بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
إنّ الحمد لله نحمدُه، ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله .]ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون [ ( [1] ) ]يا أيّها النّاس اتّقوا ربكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا [. ( [2] )
] يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [ ( [3] ) أمّا بعد فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يخلق الخلق لأمر عظيم هو عبادته وحده لا شريك له فقال تعالى : ] وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون[ ([4]) ومنّ على عباده، فأرسل إليهم أنبياء ورسلا يبشرون بالجنّة لمن سار على هديهم ، واقتفى أثرهم، وينذرون بالنار من عصاهم ، وخالف هديهم ، فقال ﷻ : ] رسلا مبشرين ومنذرين [ ( [5] ) فقد بلغ النبي ﷺ الرّسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقّ جهاده، وجعل أمته على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك ،وإنّ من أجلّ العلوم وأصلا لأصول هو علم التوحيد الّذي جاء به النبيّ ﷺ من عند ربّه ﷻ ، وهو أعظم موضوع ، وأجلّ مكتوب ، به يعلم حال الإنسان أهو في الجنّة أم في النار ، فمن حقق التوحيد ومات عليه ، فهو في جنة رب البريات ، ومن لم يحققه وما على الشرك والعياذ بالله فهو خالد مخلدا في النار ، فهو وظيفة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، فقد بلغوه لأممهم وجعلوهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك ، وهو أيضا وظيفة ورثة الأنبياء وهم العلماء العاملون ، فقد قيض الله في كلّ عصر من العصور وفي كلّ مكان من الأمكنة أئمة من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى ويبصرون أهل العمى ، ويصبرون على الأذى ، فأردت أن أدلي بدلوي وأكتب هذه النصائح لأستفيد منها ، ولعلّ الله أن يجعلها نافعة لي في الدنيا والآخرة ولإخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأولى : أن تعلم لماذا خلقت ؟.
اعلم يا أيّها القارئ الكريم وفقني الله وإيّاك لما يحب ويرضاه أنّ الحكمة من خلق الإنسان ، هي عبادة الله سبحانه وتعالى لا غير ، ولكن للأسف كثيرا من النّاس لا يعلمون هذه الحكمة ، فإذا سألت بعضهم لماذا خلقك الله سبحانه وتعالى ؟ لا تجد عنده جوابا ، وهذا الأمر خطير جدّا ، فالواجب على الإنسان أن يسأل أهل الذكر والعلم ليخبروه بذلك ، والدليل يا أخي على أنّ الحكمة من خلق الإنسان العبادة؛ قوله سبحانه وتعالى: } وما خلقت الإنس والجنّ إلاّ ليعبدون { ([6]) وقوله : }يا أيّها النّاس اعبدوا ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون { ([7]) وقوله تعالى: } ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت { ([8]) وقوله ﷺ : (( يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله)). قلت الله ورسوله أعلم قال : (( فإن حقّ الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحقّ العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا )) . ([9])
فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمات المحكمات ، ورسوله ﷺ في هذا الحديث أنّ الله خلقنا لعبادته ، وألا نشرك به شيئا ، وهذه هي دعوة الرّسل قاطبة صلوات الله عليهم وسلامه ، والعبادة هي توحيده سبحانه وتعالى بطاعته ، وامتثال أوامره وترك نواهيه .
فإذا أشرك الإنسان في العبادة ، كالذي يدعو غير الله من الأموات من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، أو يستغيث بهم ، أو يتقرّب إليهم بالذّبح ، والنّذور ، أو يعتقد أنّهم يضرّون أو ينفعون بعد موتهم، وأنّهم يعاقبون من خالفهم ، فهذا يعتبر من الضلال المبين الّذي يخرج صاحبه من دائرة الإسلام إلى دائرة الشرك والعياذ بالله. فهذا النبيّ ﷺ يقول الله له في محكم كتابه: } ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت لحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين { ([10]) فكيف بغيره من البشر، مع العلم أنّ النبيّ ﷺ هو سيّد الموحدين ، وأنّ الله قد عصمه من الشرك والكبائر ، ولكن هذا الخطاب من باب التحذير لغيره من أمته الذين يقعون في مثل هذا الأمر الشنيع ، الذي يحبط أعمالهم ، فالله سبحانه وتعالى يقول : } إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .{ ([11])
وقال تعالى: } إنّ الشرك لظلم عظيم { ([12]) فمن وقع في الشرك ومات على ذلك؛ فإنّه يكون خالدا مخلّدا في النّار، لا تنفعه شفاعة الشافعين ، وأمّا من تاب قبل موته توبة نصوحا ، فإن الله يتوب عليه ، بل يبدلّ الله سيئاته حسنات وهذا أعظم الكرم من الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولو يولد ، اسمع لقول الله تعالى: }والّذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم الله إلاّ بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما { ([13]) وهذا فضل عظيم من ربّ كريم ، اللهم ارحمنا برحمتك واجنبنا وأبنائنا أن نعبد الأصنام إنك أنت العزيز المنان .
الثانية: أن تعلم ما معنى شهادة أن لا إله إلاّ الله؟
اعلم يا أخي في الله الواجب نحو ربّ العالمين ، وأكرم الأكرمين ، وأرحم الرّحمين ، أن تعتقد اعتقادا جازما بأنّ الله ربّ كلّ شيء ومليكة ، وأنّه هو الخالق ، الرّازق ، المحيي ، المميت ، المدبّر والمتصرف في جميع الأمور ، وأنّه هو المستحقّ بأن يفرد بجميع أنواع العبادة ، من صلاة ، وسجود ، وركوع ، وذبح ، ونذر ، ودعاء ، وسؤال ، والالتجاء ، واعتصام ، وتوكل ، واستغاثة ، وحبّ ، وخوف ، ورجاء ، وذل ، وتواضع و، خشية ، وإنابة ، وغير ذلك من العبادات التي لا تصرف إلاّ له ﷻ ، وأنّه المتّصف بصفات الكمال والجلال ، المنزّه عن كلّ عيب ونقص ، } ليس كمثله شيء وهو السميع البصير { ([14]) وهذا هو الأساس الأوّل الذّي يقوم عليه البناء ،والواجب على المسلمين معرفة ما يدور حول شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله ؛ حتّى يحققوها في حياتهم ، وقبل مماتهم ؛ لأنّه لا يصحّ دخول أيّ إنسان في الإسلام إلاّ بهذه الشهادة العظيمة ، فهيّ أول ركن من أركان الإسلام ، وهذا الرّكن هو الّذي أرسل الله به نبيّه ﷺ للمخلوقين عامة من إنس وجان ، فمنهم من آمن ففاز برضا الديان ، ومنهم من كفر فخسر خسرانا مبينا ، مع العلم أنّ مشركي قريش كانوا يعلمون أنّ الخالق الرازق ، هو الله وحده ، فقد قال الله تعالى : ] قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ ([15]) ولكنّهم جعلوا مع الله آلهة أخرى ، فأشركوا في العبادة بأن عبدوا غير الله ، فقد قال الله تعالى مخبرا عنهم: ] أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عجاب [ ([16]) فمن هذا العرض الموجز أردت أن أبيّن بعض الأمور الّتي تتّعلق بهذه الشهادة العظيمة، وهي كما يلي :
أوّلا: معنى لا إله إلاّ الله:
اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لكلّ خير ، أن معنى لا إله إلاّ الله أيّ: لا معبود بحقّ إلاّ الله ، أيّ لا أحد يستحق شيئا من العبادة ، كالدعاء ، والذبح، والصلاة والنذر، وغير ذلك ؛ والدليل على أقول قول الله تعالى : ] قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين [ ([17])،
وقوله ﷺ : (( لعن الله من ذبح لغير الله )) .([18])
وقال النبيّ ﷺ : (( الدعاء هو العبادة )) . ([19])
والعبادة في اللّغة : الخضوع ، والتّذلّل .
وفي الشرع : هيّ اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة، والباطنة .
وكلمة ] الإله [ في اللّغة: هيّ المعبود، مشتقّة من أله يأله إلهة ، بمعنى عبد يعبد عبادة .
وفي الشرع : هو المألوه المعبود المستحقّ لإفراده بالعبادة.
والإله هو : الّذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا وتعظيما ، وإكراما ، ومحبّة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه، ودعاء له، ولا يصلح هذا كلّه إلاّ لله ﷻ وأمّا لفظ الجلالة ] الله [ فهو علم على ذاته المقدّسة سبحانه وتعالى ، فبهذا يتضّح لك جليّا معنى لا إله إلاّ الله ، فالّذي يشهد بأنّ الله هو الخالق ، والرازق ، والمحيي، والمميت ، والشافي ، والكافي ، ولكنه يدعو غير الله ، كأن يدعو الأموات من الأنبياء والصالحين ، أو الجنّ ، أو الملائكة ، أو يذبح لغير الله ، أو يستغيث بغير الله في أمور لا يقدر عليها إلاّ الله سبحانه وتعالى ، أو يخاف من المخلوقات ، كخوفه من الله أو أشد ، أو يذهب إلى السحرة، والكهنة ، أو يصدق من يدعي الغيب ، أو يذهب إلى الأولياء يعتقد فيهم النفع والضرّ ، ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات ، فهذا لم يحقّق لا إله إلاّ الله ؛ لأنّه صرف بعض العبادات لغير الله سبحانه وتعالى ؛ وأيّ عبادة تصرف لغير الله توقع صاحبها في الشّرك الأكبر ؛ والدليل على صحّة ما نقوله قوله تعالى: ] ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون [ ([20]) وقوله تعالى: ] ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنّك إذا من الظالمين [ ([21]) فهذه الآيات تدلّ بصراحة أنّ كلّ من دعا غير الله ، أو جعل بين الله وبين خلقه واسطة تقربه إلى الله فيما يدعيه ، فجعل المخلوق ينفع ويضرّ، ويتصرف مع الله في ملكه، وإن كانوا لا يقولون بذلك ، وإنّما يقولون : هم خير منا عند الله لصلاحهم وقربهم من الله فيشفعون لنا عند الله، فهذا الّذي يدعي هذا الإدعاء يعدّ من الظالمين ، الخاسرين، في الآخرة كما دلّت على ذلك الآيات .
ثانيّا: أركان لا إله إلاّ الله.
لابد يا أخي العزيز أن تعلم أنّ لكلّ شيء أركان يقوم عليها ، وأركان هذه الشهادة، ركنان يجب على كلّ مسلم ومسلمة معرفة ذلك ، وهي كما يلي:
الركن الأوّل: النفيّ ، وهو قولك: ] لا إله [ والمراد بالنفيّ ، نفيّ الإلهيّة عمّا سوى الله سبحانه وتعالى من سائر المخلوقات ، أيّ : لا إله في الوجود إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير ، فكما أنّك أثبت أنّه لا شريك له في ملكه ، فلا شريك له في عبادته وطاعته .
الركن الثّاني: الإثبات ، أيّ : قولك : ] إلاّ الله [ فلابدّ بأن تثبت العبادة لله وحده، أيّ : كما أنّه لا شريك له في عبادته ، فلا شريك له في كلّ شيء . فلا تدعو إلاّ الله ، ولا تستغيث ، ولا تذبح ، ولا تلتجأ ، ولا تنذر النذور إلاّ له سبحانه وتعالى ، واعلم أنّ المخلوقات ، من الملائكة ، والجانّ ، والإنس ، والجمادات ، لا تنفع ولا تضرّ بل النافع والضّار ، والمانع والمعطي، والمحيي والمميت ، والمغني والمفقر، والمسعد والمذلّ ، هو الله سبحانه وتعالى لا شريك له. اللهم اهد قلوبنا للإيمان وخذ بنواصينا للبر والتقوى ، واحفظنا من كلّ ما يبعدنا عنك ، أنت ولينا في الدنيا والآخرة .
ثالثا: شروط لا إله إلاّ الله
أخي المحب اعلم أنّ لهذه الشّهادة شروط ، والواجب على المسلمين الّذين آمنوا بالله ربّا ، وبالإسلام دينا وبمحمّد ﷺ نبيّا ورسولا أن يعلموها ، ويتعلموها ، ويعملوا بها؛ حتّى تسلم لهم هذه الشّهادة ، وهذه الشروط كما يلي:
الشرط الأوّل: العلم.
وهو العلم بمقتضاها نفيّا وإثباتا؛ لقوله تعالى: ] فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله [ ([22]) ومعنى هذه الآية أيّ : لا معبود في السماوات والأرض بحقّ إلاّ الله سبحانه وتعالى، ولقوله ﷺ: (( من مات وهو يعلم أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة )). ([23])
الشرط الثّاني: اليقين:
أيّ : لا بد أن تقرّ أيها العبد بقلبك بهذه الشهادة إقرارا جازما ، لا يدخله أيّ شكّ في ذلك ، وإلاّ إذا شككت في ذلك فلا تنفعك هذه الشّهادة ، وإن نطق بها لسانك ؛ لقوله تعالى: ] إنّما المؤمنون الّذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصّادقون [ ([24]) وقوله ﷺ: (( أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحجب عنه الجنّة )). ([25]) وهذه النّصوص تدلّ دلالة صريحة أنّ الّذي ينتفع بهذه الشّهادة هم الّذين لم يشكّوا فيها ، بل استيقنتها قلوبهم .
الشرط الثّالث: الإخلاص.
وهو أن تكون مخلصا في تصفيّة العمل بحقيقة " لا إله إلاّ الله محمدا رسول الله " الدّالة على معناها ، وذلك بصالح النية عن جميع شوائب الكفر والشرك ، وذلك بأن تحقّق عبادة الله في الأرض ، ولا تشرك به شيئا ؛ لقوله تعالى: ] وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ ([26])ولقوله تعالى : ] ألا لله الدين الخالص [ ([27]) ولقوله ﷺ : (( أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلاّ الله خالصة من قلبه ، أو من نفسه )). ([28])
فهذه النّصوص الصريحة الواضحة تبيّن أن غير المخلص في عبادة الله لا نجاة له يوم القيامة من النّار ؛ لأنّ من حقق الإخلاص والمتابعة مصيره إن شاء الله الجنّة لا محالة.
الشرط الرّابع : الصدق المنافي للكذب.
وهذا الشرط يجب على العبد المسلم أن لا يناقضه بالكذب ، وذلك بأن يشهد أن لا إله إلاّ الله صادقا من قلبه ، وإلاّ فلا تنفعه هذه الشهادة ، وهذا الصدق يظهر في عقيدته ، بأن يعبد الله حق عبادته ، ولا يشرك بالله شيئا من مخلوقاته ؛ والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: } الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الّذين من قبلهم فليعلمن الله الّذين صدقوا وليعلمن الكاذبين[ ([29]) وقوله تعالى : ] والّذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتّقون[ ([30]) والّذي جاء بالصدق هو النبيّ ﷺ والّذي صدّق به هو أبو بكر t ولذلك سميّ الصدّيق ، فكلّ من صدّق بما جاء به النبيّ ﷺ من الوحيين وهما القرآن والسنّة ، وعمل بما فيهما ؛ فهو من الصادقين في شهادته ، ولقوله ﷺ : (( ما من أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلاّ حرّمه الله على النّار )) . ([31]) وهذا أعظم فضل من الله أن يحرم عليك النار ويدخلك الجنة مع الأبرار .
الشرط الخامس: المحبّة لهذه الشهادة العظيمة الشأن .
والمحبّة المقصود بها حبّ الّذي خلق الأرض والسماوات العلى ، باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وهذا لا يكون إلاّ باتباع النبيّ ﷺ في كلّ ما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر، وتصديقه فيما قال وأخبر ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: ]ومن النّاس من يتخذ من دون الله أندادا يحبّونهم كحبّ الله والّذين آمنوا أشدّ حبّا لله [ ([32]) و قال تعالى: ] قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [ ([33]) وقوله ﷺ : (( ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النّار )). ([34]) فإذا أحببت ما يحبّ الله ورسوله ﷺ ، وأبغضت ما يبغض الله ورسوله ﷺ فقد حقّقت محبّة الله ، والعبادة التّي يتقرب الإنسان بها إلى ربّه بفعلها لابد عند القيام بها يكون قلبه متعلّقا بربّه ، وإلاّ كيف يعبده وهو لا يحبّه، وحبّه كما قلنا لابد من اتباع نبيّه ﷺ في كلّ كبيرة وصغيرة لأنّه هو المبلغ عن ربّه ، والمبيّن لما جاء من القرآن فاتباعه واجب محتّم على كلّ المسلمين . اللهم اجعلنا من أتباعه في الدنيا والآخرة .
الشرط السّادس: الإنقياد والاستسلام لما دلت عليه هذه الشهادة .
وهذا لا يكون إلاّ بالاستسلام لما دلت عليه هذه الشّهادة ظاهرا وباطنا ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: ] ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور [ ([35]) وقوله تعالى: ] وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له [ ([36]) ومعنى هذه الآية أيّ : أرجعوا إلى ربكم واستسلموا له في كلّ ما أمركم به من فعل الطاعات واجتناب المتهيات.
الشرط السابع: القبول لما اقتضته هذه الشهادة بقلبه ولسانه .
ومعنى هذا أن يقبل كلّ ما جاء عن الله فلا يأتي بالبعض، ويترك البعض ، ويكون قبولها أيضا بلسانه، وقلبه، وفعل جوارحه؛ والدليل على ذلك قوله تعالى :] إنّهم إذا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون ويقولون أئنّا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحقّ وصدّق المرسلين [. ([37])فالكفّار استكبروا ولم يصرحوا بها فذمّهم الله ، وأمّا المؤمن الحقّ فهو يصرّح بها ويعتزّ بذلك. ولقوله ﷺ : (( أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا إن لا إله إلاّ الله، فمن قال : لا إله إلاّ الله فقد عصم منّي ماله ودمه ونفسه إلاّ بحقّ الإسلام وحسابه على الله )). ([38]) وهذا يبيّن أن من لم يأت بالشّهادة وينقاد لها فهو حلال الدمّ ، والمال ، والعرض ، اللهم ارحم ضعفنا وتول أمرنا وانصرنا على من عادانا.
رابعا: نواقض لا إله إلاّ الله.
كما علمت أيها الأخ العزيز أنّ للشهادة شروطا ، وواجبات ، فلا بد أن تعلم أنّ لها أيضا نواقضا تنقضها نقضا مبرما ، فإذا أتى العبد بأحد هذه النواقض ، وإن ادّعى أنّه يقول : لا إله إلاّ الله محمدا رسول الله بلسانه ، ويقرّها بقلبه ، فلا ينفعه ذلك أ بدا ؛ لأنّنا قوم نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، فالواجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يتعلّموا هذه النواقض حتّى يسلموا من الوقوع فيها؛ لأنّ الوقوع فيها يبطل أعمالهم الّتي عملوها وكانوا يعتقدون أنّها تقرّبهم إلى الله سبحانه وتعالى .
واعلم أيضا أنّ الإتيان بأحد هذه النواقض ، تخرج صاحبها من دائرة الإيمان والإسلام، والعياذ بالله من ذلك اللهم احفظ علينا إيماننا وإسلامنا حتى نلقاك وأنت راض عنا وهذا بيانها أيّها الحبيب في الله.
أولا: الجهل بها:
إذا جهل الإنسان معنى لا إله إلاّ الله محمدا رسول الله ، بأن ترك تعلّمها ومعرفتها ، وجهل أنّ معنى لا إله إلاّ الله أيّ: لا معبود بحقّ إلاّ الله ، لأنّ هناك من يعبد غير الله ، ولكن بغير حقّ ؛ كعبادة اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ممن يعتقد أنّه على هدى .
فإذًا الجاهل بمعناها سيقع في ضدّها ؛ كأن يدعو غير الله ، أو يذبح لغير الله ، أو ينذر لغير الله ، أو يستغيث بغير الله في الأمور التي لا يقدر عليها إلاّ الله، كأن يطلب من الأموات قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، وهذه لا يقدر عليها إلاّ الله ﷻ ، وسبب وقوع الإنسان في هذا الأمر أنّه يجهل معنى الشهادة وحقيقتها ، فحقيقتها أن تكون جميع العبادات لله ، فلا يتقرب بأيّ عبادة لغير الله، فإن فعل ذلك وقع في الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: )فلا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنّك من الظالمين[ ([39]) ولقوله ﷺ : (( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النّار )) . ([40]) فمن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك ، كأن يدعو ميّتا ، سواء كان ذلك الميّت نبيّا ، أو رجلا صالحا ، أو ملكا مقربا ، أو جنّا من الجنون ، فهذا قد وقع في الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام ، والعياذ بالله من ذلك .
أو ذبح لغير الله كأن يذبح لنبي مرسل ، أو ملك مقرب ، أو رجل صالح ، أو جن، أو لعتبة البيت ، أو المصنع ، أو المؤسسة ، أو غير ذلك ، فهذا يخرجه من ملة الإسلام ، والدليل على ذلك قوله تعالى : } فصل لربك وانحر [ ([41]) وقوله تعالى: ] قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين [ ([42]) ولقوله ﷺ : (( لعن الله من ذبح لغير الله )) ([43]).
أو نذر لمخلوق على سبيل التقرب والعبادة له ، والنذر لا يكون إلاّ لله ﷻ فمن نذر لأي مخلوق من المخلوقات فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الإسلام ، والدليل على ذلك قوله تعالى على لسان - أم مريم عليهما السلام - : } رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقل مني إنك أنت السميع العليم [ ([44]) وهكذا القول في جميع العبادات التي يتقرب بها إلى الله وحده لا شريك له ،وقد سبق ذكرها، فصرفها لغيره من المخلوقات تخرج العبد من دائرة الإسلام والعياذ بالله إلى دائرة الشّرك الأكبر ، أعاذنا الله من ذلك.
ثانيّا: الشكّ فيها:
ويكون ذلك بأن يشكّ في وحدانيّة الله سبحانه وتعالى ، فلا يعبده حقّ العبادة ، بل من الممكن أن يقع في محاذير تؤدي به إلى الضّلال والخسران المبين ، واسمع قوله تعالى: ] إنّما المؤمنون الّذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا [ ([45]) ولقوله ﷺ : (( أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلاّ دخل الجنّة )). ([46]) فهذه الأدلة تبيّن جليّا أنّ المؤمن الحقيقيّ هو الّذي لا يشكّ في إيمانه بالله ورسوله ﷺ ، بل يوقن بأنّ الله ربّه، ومحمّدا ﷺ نبيّه ، والإسلام دينه.
ثالثا: عدم الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
وهذا إذا كان العبد يقوم بالعبادة من أجل النّاس ، لا من أجل أن الله كتب عليه ذلك ، لأنّ العبادة يشترط في صحّتها الإخلاص لله وحده لقوله تعالى: ] وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء [. ([47]) ولقوله ﷺ عن ربّه في الحديث القدسيّ: (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه )). ([48])وهذه النّصوص تدلّ صراحة أنّ من صرف أيّ عبادة من العبادات لأيّ مخلوق من المخلوقات كان ، فإنّ هذه العبادة لا تقبل منه أبدا، ويوم القيامة تكون مردودة عليه ؛ لقوله تعالى: ] وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ ([49])فاحرص أيّها المسلم أن يكون عملك خالصا لوجهه الكريم ، واعلم أنّ الدنيا زائلة وأنّك ستلقى ربّك فيجازيك في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
رابعا: التكذيب بها.
اعلم يا أخي العزيز أن كثيرا من النّاس هدانا الله وإيّاهم لما يحبه ويرضاه ، يقولون: الدين في القلب ، ويدعّي أنّه مسلم ، ولا يعمل بشريعة الله الّتي أنزلها على رسوله محمّد ﷺ ، فترى بعضهم لا يصلّي ، وبعضهم لا يصوم، وبعضهم لا يحجّ ، وبعضهم لا يزكيّ ، وبعضهم يستهزئ بالسنن التّي جاء بها رسول الله ﷺ ، وبعضهم يتشبّه بالكفّار في أعمالهم وأقوالهم ويرى ذلك تطورا وحضارة ، ويراهم قدوة له ، ويقول في بعض الشعائر مثل توفير اللّحى أنّها قشور ، فهذا وإن دلّ فإنّما يدلّ على تكذيبه لهذه الشهادة التّي نطق بها فقط، ونسي أنّ من شروط قبول هذه الشهادة أن ينطق بها ، وأن يعتقد ذلك بالقلب، وأن تظهر الأعمال على جوارحه . واسمع لقول الله تعالى : ] والّذي جاء الصدق وصدّق به أولئك هم المتّقون[ ([50]) ، أما المكذب بمقتضاها فهو من غير المتقين .
خامسا: عدم محبّة هذه الشهادة أو كرهها وبغضها :
اعلم يا أخي العزيز أنّ من نواقض لا إله إلا الله من يبغض كلمة التوحيد أو بعض ما تتضمنه، وأنّ حبها وحب ما تتضمنه من شروط لا إله إلا الله ، فإذا عدم توفر المحبة للشهادة ، يعني الكراهية والبغض لها ، وهذا من نواقضها .
واعلم أيضا أيها الأخ المحب أنّ حبها يكون بحبّ الله وحبّ رسوله ﷺ ؛ وحبّهما لا يكون إلاّ باتّباع أوامرهما واجتناب نواهيهما ، أمّا مجرد ادّعاء حبّهما من غير عمل فهذا لا ينفع صاحبه أبدا ، وإنّما هي مجرد دعوة ادّعاه هذا القائل، فلا تنفعه يوم يلقى ربّه سبحانه وتعالى ، لقوله تعالى: ] قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرّسول فإن تولوا فإنّ الله لا يحبّ الكافرين[ ([51]) فعدم اتّباع النبيّ ﷺ يدلّ على عدم محبّته ، وعدم محبّته تدلّ على عدم محبّة الله ﷻ ، وعدم محبّة الله تدلّ على أنّ صاحب هذه الشّهادة لا تنفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة. ومعلوم أنّه من أبغض شيئا فيه ذكر الله أو جاء من عند الله أو من عند رسوله ﷺ أو أبغض رسوله ﷺ أو صحابته y فقد كفر، وعلى العبد أن يحذر من ذلك كلّه ، ويخلص الحبّ لله وحده لا شريك له ، وأن يحب في الله ويبغض في الله ، فيكون بهذا قد حقق المحبة الكاملة التي يجب عليه أن يكون متحليا بها في الظاهر والباطن ، اللهم طهر قلوبنا من الشرك والكفر ، والنفاق والشقاق واجعلنا من عبادك الصالحين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين .
سادسا: الخروج عن شرع الله.
وهذا الأمر خطير جدّا نسأل الله السلامة منه ؛ لأنّ الله خلق الخلق ليعبدوه، والعبادة لا تكون إلاّ بما شرع ، فالواجب على المسلم الّذي رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا، ومحمّد ﷺ نبيّا ورسولا أن يسلمّ لله ، ولرسوله ﷺ في كلّ كبيرة وصغيرة ، فيرضى بما أمر الله ، ويقبل حكم الله ، ويتمسك بحبله المتين في السّراء والضرّاء ، وفي الرخاء والشدّة ، وهذا لا يكون إلا بتطبيق القرآن والسنّة في كامل حياته الدينيّة ، والسياسيّة، والاقتصادية ، والقضائيّة ، والسلوكيّة، والأخلاقية ، والتربوية ، وغير ذلك، حتّى يلقى ربّه يوم القيامة وهو راض عنه، فقد قال الله تعالى: ] ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور [ ([52]) فنسأل الله التوفيق والسداد في الأمور كلّها.
سابعا: إنكار أيّ شيء من الدين بالضرورة.
كمن أنكر فرضية الصلاة ، أو أنكر فرضية الصيام ، أو أنكر الحكم بما أنزل الله، أو أنكر عذاب القبر ، ونعيمه ، أو البعث والنشور ، أو الحساب والجزاء ، أو الجنّة والنّار ، أو غير ذلك ممّا أخبر به الله أو رسوله ﷺ فهذا يخرج الإنسان من دائرة الإسلام وإن كان يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله؛ لأنّه غير صادق في ذلك كلّه، بفعله، أو قوله لما يناقضها.
قال في معارج القبول : فمن جحد أمرا مجتمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة فلا شكّ في كفره. ([53])
ثامنا: الاستهزاء بأي أمر من أمور الدين :
وهذا يكون بأيّ شيء جاء عن الله ، أو عن رسوله ﷺ كالاستهزاء بالمصلين، أو الاستهزاء باللّحى، أو الاستهزاء بالحجاب ، أو الاستهزاء بأيّ شعيرة من شعائر الله جاء بها النبيّ ﷺ لأمته ، فمن استهزاء بشيء منها فقد خرج من دائرة الإسلام والإيمان ، ووقع في الشرك الأكبر ، والعياذ بالله من الوقوع في ذلك ، اسمع لقوله تعالى: ] قل أبالله وءاياته كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [ ([54]) فهذه بعض نواقض الإسلام ، ومن نواقض الشهادة أيضا باختصار : الاشمئزاز من الإسلام وأهله ، أو كراهيته ، أو كراهية شيء منه أو الذبح والنذر لغير الله ، والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة النبوية ،أو إنكار شيء منهما ، أو شتم الربّ ﷻ أو رسوله ﷺ ، أولعن الدين ، أو عدم الإيمان بجميع الرسل المرسلة من الله ، أو بجميع الكتب المنزلة من عند الله أو الحكم بغير ما أنزل الله ، أو اعتقاد عدم صلاحية حكم الإسلام ، أو أجاز الحكم بغيره ، أو التّحاكم لغير الإسلام ، وعدم الرضا بحكمه ، أو يجد في نفسه ضيقا وحرجا في حكمه ، أو إعطاء غير الله حقّ التشريع ، كالديكتاتورية ،أو الديمقراطية ، أو غيرها ممن يسمحون بالتّشريع المخالف لشرع الله ، أو تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، كتحليل الربا ، والزنا ، وزواج الرّجل من الرّجل أو المرأة من المرأة ، وغير ذلك أو حب المبادئ الهدامة كالشيوعية ، أو الماركسية ، أو العلمانية الخالية من الدين ، أو القومية المقيتة ، أو مناصرة اليهود والنصارى ، والشيوعيين ومعاونتهم على المسلمين ، أو عدم تكفير اليهود والنصارى ، والمجوس والملل الكفرية كالروافض ، والدهرية ، والصوفية المشركين، وغيرهم كثير ، فهذه المبطلات والنواقض ، أشبه بنواقض الوضوء ، فاحذر أن تقع فيها يا أخي العزيز فإنّ عاقبة ذلك وخيمة عندما يلقى الإنسان ربّه بعد الموت ، فلا ينفعه شيء ، ولا ينصره أحد ، اسمع لقول الله تعالى: ] وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول باليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضيّة ما أغنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيّه [ ([55]) فهذه الآية تبيّن أنّ الإنسان بعد الموت لا ينفعه ماله، وسلطانه ، بل يتمنى القضاء عليه لَـمَّا يرى العذاب الّذي أعده الله للكافرين المجرمين ، المشركين ، الكافرين ، الملحدين ، فاحرص يا أخي ما دامت روحك في جسدك بأن تتبع هدي نبيّك محمّد ﷺ في كلّ كبيرة وصغيرة حتّى تفوز بالنعيم المقيم ، اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة .
الثّالثة : أن تعلم ما معنى تحقيق شهادة أنّ محمّدا رسول الله ﷺ ؟.
وهذه الشهادة لا تنفك عن الشّهادة الأولى ، فهما متلازمان دائما وأبدا ؛ لأنّ الله ﷻ هو الّذي أرسله للعالمين ؛ ليبلغ عنه ، فمن أطاع الرسول ﷺ فقد أطاع الله ومن عصى الرسول ﷺ فقد عصى الله ، ولهذه الشهادة أمور منها :
أولا: معنى شهادة أنّ محمّدا رسول الله ﷺ
فمعنى هذه الشهادة يا أخي العزيز أن تطيع نبيك ﷺ فيما أمر، وتصدقه فيما أخبر، وأن تجتنب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا تعبد الله إلاّ بما شرع، إذا فهمت هذا وطبقته في حياتك فإنّك قد حقّقت معنى شهادة أنّ محمّدا رسول الله ﷺ باتّباعك له في كلّ كبيرة وصغيرة فإنّك على خير عظيم وإن لم تقتد به فأنت على خطر عظيم، والدليل على محبّته ﷺ قول الله تعالى: ] قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإنّ الله لا يحبّ الكافرين [ ([56]) وقوله تعالى: ] وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنّما على رسولنا البلاغ المبين [([57]) .فإذا حققت متابعة النبيّ ﷺ فإن شاء الله ستكون من رفقائه في الجنّة، فاحرص على ذلك كلّ الحرص، وإمّا ابتعدت عن سنّته، وضربت بها عرض الحائط ، فإنّك ستندم حين لا ينفعك الندم، اسمع قول الله تعالى في سورة الفرقان يحذرك من ذلك: } يوم يعضّ الظالم على يديه يقول باليتني اتّخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جائني و كان الشيطان للإنسان خذولا { . ([58])
ثانيّا: محبة النبي ﷺ
ومحبّة النبيّ ﷺ تكون باتّباعه ، وعدم مخالفته ؛ فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: ] قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم[. ([59])ولقوله ﷺ : (( ثلاثة من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يقذف في النّار )). ([60])وهذا لا يكون إلاّ بتقديم كلّ ما جاء به، عن هوى النفس ، فتحبّ هديه وسنّته، وتعمل بها وتدعو إليها ، وتصبر على كلّ مكروه يصيبك في ذلك ، فبهذا تكون محبّته راسخة في قلبك ، وظاهرة على جوارحك ، فقد كان صحابته t يحبّونه أكثر من حبّهم لأنفسهم ومالهم، وأهليهم لأنهم سمعوا قوله ﷺ حين ما قال: (( لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، وماله وولده، والنّاس أجمعين)). ([61])وهذا لا يكون إلاّ بطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، ويحصل ذلك بالتعلّم العلم الشرعيّ النافع من الشيوخ المعروفين بصحة المعتقد وحسن الورع ، وهذا كلّه مدون في كتب العلماء الأجلاّء ، الّذين حرصوا على إيصاله لنا ، فقد جاء بين أيدينا بدون تعب ولا مشقة – فجزاهم الله خير الجزاء ولكن للأسف لمّا فرّط كثير من العباد في معرفة شرع ربّهم عمّ الجهل فيهم ، ودب الظلام في أرواحهم ، فابتعدوا عن دينهم كلّ البعد ، ووقعوا في ظلمات الشّرك والكفر ، والتجأوا إلى ما يغضب ربّهم ، إلاّ من رحمه الله ﷻ ، فوحد الله وعبده على بصيرة ، ومات على ذلك ، فحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير ، اللهم وفقنا لحبك وحب نبيك ﷺ وحب من أحبكما يا قوي يا عزيز .
الرابعة: ما هو الإيمان وما دليله وكيفية زيادته ونقصانه
أولا : الإيمان
لغة : التصديق ، لقوله تعالى : } وما أنت بمؤمن لنا [ ([62]) أيّ : بمصدقنا .
حقيقة الإيمان هو : قول باللسان واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان .
والدليل على أنّ الإيمان قول ، واعتقاد ، وعمل : قوله تعالى : } ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم [ ([63]).. وقوله تعالى : } فآمنوا بالله ورسوله[ ، وهذا هو معنى الشهادتين اللتين لا يدخل العبد في الدين إلاّ بهما ، وهي من عمل القلب اعتقادا ، ومن عمل اللسان نطقا ، وقال تعالى : } وما كان الله ليضيع إيمانكم [ ، ([64]) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة سمى الصّلاة كلّها إيمانا ، لأنّها جامعة لعمل القلب واللسان والجوارح .
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله - : الإيمان التّصديق الجازم ، والاعتراف التّام بجميع ما أمر الله ورسوله ﷺ بالإيمان به ، والانقياد ظاهرا وباطنا ، فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لأعمال القلوب ،وأعمال البدن ، وذلك شامل للقيام بالدّين كلّه . ([65])
ثانيا : زيادته ونقصانه : أيّ : ارتفاع الإيمان في العبد بزيادة الطاعة ، ونقصانه وضعفه بارتكاب المعاصي .
والدليل على أنّه يزيد وينقص ؛ قوله تعالى : } ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ ([66]) وقوله تعالى : } وزدناهم هدى [ ، ([67]) وقوله تعالى : } ويزيد الذين آمنوا إيمانا[ ([68])، وغير ذلك من الآيات الواضحة .
الخامسة: أن تعلم شيئا عن ملائكة الرّحمن.
يجب الإيمان بالملائكة الكرام، بأنّ الله خلقهم من نور، وأنّهم خلقوا لعبادته، وأنّهم عباد مكرمون يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وأنّهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فقد جاء عن النبيّ ﷺ أنّه قال (( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم ممّا وصف لكم )). ([69]) أي من طين لازب.
كما جاء في القرآن ، ويقول الله تعالى : } يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون { ([70])ويقول الله تعالى: } بأيد سفرة كرام بررة{ ([71]) وأنّ الملائكة عظام كما وصفهم الله في الآية السابقة، حتّى أنّه ذكر أنّ من الملائكة من رجلاه في الأرض ورأسه في السّماء ، وأنّ لهم أجنحة تختلف من ملك إلى ملك فهذا جبريل – عليه السلام – له ستمائة جناح، وإسرافيل له اثني عشر ألف جناح، قال الله تعالى: } الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء { ([72]) وأنّ بعض الملائكة من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة، فمن هذا يتبيّن أنّ الملائكة أمرهم عظيم، وخلقهم عجيب، ومع هذا إذا سمعوا الله سبحانه وتعالى يتكلّم بالوحي صعقوا جميعا، فكيف حالنا نحن البشر أمام هذا الخلق العظيم، نسأل الله السلامة في الأمور كلّها.
واعلم أنّ الإيمان بالملائكة منه ما هو على التفصيل ، ومنه ما هو على الإجمال:
فالّذي يجب علينا الإيمان بهم على الإجمال ملائكة لا يحصيهم إلاّ الله سبحانه وتعالى، لقوله ﷺ : (( فإذا أنا بإبراهيم ﷺ مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه )) . ([73])
وقوله ﷺ : (( إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ وملك واضع جبهته ساجدا لله )) . ([74])
قال في عمدة القاري : والملائكة أنواع لا يحصي عددهم إلاّ الله تعالى وساداتهم الأكابر أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وعزرائيل – ملك الموت - ، وإسرافيل ومنهم الرّوح ، قال الله تعالى : } يوم يقوم الروح [ ([75]) ، ومنهم الحفظة ومنهم الملائكة الموكلون بالقطر ، والنبات ، والرياح ، السحاب ،ومنهم ملائكة القبور ، ومنهم سياحون في الأرض يبتغون مجالس الذّكر ، ومنهم كروبيون ، وروحانيون ، وحافون، ومقربون ، ومنهم ملائكة تقذف الشّياطين بالشّهاب ، ومنهم حملة العرش ، ومنهم موكلون بصخرة بيت المقدس ومنهم موكلون بالمدينة ، ومنهم موكلون بتصوير النّطف، ومنهم ملائكة يبلغون السّلام إلى النّبي من أمته ، ومنهم من يشهد الحروب مع المجاهدين ، ومنهم خزان أبواب السّماء ، ومنهم الموكلون بالناّر، ومنهم ملائكة يسمون الزّبانية ، ومنهم من يغرسون أشجار الجنّة ، ومنهم من يصوغون حلىّ أهل الجنّة ، ومنهم خدم أهل الجنة ، ومنهم من نصفه ثلج ونصفه نار . ([76])
وغيرهم من الملائكة كثير لا يحصيهم إلا الله ﷻ ، وأنا سأبين بعضهم للاختصار وهؤلاء يجب الإيمان بهم على التفصيل .
جبريل – عليه السلام –
مكلّف بأداء الوحي للأنبياء – صلوات الله عليهم – ونصرتهم في المعارك والحروب، إذا أذن الله له بذلك، كما فعل جبريل – عليه السلام - في غزوة بدر، وغزوة الخندق حينما جاء قائدا لجيش الملائكة قال الله تعالى: } من كان عدوا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن الله { ([77])وقال الله تعالى: } قل نزّله روح القدس من ربّك بالحقّ { ([78]) وقال تعالى: } إن هو إلاّ وحي يوحى علّمه شديد القوى ذو مرّة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثمّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى { ([79]) ولقد رأى النبيّ ﷺ جبريل مرتين على صورته الحقيقية مرّة في الأبطح، ومرّة في سدرة المنتهى حيث قال الله تعالى: } ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى{ ([80]) أمّا باقي الحالات فكان يراه على صورة رجل ، وغالبا يراه على صورة الصحابي الجليل دحية الكلبي t وقد كان من أجمل رجال في قريش.
ميكائيل – عليه السلام –
من أعظم الملائكة شئنا ومنزلة عند الله ﷻ ، وله من الأعوان ما لا يحصيهم إلاّ الله سبحانه وتعالى، وهو موكل بالقطر، والأرزاق ويسير ذلك حيث يأمره الله سبحانه وتعالى، وقد ذكره الله في قوله: } من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدو للكافرين { .([81])
إسرافيل – عليه السلام –
وهو الملك العظيم الّذي قال فيه جبريل للنبيّ ﷺ أوتعجب منّي يا محمّد لو أنّك رأيت إسرافيل وله اثني عشر ألف جناح، فهذا الملك العظيم القويّ موكّل بالنّفخ في الصّور، وهو منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى وهو واقف ماسك للبوق ينتظر أمر ربّه، إنّهم ملائكة عظام شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ولقد ذكرهم النبيّ ﷺ في دعائه عند قيام اللّيل فقال ﷺ : (( اللّهمّ ربّ جبريل وميكائيل، وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )). ([82])
ملك الموت – عليه السلام –
من أعظم الملائكة خلقة، وهو القابض للأرواح كلّها ، وهو الّذي يقف على كلّ بيت في كلّ يوم خمس مرّات، وعلى كلّ ذي روح كلّ ساعة، هو الذّي يتمثل للأموات، كلٌّ على حسب ما ختم له من أعمال، فإن كان من الصّالحين تمثّل له هو وأعوانه في خير صورة، وأحسن هيئة، وبأعظم بشارة، وإن كان من الهالكين تمثّل له هو وأعوانه في أبشع صورة، وأشنع هيئة، وأغلظ وعيد، نسأل الله العفو والعافية، فقد ذكر بأنّ الأرض أمامه ، كالبيضة بين رجلي الرّجل، كيف يكون منظره يا عباد الله اسئلوا ربّكم النجاة من النّار، أمّا ذكره في القرآن فقد قال الله تعالى: } قل يتوفاكم ملك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون {. ([83])
المعقبات – عليهم السلام –
هم الّذين يحفظون النّاس في رحلّهم وترحالهم، وفي نومهم ويقظتهم، حتّى يأتي أمر الله فيتخلوا عنه، ويتركونه لأمر الله فينفذ فيه ما كتب الله عليه من مصائب، وآفات، وقوله تعالى: } له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .{ ([84])
قال مجاهد – رحمه الله -: ما من عبد إلاّ له ملك موكّل بحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه إلاّ قال له الملك: وراءك إلاّ شيء أذن الله فيه فيصيبه. وقال الله تعالى: } وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهو لا يفرّطون { ([85]).
الملائكة الموكلون بالنطفة –عليهم السلام-
وهؤلاء الملائكة أمرهم عظيم، شغلهم الشاغل أرحام النّساء، ومراقبة النّطف، وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على كمال عظمة المولى سبحانه وتعالى، ولقد قال سبحانه: } ما فرطنا في الكتاب من شيء { ([86]) وأنّ كلّ شيء خلقه الله بحكمة ولحكمة، فسبحان الّذي قدّر هذه الأشياء.
وهؤلاء الملائكة قد أخبر عنهم الحبيب المصطفى ﷺ فقال: (( إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الرّوح ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله وشقيّ أو سعيد )). ([87]) اللّهم اجعلنا من السعداء ، ولا تجعلنا من الأشقاء إنّك رؤوف رحيم.
تنبه مهمّ يغفل عنه كثير من النّاس وخاصة في هذا الزّمن الّذي كثر فيه الجهل بأمور الدّين، وكثر فيه الهرج والمرج، والخبث والخبائث:
يحرم التعرّض للجنين إذا بلغ مائة وعشرين يوما؛ لأنّ نفخ الرّوح يكون في تمام ذلك، فيصبح إنسانا كاملا، فإن أسقط بعد هذا الوقت عمدا عدوانا فهذا يعتبر قتل بغير حقّ يجب فيه القصاص، أمّا إن أسلبت المرأة في هذا الوقت، أو اعتدي عليها بجناية خطأ، أو شبه عمد، فإنّه يسمى، ويغسّل، ويصلّى عليه، ويدفن، وبالإعتداء، يجب فيه غرّة إن نزل ميّتا، وإن نزل حيّا يجب فيه دية إنسان، إن ذكر فديّة ذكر ، وإن أنثى فديّة أنثى.
منكر ونكير - عليهما السلام –
ومهمتهم فتنة الإنسان في قبره وسؤاله عن ثلاثة أشياء : من هو ربّه ، وها هو دينه، ومن هو نبيّه ، وهذين الملكين العظيمين هما من أعظم الملائكة عظمة، وشدّة وشراسة، وغلظة، نسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن ينجينا منهما ومن فتنتهما العظيمة، وأن يحفظنا من عذابهما. هذين الملكين جاء الخبر عنهما في السنّة المطهّرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السّلام فقال ﷺ : (( إذا قبر الميّت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهم : المنكر، والآخر: النّكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثمّ ينوّر له فيه، ثمّ يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولون: نم كنومة العروس الّذي لا يوقظه إلاّ أحبّ أهله إليه حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال: سمعت النّاس يقولون قولا فقلت مثله، لا أدري فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذّبا حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك)).([88])وفي رواية: (( فيقولان: لا دريت ولا تليت، ثمّ يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلاّ الثقلين )). ([89]) هذا ما ينتظر العبد يا عباد الله، لماذا لا نسارع إلى التوبة ؟ ولماذا لا نعمل لدار الخلود ، ونزهد في دار البوار، والغرور ؟ هذا والله من ضعف إيماننا بهذا اليوم العظيم ، وأنّنا في غفلة نلعب ونمرح ، ألهتنا الدنيا بجمع حطامها ، وأشغلتنا عن ذكر ربّنا ، فالّذي يتوب قبل الموت فقد نجا وفاز ، ولكن المصيبة العظمى الّذي يموت ويخرج من هذه الحياة الدنيا والربّ سبحانه وتعالى عليه غضبان ، فيا تعسا له ،عندما يلتقي بهذين الملكين العظيمين فكيف يكون حاله؟ حاله كما قرأتم وسمعتم عذاب لا تقدر عليه الجبال الراسيات. نسأل الله التوبة قبل الموت ، والراحة بعده .
الملائكة الكرام الكاتبون – عليهم السلام –
وهم الموكلون بحفظ عمل العبد من خير وشرّ، وهؤلاء ذكرهم الله في محكم كتابه فقال عزّ من قائل: } إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد { ([90]) فالذّي عن اليمين يكتب الحسنات ، والّذي على الشّمال يكتب السيّئات ، وقال تعالى: } وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون { ([91]) فحاول أن تكرمهم يا أخي العزيز، فإكرام الّذي على اليمين، بفعل الصالحات ، وإكرام الّذي على الشّمال بترك المنكرات ، فبهذا تكون قد أكرمتهما، وأكرمت نفسك بطاعة ربّك ، وعصيت عدوّ الله وعدوّك إبليس عليه لعنة الله ، وقهرت النفس والهوى .
ملائكة الجنّة – عليهم السلام –
ويسمون خزنة الجنّة ، وسيدهم وإمامهم ومقدمهم اسمه رضوان – عليه السلام - فهؤلاء الملائكة الكرام خلقهم الله ﷻ لإدارة الجنّة فهم أجمل الملائكة، وأحسنهم، أنصحك يا أخي الكريم أن تسأل ربّك مرافقتهم في الجنّة، وهؤلاء ورد ذكرهم في القرآن فقال سبحانه وتعالى: } وسيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين{ ([92]) كلام جميل واستقبال رائع ، ووجوه طيّبة ، لماذا نفرّط في هذا الأمر العظيم ، التوبة التوبة يا عباد الله ، وإلاّ الندم على ما فات ، حين لا ينفع الندم .
ملائكة خزنة جهنّم – عليهم السلام –
ويسمون بزبانية جهنّم أيضا، وهم عظام، شداد، وقائدهم ورائدهم، ومقدمهم اسمه: مالك – عليه السلام - هؤلاء لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يتلذذون بعذاب أهل الكفر والزندقة، والملحدين، والمضيعين، وجوههم منكرة، وأفعالهم قاسية، لا رحمة فيها ؛ لأنّ الرحمة قد نزعت منهم، وورد أنّ أهل النار يبكون دما فيقول لهم مالك – عليه السلام – ما أحلى هذا البكاء لو كان في الدنيا من خشية الله. وهؤلاء الملائكة الكرام ذكرهم الله ﷻ في كتابه فقال: } وسيق الّذين كفروا إلى جهنّم زمرا حتّى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربّكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا { ([93]) وقال تعالى: } ونادوا يا مالك فليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون { ([94]) كلام غليظ ، ومعاملة قاسية، وتوبيخ مستمر ، وعذاب أليم، وحسرات ، وزفرات ، وندم ، وهذا كلّه بسبب التفريط الشنيع في حقّ الله سبحانه وتعالى ، فإلى التوبة يا عباد الله فإنّ الأمر خطير، هيّا نتوب إلى الله توبة نصوحا عسّى ربّنا أن يرحمنا، وأن يتوفانا وهو راض عنّا.
ملائكة حملة العرش – عليهم السلام –
وهؤلاء الملائكة من أعظم ما خلق الله سبحانه وتعالى من الملائكة ، وعددهم ثمانية على الصحيح ، كما أخبر الله ﷻ : } ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [ ([95])، ولقد وصف النبيّ ﷺ أحدهم فقال ﷺ : (( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة )). ([96]) فهل لك أن تتدبر في باقي خلقه يا أخي الكريم ، فإن كان هذا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه ، فكيف بكامل جسده ، اتّق الله وتب إلى الله من قبل أن تخرج روحك من جسدك فتعضّ على يديك من الحسرة والندامة .
واعلم أنّه لا يستطيع أحد أن يتفكر في هذه الأمور بعقله ، لأنّ إدراك العقل بالنسبة لهذه الأشياء محدود ، وهذه الأمور إيماننا بها غيـبـي .
والله لو يرى أحدنا شيئا أصغر من هذا بقليل لجنّ وخرج من عقله . اللّهمّ إنّا نسألك حسن الختام .
ملك الجبال – عليه السلام –
وهذا الملك الكريم لو أمره الله بدكّ الجبال دكّا لفعل ذلك ، ولقد أرسله الله إلى النبيّ ﷺ عندما خرج إلى الطائف يدعوهم إلى عبادة الله ونصرته ، وهم بني عبد ياليل فلمّا رجّع النبيّ ﷺ من عندهم وقد آذوه بالضرب والشتم ، وكان النبيّ ﷺ آن ذاك مهموما مغموما ممّا لاقى منهم هؤلاء المجرمين ، قال له ملك الجبال بعد أن سلّم عليه : (( إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [ وهما جبلان يحيطان بمكة ] فقال ﷺ : (( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)). ([97])ومن هذا يتبيّ لك جليّا بأنّ النبيّ ﷺ ذو خلق عظيم ، وأنه رؤوف رحيم كما وصفه الله ﷻ ، وهذا الموقف يعتبر من أروع الأمثلة في بيان خلق النبيّ ﷺ ، وأنّ من محاسن الإسلام العفو عند المقدرة . فنسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى .
السادسة أن تعلم ما يجب عليك نحو كتب ربّك الّتي أنزلها على رسله.
اعلم يا أخي العزيز أنّ الإيمان بكتب الله ، هو التّصديق الجازم بأنّ لله كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله – صلوات الله عليهم وسلامه – وهيّ من كلامه سبحانه وتعالى حقيقة، لا كلام غيره ، وأنّه تكلّم بها حقيقة كما شاء وعلى الوجه الّذي أراد، فمنها المسموع منه من وراء حجاب بدون واسطة ، كما حصل مع موسى ﷺ.
ومنها ما سمعه جبريل – عليه السلام – قال تعالى : } وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنّه عليّ حكيم { ([98]) وقال تعالى: } وكلّم موسى تكليما { ([99])
وأنّ الواجب عليك الإيمان بها جملة إلاّ ما سميّ منها وهيّ التوراة والإنجيل والزبور، والقرآن، وصحف إبراهيم ، وموسى ، فهذه يجب الإيمان بها على التفصيل . قال الله تعالى: } نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للنّاس { ([100]) وقال تعالى: } وآتينا داود زبورا{ ([101]) وقال تعالى: }أم لم ينبّأ بما في صحف موسى وإبراهيم الّذي وفّى { ([102]) وقال تعالى: } إنّ هذا لفي الصحف صحف إبراهيم وموسى { ([103]) فهذه يجب الإيمان بها على التفصيل كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز.
وأن تعلم أنّ القرآن مخصوص بالحفظ من التغيير والتبديل والتحريف إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى وذاك حين رفعه من الصدور والألواح، يقول الله تعالى: } إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون { ([104])وقال تعالى: } لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .{ ([105])
فبهذا يتبيّن جليّا أنّ القرآن سيبقى معجزة إلى يوم القيامة؛ لأنّ الله تكفّل بحفظه فلو يجتمع، الإنس والجنّ على أن يغيّروا أو يبدلوا، حرفا واحدا لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وأنّ هذا القرآن مهيمنا على ما سبقه من الكتب، قال الله تعالى: } وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه {. ([106])
وقال تعالى :} وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الّّذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه مر ربّ العالمين { ([107]) والمهيمن هو المؤتمن والشاهد على ما قبله من الكتب، والمصدق لها يعني يصدق ما فيها من الصّحيح وينفي ما وقع فيها من التحريف والتغيير والتبديل، فما شهد له بالصدق فهو المقبول عندنا، وما شهد عليه بالردّ فهو عندنا مردود.
ويجب على كلّ مخلوق من جنّ وإنس سمع ببعثة النبيّ ﷺ أن يتبعه ظاهرا وباطنا وأن يتمسّك به، وأن يقوم بحقّه، وذلك يكون باتّباع أوامره، واجتناب نواهيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والاعتبار بأمثاله والاتّعاظ بقصصه، والعمل بمحكمه، والتّسليم لمتشابهة، والوقوف عند حدوده وتلاوته آناء اللّيل وآناء النّهار، والذبّ عنه لتحريف الغالين المبطلين، و له ظاهرا وباطنا بجميع معانيها، والدعوة إليه على بصيرة وطاعة الرّسول ﷺ فيما أمر به والانتهاء عمّا نهى عنه وزجر، قال الله تعالى: } وهذ الكتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون {. ([108])
وقال تعالى: } اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم { ([109]) وقال ﷺ : (( خذوا بكتاب الله وتمسّكوا به )). ([110]) وقال ﷺ : (( تركت فيكم اثنان ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي )). ([111])
ومن المؤسف جدّا أن كثيرا من النّاس في هذا الزّمان هجروا كتاب ربّهم، تلاوة وعلما وعملا، وخالفوا ما فيه، وجعلوه للتّبرك فقط فتراه فوق الرفوف متّخذا للزّينة، والبركة، فإذا مات منهم أحد جاؤوا به وتلوه في سهارتهم، وهم لا يدرون بأنّ هذا القرآن حجّة لهم أو عليهم ، وأنّ الله يجعل له يوم القيامة y شأن عظيم فيقود مطيعيه إلى الجنّة، ويقود عاصيه إلى النّار والعياذ بالله، اسمع قول الله تعالى: } لتنذر به من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين { ([112]) وقال ﷺ : (( القرآن حجّة لك أو عليك)).([113])
السابعة: أن تعلم أنّ الواجب عليك معرفة رسل الله عامة، ومعرفة رسولك خاصّة.
واعلم وفقني الله وإيّاك لما يحبه ويرضاه أنّ الواجب عليك التصديق الجازم بأنّ لله رسلا أرسلهم لدعوة قومهم إلى عبادته سبحانه وتعالى وحده بلا شريك ، والكفر بما يعبد من دونه ، فهم متّفقون في دعوتهم من أوّلهم إلى آخرهم في توحيد الله ﷻ بإلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، ونفي ما يضاد ذلك أو ينافي كماله. قال الله تعالى: } ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت .{([114])
فيجب الإيمان بمن سمى الله منهم في كتابه على التّفصيل، والإيمان جملة بأن لله رسلا وأنبياء غيرهم لا يحصي عددهم إلاّ الله سبحانه وتعالى ولا يعلم أسمائهم إلاّ هو جلّ وعلا.
قال الله تعالى: } ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك{([115]) وعدد المذكورين في القرآن خمسة وعشرون وهم: آدم وإدريس ونوح وصالح وإبراهيم وهود ولوط ويونس وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيّوب وشعيب وموسى وهارون واليسع وذو الكفل وداود وزكريا وسليمان وإلياس ويحيى وعيسى ومحمد – صلوات الله عليهم أجمعين -.
ويجب أيضا الإيمان بهم جميعا، فمن يكفر، أو يجحد واحدا منهم فقد كفر بالله سبحانه وتعالى وبجميع الرّسل؛ لأنّ الإيمان بهم متلازم، قال الله تعالى: } آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير {. ([116])
وقال تعالى: } إنّ الّذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقّا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والّذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرّقوا بين أحد منهم اولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما { ([117])
وأنّهم بعثوا لهداية الخلق هداية دلالة وإرشاد إلى سبيل الهدى، أمّا هداية القلوب فهي من اختصاص الله لا دخل للبشر فيها؛ لأنّه هو مقلب القلوب، ومصرّف الأمور، قال الله تعالى: } وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم { ([118]) وقوله تعالى: } إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد { ([119]) فهذه هي هداية الإرشاد والدلالة ، أما قوله تعالى: }إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء { ([120]) فهذه الهداية هي هداية التوفيق والتسديد والتثبيت، وهي هداية القلوب لخالقها ورازقهما ومحييها ومميتها. فما علينا نحن أتباع الأنبياء – صلوات الله عليهم – إلاّ التبين، والإرشاد لما يحبه الله ويرضاه.
وأنّ الأنبياء – صلوات الله عليهم – صادقون مصدقون، أتقياء أنقياء، أمناء، هداة مهتدون، مؤيدون بالبراهين الظاهرة الساطعة، وأنّهم بلغوا عن ربّهم كلّ ما أمرهم الله بتبليغه، ولم يكتموا حرفا واحدا، ولم يغيّروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم. قال الله تعالى: } والّذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتّقون { ([121]) وقال تعالى: } هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون { ([122]) . وقال تعالى: } سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين { ([123]) فسلّم عليهم لسلامة ما قالوه فهم أصدق الخلق على الإطلاق.
وأنّ الأنبياء أفضل النّاس عند الله سبحانه وتعالى، وأفضل الأنبياء المرسلون، وأفضل المرسلين أولو العزم محمّد ﷺ خاتم النبيين وإمام المرسلين، وسيّد ولد آدم بلا فخر، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الّذي يغبطه عليه الأوّلون والآخرون، وصاحب لواء الحمد والحوض المورود، وشفيع الخلائق يوم القيامة بعد أن يأذن الله له، وصاحب الوسيلة. قال الله تعالى: } شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والّذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ([124]) وقال تعالى: } وإذا أخذنا من النبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم { ([125])
ويجب أن نؤمن بأنّ الأنبياء معصومون من الكبائر لعصمة الله لهم، وأمّا الصغائر فلا لهم منها، فقد يقعون فيها، ولكن لا يقرّون على ذلك بل ينزل الوحي فيرشدهم للصواب، وهذا كلّه من حفظ الله لهم.
والواجب نحوهم إحترامهم بتوقير أقوالهم، وأفعالهم، والصّلاة عليهم كلما ذكرهم الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون، وأن نهتدي بهداهم، وأن نأتمر بأوامرهم، ونجتنب ما نهوا عنه، ونحبّهم ونعظّمهم، ولا نغلوا فيهم، بل ننزّلهم منزلتهم الّتي أنزلهم الله إيّاها.
ويجب أن نعلم أنّهم بشر وخلق من خلق الله، يحتاجون إلى النوم والراحة، والنكاح، والأكل والشرب، والجلوس والقيام والمشي، وأنهم يضحكون ويحزنون، ويبكون، ويتألمون، ويمرضون، ويصحون، وينالهم الاضطهاد، ويُظْلَمُونَ، ولا يَظْلِمُونَ، ويقتلون، ويموتون، ويصيبهم الحرّ والبرد، والجوع والعطش، والغضب، والضجر والتعب، وغير ذلك من الأعراض الّتي تعتري البشر.
قال الله تعالى: } وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق { ([126]) وقال تعالى: } ما المسيح ابن مريم إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صديقة كانا يأكلان الطعام { ([127]) وقال ﷺ : (( لكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوّج النساء )). ([128]) وهذه كلّها لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العالية – صلوات الله عليهم وسلامه -.
ويجب أن نؤمن بمعجزاتهم – صلوات الله عليهم وسلامه – وأنّها أمور خارقة للعادة لا يقدر عليه البشر، بل هي تعجيز لمن أتوا إليهم ينذرونهم ويبشرونهم، فمن معجزاتهم بناء نوح ﷺ السفينة وجريانها فوق أمواج عاتية، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ﷺ ، وعصى موسى ﷺ وإدخال يده في جيبه تخرج بيضاء للناظرين، وولادة عيسى ﷺ بلا أب، وإحيائه الموتى ، وإبراء الأبرص والأكمه وذلك كلّه بإذن الله سبحانه وتعالى .
وأمّا معجزات نبيّنا محمّد ﷺ فهي كثيرة جدا ، وملخصها :
قال في عيون الأثر : أما معجزاته ﷺ فهي كثيرة وأعظمها القرآن الكريم ، وشق الصدر ، و إخباره عن البيت المقدس ، و انشقاق القمر ، وأنّ الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم ، وأقبل حتّى قام على رؤوسهم فقبض قبضة من تراب و قال : شاهت الوجوه وحصبهم يوم بدر فما أصاب رجلا منهم شيء من ذلك الحصى إلاّ قتل يوم بدر ، ورمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى ، ونسج العنكبوت عليه في الغار ، و ما كان من أمر سراقة بن مالك بن جعشم إذ تبعه في خبر الهجرة فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد و مسح على ضرع عناق لم ينز عليها الفحل فدرت ، و قصة شاة أم معبد ، و دعوته لعمر t أن يعز الله به الإسلام وعودته لعلي t أن يذهب الله عنه الحرّ و البرد ، و تفل في عينيه و هو أرمد فعوفي من ساعته ولم يرمد بعد ذلك ، و دعا لعبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - بالتأويل و الفقه في الدّين ، ودعا لجمل جابر t فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ، ودعا لأنس t بطول العمر و كثرة المال والولد و دعا في تمر حائط جابر – رضي الله عنهما - بالبركة فأوفى غرماءه و فضل ثلاثة عشر و سقا ، واستقى عليه الصلاة و السلام فمطروا أسبوعا ، ثمّ استصحى لهم فانجابت السحابة ، و دعا على عتبة بن أبي لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام ،وأمر أنسا t أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن : أمركن رسول الله ﷺ أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن ، و نام فجاءت شجرة تشقّ الأرض حتّى قامت عليه ، فلما استقيظ ذكرت له : فقال : هي شجرة استأذنت ربّها في أن تسلّم عليّ فأذن لها ، وسلم عليه الحجر و الشّجر ليالي بُعِثَ : يقولون : السلام عليك يا رسول الله وقال: إني لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن وحنّ إليه الجذع ، و سبح الحصى في كفه و سبح الطّعام بين أصابعه ، وأعلمته الشّاة بسمها، وشكا إليه البعير قلّة العلف و كثرة العمل ، و سألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها و تعود فخلّصها فعادت و تلفظت بالشّهادتين وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد أحد منهم مصرعه وأخبر أنّ طائفة من أمته يغزون في البحر و أن أمّ حرام بنت ملحان – رضي الله عنها - منهم فكان كذلك ، و قال لعثمان بن عفان t : تصيبه بلوى شديدة فأصابته و قتل ، و قال للأنصار y : إنكم ستلقون بعدي أثرة ، وقال في الحسن t : إن ابني هذا سيد ؛ و لعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فصالح معاوية t و حقن دماء الفئتين من المسلمين و أخبر بقتل الأسود العنسي الكذّاب و هو بصنعاء ليلة قتله و بمن قتله ،وقال لثابت بن قيس : تعيش حميدا و تقتل شهيدا فقتل يوم اليمامة ، و ارتد رجل ولحق بالمشركين فبلغه أنّه مات فقال : إنّ الأرض لا تقبله فكان كذلك وقال لرجل يأكل بشماله : كل بيمينك فقال : لا أستطيع فقال له :لا استطعت فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد ، و دخل مكة عام الفتح و الأصنام حول الكعبة معلقة و بيده قضيب فجعل يشير به إليها و يقول : جاء الحق وزهق الباطل و هي تتساقط ، و قصة مازن بن الغضوبة ، و خبر سواد بن قارب ، وأمثالها كثير و شهد الضبّ بنبوته ، و أطعم ألفا من صاع بالخندق فشبعوا و الطعام أكثر ممّا كان ، وأطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق و جمع فضل الأزواد على النّطع فدعا لها بالبركة، ثمّ قسمها في العسكر فقامت بهم وأتاه أبو هريرة t بتمرات قد صفهن في يده و قال : ادع لي فيهن بالبركة ففعل قال أبو هريرة : فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا و سقا في سبيل الله و كنا نأكل منه و نطعم حتّى انقطع في زمن عثمان t و دعا أهل الصفّة لقصعة ثريد قال أبو هريرة t : فجعلت أتطاول ليدعوني حتىّ قام القوم وليس في القصعة إلاّ اليسير في نواحيها فجمعه رسول الله ﷺ فصار لقمة فوضعها على أصابعه و قال لي : بسم الله فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتّى شبعت ، و نبع الماء من بين أصابعه حتّى شرب القوم و توضؤوا و هم ألف وأربعمائة ، و أتي بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم يسع فوضع أربعة منها و قال : هلموا فتوضؤوا أجمعين و هم من السبعين إلى الثّمانين ، و ورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي واحدا و القوم عطاش فشكوا إليه فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرسه ففار الماء و ارتوى القوم و كانوا ثلاثين ألفا ، و شكا إليه قوم ملوحة في مائهم فجاء في نفر من أصحابه حتّى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين ، و أتته امرأة بصبي لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره فذهب داؤه وانكسر سيف عكاشة بن محصن t يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار في يده سيفا و لم يزل بعد ذلك عنده ، وكذلك وقع لعبد الله بن جحش t يوم أحد، و عزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا مهيلا، و مسح على رجل ابن عتيك في خبر أبي رافع و قد انكسرت فكأنه لم يشتكها قط. ([129])
والآن سأبين بعضها على التفصيل ، خشية الإطالة ، وهي كما يلي:
1 / القرآن العظيم :
وهو أعظم معجزة إلى قيام الساعة، لأنّ الله أنبأنا فيه بحياة الأوّلين والآخرين ، فأعجز الورى ، وحيّر البلغاء فلم يستطيعوا أن يأتو بسورة من سوره، ولا بآية من آياته.
فعجائبه لا تنتهي ، وعلومه لا تنجلي ، يرجع إليه في كلّ وقت وحين ، كلّما ازددت تلاوته ازدادت حلاوته.
من أكثر من قرائته ازداد إيمانا وتصديقا، ومن تحصّن به وقاه من الشرور والآفات ، ومن تدبّره كثر علمه ، وقوي فهمه ، ومن جعلّه نصب عينيه نجى من المعاصي والذنوب ، وازداد من الطاعات والقربات ، يملأ الصدر سرورا وانشراحا ، ويملأ القلب نورا وحكمة ، برهانه قويّ وحجّته دامغة ، إذا نطقت به سكت المجادل والمعاند ، وإذا حفظته حفظك الله به ، وإذا عملت به أنجاك الله من سخطه ، وجعله لك أنيسا في الوحشة ، ورفيقا في الوحدة ، وشفيعا لك يوم القيامة ، وقائدا لك إلى جنّات النعيم.
فالقرآن معجزة محمّد ﷺ النبيّ الأميّ الّذي لا يحسن القراءة ولا الكتابة، فالأخبار الّتي جاءت فيه لا يقدر على قصصها إلاّ الأنباء، وذلك بوحي من الله سبحانه وتعالى فالنبيّ ﷺ ليس له علم بالأولين ولا الآخرين، فالّذي جاء به يدلّ دلالة واضحة على أنّه نبيّ مرسل فقد قصّ علينا أمور عجز عنها غيره، من ذلك ما أخبرنا الله فيه عن حياة أبينا آدم ﷺ ونشأته، وما وسوس له الشيطان حتّى أخرجه من الجنّة، وما وقع من الهبوط إلى الأرض، وكيف عاش، وما حصل بين أبنائه قابيل وهابيل، ثمّ قصّ علينا ما وقع لقوم نوح ﷺ من الشّرك العظيم الّذي بسببه أرسل الله نبيّه نوح ﷺ ، وقصّ علينا قصّة نوح ﷺ وما لقيه من قومه، وما صنع نوح ﷺ لما أمره الله بصنع السفينة، وما كان قومه يفعلون به، وأخبرنا بعاقبتهم الوخيمة عندما انهمرت السماء بالماء ، وتفجرت الأرض عيونا، وغرق الكافرون، ونجى المؤمنون من عذاب الله.
وأخبر القرآن عن موسى ﷺ وما تمّ عند ولادته من إلقائه في النهر، وأخذ فرعون له، وما وقع له في مصر، وما حدث له في مدين، وما رأى في جبل الطور، وما جرى بينه وبين فرعون، وبينه وبين السحرة، وما نتهى إليه أمر فرعون وجنوده بأن أهلكهم الله.
وأخبرنا القرآن العظيم عن قصّة عيسى ﷺ وأمّه مريم – عليها السلام – وما حصل لها لما حملت به من غير أبّ، وماذا قال لها قومها حين أتت به، وكيف نطق عيسىﷺ وهو في المهد، وما صنع بنو إسرائيل من مكائد لعيسى ﷺ وكيف أنجاه الله منهم برفع إلى السماء، وأنّه سينزل آخر الزمان فيقتل المسيح الدجال ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويعمل بشريعة محمّد ﷺ.
وقصص الأنبياء كلّها مذكورة في القرآن العظيم مفصّلة، ومجملة، فمن أراد الزيادة فليرجع إلى كتب التفاسير ، والتاريخ.
2 / انشقاق القمر :
انشق القمر له ﷺ ، حين طلب منه ناس من قريش أيّ معجزة تدلّ على صدقه ونبوته، فانشقّ القمر فرقتين، فرقة فوق جبل، وفرقة دونه، فقال لهم النبيّ ﷺ اشهدوا قال بعضهم: رأيت القمر بين فرجتي الجبل – جبل أبي قبيس – وقد سألت قريش قافلة قدمت إلى مكّة هل شاهدتم انشقاق القمر؟ فأخبروهم بذلك وأنّهم رأوه قطعتين ونزل قول الله تعالى: } اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذّبوا واتّبعوا أهوائهم .{ ([130])
3 / الإسراء إلى بيت المقدس، والمعراج :
أسري برسول الله ﷺ إلى بيت المقدس راكبا على البراق صحبه جبريل - عليه السلام - فنزل هناك وصلّى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقة باب المسجد ، ثمّ عرج به إلى السّماء الدنيا فرأى فيها آدم ، ورأى أرواح السّعداء عن يمينه والأشقياء عن شماله ، ثمّ إلى الثّانية فرأى فيها عيسى ويحيى – عليهما السلام - ثمّ إلى الثّالثة فرأى فيها يوسف u ثمّ إلى الرّابعة فرأى فيها إدريس u ثمّ إلى الخّامسة فرأى فيها هارون u ثمّ إلى السّادسة فرأى فيها موسى u فلما جاوزه بكى فقيل له: ما يبكيك ؟ قال : أبكي أنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمته أكثر ممّا يدخل من أمتي ، ثمّ عرج به إلى السّماء السّابعة فلقي فيها إبراهيم u ثمّ إلى سدرة المنتهى، ثمّ رفع إلى البيت المعمور فرأى هناك جبريل u في صورته له ستمائة جناح، وهو قوله تعالى : } ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى [ وكلمه ربّه وأعطاه ما أعطاه ، وأعطاه الصّلاة فكانت قرة عين رسول الله ﷺ ، فلما أصبح رسول الله ﷺ في قومه وأخبرهم اشتدّ تكذيبهم له وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس فجلاه الله له حتّى عاينه ، وجعل يخبرهم به ولا يستطيعون أن يردّوا عليه شيئا وأخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسراه ومرجعه وعن وقت قدومها وعن البعير الذي يقدمها فكان كما قال فلم يزدهم ذلك إلا ثبورا وأبى الظالمون إلا كفورا.
4 / الفحل الذي تمثل لأبي جهل :
قال أبو جهل : يا معشر قريش إنّ محمّدا قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا و تسفيه أحلامنا و سب آلهتنا ، و أنّي أعاهد الله لأجلس له غدا بحجر هو ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا : و الله ما نسلمك لشيء أبدا ، فامض لما تريد فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ثمّ جلس لرسول الله ﷺ ينتظره و غدا رسول الله ﷺ كما كان يغدو وكان رسول الله ﷺ بمكّة وقبلته إلى الشّام و كان إذا صلّى صلّى بين الرّكنين الأسود و اليماني ، و جعل الكعبة بينه وبين الشّام ، فقام رسول الله ﷺ يصلّي و قد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل ، فلمّا سجد رسول الله ﷺ احتمل الحجر ثمّ أقبل نحوه حتّى إذا دنا منه رجع متهيبا منتقما قد تغير لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتّى قذف الحجر من يده وقامت رجال من قريش ، فقالوا : مالك يا أبا الحكم؟ فقال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل والله ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته وأنيابه لفحل قط فهم بان يأكلني.([131])
5 / الأخدود الّذي حال بينه وبين أبي جهل :
قال أبو جهل : هل يعفر محمّد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم فقال : واللاّت والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ، فأتى رسول الله ﷺ وهو يصلّي وزعم ليطأن رقبته فما فاجأهم إلاّ وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه وقال :بيني وبينه خندق من نّار وهولا وأجنحة فقال رسول الله ﷺ :(( لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا )) . ([132])
6 / نطق الشجر له بالسلام عليه، وبالإقرار بنبوته :
فقد قال ﷺ : لأعرابيّ هل لك إلى خير؟ فقال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فقال الأعرابيّ: من يشهد لك على ما تقول؟ فقال له ﷺ : (( هذه الشجرة – يشير إلى شجرة بشاطئ الوادي – فناداها النبيّ ﷺ فأقبلت تخدّ الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه، فستشهدها ثلاثا فشهدت )). فآمن الأعرابيّ به وصدّقه )) . ([133])
7 / حنين جذع النخلة بين يديه :
عن أنس بن مالك t أنّ رسول الله ﷺ كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب ، فجاء رومي ، فقال : ألا نصنع لك شيئا تقعد وكأنّك قائم ، فصنع له منبرا له درجتان ، ويقعد على الثّالثة ، فلما قعد نبي الله ﷺ على المنبر خار الجذع خوار الثّور حتّى ارتج المسجد بخواره حزنا على رسول الله ﷺ فنزل إليه رسول الله ﷺ من المنبر فألتزمه وهو يخور ، فلمّا التزمه رسول الله ﷺ سكت ، ثمّ قال : (( والّذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتّى تقوم الساعة )) ، حزنا على رسول الله ﷺ فأمر به رسول الله ﷺ فدفن يعني الجذع .([134])
8 / سقي أصحاب الحديبة من ركوة صغيرة :
ومن معجزاته ﷺ حينما عطش صحابته y يوم الحديبية ، وبين يدي رسول الله ﷺ ركوة ماء يتوضأ منها وأقبل النّاس نحوه ، وقالوا: ليس عندنا إلاّ ما في ركوتك يا رسول الله فوضع النبيّ ﷺ يده الشريفة فيها، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربوا، وتوضأوا، وكانوا ألف خمسمائة نفر، وقال أنس t : لو كنّا أكثر لكفانا.
9 / أطعم جيش الخندق من طعام قليل :
ومن معجزاته ﷺ تكثير الطعام وذلك في غزوة الأحزاب حينما كان النبيّ ﷺ رابطا على بطنه الحجر من الجوع فعزمه جابر بن عبد الله t فأمره النبيّ ﷺ ألا ينزل القدر من فوق النار حتّى يصل، وفي هذه الوليمة الصغيرة أكل كلّ من شارك في غزوة الأحزاب والقصة معروفة ومشهورة.
10 / رد عين قتادة t :
ومن معجزاته ﷺ أن عين قتادة t أصيب يوم أحد حتّى وقعت على وجنته فردّها النبيّ ﷺ فكانت أحسن عينيه.
11 / جبره ﷺ للكسور بالنفث :
ومن معجزاته ﷺ يوم بدر انكسرت ساق ابن الحكم t فنفث النبيّ ﷺ عليها فبرئت ولم يشك ألما بعد ذلك.
اللهمّ اجمعنا بأنبيائك في الفردوس الأعلى إنّك على كلّ شيء قدير يا أرحم الراحمين.
الثامنة: أن تعلم أنّ الإيمان بالقدر خيره وشرّه واجب عليك؟
الكلام في القضاء والقدر من الأمور المهمّة جدّا، لأنّه ركن من أركان الإيمان، ولكن المجادلة والخوض فيه بغير علم، أو إدخال العقل في ذلك، فإنّ هذا من المزالق العظيمة، فالواجب على المؤمن أن يسلّم في مسائله، وأن يؤمن بما جاء فيه عن الله وعن رسوله ﷺ ولا يجادل بعقله في ذلك؛ لأنّ الله هو الفعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلاّ بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في هذا الكون شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلاّ عن تدبيره، ولا يستطيع أحد من خلق الله أن يفرّ من قدر الله الّذي قدره لمخلوقاته، ولا مناص من الشيء الذي كتبه الله في اللّوح المحفوظ، أراد فيه ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء الله أن يطيعوه جميعا لأطاعوه، خلق الخلق وما هم فاعلوه، وقدر لهم أرزاقهم فلا تنقص، ولا تزيد وحدّ آجالهم بأنفاس معدودة وأيام محسوبة، يهدي من يشاء برحمته، ويضلّ من يشاء بحكمته، و يرحم من يشاء برحمته، ويعذّب من يشاء بعدله، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم وأعطاهم الخيرة لأفعالهم فلم يجبرهم عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، ولا تجعل يا أخي قضاء الله وقدره حجّة لك على ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل الحجّة قد قامت بإرسال الرّسل وإنزال الكتب، قال الله تعالى: } لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرّسل {. ([135])
ولأنّ العمل الّذي تقوم به ينسب إليك، شرعا وعقلا، قال الله تعالى: } اليوم تجزى كلّ نفس بما كسبت { ([136]) ولو لم يكن لك اختيار في هذا الفعل أو القول ما نسب إليك ذلك، فدلّ على أنّ لك قدرة على الفعل، ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا قام بفعل يحاسبه النّاس عليه، كمن اعتدى على إنسان بالقتل، فلو لم يكن له قدرة لما حاسبه الناّس عليه؛ لأنّه يقول: أنا مغلوب على أمري، ولو قال مثل هذا الكلام، لعدَّ النّاس هذا القول، أو العمل سفاهة، مخالفا للمعلوم بالضرورة.
وأنّ الله لا يكلّفك إلاّ ما تقدر عليه، قال الله تعالى: } لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها { ([137]) فلو كان الإنسان مجبورا على العمل لما استطاع أن يفعل أو يكفّ عن أيّ فعل؛ لأنّه مقهور على ذلك، ومجبور.
ومن الأمثلة على أنّ للإنسان قدرة فيما أمره الله من العبادات:
أنّك لو قلت لأحد : قل لا إله إلاّ الله محمّدا رسول الله ، أو قم فتوضأ وصل، أوسبح وهلل، وكبر، لقدر على فعل ذلك ، ولو نهته عن فعل منكر من المنكرات، لقدر على اجتنابه ، بعكس لو قلت له: أخبرني برزقك غدا، أو متى ينزل المطر ، أو متى تقوم القيامة ، لما استطاع ذلك ، لأنّ هذا ليس في مقدوره أن يعلمه ؛ لأنّ الله هو الّذي تكفّل بالأرزاق ، وتصريف أموره، فدلّ على أنّ أمور العبادة الّتي يتقرّب بها إلى الله الإنسان مخيّر فيها، وله قدرة على فعل ذلك، فهذا حجّه عليه إن ترك ذلك، وليس حجّة له، والله يجازيه على فعل الحسنات بالثواب الجزيل، وعلى فعل السيئات بالعقاب الشديد، وهو واقع بقضاء الله وقدره. واعلم أنّ الله قال: } لا يسأل عمّا يفعل وهم يسئلون { ([138]) لكمال حكمته، وعظيم سلطانه. وهم يسألون؛ لأنّهم عباد مربوبون ومحكومون.
واعلم أنّ الإيمان بالقدر لا يتمّ للإنسان إلاّ بأربعة أمور:
الأمر الأول: أنّ الله يعلم ما هو كائن جملة وتفصيلا، بعلم أزليّ سابق:
ويدخل في ذلك الموجود، والمعدوم، والممكن والمستحيل؛ لقوله تعالى: } عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر { ([139]) وقال تعالى: } ألم تعلم أنّ الله يعلم ما في السموات والأرض إنّ ذلك في كتاب إنّ ذلك على الله يسير { .([140])
وقال تعالى: } هو الله الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة { ([141])وقال ﷺ: (( إنّ الله خلق للجنّة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنّار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم )). ([142])
الأمر الثاني: كتابة المقادير في اللّوح المحفوظ، ولم يفرّط الله فيه من شيء:
قال الله تعالى: } وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين { ([143]) وقال تعالى: } ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها { ([144]) وقالﷺ : (( إنّ الله قدّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنّة )). ([145]) وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على سعة علم الله وأنّه لا تخفى عليه خافية لا في الأرض ولا في السماء، فاحرص يا أخي على العمل الصالح من قبل أن تفارق روحك جسدك، فتندم على ما فات، حيث لا ينفع الندم.
الأمر الثالث: الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة لكلّ شيء:
فإنّه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء برحمته، ويضلّ من يشاء بحكمته، فما شاء الله هو حاصل لا محالة، لا يسأل عمّا يفعل والعباد يسألون.
قال الله تعالى: } إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون { ([146]) وقال تعالى: } إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر { ([147]) وقال تعالى: } ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين { ([148]) فإذا أراد الله شيئا خلقة، وإذا لم يرد شيئا لم يخلقه، فهو المتصرّف في الأمور كلّها كيف شاء بما شاء لا دخل لمخلوق في فعله.
الأمر الرابع : مرتبة الخلق ، والإيجاد : فكلّ شيء غير الله مخلوق، خلقه الله بقدرته، فلا خالق غيره ولا ربّ سواه، فلذلك أفرد وحده بالعبادة لا شريك له في ملكه، ولا شريك له في خلقه، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، }ليس كمثله شيء وهو السميع البصير { ([149]) سبحانه وتعالى تقدّست أسماؤه وعلت صفاته. قال تعالى: }وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا .{ ([150])
وقال تعالى: } والله خلقكم وما تعملون { ([151]) فهو الخالق، وهو الرازق، وهو المانع والمعطي، وهو المحيي والمميت، لا إله إلاّ هو سبحانه وتعالى.
تأمل في نبات الأرض وانظر ** إلى آثار ما صنع المليـك
عيون من لجين شاخصــات ** بأحداق هي الذّهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ** بأنّ الله ليس له شريــك
فيا عجبا كيف يعصى الإله ** أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كلّ تحريكه ** وفي كلّ تسكينه شاهد
وفي كلّ شيء له آيـــة ** تدلّ على أنّه واحــد
نسأل الله العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يتقبله منا إنّه غفور رحيم .
التاسعة: الواجب نحو ولاة الأمر
اعلم يا أخي العزيز أنّ الواجب لهم بموالاتهم على الحقّ وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، وتذكيرهم برفق ، والصّلاة خلفهم ، والجهاد معهم ، وأداء الصّدقات إليهم ، والصّبر عليهم ، وإن جاروا ، وترك الخروج بالسلاح عليهم ، ما لم يظهروا كفرا بواحا ، وأن لا يغروا بالثّناء الكاذب عليهم ، وأن يدعى لهم بالصّلاح والتّوفيق ، والدّليل على ذلك قوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ ([152]) ، وقوله ﷺ : (( سمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) ([153]) ، وقوله ﷺ : (( من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)) . ([154]) وقوله ﷺ : ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )). ([155])وقال ﷺ : (( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)) . ([156]) ،وقال ﷺ: (( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع )) . ([157])
العاشرة : أن تعرف معنى التوحيد وأقسامه
التوحيد هو : العلم والاعتراف المقرون بالاعتقاد الجازم بتفرد الله ﷻ بالأسماء الحسنى ، وتوحده بصفات الكمال والعظمة والجلال ، وإفراده وحده بالعبادة .
قال عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : أيّ متوحد منفرد في ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ،وأفعاله ، فليس له شريك ، في ذاته ، ولا سمي له ولا كفو ، ولا مثل ولا نظير ، ولا خالق ولا مدبر غيره ، فإذا كان كذلك فهو المستحق لأن يعبد ولا يشرك به أحد من خلقه .
أقسامه ثلاثة :
أولا : توحيد الربوبية وهو : إفراد الله بأفعاله ، أيّ : الاعتقاد الجازم بأنّ الله تعالى هو الربّ المتفرد بالخلق ، والملك ، والرزق ، والتدبير ، الّذي ربّى جميع خلقه بالنعم. ودليله : قوله تعالى : } ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله [([158]) وقوله تعالى : }قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [([159]) وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلاّ بإخلاص العبادة لله كما قال تعالى: }وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون [ ([160]).
ثانيا : توحيد الإلهية : وهو : إفراد الله بأفعال المخلوقين ، أيّ : وهو الاعتقاد الجازم مع العلم والعمل والاعتراف بأنّ الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ، وإفراده وحده بالعبادة كلّها ، وإخلاص الدين كلّه لله . وهذا هو حقيقة : " لا إله إلاّ الله " فهي متركبة من نفي وإثبات ، نفي جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت ، ومعنى الإثبات منها : إفراد الله ﷻ وحده بجميع العبادات بإخلاص ،على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله – عليهم الصلاة والسلام - .
والدليل على ذلك : قوله تعالى: } فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله واستغفر لذنبك[([161]) وقاله تعالى : } ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ ([162]) وقوله تعالى : } قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ ([163]).وهذا يستلزم توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات ويتضمنهما ؛لأنّ الألوهية التي هي صفة تعمّ أوصاف الكمال ، وجميع أوصاف الربوبية والعظمة ، فإنّه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ، ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والإفضال ، فتوحده سبحانه بصفات الكمال ، وتفرده بالربوبية يلزم منه أن لا يستحق العبادة أحد سواه .
ثالثا : توحيد الأسماء والصفات : وهو إفراده بأسمائه وصفاته العلية ، أيّ : الاعتقاد الجازم بأنّ الله هو المنفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه ، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله ﷺ من جميع الأسماء والصفات ، ومعانيها ، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ، ولا تحريف ، ولا تمثيل ، ولا تكييف ، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ من النقائص والعيوب وعن كلّ ما ينافي كماله .
ويتلخص من وهذا أنّ توحيد الأسماء والصفات ينبني على أصلين :
الأصل الأول : تنزيه الله ﷻ عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم ، كما قال تعالى: }ليس كمثله شيء [ ([164])
والثاني : الإيمان بما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله ﷺ على الوصف اللائق بكماله وجلاله ، كما قال الله تعالى : } ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ ([165]) مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف ، قال الله تعالى : } يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما [. ([166])
والقاعدة في الأسماء والصفات ما جاء عن مالك رحمه الله – قوله : حينما سئل عن الاستواء ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . فكلّ صفة واسم يطبق عليه هذه القاعدة حتى تسلم من التمثيل ، والتشبيه ، والتعطيل ، والتحريف .
الحادية عشرة : أن تعرف الشرك وأقسامه
أولا: الشرك الأكبر ، وهذا يخرج من الملة الإسلامية ، لقوله تعالى : } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا [ ([167])
أقسامه أربعة :
القسم الأول : شرك الدعوة : لقوله تعالى : } فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ ([168]) فدعاء غير الله شرك أكبر ؛ لأنّ الدعاء عبادة ، لقوله تعالى: }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [، ([169])وقوله تعالى: }وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين [ ([170]) ، لقوله ﷺ : ( الدعاء هو العبادة ).([171])
القسم الثاني : شرك النية والإرادة والقصد : لقوله تعالى : } من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ ([172]) ، ولقوله ﷺ : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما جاهر إليه)) ([173])، لأنّ من شروط قبول العبادة : الإخلاص لله سبحانه وتعالى ومتابعة النبيّ ﷺ .
القسم الثالث : شرط الطاعة : وهي طاعة العلماء وغيرهم في معصية الله تعالى قال الله تعالى : } اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [ .([174])
أيّ : علماءهم وقراءهم والأحبار : العلماء وأحدها حبر وحبر بكسر الحار وفتحها والرهبان من النصارى أصحاب الصوامع فإن قيل : إنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان؟ قلنا : معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا فاتخذوهم كالأرباب ؛ روي عن عدي بن حاتم t قال : أتيت رسول الله ﷺ وفى عنقي صليب من ذهب ، فقال لي ياعدي اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ : } اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ ، حتى فرغ منها قلت له : إنا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قال قلت : بلى قال : (( فتلك عبادتهم )) . ([175])
قال عبد الله بن المبارك – رحمه الله - :
وهل بدل الدين إلا الملوك ** وأحبار سوء ورهبانها ([176])
القسم الرابع : شرك المحبة : لقوله تعالى : } ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب [.([177])
قال البغوي في تفسيره : أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة }والذين آمنوا أشد حبا لله [ أيّ أثبت وأدوم على حبه ؛ لأنهم لا يختارون على الله ما سواه والمشركون إذا اتخذوا صنما ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا .([178])
ولقوله ﷺ : (( لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )) . ([179])
قال ابن حجر – رحمه الله - : معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وولده وزوجه وجميع الناس لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان بالله على لسان رسوله ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه . ([180])
وخلاصة القول في هذا : أنّ الشرك الأكبر هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ﷻ وجل ؛ كأن يدعو أو يسجد أو يركع لغير الله ، أو يذبح لغير الله كأن يذبح عند الولي تقربا إليه ليقض حاجته كأن يشفي مريضه أو ينجح ولده أو ينذر لغير الله كمن ينذر للأموات والجن بقضاء بعض الحاجات التي لا يقدر عليها إلاّ الله ، أو يتقرب لأصحاب القبور بالدعاء والنذر ، أو الجنّ والشياطين بشيء من أنواع العبادة ، أو يخاف الموتى أو الجن أن يضروه ، أو يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصرف إلاّ لله ﷻ ، وكذلك التعامل مع السحرة ، والكهان ، والمشعوذين وتصديقهم فيما يخبرون به ، فهذا يخرج العبد من الإسلام بالكلية.
ثانيا : الشّرك الأصغر : وهذا لا يخرج من الملة الإسلامية ، ولكنه من أكبر الكبائر وهو قسمان :
القسم الأول : شرك ظاهر ، وهو : ألفاظ وأفعال :
فالألفاظ : كالحلف بغير الله ، وقول العبد : ما شاء الله وشئت ، أو لا والله وأنت، أو هذا من الله ومنك ، أو هذا من بركات الله وبركاتك .
والصواب أن يأتي بثم عند العطف ولا يأتي بالواو ، كأن يقول : ما شاء الله ثمّ شئت .
والأفعال : مثل : لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ، وتعليق التمائم خوفا من العين أو الجنّ .
فمن فعل ذلك يعتقد أنّ هذه الأشياء ترفع البلاء بعد نزوله ، أو تدفعه قبل نزوله فهذا شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة الإسلامية ، لأنّه أشرك في الربوبية حيث اعتقد شريكا لله مع الله في الخلق والتدبير ، وشرك في العبودية حيث تأله لذلك وعلق قلبه طمعا ورجاء لنفعه ، وهذا الذي فعل هذا لا يعود إلى الإسلام إلى بالتوبة النصوص بأن يقلع عن ذلك ، ويندم على ما فعله ، ويعاهد الله ألا يعود إليه أبدا.
وإن اعتقد أنّ الله ﷻ هو الدافع للبلاء والرافع له وحده ، ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء ، فقد جعل ما ليس سببا شرعيا ولا قدريا سببا ، وهذا محرم وكذب على الشّرع وعلى القدر :
أمّا الشّرع : فإنّه نهى عن ذلك أشد نهي ، وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة.
وأمّا القدر : فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود ، ولا من الأدوية المباحة النافعة ، وهو من جملة وسائل الشرك .
الثانية عشرة : أن تعرف نواقض الإسلام
يا أخي العزيز يجب عليك أن تتعرف على نواقض الإسلام حتى تتجنبها ، ولا تقع فيها ؛ لأنّ الوقوع فيها مفسدة عظمى حيث إنّها تخرجك من دائرة الإسلام وهذا أمر عظيم ؛ لأنّ من خرج من هذه الدنيا وهو مرتكب ناقضا من نواقض الإسلام ولم يتب منه ، فإن مصيره النار خالدا فيها أبدا ، نسأل الله النجاة من كلّ ما يغضب الجبار ، ونسأله الثبات على الحق حتى نلقاه ، وأنا الآن سأذكر لك هذه النواقض باختصار :
الناقض الأول : الشرك في عبادة الله وحده ، والدليل على ذلك قوله تعالى: }إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[([181]) وقوله ﷺ : ((يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله ) . قلت الله ورسوله أعلم قال ( فإن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا)) . ([182]) ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
الناقض الثاني : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعا .
الناقض الثالث : من لم يكفر المشركين أو شكّ في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعا .
الناقض الرابع : من اعتقد أن غير هدى النّبي ﷺ أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر
الناقض الخامس : من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمل به كفر إجماعا والدليل قوله تعالى: } ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [ .([183])
الناقض السادس : من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر والدليل قوله تعالى: } قل أبالله ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[.([184])
الناقض السابع : السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضى به كفر والدليل قوله تعالى: } وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر [. ([185])
الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى:}ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [.([186])
الناقض التاسع : من اعتقد أنّ بعض النّاس لا يجب عليه اتباعه ﷺ وأنّه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الحضر الخروج من شريعة موسى - عليهما السلام - فهو كافر .
الناقض العاشر : الأعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: } ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون [ ([187])
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ، إلاّ المكره وكلّها من أعظم ما يكون خطرا ومن أكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه . ([188])
نسأل الله من فضله وكرمه أن يحفظ علينا ديننا وأن يتوفانا وهو راض عنا ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .
الثالثة عشر: أن تعلم ما الواجب عليك نحو صحابة رسول الله ﷺ
يا أخي المحب الصحابة y هم من لقوا النبي ﷺ وآمنوا به وماتوا على ذلك ، فهؤلاء الصحابة y لهم شرف عظيم عند الله ؛ لأنّهم نصروا الدين الله وكانوا سببا في وصوله إلينا ، فيجب لهم علينا سلامة قلوبنا وألسنتنا لهم ، ونشر فضائلهم ، والكف عن الوقيعة فيهم وتأول القبيح عليهم ، ونكلهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل ، والتنويه بشأنهم كما نوه تعالى بذكرهم ، فرضي عنهم ورضوا عنه وهذه أكبر منقبة لهم ، وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة تبين فضلهم وعظم شأنهم عند الله ﷻ ، فمن هذه الآيات قوله تعالى : } محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما [ ، وقوله تعالى : } والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ ، وقوله تعالى : } للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [. ([189])
وغير هذه الآيات كثير ، ويجب علينا أن نعلم ونعتقد أنّ الله تعالى اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . ([190])
وعن جابر – رضي الله عنهما - : عن رسول الله ﷺ أنه قال : (( لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة )) . ([191]) ونشهد بأنهم أفضل القرون من هذه الأمة الّتي هي أفضل الأمم ، وأن من أنفق مثل أحد ذهبا ممن بعدهم لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه ، مع الاعتقاد أنّهم لم يكونوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ ، ولكنهم مجتهدون للمصيب منهم أجران ولمن أخطأ أجر واحد ، وخطؤه مغفور ، ولهم من الفضائل والصالحات والسوابق ما يذهب سيئ ما وقع منهم إن وقع .
قال الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - :
وبعــد الخليفة الشفيق ** نعـم نقيب الأمة الصديق
ذاك رفيق المصطفى في الغار ** شيــخ المهاجرين والأنصار
وهو الـذي بـنفسه تولى ** جـهاد من عن الهدى تولى
ثانيه في الفـضل بلا ارتياب ** الصـــادع النـاطق بالصواب
أعني به الشهم أبا حفص عمر ** مــن ظاهر الدين القويم ونصر
الصــارم المنكي على الكفار ** ومـــوسع الفتوح في الأمصار
ثالثهم عثــمان ذو النورين ** ذو الحـــلم والحـيا بغير مين
بحــر العلوم جـامع القرآن ** مـــنه استحت ملائكة الرحمن
بــايع عنه ســيد الأكوان ** بـــكـفه في بيعة الـرضوان
والرابع ابن عم خير الرسل ** أغنى الإمام الحق ذات القدر العلي
مــبيد كل خارجي مارق ** وكــل خب رافضي فــاسق
مــن كان للرسول في مكان ** هارون من موسى بلا نكــران
لا في نــبوة فقد قـدمت ما ** يكفي لمن من سوء ظن ســلما
الســتة المكــملون العشرة ** وسائر الصحب الكــرام البررة
وأهــل بيت المصطفى الأطهار ** وتابعــوه السادة الأخــيار
فكــلهم في محكم الــقرآن ** أثنى عليهم خـــالق الأكوان
في الفــتح والحديد والـقتال ** وغيرها بأكــمل الخــصال
كـذاك في التــوراة والأنجيل ** صــفاتهم مــعلومة التفصيل
وذكـرهم في سنة المــختار ** قد سار سير الشمس في الأقطار
ثـم السكوت واجب عما جرى ** بينهــم من فعل ما قد قدرا
فكــلهم مجتهد مثــاب ** وخـــطؤهم يغفره الوهاب ([192])
وهذا يكفي في بيان فضلهم وعلو قدرهم y فمن أراد الزّيادة فليرجع إلى كتب الحديث والسير والتاريخ .
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا من أتباعهم وأن يسكننا الفردوس الأعلى معهم حتّى تقر أعيننا برؤيتهم وملاقاتهم والحمد لله رب العالمين .
الرابعة عشر : أن تعلم مصير الإنسان عند موته وأنه يمر بمراحل صعبة.
اعلم يا أخي العزيز أنّ كلّ مخلوق خلقه الله سيموت ، وينتقل من هذا العالم الدنيوي إلى العالم الأخروي ، وهذ الانتقال أوّل مراحل الآخرة ، حيث الجزاء والحساب فالدنيا عمل بلا حساب ، والآخرة حساب بلا عمل .
ولو أنّا إذا متنا تركنـا *** لكان الموت راحة كلّ حيّ
ولكنّا إذا متنا بعثنــا ** ونسأل بعده عن كـلّ شيء
فالإنسان يمرّ بعد الموت بمراحل متعددة حتّى يصل إلى نهاية المطاف ، وهي الجنّة أو النّار ، وهذه المراحل كلّ بحسب حاله في الدنيا وما مات عليه ؛ فحال أهل الجنّة ، تختلف عن حال أهل النار ، قال الله تعالى : } لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون [. ([193])
وأنا بإذن الله سأبيّن حالة كلّ منهما على التفصيل :
المرحلة الأولى: خروج الرّوح من الجسد:
أوّل ما تخرج الروح من الجسد، ينتقل الإنسان إلى عالم البرزخ وهذا العالم الجديد أمره عظيم وخطبه جليل، فانتبه لما أقول يا أخي العزيز :
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: } إنّك ميّت وإنّهم ميّتون { ([194]) وقال تعالى: } قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون { ([195]) وقال تعالى: } منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى { ([196])وقال ﷺ : (( أكثروا ذكر هادم اللّذات )). ([197]) والمقصود به الموت، فمن عرض هذه الآيات يتبيّن لنا جليّا أن كلّ مخلوق من مخلوفات الله سيفنى ويموت، كبيرهم وصغيرهم، غنيّهم وفقيرهم، عزيزهم وذليلهم، قويهم وضعيفهم، حاكمهم ومحكومهم، ذكرهم وأنثاهم، وكلّ إنسان محاسب على ما قدّم من الأعمال ،خيرها وشرّها ، والفائز الحقيقيّ هو من قال الله فيه : } فمن زحزح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور { ([198]) ؛ لأنّه قد أعدّ لهذا اليوم عدّته، وتزوّد بخير زاد وهو تقوى الله بأن ائتمر بأوامر الله واجتنب ما نهى الله عنه وزجر ، فكان الفوز حليفه ، أمّا من اتبع هواه وأعرض عن ذكر ربّه ونساه فإنّ الجحيم مأواه.
يا من بدنياه اشتغل ** وغرّه طول الأمــل
الموت يأتي فجـأة ** والقبر صندوق العمل
النّفس تبكي على الدّنيا وقد علمت ** أنّ السّلامة فيها ترك ما فيـها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنهـا ** إلاّ الّتي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنـــه ** وإن بناها بشرّ خاب بانيــها
فأوّل شيء يعترض الإنسان عند سكرات الموت ملائكة الرحمن الّذين سيقومون بإخراج الرّوح من الجسد ، وهؤلاء الملائكة رئيسهم ملك الموت – عليه السلام –}قل يتوفاكم ملك الموت الّذي وكل بكم [ ([199])،ويأتون إلى الإنسان على صورة توافق خروجه من الدنيا، فإن كان من الصالحين المتقّين ، الأبرار ، الأخيار ، الأطهار، العاملين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ﷺ فإنّ الملائكة الّتي تنزل عليهم تكون على أجمل صورة، وأطيب ريح، يبشرونه برضوان من الله ، وجنّة عرضها السموات والأرض، يقول الله تعالى: } الّذين تتوفاهم الملائكة طيّبين يقول سلام عليكم { ([200]) وقال تعالى: } تحيتهم يوم يلقونهم سلام {. ([201])
قال ابن مسعود t : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربّك يقرئك السّلام.
ويأتيه ملك الموت في صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيّب الرائحة حسن البشر.
وعن أبي هريرة t قال : قال النبيّ ﷺ : (( تحضر الملائكة فإذا كان الرّجل صالحا قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطيّبة كانت في الجسد الطيّب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان وربّ راض غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج روحه )).([202])
وعنه أيضا : عن النبيّ ﷺ أنّه قال: (( إنّ المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر ريحان فتسلّ روحه كما تسلّ الشعرة من العجين )). ([203])
ويقال: } أيّتها النّفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي { ([204]) وهل هناك نعيم أفضل من هذا النعيم، فاحرص يا أخي وفقني الله وإيّاك لما يحبّه ويرضاه أن تكون من هؤلاء المنعمين.
وأمّا إن كان من الكافرين ، المشركين ، العاصين، المعاندين ، التاركين لكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ﷺ المعرضين عنهما، المنشغلين بجمع حطام هذه الدنيا، الناسين ذكر الله، الطائعين للشيطان، المعرضين عن الرحمن، الناسين الموت والزوال، المتبعين للشهوات والأهواء، فهؤلاء هم الأشرار ، فإنّ الملائكة تنزل عليهم بأبشع صورة، وأنتن ريح، سود الثياب، بأيديهم مسوح من شعر كلّها عذاب، تبشرهم بسخط من الله، يقول الله تعالى في حقّهم: } ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون [ ([205]) وقال تعالى: } ولو ترى إذ يتوفى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق {. ([206]) وقال ﷺ :(( تحضر الملائكة فإذا كان الرّجل السوء قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وابشري بجحيم وغسّاق وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج روحه )). ([207]) هذا جزاء من غفل عن ذكر الله، واتّبع هواه، ونسي لقاء الله، فاحرص يا أخي المحب ألا تكون من هؤلاء الأشقياء، الّذين خسروا الدنيا والآخرة، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة واجعلنا من عبادك المتقين ، واختم لنا بالصالحات يارب العالمين يا مجيب السائلين .
المرحلة الثّانية: صعود الرّوح إلى السماء:
وهذا أمر أعظم من سابقه ، فعند خروج الروح من الجسد يكون بصر الإنسان متابعا له شيئا فشيئا ، فلذلك قال النبيّ ﷺ : (( ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره، قالوا : بلى ، قال : فذلك حين يتبع بصره نفسه )) فصعود الملائكة بأرواح المقبوضين إلى السماء الدنيا ، كلّ على حسب حاله كما مرّ في قبض روحه، فإن كان مؤمنا، صادقا مع ربّه، متّبعا لكتابه وسنّة رسوله ﷺ فإنّه يكون في نعيم، وفي موكب عظيم، لقوله ﷺ : (( فتعرج به الملائكة فلا يأتون على جند فيما بين السماء والأرض إلاّ قالوا: ما هذه الرّوح؟ فيقال: فلان، بأحسن أسمائه حتّى ينتهوا به أبواب سماء الدنيا فيفتح له، ويشيعه من كلّ سماء مقربوها حتّى ينتهي به إلى السّماء السابعة، فيقال: اكتبوا كتابة في عليّين } وما أدراك ما علِّيٌّون كتاب مرقوم يشهده المقربّون { ([208]) فيكتب كتابه في علّيّين ، ثم يقال: ردّوه إلى الأرض فإنّي وعدتهم أنّي منها خلقتهم، وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى، قال: فيرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده )).
فهذا هو مصير ، ومآل من آمن بالله واليوم الآخر وعملوا لما بعد الموت بأن ائتمروا بأوامر الله واجتنبوا نواهيه، وصبروا على ما أمرهم الله به، فكانوا عباد لله المخلصين ففازوا بنعيم الله المقيم .
أمّا من مات كافرا ، عاصيا ، ولم يتب من ذنوبه، ولم يرجع إلى الله ، فإن مصيره في هذه الحالة ما جاء عن النبيّ ﷺ: فإن كان فاجرا... فتخرج كأنتن جيفة وجدت فلا تمرّ على جند فيما بين السّماء والأرض، إلاّ قالوا: ما هذه الرّوح الخبيثة؟ فيقولون: هذا فلان بأسوأ أسمائه حتّى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فلا يفتح لهم، فيقولون: ردّوه إلى الأرض إنّي وعدتهم أنّي منها خلقتهم وفيها نعيدهم، ومنها نخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى به من السّماء، قال: وتلا هذه الآية : } ومن يشرك بالله فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق { ([209]) فيعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه.
فهذا هو مصير من حارب الله وسنّة رسوله ﷺ وفجر وكفر، ولم يعمل لآخرته، نسي نفسه، فنسيه الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم العظيم الّذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، فتب يا أخي قبل أن تخرج الرّوح من الجسد فتندم على ما فات، حيث لا ينفع الندم .
والمرحلة الأولى والثانية التي تكلمت عليها آنفا وهي من بداية خروج روح المؤمن والكافر وصعودها إلى السّماء يجمعهما حديث البراء بن عازب t قال : ((خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله ﷺ وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير قال عمرو بن ثابت وقع ولم يقل أبو عوانة فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره ثم ينظر إلى الأرض ثم قال أعوذ بالله من عذاب القبر قالها مرارا ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فيجلس عند رأسه فيقول أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج نفسه وتسيل كما تسيل قطر السقاء وقال عمرو في حديثه ولم يقل أبو عوانة وإن كنتم ترون غير ذلك وتنزل الملائكة من الجنة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوطها فيجلسون منه مد البصر فإذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة عين فذلك قوله تعالى توفته رسلنا وهم لا يفرطون قال فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت فتعرج بها الملائكة فلا يأتون على جند بين السماء والأرض إلا قالوا ما هذا الروح فيقال فلان بأحسن أسمائه حتى ينتهوا به إلى باب السماء الدنيا فيفتح له ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول اكتبوا كتابه في عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون فيكتب كتابه في عليين ثم يقال ردوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان من ربك وما دينك فيقول ربي الله وديني الإسلام فيقولان فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان وما يدريك فيقول جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت به وصدقته قال : وذلك قوله ﷻ : }يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ قال : وينادي مناد من السّماء أن قد صدق عبدي فألبسوه من الجنة وافرشوه منها وأروه منزله منها فيلبس من الجنة ويفرش منها ويرى منزله منها ويفتح له مد بصره ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول أبشر بما أعده الله عز وجل لك أبشر برضوان الله وجنات فيها نعيم مقيم فيقول بشرك الله بخير من أنت فوجهك الوجه الحسن الذي جاء بالخير فيقول هذا يومك الذي كنت توعد والأمر الذي كنت توعد أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا في معصية الله فجزاك الله خيرا فيقول يا رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي قال وإن كان فاجرا فكان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فيجلس عند رأسه فيقول أخرجي أيتها النفس الخبيثة أبشري بسخط من الله وغضبه فتنزل ملائكة سود الوجوه معهم مسوح فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين قال فتفرق في جسده فيستخرجها يقطع معها العروق والعصب كالسفود الكثير الشعب في الصوف المبلول فيؤخذ من الملك فيخرج كأنتن ريح وجدت فلا يمر على جند فيما بين السماء والأرض إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون هذا فلان بأسوأ أسمائه حتى ينتهوا إلى السماء الدنيا فيقول ردوه إلى الأرض إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى قال : فيرمى به من السماء قال فتلا هذه الآية } ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السّماء [ ... الآية ، قال: ويعاد إلى الأرض ، وتعاد فيه روحه ،ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان من ربك وما دينك فيقول : لا أدري فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فلا يهتدي لاسمه فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك ، قال : فيقال : لا دريت فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب فيقول أبشر بعذاب من الله وسخطه فيقول من أنت فوجهك الذي جاء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث والله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله قال عمرو في حديثه عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي ﷺ فيقيض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو ضرب بها على جبل صار ترابا أو قال رميما فيضربه بها ضربة يسمعها الخلائق إلا الثقلين ثم يعاد فيه الروح فيضربه ضربة أخرى )) . ([210]) فتصور يا أخي العزيز هذا الموقف الرهيب ، وأنت تفارق الأحبة ، وقد سالت دموعهم وحزنت قلوبهم عليك وعلى فراقك ، وأنت حالك لا يعلمه إلاّ الله ، فإن كنت تقيا نقيا ، فأبشر بما يسرك في هذا المقام ، وإن كنت مضيعا لما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ فتعسا لك ، اللّهم هوّن علينا الموت وسكراته ، وافسح لنا في قبورنا ربنا اجعل الجنّة دارنا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين .
المرحلة الثالثة: صفة الحياة في القبر:
اعلم يا أخي العزيز إذا خرجوا بالميت إلى قبره ، خرج معه ثلاث كما جاء عن النبيّ ﷺ ، فقال : (( يتبع الميت ثلاث ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله )) . ([211]) وبعد نزوله في القبر ودفنه ، يكون قد دخل في أول منازل الآخرة ، وهذا أشد موقف على الإنسان لأنّه إن نجى منه فما بعده أيسر ، وإن هلك فيه فما بعده أعسر وأشد ، فلذلك كان عثمان t إذا وقف على قبر بكى حتّى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنّار ولا تبكي من هذا، قال : إنّ رسول الله ﷺ قال : (( إنّ القبر أوّل منازل الآخرة ، فإن نجى منه أحد فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه )) . ([212])
فإن انتهوا من دفنه ، جاءه منكر ونكير – عليهما السلام – كما أخبر الحبيب المصطفى ﷺ أنّه قال : فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ، فيقولان : من ربّك؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ وما تقول في هذا الرّجل الّذي بعث فيكم . فإن كان عبدا لله في الدنيا مقتديا برسوله ﷺ في كلّ كبيرة وصغيرة فليبشر بما يسره ، عندما يجيب الإجابة الصحيحة بأنّ ربّه الله ، ودينه الإسلام ، ونبيه محمد ﷺ ، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه فراشا من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة ، والبسوه من الجنة ، فيأتيك من روحها ونعيمها وطيبها ، ويفسح لك مد بصرك ، فتعيش فيه عيشة هنيئة ، حتى تقوم الساعة ،وإن كان والعياذ بالله من المفرطين الخاسرين الذين جعلوا الكتاب والسنة وراء ظهورهم فتعسا له عندما ينسى كلّ شيء ولا يستطيع أن ينطق إلاّ بقول : هاه هاه هاه سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيضرب بالمطرقة حتى تختلف أضلاعه ، فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوه فراشا من النار وافتحوا له بابا من النار وألبسوه من النار ، فيأتيك من حرها وسمومها ، ويضيق عليك قبرك حتى تختلف فيه أضلاعك.
هذا هو حال الإنسان في القبر إمّا في نعيم وإما في جحيم ، فاحرص يا أخي أن تكون من المنعمين في قبورهم فتفوز فوزا عظيما ؛ لأنّ من نجا من عذا القبر ، فما بعده أيسر ، ومن هلك في القبر فما بعد أعسر.
قال عثمان t :
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ** وإلاّ فإنّي لا أخالك ناجيا
والآن يا أخي المحب سأعرض عليك حديثا عظيما يبين فيه النبيّ ﷺ حياة النّاس في البرزخ ، وهذا من الأمور الغيبة الّتي لا يطلع عليها البشر ، ولكن النبيّ ﷺ أكرمه الله ﷻ بهذا ليخبر أمته عن ذلك فيستعدوا لهذا اليوم العظيم ، فيجتنبوا ما نهى الله عنه وزجر ، ويأتمروا بما أمرهم ، فاسمع رحمك الله فعن سمرة بن جندب t قال: كان النبي ﷺ إذا صلّى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : (( من رأى منكم الليلة رؤيا))؟ قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول : (( ما شاء الله )) . فسألنا يوما فقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا )) ؟ قلنا : لا قال : (( لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد ، يدخل ذلك الكوب في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله . قلت ما هذا ؟ قالا انطلق فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ بها رأسه فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه قلت من هذا ؟ قالا انطلق فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال ونساء عراة فقلت من هذا ؟ قالا انطلق فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى انتهيا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ثمّ أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشباب قلت طَوَفْتُمَانِي الليلة فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم أما الذي رايته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار يفعل به إلى يوم القيامة والذي رأيته في الثقب فهم الزناة والذي رأيته في النهر آكلوا الربا والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس والذي يوقد النار مالك خازن النار والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وأما هذه الدار فدار الشهداء وأنا جبريل وهذا مكيائيل فارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب قالا ذاك منزلك قلت دعاني أدخل منزلي قالا إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك )) . ([213]) فيا أخي الحبيب هذا الحديث يكفي للإتعاظ ، وللرجوع إلى الله الواحد الأحد الفرد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فمن كان في قلبه إيمان حاسب نفسه قبل أن يحاسب ، فلعله يندم على ما فات ، ويسأل الله الثبات فيما بقي ، فيزداد من الطاعة والقربات ليفوز بالنجاة من عذاب القبر ، وغيره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وأما العاصي الذي يريد التمادي في الطغيان ، فليعلم أن الله غني عنه وعن عمله ، وأن الله لا يضره شيء ، بل كلّ الوبال والحسرات تقع عليه، وذلك إن خرج من هذه الدنيا والربّ ﷻ ساخط عليه غضبان . نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة .
الخامسة عشرة : أن تعلم أحوال ما بعد الخروج من القبر
أولا : النفخ في الصور للبعث والنشور وحال الناس في ذلك .
فاعلم يا أخي العزيز أنّ الله ﷻ إذا أراد إخراج الناس من القبور أمر إسرافيل بعد إحيائه أن ينفخ في الصور ، قال تعالى : } يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا[ ([214])، وقوله تعالى : } ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون وقالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [ ([215]) فيبعث الإنسان على ما مات عليه ليكون ذلك شاهدا عليه ، فلا يستطيع أن ينكر ذلك ، قال ﷺ : (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) . ([216]) فمن مات مصليا يبعث مصليا ، ومن مات في سبيل الله يبعث ودمه يثعب اللون لون الدم والريح ريح المسك، ومن مات سكرانا يبعث سكرانا، ومن مات زانيا يبعث زانيا والعياذ بالله من ذلك ، فاسأل ربك أيها العبد أن يختم لك بالصالحات ؛ لأنّ الأعمال بخواتيمها.
فصيفتهم عند الحشر باّنهم يكونون حفاة عراة غرلا ، كما جاء عن النبيّ ﷺ أنّه قال: (( تحشرون حفاة عراة غرلا )) . قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله الرّجال والنّساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال : (( الأمر أشد من أن يهمهم ذاك )) . ([217]) وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم ﷺ لقوله ﷺ : (( تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ } كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين[ . فأول من يكسى إبراهيم ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم } وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ )) . ([218]) لأنّ الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة زالت الأملاك بالموت وبقيت الأموال في الدنيا ، وكلّ نفس يومئذ فإنّها يقيها المكاره ما وجب لها بحسن عملها أو رحمة مبتدأه من الله عليه، فأما الملابس فلا غنى فيها يومئذ إلاّ ما كان من لباس الجنة ، فاحرص يا أخي أن تكون من الذين ينعمون بلباس الجنة.
ثانيا : الشفاعة وما يتعلق بها :
أولا : أن الشفاعة ملك لله ليس لأحد فيها شيء :
لقوله تعالى : ] قل لله الشفاعة جميعا [. ([219])
ثانيا : أقسام الشفاعة :
القسم الأول : الشّفاعة المثبتة : وهي التي تطلب من الله ولها شرطان :
الشّرط الأول : إذن الله للشّافع أن يشفع ؛ وقوله تعالى : } من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه [ ([220]) ، وقوله تعالى : ] ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه [ ([221]) ، وقوله تعالى : ] وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [.([222])
الشّرط الثاني : رضا الله عن الشّافع والمشفوع له ؛ لقوله تعالى : } ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى [ ([223]) ، وقوله تعالى : } يومئذ لا تنفع الشفاعة إلاّ من أذن له الرحمن ورضي له قولا [. ([224])
وهذه هي التي تنفع المؤمنين الموحدين ، في عرصات القيامة .
القسم الثاني : الشفاعة المنفية : وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله ، والشّفاعة بغير إذنه ورضاه ، والشّفاعة للكفّار ؛ ما عدا الشّفاعة لأبي طالب عمّ النبي ﷺ في التخفيف عنه من العذاب ، فإنها مستثناة ، ولكنه خالدا مخلدا فيها والعياذ بالله من ذلك ، والدليل على أنّها منفية ولا تنفع من مات على غير التوحيد ، قول الله تعالى : } فما تنفعهم شفاعة الشافعين [ ([225]) وقال الله تعالى : ] ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع [ ([226]) وقال تعالى : ] فما لنا من شافعين ولا صديق حميم[ .([227])
القسم الثالث: أنواع شفاعات للنبي ﷺ :
الأوّل : الشّفاعة الكبرى والعظمى في موقف القيامة في أن يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده وهي خاصّة لنبينا محمد ﷺ وهي المقام المحمود الذّي وعده الله عزّ وجلّ كما قال الله تعالى : ] عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ ([228]) وهذه الشفعة هي التّي يتأخر عنها أولو العزم - عليهم الصلاة والسلام - حينما يأتون آدم ثمّ نوح ، ثم إبراهيم ، ثمّ موسى ، ثمّ عيسى بن مريم - عليهم الصّلاة والسّلام- وكلّهم يقول : نفسي نفسي ، حتّى تنتهي إليه فيقول ﷺ : ((أنا لها )) ([229]) ، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربّهم حتّى يريحهم من مقامهم في الموقف إذا ضاق بهم وطال واشتد القلق وألجمهم العرق ، وهذه شفاعة يختصّ بها لا يشركه فيها أحد .
الثاني : شفاعته لأهل الجنّة في استفتاح باب الجنة ودخولها وأول من يستفتح بابها نبينا محمد ﷺ وأوّل من يدخلها من الأمم أمته .
الثالث : شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النّار فيشفع لهم أن لا يدخلوها .
الرابع : شفاعته في العصاة من أهل التّوحيد الذّين دخلوا النّار بذنوبهم فيخرجون قد امتحشوا وصاروا فحما ، فيطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، والأحاديث بها متواترة عن النّبي ﷺ وقد أجمع عليها الصّحابة وأهل السنّة قاطبة وبدعوا من أنكرها وصاحوا به من كلّ جانب ونادوا عليه بالضلال .
الخامس : شفاعته لقوم من أهل الجنّة في زيادة ثوابهم ورفع درجتهم وهذه مما لم ينازع فيها أحد .
السادس : شفاعته في بعض الكفّار من أهل النّار حتّى يخفف عذابه ، وهذه خاصّة بأبي طالب وحده . ([230])
ثالثا : العرض والحساب وأخذ الكتب :
اعلم يا أخي أنّ الخلائق يوم القيامة تقف وقوفا طويلا ، وهم ينتظرون الحساب والعقاب ، حتى يشتد ذلك عليهم ، فيبحثون عن مخرج لهم مما هم فيه ، فاسمع إلى قوله ﷺ حاكيا لنا ما هو المصير إليه في ذلك اليوم العصيب.
قال ﷺ : (( أنا سيد النّاس يوم القيامة ، وهل تدرون بما ذاك ؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب مالا يطيقون ومالا يحتملون ، فيقول بعض النّاس لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض النّاس لبعض ائتوا آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا في ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى الأرض وسماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي اذهبوا إلى إبراهيم ﷺ فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وذكر كذباته نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى ﷺ فيقولون : يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالاته وبتكليمه على النّاس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى ﷺ : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى ﷺ فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله وكلمت النّاس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه فاشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى ﷺ : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر له ذنبا نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد ﷺ فيأتوني فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثمّ يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ثمّ يقال : يا محمد ارفع رأسك سل تعطه ، اشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : يا رب أمتي أمتي فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهو شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب والّذي نفس محمّد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى )). ([231]) فتأمل يا أخي العزيز كيف أنّ أفضل الأنبياء - عليهم السلام - في هذا اليوم العصيب كلّ يريد النجاة لنفسه وذلك لما يرون من شدّة غضب الله تعالى ، فكيف إذا نودي بك على رؤوس الخلائق ، يا فلان ابن فلان ، ، وأنّ الإنسان سيندم لا محالة على كلّ ما فرط فيه ، فإن كان محسنا ندم على أن لم يزدد من الإحسان ، وإن كان مسيئا ندم على التفريط في العمل الصالح زمن الإمكان ، فالأمر عظيم والموقف رهيب نسأل الله العفو والعافية .
ومن هذا المكان يبدأ الحساب ، رحمة من الله بالعباد ، واستجابة لرسوله ﷺ بعد أن يسجد له ويثني عليه ثناء يليق بجلاله وعظيم سلطانه .
فتبدأ الملائكة الكرام بتوزيع الدواوين وصحف الأعمال على النّاس كلّ على حسب ما قدم في الدنيا ، فإن قدم خيرا وجد خيرا ،وإن قدم شرا وكان كافرا أو منافقا أو مشركا ، فمصيره النار خالدا فيها مخلدا ، وإن كان من الموحدين العاصين ، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه .
وإننا سنعرض بعض الأمور التي جاء في الكتاب والسنّة عن هذا الأمر العظيم ، قال الله تعالى : } وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ ([232]) جفا لناس أقسام في هذا اليوم العصيب ، فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه فأولئك هم السعداء ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهم الأشقياء فعند ذلك يقرأ كل كتابه وأنشدوا:
مثل وقوفك يوم العرض عريانا ** مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق ** على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل ** فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا
لما قرات ولم تنكـر قـراءته ** إقـرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل : خذوه يا ملائكتي ** وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
المشركون غدا في النار يلتهبوا ا ** والمؤمنون بدار الخلد سكــانا
فتوهم نفسك يا أخي إذا تطايرت الكتب و نصبت الموازين و قد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق أين فلان ابن فلان هلم إلى الله تعالى ، و قد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك و اسم أبيك إذ عرفت أنك المراد بالدعاء إذ قرع النداء قلبك فعلمت أنك المطلوب فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك و تغير لونك و طار قلبك تحظى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه و قد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيديهم و قد طار قلبك و اشتد رعبك لعلمك أين يراد بك ، وتذكر أيضا وأنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها و أنت تقرأ ما فيها بلسان كليل و قلب منكسر و الأهوال محدقة بك من بين يديك و من خلفك فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكرتها وكم من شيء قد كنت أخفيته قد أظهره و أبداه لك ، و كم من عمل ظننت أنّه سلم لك و خلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أَمَلُكَ فيه عظيما فيا حسرة قلبك و يا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك .
وهذا الموقف الرهيب يكفي فيه أن نعرض عليكم ما قاله الله تعالى في سورة الحاقة ، ليكون لك معتبرا ، وتعلم حال النّاس في ذلك اليوم العصيب ، حين يبدأ بتطائر الصّحف ، وأنت لا تدري هل تأخذ كتابك بيمينك فتسعد سعادة أبدية ، أم تأخذ كتابك بشمالك فتخسر خسارة لا يعدلها خسارة ، فاتعظ يا أخي وانتبه لما سأذكره في تفصيل هذه الآيات المحكمات :
قال الله تعالى : } فأما من أوتي كتابه بيمينه [ ([233]) فعلم أنه من أهل الجنة } فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه [ ([234]) و ذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه ، فإذا كان الرجل رأسا في الخير يدعوا إليه و يأمر به و يكثر تبعه عليه دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات و في ظاهره الحسنات فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق و يصفر وجهه ويتغير لونه فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك و قد غفرت لك فيفرح عند ذلك فرحا شديدا ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحا حتى إذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه و يؤتى بتاج فيوضع على رأسه و يكسى حلتين ويحلى كل مفصل فيه وبطول ستين ذراعا و هي قامة آدم و يقال له : انطلق إلى أصحابك فبشرهم وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فإذا أدبر قال : } هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه [. ([235])
قال الله تعالى : } فهو في عيشة راضية [ ([236]) أيّ : مرضية قد رضيها } في جنة عالية [ في السماء } قطوفها [ ثمارها وعناقيدها } دانية [ أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني ؟ فيقولون قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا } كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية [ أي قدمتم في أيام الدنيا .
و إذا كان الرّجل رأسا في الشرّ يدعو إليه و يأمره به فيكثر تبعه عليه و نودي باسمه و اسم أبيه فيتقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات و في ظاهره السيئات فيبدأ بالحسنات فيقرؤها و يظن أنّه سينجو فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك و قد ردت عليك فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا ولا يزداد و جهة إلا سوادا فإذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه : هذه سيئاتك و قد ضوعفت عليك أي يضاعف عليه العذاب ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل قال : فينظر إلى النار وتزرق عيناه و يسود و جهة و يكسى سرابيل القطران ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق و هو يقول : } يا ليتني لم أوت كتابيه و لم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية [ يعني : الموت } هلك عني سلطانيه [ تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - هلكت عنّي حجتي ، قال تعالى }خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه [ أيّ : اجعلوه يصلى الجحيم } ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه [ فاسلكوه فيها أيّ تدخل من فيه حتى تخرج من دبره و قيل : بالعكس و قيل : يدخل عنقه فيها ثم يجر بها و لو أن حلقة منها وضعت على جبل لأذابته فينادي أصحابه فيقول هل تعرفونني فيقولون لا ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت فيقول أنا فلان ابن فلان لكلّ إنسان منكم مثل هذا ، و أمّا من أوتي كتابه وراء ظهره فتخلع كتفه اليسرى فتجعل يده خلفه فيأخذ بها كتابه و قال مجاهد : يحول و جهة في موضع قفاه فيقرأ كتابه كذلك فتوهم نفسك إن كنت من السعداء و قد خرجت على الخلائق مسرور الوجه قد حلّ لك الكمال و الحسن و الجمال كتابك في يمينك آخذ بِضِبْعَيْكَ ملك ينادي على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا .
أمّا إن كنت من أهل الشّقاوة فيسود وجهك وتتخطى الخلائق كتابك في شمالك أو من وراء ظهرك تنادي بالويل والثّبور ، وملك آخذ بضبعيك ينادي على رؤوس الخلائق ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا . ([237])
فبهذا العرض يعلم حال كلّ إنسان ، وأين يكون مصيره بعد أخذ الكتاب والمحاسبة على ما فيه من أعمال ، فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرحمنا يوم العرض وأن يسترنا ولا يفضحنا ، وأن يثبت أقدامنا وأن يتجاوز عنا إنه جواد كريم .
رابعا: ذكر حوض النبيّ ﷺ الذي يسمى الكوثر :
اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لطاعته أنّ هذا الحوض العظيم الذي يصب فيه نهر الكوثر ، والذي لا يشرب منه إلاّ من كان مسلما مؤمنا قد اجتمع فيه الإخلاص لله تعالى ، ومتابعة نبيه محمد ﷺ ، فهو كرامة لمن وفق للعمل الصالح في الدنيا ، وقد جاء ذكر هذا النهر الذي يسمى الكوثر في الكتاب والسنة ، فعن أنس t قال : بينما رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثمّ رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : (( أنزلت علي آنفا سورة فقرأ } بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر [ ثم قال أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وحوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي فيقول ما تدري ما أحدثت بعدك )) . ([238])
قال القرطبي في التذكرة : الصحيح أنّ للنبيّ ﷺ حوضين : أحدهما في الموقف قبل الصراط والثّاني في الجنّة ، وكلاهما يسمى كوثرا ، والكوثر في كلام العرب الخير الكثير. ([239])
أما وصفه الذي جاء فيه ، لا يستطيع أحد أن يتخيله بعقله مهما اجتهد في ذلك لأنّ هذا من الأمور الغيبية التي يعجز العقل عن إدراكها ، ولكن النبيّ ﷺ وصفه لنا حتّى يحثنا أن نكون من أتباعه وأن نعمل العمل الصالح الّذي يجعلنا بإذن الله من الذين يشربون منه ، فيا سعد من أكرم بالشرب منه ، ويا تعس من حرم من ذلك، فقال النبيّ ﷺ : (( حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا ))([240]) وقال أيضا ﷺ : (( إن حوضي أبعد من أيله من عدن لهو أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن ولآنيته أكثر من عدد النجوم وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه قالوا يا رسول الله أتعرفنا يومئذ ؟ قال نعم لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء )) . ([241]) وبهذا يتبين جليا عظم هذا الحوض وهذا النهر ولكن يا أخي العزيز أقول لك أنّ هذا الحوض هناك من سيرده ويشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ، وهناك من سيطرد عنه ولا يقدر على الشرب منه ، فاسمع ، وعي ، وانتبه وافتح بصرك وقلبك لما سأذكره الآن فيما يخص هذين الصنفين :
الصنف الأول :من الذين يردون على حوضه ﷺ ويشربون منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ، نسأل الله الكريم رب العرش العظين أن نكون منهم ، قال النبيّ ﷺ (( حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكاوبيه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد )) . ([242]) وقال أيضا ﷺ : (( ترد على أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا يا نبي الله أتعرفنا ؟ قال نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون على غرا محجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ )) . ([243])
وهكذا كلّ من مات على التّوحيد ، ولم يشرك بالله شيئا ، وكان مقتديا بهدي النبيّ ﷺ حذو القذّة بالقذّة نسأل الله أن نكون منهم ، وأن يكرمنا من فضله .
أمّا الصنف الذين يطردون عن حوضه ﷺ فهم الذين قال فيهم النبيّ ﷺ : (( ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتّى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أُصَيْحَابِي ؟ فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك )). ([244]) قال بعض العلماء : فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه و أشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين و فارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها والروافض على تباين ضلالها و المعتزلة على أصناف أهوائها فهؤلاء كلهم مبدلون وكذلك الظلمة المسرفون في الجور و الظلم و تطميس الحق و قتل أهله وإذلالهم و المعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي و جماعة أهل الزيغ و الأهواء والبدع ، ثمّ البعد قد يكون في حال و يقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد و على هذا التقدير يكون نور الوضوء يعرفون به ثم يقال لهم سحقا و إن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول ﷺ يظهرون الإيمان ويسرون الكفر فيأخذهم بالظاهر ثم يكشف لهم الغطاء فيقول لهم ﷺ : (( سحقا سحقا )) ، ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد مبطل ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان . ([245])
خامسا : الميزان الذي يوزن أعمال الخلائق يوم القيامة :
اعلم يا أخي العزيز وفقني الله وإياك لما يحب ويرضاه أنّ الميزان بعد انقضاء الحساب لوزن الأعمال ؛ لأنّ الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقدير الأعمال و الوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها ، فاسمع لما سأذكره من آيات وأحاديث بينت هذا الأمر العظيم ، قال الله تعالى : } و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا [ ([246]) ، وقال تعالى : } فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية و أما من خفت موازينه فأمه هاوية [ ([247]) ، وقال الله تعالى : } و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا [ ... الآية ([248]) وقوله ﷺ : (( إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول له أتنكر من هذا شيئا أظلمتك كتبتي الحافظون قال لا يا رب فيقول ألك عذر أو حسنة فيبهت الرجل فيقول لا يا رب فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم عليك فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول : أحضروه فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ،فيقال: إنّك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم )) . ([249]) وقوله ﷺ : (( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئت من خلقي فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموس فتقول الملائكة : من تجيز على هذا ؟ فيقول : من شئت من خلقي فيقول : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )) . ([250])قال في قواعد العقائد : ووجهها : أنّ الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزنا بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب.([251]) وقال في شرح العقيدة الطحاوية : فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق ﷺ من غير زيادة ولا نقصان ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه ويقدح في النصوص بقوله : لا يحتاج إلى الميزان إلاّ البقال والفوال ! ! وما أحراه بأن يكون من الذّين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنا ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه . ([252])
تـذكـر يـوم تأتي الله فردا ** وقد نصبت مـوازين القضاء
وهتكت الستور عن المعاصي ** وجاء الذنب منكشف الغطاء
ومن هذا يتبن أنّ الأمر عظيم ، فلابد من الاستعداد لهذا اليوم بالتقرب إلى الله بما يرضيه واجتناب ما يغضبه ، نسأل الله العفو والغفران .
واعلم يا أخي أن الخلائق يوم القيامة أقسام منهم المتقون ، والعاصون ، والكافرون، والمشركون ، فتفصيل الكلام فيهم في هذا اليوم على حسب ما قاله القرطبي في التذكرة : قال علماؤنا رحمهم الله : النّاس في الآخر ثلاث طبقات متقون لا كبائر لهم ومخلطون وهم الذين يوافون بالفواحش والكبائر والثالث الكفار .
فأما المتقون فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة وصغائرهم إن كانت لهم الكفة الآخرى فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا وتثقل الكفة النيرة حتى لا تبرح وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي .
وأما المخلطون فحسناتهم توضع في الكفة النيرة وسيئاتهم في الكفة المظلمة فيكون لكبائرهم ثقل فإن كانت الحسنات أثقل ولو بصؤابة دخل الجنة وإن كانت السيئات أثقل ولو بصؤابة دخل النار إلا أن يغفر الله وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف على ما يأتي هذا إن كانت للكبائر فيما بينه وبين الله وأما إن كانت عليه تبعات وكانت له حسنات كثيرة فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات لكثرة ما عليه من التبعات فيحمل عليه من أوزار من ظلمه ثم يعذب على الجميع هذا ما تقتضيه الأخبار على ما تقدم ويأتي .
قال أحمد بن حرب : تبعث الناس يوم القيامة على ثلاث فرق : فرقة أغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة فقراء وفرقة أغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس في شأن التبعات.
وقال سفيان الثوري : إنك أن تلقى الله عز وجل بسبعين ذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد .
قال المؤلف : هذا صحيح لأن الله غني كريم وابن آدم فقير مسكين محتاج في ذلك اليوم إلى حسنة يدفع بها سيئة إن كانت عليه حتى ترجح ميزانه فيكثر خيره وثوابه .
وأما الكافر فإنه يوضع كفره في الكفة المظلمة ولا يوجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى فتبقى فارغة لفراغها وخلوها عن الخير فيأمر الله بهم إلى النّار ويعذب كلّ واحد منهم بقدر أوزاره وآثامه .
وأمّا المتقون فإن صغائرهم تكفر باجتنابهم الكبائر ويؤمر بهم إلى الجنة ويثاب كل واحد منهم بقدر حسناته وطاعته فهذان الصنفان هما المذكوران في القرآن في آيات الوزن لأن الله تعالى لم يذكر إلا من ثقلت موازينه ومن خفت موازينه وقطع لمن ثقلت موازينه بالإفلاح والعيشة الراضية ولمن خفت موازينه بالخلود في النار بعد أن وصفه بالكفر وبقي الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فبينهم النبي ﷺ حسب ما ذكرناه .
وإنما توزن أعمال المؤمن المتقي لإظهار فضله كما توزن أعمال الكافر لخزيه وذله فإن أعماله توزن تبكيتا له على فراغه وخلوه عن كل خير فكذلك توزن أعمال المتقي تحسينا لحاله وإشارة لخلوه من كل شر وتزيينا لأمره على رؤوس الأشهاد وأما المخلط السيء بالصالح فإن دخل النار فيخرج بالشفاعة على ما يأتي .
فسـأل الله يا أخي النجاة والسلامة من هذا اليوم العظيم ، فالناجي قليل ، والهالك كثير ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم .
سادسا : الصراط :
اعلم يا أخي العزيز يا من تريد النجاة من عذاب الله تعالى يوم العرض الأكبر قبل المرور على الصراط يقع التمحيص لمن سيمر عليه ، فاسمع قول القرطبي في تذكرته وهو يقول : روي عن بعض أهل العلم أنّه قال : لن يجوز أحد الصّراط حتّى يسأل في سبع قناطر :
أمّا القنطرة الأولى : فيسأل عن الإيمان بالله وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجاز بها مخلصا والإخلاص قول وعمل جاز .
أما القنطرة الثانية: يسأل عن الصّلاة فإن جاء بها تامة جاز .
القنطرة الثالثة: يسأل عن صوم شهر رمضان ، فإن جاء به تاما جاز.
القنطرة الرابعة: يسأل عن الزّكاة فإن جاء بها تامة جاز .
القنطرة الخامسة: يسأل عن الحجّ والعمرة فإن جاء بهما تامتين جاز .
القنطرة السادسة: يسأل عن الغسل والوضوء فإن جاء بهما تأمين جاز .
القنطرة السابعة: يسأل وليس في القناطر أصعب منها فيسأل عن ظلامات النّاس. .
واعلم أيضا أنّ الصراط هو : الجسر المنصوب على متن جهنّم حيث يمر النّاس عليه، فهو يوم مدحضة ومزلة ، عليه خطاطيف ، وكلاليب ، يجوزه النّاس على قدر أعمالهم، وأنا سأذكر بعض الآيات والأحاديث التي تبين وتوضح هذا الأمر العظيم حتى يتسنى لنا الاعتبار ، ونحرص على ما ينفعنا للنجاة من الخسران يقول الربّ سبحانه وتعالى مخبرا عن الصراط : } وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثمّ ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا[. ([253])، وقال ﷺ : ((ويضرب جسر جهنم ، فأكون أوّل من يجيز ودعاء الرّسل يومئذ اللّهم سلم سلم ، وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان ؟ . قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (( فإنها مثل شوك السعدان غير أنّها لا يعلم قدر عظمها إلا الله فتخطف النّاس بأعمالهم منهم الموبق بعمله ومنهم المخردل ثمّ ينجو )) . ([254]) وقال ﷺ أيضا : ((ترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قال قلت بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق ؟ قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا ، قال : وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار )) ، والذّي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريف )) . ([255])
فمن هذا العرض عرفنا بأن الصراط حقّ ، وأما كيفية هذا الصراط فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب ، فيجب علينا الإيمان به .واعلم يا أخي الكريم أنّ أوّل من يجيز هذا الصّراط الّذي أعدّه الله يوم القيام ، نبينا محمد ﷺ وبعده أمّته ، فقد جاء عن النبيّ ﷺ قوله : (( ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ([256])).
وقوله ﷺ : (( ويضرّب جسر جهنم ، قال رسول الله ﷺ : فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم )) .([257])
ولقد جاء وصف الصراط في السنة النبوية الشريفة ، بأوصاف كثيرة فمناها :
1 / أنّه ممر مخوف مرعب ، وهذا يدل عليه قوله ﷺ : (( اللهمّ سلم سلم )).
2 / وأنّه حاد دقيق جدّا ، لقول أبي سعيد t : بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف . ([258])
وسمع أسود بن سالم رجلا ينشد هذين البيتين :
أمامي موقوف قدام ربي ** يسائلني وينكشف الغطاء
وحسبي أن أمر على صراط ** كحد السيف أسفله لظاء
فغشي عليه ([259])
3 / الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر ؛ لقوله ﷺ :(( دحض مزلة )).
4 / أن عليه كلاليب وخطاطيف ، وحسك عظيمة تخطف من أمرت بخطفه ؛ لقوله ﷺ : (( فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان )) . وهذه الأمور لا يعلم قدرها إلاّ الله سبحانه وتعالى كما أخبر النبيّ ﷺ بقوله : (( غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلاّ الله )) .
5 / وأنّ جنباته تتحرك وتموج بالمارين عليه ، فالثبات من الله سبحانه وتعالى ، لقوله ﷺ : (( يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتقادع بهم جنبة الصراط تقادع الفراش في النار قال فينجى الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء )) . ([260])
6 / أنّه مظلم ، وأن قبله ظلمة ، ولا يستطيع المرور عليه إلاّ من كان له نور الإيمان وذلك بالعمل الصالح في الحياة الدنيا ، جاء عن النبي ﷺ أنّه قال لما سأله الحبر اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ قال : (( هم في ظلمة دون الجسر )) . ([261]) ، وحين سألت عائشة – رضي الله عنها - النبي ﷺ أيضا أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات قال : (( على الصراط )) . ([262]) وأما الجمع بينهما كما قال ابن رجب في التخويف من النار : ويمكن الجمع بين الحديثين بأن الظلمة دون الجسر حكمها حكم الجسر وفيها تقسيم الأنوار للجواز على الجسر فقد يقع تبديل الأرض و السموات وطي السماء من حين وقوع الناس في الظلمة ويمتد ذلك إلى حال المرور على الصراط والله أعلم . ([263])
فاعلم يا أخي رحمك الله أن هذا الطريق الحرج ، والمسلك الشّاق والصراط المضطرب الذي لا تثبت عليها الأقدام ، إلا قدم ثبتت على التقوى ، ولعلك تظنّ أنّ هذا الطّريق من طرق الدنيا الصعبة وسبلها الوعرة ، بل هو أحد من السيف وأدق من الشعرة كما سمعت ، فما ظنّك بك وقد حمّّلت عليه وكلّفت المرور به ومهواه جهنم تحتك ، وقد ملأ زفيرها أذنك ومنظرها الهائل قلبك وعينك ، وأردت المرور فلم تقدر والنّهوض فلم تستطع ، واضطرب بك اضطرابا والتهب ذلك السّعير تحتك التهابا ، ولم تجد إلى النّجاة سبيلا ، ولا إلى الخلاص بابا ، ولا ينهض بك إلاّ سعيك الذّي سعيت ، ولا جرى بك إلاّ عملك الذّي عملت ومركوبك الذّي في الدنيا ركبت ؛ فلتتخير الآن أيّ المراكب تركبها وأيّ الأبواب تدخلها وأيّ الطرق تأخذ فيها وتسكلها ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
سابعا : القنطرة :
وهي عبارة عن الجسر الّذي يقف عليه من تجاوز الصراط ، وذلك للمقاصة بينهم وللتطهير النهائي قبل دخول الجنّة ، لما جاء عن النبيّ ﷺ أنّه قال : (( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا )) . ([264])
قال ابن حجر في الفتح : إذا خلص المؤمنون من النّار أيّ نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط .
وقال القرطبي : هؤلاء المؤمنون هم الذين علم الله ان القصاص لا يستنفد حسناتهم. قلت : ولعل أصحاب الأعراف منهم على القول المرجح آنفا ، وخرج من هذا صنفان من المؤمنين من دخل الجنّة بغير حساب ومن أوبقه عمله قوله فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار . ([265])
قال ابن تيمية – رحمه الله - : والتهذيب : التخليص كما يهذب الذهب فيخلص من الغش ، فتبين أن الجنة إنما يدخلها المؤمنون بعد التهذيب والتنقية من بقايا الذنوب فكيف بمن لم يكن له حسنات يعبر بها الصراط . ([266])
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : وهذا القصاص غير القصاص الأوّل الّذي في عرصات القيامة ؛ لأنّ هذا قصاص أخصّ ؛ لأجل أنّ يذهب الغلّ والحقد والبغضاء الّتي في قلوب النّاس ، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير ، وذلك لأنّ ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص ، فهذه القنطرة الّتي بين الجنّة والنّار ؛ لأجل تنقية ما في القلوب حتّى يدخلوا الجنة ، وليس في قلوبهم غلّ ، كما قال الله تعالى : } ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخوانا على سرر متقابلين [ ([267]) فهل بعد هذا العرض المخيف والعظيم يا أخي العزيز يسوف الإنسان التوبة ، ويبعد عن المحجة البيضاء التّي جعل النبيّ ﷺ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك ، فهل ستشمر للنجاة من هذا اليوم العصيب ، لتفوز بجنات النعيم ، أم ستبقى على التسويف والعصيان والبعد عن طاعة الديان ،حتى يخطفك الموت وأنت لم تقدم شيئا لهذا اليوم، فتقول : يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ، أو تقول : ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ، نصحتي لك أن تسارع إلى التوبة والإنابة ما دامت الروح في الجسد ، وأبواب التوبة مفتوحة ، أسئل الله لي ولكم الثبات والهداية إلى سواء السبيل .
ثامنا : صفة الجنة :
وصف الله تعالى الجنات في كتابه وصفا دقيقا في غير ما سورة من القرآن و أكثر ذلك في سورة الواقعة ، والرحمن ، وهل أتاك حديث الغاشية ، وسورة الإنسان وكذلك نبينا محمد ﷺ بين ذلك بأوضح بيان، فسأعرض بعض الآيات، والأحاديث؛ ليزداد التقي تقى ، والمؤمن إيمانا ، والمحسن إحسانا ، ويرجع العاصي إلى ربه هاربا خائفا بتوبة نصوح حتى لا يفوته هذا النعيم العظيم الّذي أعده الله لأهل كرامته وطاعته ، وهذا النعيم يتحصل عليه المؤمنون الموحدون ؛ لما كان فيهم من الخوف ، والحزن ، والبكاء ، والإشفاق في الحياة الدنيا ، ليعقبهم الله به النعيم والسرور في الآخرة ، نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحرم أجسادنا على النيران ، وأن يدخلنا الجنان ، إنّه جواد كريم ، وهاك الآن وصف الجنة وما أعد الله لعباده المؤمنين فيها من خيرات ولذات ، ونعيم مقيم .
1 / حال أصحاب الجنة عند دخولها :
قال الله تعالى : }إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين [ ، ([268]) فهؤلاء هم الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه فتجنبوا معاصيه في جنات وعيون يقال لهم : } ادخلوها بسلام آمنين [ من عقاب الله أو أن تسلبوا نعمة أنعمها الله عليكم وكرامة أكرمكم بها قوله } ونزعنا ما في صدورهم من غل[.
يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض . ([269])
وقال القرطبي : وعيون : هي الأنهار الأربعة : ماء وخمر ولبن وعسل ، وأما العيون المذكورة في سورة ( الإنسان ) : الكافور والزنجبيل والسلسبيل ، وفي ( المطففين ) :التسنيم . ([270])
2 / أنهار الجنة وصفتها :
قال الله تعالى : } مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى [([271]) وروي أنها تجري في غير أخدود منضبطة بالقدرة .
عن حكيم بن معاوية عن أبيه t عن النبي ﷺ قال : (( إن في الجنّة بحر الماء وبحر اللبن وبحر العسل وبحر الخمر ثم تنشق الأنهار بعد ذلك )) . ([272])
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ﷺ : (( سيحان وجيحان والنيل والفرات، كلّ من أنهار الجنّة )) . ([273])
عن أنس t في حديث الإسراء :(( فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، فقال : ما هذان يا جبريل ؟ قال : النّيل والفرات عنصرهما ثم مضى في السّماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من اللّؤلؤ والزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك)) . ([274])
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ﷺ : (( من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا يا رسول الله : أفلا نبشر الناس ؟ قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )) . ([275])
3 / أشجار أهل الجنة وثمارها :
قال الله تعالى : } وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود [. ([276])
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ﷺ يقول الله عزّوجلّ (( أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرأوا إن شئتم : } فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ وفي الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرأوا إن شئتم } وظل ممدود [ وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها واقرأوا إن شئتم } فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ . ([277])
عن مالك ابن صعصعة t قال : قال رسول الله ﷺ : (( ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيلة وفي أصلها أربعة أنهار : نهران ظاهران ونهران بأطنان )) . ([278])
عن أبي سعيد الخدري t عن النّبيّ ﷺ قال : (( إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها )) . ([279])
عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ : (( كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له : أو لست فيما شئت قال : بلى ! ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله : دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء فقال الأعرابي يا رسول الله : لا تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلنسا بأصحاب زرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم )) . ([280])
4 / لباس أهل الجنة :
وقال تعالى : } إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولي ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم [. ([281])
قال الشوكاني في فتح القدير : أي الذين اتقوا الكفر والمعاصي ، ثم وصف المقام بأنه أمين يأمن صاحبه من جميع المخاوف . يلبسون من سندس وإستبرق: والسندس ما رق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه . متقابلين : على الحال من فاعل يلبسون : أي متقابلين في مجالسهم ينظر بعضهم إلى بعض أيّ : أكرمناهم. بأن زوجناهم بحور عين والحور جمع حوراء : وهي البيضاء والعين جمع عيناء : وهي الواسعة العينين.([282])
وقال تعالى : } ولباسهم فيها حرير [. ([283])
5 / أبواب الجنة وصفتها :
قال الله تعالى : } حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها [. ([284])
قال جماعة من أهل العلم : هذه واو الثمانية فللجنة ثمانية أبواب واستدلوا بقوله ﷺ : (( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )) . ([285])
عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال : (( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب ؟ قال : نعم ! وأرجو أن تكون منهم )) . ([286])
6 / وصف غرف الجنة :
قال الله تعالى : } لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية [ ([287])
وقال تعالى: } إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [. ([288])
وقال تعالى : } أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [. ([289])
عن سهل بن سعد t أنّ رسول الله ﷺ قال : (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغائر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين )) . ([290])
عن عبد الله بن مسعود t عن رسول الله ﷺ قال : (( إن المتحابين في الله تعالى لعلى عمود من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة يضيء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا يقول أهل الجنة بعضهم لبعض : انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله عز وجل فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا عليهم ثياب خضر من سندس مكتوب على جباههم هؤلاء المتحابون في الله Y )) . ([291])
عن أبي موسى t عنه أن النبي ﷺ قال : (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن ولا يري بعضهم بعضا )) . ([292])
عن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال : (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم )) قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : (( بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين )) .([293])
عن بريد بن الخصيب t قال : أصبح رسول الله ﷺ (( فدعا بلالا فقال : يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل عربي فقلت أنا عربي لمن هذا القصر قالوا لرجل من قريش قلت أنا قرشي لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد قلت أنا من أمة محمد قلت : أنا محمد لمن هذا القصر ؟ قالوا لعمر بن الخطاب فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث إلا توضأت عنده ورأيت أن لله تعالى على ركعتين فقال رسول الله ﷺ : بهما )) . ([294])
عن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله ﷺ قال : (( في الجنة خيمة من لؤلؤ مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن )) في رواية قال : (( الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين )). ([295])
عن أنس بن مالك t أن رسول الله ﷺ : قال : (( إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم المسك فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا )) . ([296])
7 / صفة أهل الجنة عند دخولهم إليها :
عن أبي هريرة t قال قال رسول الله ﷺ : (( أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة ( عود الطيب ) أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء )) . ([297])
8 / صفة حور العين :
وقال تعالى : } والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ . ([298])
وقوله تعالى : } حور مقصورات في الخيام [. ([299])
وقوله تعالى : } كأنهنّ الياقوت والمرجان [ .([300])
وقوله تعالى : } ولهم فيها أزواج مطهرة [ .([301])
عن أنس t عن النبي ﷺ قال : (( روحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعني سوطه - خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل النار لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. )) . ([302])
وقالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهم المؤمنات من نساء أهل الدنيا : نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ونحن المتوضئات وما توضأتن ونحن المتصدقات و ما تصدقن قالت عائشة : فغلبنهن.([303])
عن أنس بن مالك t عن النبي ﷺ قال : (( يعطي المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في الجماع قيل يا رسول الله أو يطيق ذلك ؟ قال يعطي قوم مائة )) . ([304])
فإذا كنت تريد يا أخي العزيز الحصول على الحور العين لتسعد في الجنة بها ، فكن حريصا على فعل ما قال الشاعر :
أخاطب الحور في خدرها ** وطالبا ذلك على قدرها
انهض بجد لا تكن وانيا ** وجاهد النفس على صبرها
وجانب الناس وارفضهم ** وحالف الوحدة في ذكرها
وقم إذا اللّيل بدا وجهه ** وصم نهارا فهو من مهرها
فلو رأت عيناك إقبالها ** وقد بدت رمانتا صدرها
وهي تماشي بين أترابها ** وعقدها يشرق في نحرها
لهان في نفسك هذا الذي ** تراه في دنياك من زهره([305])
9 / ما جاء أن كل ما في الجنة دائم لا يبلى ولا يفنى ولا يبيد :
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة – رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قال : ((ينادي مناد أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا وذلك قوله عزوجل}ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [)) ([306]) . ([307])
عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال : (( من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا يبلى ثيابه ولا يفنى شبابه )) . ([308])
10 / وصف طيور وخيول وإبل الجنة:
عن أنس بن مالك t قال : سئل رسول الله ﷺ : ما الكوثر ؟ قال : (( ذاك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر فقال عمر : إن لهذه لناعمة قال رسول ﷺ وسلم : أكلها أنعم منها)) . ([309])
عن سليمان بن بريدة عن أبيه t أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال : يا رسول الله : هل في الجنة من خيل ؟ قال : (( إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت إلا فعلت قال : وسأله رجل فقال يا رسول الله : هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له ما قال صاحبه فقال : إن يدخلك الله الجنة لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك )) . ([310])
عن أبي مسعود الأنصاري t قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله ﷺ : (( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة )).([311])
وحكى عن عبد الله بن المبارك : خرج إلى غزو فرأى رجلا حزينا قد مات فرسه فبقي محزونا فقال له : بعني إياه بأربعمائة درهم ففعل الرجل ذلك أي باعه له فرأى من ليلته في المنام كأن القيامة قد قامت وفرسه في الجنة وخلفه سبعمائة فرس فأراد أن يأخذه فنودي أن دعه فإنه لابن المبارك وقد كان لك بالأمس فلما أصبح جاء إليه وطلب الإقالة فقال له ولم ؟ قال : فقص عليه القصة فقال له : اذهب فما رأيته في المنام رأيناه في اليقظة ؟ . ([312])
11 / درجات منازل أهل الجنة :
وعن المغيرة بن شعبة t عن رسول الله ﷺ قال : (( سأل موسى ﷺ ربه : ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة فيقول : أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقول : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فيقول في الخامسة رضيت رب فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك. فيقول : رضيت رب . قال : رب فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر )) . ([313])
عن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ : (( إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة : رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله عز وجل له : اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى . فيقول الله عز وجل له : اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل له : اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول : أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك )) قال : فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول : (( ذلك أدني أهل الجنة منزلة )) . ([314])
عن أبي سعيد الخدري t قال شهدت من النبي ﷺ مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهي ثم قال في آخر حديثه : (( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قبل بشر )) ، ثمّ قرأ } تتجافى جنوبهم عن المضاجع [ إلى قوله تعالى : } فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ . ([315])
وعن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا )) . ([316])
وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال : (( إن أدني مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول له : هل تمنيت ؟ فيقول : نعم فيقول له : فإن لك ما تمنيت ومثله معه )) . ([317])
12 / صفة فاكهة ولحم أهل الجنة :
قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه وقال تعالى : } وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا إنه هو البر الرحيم [. ([318])
قال ابن كثير في تفسيره : أيّ :وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى وقوله : } يتنازعون فيها كأسا [ أيّ يتعاطون فيها كأسا أي من الخمر }لا لغو فيها ولا تأثيم[ أيّ لا يتكلمون فيها بكلام لاغ أيّ هذيان ولا إثم أيّ فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا . ([319])
14 / صفة صحاف وأكواب أهل الجنة :
وقال تعالى : } يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون [. ([320])
قال الطبري في تفسيره : أي : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم ، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا ، فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها ، الذين آمنوا وصدقوا بكتاب الله ورسله وعملوا بما جاءتهم به رسلهم ، وكانوا مسلمين يقول : وكانوا أهل خضوع لله بقلوبهم وقبول منهم لما جاءتهم به رسلهم عن ربهم على دين إبراهيم خليل الرحمن ﷺ حنفاء لا يهود ولا نصارى ولا أهل أوثان . ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم طاف على هؤلاء الذين آمنوا بآياته في الدنيا إذا دخلوا الجنة في الآخرة بصحاف من ذهب وهي جمع للكثير من الصحفة والصحفة : القصعة . وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات كم في الجنة فاكهة كثيرة من كل نوع.([321])
عن أبي هريرة t قال قال رسول الله ﷺ : (( قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرؤوا إن شئتم : } فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ ([322]) )). ([323])
قال في فيض القدير : معناه أنه تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق . ([324])
وفي رواية للبخاري ومسلم : (( آنيتهم فيها الذهب ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا )) . ([325])
14 / صفة شراب أهل الجنة :
وقال تعالى: }إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون [. ([326])
قال الطبري في تفسيره : تعرف في الأبرار الذين وصف الله صفتهم نضرة النعيم يعني حسنه وبريقه وتلألؤه ، يسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف لا غش فيها ممزوج مخلوط مزاجه وخلطه مسك ، مزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم
مزاجه من تسنيم قال : في الجنة عين يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة . ([327])
15 / أهل الجنة لا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون :
عن جابر t قال قال رسول الله ﷺ : (( يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس )) . ([328])
قال النّووي في شرح النووي على مسلم : مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ، ولا انقطاع أبدا ، وأنّ تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدّنيا إلاّ ما بينهما من التّفاضل في اللّذة والنّفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلاّ في التّسمية، وأصل الهيئة ، وإلاّ في أنّهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون .([329])
وقال في تحفة الأحوذي : أيّ : ليس في أنفهم من المياه الزائدة والمواد الفاسدة ليحتاجوا إلى إخراجها ؛ ولأنّ الجنّة مساكن طيّبة للطّيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس .
قال بن الجوزي: لما كانت أغذية أهل الجنّة في غاية اللّطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ، ولا فضلة تستقذر ، بل يتولّد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه . ([330])
16 / رضا الله عن أهل الجنة :
عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله ﷺ قال : (( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يأهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا )) . ([331])
17 / نظر أهل الجنة إلى الله ﷻ :
وعن جرير بن عبد الله t قال : كنا عند رسول الله ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال : (( إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته )) .([332])
عن صهيب t أن رسول الله ﷺ قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم،ثم تلي هذه الآية : }للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ )) . ([333])
وبعد هذا العرض لما أعده الله للمؤمنين في الجنة ، أردت أن أعرض ما ذكره القرطبي في تذكرته لتزداد الفائدة ، ويشتاق المؤمن إلى الجنة .
قال القرطبي في التذكرة : نبذ من أقوال العلماء في تفسير كلمات وآيات من القرآن وردت في ذكر الجنة وأهلها:
ومن ذلك قوله تعالى : } ونزعنا ما في صدورهم من غل [ . ([334])
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : أوّل ما يدخل أهل الجنّة الجنّة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله تعالى ما في قلوبهم من غلّ ثمّ يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفوا وجوههم وتجري عليهم نضرة النعيم .
وقال على t في قوله تعالى: }وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ ([335]) قال : إذا توجه أهل الجنّة إلى الجنة مرّوا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النّعيم فلا تتغير أبشارهم ولا تشعث أشعارهم أبدا ، ثمّ يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثمّ تستقبلهم خزنة الجنة فتقول لهم : } سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ . ([336])
و عن علي t أنّه تلا هذه الآية : } وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها [ ([337])وجدوا عند باب الجنة شجرة يخرج من ساقها عينان فعمدوا إلى أحداهما كأنّما أمروا بها فاغتسلوا منها فلم تشعث رؤوسهم بعدها أبدا و لم تغير جلودهم بعدها أبدا كأنما دهنوا بالدهن ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فطهرت أجوافهم و غسلت كلّ قدر فيها ، و تتلقاهم على كلّ باب من أبواب الجنة ملائكة } سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ ([338]) ، ثمّ تتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقولون : أبشر أعد الله لك كذا وكذا ، ثمّ يذهب الغلام منهم إلى الزوجة من أزواجه فيقول قد جاء فلان باسمه الّذي كان يدعى في الدنيا فتقول له : أنت رأيته ؟ فيستخفها الفرح حتّى تقوم على أسكفة الباب ، ثمّ ترجع فتجيء فتنظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر وأصفر وأحمر من كلّ لون ، ثمّ يجلس فينظر فإذا زرابي مبثوثة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة ثمّ يرفع رأسه إلى سقف بنيانه فلولا أن الله قدر ذلك لأذهب بصره إنما هو مثل البرق ثمّ يقول : كما أخبرنا تعالى } الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله [. ([339])
وقوله تعالى : } جنات عدن يدخلونها [ ([340]) قال ابن عباس – رضي الله عنهما- الجنات سبع : دار الجلال ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم .
وقيل : إن الجنان أربع لأن الله تعالى قال : } ولمن خاف مقام ربه جنتان [ وقال بعد ذلك } ومن دونهما جنتان [ ولم يذكر سوى هذه الأربع جنّة خامسة .
فإن قيل : فقد قال جنّة المأوى ، قيل : جنة المأوى اسم لجميع الجنان يدل عليه أنّه تعالى قال : } فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون [ والجنة اسم الجنس فمرة يقال : جنة ، ومرة يقال : جنات ، وكذلك جنة عدن وجنات عدن ، لأنّ العدن الإقامة وكلها دار الإقامة كما أن كلها مأوى المؤمنين ، وكذلك دار الخلد ودار السلام ؛ لأنّ جميعها للخلود و السلامة من كلّ خوف و حزن ، و كذلك جنات النّعيم و جنة النّعيم ؛ لأنّ كلّها مشحونة بأصناف النّعيم .
قال الحليمي : إنما منعنا أن نجعل كلّ واحدة من العدن والمأوى والّنعيم جنة سوى الأخرى ؛ لأنّ الله تعالى إن كان سمي شيئا من هذه الأسماء جنة في موضع فقد سمي الجنات كلها بذلك الاسم في موضع آخر فعلمنا أن هذه الأسماء ليست لتميز جنة من جنة ولكنها للجنان أجمع لا سيما وقد أتى الله بذكر العدد فلم يثبت إلا أربعا وقد أثبت لهذه الجنان أبوابا فقال : وفتحت أبوابه وقال ﷺ : (( إن أبواب الجنة ثمانية )) ، فيحتمل أن يكون ذلك ؛ لأنّ لكلّ جنّة من الجنان الأربع بابين .
ووصف أهل الجنة فصنفهم صنفين :
أحدهما : السابقون المقربون ، والآخرون : أصحاب اليمين فعلمنا أنّ السابقين أهل الجنتين العليتين في قوله : } ولمن خاف مقام ربه جنتان [ ، وأهل اليمين أهل الجنتين الدنييتين } ومن دونهما جنتان [ .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في قوله تعالى : }ولمن خاف مقام ربه جنتان [ ... إلى قوله : } ومن دونهما جنتان [ قال: فتلك للمقربين وهاتان لأصحاب اليمين .
قوله تعالى : } يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا [ قال المفسرون : ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة : سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ وقال هنا : } من ذهب ولؤلؤا [ وقال في آية أخرى: } وحلوا أساور من فضة [ .
وفي الصحيح : تبلغ حلية المؤمن حيث تبلغ الوضوء وقرئ } لؤلؤا [ بالنصب على معنى ويحلون لؤلؤا وأساور : جمع أسورة وأسورة واحدها سوار فيها ثلاث لغات ضم السين ، وكسرها وأسوار .
قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتّيجان جعل الله ذلك لأهل الجنّة إذ هم ملوك .
قوله تعالى : } ولباسهم فيها حرير [ .
وعن أبي هريرة t قال : (( دار المؤمن في الجنة درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ بأصبعه أو قال بأصبعه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والزّبرجد والمرجان)).
عن أبي المهزم قال : سمعت أبا هريرة يقول : (( إن دار المؤمن في الجنة من لؤلؤة فيها أربعون بيتا في وسطها شجرة تنبت الحلل فيذهب فيأخذ بأصبعيه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والزبرجد والمرجان )) .
قوله تعالى } ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [ وقال : } عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق [ الإستبرق : الديباج الصفيق الكثيف والسندس : الرقيق الخفيف وخص الأخضر لأنه الموافق للبصر؛ لأنّ البياض يبدد النظر ويؤلم والسواد يورم و الخضرة لون بين السواد والبياض وتلك تجمع الشعاع .
قوله تعالى : } متكئين فيها على الأرائك [ الأرائك : جمع أريكة وهي السرر في الحجل ، وقال تعالى : } متكئين على سرر مصفوفة [ .
وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أنه قال : إنّ الرّجل من أهل الجنة ليعانق الحور سبعين سنة لا يملها ولا تملّه كلما أتاها وجدها بكرا وكلما رجعت إليه عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلا لا يكون بينهما مني يأتي من غير مني منه ولا منها .
وقال المسيب بن شريك : قال النبي ﷺ في قوله تعالى } إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا [ قال : هي عجائز الدنيا أنشأهن الله خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا فلما سمعت عائشة ذلك قالت : وأوجعاه فقال النبي ﷺ : (( ليس هناك وجع )).
وقال قتادة في قوله تعالى : } إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون [ ، يعني في الآخرة في شغل فاكهون قال : يعني افتضاض العذارى فاكهون قال الحسن : مسرورون } هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ ، قوله تعالى : }أولئك لهم رزق معلوم [ فيه قولان : أحدهما حين يشتهونه . قال مقاتل : الثاني بمقدار الغداة والعشي قاله ابن السائب .
قال الله تعالى : } ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا [ قال العلماء : ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبدا وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب .
قوله تعالى : } ودانية عليهم ظلالها [ ، يعني ظلال الشجر } وذللت قطوفها تذليلا [ أيّ : ذللت ثمارها يتناولن منها كيف شاءوا إن قام ارتفعت بقدره وإن قعد تدلت إليه وإن اضطجع تدلت إليه حتى يتناولها .
وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء t } ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا [ قال : أهل الجنة يأكلون الثمار من الشجر كيف شاءوا جلوسا ومضطجعين وكيف شاءوا ؟ واحد القطوف قطف بكسر القاف .
عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ﷺ : (( والذي نفسي بيده إن الجنة ليتناولون من قطوفها وهم متكئون على فراشهم فما تصل إلى في أحدهم حتّى يبدل مكانها أخرى )) .
قوله تعالى : } يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب [ .
قال قتادة : الكوب : المدور القصير العتق القصير العروة والإبريق المستطيل الطويل العنق الطويل العروة.
وقال ابن عزيزة : أكواب : أباريق لا عرى لها ولا خراطيم واحدها كوب.
قال الجوهري في الصحاح : الكوب كوز لا عروة له ، هو مذهب أهل اللغة : التي لا آذان لها ولا عرى } كانت قواريرا قوارير من فضة [ أيّ : اجتمع فيها صفاء القوارير في بياض الفضة وذلك أن لكل قوم من تراب أرضهم قوارير قال : وإن تراب الجنة فضة فهي قوارير من فضة قاله ابن عباس – رضي الله عنهما - .
وقال : هي في صفاء الفضة وفي ذلك دليل على أنّ أرض الجنّة من فضة إذ المعهود الدنيا اتخاذ الآنية من الأرض يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها كالقوارير يرى الشراب من جدر القوارير وهذا لا يكون في فضة الدنيا } قدروها تقديرا [ أيّ في أنفسهم فأتتهم على نحو ما قدروا واشتهوا من صغار وكبار وأوساط .
وقال عبد الله بن مسعود t في قوله تعالى : } ختامه مسك [ ، خلطه ليس بخاتم يختم ألم تر إلى قول المرأة من نسائكم خلطه من الطيب كذا وكذا إنما خلطه مسك ليس بخاتم يختم .
وذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء t } ختامه مسك [ قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شربتهم لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل يده ثمّ أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها وفي ذلك } فليتنافس المتنافسون [ أيّ : في الدنيا بالأعمال الصالحة قال } ومزاجه من تسنيم [ أيّ ومزاج ذلك الشراب }عينا يشرب بها المقربون [ .
قال قتادة : يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة وتسنيم أشرف شراب في الجنة وأصل التسنيم في اللغة الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه وكذلك تسنيم القبور وقد تسنم العيون والمياه فتشرف عليهم تجري من أعلى العرش .
قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وفي التنزيل } بكأس من معي بيضاء لذة للشاربين [ أيّ : لذيذة يقال شراب لذيذ إذا كان طيبا قوله تعالى : } وعندهم قاصرات الطرف [ أيّ : نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرون إلى غيرهم قال ابن زيد : إن المرأة منهن لتقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك وعين : عظام العيون الواحدة منهن عيناء } كأنهن بيض مكنون [ أيّ : مصون .
وقال الحسن وابن زيد: شبههن ببيض تكنه النعامة بالريش من الريح والغبار فلونه أبيض في صفرة وهو أحسن ألوان النّساء ، وقيل المراد بالبيض : اللؤلؤ ؛ كقوله : }وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون [ أيّ : في أصدافه ، وقال : } فيهن خيرات حسان [ يعني النساء الواحدة خيرة وأصله خيرات فخفف كهين ولين .
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما - : الخيمة درة مجوفة فرسخ في مثله لها أربع آلاف مصراع من ذهب .
وعن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى }فهم في روضة يحبرون [ ، قال : الروضة اللذات والسماع .
قوله تعالى: } وعبقري حسان [ العبقري : الفرش له .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : الواحدة عبقري وهي النّمارق أيضا في قوله تعالى : } ونمارق مصفوفة [ والزّرابي البسط مبثوثة معناه : مبسوطة وقيل منسوجة بالدر والياقوت وقوله تعالى : } وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين [ يعني أهل الجنة من غير السابقين وأهل الجنة كلهم أصحاب يمين
} في سدر مخضود [ وهو الذي نزع شوكه وقد تقدم: }وطلح منضود [ أيّ بعضه على بعض .
وقال المفسرون : الطلح شجر الموز ها هنا وهو عند العرب شجر حسن اللون لخضرته وإنما خص بالذكر لأن قريشا كانوا يتعجبون من خضرته وكثرة ظلاله من طلح وسدر فخوطبوا ووعدوا لما يحبون مثله قاله مجاهد وغيره.
قوله تعالى: }ولهم فيها أزواج مطهرة [ قال مجاهد : مطهرة من البول والغائط، والحيض ، والنخام ، والبصاق ، والمني ، والولد.
وقال مجاهد أيضا في قوله تعالى : }على سرر متقابلين [ : لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض تواصلا وتحابيا وقيل : الأسرة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد. وقال ابن عباس – رضي الله عنهما - : على سرر مكللة بالدر والياقوت والزبرجد السرير منها ما بين صنعاء إلى الجابية وما بين عدن إلى أيلة وقيل : تدور بأهل المنزل الواحد والله أعلم . ([341])
فاعلم يا أخي العزيز أن الله سبحانه وتعالى جعل الجنة دار جزاء وثواب وقسم منازلها بين أهلها على قدر أعمالهم وعلى هذا خلقها سبحانه ؛ لما له في ذلك من الحكمة التي اقتضتها أسماؤه وصفاته ، فانّ الجنة درجات بعضها فوق بعض وبين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، كما في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال ﷺ : (( أن الجنّة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض )) وحكمة الرّب سبحانه مقتضية لعمارة هذه الدّرجات كلّها وإنّما تعمر ويقع التفاوت فيها بحسب الأعمال كما قال غير واحد من السلف ينجون من النّار بعفو الله ومغفرته ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته ويتقاسمون المنازل بأعمالهم . ([342]) اللهمّ إنّا نسألك الجنة ونعيمها ، وأن تدخلنا إليها بغير حساب ولا عقاب إنّك على كلّ شيء قدير ، وبالإجابة جدير .
تاسعا: وصف النّار :
يا أخي العزيز اعلم أنّ الله خلق الخلق ليعبدوه ، ويوحدوه ، ويمجدوه ، ويخشوه ويخافوه ، ونصب لهم الأدلة على ذلك ، ليهابوه ، ويخافوه خوف الإجلال ، ووصف لهم في كتابه وعلى لسان رسوله محمد ﷺ شدة عذابه وانتقامه ، ودار عقابه الّتي أعدها لمن عصاه ، وأدبر عن عبادته ، ومات وهو ظالم لنفسه ولغيره ، فذكر ما فيه من العذاب ، والنكال ، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال ، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه ، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه ، واجتناب ما نهى عنه ويكرهه ويأباه ، فمن تأمل الكتاب والسنة وجد في ذلك العجب العجاب ، ولكن في هذا الزمان ماتت القلوب ، وقحطت الأعين ، وفسد القلب فأصبح ذكر النار لا قيمة له عند النّاس إلاّ من رحم الله من العباد بعكس سلفنا الصالح إذا تأملت أحوالهم وجدت الخوف والخشية ، والإخبات ، فتراهم يبكون ويصعقون إذا مروا بآية عذاب نسأل الله أن يحي قلوبنا ، من الممات وأن يردنا إليه ردا جميلا ، وأن يعفو عنا ، فيا أخي إني سأذكر وصف النار وما أعد الله فيها لأهلها من الكتاب والسنة ، كما ذكرت ذلك في وصف الجنة ، فأقول مستعينا بالله باديا بما أنذرنا الله به قبل الممات، قال الله تعالى : } أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون[. ([343])
وقال تعالى: } فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين[.([344]) وقال تعالى: } واتقوا النار التي أعدت للكافرين [ .([345])
وقال تعالى: } فأنذرتكم نارا تلظى [. ([346])
وقال تعالى: } لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون [. ([347])
وقال تعالى : } وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر [ . ([348])
فهذه الآيات كلّها تنذرك وتحذرك من الغفلة والبعد عن الله ، ومن كان هذا حاله فلا يلومن إلاّ نفسه ، ويوم القيامة لا يستطيع أن يحتج لنفسه ؛ لأنّ الله حذره وأنذره.
لو أبصرت عيناك أهل الشقا ** سيقوا إلى النار وقد أحرقوا
يصلونها حين عصوا ربهم ** وخالفوا الرسل وما صدقوا
تقـول أخراهم لأولاهم ** في لجج المهل وقد أغرقوا
قـــد كنتم حذرتم حرها ** لــكن من النيران لم تفرقوا
وجــيء بالنيران مزمومه ** شــرارها من حولها محرق
فمن أوصافها :أعاذنا الله منها ، ونجانا من همّها وغمّها وضنكها ، إنّه سميع مجيب.
1 / ذكر أبوابها :
قال الله تعالى : } لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [ ([349])
قال في التخويف من النار : وأبواب جهنم سبع : جهنم والحطمة ولظى والسعير وسقر والهاوية والجحيم . ([350])
وقال تعالى : } إنها عليهم مؤصدة [ ([351]) ، فوصف الله أبوابها بأنها مغلقة على أهلها نسأل الله السلامة من كلّ شر .
2 / أن جهنم مغلقة قبل دخولها:
قال الله تعالى : } وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها [. ([352])
3/ في شدة حرها وزمهريرها :
قال الله تعالى : } وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون[ ([353]) ، وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال : (( اشتكت النّار إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من سمومها وأشد ما تجدون البرد من زمهريرها)).([354])
4 / جهنم لا يخمد لهيبها :
قال الله تعالى : } ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا[. ([355])
5 / نار جهنم تتغيظ وتزفر :
قال تعالى : } وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا [ ([356]) ، وقال تعالى : } وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير [. ([357])
قال في التخويف من النار : والشّهيق : الصوت الذي يخرج من الجوف بشدّة كصوت الحمار .
وقوله : } وهي تفور [ قال : تغلي بهم كما يغلي القدر . ([358])
6 / ذكر أودية جهنم :
قال الله تعالى : } فسوف يلقون غيا [ ([359]).
قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : الغي واد في جهنم . ([360])
وعن محمد بن واسع قال : قلت لبلال بن أبي بردة وأرسل إلى : إنه بلغني أن في النار بئرا يقال له : جب الحزن يؤخذ المتكبرون فيجعلون في توابيت من حديد من نار ثم يجعلون في تلك البئر ثم تطبق عليهم جهنم من فوقهم فبكى هلال . ([361])
7 / ذكر سلاسل جهنم وأغلالها :
قال الله تعالى : } إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا [ ، ([362]) وقال الله تعالى : }وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا [ ، ([363]) وقال الله تعالى : } إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [ ([364]) ، وقال : } خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه [. ([365])
وقال تعالى : } إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما [. ([366])
قال في التخويف من النار : فهذه ثلاثة أنواع :
أحدها : الأغلال : وهي في الأعناق .
النوع الثاني : الأنكال : وهي القيود .
النوع الثالث : السلاسل . ([367])
ثمّ أتى النّبي ﷺ فسمعه صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة ، فقال : ما هذا يا جبريل؟ فقال : هذا صوت جهنم تقول : رب آتني ما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري واشتد حري فآتني ما وعدتني قال : لك كل مشرك و مشركة وكافر وكافرة وكل خبيث و خبيثة و كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب . ([368])
8 / ذكر مقامعها :
قال الله تعالى : } ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها [ . ([369])
قال جويبر عن الضحاك : } مقامع من حديد [ أيّ : مطارق . ([370])
وعن أبي سعيد t عن النبي ﷺ قال : (( لو أن مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان لما أقلوه من الأرض )) . ([371])
9 / ذكر حياتها وعقاربها :
قوله تعالى : } زدناهم عذابا فوق العذاب [. ([372])
عن ابن مسعود t قال : عقارب لها أنياب كالنخل الطوال . ([373])
10 / ذكر طعام أهل النار وشرابهم فيه :
قال الله تعالى : } إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم [ ، ([374]) و قال : } أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم [ ، ([375]) وقال : } ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين نحن خلقناكم فلولا تصدقون [ ، ([376])و قال: } و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [. ([377])
وقال رسول الله ﷺ : (( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت معايشهم فكيف بمن تكون طعامه )) . ([378])
وعن سعيد بن جبير قال : إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فانسلخت وجوههم حتى لو أن مارا مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش فاستغاثوا من العطش فأغيثوا بماء كالمهل والمهل : الذي قد انتهى حره فإذا أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه فيصهر به ما في بطونهم ويضربون بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور . ([379])
11/ شراب أهل النار :
قال الله تعالى : } فشاربون عليه من الحميم [ ، ([380]) وقال تعالى : } وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم [ ، ([381])وقال تعالى : } لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا [ ، ([382]) وقال تعالى : } هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج [ ، ([383])وقال تعالى : } ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه [ ([384]) ، وقال تعالى : } وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا [. ([385])
قال في التخويف من النار : فهذه أربعة أنواع ذكرناها من شرابهم وقد ذكرها الله في كتابه :
النوع الأول : الحميم : الحار الذي يحرق .
النوع الثاني : الغساق ـ قال ابن عباس : الغساق : ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه وعنه قال : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده .
النوع الثالث : الصديد : ـ قال مجاهد في قوله تعالى : } ويسقى من ماء صديد[، وقال : يعني القيح والدم . وقال قتادة : ما يسيل من بين لحمه وجلده .
النوع الرابع : الماء الذي كالمهل : كعكر الزيت فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه . وقال عطية : سئل ابن عباس عن قوله : } كالمهل [ قال : غليظ كدردي الزيت . قال علي بن أبي طالب عن ابن عباس y : أسود كمهل الزيت.([386])
12/ في ذكر كسوة أهل النار ولباسهم وسرابيلهم وفرشهم ولحافهم فيها:
قال الله تعالى : } فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار [. ([387])
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال : يقطع للكفار ثياب من نار حتى ذكر القباء والقميص والكمة . ([388])
قال الله تعالى : } وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [. ([389])
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في قوله : } قطران [ قال : هو النحاس المذاب . ([390])
وروى حصين عن عكرمة في قوله: }سرابيلهم من قطران [ قال : من صفر يحمى عليها . ([391])
قال معمر عن قتادة في قوله : } سرابيلهم من قطران [ قال : من النّحاس .
قال معمر : وقال الحسن : قطران الإبل . ([392])
وعن أبي مالك الأشعري t عن النّبيّ ﷺ قال : (( النّائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرعه من جرب )) . ([393])
قال الله تعالى : } لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش [. ([394])
قال محمد بن كعب والضحاك والسدي وغيرهم : المهاد : الفراش والغواش اللحف.([395])وقال الحسن في قوله : } وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ ([396]) : فراشا ومهادا وروى مسكين عن حوشب عن الحسن أنّه كان إذا ذكر أهل النّار ، قال في وصفهم : قد حذيت لهم نعال من نار وسرابيل من قطران وطعامهم من نار ، وشرابهم من نار ، وفرش من نار ، ولحف من نار ، ومساكن من نار في شر دار وأسود عذاب في الأجساد أكلا أكلا ، وصهرا صهرا ، وحطما حطما . ([397])
13 / في ذكر عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيئاتهم :
عنه عن النبي ﷺ قال : (( ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب السريع)).([398])
وعنه عن النبي ﷺ قال : (( ضرس الكافر ـ أو ناب الكافر ـ مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام )) . ([399])
14 / تبديل جلود أهل النار إذا احترقت :
قال الله عز وجل : } إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [. ([400])
روى نافع مولى يوسف السلمي عن نافع عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر t هذه الآية : } كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها[([401])، فقال عمر t : أعد على فأعادها عليه فقال معاذ بن جبل t : عندي تفسيرها : تبدل في الساعة الواحدة مائة مرة . فقال عمر t : هكذا سمعت .([402])
15 / ذكر الصفر والنحاس في جهنم :
قال الله تعالى : } فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد [. ([403])
قال مجاهد : } يصهر به ما في بطونهم [ : يذاب به إذابة .
وقال عطاء الخراساني : يذاب به ما في بطونهم كما يذاب الشحم . ([404])
وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال : (( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعود كما كان )) . ([405])
وقال الله ﷻ : } خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم [. ([406])
قال كثير من السلف : نزلت هذه الآية في أبي جهل . ([407])
قال الأوزاعي : يؤخذ أبو جهل يوم القيامة فيخرق في رأسه خرق ثم يؤتى بسجل من الحميم فيصب في ذلك الخرق ثمّ يقال له : ذق إنّك أنت العزيز الكريم . ([408])
قال مجاهد في قوله : } يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران [ قال: النحاس : الصفر يذاب فيصب على رؤوسهم يعذبون به . ([409])
16 / ذكر الحطمة ، وسقر ، ولظى :
قال الله تعالى : } كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة [. ([410])
قال محمد بن كعب القريظي في قوله : } تطلع على الأفئدة [ : تأكله النار إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه عن ثابت البناني أنه قرأ هذه الآية ثمّ قال: تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء لقد بلغ منهم العذاب ! ثم يبكي . ([411])
وقال الله ﷻ : } وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر [([412])
قال صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله : } لا تبقي ولا تذر [ : تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك .
وقال السدي : لا تبقي من جلودهم شيئا ولا تذرهم من العذاب .
وقال أبو سنان : لا تذرهم إذا بدلوا خلقا جديدا . ([413])
وقال أبو رزين في قوله : } لواحة للبشر [: تلفح وجهه لفحة تدعه أشدّ سوادا من اللّيل . ([414])
17 / سحب أهل النار على وجوههم :
قال الله تعالى : } إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر [ ([415])
وقال عطاء : سقر الطبق السادس من جهنم .
وقال قطرب : سقر من سقرته الشمس وصقرته لوحته ويوم مسمقر ومصمقر شديد الحر . ([416])
وقال تعالى : } فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [. ([417])
قال قتادة : يسجرون في النار مرة وفي الحميم مرة . ([418])
عن مجاهد في قوله : } يسجرون [ قال : يوقد بهم النار . ([419])
وقال تعالى : } يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا [. ([420])
قال الطبري في تفسيره : لا يجد هؤلاء الكافرون وليا ولا نصيرا في يوم تقلب وجوههم في النار حالا بعد حال } يقولون [ وتلك حالهم في النار : } يا ليتنا أطعنا الله[ في الدنيا وأطعنا رسوله فيما جاءنا به عنه من أمره ونهيه فكنا مع أهل الجنة في الجنة يا لها من حسرة وندامة وما أعظمها وأجلها . ([421])
وقوله تعالى : } سأرهقه صعودا [ . ([422])
وقال قتادة : قال ابن عباس – رضي الله عنهما - } صعودا [ : صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه . ([423])
وقال كعب : يقول الله ﷻ للإمام الجائر : } خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه [ ، فيسحب على وجهه في النار فينتشر لحمه وعظامه ومخه . ([424])
18 / عذاب بلا موت :
قال الله تعالى : } ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ [ .([425])
وقال إبراهيم في قوله : } ويأتيه الموت من كل مكان [ حتى من تحت كلّ شعرة في جسده . ([426])
وقال الضحاك : حتى من إبهام رجليه والمعنى : أنه يأتيه مثل شدة الموت وألمه من كل جزء من أجزاء بدنه حتى شعره وظفره وهو مع هذا لا تخرج نفسه فيستريح. ([427])
قال ابن جريح : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيستريح ولا ترجع إلى مكانها من جوفه ، وتأول جماعة من المفسرين على ذلك قوله تعالى : } ثم لا يموت فيها ولا يحيا [ . ([428])
قال الأوزاعي عن بلال بن سعد : تنادي النار يوم القيامة : يا نار أحرقي يا نار استفي يا نار انضجي كلي ولا تقتلي . ([429])
19 / العذاب في النار مستمر ولا انقطاع له :
قال الله تعالى : } إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون [ ([430]) وقال تعالى : } والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها [ .([431])
عن سعيد عن قتادة } لهم نار جهنم لا يقضى عليهم [ بالموت فيموتوا ؛ لأنّم لو ماتوا لاستراحوا } ولا يخفف عنهم من عذابها [ يقول : ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم بإماتتهم فيخفف ذلك عنه . ([432])
وقال تعالى : } فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون [. ([433])
قال ابن كثير في تفسيره : أيّ : لا يفتر عنهم ساعة واحدة . ([434])
وقال تعالى : } وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال [. ([435])
قال محمد بن كعب القرظبي:بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال تعالى: } وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب [ ([436]) فردت الخزنة عليهم : } أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى [ فردت الخزنة عليهم : } ادعوا وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال[([437]) فلمّا يئسوا مما عند الخزنة نادوا : } يا مالك ليقض علينا ربك [ . ([438])
قال تعالى: } فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا [. ([439])
عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - قال : لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه } فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا [ قال : فهم في مزيد من العذاب أبدا.([440])
وقال مجاهد : بلغني أن استراحة أهل النار أن يضع أحدهم يده على خاصرته ولأهل النار أنواع من العذاب لم يطلع الله عليها خلقه في الدنيا . ([441])
قال مبارك عن الحسن : ذكر الله السلاسل والأغلال والنار وما يكون في الدنيا ثم قرأ : } وآخر من شكله أزواج [ . قال : ألوان من العذاب. ([442])
عن ابن عباس في قوله تعالى : } زدناهم عذابا فوق العذاب [ قال : هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل وبعضها في النار . ([443])
20 / حجاب أهل النّار عن الله :
اعلم يا أخي المحب نجاني الله وإياك من عذا جهنم ، أنّ أعظم عذاب أهل النّار حجابهم عن الله عزّ وجلّ ، وإبعادهم عنه ، وإعراضه عنهم ، وسخطه عليهم قال الله تعالى : } كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلاّ إنّهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثمّ إنّهم لصالوا الجحيم ثمّ يقال هذا الذي كنتم به تكذبون [. ([444])
قال الطبري في تفسيره : ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين من أن لهم عند الله زلفة إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون فلا يرونه ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم ، ومعنى قوله: } إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [ فقال بعضهم : معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته . ([445])
فذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من العذاب : حجابهم عنه ، ثمّ صليهم الجحيم ، ثمّ توبيخهم بتكذيبهم به في الدنيا ووصفهم بالرّان على قلوبهم ، وهو صدأ الذنوب الذّي سوّد قلوبهم فلم يصل إليها بعد ذلك في الدنيا شيء من معرفة الله ولا من إجلاله ومهابته وخشيته ومحبته ، فكما حجبت قلوبهم في الدنيا عن الله حجبوا في الآخرة عن رؤيته وهذا بخلاف حال أهل الجنة . ([446])
21 / بكاء أهل النار ، وزفيرهم وشهيقهم :
قال الله تعالى : } لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون [. ([447])
قال تعالى : } فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق [. ([448])
قال الربيع بن أنس : الزفير مثل صوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق وقال تعالى : } وهم يصطرخون فيها [ . ([449])
وقال صالح المري : بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المدنف . ([450])
وقال ابن إسحاق عن محمد بن كعب : زفروا في جهنم فزفرت النار وشهقوا فشهقت النار بما استحلوا من محارم الله قال : والزفير من النفس والشهيق من البكاء . ([451])
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في قوله تعالى: } لهم فيها زفير وشهيق [ قال : صوت شديد وصوت ضعيف . ([452])
وروى مالك عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل : }سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص [ . ([453])
قال زيد : صبروا مائة عام ثم بكوا مائة عام ثم قالوا : } سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص [ . ([454])
22 / الخروج من النار مستحيل على من كتب الله عليه الخلود فيها:
قال تعالى : } قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون [ . ([455])
وقال تعالى : } ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون [. ([456])
وقال تعالى : } وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال [ . ([457])
وقال تعالى : } وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير [ . ([458])
قوله تعالى : } أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال [ . ([459])
وقال الضحاك عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى . ([460])
وروى أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال : لأهل النّار خمس دعوات يكلمون في أربع منها ويسكت عنهم في الخامسة فلا يكلمون يقولون : }ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل [ ، فيرد عليهم : }ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا [ . ثم يقولون : } ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ ، فيرد عليهم : } ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها [ ، إلى آخر الآيتين ثم يقولون : } ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل [ ، فيرد عليهم } أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [ . ثمّ يقولون : } ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل [ ، فيرد عليهم : } أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير [ ، ثمّ يقولون : }ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون[ ، فيرد عليهم : } اخسؤوا فيها ولا تكلمون [ إلى قوله : } وكنتم منهم تضحكون [ ، قال : فلا يتكلمون بعد ذلك . ([461])
عن عبد الله ابن عمرو – رضي الله عنهما - قال : نادى أهل النار } يا مالك ليقض علينا ربك [ قال : فخلى عنهم أربعين عاما ثم أجابهم : } إنكم ماكثون[ فقالوا : } ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون [ قال : فخلى عنهم مثل الدنيا ثم أجابهم : } اخسؤوا فيها ولا تكلمون [ قال : فأطبقت عليهم فيئس القوم بعد تلك الكلمة ، وإن كان إلاّ الزّفير والشّهيق . ([462])
23 / ذكر حال الموحدين في النار وقبل الخروج منها :
يا أخي المحب قد تقدم في الأحاديث الصّحيحة أنّ الموحدين يمرون على الصّراط فينجو منهم من ينجو ويقع منهم من يقع في النّار .
عن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال : (( حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون : ربنا إنهم كانوا يصومون معنا و يصلون معنا و يحجون فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقية وإلى ركبتيه فيقولون : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول لهم : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه نصف مثقال دينار من خيره فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا بإخراجه أحدا فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا فيقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا و كان أبو سعيد يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: } إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ فيقول الله عز و جل : شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج بها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ....الحديث . ([463])
والمراد بقوله : لم يعملوا خيرا قط من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم و لهذا جاء في حديث الّذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنّار إنّه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد . ([464])
وعن أنس t عن النّبي ﷺ في حديث الشفاعة قال : (( فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله )) . ([465])
عن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال : (( يوضع الصراط بين ظهراني جهنم عليه حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومجروح به ناج ومحتبس منكوس فيها فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد وتفقد المؤمنون رجالا في الدنيا كانوا يصلون بصلاتهم ويزكون زكاتهم ويصومون صومهم ويحجون حجهم ويغزون غزوهم فيقولون : أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا يصلون بصلاتنا ويزكون زكاتنا ويصومون صومنا ويحجون حجنا ويغزون غزونا ولا نراهم ؟ فيقول الله عزوجل : اذهبوا إلى النار فمن وجدتموه فيها فأخرجوه قال: فيخرجونهم وقد أخذتهم النار على قدر أعمالهم فمنهم من أخذته إلى قدميه ومنه من أخذته إلى ركبتيه ومنهم من أخذته إلى أزرته ومنه من أخذته إلى ثديه ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه قال: فيستخرجونهم ثم يطرحون في ماء الحياة قيل : يا نبي الله و ما ماء الحياة ؟ قال : غسل أهل الجنة قال : فينبتون فيها كما تنبت الزرعة في غثاء السيل ثم تشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا فيستخرجونهم منها ثم يتحنن الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبدا في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا أخرجه منها )) . ([466])
عن أبي سعيد الخدري t عن النبي ﷺ قال : (( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله عز وجل : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة - أو حبة من خردل- من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحياة أو الحياء - شك مالك - ينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية )).([467])
وعند مسلم : (( فيخرجون منها حمما قد امتحشوا )) . ([468])
عن أبي سعيد t عن النبي ﷺ قال : (( أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبابير ضبابير فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل لأهل الجنة : أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة في حميل السيل )) . ([469])
وظاهر الحديث يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم
24 / ذكر ما ورد في خلود أهل الدارين وذبح الموت :
عن ابن عمر – رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله ﷺ : (( إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ، ثمّ يذبح ثمّ ينادي مناد : يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم )) . ([470])
عن أبي سعيد الخدري t قال : قال رسول الله ﷺ : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء يوم القيامة بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة : هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ! هذا الموت قال ثم يقال : يا أهل النار : هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ! هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت فيها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم } وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ وأشار بيده إلى الدنيا))([471]).
قال القرطبي في تذكرته : هذه الأحاديث مع صحتها نصّ في خلود أهل النّار فيها لا إلى غاية و لا إلى أمد مقيمين على الدوام و السرمد من غير موت ، ولا حياة و لا راحة و لا نجاة بل كما قال في كتابه الكريم و أوضح فيه من عذاب الكافرين }والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور و هم يصطرخون فيها [ إلى قوله: } من نصير [، وقال تعالى : } كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها [ ، و قال تعالى: } فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها [ و قد تقدمت هذه المعاني كلّها .
فمن قال : إنّهم يخرجون منها ، وأنّ النّار تبقى خالية وبجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى المعقول ومخالف لما جاء به الرّسول ، وما أجمع عليه أهل السنّة والأئمة العدول ؛ } ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[.([472])([473])
يا أخي العزيز هذا ما استطعت ذكره في هذا الكتاب ، فهل بعد عرض الجنة والنّار وما أعد الله فيهما ، لازلت تسوف في التّوبة والرّجوع إلى الله ، فنصيحتي لك أن تبادر بالتّوبة النصوح ، وأن ترجع إلى الله ﷻ ؛ فإنّه سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تاب وأناب ، واتقي الله فيما بقي من حياتك عسى الله أن يرحمك ، ويعفو عنك ، وفي نهاية هذا المؤلف فإني أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يوفقنا للعمل الصالح ، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، وأن يحفظ علينا ديننا حتّى نلقاه وهو راض عنا ، وأن يحرم أجسادنا على النيران، وأن يدخلنا الجنان بلا حساب ولا عقاب ، إنّه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
المحتويات:
الأولى : أن تعلم لماذا خلقت ؟. 3
الثانية: أن تعلم ما معنى شهادة أن لا إله إلاّ الله؟ 5
أوّلا: معنى لا إله إلاّ الله: 6
ثانيّا: أركان لا إله إلاّ الله. 8
ثالثا: شروط لا إله إلاّ الله.. 8
الشرط الأوّل: العلم. 9
الشرط الثّاني: اليقين: 9
الشرط الثّالث: الإخلاص. 9
الشرط الرّابع : الصدق المنافي للكذب. 10
الشرط الخامس: المحبّة لهذه الشهادة العظيمة الشأن . 11
الشرط السّادس: الإنقياد والاستسلام لما دلت عليه هذه الشهادة . 12
الشرط السابع: القبول لما اقتضته هذه الشهادة بقلبه ولسانه . 12
رابعا: نواقض لا إله إلاّ الله. 13
أولا: الجهل بها: 13
ثانيّا: الشكّ فيها: 15
ثالثا: عدم الإخلاص لله سبحانه وتعالى. 15
رابعا: التكذيب بها. 16
خامسا: عدم محبّة هذه الشهادة أو كرهها وبغضها : 16
سادسا: الخروج عن شرع الله. 17
سابعا: إنكار أيّ شيء من الدين بالضرورة. 18
ثامنا: الاستهزاء بأي أمر من أمور الدين : 18
الثّالثة : أن تعلم ما معنى تحقيق شهادة أنّ محمّدا رسول الله ﷺ ؟. 20
أولا: معنى شهادة أنّ محمّدا رسول الله ﷺ.. 20
ثانيّا: محبة النبي ﷺ.. 20
الرابعة: ما هو الإيمان وما دليله وكيفية زيادته ونقصانه 22
أولا : الإيمان. 22
ثانيا : زيادته ونقصانه : أيّ : ارتفاع الإيمان في العبد بزيادة الطاعة ، ونقصانه وضعفه بارتكاب المعاصي . 23
الخامسة: أن تعلم شيئا عن ملائكة الرّحمن. 23
واعلم أنّ الإيمان بالملائكة منه ما هو على التفصيل ، ومنه ما هو على الإجمال: 24
جبريل – عليه السلام –. 25
ميكائيل – عليه السلام –. 26
إسرافيل – عليه السلام –. 26
ملك الموت – عليه السلام –. 27
المعقبات – عليهم السلام –. 27
الملائكة الموكلون بالنطفة –عليهم السلام-. 28
منكر ونكير - عليهما السلام –. 29
الملائكة الكرام الكاتبون – عليهم السلام –. 30
ملائكة الجنّة – عليهم السلام –. 30
ملائكة خزنة جهنّم – عليهم السلام –. 31
ملائكة حملة العرش – عليهم السلام –. 31
ملك الجبال – عليه السلام –. 32
السادسة أن تعلم ما يجب عليك نحو كتب ربّك الّتي أنزلها على رسله. 33
السابعة: أن تعلم أنّ الواجب عليك معرفة رسل الله عامة، ومعرفة رسولك خاصّة. 36
وأمّا معجزات نبيّنا محمّد ﷺ فهي كثيرة جدا ، وملخصها : 40
1 / القرآن العظيم : 42
2 / انشقاق القمر : 44
3 / الإسراء إلى بيت المقدس، والمعراج : 45
4 / الفحل الذي تمثل لأبي جهل : 45
5 / الأخدود الّذي حال بينه وبين أبي جهل : 46
6 / نطق الشجر له بالسلام عليه، وبالإقرار بنبوته : 46
7 / حنين جذع النخلة بين يديه : 47
8 / سقي أصحاب الحديبة من ركوة صغيرة : 47
9 / أطعم جيش الخندق من طعام قليل : 48
10 / رد عين قتادة t : 48
11 / جبره ﷺ للكسور بالنفث : 48
الثامنة: أن تعلم أنّ الإيمان بالقدر خيره وشرّه واجب عليك؟ 48
واعلم أنّ الإيمان بالقدر لا يتمّ للإنسان إلاّ بأربعة أمور: 50
التاسعة: الواجب نحو ولاة الأمر 53
العاشرة : أن تعرف معنى التوحيد وأقسامه 54
الحادية عشرة : أن تعرف الشرك وأقسامه 57
الثانية عشرة : أن تعرف نواقض الإسلام 61
الثالثة عشر: أن تعلم ما الواجب عليك نحو صحابة رسول الله ﷺ.. 63
الرابعة عشر : أن تعلم مصير الإنسان عند موته وأنه يمر بمراحل صعبة. 68
الخامسة عشرة : أن تعلم أحوال ما بعد الخروج من القبر. 80
أولا : النفخ في الصور للبعث والنشور وحال الناس في ذلك . 80
ثانيا : الشفاعة وما يتعلق بها : 81
ثالثا : العرض والحساب وأخذ الكتب : 84
رابعا: ذكر حوض النبيّ ﷺ الذي يسمى الكوثر : 90
خامسا : الميزان الذي يوزن أعمال الخلائق يوم القيامة : 93
سادسا : الصراط : 97
سابعا : القنطرة : 101
ثامنا : صفة الجنة : 102
( [1] ) سورة آل عمران آية: 102.
( [2] ) سورة النساء آية: 1.
( [3] ) سورة الأحزاب آية: 70 – 71.
( [4] ) سورة الذاريات آية: 56.
( [5] ) سورة النساء آية: 164.
([6]) سورة الذاريات آية : 50 .
([7]) سورة البقرة آية : 21.
([8]) سورة النحل آية : 36 .
([9]) صحيح البخاري : 3 / 1049 ، برقم : 2701 .
([10]) سورة الزمر آية : 65 .
([11]) سورة النساء آية : 47 – 116 .
([12]) سورة لقمان آية : 13 .
([13]) سورة الفرقان آية : 68 .
([14]) سورة الشورى آية : 11 .
([15]) سورة يونس آية : 31 .
([16]) سورة ص آية : 5 .
([17]) سورة الأنعام آية : 162 .
([18]) صحيح مسلم : 3 / 1567 ، برقم : 1978 ، بلفظ (( لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض )) .
([19]) سنن أبي داود : 1 / 466 ، برقم : 1479 . وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 572 : صحيح . وانظر حديث رقم : 3407 في صحيح الجامع .
([20]) سورة يونس آية : 18 .
([21]) سورة يونس آية : 106 .
([22]) سورة محمد آية : 47 .
([23]) صحيح مسلم : 1 / 55 ، برقم : 26 .
([24]) سورة الحجرات آية : 49 .
([25]) صحيح مسلم : 1 / 55 ، برقم : 27 .
([26]) سورة البينات آية : 5 .
([27]) سورة الزمر آية : آية : 3.
([28]) صحيح البخاري : 1 / 49 ، برقم : 99 .
([29]) سورة العنكبوت آية : 1 – 3 .
([30]) سورة الزمر آية : 33.
([31]) صحيح البخاري : 1 / 59 ، برقم : 128 .
([32]) سورة البقرة آية : 165.
([33]) سورة آل عمران آية : 31 .
([34]) صحيح البخاري : 1 / 14 ، برقم : 16 .
([35]) سورة الحج آية : 41 .
([36]) سورة الزمر آية : 54 .
([37]) سورة الصافات آية 35 – 37.
([38]) صحيح البخاري : 1 / 17 ، برقم : 25 .
([39]) سورة يونس آية : 106 .
([40]) صحيح البخاري : 4 / 1636 ، برقم : 4227 .
([41]) سورة الكوثر آية : 2 .
([42]) سورة الأنعام آية : 162 .
([43]) سبق تخريجه .
([44]) سور آل عمران آية : 35 .
([45]) سورة النور آية : 62 .
([46]) سبق تخريجه .
([47]) سورة البينة آية : 5.
([48]) صحيح مسلم : 4 / 2289 ، برقم : 2985 .
([49]) سورة الفرقان آية : 23 .
([50]) سورة الزمر آية : 33.
([51]) سورة آل عمران آية : 32 .
([52]) سورة لقمان آية : 22 .
([53])معارج القبول : 3 / 1040 ، والأوهام والالتباس : 1 / 117 .
([54]) سورة التوبة آية : 66.
([55]) سورة الحاقة آية : 25 .
([56]) سورة آل عمران آية : 33 .
([57]) سورة التغابن آية : 12 .
([58]) سورة الفرقان آية : 27 .
([59]) سورة آل عمران آية : 31 .
([60]) سبق تخريجه .
([61]) صحيح البخاري : 1 / 14 ، برقم : 14 .
([62]) سورة يوسف آية : 17 .
([63]) سورة الحجرات آية : 7 .
([64]) سورة البقرة آية : 143.
([65]) انظر : التوضيح والبيان لشجرة الإيمان : ص 9 .
([66]) سورة الفتح آية : 4 .
([67]) سورة الكهف آية : 13 .
([68]) سورة مريم آية : 76 .
([69]) صحيح مسلم : 4 / 2294 ، برقم : 2996 .
([70]) سورة التحريم آية : 6 .
([71]) سورة عبس آية : 15 -16 .
([72]) سورة فاطر آية : 1 .
([73]) صحيح مسلم : 1 / 145 ، برقم : 162 .
([74]) سنن الترمذي : 4 / 556 . وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 /190 : صحيح . وانظر حديث رقم : 1020 في صحيح الجامع .
([75]) سورة النبإ : 83 .
([76]) عمدة القاري : 15 / 130 .
([77]) سورة البقرة آية : 97 .
([78]) سورة النحل آية : 102 .
([79]) سورة النجم آية : 5 - 9 .
([80]) سورة النجم آية : 16 .
([81]) سورة البقرة آية : 97.
([82]) صحيح مسلم : 1 / 534 ، برقم : 770 .
([83]) سورة السجدة آية : 11 .
([84]) سورة الرعد آية : 11 .
([85]) سورة الأنعام آية : 18 .
([86]) سورة الأنعام آية : 38 .
([87]) صحيح البخاري : 3 / 1174 ، برقم : 3036 .
([88]) سنن الترمذي : 3 / 383 ، برقم : 1071 ، وقال الألباني في : الجامع الصغير وزيادته : 1 / 73 : حسن . وانظر حديث رقم : 724 في صحيح الجامع .
([89]) صحيح البخاري : 1 / 448 ، برقم : 1273 .
([90]) سورة ق آية : 17 – 18 .
([91]) سورة الانفطار آية : 10 – 11 .
([92]) سورة الزمر آية : 73 .
([93]) سورة الزمر آية : 71 .
([94]) سورة الزخرف آية : 77 .
([95]) سورة الحاقة آية : 17 .
([96]) سنن أبي داود : 2 / 645 ، برقم : 4727 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 86 : صحيح . وانظر حديث رقم : 853 في صحيح الجامع .
([97]) صحيح البخاري : 3 / 1180 ، برقم : 3059 .
([98]) سورة الشورى آية : 51 .
([99]) سورة النساء : آية : 164 .
([100]) سورة آل عمران آية : 3 .
([101]) سورة النساء آية : 163.
([102]) سورة النجم آية : 37 .
([103]) سورة الأعلى آية : 18 – 19 .
([104]) سورة الحجر آية : 90 .
([105]) سورة فصلت آية : 42 .
([106]) سورة المائدة آية : 48 .
([107]) سورة آل عمران آية : 37 .
([108]) سورة الأنعام آية : 155 .
([109]) سورة الأعراف آية : 3 .
([110]) صحيح مسلم : 4 / 1873 ، برقم : 2408 .
([111]) سنن الدارقطني : 4 / 245 ، برقم : 149 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 525 : صحيح . وانظر حديث رقم : 2937 في صحيح الجامع .
([112]) سورة يس آية : 70 .
([113]) صحيح مسلم : 1 / 203 ، برقم : 223 .
([114]) سورة الزمر آية : 17 .
([115]) سورة النساء آية : 164 .
([116]) سورة البقرة آية : 285 .
([117]) سورة النساء آية : 150 .
([118]) سورة الشورى آية : 52 .
([119]) سورة الرعد آية : 7 .
([120]) سورة القصص آية : 56 .
([121]) سورة الزمر آية : 32 .
([122]) سورة يس آية : 52 .
([123]) سورة الصافات آية : 181 -182 .
([124]) سورة الشورى آية : 13 .
([125]) سورة الأحزاب آية : 7 .
([126]) سورة الفرقان آية : 20 .
([127]) سورة آل عمران آية : 75.
([128]) صحيح مسلم : 2 / 1020 ، برقم : 1401 .
([129]) عيون الأثر : 2 / 375 .
([130]) سورة القمر آية : 1 .
([131]) سيرة ابن إسحاق : 1 / 178 .
([132]) صحيح مسلم : 4 / 2154 ، برقم : 2797 .
([133]) سنن الدارمي : 1 / 22 ، برقم : 16 ، وقال الألباني في مشكاة المصابيح : 3 / 288 : صحيح .
([134]) صحيح ابن خزيمة : 3 / 140 ، برقم : 1777 .
([135]) سورة النساء آية : 165 .
([136]) سورة غافر آية : 17 .
([137]) سورة البقرة آية : 282 .
([138]) سورة الأنبياء آية : 230 .
([139]) سورة سبأ آية : 3 .
([140]) سورة الحج آية : 70 .
([141]) سورة الحشر آية : 22 .
([142]) السلسلة الصحيحة حديث رقم : 50.
([143]) سورة يس آية : 12 .
([144]) سورة الحديد آية : 22 .
([145]) أخرحه مسلم في صحيحه برقم : 2653.
([146]) سورة يس آية : 82 .
([147]) سورة القمر آية : 49 .
([148]) سورة السجدة آية : 13 .
([149]) سورة الشورى آية : 11 .
([150]) سورة الفرقان آية : 2 .
([151]) سورة الصافات آية : 96 .
([152]) سورة النساء آية : 59 .
([153]) صحيح البخاري : 6 / 2612 ، برقم : 6723 .
([154]) صحيح البخاري : 6 / 2588 ، برقم : 6645 .
([155]) صحيح مسلم : 3 / 1469 ، برقم : 1839 .
([156]) صحيح مسلم : 3 / 1469 ، برقم : 1840 .
([157]) صحيح مسلم : 3 / 1475 ، برقم : 1847 .
([158]) سورة الزخرف آية : 87 .
([159]) سورة يونس آية : 31.
([160]) سورة يوسف آية : 106 .
([161]) سورة محمد آية : 19.
([162]) سورة النحل آية : 36.
([163])سورة آل عمران آية : 64 .
([164]) سورة الشورى آية : 11 .
([165]) سورة الشورى آية : 11 .
([166]) سورة طه آية : 110 .
([167]) سورة النساء آية : 48 – 116 .
([168]) سورة العنكبوت آية : 65 .
([169]) سورة البقرة آية : 186 .
([170]) سورة غافر آية : 60.
([171]) سنن أبي داود : 1 / 466 ، برقم : 1479 . وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 572 : صحيح . وانظر حديث رقم : 3407 في صحيح الجامع .
([172]) سورة هود آية : 15 – 16 .
([173]) صحيح البخاري : 1 / 1 ، برقم : 1 .
([174]) سورة التوبة آية : 31.
([175]) سنن الترمذي / 5 / 278 ، برقم : 3095 . قال الألباني في غاية المرام : 1 / 19: حسن .
([176]) تفسير البغوي : 1 / 38 .
([177]) سورة البقرة آية : 165 .
([178]) تفسير البغوي : 1 / 178 .
([179]) صحيح البخاري : 5 / 2246 ، برقم : 5694 .
([180]) فتح الباري - ابن حجر :10 / 463 .
([181]) سورة النساء آية : 116 .
([182]) صحيح البخاري : 3 / 1049 ، برقم : 2701 .
([183]) سورة : محمد آية : 9.
([184]) سورة التوبة آية : 65 – 66 .
([185]) سورة البقرة آية : 102 .
([186]) سورة المائدة آية : 51.
([187]) سورة السجدة آية : 22 .
([188]) انظر : الدرر السنية : 8 / 89 – 90 .
([189]) سورة الحشر آية : 8 – 9 .
([190]) صحيح البخاري : 3 / 1095 ، برقم : 2845 .
([191]) سنن أبي داود :2 / 624 ، برقم : 4653 ، وقال الألباني في شرح العقيدة الطحاوية : 1 / 530 : صحيح.
([192]) معارج القبول : 1 / 43 .
([193]) سورة الحشر آية : 20 .
([194]) سورة زمر آية : 30 .
([195]) سورة الجمعة آية : 8 .
([196]) سورة الأعراف آية : 55 .
([197]) سنن الترمذي : 4 / 553 ، برقم : 2307 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 209 : صحيح . انظر حديث رقم : 1210 في صحيح الجامع .
([198]) سور آل عمران آية : 185 .
([199]) سورة السجدة آية : 11 .
([200]) سورة النحل آية : 32 .
([201]) سورة إبراهيم آية : 23 .
([202]) المستدرك : 1 / 93 ، برقم : 107 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 374 : صحيح . وانظر حديث رقم : 1968 في صحيح الجامع .
([203]) سنن النسائي : 4 / 8 ، برقم : 1833 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 50 : صحيح . وانظر حديث رقم : 490 في صحيح الجامع .
([204]) سورة الفجر آية: 28.
([205]) سورة الأنعام آية : 93 .
([206]) سورة الأنفال آية : 50 .
([207]) سبق تخريجه .
([208]) سورة اواقعة آية : 19 .
([209]) سورة الحج آية : 31 .
([210]) مسند الطيالسي : 1 / 102 ، برقم : 753 ، وقال الألباني في شرح العقيدة الطحاوية ص 449 : صحيح .
([211]) صحيح البخاري : 5 / 2388 ، برقم : 6149 .
([212]) سنن الترمذي : 4 / 553 ، برقم : 2308 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 257 : حسن . وانظر حديث رقم : 1684 في صحيح الجامع .
([213]) صحيح البخاري : 1 / 465 ، برقم : 1320.
([214]) سورة النبأ آية : 18 .
([215]) سورة يس آية :
([216]) صحيح مسلم : 4 / 2206 ، برقم : 2878.
([217]) صحيح البخاري : 5 / 2391 ، برقم : 6162 .
([218]) صحيح البخاري : 3 / 1271 ، برقم : 3263
([219]) سورة الزمر آية : 44 .
([220]) سورة البقرة آية : 255 .
([221]) سورة يونس آية : 3 .
([222]) سورة النجم آية : 26 .
([223]) سورة الأنبياء آية : 28 .
([224]) سورة طه آية : 109 .
([225]) سورة المدثر آية : 48 .
([226]) سورة غافر آية : 18 .
([227]) سورة الشعراء آية : 100 .
([228]) سورة الإسراء آية : 79 .
([229]) صحيح البخاري : 6 / 2727 ، برقم : 7072 ، صحيح مسلم : 1 / 180 ، برقم : 193.
([230]) تيسير العزيز الحميد : 1 /254 .
([231]) صحيح مسلم : 1 / 184 ، برقم : 194 .
([232]) سورة الإسراء آية : 13 – 14 .
([233]) سورة الحاقة آية : 19 .
([234]) سورة الحاقة آية : 19 .
([235]) سورة الحاقة آية : 19 .
([236]) سورة الحاقة آية : 21 .
([237]) التذكرة للقرطبي :1 / 289 .
([238]) صحيح مسلم : 1 / 300 ، برقم : 400
([239]) التذكرة للقرطبي : 1 / 289.
([240]) صحيح البخاري : 5 / 2405 ، برقم : 6208 .
([241]) صحيح مسلم : 1 / 217 ، برقم : 247 .
([242]) سنن الترمذي : 4 / 629 ، برقم : 2444 ، ومسند أحمد بن حنبل : 2 / 132 برقم : 6162 ، وقال الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 548 : صحيح . وانظر حديث رقم : 3162 في صحيح الجامع .
([243]) صحيح مسلم : 1 / 217 ، برقم : 247 .
([244]) صحيح البخاري : 5 / 2406 ، برقم : 6211 .
([245]) التذكرة للقرطبي : 1 / 352 ، وشرح النووي على مسلم : 3 / 137 .
([246]) سورة الأنبياء : آية : 47 .
([247]) سورة : القارعة آية : 6 – 7 .
([248]) سورة المؤمنون : آية : 103 .
([249]) مسند أحمد بن حنبل : 2 / 213 ، برقم : 6994 ، والمستدرك : 1 / 46 ، برقم : 9. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب : 2 / 105 : صحيح .
([250]) المستدرك : 4 / 629 ، برقم : 8739 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب : 3 /235 : صحيح لغيره .
([251]) قواعد العقائد : 1 / 98 .
([252]) شرح العقيدة الطحاوية : 1 / 404.
([253]) سورة مريم آية : 71 .
([254]) صحيح البخاري : 1 / 277 ، برقم : 773 .
([255]) صحيح مسلم : 1 / 186 ، برقم : 195 .
([256]) صحيح البخاري : 6 / 2704 ، برقم : 7000.
([257]) صحيح البخاري : 5 / 2403 ، برقم : 6204 .
([258]) صحيح مسلم : 1 / 167 ، برقم : 183 .
([259]) التخويف من النار : 1 / 233 .
([260]) مسند أحمد بن حنبل : 5 / 43 ، برقم : 20457 . وقال الألباني في ظلال الجنة : 2 / 96 : حسن .
([261]) صحيح مسلم : 1 / 252 ، برقم : 315 .
([262])صحيح مسلم : 4 / 2150 ، برقم : 2791 .
([263]) التخويف من النار : 1 / 233 .
([264]) صحيح البخاري : 5 / 2394 ، برقم : 6170.
([265]) فتح الباري - ابن حجر : 11 / 399 .
([266]) مجموع الفتاوى : 14 / 345 .
([267]) شرح العقيدة الواسطية : 2 / 163 – 164 .
([268]) سورة الحجر آية : 45 .
([269]) تفسير الطبري : 7 / 519 .
([270]) تفسير القرطبي : 10 / 31 .
([271]) سورة محمد آية : 15.
([272]) سنن الترمذي : 4 / 699 ، برقم : 2571 . وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وحكيم بن معاوية هو والد بهز بن حكيم والجريري يكنى أبا مسعود واسمه سعد بن إياس .وقال الألباني : صحيح .
([273]) صحيح مسلم : 4 / 2183 ، برقم : 2839 .
([274]) صحيح البخاري : 6 / 2730 ، برقم : 7079 .
([275]) صحيح البخاري : 3 / 1028 ، برقم : 2637 .
([276]) سورة الواقعة آية : 27 – 29 .
([277]) صحيح البخاري : 3 / 1059 ، برقم : 2735 .
([278]) صحيح البخاري : 3 / 1410 ، برقم : 3674 .
([279]) صحيح البخاري : 3 / 1187 ، برقم : 3079 .
([280]) صحيح البخاري : 6 / 2733 ، برقم : 7081 .
([281]) سورة الدخان آية : 51 – 57 .
([282]) فتح القدير : 4 / 146 .
([283]) سورة الحج آية : 23 .
([284]) سورة الزمر آية : 73 .
([285]) صحيح مسلم : 1 / 209 ، برقم : 234 .
([286]) صحيح البخاري : 2 / 671 ، برقم : 1798 .
([287]) سورة الزمر آية : 20 .
([288]) سورة : سبأ آية : 37 .
([289]) سورة الفرقان آية : 75 .
([290]) صحيح البخاري : 3 / 1188 ، برقم : 3038 .
([291]) مصنف ابن أبي شيبة : 7 / 45 ، برقم : 34101 .
([292]) صحيح مسلم : 4 / 2182 ، برقم : 2838 .
([293]) صحيح البخاري : 3 / 1188 ، برقم : 3083 .
([294]) صحيح البخاري : 3 / 1188 ، برقم : 3083 .
([295]) صحيح البخاري : 3 / 1188 ، برقم : 3083 .
([296]) صحيح البخاري : 3 / 1188 ، برقم : 3083 .
([297]) صحيح البخاري : 3 / 1210 ، برقم : 3149 .
([298]) سورة الواقعة آية : 10 – 40 .
([299])سورة الرحمن آية : 72 .
([300]) سورة الرحمن آية : 58 .
([301]) سورة البقرة آية : 25 .
([302]) صحيح البخاري : 3 / 1029 ، رقم : 2643.
([303]) التذكرة للقرطبي : 1 / 555.
([304]) سنن الترمذي : 4 / 677 ، برقم : 2536 ، ومسند الطيالسي : 1 / 269 ، برقم : 2012 . وقال الألباني في مشكاة المصابيح : 3 / 224 : صحيح لشواهده .
([305]) التذكرة للقرطبي : 1 / 556 .
([306]) سورة الأعراف آية : 43 .
([307]) صحيح مسلم : 4 / 2182 ، برقم : 2837.
([308]) مسند أحمد بن حنبل : 2 / 407 ، برقم : 9268 . وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب : 3 / 259 : حسن لغيره .
([309]) صحيح مسلم : 1 / 300 ، برقم : 400 .
([310]) سنن الترمذي : 4 / 681 ، برقم : 2543 . وقال الأباني في صحيح الترغيب والترهيب : 3 / 271 : حسن لغيره .
([311]) صحيح مسلم : 3 / 1505 ، برقم : 1892 .
([312]) التذكرة للقرطبي : 1 / 564 .
([313]) صحيح مسلم : 1 / 176 ، برقم : 189 .
([314]) صحيح مسلم : 1 / 173 ، برقم : 186 .
([315]) صحيح البخاري : 3 / 1185 ، برقم : 3072 .
([316]) صحيح البخاري : 1 / 16 ، برقم : 22 ، وصحيح مسلم : 1 / 163 ، برقم : 181.
([317]) صحيح مسلم : 1 / 163 ، برقم : 182 .
([318]) سورة الطور آية : 21 – 28 .
([319]) تفسير ابن كثير : 4 / 308 .
([320]) سورة الزخرف آية : 68 - 73 .
([321]) تفسير الطبري : 11 / 209 – 212 .
([322]) سورة السجدة آية : 17
([323]) صحيح البخاري : 3 / 1185 ، برقم : 3072 .
([324]) فيض القدير : 4 / 473 . ([324]) صحيح البخاري : 3 / 1185 ، برقم : 3073 ، وصحيح مسلم : 4 / 2178 ، برقم : 2834.
([325]) صحيح البخاري : 3 / 1185 ، برقم : 3073 ، وصحيح مسلم : 4 / 2178 ، برقم : 2834.
([326]) سورة المطففين آية : 22 – 28 .
([327]) تفسير الطبري : 12 / 496 .
([328]) صحيح مسلم : 4 / 2180 ، برقم : 2538 .
([329]) شرح النووي على مسلم : 17 / 173 .
([330]) تحفة الأحوذي : 7 / 205 .
([331]) صحيح البخاري : 4 / 1767 ، برقم : 4464 .
([332]) صحيح البخاري : 1 / 203 ، برقم : 529 .
([333]) صحيح مسلم : 1 / 163 ، برقم : 181 .
([334]) سورة الأعراف آية : 43 .
([335]) سورة الإنسان آية : 21 .
([336]) سورة الزمر آية : 73 .
([337]) سورة الزمر آية : 74 .
([338]) سورة الزمر آية : 73 .
([339]) سورة الأعراف آية : 43 .
([340]) سورة الرعد آية : 23 .
([341]) التذكرة للقرطبي : 1 / 578 .
([342]) مفتاح دار السعادة : 1 / 8 .
([343]) سورة : التحريم آية : 6 .
([344]) سورة البقرة آية : 24 .
([345]) سورة آل عمران آية : 131 .
([346]) سورة الليل آية : 14 .
([347]) سورة الزمر آية : 16 .
([348]) سورة المدثر آية : 31 – 37 .
([349]) سورة الحجر آية : 43 – 44 .
([350]) التخويف من النار : 1 / 85 .
([351]) سورة الهمزة آية : 8 .
([352]) سورة الزمر آية : 71 .
([353]) سورة التوبة آية : 81 .
([354]) صحيح البخاري : 1 / 199 ، برقم : 512 .
([355]) سورة الإسراء آية : 97 .
([356]) سورة الفرقان آية : 11 -12 .
([357]) سورة الملك آية : 6 – 8 .
([358]) التخويف من النار : 1 / 108 .
([359]) سورة مريم آية : 59 .
([360]) التخويف من النار : 1 / 119 .
([361]) تفسير القرطبي : 1 / 50 ، والدر المنثور : 5 / 474 .
([362]) سورة الإنسان آية : 4 .
([363]) سورة سبأ آية : 33.
([364]) سورة غافر آية : 71 – 72 .
([365]) سورة الحاقة آية : 30 – 32 .
([366]) سورة المزمل آية : 12 -13 .
([367]) التخويف من النار : 1 / 127 .
([368]) تفسير الطبري : 8 / 3 ، وتفسير ابن كثير : 3 / 26 .
([369]) سورة الحج آية : 21 – 22 .
([370]) تفسير ابن كثير : 3 / 285 .
([371]) المستدرك : 4 / 642 ، برقم : 8773 ، 8773 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه . سكت عنه الذهبي في التلخيص .
([372]) سورة النحل آية : 88 .
([373]) تفسير الطبري : 7 / 632 .
([374]) سورة الدخان آية : 43 – 46 .
([375])سورة الصافات آية : 62 -68 .
([376])سورة الواقعة آية : 51 – 57 .
([377])سورة الإسراء آية : 60 .
([378]) المستدرك : 2 / 322 ، برقم : 3158 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه . تعليق الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
([379]) تفسير الطبري : 8 / 216 ، وتفسير ابن كثير : 3 / 111 .
([380]) سورة الواقعة آية : 54 .
([381]) سورة محمد آية : 15 .
([382]) سورة النبأ آية : 24 – 25 .
([383]) سورة ص آية : 57 – 58 .
([384]) سورة إبراهيم آية : 16 – 17
([385]) سورة الكهف آية : 29 .
([386]) التخويف من النار : 1 / 151 .
([387]) سورة الحج آية : 19 .
([388]) التخويف من النار : 1 / 151 .
([389]) سورة إبراهيم آية : 49 – 50 .
([390]) تفسير الطبري : 7 / 484 .
([391]) تفسير الطبري : 4 / 145 .
([392]) تفسير الطبري : 4 / 145 .
([393]) سنن ابن ماجه : 1 / 503 ، برقم : 1581 ، والمستدرك : 1 / 539 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
([394]) سورة الأعراف آية : 41 .
([395]) تفسير الطبري : 5 / 491 .
([396]) سورة الإسراء آية : 8 .
([397]) تفسير الطبري : 8 / 41 ، تفسير ابن كثير : 3 / 37 .
([398]) صحيح البخاري : 5 / 2398 ، برقم : 6185 .
([399]) صحيح مسلم : 4 / 2189 ، برقم : 2851 .
([400]) سورة النساء آية : 56 .
([401]) سورة النساء آية : 56 .
([402]) المعجم الأوسط : 5 / 7 ، برقم : 4517 .
([403]) سورة الحج آية : 19 – 21 .
([404]) مصنف ابن أبي شيبة : 7 / 220 ، برقم : 35494 .
([405]) سنن الترمذي : 4 / 705 ، برقم : 2582 ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.
([406]) سورة الدخان آية : 47 – 49 .
([407]) تفسير الطبري : 11 / 246 ، وفتح القدير : 4 / 822 ، وروح المعاني : 25 / 134 .
([408]) التخويف من النار : 1 / 187 .
([409]) تفسير الطبري : 11 / 595 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 350 .
([410]) سورة الهمزة آية : 4 – 7 .
([411]) تفسير القرطبي : 20 / 172 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 709 ، والتخويف من النار : 1 / 189
([412]) سورة المدثر آية : 27 – 29 .
([413]) تفسير الطبري : 12 / 310 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 568 .
([414]) تفسير ابن كثير : 4 / 568 ، والتخويف من النار : 1 / 189 .
([415]) سورة القمر آية : 48 .
([416]) تفسير القرطبي : 17 / 128.
([417]) سورة غافر آية : 72 .
([418]) تفسير الطبري : 11 / 78 .
([419]) تفسير الطبري : 11 / 78 ، وتفسير القرطبي : 15 / 290 .
([420]) سورة الأحزاب آية : 66 .
([421]) تفسير الطبري : 10 / 335 .
([422]) سورة المدثر آية : 17 .
([423]) تفسير الطبري : 12 / 308 ، والتخويف من النار : 1 / 189 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 568
([424]) التخويف من النار : 1 / 189 .
([425]) سورة إبراهيم آية : 17 .
([426]) تفسير الطبري : 7 / 428 ، وتفسير البغوي : 1 / 341 .
([427]) تفسير الطبري : 7 / 428 ، وتفسير الثعالبي : 2 / 277 .
([428]) تفسير الطبري : 7 / 428 ، وتفسير الثعالبي : 2 / 277 .
([429]) تفسير الطبري : 7 / 428 ، وتفسير الثعالبي : 2 / 277 .
([430]) سورة الزخرف آية : 74 – 75 .
([431]) سورة فاطر آية : 36 .
([432]) تفسير الطبري :10 / 417 ، وفتح القدير : 4 / 502 .
([433]) سورة البقرة آية : 86 .
([434]) تفسير ابن كثير : 1 / 170 .
([435]) سورة غافر آية : 49 – 50 .
([436]) سورة غافر آية : 49 .
([437]) سورة غافر آية : 50 .
([438]) تفسير البغوي : 1 / 343 .
([439]) سورة النبأ آية : 30 .
([440]) تفسير الطبري : 12 / 409 ، و فتح القدير : 5 / 517 .
([441]) التخويف من النار : 1 / 198 .
([442]) تفسير الطبري : 10 / 599 .
([443]) التخويف من النار : 1 / 198 .
([444]) سورة المطففين آية : 14 .
([445]) سورة المطففين آية : 14 .
([446]) تفسير الطبري : 12 / 492 .
([447]) سورة الأنبياء آية : 100 .
([448]) سورة هود آية : 106 .
([449]) سورة فاطر آية : 37 .
([450]) التخويف من النار : 1 / 205 .
([451]) التخويف من النار : 1 / 205 .
([452]) تفسير ابن كثير : 2 / 604 .
([453]) تفسير ابن كثير : 2 / 696.
([454]) التخويف من النار : جزء 1 / 205 .
([455]) سورة المؤمنون آية : 106 -108 .
([456]) سورة الزخرف آية : 77 .
([457]) سورة غافر آية : 49 – 50 .
([458]) سورة فاطر آية : 37 .
([459]) سورة غافر آية : 50.
([460]) تفسير البغوي : 1 / 305 .
([461]) تفسير البغوي : 1 / 305 ، وتفسير أبي السعود : 5 / 57 ، و الدر المنثور : 6 / 119 .
([462]) تفسير الطبري : 9 / 246 ، و فتح القدير : 4 / 804 .
([463]) سبق تخريجه .
([464]) التخويف من النار : 1 / 259 .
([465]) صحيح البخاري : 6 / 2727، برقم : 70 72 .
([466]) سبق تخريجه .
([467]) صحيح البخاري : 1 / 16 ، برقم : 22 .
([468]) صحيح مسلم : 1 / 172 ، برقم : 184 .
([469]) صحيح البخاري : 5 / 2403 ، برقم : 6204 .
([470]) صحيح البخاري : 4 / 1760 ، برقم : 4453 .
([471]) صحيح البخاري :5 / 2397 ، برقم : 6182 .
([472]) سورة النساء آية : 115 .
([473]) التذكرة للقرطبي : 1 / 510 .