معالم في توحيد الألوهية
وهي رسالتان في:
1) معنى كلمة التوحيد ، وحكم من قالها ولم يَـــكْـــفُر بما يُـعبد من دون الله
2) تعريف العبادة والتوحيد والإخلاص والإلـٰه والطاغوت
ويليه: بيان الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية
معنى كلمة التوحيد ، وحكم من قالها ولم يكفر بما يُـعبد من دون الله
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
سُئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن أبابطين[1] رحمه الله عن معنى «لا إلـٰه إلا الله» ، وعمَّن قالها ولم يَكْفُر بما يُعبد من دون الله ، وهل من قالها ودعا نبيًا أو وليًا تنفعه ، أو هو مباح الدم والمال ولو قالها؟
أجاب رحمه الله وعفا عنه:
معنى «لا إلـٰه إلا الله» عند جـميع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء كلهم ؛ يُفسرون الإلـٰه بالـمعبود ، والتألُّه له بالتعبد.
وأما العبادة فعرَّفها بعضهم بأنها ما أُمِر به شرعا من غير اطِّــراد عرفي ولا اقتضاء عقلي ، والمأثور عن السلف تفسير العبادة بالطاعة ، فيدخل في ذلك فعل المأمور وترك المحظور من واجب ومندوب ، وترك المنهي عنه من محرم ومكروه.
فمن جعل نوعًا من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء والسجود والذبح والنذر وغير ذلك فهو مشرك.
و «لا إلـٰه إلا الله» متضمنة للكفر بما يُعبد من دونه ، لأن معنى «لا إلـٰه إلا الله» إثبات العبادة لله وحده ، والبراءة من كل معبود سواه ، وهذا معنى الكفر بما يعبد من دونه ، لأن معنى الكفر بما يُعبد من دونه ؛ البراءة منه واعتقاد بطلانه ، وهذا معنى الكفر بالطاغوت في قول الله تعالى ]فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى[[2] ، والطاغوت اسم لكل معبود سوى الله ، كما في قوله تعالى ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[[3].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من قال «لا إلـٰه إلا الله» وكفر بما يُعبد من دون الله ؛ حَــرُم ماله ودمه ، وحسابه على الله.[4]
فقوله (وكفر بما يعبد من دون الله) ؛ الظاهر أن هذا زيادة إيضاح ، لأن «لا إلـٰه إلا الله» متضمنة للكفر بما يُعبد من دون الله ، ومن قال «لا إلـٰه إلا الله» ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر - كدعاء الموتى والغائبين ، وسؤالهم قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح - فهذا مُشرك شاء أم أبى ، والله لا يغفر أن يشرك به ، ]ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار[[5] ، ومع هذا فهو شرك ، ومن فعله كان كافرًا.
ولكن على ما قال الشيخ[6] ؛ لا يقال فلان كافر حتى يُــبين له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن أصر بعد البيان حُكِم بكفره وحل دمه وماله.
وقال تعالى ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة[ أي شرك ، ]ويكون الدين كله لله[[7] ، فإذا كان في بلد وثنٌ يعبد من دون الله قوتلوا لأجل هذا الوثن ، أي لإزالته وهدمه وترك الشرك ، حتى يكون الدين كله لله.
والدعاء دين ، سـماه الله دينا ، كما في قوله تعالى ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين[[8] ، أي الدعاء.
وقال صلى الله عليه وسلم : (بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له)[9] ، فمتى كان شيء من العبادة مصروفًا لغير الله فالسيف مسلولٌ عليه ، والله أعلم ، وصلى الله على مـحمد وآله وصحبه ، وسلم.[10]
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
سُئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن أبابطين رحمه الله تعالى:
ما قولكم - دام فضلكم - في تعريف العبادة ، وتعريف توحيد العبادة ، وأنواعه ، وتعريف الإخلاص ، وما بين الثلاثة من العموم والخصوص ، وهل هو مطلق أو وجهي ، وما معنى الإلـٰه ، وما معنى الطاغوت الذي أُمرنا باجتنابه والكفر به؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين ، أما العبادة في اللغة فهي من الذل ، يقال: بعير مُـعبَّد أي مذلل ، وطريق معبد إذ كان مذللاً قد وطأته الأقدام ، وكذلك الدين أيضاً من الذل ، يقال دِنته فَدَانَ ، أي ذللته فَـــذَلَّ.
وأما تعريفها في الشرع ؛ فقد اختلفت عباراتهم في تعريفها ، والمعنى واحد ، فعرفها طائفة بقولهم: هي ما أُمر به شرعاً من غير اطِّـــــراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.
وعرفها طائفة بأنها: كمال الحب مع كمال الخضوع.
وقال أبو العباس رحمه الله تعالى: (هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، من الآدميين والبهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف لعذابه ، وأمثال ذلك ، هي من العبادة لله). انتهى.[11]
ومن عرَّفها بالحب مع الخضوع ؛ فلِأن الحب التام مع الذل التام يتضمن طاعة المحبوب والانقياد له ، فالعبد هو الذي ذللـه الحب والخضوع لمحبوبه ، فبحسب محبة العبد لربه وذله له تكون طاعته ، فمحبة العبد لربه وذله له يتضمن عبادته وحده لا شريك له ، والعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب ، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له ، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ليس العبادة غير توحيد المحبة . | مع خضوع القلب والأركان . | |
والحب نفس وِفاقَه[12] فيما يحب . | وبغض ما لا يرتضي بجنان . | |
ووفاقه نفس اتباعك أمره . | والقصد وجه الله ذي الإحسان[13] . |
فعرَّف العبادة بتوحيد المحبة مع خضوع القلب والجوارح ، فمن أحب شيئًا وخضع له فقد تعبد قلبه له ، فلا تكون المحبة المنفردة عن الخضوع عبادة ، ولا الخضوع بلا محبة عبادة ، فالمحبة والخضوع ركنان للعبادة ، فلا يكون أحدهما عبادة بدون الآخر ، فمن خضع لإنسان مع بغضه له لم يكن عابداً له ، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له ، كما يحب ولده وصديقه ، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى ، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء ، وأن يكون أعظم عنده من كل شيء ، بل لا يستحق المحبة الكاملة والذل التام إلا الله سبحانه.
إذا عُرِف ذلك ؛ فتوحيد العبادة[14] هو إفراد الله سبحانه بأنواع العبادة المتقدم تعريفها ، وهو نفس العبادة المطلوبة شرعاً ، ليس أحدهما دون الآخر ، ولهذا قال ابن عباس: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد.
وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون ، وأما العبادة من حيث هي فهي أعم من كونها توحيداً عموماً مطلقاً ، فكل موحد عابد لله ، وليس كل من عبد الله يكون موحِّداً ، ولهذا يقال عن المشرك إنه يعبد الله مع كونه مشركاً ، كما قال الخليل صلى الله عليه وسلم ]أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين[[15] ، وقال عليه السلام ]إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين[[16] ، فاستثنى الخليل ربه من معبوديهم ، فدل على أنهم يعبدون الله.
فإن قيل: ما معنى النفي في قوله سبحانه ]ولا أنتم عابدون ما أعبد[[17]؟
قيل: إنما نفى عنهم الاسم الدال على الوصف والثبوت ، ولم ينف وجود الفعل الدال على الحدوث والتجدد ، وقد نبه ابن القيم رحمه الله تعالى على هذا المعنى اللطيف في «بدائع الفوائد» فقال لما انجرَّ كلامه على سورة «قل يا أيها الكافرون»:
(وأما المسألة الرابعة ، وهي أنه لم يأت النفي في حقِّهِم إلا باسم الفاعل ، وفي جِهته جاء بالفعل المستقبل تارة ، وباسم الفاعل أخرى ، وذلك – والله أعلم – لحكمة بديعة ، وهي أن المقصود الأعظم براءته من معبوديهم بكل وجه وفي كل وقت ، فأتى أولاً بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد ، ثم أتى في هذا النفي بعينه بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت ، فأفاد في النفي الأول أن هذا لا يقع مني ، وأفاد في الثاني أن هذا ليس وصفي ولا شأني ، فكأنه قال: عبادة غير الله لا تكون فعلاً لي ولا وصفاً ، فأتى بنفيين لمنفيين مقصودين بالنفي.
وأما في حقِّهِم ؛ فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت دون الفعل ، أي إن الوصف الثابت اللازم للعابد لله منتف عنكم ، فليس هذا الوصف ثابتاً لكم ، وإنما يثبت لمن خص الله وحده بالعبادة ، لم يشرك معه فيها أحداً ، وأنتم لما عبدتم غيره فلستم من عابديه ، وإن عبدوه في بعض الأحيان فإن المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره ، كما قال أهل الكهف ]وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله[[18] ، أي اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه ، وكذا قال المشركين عن معبودهم ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[[19] ، فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره ، فلم يـنتف عنهم الفعل لوقوعه منهـم ، ونفي الوصف لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتاً على عبادة الله موصوفا بها ، فتأمل هذه النكتة البديعة ، كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد الله وعـبده والمستقيم على عبادته إلا من انقطع إليه بكليته وتبتل إليه تبتيلاً ، لم يلتفت إلى غيره ، ولم يشرك به أحداً في عبادته ، وأنه إن عبده وأشرك به غيره فليس عابداً لله ولا عبداً له ، وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة ، التي هي أحدى سورتي الإخلاص التي تعدل ربع القرآن ، كما جاء في بعض السنن ، وهذا لا يفهمه كل أحد ولا يدركه إلا من منحه الله فـهما من عنده ، فله الحمد والمنة).[20]
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وأما الإخلاص[21] فحقيقته أن يخلص العبد لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته ، وهذه هي الـحنيفية ، ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، التي أمر الله بها عباده كلهم ، ولا يقبل من أحد غيرها ، وهي حقيقة الإسلام ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهـو في الآخرة من الخاسرين[[22] ، وهي ملة إبراهيم التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء ]ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه[[23] ، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على اشتراط الإخلاص للأعمال والأقوال الدينية ، وأن الله لا يقبل منها إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه ، ولهذا كان السلف الصالح يجتهدون غاية الاجتهاد في تصحـيح نياتهم ، ويرون الإخلاص أعز الأشياء وأشقها على النفس ، وذلك لمعرفتهم بالله ، وما يجب له ، وبعلل الأعمال وآفاتها ، ولا يهمهم العمل لسهولته عليهم ، وإنما يهمهم سلامة العمل وخلوصه من الشوائب المبطلة لثوابه والمنقصة له.
قال الإمام أحمد رحمه الله: شرط النية شديد.[24]
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي ، لأنها تتقلَّب علي.[25]
وقال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشـد على العاملين من طـول الاجتهاد.[26]
وقال سهل بن عبد الله: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص ، و لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم اجتَـهد في إسقاط الرياء عن قلبي ، وكأنه ينبت فيه على لون آخر.
فيجب على من نصح نفسه أن يكون اهتمامه بتصحيح نيته وتخليصها من الشوائب فوق اهتمامه بكل شيء ، لأن الأعمال بالـنيات ، ولكل امرئ ما نوى.
وأما ما بين الثلاثة من العموم والخصوص[27] ، وهل هو وجهي أو مطلق ؛ فقد قدمنا أن العبادة من حيث هي أعم من توحيد العبادة عموماً مطلقاً ، وأن العبادة المطلوبة شرعاً هي نفس توحيد العبادة ، ودل كلام ابن القيم رحمه الله أن توحيد العبادة أعم من الإخلاص ، حيث قال:
فلِـواحدٍ كن واحدًا في واحدٍ . | أعني سبيل الحق والإيمان . | |
هذا وثاني نوعيِ التوحيد تو . | حيدُ العبادة منك للرحمـٰن . | |
أن لا تكون لغيره عبداً ولا . | تعـــبُد بغير شريعة الإيمان . | |
فنقوم بالإسلام والإيمان والإحسان في سر وفي إعلان | ||
والصدق والإخلاص ركنا ذلك التـــــ . | وحيد كالركنين للبنيان . |
إلى أن قال:
وحقيقة الإخلاص توحيد المراد . | فلا يزاحمه مراد ثان . | |
والصدق توحيد الإرادة وهو بذ . | ل الجهد لا كسِلاً ولا متوان . | |
والسنة المثلى لسالكها فتو . | حيد الطريق الأعظم السلطان . |
فقوله رحمه الله: (والصدق والإخلاص ركنا ذلك التوحيد) ؛ جعل الإخلاص أحد ركني العبادة ، والصدق ركنه الآخر ، وفسر الصدق بما ذكر.
وقال في بعض كلامه: (ومقام الصدق جامع للإخلاص) ، فعرَّفنا رحمه الله أن توحيد العبادة أعم من الإخلاص ، ولم يذكر إلا عموماً مطلقاً ، وأما العموم الوجهي ؛ فالظاهر أن المراد به إذا كان أحد الشيئين أعم من وجه وأخص من وجه ، والعموم الذي بين مطلق العبادة وبين توحيد العبادة والإخلاص مطلق لا وجهي.
وأما «الإلـٰه»[28] فهو الذي تألهه القلوب بالمحبة والخضوع والخوف والرجاء ، وتوابع ذلك من الرغبة والرهبة والتوكل والإستغاثة والدعاء والذبح والنذر والسجود وجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة ، فهو إلـٰه بمعنى مألوه أي معبود ، وأجمع أهل اللغة أن هذا معنى الإلـٰه.
قال الجوهري: ألـَّه بالفتح إلـٰهة أي عَبد عِبادة ، قال: ومنه قولنا: الله ، وأصله إلـٰه ، على فِعال بمعنى مفعول ، لأنه مألوه بمعنى معبود ، كقولنا: إمام ، فِعال بمعنى مفعول ، لأنه مؤتم به ، قال: والتأليه التـعبيد ، والتأله التنسك والتعبد ، قال رؤبة:
................ سبَّحن واسترجعن من تألُّــهي[29]
انتهى.
وقال في القاموس: أَلِـه إلـٰهة وألوهة ؛ عبد عبادة ، ومنه لفظ الجلالة ، واختلف فيه على عشرين قولاً ، يعني في لفظ الـــــجلالة ، قال: وأصله إلـٰه بـمعنـى مألوه ، وكل ما اتـُّخذ معبوداً أُلـِّه عند متخِـذه ، قال: والتأله التنسك والتعبد. انتهى.[30]
وجميع العلماء من المفسرين وشراح الحديث والفقه وغيرهم يفسرون الإلـٰه بأنه المعبود ، وإنما غلط في ذلك بعض أئمة الـمتكلمين فظن أن الإلـٰه هو القادر على الاختراع ، وهذه زلة عظيمة وغلط فاحش ، إذا تصوره العامي العاقل تبين له بطلانه ، وكأن هذا القائل لم يستحضر ما حكاه الله عن المشركين في مواضع من كتابه ، ولم يعلم أن مشركي العرب وغيرهم يقرون بأن الله هو القادر على الاختراع وهم مع ذلك مشركون ، ومن أبعد الأشياء أن عاقلاً يمتنع من التلفظ بكلمة يقر بمعناها ويعترف به ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، هذا ما لا يفعله من له أدنى مُسكةٍ من عقل.
قال أبو العباس رحمه الله تعالى: وليس المراد بالإلـٰه هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين ، حيث ظن أن الألوهية هي القدرة على الاختراع ، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد «ألا إلـٰه إلا الله» ، فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد ، كما قال تعالى ]ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله[[31] ، وقال تعالى ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون[[32] الآيات ، وقال تعالى ]وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون[[33] ، قال ابن عباس: تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله ، وهم مع هذا يعبدون غيره.
وهذا التوحيد[34] من التوحيد الواجب ، لكن لا يحصل به الواجب ، ولا يخلُـص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر الذي لا يغفره الله ، بل لابد أن يخلِص لله الدين ، فلا يـــعبد إلا إياه ، فيكون دينه لله ، والإلـٰه هو المألوه الذي تألهه القلوب ، فهو إلـٰه بمعنى مألوه ، لا بمعنى آلِـه[35]. انتهى.
وقد دل صريح القرآن على معنى الإلـٰه ، وأنه هو المعبود ، كما في قوله تعالى ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه[[36] ، قال المفسرون: هي كلمة التوحيد «لا إلـٰه إلا الله».
(باقية في عقِــبِــهِ): أي ذريته ، قال قتادة: (لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده)[37] ، والمعنى جعل هذه الموالاة والبراءة من كل معبود سواه كلمةً باقية في ذرية إبراهيم ، يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض ، وهى كلمة «لا إلـٰه إلا الله».
فتبين أن موالاة الله بعبادته والبراءة من كل معبود سواه هو معنى لا إلـٰه إلا الله ، إذا تبين ذلك ؛ فمن صرف لغير الله شيئا من أنواع العبادة المتقدم تعريفها - كالحب والتعظيم والخوف والرجاء والدعاء والتوكل والذبح والنذر وغير ذلك - فقد عبد ذلك الغير واتخذه إلـٰها وأشركه مع الله في خالص حقه وإن فر من تسمية فعله ذلك تألها وعبادة وشركا ، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها ، فلو سمي الزنا والربا والخمر بغير أسمائها ؛ لم يخرجها تغيير الاسم عن كونها زنا وربا وخمرا ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن الشرك إنما حرُم لقبحه في نفسه ، وكونه متضمناً مسبة الرب وتنقصه وتشبيهه بالمخلوقين ، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير اسمه ، كتسميته توسلا وتشفعا وتعظيما للصالحين وتوقيرا لهم ونحو ذلك ، فالمشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن الزاني زان شاء أم أبى ، والمرابي مرابٍ شاء أم أبى.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طائفة من أمته يستحلون الربا باسم البيع ، ويستحلون الخمر باسم آخر غير اسمها ، وذمهم على ذلك ، فلو كان الحكم دائرا مع الاسم لا مع الحقيقة لم يستحقوا الذم ، وهذه من أعظم مكائد الشيطان لبني أدم قديما وحديثا ، أخرج لهم الشرك في قالب تعظيم الصالحين وتوقيرهم ، وغير اسمه بتسميته إياه توسلا وتشفعا ونحو ذلك ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وأما تعريف الطاغوت[38] فهو مشتق من طغا ، وتقديره طغوت ، ثم قُـلبت الواو ألِـفًا.
قال النحويون: وزنه: فَــعَـــلُوت ، والتاء زائدة.
قال الواحدي: قال جميع أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله ، يكون واحدًا وجمعًا ، ويذكر ويؤنث ، قال تعالى ]يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به[[39] ، فهذا في الواحد.
وقال تعالى في الجمع ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات[[40].
وقال في المؤنث ]والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها[[41].
قال: ومثله في أسماء الفلك يكون واحداً وجمعاً ومذكراً ومؤنثاً.
قال: قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت: كل ما عبد من دون الله.
وقال الجوهري: الطاغوت: الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال.
وقال مالك وغير واحد من السلف والخلف: كل ما عُـــبِدَ من دون الله فهو طاغوت.
وقال عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما وكثير من المفسرين: الطاغوت الشيطان.
قال ابن كثير: وهو قول قوي جداً ، فإنه يشمل كل ما عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها.
وقال الواحدي عند قول الله تعالى ]يؤمنون بالجبت والطاغوت[[42]: كل معبود من دون الله فهو جبت وطاغوت.
قال ابن عباس - في رواية عطية -: الجبت الأصنام ، والطاغوت تراجِـمة الأصنام الذين يكونون بين أيديهم ، يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس.[43]
وقال[44] - في رواية الوالبي -: الجبت: الكاهن ، والطاغوت: الساحر.[45]
وقال بعض السلف في قوله سبحانه ]يريدون أن يتحاكمــــــوا إلى الطاغوت[[46] إنه كعب بن الأشرف ، وقال بعضهم: حيي بن أخطب ، وإنـما استحقا هذا الاسم لكونِـهما من رؤساء الضلال ، ولإفراطهما في الطغيان وإغوائهما الناس ، ولطاعة اليهود لهما في معصية الله ، فكل من كان بهذه الصفة فهو طاغوت.
قال ابن كثير رحمه الله (في قوله)[47] تعالى ]يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت[ لما ذَكر ما قيل إنها نزلت فيمن طلب التحاكم إلى كعـب بن الأشرف أو إلى حاكم الجاهلية وغير ذلك ، قال:
والآية أعم من ذلك كله ، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة ، وتحاكم إلى ما سـواهما من الباطل ، وهو المراد بالطاغوت ههنا.[48]
فتَحَصل من مجموع كلامهم رحمهم الله أن اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه ، ويشمل أيضاً كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله ، ويشمل أيضاً الكاهن والساحر وسدنة الأوثان ، الداعين إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذبون من الحكايات المضلة للجهال ، الموهمة أن المقبور ونحوه يقضى حاجة من توجه إليه وقصده ، وأنه فعل كذا وكذا مـما هو كذِبٌ أو من فعل الشياطين ليوهموا الناس أن المقبور ونحوه يقضى حاجة من قصده ، فيوقعوهم في الشرك الأكبر وتوابعه ، وأصل هذه الأنواع كلها وأعظمها الشيطان ، فهو الطاغوت الأكبر ، والله سبحانه وتعالى أعلم.[49]
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
سُئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر[50] رحمه الله تعالى ، عن الفرق بين الشفاعة المثبتة والمنفية ، فأجاب:
أما الفرق بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية فهي مسألة عظيمة ، ومن لم يعرفها لم يعرف حقـيقة التوحيد والشرك ، والشـيخ رحمه الله[51] عقـد لها باباً في كـتاب «التوحيد» فقال:
باب الشفاعة ، وقول الله تعالى ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلـى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع[[52].
ثم ساق الآيات ، وعقَّبه بكلام الشيخ تقي الدين[53] ، فأنت راجع الباب ، وأمعن النظر فيه ، يتبين لك حقيقة الشفاعة ، والفرق بين ما أثبته القرآن وما نفاه.
وإذا تأمل الإنسان القرآن وجد فيه آيات كثيرة في نفي الشفاعة ، وآيات كثيرة في إثباتها ، فالآيات التي فيها نفي الشفاعة مثل قوله تعالى ]ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع[[54] ، ومثل قوله تعالى ]أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة[[55] ، وقوله ]ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون[[56] ، وقوله ]قل لله الشفاعة جميعا[[57] ، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الآيات التي فيها إثبات الشفاعة فمثل قوله تعالى ]وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى[[58] ، وقوله ]ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له[[59] ، وقوله ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[[60] ، وقوله ]يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمـٰن ورضي له قولا[[61] إلى غير ذلك من الآيات.
فالشفاعة التي نفاها القرآن هي التي يطلبها المشركون من غير الله ، فيأتون إلى قبر النبي e أو إلى قبر من يظنونه من الأولياء والصالحين ، فيستغيث به ويستشفع به إلى الله ، لظنه أنه إذا فعل ذلك شفع له عند الله وقضى الله حاجته ، سواء أراد حاجة دنيوية أو حاجة أخروية ، كما حكاه تعالى عن المشركين في قوله ]ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله[[62] ، لكن كان الكفار الأوَّلون يتشفَّعون[63] بهم في قضاء الحاجات الدنيوية ، وأما المعاد فكانوا مكذبين به ، جاحدين له ، وأما المشـركون اليوم فيطلبون من غير الله حوائج الدنيا والآخرة ، ويتقربون بذلك إلى الله ، ويستدلون عليه بالأدلة الباطلة و ]حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد[[64].
وأما الشفاعة التي أثبتها القرآن فقـيَّدها سبحانه بإذنه للشـافع ورضاه عن المشفوع له ، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولا يأذن للشفعاء أن يشفعوا إلا لمن رضي قولَه وعمله ، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أسعد الناس بشفاعته أهل التوحيد والإخلاص[65] ، فمن طلبها منه اليوم[66] حُرِمَها يوم القيامة[67] ، والله سبحانه قد أخبر أن المشركين لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، وإنما تنفع من جرَّد توحيده لله ، بحيث أن يكون الله وحده هو إلـٰهَه ومعبوده ، وهو سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا ، كما قال تعالى ]ألا لله الدين الخالص[[68].
فإذا تأملت الآيات تبين لك أن الشفاعة المنفية هي التي يظنها المشركون ، ويطلبونها اليوم من غير الله ، وأما الشفاعة المثبتة فهي التي لأهل التوحيد والإخلاص ، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن شفاعتَهُ نائلةٌ من مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً ، والله أعلم ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه وسلَّم.[69]
[1] هو الشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن أبابطين ، ولد سنة 1194 هـ في روضة سدير ، تتلمذ على بعض تلامذة الشيخ مـحمد بن عبد الوهاب ، تولى القضاء والإفتاء ، وصار من أكابر علماء نجد ، حتى لُقِّب بـ «مفتي الديار النجدية» ، برع في الفقه ، ودرَّس في بلاد كثيرة ، وله تلامذة كثر ، منهم أحمد بن إبراهيم بن عيسى (1329 هـ) ، شارح نونية ابن القيم ، وعثمان بن عبد الله بن بشر (1290 هـ) ، المؤرخ المعروف ، له عدة كتب في الذب عن العقيدة الإسلامية ، منها «الانتصار لحزب الله الموحدين ، والرد على المجادل عن المشركين» ، وكتاب «الرد على البردة» ، وكتاب «تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس» ، وله رسائل وردود بعضها مثبت في كتاب «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» ، وبعضها مثبت في «مـجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، توفي في شقراء سنة 1282 هجرية ، رحمه الله رحمة واسعة.
باختصار وزيادة من ترجـمته في مقدمة كتابه «تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس» ، وهي من إعــــــــــــداد د. عبـــــــــد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله ، وانظر للتوسع في ترجـمته كتاب «الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمـٰن أبابطين ، مفتي الديار النجدية» ، تأليف د. علي بن محمد العجلان ، الناشر: دار الصميعي – الرياض.
[2] سورة البقرة: 256 .
[3] سورة النحل: 36 .
[4] رواه مسلم (23) عن أبي مالك عن أبيه ، وأبو مالك هو سعد بن طارق الأشجعي ، ثقة ، وأبوه هو طارق بن أشيم الأشجعي ، صحابي.
[5] سورة المائدة: 72 .
[6] أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بعض كتبه ورسائله.
[7] سورة الأنفال: 39 .
[8] سورة العنكبوت: 65 .
[9] رواه أحمد في «المسند» (2/50) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وفي سنده ضعف ، وللحديث شواهد كثيرة تقويه ، ولذا قال الذهبي في «السير» (15/509): إسناده صالح.
[10] انتهى كلام الشيخ رحمه الله ، وهو مثبت في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، الجزء الرابع ، ص 501 – 502 ، و «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (2/312 – 314) ، وبينهما فروقات يسيرة ، وقد اخترت منها ما هو أنسب للسياق.
[11] «مجموع الفتاوى» (10/149 – 150).
[12] أي التوافق مع الله فيما يحب.
[13] «الكافية الشافية في الانتصار الفرقة الناجية».
[14] هذا جواب الفقرة الثانية من السؤال.
[15] سورة الشعراء: 75 – 77 .
[16] سورة الزخرف: 26 - 27 .
[17] سورة الكافرون: 3 .
[18] سورة الكهف: 16 .
[19] سورة الزمر: 3 .
[20] «بدائع الفوائد» (1/240-242) ، الناشر: دار عالم الفوائد – مكة.
[21] هذا جواب الفقرة الثالثة من السؤال.
[22] سورة آل عمران: 85 .
[23] سورة البقرة: 130 .
[24] في المطبوع: أمر النية شديد ، وقد ضبطته من «الآداب الشرعية» لابن مفلح ، (2/43) ، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت.
[25] قال الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» ، باب ذكر أخلاق الراوي وآدابه ، رقم (701):
أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي التغلبي ، نا احمد بن سلمان النجاد ، نا إسحاق بن حاجب ، نا الخليل بن عمرو قال: قال ابن السماك: سمعت سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي ، إنها تقلَّـبُ علي.
[26] رواه أحمد بن مروان الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (13/331) ، قال: حدثنا محمد بن عمرو البزاز ، نا محبوب بن مكرم قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
[27] هذا جواب الفقرة الرابعة من السؤال.
[28] هذا جواب الفقرة الخامسة من السؤال.
[29] هذا عجزُ بيتٍ لرؤبة بن العجاج:
لله در الغانيات المدّهِ سبحن واسترجعن من تألهي
[30] لمزيد فائدة في بيان معنى (الإلـٰه) فقد قال ابن جرير رحمه الله:
القول في تأويل قوله تعالى ]الله[:
قال أبو جعفر: وأما تأويل قول الله تعالى ذكره ]الله[ ؛ فإنه على معنى ما رُوي لنا عن عبد الله بن عباس: (هو الذي يألَــهُه كل شيء ، ويعبده كل خلق) ، وذلك أن أبا كريب حدثنا قال: حدثنا عثمان بن سعيد ، قال حدثنا بشر بن عمارة ، قال حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين.
ثم ذكر رحمه الله بيت رؤبة بن العجاج المتقدم:
لله در الغانيات المدَّهِ سبَّحن واسترجعن من تألُّهي
يعني: من تعبدي وطلبي الله بعملي.
ولا شك أن التأله التفعُّل ، من ألَـه يألَـهُ ، وأن معنى (أَلَـهَ) إذا نُطِق به: عَـبَدَ الله.
وقد جاء منه مصـدر يدل على أن العرب قد نطقت منه بـ «فعل يفعل» بغير زيادة ، وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبي عن نافـع بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ: ]ويذرك وإلـٰهتك[ ، قال: عبادتُك ، ويقال إنه (أي فرعون) كان يُـعبد ولا يَـعبد.
حدثنا سفيان قال: حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن ابن عباس: ]ويذرك وإلـٰهتك [ ، قال: إنما كان فرعون يُـعبد ولا يَـعبد.
وكذلك كان عبد الله يقرؤها ومجاهد.
حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين بن داود قال: أخبرني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد: قوله ]ويذرك وإلـٰهتك [ ، قال: وعبادتك.
ولا شك أن الإلـٰهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصدرٌ من قول القائل: (أَلَهَ اللهَ فلانٌ إلـٰهة) ، كما يقال: عَـبَدَ الله فلانٌ عبادةً ، وعبَـر الرؤيا عبارةً ، فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا أن «أَلَهَ» عَبَدَ ، وأن «الإلـٰهة» مصدرُه.
«تفسير سورة الفاتحة ، القول في تأويل قول الله: ]الله[ برقم (141)».
ومعنى الـمُـدْه هو المدح ، فيكون معنى المـمُـدَّه أي المادِحات. انظر «المحكم والمحيط الأعظم».
وقال ابن الجوزي في «زاد المسير» ، (تفسير البسملة من سورة الفاتحة): الإلـٰه ؛ المعبود.
وقال ابن منظور في «لسان العرب» ، (مادة ألَه): كل ما اتخذ من دونه معبودا إلـٰهٌ عند متخذه.
وقال: التأله ؛ التنسك والتعبد ، والتأليه ؛ التعبيد.
[31] سورة الزمر: 38 .
[32] سورة المؤمنون: 84 - 89 .
[33] سورة يوسف: 106 .
[34] أي توحيد الله بأنه الخالق الرازق المالك ، المعروف بتوحيد الربوبية.
[35] قال ابن تيمية رحمه الله في «درء تعارض العقل والنقل» (9/377): ولكن أهل الكلام الذين ظنوا أن التوحيد هو مجرد توحيد الربوبية ، وهو التصديق بأن الله وحده خالق الأشياء ؛ اعتقدوا أن الإلـٰه بمعنى الآلِـه ، اسم فاعل ، وأن الإلـٰهية هي القدرة على الاختراع كما يقوله الأشعري وغيره ممن يجعلون أخص وصف الإلـٰه القدرة على الاختراع.
[36] سورة الزخرف: 26 - 28 .
[37] انظر «تفسير الطبري» للآية الكريمة.
[38] هذا جواب الفقرة السادسة من السؤال.
[39] سورة النساء: 60 .
[40] سورة البقرة: 257 .
[41] سورة الزمر: 17 .
[42] سورة النساء: 51 .
[43] قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية: حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس: قوله ]ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت[: الجبت الأصنام ، والطاغوت الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس.
[44] أي ابن عباس رضي الله عنهما.
[45] قاله الثعلبي في «تفسيره».
[46] سورة النساء: 60 .
[47] ما بين القوسين ليس في المطبوع ، وأظنه سقط سهوا ، لأن الكلام لا يستقيم بدونه ، فأثبتُّــــه.
[48] «تفسير القرآن العظيم» ، لابن كثير رحمه الله.
[49] انتهى كلامه رحمه الله ، وهو مثبت في «الدرر السنية من الأجوبة النجدية» (2/289-302).
[50] هو الشيخ العلامة حمد بن ناصر آل معمر ، ولد عام 1160 هـ في بلدة العيينة ، نشأ في بيت حكم وإمارة ، فآباؤه هم أمراء نجد في القرنين الحادي عشر والثاني عشر ، أخذ العلم عن جماعة من العلماء ، منهم إمام الدعوة في زمانه ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولما بلغ في العلم مبلغا كبيرا جلس للتدريس في العيينة ، فدرس على يديــه أئمة في العلم والعــــــمل ، وهم الشيخ سليمان بن عـــــبد الله بن مـحمد بن عبد الــــوهاب ، والشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن ، والشيخ عبد الله أبابطين ، رحمهم الله.
وفي سنة 1122 هـ تولى رئاسة القضاء في مكة المكرمة ، وتوفي فيها عام 1225 هـ ، رحمه الله.
باختـــــصار وتصـــــرف من ترجـمته في مــــقدمة كتاب «الـــــنبذة الشـــــريفة النفــــــيسة في الرد على القـــــبوريين» ، وهي من إعــداد الشيخ د. عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله.
[51] أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
[52] سورة الأنعام: 51 .
[53] أي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
[54] سورة الأنعام: 51 .
[55] سورة البقرة: 254 .
[56] سورة السجدة: 4 .
[57] سورة الزمر: 44 .
[58] سورة النجم: 26 .
[59] سورة سبأ: 23 .
[60] سورة الأنبياء: 28 .
[61] سورة طـٰه: 109 .
[62] سورة يونس: 18 .
[63] في نسخة «الدرر»: يستشفعون ، وكلاهما بمعنى واحد.
[64] سورة الشورى: 16 .
[65] يشير إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البخاري (99) ، ورواه أحمد (2/373) ولفظه: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال «لا إلـٰه إلا الله» خالصة من قبل نفسه.
[66] أي توجه للنبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء أن يشفع له يوم القيامة.
[67] لأن دعاء غير الله شرك مطلقا.
[68] سورة الزمر: 3 .
[69] انتهى كلامه رحمه الله ، وهو مثبت في «الدرر السنية من الأجوبة النجدية» (2/157 – 159) ، و «مجموع الرسائل والمسائل النجدية» ، الجزء الثاني ، القسم الثالث ، ص 65 – 66 ، وبينهما فروق يسيرة ، وقد اعتمدت النص المذكور في النسخة الثانية.