الخطبة الأولى
الحمد لله الحمد لله المتفرد بالخلق علمًا وإيجادًا، أحمده - تعالى – وأشكره، يَبتلي عبادَه تمحيصًا وإسعادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نزكُو بها دنيا ونسمو معادًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، أَبَانَ معالم المسئوليات فعمَّ الحق والنور وَسَادَا، وزجر عن التفريط فيها وكل ما جرَّ خيانةً وفسادًا، اللهم فصلِّ وبارِكْ عليه وعلى آله الخِيَرة، وصحبه البَرَرة، المُنافحين عن الرشاد والهدى لُيُوثًا وآسادًا، والتابعين البالغين من العلياء أمجادًا، ومن اقتفى أثرهم يرجو توفيقًا وسدادًا، وسلِّمْ يا رب تسليمًا يزداد ازديادًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أن التقوى بَلسَم النوائب وترياقها، ونور القلوب وائتلافها، ومرقاة الأرواح وإشراقها: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 4، 5 ].
ألَا إنَّ تقْوَى اللـهِ أكْـرمُ نِسْبـةٍ = يُسَامي بها عنْد الفخـارِ كرِيـمُ
إذَا أنْت نافسْتَ الرِّجالَ على التُّقى = خـَرَجْتَ مِنَ الدُّنيا وأنْت سلِيمُ
أيها المسلمون:
أقدارُ الباري - سبحانه - بابتلاء الأفراد والمجتمعات والدول والسالفين من القرون الأُوَل أمرٌ حتمٌ في السنن الإلهية ليس عنه محيص، واختبارٌ للصبر بصنوف النُذر والتمحيص: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35 ].
آياتٌ قاهرة، وعبرٌ باهرة، وغِيَرٌ ظاهرة، كوارثُ وجوائح، سيولٌ وفياضانات فوادح، أعاصير ساحقة، وبراكين ماحقة، وأوبئة مغتالة، وأمراض فتَّاكةٌ مُجتالة، تعجز عن صدِّها قُوَى الإنسان وتِقَاناته وكُشُوفاته الدقيقة واختراعاته، ويزداد الأمر هولًا وإعضالًا إن فرَّط الإنسان في اتِّقاء حدَّتِها، وقصَّرَ واستهان بالتصورِ من مرتها.
وما يُصيب المسلمَ منها من كُرَبٍ واعتلال، أو نقصٍ في الأنفس والثمرات والأموال إلا كان لفريقٍ مرقاة في درجات الكمال، ولآخر كفارةً لسيئات الأعمال، وجلَّ أن يظلم الباري - سبحانه - ذَرَّة مثقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155 ].
فكم - لعَمْر الحق - في طيَّات الضوائق والمِحَن من بشائر ومِنَن، وكم من أمرٍ ضنكٍ كاربٍ مريج أعقبه الله يُسرًا بهيجًا، وكم أدرج اللطيف الخبير من آلائه في ثنايا ابتلائه: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216 ].
قدْ يُنعِمُ الله بالبلْوى وإِنْ عظُمَتْ = ويَبتلِي الله بعضَ القومِ بالنعمِ
معاشر الأخوة:
فليحمل المسلم دائمًا على الخير؛ لا سيما إن أَلَمَّ به البلاء والضَّيْر، أمَا صحَّ عن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قوله: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَه كلَّهُ لهُ خير - وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن -، إن أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإنْ أصابَته ضرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له»؛ أخرجه مسلم في «صحيحه» من حديث صُهَيْب بن سنان - رضي الله عنه -.
فيا مَن هصرتهم الضراء، أو اجتاحتهم السيول الهوجاء، صبرًا أحِبَّتَنا صبرًا، سيُشرِقُ في كُرُباتكم - بإذن الله - أبهَى فجر، وتحوَّزُوا - بفضل الديَّان - أعظمَ أجر:
لا تسْألُوا عنْها السيولَ فإنهـا = قـدَر ومن ذا يصرِّفُ الأقـدارَ
لكنْ سلُوا عنْها الَّذينَ تحمَّلُوا = عِبْئـًا ولم يسْتـوعِبُوا الإنـذارَ
أيها المؤمنون:
ومع الرضا بقدر المولى - سبحانه - والتسليم لقضائه في فاجعة السيول التي لوَّعت الوجدان، ولم يُمحَ هديرها من الآذان، فقد حَصْحَصَ في إِثْرها الحق، وانبَلَجَ صُبْحُها عن منهج الشفافية وانشق، ألا وهو: منهج المحاسبة وتقصِّي مداب الفساد والإهمال، والتقصير في الواجبات والإخلال، والتهاون بالأمانات أو الأغلال؛ وذلك بنشر مطوي الخبايا والحقائق، وكَشَفَ مخفِيَّ التجاوزات الدقائق، التي جرّت على الأمة الحواطم البوائق، بحثًا عن العلل والأسباب، واستشفافًا لما وراء الستر والحجاب، الناتجة عن تلك الكارثة العُجاب، وما أسبابها إلا التفريط واللامبالاة، والتخوُّض في المال العام والفُرُطات.
فبأيِّ وَعْيٍ في الإدَارةِ سوَّغُـوا = هذا البناء وليَّـنوا الأحجـارَ
ما بالهُم تركُوا العِبادَ استوطَنـوا = مجرى السيولِ وواجهوا التيارَ
إخوة الإيمان:
إن فساد الذِّمَم يُحِيلُ الأُمَمَ من القِمَمِ إلى الرِّمَم، والفساد بريد الكساد، كيف وهو مجلبةٌ للشرور والنِّقَم، ومَسْلَبةٌ للبركات والنِّعَم، ينتقص الأمن والنظام ويعبث بحضارة المجد والعمران؛ وذلك باستغلال ثروات الأمة واستنزاف مواردها، وانتهاز قدراتها، والسطو المبطن على مدخراتها، حتى أصبح الغِشّ، والتقاعُس، والمحسوبيات، والتزوير، والتواكُل، والرِّشا، والتثاقل من الوسائل المأمونة، والمشارب الميمونة، لتحقيق الأهداف ونجاح المقاصد، ودفع الغوائل والمفاسد.
إنَّ الأمـانـةَ لو علِمْتَ كَـرامـةٌ = تُـولي ذوِيـها رتبةَ الإسْعادِ
فابْعِدْ - هُدِيت - عن الخيَانةِ كمْ لها = فـي أهْلِـها من ذلَّةٍ وفسادِ
ولا تكون تلك الخصال اللئيمة، والدخائل الذميمة إلا في أدنياء الهِمَم الذين لفتهم الأثرة الصّلفة، والانتهازية الرَّعْناء التي لا ترجعُ إلا إلى أحلامٍ حمِئَة، وأذهانٍ صَدِئَة، لا تَتَحَاشَى من عقاب، ولا تجلّ من تقريعٍ أو عِتَاب، ومن كان شأنه العجز والجهل، فليس هو للحلْم أهل.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا إسلال ولا إغلال»؛ أي: لا خيانة ولا سرقة؛ أخرجه أبو داود، وإسناده حسن.
ولو عَلِمَ مُضيِّعُو الواجبات، وغالُّو الحقوق، ومُفرِّطو المسئوليات ما فيهما من الفساد والخيانة، لذم عنهما عنانه؛ بل لو مُثِّل الصدق والإخلاص لكان أسدًا يروع، أو صُوِّر الفساد والاختلاس لكان ثعلبًا يروغ.
ألا لا لعًا للمتخذين مناصبهم سُلَّمًا للثراء غير المشروع، ووظائفهم للانتهاز الممنوع، ومن مَالَأَهم بعين مكحولةٍ بالتبسُّم والرضا، وفي الوعيد الرعيد، والزجر الشديد يقول المجتبى - صلوات ربي وسلامه عليه -: «من استعملنَاهُ على عَملٍ فرزقناه رزقًا فما أخَذ بعد ذلك فهُو غُلول»؛ أخرجه أبو داود في «سننه».
ألا فلْيَعِ هذا أحفاد ابن اللُّتبية المُعاصِرون سلام الله على أهل النزاهة ونظافة اليد، في زمنٍ استَحْكَمَت فيه غُربَةُ هذا المسلك المُستَد، والله المستعان.
لم يرْعوا يومًا ولم يتذكَّرُوا = أنَّ الفسادَ غصُونُه لم تـُورِقِ
وعِقابُهم يأْتي ولوْ طالَ المدَى = بالحقِّ نسمُو دائمًا كي نرْتقِي
معاشر المسلمين:
ولئن أمعن النَّظر فيما تُعانِيه كثيرٌ من المجتمعات؛ بل وقضايانا المعاصرة لألفينا أن مردَّ الفشل والإحباط، والدون الكاوي كالسياط، هو استشراء للتقصير والإهمال، والتسيُّب الإداري والفساد المالي، وعدم التحقُّق بالمسئوليات، على ما يُنشد فيها من كفاءات وخبرات.
وذلك هو الداء الدوي الذي يعتام التفاؤل بالإصلاح والبناء ويئِدُ المشاريع الإنمائية الناهضة، والآمال المُشرِقة الوثَّابة، التي تقتعد بالأمة صهوات العِزَّة والسُّؤدَد والكرامة، والشموخ والحَزْم والصرامة.
تِلكَ الأمانةُ حينَ نرْعاها نرَى = ما يدْفعُ الآثـامَ والأوْزارَ
اللهُ في القرآنِ أوْصـانَا بهـا = وبها نُطيعُ المصْطَفى المخْتارَ
أمة العقيدة:
أَوَلَيْسَ أعظم شناعةً، وأسوأ عاقبةً ووضاعةً ممن أُحسِن به الظنّ في مصالح البلاد والعباد، فبدَّدَها وما وطَّدَها، وأَتْلَفَها وما ألَّفَها استخفافًا واسترخاصًا، وخفرًا للعهد وانتقاصًا، مُتناسِيًا قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّكُم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته»؛ خرجه الشيخان من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
ولله ثم لله! ما إحساسٌ يُناجي الفؤاد فيُحِيلُ النفوس مُرهفاتٍ، أو أشد قطعًا والعزائم مُهنداتٍ، أو أنكى وقعًا كالتفاني في خدمة الدين والوطن، ودفع الفساد عنه والأفن، والعروج به إلى أزكى فنن، وأسمى قُنن؛ لأن طمأنينة المسلم ورخاءه رهن طمأنينة بلاده؛ فكيف ببلاد الحرمين الشريفين - حرسها الله -؟!
وما المرءُ إلا حيثُ يقضِي حياتَه = لنفعِ بلادٍ قدْ تربَّى بخيرِها
أما الذين يبيعُونَ دِينَهم، ويُرخِّصون أوطانهم من أجل عَرَضٍ من مال، أو لتحقيق أوهامِ خيال، فإن مصيرهم الهزيمة والانتكاسة والنّكَال:
ولي وطنٌ آليتُ ألَّا أبيعـهُ = وألا أرَى غيرِي لهُ الدَّهر مالكا
فقدْ ألِفتْه النفْسُ حتى كأنّه = لها جسدٌ إن بان غُـودرَ هالِكا
أمة الإسلام:
ومن معالم الإصلاح ومدارجه: أن لا تميُّز في المسئوليات، ولا إبداع فيما أُنيط بالمسلم من مهام وتكليفات، في حقوق البلاد والعباد إلا بالمحاسبة والمراقبة واليقين والخوف من المولى الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل، قرينه العقل الرصين، والعلم المتين، والولاء المكين.
بعد ذلك أنَى تُغرِيه الأحوال، بين غنمٍ وإيناس، أو غُرمٍ وابتئاس، وذلك جوهرُ الأمانة، وتِبْرُ المسئولية التي تجعل من كل فردٍ في الأمة عنصرًا يتدفَّق إليه الشعور بتَبِعات ما له من الحق، وما عليه من واجباتٍ في سبيل الحفاظِ على صرح المجتمع المشمخر الرّبوع، من كل ما يهول ويروع، من الشروخ والصدوع.
حَفِظَ الله بلاد الحرمين الشريفين وبلاد المسلمين جميعًا من البلايا والرزايا، وأمَّنَها من الحوادث والكوارث، وسلَّمَها من أرباب الفساد والخيانة، وأعلى شأن ذوي الصدق والإخلاص والأمانة؛ إنه جوادٌ كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27- 28 ].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهَدْي سيِّد المرسلين، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي لغفورٌ رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي العظمة والجلال، قضى - سبحانه - بأن الفساد إلى دوال، والخيانة إلى زوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غياثُ المكروبين وثِمال، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه تترى ما تعاقَبَ شُروقٌ وزوال، وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، الأُلى قَمَعوا الفساد بالمشرفيات الحِدَاد وبليغ المقال، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - واسعوا في طاعته ومَرَاضِيه، يجعل حالكم خيرًا من ماضيه، وراقِبُوا أنفسكم دومًا كي تُعتِقُوها، وحاسِبُوها قبل أن تندموا في أُخرَاكم وتُوبِقُوها.
أيها الأخوة الأحبة في الله:
وفي عصرٍ تَضَاعَفَت فيه الكوارث وتنوَّعَت الأزمات، فإن من الواجب التصدِّي لها بخططٍ مدروسة مُمَنهَجة، وجهودٍ مشتركةٍ مُنظَّمة لدراسة الواقع واستشراف المستقبل الآمن - بإذن الله - بين الأفراد والمؤسسات والإدارات والجمعيات، مع التمرُّس في استصدار القرارات الطارئة الحازمة التي تدُكُّ التلكُّؤ والتقصير والعشوائية والنَّمَطيّة والارتجالية، وعسى أن تقرّ الأعين وتبتهج النفوس بهيئةٍ عليا لإدارة الأزمات والكوارث، وأخرى لمُكافحة الفساد والخيانة، ترتبط بوليِّ الأمر مُباشرةً الساهر على مصالح أمته وبلاده وشعبه.
وإن من دُرَر القرارات، وجمانات التوجيهات التي عطَّرَت الأرجاء بشَذَاها الفيَّاح، وأبهَجَت من الغيُر الأرواح، من وليِّ الأمر ورائد الإصلاح - لا زال مُوفَّقًا مُسدَّدًا مَكلوءًا في المساء والصباح - غرة عامنا الهجري المبارك: الحرب على الفساد والمفسدين في كافة المجالات المالية والإدارية والاجتماعية، ومحاسبة المُقصِّرين في كارثة السيول أيًّا كان شأن المسئول، مع التأكيد على أن المحاسبة ليست من ضُرُوب التشفِّي والانتقاص، كلا؛ بل هي عينٌ باصرةٌ ناقدة من ذوي الشأن والاختصاص.
فَقَسَا ليزْدجِرُوا ومَن يكُ حازِمًا = فلْيقْسُ أحْيانًا على مَنْ يرحَمُ
مع أن هذا المسلك لا يُشكِّلُ ظاهرةً - بحمد الله -، وهذا المنهج المرموق من المُوفَّق المرموق، لتقصِّي آثار المَيْل والفساد والمحسوبية التي استزرَعَت بُهتانًا العراقيل الكئان لَهُو مفتاح التغيير الذي يُجلِّي في آفاق الإبداع والطموح، ويحفظ على الأمة قِيَمَها، وتلاحُمها وتراحُمها، ويُعزِّزُ جانبَ الرقابة الذاتية، وحسّ المسئولية في القطاعات الحكومية والأهلية، مع تربية الأجيال على هذا الخلق العفِّ الزكِيّ، والسلوك الشفَّاف السَنِيّ؛ لما يبعث في الأرواح من صوادق العزم، وصوارم الإرادات نحو المجد والريادة، والعلياء والقيادة، والسُّؤْدَد والسيادة.
ياخَادِمَ الحرمينِ حيّاكَ الحيَـا = لما نفضْتَ عن الوجُوهِ غُبارَا
واسَيْتَ بالقولِ الجمِيلِ أحبّـةً = في لحظَةٍ وجَدُوا العمَارَ دمَارَا
ورفعْتَ صوتَك بالحدِيثِ موجّهًا = وأَمرْتَ أمْرًا واتّخذْتَ قـَرَارَا
هذا، وقد شمل - وفقه الله - المرْزُوئِين ببالغ عنايته فرقَّ لهم وحنّ، وسقاهم من نمير عطفه الغمام المرجحِن؛ فخفَّفَ وَطْأَ مُصَابِهِم وكُلُومِهم، ووَاسَى وضع يتيمهم ومحرومهم، جَعَلَ اللهُ ذلك له في موازين الحسنات، وجزاه عن رعيته خير الجزاء وأوفر المقامات.
أحزانُها ليـلٌ ولكِن النّـدَى = من أهلـهِ في أهلهِ مِشكَـاةُ
يجْلُو ضِياءَ القَلْب يصْحبُه إلى = جفنِ الرضا فهُنَالِك الجنّاتُ
أحبتي الأكارم:
كما دبَّجَت الجهات الخيرية والمواقف التطوُّعية السبَّاقة المتنافسة الأنموذجَ الفريد في التكافل والتراحُم، وغوث المُتضرِّرين، ومُوَاسَاة المَكلُومِين والمَحْزُونين، وأنَّى يُستغرَب ذلك من نفوسٍ سَمَت بالنُّبْل، وزَكَت بالفضل.
أدامَ الله بلاد الحرمين الشريفين روضةً بالإحسان فوَّاحة، وللبر والتآزُرِ أبهى واحة، وجنَّبَها - بمنِّه وكرمه - الكوارثَ والأزمات، والمِحَنَ والمُلِمَّات؛ إنه خيرُ مسئول، وأكرمُ مأمول.
هذا، وصلُّوا وسلِّمُوا - رحمكم الله - على سيد البرايا، بأزكى الصلوات والتحايا، كما أمر بذلك ربكم في أحسن الكتب نظامًا، وأبيَنِها حلالًا وحرامًا، فقال تعالى قولًا كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].
منَّا الصـلاةُ على النَّبي وآلِـهِ = لا تنْقضِي إنْ عُدَّت الأرقامُ
تعلُو بها الدّرجاتُ عندَ مليكِنَا = فهي النَّجاةُ وفي الجبينِ وسَامَ
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيد الأولين والآخرين، ورحمةِ الله للعالمين، نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهمَّ عن آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحْمِ حَوْزَة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في بلادنا، وأصلِح أئمَّتَنا ووُلاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقْه لما تُحبُّ وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، وهيِّئ له البطانة الصالحة التي تدلُّهُ على الخير وتُعِينُه عليه، اللهم وفِّق وليَّ عهده لكل خير، اللهم لك الحمد ولك الشكر أن عاد سالمًا إلى أرض وطنه مُعافى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فأسبغ عليها لباس الصحة والعافية، واجعله هاديًا مهديًّا يا رب العالمين، وشُدّ به أزر خادم الحرمين الشريفين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقهم وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم إنا نسألك أن تنصُرَ إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم كن لإخواننا المُتضرِّرين من الكوارث والحوادث يا حيُّ يا قيوم، اللهم ارحم موتاهم، وعافِ جرحاهم، اللهم اشف مرضاهم، وعافِ مُبتلاهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّقْ جنودنا المُرابِطِين على حدود بلادنا، اللهم وفِّقهم وأعِنْهم وانصُرهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم عليك بالأشرار، اللهم رُدَّ عنَّا وعن بلادنا وعن عقيدتنا وقيادتنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، يا ذا الجلال والإكرام، يا عزيز يا غفار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةٍ، وفي الآخرة حسنةٍ، وقنا عذاب النار.
ربنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصِفُون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.