمة والرضى والنزول والمجي، وبما وصفه به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه لا يماثله فيه أحد من خلقه فإنه ليس كمثله شيء. فكما أن لله ذاتا لا تشبهها الذوات فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات. وبرهان ذلك: ما ثبت من التفصيلات العظيمة في الكتاب والسنة في إثباتها والثناء على الله بها، وما ورد على وجه العموم في تنزيهه عن المِثل والند والكفو والشريك.
السؤال السادس: ما قولكم في كلام الله وفي القرآن؟
الجواب: نقول: القرآنُ كلام الله منزلٌ غير مخلوق.
منه بدا، واليه يعود. والله المتكلم به حقا لفظه ومعانيه.
ولم يزل ولا يزال متكلما بما شاء إذا شاء. وكلامه لا ينفد ولا له منتهى.
السؤال السابع: ما هو الإيمان المطلق وهل يزيد وينقص؟
الجواب: الإيمان اسم جامع لعقائد القلب، وأعماله، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان.
فجميع الدين أصوله وفروعه داخل في الإيمان.
ويترتب على ذلك: أنه يزيد بقوة الاعتقاد وكثرته، وحسن الأعمال والأقوال وكثرتها، وينقص بضد ذلك.
السؤال الثامن: ما حكم الفاسِقِ الملِّي؟
الجواب: من كان مؤمن موحدا وهو مصر على المعاصي، فهو مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما تركه من واجبات الإيمان.
ناقص الإيمان: مستحق للوعدِ بإيمانه وللوعيدِ بمعاصيه، ومع ذلك لا يخلد في النار.
فالإيمان المطلق التام: يمنع من دخول النار.
والإيمان الناقص: يمنع من الخلود فيها.
السؤال التاسع: كم مراتب المؤمنين وما هي؟
الجواب: المؤمنونَ ثلاثةُ أقسام.
1. سابقون إلى الخيرات، وهم: الذين قاموا بالواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات.
2. ومقتصِدون، وهُمُ: الذين اقتصروا على أداء الواجبات واجتناب المحرمات.
3. وظالمون لأنفسهم، وهم: الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئاً.
السؤال العاشر: ما حكم أفعالِ العباد؟
الجوابُ: أفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي داخلة في خلق الله وقضائه وقدره، ولكنهم هم الفاعلون لها، لم يجبرهم الله عليها، مع أنها واقعة بمشيئتهم وقدرتهم. فهي فعلهم حقيقة، وهم الموصوفون بها المثابون، والمعاقبون عليها.
وهي خلقُ الله حقيقة، فإن الله خلقهم، وخلق مشيئتهم، وقدرتهم وجميع ما يقع بذلك.
فتؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة، الدالة على شمول خلق الله وقدرته لكل شيء من الأعيان، والأوصاف، والأفعال.
كما نؤمن بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أن العباد هم الفاعلون حقيقة للخير والشر.
وأنهم مختارون لأفعالهم، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم وهما السبب في وجود أفعالهم وأقوالهم، وخالقُ السببِ التامِ خالقٌ للمسبِب والله أعظم وأعدل من أن يُجبَرهُم عليها.
السؤال الحادي عشر: ما هو الشرك وما أقسامه؟
الجواب: الشرك نوعان:
شرك في الربوبية وهو: أن يعتقد العبد أن لله شريكا في خلق بعض المخلوقات أو تدبيرها.
النوع الثاني: الشرك في العبادة.
وهو قسمان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
فالشرك الأكبر: أن يصرف العبد نوعا من أنواع العبادة لغير الله كأن يدعو غير الله، أو يرجوه، أو يخافه.
فهذا مُخرِجٌ من الدين، وصاحبه مخلدٌ في النار.
وأما الشرك الأصغر: فالوسائل والطرق المفضية إلى الشرك إذا لم تبلغ رتبة العبادة كالحلف بغير الله والرياء ونحو ذلك.
السؤال الثاني عشر: ما صفة الإيمان بالله على وجه التفصيل؟
الجواب: إننا نقر ونعترف بقلوبنا وألسنتنا:
§ أن الله واجب الوجوب.
§ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ.
§ متفردٌ بكلِ كمالٍ، ومجدٍ، وعظمةٍ، وكبرياءٍ، وجلالٍ.
§ وأن له غاية الكمال الذي لا يقدر الخلائق أن يحيطوا بشيء من صفاته.
§ وأنه الأول الذي ليس قبله شيء.
§ والآخر الذي ليس بعده شيء.
§ والظاهر الذي ليس فوقه شيء.
§ والباطن الذي ليس دونه شيء.
§ وأنه العلي الأعلى، علو الذاتِ، وعلو القدرِ، وعلو القهرِ.
§ وأنه العليم بكل شيء.
§ القدير على كل شيء.
§ السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات.
§ البصير بكل شيء.
§ الحكيم في خلقه وشرعه.
§ الحميد في أوصافه وأفعاله.
§ المجيد في عظمته وكبريائه.
§ الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وعم بجوده وبره ومواهبه كل موجود.
§ المالك الملك لجميع الممالك فله تعالى صفة الملكِ، والعالم العلوي والسفلي كلهم مماليك وعبيد لله وله التصرف المطلق.
§ وهو الحي الذي له الحياة الكاملة المتضمنة لجميع أوصافه الذاتية.
§ القيوم الذي قام بنفسه وبغيره.
§ وهو متصف لجميع صفات الأفعال، فهو الفعال لما يريد، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
§ ونشهد أنه ربنا الخالق البارئ المصور الذي أوجد الكائنات وأتقن صنعها وأحسن نظامها.
§ وأنه الله الذي لا إله إلا هو الإله المعبود، الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه.
§ فلا نخضع ولا نذل ولا ننيب ولا نتوجه إلا لله الواحد القهار العزيز الغفار فإياه نعبد وإياه نستعين وله نرجو ونخشى.
§ نرجو رحمته ونخشى عدله وعذابه، لا رب لنا غيره، فنسأله وندعو ولا إله لنا سواه نؤمله ونرجوه هو مولانا في إصلاح ديننا ودنيانا، وهو نعم النصير الدافع عنا جميع السوء والمكاره.
السؤال الثالث عشر: ما صفة الإيمان بالأنبياء على وجه التفصيل؟
الجواب: علينا أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل الذين ثبتت نبوتهم ورسالتهم على وجه الإجمال والتفصيل.
§ ونعتقد أن الله تعالى اختصهم بوحيه، وإرساله.
§ وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ دينه وشرعه.
§ وأيدهم بالآيات الدالة على صدقهم، وصحة ما جاؤوا به.
§ وأنهم أكمل الخلق علما، وعملا، وأصدقهم، وأبرهم، وأكملهم أخلاقا، وأعمالا.
§ وأن الله خصهم بفضائل، لا يلحقهم فيها أحد، وبرأهم من كل خلق رذيل.
§ وأنهم معصومون في كل ما يبلغونه عن الله.
§ وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب.
§ وأنه يجب الإيمان بهم كلهم وبكل ما أتوه من الله، ومحبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم.
§ ونؤمن أن هذه الأمور واجبة علينا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل الوجوه وأعلاها.
§ وأنه يجب معرفته، ومعرفة ما جاء به من الشرع جملة وتفصيلا بحسب الاستطاعة، والإيمان بذلك، والتزامه، والتزام طاعته في كل شيء بتصديق خبره، وامتثال أمره، واجتناب نهيه.
§ وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده قد نسخت شريعته جميع الشرائع وهي باقية إلى قيام الساعة.
§ ولا يتم الإيمان به حتى يعلم العبد أن جميع ما جاء به حق.
§ وأنه يستحيل أن يقوم دليل عقلي وحسي أو غيرهما على خلاف ما جاء به، بل العقل الصحيح، والأمور الحسية الواقعة، تشهد للرسول بالصدق والحق.
السؤال الرابع عشر: كم مراتب الإيمان بالقضاء والقدر وما هي؟
الجواب: مراتب ذلك أربعة لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها:
§ الإيمان بأن الله بكل شيء عليم، وأن علمه محيط بالحوادث دقيقها وجليلها.
§ وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
§ وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
§ وأنه مع ذلك مكن العباد من أفعالهم، فيفعلونها اختياراً منهم بمشيئتهم وقدرتهم.
كما قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ ﴾ [الحج:70]
وقال: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ التكوير: 28-29]
ما حد الإيمان باليوم الآخر وما الذي يدخل فيه؟
السؤال الخامس عشر: ما حد الإيمان باليوم الآخر؟ وما الذي يدخل فيه؟
الجواب: كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت، فإنه داخل في الإيمان باليوم الآخر.
§ كـأحوال القبر، والبرزخ، ونعيمه، وعذابه.
§ وأحوال يوم القيامة، وما فيها من: الحساب، والثواب، والعقاب والصحف، والميزان، والشفاعة.
§ وأحوال الجنة والنار، وصفاتها، وصفات أهلها، وما أعد الله فيهما لأهلهما إجمالاً وتفصيلاً، كل ذلك من الإيمانَ باليوم الآخر.
السؤال السادس عشر: ما هو النفاق وأقسامُه وصفتُه؟
الجواب: حد النفاق إظهارُ الخير، وإبطان الشر.
وهو قسمان:
1. نفاقٌ أكبر اعتقادي مخلدٌ صاحبه في النار.
وذلك مثل ما أخبر الله به عن المنافقين، في قوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾[البقرة : 8] من المبطنين للكفر المظهرين للإسلام.
2. ونفاقٌ أصغر عملي:
مثل ما ذكره النبي في قوله: ((آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)).
فالكفر الأكبر والنفاق: لا ينفع معه إيمان ولا عمل.
وأما الأصغر منهما: فقد يجتمع مع الإيمان، فيكون في العبد خيرٌ وشرٌ وأسباب ثوابٍ، وأسباب عقابٍ.
السؤال السابع عشر: ما هي البدعةُ وما أقسامها؟
الجوابُ: البدعة هي خلاف السنة.
وهي نوعان:
1. بدعة اعتقادٍ، وهي اعتقادُ خلافِ ما أخبر الله به ورسوله.
وهي المذكورة في قوله ((وستفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً كلها في النار إلا واحدةً))
قالوا: ماهي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
فمن كان على هذا الوصف، فهو صاحب سنة محضة.
ومن كان من بقية الفرقِ فهو مبتدعٌ وكل بدعة ضلالة وتتفاوت البدع بحسب بعدها عن السنة.
2. والنوع الثاني: بدعة عملية، وهي التعبد بغير ما شرع الله ورسوله أو تحريم ما أحل الله ورسوله.
فمن تعبد بغير الشرع، أو حرم ما لم يحرمه الشارع فهو مبتدعٌ.
السؤال الثامن عشر: ما حقوقُ المسلمين عليك؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾[الحجرات :10]
فالواجب: أن تتخذهم إخوانا تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وتسعى بحسب مقدورك في مصالحهم، وإصلاح ذات بينهم وتأليف قلوبهم، واجتماعهم على الحق.
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذِبه ولا يحقره.
وتقوم بحق من له حقٌ خاص كالوالدين، والأقارب، والجيران والأصحاب والمعاملينَ.
السؤال التاسع عشر: الواجب نحو أصحاب النبي ؟
الجواب: من تمام الإيمان برسول الله ومحبته:
§ محبة أصحابه بحسب مراتبهم من الفضل والسبق.
§ والاعتراف بفضائلهم التي فاقوا فيها جميع الأمة.
§ وأن تدين الله بحبهم ونشر فضائلهم.
§ وتمسك عما شجر بينهم.
§ ونعتقد أنهم أولى الأمة بكل خصلة حميدة وأسبقهم إلى كل خير وأبعدهم من كل شر.
§ أنهم جميعهم عدول مرضيون.
السؤال العشرون: ما قولكم في الإمامة؟
الجواب: نعتقد أن نصبَ الإمامِ فرضُ كفايةٍ.
فإن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودُنياها، ويدفع عنها اعتداء المعتدين، وإقامة الحدود على الجناة.
ولا تتم إمامته إلا بطاعته في المعروف في غير معصية.
والجهاد ماضٍ مع البر والفاجر، ويعانون على الخير، ويُنصحُونَ عن الشر.
السؤال الحادي والعشرون: ما هو الصراطُ المستقيم وما صفته؟
الجواب: الصراط المستقيم هو: العلم النافعُ، والعمل الصالح.
والعلم النافع: هو ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة.
والعمل الصالح: هو التقرب إلى الله بالاعتقادات الصحيحة، وأداء الفرائض والنوافل، واجتناب المنهيات.
وهو: القيام بحقوق الله، وحقوق عباده.
ولا يتم ذلك إلا بالإخلاص التام لله، والمتابعة لرسول الله .
والدين يدور على هذين الأصلين:
§ فمن فاته الإخلاص، وقع في الشرك.
§ ومن فاتته المتابعة، وقع في البدع.
السؤال الثاني والعشرون: ماهي الأوصاف التي يتميز بها المؤمن عن الكافر والجاحد؟
الجواب: هذا سؤالٌ عظيمٌ.
بالفرق بين المؤمن وغيره يتميزُ الحقُ والباطلُ وأهلُ السعادةِ من أهل الشقاوةِ.
فاعلم أن المؤمن حقاً: هو الذي آمن بالله وبأسمائه وصفاته، الواردة في الكتاب والسنة على وجه الفهم لها، والاعتراف بها، وتنزيهه عما ينافي ذلك فامتلأ قلبُه إيمانا وعلما ويقيناً وطمأنينةً وتعلقا بالله.
§ فأنابَ إلي الله وحده، وتعبد لله بالعبادات التي شرعها على لسان نبيه مخلصا لله بها راجيا لثوابه خائفا من عقابه.
§ شاكرا لله بقلبه ولسانه وجوارحه على نعم الله وإحسانه العظيم الذي يتقلب به في جميع الساعات لاهجا بذكره.
§ لا يرى نعمةً أعظمَ من هذه النعمة، ولا كرامةً أعظم منها.
§ يهزأ بلذات الدُنيا المادية، إذا نسبت إلى لذة الإنابة إلى الله، والإقبال عليه وحدهُ.
§ ومع هذا فقد أخذ نصيبا وافرا من لذات الحياة وتمتع بها لا على الوجه الذي يتمتعُ به الجاحدون أو الغافلون بل تمتعَ بها على وجه الاستعانة بها على القيام بحقوق الله وحقوق عباده.
§ وبذلك الاحتساب والرجاء تمت بها لذاته، واستراح قلبه واطمأن ولم يحزن إذا جاءته الأمور على خلاف ما يحب، فهذا قد جمع الله له بين سعادة الدنيا والآخرة.
§ أما الجاحد والغافل: فهو على خلاف ذلك.
§ قد جحد ربه العظيم الذي قامت البراهين العقلية والنقلية والعلوم الضرورية والحسية على وجود كماله، فلم يعبأ بذلك كله.
§ فلما انقطع عن الله اعترافاً وتعبداً، تعلق بالطبيعة فعبدها، وصار قلبه شبيهاً بقلوب البهائم السائمة.
§ ليس له همةٌ إلا التمتع بالأمور المادية.
§ وقلبه دائما غير مطمئن، بل خائف من فوات محبوباته، وخائف من حصول المكاره التي تنتابه.
§ وليس معه من الإيمان ما يسهل عليه المصيبات، وما يخفف عته النكبات.
§ قد حُرمَ لذة الإيمان، وحلاوة التقرب إلى الله، وثمرات الإيمان العاجلة والآجلة.
§ لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا، وإنما خوفه ورجاؤه متعلق بمطالب النفوس الدنيوية الخسيسة المادية.
ومن أوصاف المؤمن: التواضع للحق وللخلق.
والنصيحة لعباد الله على اختلاف مراتبهم، قولا وفعلا ونية.
والجاحد: وصفه: التكبر على الحق، وعلى الخلق، والإعجاب بالنفس، لا يدين بالنصيحة لأحد.
المؤمن: سليم القلب من الغش، والغل، والحقد.
يحب للمسلمين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه.
ويسعى بحسب وسعه في مصالحهم، ويتحمل أذى الخلق، ولا يظلمهم بوجه من الوجوه.
والجاحد: قلبه يغلي بالغل والحقد.
ولا يريد لأحد خيراً ولا نفعا إلا إذا كان له في ذلك غرض دنيوي.
ولا يبالي بظلم الخلق عند قدرته. وهو أضعف شيء عن تحمل ما يصيبه منهم.
المؤمن: صدوق اللسان، حسن المعاملة.
وصفُهُ: الحلمُ، والوقارُ، والسكينةُ، والرحمةُ، والصبرُ، والوفاءُ، وسهولة الجانب، ولينُ العريكةِ.
والجاحِدُ: وصفهُ: الطيشُ، والقسوةُ، والجزعُ، والهلعُ، والكذبُ، وعدم الوفاءِ، وشراسة ُ الأخلاق.
المُؤمْنُ: لا يذل إلا لله، قد صانَ قلبَهُ ووجهَهُ عن بذلِه وتذللهِ لغير ربه.
وصفُهُ: العفة، والقوة، والشجاعة، والسخاء، والمروءة، لا يختار إلا كل طيبٍ.
أما الجَاحِدُ: فعلى الضد من ذلك.
قد تعلق قلبه بالمخلوقينَ خوفا ً من ضررهم ورجاءً لنفعهم وبذل لهم ماء وجههِ وليس له عفة ٌ ولا قوة ٌ ولا شجاعة ٌ إلا في أغراضهِ السُفليةِ.
عادمُ المروءةِ والإنسانية، لا يُبالي بما حصلَ لهُ من طيبٍ أو خبيث.
المُؤمنُ: قد جمع بين السعي في فعل الأسباب النافعة والتوكل على الله والثقة به، وطلبِ العون منهُ في كل الأمور، والله تعالى في عونه.
وأما الجَاحِدُ: فليس عندهُ من التوكل خبرٌ، وليس له نظرٌ إلا إلى نفسه الضعيفةِ المَهـينةِ. قد وﻻهُ الله ما تولى ِلَنفسهِ، وخذلهُ عن إعانتهِ على مطاِلبهِ، فإنْ قُدر لهُ ما يحبُ كانَ استدراجًا.
المُؤْمنُ: إذا أتتهُ النعمُ تلقاها بالشكرِ، وصرفَها فيما ينفعه ويعودُ عليه بالخير.
وغيرُ المُؤمنِ: يتلقاها بأشرٍ وبطرٍ واشتغالٍ بالنعمةِ عن المنعِمِ، وعن شكره ويصرفها في أغراضه السفليةِ. وهي مع هذا سريعٌ زوالها قريبٌ انفصالها.
المُؤمنُ: إذا أصابته المصائبُ قابلها بالصبر والاحتساب، وارتقابِ اﻷجرِ والثوابِ، والطمع في زوالها. فيكونُ ما عُوّضَ من الخيرِ والثوابِ أعظمَ مما فاته من محبوبٍ أو حصل لهُ من مكروهٍ.
وَالجَاحِدُ: يتلقاها بهلعٍ وجزعٍ، فتزدادُ مصيبتهُ ويجتمع عليه ألمُ الظاهرِ وألمُ القلبِ. قد عُدمَ الصبرَ، وليس له رجاءٌ في الأجر.
فما أشد حسرتَهُ، وأعظم حزنَهُ؟
المُؤمنُ: يدينُ الله بالإيمان بجميع الرسل وتعظيمهم وتقديم محبتهم على محبة الخلقِ كلهم.
ويعترفُ أن كل خيرٍ ينالُ الخلقَ إلى يوم القيامةِ فعلى أيديهم وبإرشادهم. وكل شرٍ وضررٍ ينالُ الخلقَ، فسببهُ مخالفتهم.
فهم أعظم الخلقِ إحسانًا إلى الخلقِ وخصوصاً إمامُهم وخاتِمُهم محمدٌ الذي جعلهُ الله رحمةً للعالمينَ، وبعثهُ لكل صلاحٍ وإصلاحٍ وهدايةٍ.
وأما الملحدونَ: فبضدٌ ذلك. يعظمونَ أعداءَ الرسُلِ، ويحترمونَ أقوالهم. ويهزؤون كأسلافهِم بما جاءت به الرسُلُ.
وذلك أكبر دليلٍ على سخافة عقولهم، وهبوط أخلاقهم إلى أسفلِ سافلين.
المؤمنُ: يدينُ الله بمحبةِ الصحابةِ وأئمةِ المسلمينَ وأئمة الهدى.
والملحدُ: بالعكس.
المؤمنُ: لكمالِ إخلاصه لله، يعملُ لله، ويُحسِنُ إلى عبادِ الله.
والجاحدُ: ليس لعملهِ غايةٌ إلا تحصيلُ أغراضِهِ الخسيسةِ.
المؤمنُ: مُنشرحُ الصدرِ، بالعلم النافع، والإيمان الصحيح، والإقبال على الله، واللهجِ بذكرهِ، والإحسانِ إلى الخلقِ، وسلامة الصدر من الأوصاف الذميمة.
والجاحدُ الغافلُ: ضد ذلك لفقدهِ الأسبابِ الموجبة لانشراحِ الصدر.
فإذا قيل: إذا كان اﻹيمانُ الصحيحُ كما وصفتَ مع اختصاركَ واقتصاركَ، وأن به السعادةَ العاجلةَ واﻵجلةَ وأنه يصلحُ الظاهرَ والباطنَ والعقائدَ واﻷخلاقَ والأدابَ، وأنهُ يدعو البشر كلهم إلى خير وصلاحٍ ويهدي للتي هي أقومُ فإذا كان الأمر كما ذكرت، فَلِمَ كان أكثرُ البشر عن الدين والإيمان معرضين، ولهُ محاربين، ومنه ساخرين؟
وهلّا كان الأمُرُ بالعكسِ؛ لأن الناس لهم عقولٌ وأذهانٌ تختار الصالح على الفاسد والخيرَ على الشر والنافع على الضارِ؟
فالجوابُ: أن هذا الإيرادَ قد ذكره الله في كتابه وأجاب عنه بذكر الأسباب الواقعة المانعة وبالموانع العائقة.
وبذكر الأجوبة عن هذا الإيراد لا يهُول العبدُ ما يراهُ من إِعراضِ أكثرِ البشرِ عنه ولا يستغربُ ذلك.
فأقولُ: قد ذكرَ الله لعدم اﻹيمانِ بالدين الإسلامي موانعَ عديدةً واقعةَ من جمهورِ البشر، منها:
1- الجهلُ به وعدمُ معرفتهِ حقيقةً وعدمُ الوقوفِ على تعاليمه العالية وإرشاداتِـه الساميةِ
والجهلُ بالعلوم النافعة أكبرُ عائقٍ وأعظمُ مانعٍ من الوصول إلى الحقائق الصحيحةِ والأخلاقِ الجميلة.
قال تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾[يونس :39]
فأخبرنا أن تكذيبهم صادرٌ عن جهلِهمْ، وعدمِ إحاطتهم بعلمهِ، وأنه لمْ يأتهم تأويلهُ الذي هو وُقُوع العذابِ، الذي يُوجِبُ للعبدِ الرجوع إلى الحق والاعتراف به.
ويقولُ تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾[الأنعام : 111].
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[الأنعام : 37].
﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[البقرة : 171].
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[الروم : 24].
إلى غير ذلك من النصوصِ الدالة على هذا المعنى.
والجهلُ، إما أن يكون بسيطاً، كحال كثيرٍ من دهماء المكذبين للرسولِ الرادينَ لدعوتهِ اتباعًا لرؤسائهم وساداتِهم.
وهم الذين يقولونَ إذا مسَّهم العذابُ: ﴿ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَاْ ﴾[الأحزاب : 67].
وإما أن يكون الجهلُ مركبًا، وهذا على نوعين:
أحدهما: أن يكونَ على دينِ قومِه وآبائه، ومن هو ناشئٌ معهم فيأتيه الحقُّ فلا ينظرُ فيه، وإن نظَر فنظرٌ قاصرٌ جدَّا لرضاه بدينه الذي نشأ عليه وتعصّبهِ لقومِه.
وهؤلاء جمهورُ المكذبينَ للرُّسُل، الرَّادينَ لدعوتهم، الذين قال الله فيهم : ﴿ وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾[الزخرف : 23].
وهذا هو التقليدُ الأعمى، الذي يظنُ صاحبُهُ أنهُ على حقٍ وهو على الباطل.
ويدخل في هذا النوعِ: أكثرُ الملحدينَ الماديينَ، فإن علومَهم عند التحقيق تقليدٌ لزعمائِهمْ، إذا قالوا مقالةً قبلوها كأنها وحيٌ منزلٌ، وإذا ابتكروا نظريةً خاطئةً سلكوا خلفهُم في حالِ اتفاقهمْ وحالِ تناقضِهم. وهؤلاء فتنةٌ لكلِّ مفتونٍ ﻻ بصيرة لهُ.
النوعُ الثاني من الجهلِ المركَّبِ: حالةُ أئمةِ الكفرِ وزعماء الملحدين الذين مهرُوا في علوم الطبيعة والكون.
واستجهلوا غيرهم وحصروا المعلومات في معارفهم الضئيلة ضيقة الدائرة واستكبروا على الرُّسُلِ وأتباعهم.
وزعموا أن العلوم محصورةٌ فيما وصلتْ إليه الحواسُّ الإنسانيةُ والتجاربُ البشريةِ وما سوى ذلك أنكروهُ وكذبوهُ مهما كان من الحقِ، فأنكروا ربَّ العالمين، وكذبوا رُسُله، وكذّبوا بما أخبرَ الله به ورسُولهِ من أمورِ الغيبِ كلِّها. وهؤلاءِ أحقُ الناسِ بالدٌّخُولِ تحتَ قولهِ تعالى:
﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾[غافر : 83].
ففرحُهم بعلومهم - علوم الطبيعة – ومهارتُهم فيها هو السببُ الأقوى الذي أوجَبَ لهم تمسُّكَهم بما معهم من الباطل، وفرحُهم بها يقتضي تفضيلَهم لها، ومدْحَهمْ لها وتقديمها على ما جاءتْ به الرُّسُلُ من الهدى والعلمِ. بل لم يكِفهم هذه الحالُ حتى وصلوا إلى الاستهزاء بعلومِ الرسلِ واستهجانها، وسيحيق بهم ما كانوا به يستهزئون.
ولقد انخدع بهؤلاءِ الملحدينَ كثيرٌ من المشتغلين بالعلومِ العصرية التي لم يصحبها دينٌ صحيحٌ. والعهدةُ في ذلك، على المدارس التي لم تهتمَّ بالتعاليمِ الدينية العاصمةِ من هذا الإلحادِ.
فإن التلميذ إذا خرج منها لم يمهر في العلوم الدينيةِ، ولا تَخَلَّق بالأخلاقِ الشرعية، ورأى نفسَه أنه يعرفُ ما لا يعرفه غيرهُ، احتقرَ الدِّينَ وأهلهُ، وسَهُل عليه الانقياد لهؤلاءِ الملحدين الماديين.
وهذا أكبرُ ضررٍ ضُربَ به الدينُ الإسلاميُّ.
فالواجبُ قبل كلِّ شيءٍ على المسلمين نحو المدارسِ:
§ أن يكون اهتمامُهم بتعليمِ العلوم الدينية قبل كلِّ شيءٍ.
§ وأن يكونَ النجاحُ وعدمهُ متعلقاً بها لا بغيرها بل يُجْعَلُ غيرُها تبعًا.
وهذا من أفرضِ الفرائضِ على من يتولاها ويباشِرُ تدبيرها، وعلى الأساتذة المعلمينَ فيها. ومستقبلُ الشبيبةِ متوقف على هذا الأمر.
فليتق الله من له ولايةٌ، أو كلامٌ عليها، وليحتسب الأجر العظيم عند الله في جعل الدين أهم العلوم المدرسية، فإن الخطر كبيرٌ مع الإهمال، والصلاحُ والخيرُ مضمونٌ مع العناية في علوم الدين.
2- ومن موانع الدينِ والإيمانِ: الحسدُ والبغي
كحالِ اليهودِ الذين يعرفُون النَّبِيَّ وصدقَه وحقيقة ما جاء به كما يعرفون أبناءهم، ويكتمون الحقَّ وهم يعلمون، تقديماً للأغراض الدنيوية والمطالب السُفليةِ على الإيمان، وقد مَنَعَ هذا الدَّاء كثيراً من رُؤساءِ قريشٍ كما هو معروفٌ من أخبارهم وسِيَرِهِم.
3- وهذا الداءُ ناشئٌ عن: الكِبر
الذي هو أعظمُ الموانعِ من اتباع الحقِّ.
قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾[الأعراف : 146].
فالتَّكَبُّر الذي هو ردُّ الحقِّ واحتقارُ الخلقِ - مَنَعَ خلقاً كثيراً من اتباع الحق والانقياد له بعد ما ظهرت آياته وبراهينُه.
قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنُفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوَّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾[النمل : 14].
4- ومن موانع الإيمان: الأعراضُ عن الأدلَّةِ السمعيةِ والأدلةِ العقلية الصحيحة
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾[الزخرف : 3736].
قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾[الملك : 10].
فلم يكن لأمثالِ هؤلاء الذين اعترفوا بعدم عقلهم وسمعهم النافع رغبةٌ في عُلوم الرسل، والكتب المنزلة من الله، ولا عقولٌ صحيحةٌ يهتدون بها إلى الصواب، وإنما لهم آراءٌ ونظرياتٌ خاطئةٌ يظنُّونها عقلياتٍ، وهي جهالاتٌ ولهم اقتداءٌ خلف زعماءِ الضلالِ منعهم من اتباع الحق حتى وردوا نارَ جهنم فبئس مثوى المُتكبرين.
5- ومن موانعِ اتباع الحق: ردُّهُ بعد ما تبين
فيعاقبُ العبدُ بانقلاب قلبهِ ورؤيتهُ الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا.
§ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف : 5].
§ قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام : 110].
وهذا لأن الجزاء من جنس العمل وقد ولَّاهم الله ما قالوا ﻷنفسهم.
§ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُواْ الشَّيَاطِينَ أَوْلِيآءَ مِن دُونِ اللِه ﴾ [الأعراف :30].
6- ومن الموانع: الانغماسُ في التَّرفِ والإسرافُ في التَّنعُّمِ.
فإنه يجعل العبد تابعاً لهواه، منقادًا للشهواتِ الضارة.
كما ذكر الله هذا المانِعَ في عدةِ آياتٍ، مثل قوله : ﴿ بَلْ مَتًّعْنَا هَؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ [الأنبياء :44].
- ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَرفِينَ ﴾ [الواقعة :45].
فلما جاءتهمُ الأديانُ الصحيحةُ بما يعدلُ ترفَهم ويُوَقِّفُهم على الحدّ النافِع ويمنعَهم من الانهماكِ الضارِ في اللذاتِ، رأوا ذلك صادًّا لهم عن مراداتهم.
وصاحب الهوى الباطل ينْصرُ هواه بكلِّ وسيلةٍ.
لما جاءهم الدينُ بوجوبِ عبادةِ الله وشُكرِ المنعمِ على نعمهِ وعدمِ الانهماكِ في الشهواتِ ولّوا على أدْبارهم نفورّا.
7- ومن الموانع: احتقارُ المكذبينَ للرسُل وأتباعِهم واعتقاد نقصِهم والتهكُم بهم.
- كما قال قومُ نوح: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء : 111].
- ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلِ ﴾ [هود : 27].
وهذا منشؤهُ من الكبر فإذا تكبّر وتعاظمَ في نفسه واحتقر غيرهُ اشمئز من قبولِ ما جاء به من الحق، حتى لو فُرض أن هذا الذي ردّهُ جاءَه من طريقِ من يعظمهُ لقبلَه بلا تَرَدُّد.
8- وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينّ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 33].
فالفسقُ وهو خروجُ العبدِ عن طاعة الله إلى طاعة الشيطانِ، وكونُ القلب على هذا الوصفِ الخبيثِ، أكبرُ مانع من قبولِ الحقّ علمّا وعملًا. والله تعالى لا يزكي من هذه حالهُ، بل يكِلهُ إلى نفسهِ الظالمةِ فتجُولُ في الباطلِ عنادًا وضلالًا وتكونُ حركاتُه كلُّها شرًّا وفسادًا.
فالفِسقُ يَقرنهُ الباطِلِ، ويصدُّه عن الحقِّ، لأنَّ القلب متى خرجَ عن الانقيادِ للهِ والخضوع فلابُدَّ أَنْ ينقادَ لكلّ شَيْطَانٍ مَّريدٍ ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج :4].
9- ومن أكبرِ موانعِ اتباع الحقِّ والإيمانِ: حصرُ العلوم والحقائقِ في دائرةِ ضيقةٍ
كما فعل مَلاحِدةُ المادِّيين في حصرِهمُ العلومَ بمدركاتِ الحِسّ.
فما ادركُوهُ بحواسِّهم أثبتوهُ، ومالم يدركُوه بها نفوهُ، ولو ثَبَتَ بطُرقٍ وبراهين أعظمُ بكثيرٍ وأوضحُ وأجْلى من مدركات الحسِّ.
وهذه فتنةٌ وشبهةٌ، ضلَّ بها خلقٌ كثيرٌ.
وهذه الطريقةُ الخبيثةُ أنكروا بها وجودَ الربَّ، وكَفَرُوا بالرسُل وبما أخبروهم به من أُمُورِ الغيبِ التي قامت الأدلةُ والبراهينُ المتنوعَةُ على صدْقِها بل قامت الأدلةُ المشاهدةُ على حقِّها.
ومن المعلوم بالضرورة والعلم اليقيني أن البراهين على وجود الباري ووحدانيته وانفراده بالخلقِ والتدبير لا يمكن أن يُساويَها أو يقاربَها شيءٌ من الطرقِ المثْبِتَةِ لأي حقيقةِ تكونُ.
فقد قامت الأدلةُ السَّمْعِيَّةُ، والعقليةُ، والعَيَانِيَّةُّ، والفطريةُ، على ذلك.
وقد أظهَرَ من آياتهِ في الآفاق وفي الأنفسِ ما تبينَ به الحقُّ، وإنّهُ حقٌّ ورُسُله حقٌّ، وجزاؤهُ حقٌّ، وجميع أخبارِه حقٌّ، ودِينُهُ حقٌّ.
فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ ولكن تمرُّدُ المادِيِّينَ وكِبْرُهُم حالَ بيْنَهُمْ وبينَ الحقِّ النافِعِ الذي لا ينفعُ غيرَهُ بدونِه بوجهٍ من الوجوهِ.
والمؤمنُ البصيرُ يعرفُ بنورِ بصيرتِه أنهم في ضلالٍ مبين، وعمًى مُتَرَاكِم، ونحمدُ الله على نعمةِ الهدايةِ.
10-ومن الموانِعِ: تجرد الماديِّينَ ومن تَبِعَهُم من المغرورينَ
وزعمهم: أنَّ البشرَ لم يبلغوا الرُّشَدَ، ونضوجَ العقلِ إلا في هذه الأوقاتِ التي طغتْ فيها المادةُ، وعلومُ الطبيعةِ، وأنهم قبلَ ذلك لم يبلغوا الرُّشدَ. وهذا فيه من الجراءةِ والإقدامِ على السَّفْسَطَةِ والمُكابرةِ للحقائق والمباهَتَةِ ما لا يخفى على من لَهُ أدنى معقول لم تغيرهُ الآراءُ الخبيثةُ.
فلو قالوا: إنَّ المادةَ والصناعةَ والاختراعاتِ وتطوير الأمورِ الطبيعيةِ لم تَنْضُجْ وتتمَّ إلا في الوقتِ الأخير لصَدَّقهُمْ كلُّ واحدٍ.
وأما تعريفهم على هذا وتجريهمْ وتعديهمْ إياهُ إلى العلومِ الصحيحةِ والحقائقِ الثابتةِ والأخلاقِ الجميلةِ، فقضية من أكذب القضايا.
فإن العقولَ والعلومَ الصحيحةَ إنما تعرفُ ويستدلُ على كمالها أو نقصها بآثارِها وبأدلتها وغاياتها انظرُ إلى الكمالِ والعلوِ في العقائدِ والأخلاقِ
والدين والدنيا والرحمةِ والحكمةِ التي جاء بها محمد وأخذها عنه المسلمونَ وأوصَلَتْهم وقت عملِهم بها إلى كل خيرٍ دينيِّ ودنيويِّ، وكلِ صلاحٍ، وأخضعَتْ لهم جميعَ الأُمم.
وأنهم وصلوا إلى حالةٍ وكمالٍ يستحيلُ أن يصلَ إليه أحدٌ حتى يسلك طريقهم ثم انظر ما وصلت إليه أخلاقُ الماديين الإباحيين الذين أطلقوا السَّراحَ لشهواتِهم ولم يقفوا عند حدٍّ، حتى هبطوا بذلك إلى أسفل سافلين. ولولا القوةُ الماديةُ تَمْسُكُهمْ بعض التماسُكِ لأرْدتهم هذه الإباحيةِ والفوضى في الهلاك العاجلِ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم :42].
ثم لولا بقايا من آدابِ الأديانِ بقيت بعض آثارها في الشعوب الراقية صلحتْ بها دنياهم لم يكن لرقيهم المادي قيمةٌ عاجلةٌ، فإن الذينَ فقدوا الدين عجزوا كلَّ العجزِ عن الحياةِ الطيبة والراحةِ الحاضِرةِ والسعادةِ العاجلةِ. والمشاهدةُ أقوى شاهدٍ لذلك.
ومشركو العربِ ونحوُهُم ممن عندهم بعضُ الإيمانِ وبعضُ الاعترافِ بالأصولِ الإيمانيةِ كتوحيد الربوبيةِ والاعتراف بالجزاء، خيرٌ لكثيرٍ من هؤلاء الماديين بلا ريب ولا شكٍ.
ثُمُّ قد عُلِم بالضرورةِ أنَّ الرُّسُلَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم جاؤوا بالوحي والهداية جملةً وتفصيلًا، وبالنُّورِ والعلمِ الصحيحِ والصلاحِ المطلقِ من جميع الوجوهٍ، واعترفتْ العقولُ الصحيحةُ بذلك، وعلمَت أنها في غايةِ الافتقارِ إليه، وخضعت لِمَا جاءت به الرُّسُلٌ.
وعلمَتْ العقُولُ أنها لو اجْتَمَعَتْ من أولها إلى آخرها لمْ تصلْ إلى درجةِ الكُتُبِ إلى الحقائقِ النافعةِ التي جاءتْ بها الرُّسُلُ، ونزلتْ بها الكتُبُ وأنه لولاها لكانتْ في ضلالٍ مبينٍ وعمًى عظيمٍ وشقاءٍ وهلاكٍ مستمرٍّ.
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[آل عمران :164].
فالعقُولُ لمْ تبْلغُ الرُّشد الصحيحَ ولم تنضِجْ إلا بما جاءتْ به الرسلُ ومن ذلك انخداعُ أكثرِ النَّاس بالألفاظِ التي يزوَّق بها الباطلُ، ويردُّ بها الحقُّ من غيرِ بصيرةٍ ولا علمٍ صحيح، وذلك لتسميتهِ علوم الدين وأخلاقهِ العالية رجعيةً، وتسميتهم العلوم والأخلاقَ الأُخر المنافيةَ لذلك ثقافةً وتجديدًا.
ومن المعلوم لكلِّ صاحبِ عقلٍ صحيحٍ: أن كلَّ ثقافةٍ وتجديدٍ لم يستندْ في أُصولِه إلى هداية الدينِ، وإلى توجهات الدين، فإنهُ شرٌّ وضررٌ عاجلٌ وآجلٌ. ومن تأمل أدنى تأمُّلٍ ما عليه مَنْ يُسَمّون ((المثقفينَ الماديينَ)) من هبوطِ الأخلاقِ، والإقبال على كل ضار، وترك كل نافع، عرف أن الثقافة الصحيحة تثقيف العقول بهداية الرُّسل، وعلومهم الصحيحة.
وتثقيف الأخلاق تهذيبُها بالأخلاق الحميدة الجميلة، والتوجيهاتِ النافعةِ التي تشتمل على الصلاحِ المطلَق، والاستعانة بعلوم المادة الصحيحةِ على الخير والصلاحِ، والنجاح.
فالإسلامُ يأمرُ ويحثُّ على تحصيل السعادتين وتكميل الفضيلتين، ومن تأَملَ ما جاء به الدينُ الإسلامي من الكتابِ والسنَّة جملةً وتفصيلًا عرفَ أنَّه لا صلاحَ للبشرِ إلا بالرجوعِ إلى هدايتهِ وإرْشاده، وَأَنَّهُ كما أصْلَحَ العقائدَ والأخلاق والأعمال فَقَدْ أصْلَحَ أُمورَ الدُّنيا وأرشدَ إلى كلِّ ما يعودُ إلى الخير والنفعِ العام والخاص.
والله الموفقُ الهادي، وصلى الله على محمد وسلَّم.