إن كل إنسان في هذا العالم مولودٌ في ظروف دينية يحددها المجتمع، وليست من قبيل اختياره الشخصي، فكل مولود يولد فإنه يُكتب في شهادته دين مجتمعه أو البلد التي وُلِد فيها، فإذا وصل إلى سِنِّ الرشد، يكون هذا الطفل قد تقبل دين مجتمعه، وفي أغلب الأحيان يكون عنده قناعة داخلية أنَّ دينه حق، ولا يكون عنده مجرد فكرة لامتحان لهذا الدين، هل هو حق أو باطل؟
ولكن بعض الأشخاص تحصل لهم فرصة الاطلاع على أديان أخرى خلال حياتهم (بسبب السفر والمصاحبة)، فينتج عن هذا أسئلة داخلية عن صحة معتقداتهم، وربما يصلون إلى نقطة يحصل لهم فيها اضطراب؛ لأن كل صاحب دين يلتقون به يقول إنه على الدين الحق، مع أن كلًّا منهم يسير في اتجاه مختلف تمامًا عن الآخر.
والمنطق العقلي ينص على أن هناك احتمالات ثلاثة؛ إما أن تكون كلها صوابًا، وهذا مستحيل، لأن أُسُس هذه الأديان مختلفة.
أو أن كلها خطأ.
أو أن واحدًا منها هو الحق والبقية خطأ.
إذا وصلنا إلى هذه النقطة عرفنا الغاية من هذا الكتاب، وهي معرفة الدين الصحيح، وكيف يمكن للإنسان العاقل أن يُمَيِّز الدين الصحيح من الخطأ.
إلا أنه قبل الدخول في هذا الكتاب يحسُن بالقارئ وضع أربعة اعتبارات في ذهنه:
الأول: أن الله وهبنا القدرة والعقل على معرفة الإجابة على أهم سؤال، وهو: ما هو الدين الصحيح؟
الثاني: أن الله رحيم بعباده، لم يتركنا نسير في ضلال بدون هداية، بل أرسل إلينا رسُلًا وكتبًا لنعرف الدين الصحيح.
الثالث: ينبغي لنا أن نعلم السبب الداعي لهذا البحث الجاد عن الدين الصحيح وهو: أن الحياة الآخرة تعتمد اعتمادًا كليًّا على اتباع الدين الصحيح في الدنيا.
الرابع: أننا لا نستطيع الوصول إلى هذا الهدف (معرفة الدين الصحيح) إلا بعد أن نضع جانبًا جميع العواطف والتحيزات؛ لأنها بطبيعتها تحجب الإنسان عن معرفة الحقيقة.
õõõ
هذا الكون الفسيح لا يمكن أن يكون نتيجة صدفة، ولا يمكن أن يكون هو الخالق لنفسه، فالأدلة على وجود خالق لهذا الكون موجودة في الأرض وفي نفس الإنسان.
قال الله في القرآن:
)اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَار * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار(.
وقد بين الله في القرآن كيف أن إبراهيم عليه السلام بين لقومه بطلان عبادتهم للمخلوق، وفيه دليل على أن آيات الله الكونية تدل المُتأمل فيها إلى عبادة الله وحده، قال الله عنه:
)وكذلك نُرِي إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين(.
وأقوى دليل على وجود الله هو المخلوق نفسه، فإن من قوانين الطبيعة الواضحة أن العَدَم لا يخلق شيئًا، وبناء عليه فإن العالم الطبيعي مخلوق من قوة خارقة، ولهذا فإن الله يأمر الإنسان أن يتفكر في الكون، لأن هذا يُثَبِّت في نفسه الإيمان بوجود الله وعظمته، كما يُثَبِّت في نفسه الإيمان بأحقية الله وحده للعبادة.
ومن أدلة وجود الله أنه يجيب دعاء من دعاه، وهذا دليل حِسِّي على وجود الله، قال الله في القرآن: )وقال ربكم ادعوني أستجب لكم(.
õõõ
هل فكرت يومًا ما: لماذا خلقك الله؟
ما هو الهدف من وجودك؟
هل فكرت لماذا نموت؟ وإلى أين سنذهب بعد الموت؟
وماذا سيحصل لنا في الآخرة؟
هل فكرت لماذا خلق الله الأرض وكل شيء فيها، وسخَّرها للناس؟
هل فكرت لماذا خلق الله الليل والنهار، والشمس والقمر؟
وما هو الواجب علينا أن نفعله في حياتنا؟
هل نحن مخلوقون فقط للأكل والشرب والاستمتاع؟
لقد نظم أحد الشعراء التائهين أبياتًا قال فيها:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنِّي أتيتُ
ولقد أبصرت قدَّامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى ماشيًا إن شئت هذا أم أبيتُ
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
لقد بين الله في القرآن أن الله لم يخلق الإنس والجن عبثًا، فقال: )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون(.
كما بين الغاية من خلق الإنس والجن، وهي عبادته وحده لا شريك له، فقال: )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(.
õõõ
دعت جميع الرسل أقوامهم إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة من سواه، )ولقد أرسلنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(.
ومع أن الإنجيل قد تحرف كثيرًا، إلا أنه قد ورد فيه الأمر بعبادة الله وحده على لسان المسيح كما في إنجيل لوقا (8:4).
كما جاء أمر الله بعبادته وحده في العهد القديم في (أشعياء 6:44).
وفي إنجيل مرقس (29:12) جاء سؤال للمسيح عن أهم أمر فقال: (الرب إلهنا، والرب واحد).
وفي القرآن أمثلة عديدة على أمر الأنبياء إبراهيم ويوسف أقوامهم بعبادة الله وحده، كما جاء ذلك في الإنجيل، انظر: «أعمال الرسل» (13:3).
õõõ
يدعو الإسلام إلى عبادة الله وحده، وهذا المبدأ مذكور في فاتحة الكتاب في قوله تعالى: )إياك نعبد وإياك نستعين(، وقوله: )واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا(، وقوله: )فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها(.
كما جاء الأمر النبوي بإفراد الله بالعبادة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة.
õõõ
· الله هو الخالق المدبر لهذا الكون، وهذا من أعظم الأدلة على استحقاق الله للعبادة دون ما سواه.
· صفات الله تعتبر من الأدلة على استحقاق الله للعبادة، فالله هو الواحد الكامل في صفاته، بينما المخلوقون ضعفاء، فليس من المناسب أن يُوَجِّهَ الإنسان عباداته للضعيف ويترك القوي الكامل.
· ومن أدلة استحقاق الله للعبادة أن كل مولود يولد فإن الله قد أودع في فطرته أن الله هو المستحق وحده للعبادة، قال الله تعالى: )وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين(.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين.
وقال أيضًا: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
وبناء على ما تقدم؛ فإن الإنسان بإمكانه أن يستنتج بالمنطق البسيط أن الله هو المستحق للعبادة، وهذه خلاصة بسيطة، ليس فيها تعقيد، يمكن أن يتوصل إليها الشخص المتعلم وغير المتعلم.
õõõ
جميع الأديان الباطلة تدعو إلى عبادة غير الله، وهو الشرك، والشرك هو أعظم الذنوب؛ لأنه يتضمن عبادة المخلوق وترك عبادة الخالق، كما تتضمن رفع منزلة المخلوق إلى رتبة الخالق.
وبعض عُبَّاد الأصنام يُعللون عبادتهم لغير الله بأنهم اتخذوا معبوداتهم واسطة بينهم وبين الله، وهذا اعتقاد خاطئ؛ لأن الله لا يحتاج إلى واسطة، وقد أمر الله في مئات الآيات من القرآن بدعائه مباشرة، وحذر من دعاء غيره مهما كانت الأسباب.
وقد بين الله في القرآن أن المعبودات ستتبرأ من عابديها يوم القيامة، وهذا من أدلة بطلان اتخاذها آلهة، قال الله: )حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِين(.
كما بين الله أن تلك المعبودات لا تملك شيئًا في السماوات والأرض: )قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير(.
والله حكيم خبير، لم يشرع لعباده أي تعاليم تؤثر على العلاقة المباشرة بينه وبين خلقه.
õõõ
وضح الإسلام أن الله له ذات، والمخلوقات لها ذوات أخرى منفصلة عن ذات الله غير ممتزجة بذاته ولا مختلطة بها، فهو على عرشه فوق سماواته، كما أخبر الله بهذا في كتابه وفي الكتب السابقة.
وهذا التأصيل العلمي يهدم عقيدة التثليث التي تنص على أن الرب مكون من ثلاثة أقانيم، والتي تتضمن القول بأن الله هو المسيح ابن مريم وغيرها من الأقاويل الباطلة.
وفي القرآن آيتان عظيمتان تهدمان هذه العقيدة وهي قول الله تعالى: )قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد(.
وقوله تعالى: )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم(.
فالإسلام يؤكد على أن الله أعظم وأجل من أن يخفض نفسه إلى مستوى خلقه أو يختلط بهم.
كما أن جميع الأديان الباطلة لا تفرق بين الرب والمخلوق الذي تدعو إلى عبادته، ولهذا فهي في النهاية تدعو إلى عبادة المخلوق بدلًا عن الخالق.
كلمة (الإسلام) تعني: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة.
وبالمعنى الشرعي فإن الإسلام لها معنيان:
الأول: دين الأنبياء كلهم، وهو عبادة الله وحده بحسب الشريعة التي جاء بها النبي المعين إلى قومه.
ثانيا: دين النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
والإسلام لم يُسمَّ بهذا الاسم بناء على اسم شخص أو جماعة من الناس، بل إن الله هو الذي سَمَّى دين الإسلام بهذا الاسم.
وهذا بخلاف (المسيحية) التي سُمِّيت بهذا الاسم مِن قِبَل أتباعها بعد رفع المسيح، وكذلك (اليهودية) التي سُمِّيت بهذا الاسم مِن قِبَل أتباعها، ولم تُسَمَّ بهذا مِن قِبل النبي موسى أو إسحاق أو غيرهما، عليهم الصلاة والسلام، كما لم ترد هذه التسمية في كتب بني إسرائيل المنتشرة بين أيديهم.
õõõ
1- الإيمان بالله
2- الإيمان بالملائكة
3- الإيمان بالكتب
4- الإيمان بالرسل
5- الإيمان باليوم الآخر
6- الإيمان بالقدر
يتكلم هذا الفصل عن أركان الإيمان الستة المعلومة من الدين بالضرورة، وهي:
ويتضمن الإيمان بأربعة أمور:
1- الإيمان بوجوده.
2- الإيمان بربوبيته على خلقه، أي أنه الخالق المالك المدبر الرازق.
3- الإيمان بأن الله وحده هو المستحق للعبادة.
4- الإيمان بأسماء الله وصفاته بحسب ما جاء في الكتاب والسنة، وعدد أسماء الله التي نعلمها تسعة وتسعين، أعظمها هو اسم (الله)، والذي يعني (المألوه).
والإيمان بصفات الله يتضمن الإيمان بأن الله ليس كمثله شيء، وأنه لم يلِد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
ومن صفات الله تعالى صفة (الأعلى) وصفة (الغني) وغيرها.
õõõ
ويتضمن أمورًا وهي:
1- أنهم مخلوقات خلقهم الله ولهم وظائف خاصة.
2- أنهم يفعلون ما يأمرهم الله بدون ملل ولا تعب.
3- أن جبريل هو المَلَك المختص بإنزال الوحي من السماء.
4- ذكر بعض وظائف الملائكة مثل المَلكين المُوكلين بكتابة عمل الإنسان.
5- ذكر المَلَك الذي يَنفخ الروح في الجنين وهو في بطن أمه.
6- بيان الفرق بين اعتقاد المسلمين واعتقاد النصارى في الملائكة، حيث إن النصارى يعتقدون أن الملائكة منهم مطيعون ومنهم فاسقون، كما يعتقدون أن الشيطان من الملائكة.
7- بيان أن الصالحين من بني آدم خيرٌ من الملائكة، لأن بني آدم عندهم شهوة يغالبونها بخلاف الملائكة، فهم مَجبُولون على طاعة الله.
õõõ
ويتضمن أمورًا وهي:
1- وجوب الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله.
2- أن الكتب المنزلة هي النور الذي يهتدي به الناس إلى الحق وإلى طريق الجنة.
3- جميع الكتب دعت إلى توحيد الله تعالى واجتناب الشرك.
4- تختلف الكتب عن بعضها في الشرائع التي تتضمنها، والتي اختلفت بحسب الناس الذين أرسلت لهم تلك الكتب، كما تقتضيه حكمة الله تعالى.
5- الكتب السماوية تتضمن ما فيه صلاح البشر في دينهم ودنياهم.
6- ليس للبشرية غِنى عن الكتب المنزلة.
7- يؤمن المسلمون بجميع الكتب التي سماها الله في القرآن وهي (القرآن، الإنجيل، التوراة، الزبور).
8- قبل بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بزمن بعيد؛ تعرضت جميع الكتب السماوية السابقة للضياع والتحريف والاندثار.
9- الإنجيل يتكون من عدة كتب، كتبها عِدَّة أشخاص.
10- دُوِّنت الأناجيل الأربعة المتوافرة الآن بين يدي النصارى ما بين عام 40 و115 بعد ميلاد المسيح.
11- بين الداعية (كارابالو) في كتابه (حبي للمسيح قادني للإسلام) تناقض الأناجيل الأربعة في ثمان نقاط، مما يدل على أنها ليست كلام الله.
12- هناك معلومات صحيحة في الإنجيل يصدقها القرآن، كما قال تعالى: )وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه(.
13- ومن تلك الحقائق ما هو مذكور في الإنجيل عن اعتراف المسيح بأن الله هو ربه، وأن الرب واحد.
14- ينبغي التنبه إلى أن الله رحيم بعباده، لم يترك الخلق ضائعين بعد تحريف الكتب السابقة، بل أنزل إليهم القرآن ليكون هاديًا لهم.
15- تكفل الله بحفظ القرآن من الضياع والتحريف إلى قيام الساعة.
16- نزول القرآن كان مُنَجَّمًا بحسب الأحداث على مدى ثلاث وعشرين سنة.
17- القرآن محفوظ على مر القرون في صدور الملايين من البشر.
18- القرآن ناسخ لما قبله من الكتب.
19- القرآن معجز في أسلوبه وفي الحقائق التي يتضمنها.
20- تحدى الله جميع البشر بأن يأتوا بمثل القرآن أو آية منه فلم يستطيعوا، مما يدل على أنه كلام الله.
21- القرآن كله توحيد، فهو إما إخبار عن توحيد الله بأسمائه وصفاته، وإما إخبار عن توحيد الله بإفراده بالعبادة، وإما أمر بفعل الطاعات وترك المنهيات، وهذا داخل في توحيد العبادة، وإما إخبار عن قصص الأنبياء الذي كانوا يدعون إلى التوحيد وبيان جزاء من آمن بهم، وكذلك بمن خالفهم وكفر بالتوحيد.
22- يدخل في الإيمان بالكتب الإيمان بالسنة النبوية؛ لأن الإيمان بها داخل في الإيمان بالقرآن، فالسنة توضح ما في القرآن، وقد تم جمعها من طريق الصحابة رضوان الله عنهم.
õõõ
4- الإيمان بالرسل
1- أرسل الله رسالاته عن طريق رسله، وهم بشر اختارهم الله ليكونوا أمثلة لأقوامهم في تطبيق ما أرسلهم الله به من كتب، وبدون الرسل فإن البشر لن يعرفوا ربهم ولا صفاته ولا كيف يَعبُدونه.
2- وقد أرسل الله لكُل قوم رسولًا أو عدة رسل، وقد جاء في القرآن والسنة ذِكر سبعة وعشرين رسولًا، كما بين القرآن أن هناك رسلًا لم يذكرهم الله تعالى.
3- وأول نبي بعثه الله هو آدم عليه السلام، وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام.
4- وقد أرسل الله الرسل إلى أقوامهم خاصة، وقد جاءت الإشارة في إنجيل متى إلى أن المسيح أرسل الله إلى بني إسرائيل خاصة (متى 24:15).
5- بينما أرسل الله نبيه محمدًا إلى الناس عامة، والأدلة على نبوته كثيرة جدًّا، وهي كلها مذكورة في الكتب المعنية بتدوين سيرته، وأعظم تلك الأدلة هو القرآن، والذي لم يتمكن البشر بأن يأتوا بمثله، والذي لا يمكن أن يأتي به إلا نبي.
6- القرآن والسنة النبوية فيها ذِكر أخبار عدد من الأنبياء، ويبقى النبي محمد هو المثل البشري الأعلى لأتباعه، وتعاليمه وضحها صحابته وأتباعه، وقد حث النبي (صلى الله عليه وسلم) أمته على اتباع سنته، وحذر من تغييرها أو إحداث الاضطراب في فهمها، ليكون الناس بعيدين عن الانحراف عن الطريق الصحيح، كما فعل أتباع الأنبياء قبله.
7- ويمكن تلخيص دور الرسل في نقاط:
أ- تلقي الرسالة من الله تعالى.
ب- نقل الرسالة إلى الناس.
جـ- نُصح الناس بأن يتقوا الله ويفعلوا أوامر الله.
هـ- نُصح من ضل من الناس وعصوا الله أو عبدوا غير الله بالتوبة وعبادة الله وحده.
و- إخبار الناس بأركان الإيمان.
ز- بيان الشريعة والأخلاق للناس.
حـ- يكونون أمثلة وأسوة للناس ويقودون الناس إلى الجنة.
8- حقوق النبي (صلى الله عليه وسلم) على أمته:
أ- للنبي (صلى الله عليه وسلم) حقوق على أمته؛ طاعته ومحبته، وقد أشار القرآن الكريم إلى وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) في ثلاثين موضعًا.
ب- وطاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) تدل على تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله.
جـ- ولو تأملنا أوامر النبي (صلى الله عليه وسلم) لوجدنا أنها تأمر بما فيه خير لنا، وتنهى عما فيه شر لنا، كالزنا وشرب الخمر والقِمار والكذب وعقوق الوالدين ونحو ذلك.
د- والمؤمن الصادق يكون فعله موافقًا للهدي النبوي، وكلما كان المسلم مطبقًا لتعاليم الشريعة فإن إيمانه ينمو ويقوى، وكلما وقع في المخالفات ضعُف إيمانه.
هـ- وأما محبة النبي (صلى الله عليه وسلم) فهي جزء من الإيمان، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله والناس أجمعين.
و- وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار.
ز- نحن نحب النبي (صلى الله عليه وسلم) أكثر من غيره لأننا عرفنا الله من طريقه، وعرفنا صفاته، وكيف نعبده، ولأنه تعرض إلى مصائب كثيرة من أجل تبليغ الدين إلينا، وضحَّى بكل شيء من أجل ذلك، صحته وماله وحياته كلها، فإذا كان الأمر كذلك؛ فلِم لا نحبه أكثر من أنفسنا والناس أجمعين؟
حـ- نحن نحب النبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه موصوف في القرآن بأنه رحمةٌ للعالمين، ورحمته بلغت كل الناس، أعداءه وأصدقائه، ولهذا تغير بعض أعدائه وصاروا من أحب صحابته ودخلوا الإسلام؛ لأنهم عرفوا من خلال أنه رسولٌ بحق من عند الله.
ك- ينبغي العلم بأن محبة الله مقدمة على محبة النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أرسله الله.
ل- كما ينبغي العلم بأن محبة الله ورسوله وأتباعه تعتبر من العبادات التي يثاب عليها الإنسان.
م- والعكس صحيح، فبغض الله ورسوله كفيل بأن يُخرج الإنسان من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر.
ط- وبناء عليه فبغض من أبغض الله ورسوله يعتبر من العبادات التي يثاب عليها الإنسان.
غ- إلا أنه ينبغي التنبه إلى أن هذا البغض ينبغي أن يكون دافعًا لدعوة الشخص المعني إلى الإسلام، وأن ندعو له بالهداية.
ث- إن محبتنا للنبي (صلى الله عليه وسلم) ينبغي أن تكون صادقة، وليست مجرد كلامٍ باللسان، والدلالة على صدق محبة الله يدل عليها الانقياد لأوامره واجتناب نواهيه.
õõõ
1- يبين الإسلام أن هذه الحياة ما هي إلا فترة اختبار لكل واحد من البشر، ليتبين من يطيع الله ومن يعصيه، وفي الآخرة سيُبعث الناس من جديد ويقفون أمام الله ويحاسبون على أعمالهم، فأهل الأعمال الصالحة سيُثابون ويدخلون الجنة، وأما أهل السيئات فسيُعاقبون ويدخلون النار، والناس قد تبين لهم الطريق الصواب والطريق الخطأ، واختيار الإنسان للطريق هو الذي سيحدد مكانه في الآخرة، قال الله في القرآن: )فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره(.
2- الإيمان باليوم الآخر يورث مراقبة الله في القلب، ويبعث على طاعة الله بدون ضغط خارجي.
3- واليوم الآخر بالنسبة للإنسان يبدأ من حين وفاته، وبعد دفن الإنسان يأتي ملكان فيسألان الإنسان: من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟
4- وبناء على الإجابة ستتحدد حياة الإنسان في قبره، إما نعيم أو عذاب، وإما أن يُوَسِّع الله عليه في قبره، وإما أن يُضَيَّق عليه.
5- وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن المؤمن يجيب بدون تردد، بينما الكافر أو المنافق فلن يستطيعا الإجابة.
الإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
1- الإيمان بأن الله يعلم كل شيء.
2- الإيمان بأن كل شيء يحدث في هذا الكون فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ.
3- الإيمان بأن الله خالق كل شيء، أعمال البشر وأقوالهم، الحسنة والسيئة، وأنه أمرنا بفعل الحسن وحذرنا من فعل السيئ، وبناء عليه يُثاب الإنسان أو يُعاقب.
4- الإيمان بأن كل ما يحدث في هذا الكون فإنه يحدث بإذن الله، ولا يحدث شيء في هذا الكون بغير إذن الله.
غير أنه ينبغي العلم بأن علم الله السابق لا يعني بأنه أجبرنا على أفعالنا، وأننا ليس لنا إرادة ومشيئة؛ بل تعني أن الله يعلم أزَلًا ما نحن عاملون، ولكن الله أعطانا المشيئة وحرية الاختيار.
õõõ
1- تعريف العبادة: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
2- والإسلام يقوم على أركانٍ خمس تُشكِّل أساسه وقاعدته.
3- والعبادة لها أهمية عظمى، وهي تعتبر الأساس الروحي في حياة الإنسان المسلم، فينبغي تعلمها وتطبيقها.
4- والإسلام خمسة أركان:
الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
النطق بهذه الشهادة عن إخلاص وصدق يوجب الدخول في دين الإسلام، ومن مات وهو مُقِر بها فإنه مستحق لدخول الجنة. وهي الفارق بين المسلم والكافر، وقبول جميع الأعمال متوقف قبولها عليها، ومن أشرك بالله فقد ناقضها، سواء كان ذلك الشرك متمثل بدعاء غير الله أو غيره من أنواع الشرك في العبادات.
الركن الثاني: الصلاة.
1- الصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم والليلة حسب الأوقات التالية: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء.
2- يحصل في الصلاة الاتصال المباشر مع الله، ومناجاته، مما يُعين على تجنب الشر والآثام.
3- الصلاة تقوي الإيمان بالله تعالى، وترفع المستوى الأخلاقي عند الإنسان.
4- كما أن الصلاة تدعو المسلم إلى تذكر الله طوال اليوم.
5- كما أن الصلاة تُعين على تنقية القلب وتجنب ما نهى الله عنه من الأعمال.
6- يؤدي المسلم الصلاة في أي مكان طالما أن المكان نظيفٌ.
7- يحث الإسلام على أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، بينما يحث النساء على أداء الصلاة في البيوت.
8- كما أن الصلاة في المسجد فيها إشارة إلى مبدأ المساواة بين الفقير والغني، والحاكم والمحكوم، والأبيض والأسود، حيث إن الجميع يقفون ملتصقي الأكتاف، متحدين في صفوف، يسجدون معًا لله عز وجل.
9- تُقام الصلاة بشكل مستمر في أنحاء العالم لأنها تؤدى طوال اليوم.
الركن الثالث: الزكاة.
1- يجب على كل مسلم أن يُزكي ماله بواقع 2.5% من مجموع ماله إذا بلغ النصابَ الشرعي، ومَرَّ عليه سَنَة هجرية، يدفعها إلى الفقراء والمحتاجين.
2- الزكاة تُثَبِّت مبدأ البذل للآخرين، وتُهذِّب النفس من الشُّح والبخل، كما أن الزكاة تُذهب الشحناء بين طبقة الأغنياء والفقراء في المجتمع.
الركن الرابع: صوم رمضان.
1- الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجِماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
2- يجب أداء الصوم في شهر رمضان.
3- فرَضَ الله الصوم على مَن قبلَنا من الأمم.
4- بَيَّن القرآن الحكمة من الصوم وهي حصول التقوى.
5- الصوم يزرع في النفس الإخلاص لله، ويوجِب الشعور بالآخرين، كما أنه يُعوِّد النفس على الصبر والعزيمة والرحمة للفقراء في المجتمع.
6- ومن حِكم الصوم أنه مفيد للصحة، فهو ينقي الجسم من السموم، ويُعَوِّد الجسم على قدر معين من الطعام، كما يعوده على التحكم في الغرائز.
7- رتب الله الثواب الجزيل لمن أدى عبادة الصوم، ووعده بالمغفرة.
الركن الخامس: حج بيت الله الحرام.
1- يجب الحج على المسلم والمسلمة مرة واحدة في العمر، إذا كان الإنسان مستطيعًا ماليًّا وبدنيًّا.
2- يجتمع الناس في الحج من كل مكان في العالم لعبادة الله، وتستمر مدة الحج أربعة أيام، يقوم فيها الحجاج بأداء عبادات معينة في أماكن معينة في أوقات معينة.
3- في الحج يتعلم الحاج الصبر على المشاق لتأدية العبادة على وجهها المطلوب.
4- وفي اجتماع الحج يتذكر الحجاج اجتماع يوم القيامة إذا اجتمع الناس كلهم لمحاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم.
5- يغرس الحج في النفوس الشعور بأخوة المسلمين، بصرف النظر عن الاختلافات الجغرافية والاجتماعية والعرقية بينهم.
õõõ
العبادة هي الاستسلام الكامل لله، والطاعة التامة لله، بفعل الطاعات واجتناب النواهي، مع الإخلاص لله وحده، بناء على التعاليم التي أنزلها الله سبحانه، وهذا هو معنى العبودية لله، وهو منطبق على جميع من سبقنا من الرسل وأتباعهم.
õõõ
يتضمن الإسلام تعاليم أخلاقية تدعو إلى تقوية العلاقة بين الناس وبين الله، وبين الناس أنفسهم، كما أنها تدعو إلى تطوير الذات وتهذيبها، في الظاهر والباطن. وتتضمن تعاليم الإسلام نحو عشرين حقًّا وهي:
1- العلاقة مع الله تعالى: يدعو الله في القرآن إلى تصحيح وتقوية العلاقة معه، وأن نتقرب إليه عن طريق العبادات الروحية، كالصلاة والحج والدعاء والزكاة.
أ- كما أن القرآن يدعو إلى معرفة الله تعالى بتعلم أسماء الله وصفاته، مما يغرس الخوف والخشية من الله تعالى، ويدفع الإنسان للقيام بأوامر الله واجتناب نواهيه.
ب- كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بِذِكر الله في كل وقت وفي كل حال، مِمَّا يوجد الشعور بالاتصال المستمر مع الله تعالى، ويغرس الطمأنينة والقوة والثبات في القلب.
جـ- كما أن ذِكر الله فيه حماية للنفس من الشيطان؛ لأن الإنسان سيكون مستصحبًا لشعور المراقبة من الله تعالى على كل أفعاله.
د- وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أدعية وأذكارًا تُقال عند النوم، وعند دخول الخلاء، وقبل الجماع، وأثناء السفر، وفي حالة الخوف، وعند دخول المنزل، وأذكار الصباح والمساء، وعند الشعور بالهم والحزن، وعند حلول الدَّين والفقر، وعند دخول المقبرة، وعند نزول منزلٍ، وفي حالات أخرى كثيرة.
2- العلاقة مع الناس: يحث القرآن على تقوية العلاقات الاجتماعية، ففي مجال الأسرة، يحث القرآن على احترام الوالدين وبِرِّهِما، وكذلك بقية أفراد الأسرة، والقيام بحقوق الزوجة والأبناء والتعامل معهم بحب واحترام.
كما حث القرآن على مساعدة اليتامى والضعفاء في المجتمع.
كما أكَّد القرآن على تحريم معصية الوالدين وقطع العلاقات الأسرية، والتهاون في حقوق الزوجة والأبناء.
كما حث القرآن على الابتسامة والعفو، ومقابلة السيئة بالحسنة، والصبر في التعامل مع الآخرين، وقد رتَّب الله الثواب الجزيل على ذلك.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق إذا كان الإنسان بحضرة آخرين، فنهى عن رفع الصوت، وأمر باحترام كبار السن، وأن يكون الإنسان لطيفًا مع الشباب، وأن يُحَيِّي الناس بقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
كما يأمر الإسلام بحفظ اللسان عن ذِكر عيوب الناس، حتى لو كانت تلك العيوب حقيقية.
كما يأمر الإسلام بحفظ العهود والعقود، وإعادة الأمانات، وطاعة الأمراء.
وقد حرَّم الإسلام الخيانة والجريمة والعدوان والجشع.
3- العلاقة مع الوالدين: يؤكد الإسلام على خُلُق رحمة الوالدين تأكيدًا قويًّا، وقد جاء التأكيد على هذا في ثمانية مواضع من القرآن، قال الله في أحد تلك الآيات: )وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلُغنَّ عندك الكِبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا(.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك. قال: ثم مَن؟ قال: أمك. قال: ثم مَن؟ قال: أمك. قال: ثم مَن؟ قال: أبوك.
4- العلاقة مع الأقارب: التراحم مع الأقارب من الأمور التي حث عليها الإسلام، فقد حث على مساعدة الأقارب بالوسائل الاقتصادية والاجتماعية، وجعل لهم حقوقًا خاصة، ومن ذلك حقوق الورثة، والتي جاء تفصيلها في القرآن، وأما من ليسوا من الورثة فللمسلم أن يوصي لهم بثلث ماله. كما جعل الإسلام الأولوية للأقارب في استحقاق الزكاة.
والمسلمون مأمورون بالتعامل مع جميع الأقارب –سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين– بالاحترام والرحمة، ويُحَرِّم عليهم قطيعتهم، كما أنهم مأمورون بالبقاء على التواصل معهم حتى لو أن أولئك الأقارب قاطعوهم، فإبقاء الروابط الأسرية له أهمية كبيرة، وقد رتب الله عليه الأجر الوفير.
5- العلاقة مع الجيران: يحث الإسلام على التعامل بلطفٍ مع الجيران، وقد جاء ذلك في القرآن في قوله تعالى: )واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنُبِ والصاحب بالجنب وابن السبيل(، أي الجار القريب والبعيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُورِّثه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.
6- آداب الأكل في الإسلام: لقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم عدة آداب خاصة بالأكل والشرب، منها الأكل باليمين، وعدم ذم الطعام، فإذا اشتهاه الإنسان أكله، وإذا لم يشتَهِهِ تركه دون أن يذمه، وهذا من احترام الطعام واحترام من أعدَّه وطبخه لئلا يجرح مشاعره.
ومن آداب الطعام الأكل جماعة وعدم الانفراد فيه، وذلك بالأكل مع العائلة أو بدعوة فقير ليطعم معك.
ومن آداب الطعام التسمية بقول: (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهذا فيه تذكُّر فضل الله عليك بهذه النعمة، وأيضا تذَكُّر المُنعِم.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام أو الشراب أو التنفس فيه، لئلا يتقذَّر منه الآخرون، وأيضًا لاجتناب انتقال الأمراض المعدية.
7- النظافة في الإسلام: يحث الإسلام على النظافة الروحية والحسية، فيحث على نظافة الجسم والثوب والحذاء، وحث على الاستنجاء بالماء بعد قضاء الحاجة، وحث على السِّواك، والاغتسال بعد الجماع.
8- حفظ الصحة: الإسلام يحث على حفظ الصحة بتناول الطعام الصحي والمُغذِّي، وأن يكون ذلك التناول باقتصاد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وِعاء شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلًا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
والإسلام يُحرم الأكل المضر كالخنزير والجِيَف، وشرب الدخان والكحوليات وغيرها من المسكرات، والتي تؤثر في العقل.
قال الله في القرآن: )إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِل به لغير الله فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم(.
وخطورة شرب الدخان معلومة، فقد صدر عن منظمة الصحة العالمية تقرير يفيد أن ستة ملايين شخص يموتون سنويًّا من الدخان.
وقال الله في القرآن: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون(.
وخطورة شرب الخمر معلومة، فقد صدر عن منظمة الصحة العالمية تقرير يفيد أن ثلاثة ملايين وثلاثمائة شخص يموتون سنويًّا من شرب الخمور، مما يشكل نسبة مؤثرة من إجمالي تعداد الوفيات.
والإسلام يحث على الصوم، وهو يتضمن فوائد صحية كثيرة للجسم، خصوصا للجهاز الهضمي.
9- تهذيب الروح: لقد حث القرآن على تهذيب القلب من الحقد والغيرة والفخر والظلم، وحث على الحب والحنان والتواضع.
كما حث الإسلام على تهذيب اللسان من الكذب والغيبة والافتراء والشتم، وحث على الصدق ولين الكلام وحسن الظن، وأن يعتذر المسلم لأخيه بعدة أعذار إذا بدر منه تصرف أو كلام سيئ.
كما ينبغي على المسلم أن يغُض بصره عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كعورات الناس، وأن يعفَّ سمعه من سماع الكلام التافه والبذيء، وكذلك إلى كلمات الأغاني البذيئة.
المال والممتلكات والحياة تعتبر محترمة وليس لأحد أن يتدخل فيها بدون إذن صاحبها.
كما أن الإسلام يحث على العلم وينهى عن الجهل، مبينًا أنه يؤدي إلى الهدم، ويحث على العمل والنشاط، وينهى عن الكسل والكلام غير المفيد.
10- بناء الأسرة وحقوقها: يؤكد الإسلام على أن مِن حقوق الطفل أن يكون من طريق شرعي، وليس من طريق علاقة غير شرعية (الزنا)، وهذا من أجل أن يقوم بناء الأسرة بناء قويًّا، ويتمتع المجتمع بالرفاهية، فحرَّم الإسلام الزنا، لأنه خدشٌ في كرامة الإنسان وعزته، ويمكن أن يسبب أمراضًا، ويكون سببًا في وجود أطفال ينظر إليهم المجتمع على أنهم غير شرعيين.
كذلك فإن القرآن يحرم كل وسيلة تدعو إلى الزنا، ومن ذلك النظر إلى الصور الخليعة، والجلوس مع المرأة التي ليست بِمَحْرم في خلوة.
والقرآن يدعو الرجال إلى غض أبصارهم عن النساء الأجنبيات عنهم، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى الرجال بشهوة، وبهذا تتمتع المرأة بالأمان والحماية.
11- الأدب والحجاب: لنفس السبب، وهو حماية المرأة، فإن الإسلام يفرض آدابًا في المظهر والتصرف على المرأة، فالأزياء التي تخفض المرأة إلى وسيلة استمتاع ليست مقبولة، ولهذا فالحجاب وسيلة لحماية أنوثتها من الاعتداء، قال الله تعالى في القرآن: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذَين(. وإذا كانت المرأة في بيتها عند زوجها فلها أن تلبس ما شاءت.
12- حقوق المرأة: يحث الإسلام الرجال على أن يكونوا رحماء بنسائهم، قال الله في القرآن: )خلق لكم من أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة(. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: خِياركم خِياركم لنسائهم.
بعض الناس يكونون بين الناس رحماء، حين كونهم تحت أنظار المجتمع، ولكنهم في البيت قساة ودنيئون، فتعَامُل الزوج مع زوجته هو المَحَك لأخلاقه.
وفي الإسلام تحتفظ المرأة بحالتها القانونية واسم عائلتها، ولا تكون مملوكة لزوجها، بل إن لها حقوقًا كما أن عليها حقوقًا.
ينبغي للزوج أن يعطي زوجته مهرًا عند الزواج، وهذا مِلكها حتى لو طلقها فيما بعد.
والزوجة غير مطالبة بالنفقة على الزوج إلا إذا تبرعت هي من نفسها، فالزوج هو المسئول عن النفقة المالية.
والإسلام يُعطي المرأة الحق في الميراث والتَّملك والاتِّجار بمالها.
13- تعدد الزوجات في الإسلام: تعدد الزوجات مسموح في دين الإسلام، خصوصًا عند حدوث مآزق اجتماعية مثل وجود الأرامل، وعند وجود الرغبة الجنسية عند بعض الأزواج لأن يكون عنده أكثر من زوجة، فهذا خير من اتخاذ الصديقات.
إلا أن الإسلام يأمر بالعدل بين الزوجات عاطفيًّا وماليًّا، وإذا لم يستطع العدل وخُشِي من وقوع ظلم على الزوجة فلها الحق في طلب الطلاق منه، وليس للزوج حقٌّ في إبقائها على ذمته.
14- قوانين الطلاق: الإسلام دين الوسط، فكما أن الإسلام أباح الطلاق عند الضرورة؛ إلا أنه حث على اتِّحاد الأسرة واجتماعها، يدل لذلك أنه في حالة الطلاق فإن الإسلام يحث على أن يأتي كلا الزوجين بطرف من كل أسرة ليصلحا بينهما.
والإسلام لا يُشجِّع على الطلاق، ولكن يضعه في الاعتبار إذا كان الطلاق هو الأصلح للزوجين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة (أي لا ينبغي للمؤمن أن يُبغِض زوجته المؤمنة)، إن كَرِه منها خُلُقا رضي منها آخر.
فالإسلام واقعيٌّ في مسألة الطلاق، ومع هذا فهو يشجع على حل المشاكل وإبقاء عقد الزوجية.
15- حماية النفس: يدعو الإسلام لحماية النفس واحترامها، فقد بين أن قتل النفس من أعظم الذنوب.
وقد حرَّم الإسلام كسر عظم الميت، فكيف بإزهاق روح الحي؟
وقد حدد الإسلام القصاص في الجروح، فمن كسر سنًّا كُسِرَت سِنُّه، ومن فقأ عينًا فُقِئت عينه، كبيرة كانت الجناية أو صغيرة.
أما القاتل فإنه يقتل، إلا إذا عفا أولياء المقتول أو قبِلوا الدية.
16- حماية المال: نص القرآن على أن مال الإنسان مُحترم، لا يجوز انتهاك حرمته، وبناء عليه فالسرقة محرمة، وكذلك الرشوة، والربا، والخداع.
والقرآن يدعو إلى الاقتصاد في الإنفاق، ويُحَرم التبذير والإسراف، ويحرم تكديس الأموال، ويدعو إلى التوسط، فلا ينبغي أن يكون المسلم جَشِعًا ولا بخيلًا ولا طماعًا، ولا أن يكون مبذرًا مُسرفًا.
والإسلام يُشجع على أن تكون سُبل عيش الإنسان ومقتنياته بالطرق المشروعة، مثل الشراء والبيع والإجارة.
17- حقوق الحيوان: حث الإسلام على معاملة الحيوان بالعطف والرحمة، ورتب على هذا الأجر الوفير في الآخرة.
وقد نهى الإسلام عن تحميل الحيوان ما لا يُطيق، أو تعذيبه أو قتله إلا إذا كان مضرًّا.
وإذا أراد المسلم ذبح ذبيحة، فلا يجوز له أن يذبحها أمام ذبيحة أخرى؛ لأن هذا يُعذبها نفسيًّا.
18- حقوق الموتى: يأمر الإسلام باحترام الإنسان حتى بعد موته، ومن ذلك ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من تغسيل الميت وتطييبه، ثم لَفِّه بكفن أبيض، ثم يوضع في القبر ويكون وجهه تجاه القبلة، وخلال حمل الميت ينبغي حمله برفق لئلا ينكسر له عظم.
وقبل دفن الميت وبعد الدفن، ينبغي للمسلمين الدعاء له بالمغفرة والرحمة وأن يُدخِله الله الجنة.
والإسلام ينهى عن الجلوس على القبر، وهذا من باب الاحترام للميت.
1- لو سأل سائل فقال: إذا كانت جميع الأديان جاءت بالأمر بعبادة الله وحده، فلماذا نجد الفروقات بينها؟
فالجواب: إن أصول تلك الأديان قد ضاعت أو تغيرت على مدى الأجيال، وبالتالي فإن دعوة التوحيد الصافية التي تضمنتها قد تغيرت بالخرافات والشرك والفلسفات، حتى وصلت إلى درجة لا يمكن أن توصف بها تلك الرسالة بأنها من عند الله.
2- ولكن الله رحيم بعباده، لم يترك الناس يسيرون بلا هداية، فقد أرسل في خاتمة الرسل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم لإحياء الرسالة الأصلية ودعوة الناس إلى الطريق الصحيح، والإيمان بتوحيد الله وعبادته بحسب التعاليم المذكورة في القرآن.
3- وبالتالي فإن الإسلام هو خاتَم الأديان، والقرآن هو خاتَم الكتب، ومحمد هو خاتَم الرسل، عليه الصلاة والسلام.
õõõ
أ- يوضح القرآن حقائق مهمة عن ميلاد المسيح ومعجزاته ورسالته ورفعه إلى السماء.
ب- فالقرآن يوثق أغلب المعجزات المذكورة في الإنجيل، ويضيف عليها معجزات ليست مذكورة في الإنجيل.
جـ- يمكن تقسيم الموضوع الذي يناقش الحقائق عن المسيح إلى قسمين: الأول: شخصية المسيح، والثاني: رسالته.
د- فيما يلي إحدى عشرة حقيقة وضحتها تعاليم الإسلام عن المسيح عليه السلام:
1- مكانة المسيح في الإسلام:
أ- يوضح الإسلام أن المسيح عليه السلام هو أحد أعظم الرسل، وذلك بسبب جهده في نشر دين الله الذي أنزله إليه.
ب- وبناء على هذا فالمسلمون يحبون المسيح وأمه مريم حبًّا عظيمًا.
جـ- ولا يوجد في القرآن ولا في أي من كتب التراث والتاريخ الإسلامي أي عبارة فيها حط من قدر المسيح وأمه مريم، ولا من قدر غيره من الأنبياء.
د- ومما يدل على احترام الإسلام للمسيح هو أن قصته مع أمه مذكورة في ثلاث مواضع من القرآن، وهناك سورة كاملة في القرآن تحمل اسم (مريم)، وهذا من التشريف والاحترام لها.
هـ- ومما يدل على احترام المسيح في القرآن هو أن اسمه مذكور في خمسة وعشرين موضعًا من القرآن، في مقابل ذكر اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أربع مواضع.
و- وهذا يثبت احترام الإسلام لجميع الأنبياء؛ لأنهم يحملون رسالة واحدة، ولم يخفض الإسلام الأنبياء الأوائل ورفع من بعدهم.
ز- وقد جاء ذكر عيسى عليه السلام في القرآن بعدة ألقاب: ابن مريم، المسيح، عبد الله، رسول الله.
حـ- وهذا التوقير يتوافق مع ما جاء عن المسيح في إنجيل يوحنا في صفة الرسول الذي سيأتي بعده بأنه سيُعَظِّمُهُ. (يوحنا: 14:16).
2- بداية نسب المسيح (عليه السلام):
أ- بدأ القرآن قصة المسيح بقصة جدته، زوجة عِمران، فإنها لما حملت بمريم، نذرت أن تجعل حَملها خادمًا لبيت المقدس.
ب- نشأت مريم في بيئة متدينة، وبذلت نفسها في عبادة الله، وقد رزقها الله رزقًا وفيرًا، فلا غرابة أن يختارها الله أُمًّا للمسيح عليه السلام، قال الله تعالى:
]إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب[.
جـ- وهنا ينبغي التنبه إلى الفائدة من قوله تعالى: )والله أعلم بما وضعت(، فإن أم مريم كانت تتمنى أن يرزقها الله مولودًا ذكرًا ليتمكن من القيام بخدمة بيت المقدس، فلما ولدتها وكبرت صارت مريم خيرًا لها من ولد، إذ صارت مريم أم نبي، وصدق الله تعالى: )والله أعلم بما وضعت(.
3- مكانة مريم في الإسلام:
أ- تتمتع مريم بتوقير خاص في الإسلام، وقصتها مهمة، وهي مذكورة في عدة مواضع من القرآن، واسمها مذكور في واحد وثلاثين موضعًا من القرآن، وهناك سورة كاملة تحمل اسمها (مريم).
ب- وهذا التشريف لم تحظ به امرأة في أسرة محمد (صلى الله عليه وسلم). ومع أنه قد جاء ذكر قصص عن نساء أُخَر في القرآن عن نساء لهن تاريخ في حياة الأنبياء موسى وعيسى ومحمد؛ إلا أنهن لم يُذكرن بالاسم كما هو الحال مع مريم، قال الله في القرآن: )وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك(.
4- أخبار عن المسيح في الإسلام:
لما بلغت مريم سن الرشد، أخبرها الله بأنه سيولد لها ولد، وقد كان المَلَك جبريل هو الذي جاءها وأخبرها بالخبر، وفيما يلي نص المحاورة التي حصلت بينهما:
)إذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِين * قالت رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون(.
5- ولادة المسيح عليه السلام:
أ- حملت مريم بالمسيح حملًا خارقًا للعادة، وكانت هذه أول الآيات على نبوة المسيح، فذهبت مريم إلى جانب من البلد، قال الله في القرآن في ذكر ولادة المسيح: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرحمن مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيا(.
ب- خلق الله آدم من دونِ أبٍ ولا أم، وخلق حواء من ضِلع آدم، وخلق جميع البشر من ذكر وأنثى. والله سبحانه قادر على أن يخلق من الرجل والمرأة ذكرًا، وقادر على أن يخلق منهما أنثى، وقادر على أن يخلق منهما ذكرًا وأنثى، وقادر على أن يجعلهما بلا ذرية، إذا كانا كلاهما -أو أحدهما- عقيمين، هو الخالق والقوي، هو القادر على أن يخلق من الزوجين الكبيرين، كما هو الحال في إبراهيم وزكريا ونسائهما، فكان منهما إسحاق ويحيى.
جـ- فإذا وضعنا هذا في الاعتبار؛ فإن خلق المسيح من أنثى بلا ذكر مُمكن، ومتفق مع عقيدة أن الله يخلق ما يشاء، وبناء على هذا فليس من الصعب الإيمان والقبول بأن الله خلق المسيح من أنثى بلا ذكر، قال الله في القرآن: )إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون(.
6- مُعجِزات لاحقة للمسيح عليه السلام:
أ- لقد شرَّف الله المسيح بأن أجرى على يديه عدة معجزات، وهذا يؤيد دعواه النبوة، قال الله عنه: )وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس(.
ب- والمسلم لا يتردد في الإيمان بالآيات الدالة على نبوة المسيح، وفي نفس الوقت فإن المسلم لا يرفع المسيح إلى مستوى الله أو يصفه بأنه ابن الله، بل المسلم يعتبر المسيح بشرًا مُوحى إليه، ورسولًا ونبيًّا من عند الله.
جـ- ونفس الاعتقاد ينطبق على بقية الأنبياء، لأن عددًا منهم آتاه الله معجزات.
د- وأول المعجزات التي آتاها الله المسيح هي أنه وُلِد من أُمٍّ بلا أب، بكلمة (كُن) فكان المسيح في بطن أمه.
هـ- وقد بين الله ذلك الإعجاز في حق آدم عليه السلام وحق المسيح أيضا في قوله تعالى )إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون(.
و- وفي هذه الآية بين القرآن أن هذه الولادة الخارقة للعادة للمسيح لا تدل على تغير في طبيعته كبشر، ولو كان هذا حقًّا لكان آدم أولى بذلك، لأنه وُلِد من غير أبٍ ولا أم.
ز- ومن معجزات المسيح أن الله أنطقه وهو في المهد، وهذا جَنَّبَ أُمَّهُ من قذفها بالزنا مِن قِبل مجتمعها، وهذا القصة العظيمة مذكورة في القرآن وهذا نصها: )فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(.
حـ- وقد أجرى الله على يد المسيح مُعجِزات عدة، قد جاء ذكرها في القرآن، قال تعالى: )يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوب * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِين{.
ك- تنبيه هام: كما يرى القارئ للآيات التي جاء فيها ذِكر المعجزات التي أجراها الله على يد المسيح؛ فإن المسيح نَبَّهَ الناس أن كل معجزة أجراها الله على يده فإنما هي من الله، وليست من عند نفسه، وقد ورد في الإنجيل نفسه ما يدل على هذا، كما في إنجيل يوحنا (30:5)، وفي رسائل بولص (22:2).
7- صفات المسيح البشرية:
أ- يُحرم الإسلام الغلو بالأشخاص -سواء كانوا أنبياء أو غيرهم- إلى درجة تقديسهم، بينما التعاليم المسيحية تُقرر أن المسيح كان بشرًا وإلهًا في نفس الوقت، قال الله في القرآن مخاطبًا اليهود والنصارى: )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى الله إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا الله إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا(.
ب- كما حذَّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الغلو في الأشخاص فقال: أيها الناس، إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو.
جـ- والمسيح عليه السلام لم يأمر الناس بعبادته، ولا يوجد شاهد واحد في الإنجيل على ذلك.
د- وقد أخبر الله في القرآن أنه سيجمع الناس يوم القيامة ويسأل الرسل عن استجابة أقوامهم لهم فيقول: )ماذا أُجِبتم(، والمسيح من هؤلاء الرسل المسئولين، قال الله تعالى: ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تُعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم * قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم(.
هـ- فمن الواضح جدًّا أن ذات المسيح مختلفة عن ذات الله، لأن الله هو السائل والمسيح هو المسئول، فمن غير المنطقي أن يُقال إن المسيح هو ابن الله.
8- نبوة المسيح:
إن نظرة الإسلام للمسيح نظرة مُعتدلة، تقع بين نظرتين متطرفتين:
الأولى: نظرة اليهود الذين لا يؤمنون بالمسيح ويعتبرونه دجالًا.
الثانية: النصارى الذين يعتبرونه ابن الله، أو الله المتجسد في بعض الأحوال، فعبدوه بناء على هذا الاعتقاد.
بينما ينظر الإسلام إلى الإسلام على أنه نبي عظيم، قال الله في القرآن: )ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت مِن قبله الرسل وأُمُّهُ صِديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون(.
9- رسالة المسيح:
أ- قد يسأل سائل فيقول: ماذا كانت حقيقة رسالة المسيح بحسب ما جاء في القرآن؟
فالجواب: أن المسيح دعا إلى التوحيد، أي عبادة الله وحده كما أمره الله بذلك في الإنجيل، ودعا بني إسرائيل إلى ذلك، وفي يوم القيامة سيسأل الله المسيح عما إذا كان قد دعا الناس إلى عبادته وأُمِّهِ، وعندها سيُجيب المسيح قائلًا: )ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم(.
ب- كما دعا المسيحُ الناسَ إلى الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله في القرآن: ]وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين(.
جـ- ومن اللطيف ذكره: أنه بالرغم من كون الإنجيل تعرض إلى تحريف عظيم؛ فإنه لا يزال يتضمن بقايا من الرسالة الأصلية التي أوحاها الله إلى المسيح، ومِن ذلك ما تضمنه الإنجيل من إشارات إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
د- لقد كان المسيح حلقة وصلٍ في سلسلة طويلة من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله إلى حضارات وأمم كلما احتاجوا إلى الهداية أو انحرفوا عنها. وقد أرسل الله المسيح إلى اليهود خاصة، الذين انحرفوا عن تعاليم موسى وغيره من الأنبياء، وقد أيده الله بالآيات الدالة على نبوته، ولكن كثيرًا من اليهود كفروا به.
هـ- ينبغي التنبه إلى أن المسيح هو آخر الأنبياء الذين أرسلهم الله لليهود خاصة.
10- رفع المسيح إلى السماء:
أ- رفع المسيح هو آخر المعجزات التي أيده الله بها لما كان على الأرض، لقد حاول اليهود والرومان قتله، لكن الله بَدَّله برجل يُشبهه، فوقع القتل على ذلك الرجل، ولم يُقتل المسيح ولم يُصلب، بل رفعه الله إليه.
ب- وإلى هذا اليوم، فإن النصارى يعتقدون أن المسيح هو الذي قُتِل، قال الله في القرآن: ﴿وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا﴾..
11- نزول المسيح من السماء:
تنص تعاليم الإسلام على أن المسيح سيرجع قبل يوم القيامة، وستكون هذه هي المعجزة الأخيرة، وسيرجع ليُصحح ما عند النصارى من عقائد فاسدة عنه، وسيمكث في الأرض أربعين سنة، وستكون أفضل أيام الدنيا، وخلال هذه الفترة سيُصحح أتباعه اعتقادهم فيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
والذي نفسي بيده، لَيوشكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ، ويَفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها.
ثم قال أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: }وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا{.
ونزول المسيح سيكون أحد علامات الساعة، وستكون آخر الآيات الدالة على نبوته قبل وفاته.
خَاتمَة:
بينت هذه النقاط الإحدى عشرة حقيقة المسيح من منظور إسلامي، وقد حصلت انقسامات في مجتمع بني إسرائيل بخصوص حقيقة المسيح على مدى العشرين قرنًا الماضية، بسبب أن التعاليم المسيحية تلوثت كثيرًا بالأفكار الشخصية وباعتقادات الرومان، الأمر الذي ساقهم إلى أن يضلوا عن الوحي الذي أنزله الله على المسيح، وهذا التناقضات والأغلوطات قد أزالها الإسلام.
õõõ
جعل الله تعاليم الإسلام سهلة الفهم والاتباع، فقد ألغى عبادات سابقة وأبقى عبادات، حسب حكمة الله سبحانه وتعالى، وبناء عليه فإن العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية صارت مناسبة لاحتياجات البشر الروحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، ولجميع العُصور.
والتعاليم الإسلامية تتميز بالميزات التالية:
1- موافقة العقل: الحقائق من طبيعتها أن تكون واضحة وبديهية، وينبغي أن تكون بسيطة بحيث إن أي أحد يستطيع تصورها، وهذا الوضوح هو أهم ميزة قاطعة في تعاليم الإسلام. فَلِكَي يعلم المسلم قاعدة شرعية أساسية فإنه لا يحتاج إلى السير في إثباتات منطقية معقدة ليفهم شيئًا ليس متأكدًا منه، كما هو الحال في الأديان الأخرى والفلسفات.
2- الكمال في التشريع: تعاليم الله كاملة وخالية من التناقض والخطأ؛ لأن الله كامل بنفسه، وقد تحدى القرآن الناس أن يأتوا بخطأ واحد فيه إن كانوا لا يؤمنون بأنه من عند الله، فقال: )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا(.
وقد وجَدَ د. موريس بوكاي (وهو عالم تشريح فرنسي) في القرآن عدة حقائق علمية لم تكن معلومة وقت نزول القرآن في العهد النبوي، وبناء على هذا فقد ترك د. موريس النصرانية واعتنق الإسلام.
3- الوضوح: الله رحيم بعباده، يهدي الناس إلى التعاليم البسيطة والواضحة، الخالية من الأساطير والخرافات والألغاز.
4- الصلاحية العلمية الدائمة والدقيقة: ليس غريبًا أن يوجد في القرآن وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم معلومات لم تكتشف إلا في العلم الحديث، وهذا يدل على أن القرآن كلام الله، وأن محمدًا رسوله (صلى الله عليه وسلم).
على الجانب الآخر نجد أن النظرة العلمية التي أبرزتها الكنيسة بالنسبة لله والإنجيل وعلاقة الإنسان بربه دفعت الناس إلى اتجاه مؤسف، وهو إما الله وإما العلم. لقد صار عند بعض المتعلمين قناعة بأن الإنسان لا يمكن أن يكون عالمًا أو متعلمًا مع كونه مسيحيًّا صادقًا في نفس الوقت.لقد فقد عدد من الفلاسفة والعلماء وكثير من الناس الأمل في إحداث توافق بين الدين والعلم، وبناء عليه تولدت فكرة العلمانية وازدهرت. هذا التفرع لم يكن ليحدث لو أن الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح لم يتحرف ويتشوه. بينما الإسلام، الدين النقي، ليس فيه تناقضات بين العلم تعاليمه وبين العلم، وهذا أمر بديهي؛ لأن العلم والدين من عند الله المجيد الذي لا يتناقض في نفسه.
5- صِدق النبوءات التي تضمنتها تعاليم الإسلام: لقد تضمن القرآن والأحاديث النبوية ذكرَ أخبارٍ مستقبلية ثم حدثت كما أخبرا بها، وهذا دليل إضافي على أن القرآن ليس من وضع البشر؛ لأنه ليس مِن المُتصور أن يأتي رجل أُمِّيٌّ، عاش بعيدًا عن الحضارات، بذكر تلك الأخبار إلا إذا كانت موحاة إليه من الله تعالى.
6- الاعتدال: لا يوجد في الإسلام فصل بين الحياة الروحية وبين الحياة المادية، بل إن الإسلام يوفر الاعتدال في جميع جوانب حياة الإنسان، مع الوضع في الاعتبار احتياجات الإنسان الفردية والاجتماعية. وبناء عليه فإن العلمانية والمادية والرهبانية والزهد المُفرِط كلها مرفوضة في دين الإسلام الذي يرسم خطًّا وسطًا للحصول على الانسجام والاعتدال بين الاحتياجات الروحية والمادية للبشر، ولهذا سمَّى الله المسلمين أمة وسطا في قوله: )وكذلك جعلناكم أمة وسطًا(.
7- الشمولية: يوفر الإسلام للناس تعاليم محددة في جميع مناحي الحياة؛ الروحية والفردية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
8- التميز: ادَّعى بعض الناس أن القرآن من صنع البشر، وقد تحداهم الله بقوله: )فأتوا بسورة من مثله(. لقد تميز القرآن بلغته وإبداعه وأسلوبه الإعجازي، وقد حاول العرب القُدماء أن يؤلفوا آية مثل آيات القرآن فعجزوا، بالرغم من كونهم متقدمين جدًّا في تأليف الشعر والنظم (الفصاحة)، وقد اعترف عديد من العلماء الغير مسلمين بأن القرآن هو أعظم كتاب عرفته البشرية، وهذا مما يدل على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم -الأُمِّي- كان نبيًّا حقًّا، وأن القرآن نزل عليه.
9- العدل: جميع البشر تناسلوا من رجل وامرأة (آدم وحواء)، ولقد نص الإسلام على أن المعيار للتفاضل بين الناس هو التقوى، وليس اللون أو المكانة الاجتماعية. فخَيْر الناس عند الله هو أتقاهم له، قال الله في القرآن: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم(.
õõõ
1- الإسلام هو الدين العالمي لجميع البشرية إلى يوم القيامة، فقد كان كل نبي يُبعث إلى قومه خاصة، ولمدة معينة تنتهي فيها رسالة ذلك النبي، فَبعَث الله نبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم) إلى الناس عامة، الذكر والأنثى، الغني والفقير، العرب وغير العرب، العبد والحر.
2- بإمكان المسلم أن يعبد الله في أي مكان، فليس محصورًا بتراث أو مكان.
3- رسالة المسيح كانت موجهة إلى بني إسرائيل (إنجيل متى) (24:15)، فإذا لم تكن من بني إسرائيل (كما هو الحال في الهنود والآسيويين وغيرهم)؛ فإنك تكون متبعًا لرسول ورسالة ليست موجهة لك، ومعنى هذا أنك تسير على طريق غير صحيح.
õõõ