التدبر في الأزمان ()

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في المسجد النبوي يوم الجمعة 27 - 7 - 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن وجوب التدبر في الأزمان، والاستفادة من وقت الإجازة في طاعة الله، والاستفادة من حر الصيف بالتدبر في خلق الله، وصوم التطوع لله، وضربَ أمثلةً من أحوال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف.

    |

    الخطبة الأولى

    الحمد لله الذي جعل في تقلُّب الزمان مُدَّكرا، وأشهد أن لا إله إلا الله العلي الأعلى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الإيمان والتقوى.

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71 ].

    معاشر المسلمين:

    من وجوه الاعتبار: اختلاف صفات الأزمان؛ فشدة الحر تمُرُّ بالخلق وقليلٌ من يعتبر ويتخذ من ذلك سببًا للهروب من عذاب الجبار، والتقرُّب إلى العزيز القهار، وإلا فكثيرٌ من الخلق اليوم ينظر لفصل الصيف على أنه محطة للتنقل إلى المصايف الباردة والأماكن الفارهة، ويشغل نفسه بالملذَّات والمشتهيات المباحة، وهذا وإن كان لا بأس به لكن لا بد أن توقفه هذه المحطات وقفةَ تأمُّلٍ تُذكِّره بما يحذوه إلى المسارعة إلى الخيرات، والانزجار عن الموبقات والسيئات.

    إن هذه التقلُّبات الكونية من حر وبرد تدل على صنع الخالق - جل وعلا - وتُذكِّر بعظمته، فما في الدنيا من نعيم وراحة فيدل على كرم الخالق وفضله وإحسانه وجوده ولطفه، وما فيها من نقمة وشدة وعذاب فيدل على شدته - عز شأنه - وبأسه وبطشه وقهره وانتقامه، وكذلك فما فيها من اختلاف الأحوال يُذكِّر العباد بأن هذه الدار الفانية ممزوجة بالنعيم والآلام، فما فيها من النعيم يُذكِّر بالجنان، وما فيها من الألم يُذكِّر بالنيران - نعوذ بالله من ذلك -، يقول - سبحانه - حاكيًا عن المنافقين: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81 ].

    في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا ربِّ! أكل بعضي بعضًا، فأَذِنَ لها بنفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء ونَفَسٍ في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم».

    وفي «الصحيحين» أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم».

    وسلف هذه الأمة - كما قال الحسن - كانوا يتفكَّرون في تقلُّبات الزمن، ويعتبرون باختلافات الدهر، فيحدث لهم ذلك عبادةً وتقرُّبًا.

    قال بعضهم: «ما رأى العارفون شيئًا من الدنيا إلا تذكَّروا به ما وعد الله به من جنسه للآخرة».

    عباد الله:

    إنه التفكُّر الذي يقود لصالح العمل، ويجعل العبد من عذاب ربه على وَجل، رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه – أنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، وصَّى عمر - رضي الله عنه - عند موته ابنه عبد الله، فقال له: «عليك بخصال الإيمان، وسمَّى أولها: الصوم في شدة الحر»، وقال القاسم بن محمد: كانت عائشة - رضي الله عنها - تصوم في الحر الشديد، قيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر الموت.

    وكان معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يتأسَّف عند موته على ما يفوته من ظمأ الهواجر وصلاة الليل وحِلَق الذكر، وكان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - يتوخَّى اليوم الحار الشديد الحر فيصومه، ويقول: «إن الله قضى على نفسه أن من عطَّشَ نفسه لله في يوم حار كان حقًّا على الله أن يرويه يوم القيامة»، وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: «صوموا يومًا شديدًا حرُّه لحر يوم النشور، وصلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور».

    وكانت بعض الصالحات تتوخَّى أشد الأيام حرًّا فتصومه حينئذ، فيقال لها في ذلك، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كلُّ أحد، تُشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليلٌ من الناس لشدته عليهم.

    وصبَّ بعض الصالحين على رأسه ماء من الحمام فوجده شديدَ الحر فبكى، وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج: 19 ].

    فيا معاشر المسلمين:

    هذه أحوالٌ عجيبة عظيمة من أحوال السلف في الصيف، فإذا كان الكثير منا لا يستطيع أن يُجاريهم في هذه الأحوال الكريمة والصفات العظيمة، فلا أقلَّ من أن يُحافِظَ على أوامر الله ويحفظ حدوده، ومن أعظم الخسران: حال بعض المسلمين اليوم في الصيف من تضييع الليل في السهر على ما لا يُرضِي الله - جل وعلا -، ثم النوم في معظم النهار مما يحصل معه تضييع الصلوات، وترك الواجبات، والأدهى من ذلك حال بعض المسلمين الذين يُضيِّعون أوقاتهم في الصيف، ويتبارون إلى الذهاب إلى أماكن الفجور والفسوق والعصيان، فيعملون ما يُسخِط الله ويتعرَّضون لعقابه في الدنيا والآخرة.

    فيا من نسي أمر الله وارتكب القبائح والموبقات، وأهلكَتْه مشتهيات الدنيا تذكَّرْ نارًا حرُّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    أحمد ربي وأشكره، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    لا فلاحَ لنا ولا سعادةَ ولا فوزَ إلا بتقوى الله - جل وعلا - وبطاعته ومراقبته في السر والنجوى.

    أيها المسلمون:

    شهر رجب من الأشهر الحرم، ولكن علينا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تفلح أحوالنا، فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته تخصيص هذا الشهر بعبادة دون سواه؛ بل هو كغيره من الشهور يتقرَّب فيه إلى الله - جل وعلا - بسائر الأعمال الصالحة مما ثبت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - من نوافل الصلوات والصوم والاعتمار وغير ذلك من القربات، كما ينبغي أن يعلم أن ما يقع من الاحتفال في (ليلة الاسراء والمعراج) أمرٌ غير ثابت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته الكرام - رضي الله عنهم - ولا عن أحد من السلف؛ فنحن لا نتعبَّد الله - جل وعلا - إلا بطريق مستقيم وهو طريق النبي - صلى الله عليه وسلم -، {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].

    اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيدنا ونبينا محمد، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن الآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين بما يُرضِيك، اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين بالقرآن والسنة، اللهُم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين بالقرآن والسنة.

    اللهُم عليك بأعداء المسلمين فإنهم لا يعجزونك، اللهُم عليك بأعداء المسلمين فإنهم لا يعجزونك يا قهار، اللهُم من أراد الإسلام وأهله بسوء فأشغله في نفسه.

    اللهُم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهُم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهُم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهُم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهُم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهُم احفظ المسلمين يا رب العالمين.

    اللهُم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، اللهُم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعمل بشريعتك، ولخدمة المسلمين بما يُرضيك يا رب العالمين، اللهُم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    اللهُم صلِّ وسلم وبارِك على سيدنا ونبينا محمد.