كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام صلاة المريض وطهارته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:
فهذه كلمات موجزة في بيان صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أردت تقديمها إلى كل مسلم ومسلمة ليجتهد كل من يطلع عليها في التأسي به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - ﴿صلوا كما رأيتموني أصلي﴾ ([1]) رواه البخاري، وإلى القارئ بيان ذلك:
إسباغ الوضوء
1- يسبغ الوضوء، وهو أن يتوضأ كما أمره اللّه عملا بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية [سورة المائدة آية: 6].
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿لا تقبل صلاة بغير طهور﴾ ([2]).
التوجه إلى القبلة
2- يتوجه المصلي إلى القبلة وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا ينطق بلسانه بالنية؛ لأن النطق باللسان غير مشروع، بل بدعة لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي اللّه عنهم، ويجعل له سترة يصلي إليها إن كان إمامًا أو منفردًا، واستقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في مسائل مستثناة معلومة موضحة في كتب أهل العلم.
تكبيرة الإحرام ورفع اليدين عند التكبير ووضع اليدين على الصدر
3- يكبر تكبيرة الإحرام قائلًا: الله أكبر، ناظرًا ببصره إلى محل سجوده.
4- يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه.
5- يضع يديه على صدره، اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
دعاء الاستفتاح
6- يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو: ﴿اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، وإن شاء قال بدلًا من ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك﴾ ([3])، وإن أتى بغيرهما من الاستفتاحات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، لأن ذلك أكمل في الاتباع، ثم يقول: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - ﴿لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب﴾ ([4]) ويقول بعدها- آمين- جهرًا في الصلاة الجهرية، وسرًا في السرية، ثم يقرأ ما تيسر له من القرآن، والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة في الظهر والعصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي الفجر من طواله وفي المغرب تارة من طواله، وتارة من قصاره، عملا بالأحاديث الواردة في ذلك.
الركوع والرفع منه وما يشتمل عليه
7- يركع مكبرًا رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلا رأسه حيال ظهره واضعًا يديه على ركبتيه مفرقًا أصابعه ويطمئن في ركوعه ويقول: سبحان ربي العظيم. والأفضل أن يكررها ثلاثًا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: ﴿سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي﴾ ([5]).
8- يرفع رأسه من الركوع رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلا ﴿سمع اللّه لمن حمده﴾ ([6]) - إن كان إماما أو منفردا- ويقول حال قيامه: ﴿ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبا ًمباركًا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد﴾ ([7]).. أما إن كان مأمومًا فإنه يقول عند الرفع: ربنا ولك الحمد إلى آخر ما تقدم، وإن زاد كل واحد منهم أعني الإمام والمأموم والمنفرد " ﴿أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد﴾ ([8]) " فهو حسن لثبوت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - ويستحب أن يضع كل منهم يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث وائل بن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما.
السجود والرفع منه وما يشتمل عليه
9- يسجد مكبرًا واضعًا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر له ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلا بأصابع رجليه ويديه القبلة ضامًا أصابع يديه مادًّا لها ويكون على أعضائه السبعة: الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويسن أن يقول ذلك ثلاثًا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: ﴿سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي﴾ ([9])، ويكثر من الدعاء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم﴾ ([10]) ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة، سواء كانت الصلاة فرضًا أو نفلا، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب﴾ ([11])
الجلوس بين السجدتين وكيفيته
10- يرفع رأسه مكبرًا ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويضع يديه على فخذيه وركبتيه ويقول: ﴿رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني﴾ ([12]) ويطمئن في هذا الجلوس.
11- يسجد السجدة الثانية مكبرًا ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
12- يرفع رأسه مكبرًا ويجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة وهي مستحبة، وإن تركها فلا حرج عليه، وليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض قائمًا إلى الركعة الثانية معتمدًا على ركبتيه إن تيسر له ذلك وإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى.
الجلوس للتشهد في الصلاة الثنائية وكيفيته
13- إذا كانت الصلاة ثنائية- أي ركعتين- كصلاة الفجر والجمعة والعيدين جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبًا رجله اليمنى، مفترشًا رجله اليسرى، واضعًا يده اليمنى على فخذه اليمنى، قابضًا أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد، وإن قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن لثبوت الصفتين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو: ﴿التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد﴾ ([13])ويستعيذ بالله من أربع فيقول: ﴿اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال﴾ ([14]) ثم يدعو بما يشاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس- سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة- لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، وفي لفظ آخر ثم ليختر من المسألة ما شاء وهذا يعم جميع ما ينفخ العبد في الدنيا والآخرة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة اللّه.
الجلوس للتشهد في الصلاة الثلاثية أو الرباعية وكيفيته
14- إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء قرأ التشهد المذكور آنفًا مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نهض قائمًا معتمدًا على ركبتيه، رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلا: الله أكبر، ويضعهما- أي يديه- على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية، ثم يسلمِ عن يمينه وشماله ويستغفر الله ثلاثاَ، ثم يقول: ﴿اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام﴾ ([15]) قبل أن ينصرف إلى الناس إن كان إمامًا، ثم يقول: ﴿لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا اللّه ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا اللّه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون﴾ ([16])، ويسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ آية الكرسي، وقل هو اللّه أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة، ويستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، لورود الأحاديث بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
ويشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل صلاة الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين وبعد صلاة المغرب ركعتين وبعد صلاة العشاء ركعتين وقبل صلاة الفجر ركعتين، الجميع اثنتا عشرة ركعة، وهذه الركعات تسمى الرواتب لأن النبي كان يحافظ عليها في الحضر.. أما في السفر فكان يتركها إلا سنة الفجر والوتر فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليها حضرًا وسفرًا، والأفضل أن تصلى هذه الرواتب والوتر في البيت فإن صلاها في المسجد فلا بأس، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة﴾ ([17]) والمحافظة على هذه الركعات من أسباب دخول الجنة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعًا بنى اللّه له بيتًا في الجنة﴾ ([18]) رواه مسلم في صحيحه، وإن صلى أربعًا قبل العصر واثنتين قبل صلاة المغرب واثنتين قبل صلاة العشاء فحسن؛ لأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك، والله ولي التوفيق، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين ،،،
أحكام صلاة المريض وطهارته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه كلمة مختصرة تتعلق ببعض أحكام طهارة المريض وصلاته.
لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة، فإن رفع الحدث وإزالة النجاسة سواء كانت في البدن أو الثوب أو المكان المصلى فيه شرطان من شروط الصلاة. فإذا أراد المسلم الصلاة وجب أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر، أو يغتسل إن كان حدثه أكبر، ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو أتى الغائط لتتم الطهارة والنظافة.
وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك:
– فالاستنجاء بالماء واجب لكل خارج من السبيلين كالبول والغائط.
وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء، إنما عليه الوضوء. لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة ها هنا.
والاستجمار يقوم مقام الاستنجاء بالماء ويكون بالحجارة أو ما يقوم مقامها، ولا بد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة فأكثر، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ﴿من استجمر فليوتر﴾ ولقوله أيضا: ﴿إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه﴾ [رواه أبو داود]. ولنهيه عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار [رواه مسلم].
ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة، وما أشبهها كالمناديل واللبن – اليابس من التراب والجص – ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء. لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ، والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، أو الجمع بينهما. عن أنس قال: ﴿كان النبي يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء﴾ [متفق عليه]. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لجماعة من النساء (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم وإن رسول الله كان يفعله) [قال الترمذي: هذا حديث صحيح].
وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف، وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقي بهن المحل فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر، لقول النبي : ﴿من استجمر فليوتر﴾، ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، لقول سلمان في حديثه: ﴿نهانا رسول الله أن يستنجي أحدنا بيمينه﴾، ولقوله : ﴿لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه﴾، وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما، استجمر بيمينه للحاجة ولا حرج في ذلك، وإن جمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء، كان أفضل وأكمل.
ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة، خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة، قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقال عليه الصلاة والسلام: ﴿إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم﴾، وقال: ﴿إن الدين يسر﴾.
فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه، فإنه يتيمم وهو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6]، والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء، لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولقوله لعمار بن ياسر: ﴿إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا﴾ ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار.
ولا يصح التيمم إلا بنية؛ لقوله: ﴿إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى﴾.
وللمريض في الطهارة عدة حالات:
1 – إن كان مرضه يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوهما، أو كان ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه، فهذا لا يجوز له التيمم. لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه؛ ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله.
2 – وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة، فهذا يجوز له التيمم. لقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29].
3 – وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره، وإن تلوث بدنه، أو ملابسه، أو فراشه بالنجاسة، ولم يستطيع إزالة النجاسة، أو التطهر منها – جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها؛ لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بأي حال من الأحوال بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة.
4 – من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب، جاز له التيمم للأدلة السابقة، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي.
5 – إذا كان المريض في محل لم يجد ماءً ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة، لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
6 – المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن تيسر له ذلك. لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقوله: ﴿إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم﴾، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته.
وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت، فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء أو التيمم إن كان لا يستطيع الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة وهي التي يستمر معها الدم غير دم الحيض. وما خرج في الوقت من البول فلا يضره بعد وضوئه إذا دخل الوقت.
وإن كان عليه جبيرة يحتاج إلى بقائها مسح عليها في الوضوء والغسل، وغسل بقية العضو، وإن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره كفاه التيمم عن محلها، وعن المحل الذي يضره غسله.
ويبطل التيمم بكل ما يبطل به الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء، أو وجوده إن كان معدوماً، والله ولي التوفيق.
كيفية صلاة المريض
أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام، له أن يصلي جالساً، فإن عجز عن الصلاة جالساً فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلّى مستلقياً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ﴿صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب﴾ [رواه البخاري]، وزاد النسائي: ﴿فإن لم تستطع فمستلقياً﴾.
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع ثم يجلس ويومئ بالسجود؛ لقوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿صل قائماً﴾، ولعموم قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وإن كان بعينه مرض فقال ثقات من علماء الطب: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً.
ومن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل السجود أخفض من الركوع.
وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، إن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر من الركوع ما أمكنه ذلك.
وإن لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول. ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتاً بأي حال من الأحوال للأدلة السابقة.
ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء، انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه. لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك﴾ وتلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14].
ولا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته، فلا يجوز له ترك المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً ما دام عقله ثابتا، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا تركها عامداً وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف يقوى على أدائها ولو إيماء فهو عالم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر﴾، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ﴿رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله﴾، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة﴾ [أخرجه مسلم في صحيحه]، وهذا القول أصح؛ للآيات القرآنية الواردة في شأن الصلاة، والأحاديث المذكورة.
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما يتيسر له، إن شاء قدم العصر مع الظهر وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء. أما الفجر فلا تجمع مع ما قبلها ولا مع ما بعدها، لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها.
هذا بعض ما يتعلق بأحوال المريض في طهاراته وصلاته.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي مرضى المسلمين، ويكفر سيئاتهم، وأن يمن علينا جميعاً بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
([1]) البخاري الأذان (605).
([2]) مسلم الطهارة (224).
([3]) البخاري الأذان (711)، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (598).
([4]) البخاري الأذان (723)، مسلم الصلاة (394).
([5]) البخاري تفسير القرآن (4683)، مسلم الصلاة (484).
([6]) البخاري الأذان (657)، مسلم الصلاة (411).
([7]) مسلم صلاة المسافرين وقصرها (771).
([8]) مسلم الصلاة (477).
([9]) البخاري الأذان (761)، مسلم الصلاة (484).
([10]) مسلم الصلاة (479).
([11]) البخاري الأذان (788)، مسلم الصلاة (493)، أحمد (3/192).
([12]) الترمذي الصلاة (284)، أبو داود الصلاة (850)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (898).
([13]) البخاري الأذان (797)، مسلم الصلاة (402).
([14]) البخاري الجنائز (1311)، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (588).
([15]) مسلم المساجد ومواضع الصلاة (591).
([16]) البخاري الأذان (808)، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593).
([17]) البخاري الأدب (5762)، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (781).
([18]) مسلم صلاة المسافرين وقصرها (728).