الخلق الحسن ()

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

الخلق الحسن: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - في المسجد النبوي يوم الجمعة 23-5-1431 هـ، وتحدَّث فيها عن حسن الخلق، وحثَّ المسلمين على التمسُّك بحسن الخلق، وأنه سببٌ لدخول الجنة، وضرب مثلاً على ذلك بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الأدلة من القرآن والسنة على حسن الخلق.

    |

    الخطبة الأولى

    الحمد لله الرحمن الرحيم، الحليم العليم، العزيز الحكيم، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو الخُلُق الكريم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي النهج القويم.

    أما بعد:

    فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واحذَروا عقابه ولا تعصُوه.

    أيها المسلمون:

    اعلموا أن الإسلام جاء لتحقيق غاية عظيمة، وجاء ليقوم بمهمة جسيمة، ألا وهي: القيام بحق الله - تعالى - وحقوق الخلق؛ لقول الله - تعالى -: {وَٱعْبُدُواْٱللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰنًا وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِٱلْجُنُبِ وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ إِنَّ ٱللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36 ]، وما سوى هذه الغاية من عُمران الأرض وتشريع الحدود وكفِّ الظلم ونحو ذلك فهو تابعٌ للغاية الكبرى التي هي الوفاء بحق الله وحقوق الخلق ووسيلة إلى هذه الغاية وتمهيد إليها.

    والخُلُق الحسن أساس القيام بحق الله وحقوق الخلق، والخُلُق الحسن بالإيمان أصلُ الوفاء بحق الرب - عز وجل - وحق العباد، وبذلك تُرفَع الدرجات وتُكفَّرُ السيئات.

    عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن المؤمن لَيُدرِكُ بحُسْن خُلُقِه درجة الصائم القائم»؛ رواه أبو داود.

    وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من شيء أثقلُ في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسْن الخُلُق، وإن الله يبغضُ الفاحشَ البذِيء»؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.

    فالخُلُق الحسن جماع الخير كله، والخُلُق الحسن معناه: كل صفةٍ حميدةٍ بالشرع والعقل المستقيم، وقال بعض أهل العلم: «الخُلُق بذلُ الخير، وكفُّ الشر»، ويقال: «الخُلُق الحسن بذلُ الندى، وكفُّ الأذى». والقول الجامع للخُلُق الحسن هو: كل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه.

    فمما أمر الله به: كالتقوى، والإخلاص، والصبر، والحِلم، والأناة، والحياء، والعِفَّة، والغَيْرة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والرحمة، وإغاثة الملهوف، والشجاعة، والكرم، والصدق، وسلامة الصدر، والرفق، والوفاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحُسْن الجوار، والتواضع، والتحمُّل، والسماحة، ومُجانَبة المكر.

    ومما نهى الله عنه: مجانبة المكر، والغدر، والخيانة، والخديعة، والفواحش والمنكرات، وخبائث المشروبات، وخبائث المآكل، والكذب، والبهتان، والشُّحّ، والبخل، والجبن، والرياء، والكِبْر، والعُجْب، والظلم والعدوان، والحقد والغِلّ، والحَسَد، والبُعْد عن التُّهَم، ونحو ذلك.

    والخُلُق الحسن ينفع المؤمن في الدنيا والآخرة، ويرفع درجته عند ربه، وينتفع بخلقه البر والفاجر، وأما الكافر فإنه ينفعه خلقه في الدنيا ويعيش به ويُثِيبه الله عليه في العاجلة، وأما الآخرة فليس له فيها نصيب.

    عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله! أرأيتَ عبد الله بن جدعان فإنه كان يقرِي الضيف، ويكسب المعدوم، ويُعِينُ على نوائب الدهر، أينفعه ذلك؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا؛ إنه لم يقل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين».

    وقد أمَرَ الله في كتابه - عز وجل - بكل خُلُقٍ كريم، ونَهَى عن كل خُلُق ذمِيم، وجاءَت السنة النبوية كذلك آمِرَة بكل خَصلةٍ حميدةٍ، ناهيةً عن كل خصلةٍ خبيثةٍ، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ جدًّا، وحسبُنا في ذلك مِثل قول الله - تعالى -: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151 ]، وقوله - عز وجل -: {ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134 ]، وقال - تعالى -: {خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ} [الأعراف: 199 ]، وقال - عز وجل -: {وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللهِ} [النحل: 127 ]، وقال - تبارك وتعالى -: {وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34 ]، وقال - عز وجل -: {وَاخفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215 ]، وقال - تبارك وتعالى -: {تِلْكَ ٱلدَّارُٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83 ]، وقوله - عز وجل -: {وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَـٰمًا وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 63- 68 ]، وقال - تعالى-: {يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ} [المائدة: 1 ]، وقال - عز وجل -: {وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7 ].

    وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسُنَ خُلُقه»؛ رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -.

    وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُكم بمن يَحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هيِّن ليِّن سهل»؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسن.

    وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرفقَ لا يكون في شيء إلا زَانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شَانَه»؛ رواه مسلم.

    وعن النَّوَّاس بن سَمْعَان - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِر والإثم، فقال: «البِر حُسن الخلق، والإثمُ ما حَاكَ في صدرك وكرهتَ أن يطَّلِع عليه الناس»؛ رواه مسلم.

    الخُلُق الحسنُ بركةٌ على صاحبه وعلى مجتمعه، وخيرٌ ونَمَاءٌ ورفعةٌ عند الله وسَنَاء، ومحبةٌ في قلوب الخلق، وطمأنينة وانشراح في الصدور، وتيسيرٌ في الأمور، وذِكرٌ حَسنٌ في الدنيا، وحسن عاقبة في الأخرى، وسوء الخلق شُؤْمٌ ومحقُ بركةٍ في الأعمار، وبُغْضٌ في الخلق، وظُلمةٌ في القلوب، وشقاءٌ عاجلٌ، وشرٌّ آجِل.

    أيها المسلمون:

    اقتدوا بالسلف الصالح الذين اتَّصَفوا بمكارم الأخلاق وشهد لهم بذلك العليم الخلاق في مثل قوله الله - تبارك وتعالى -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ ٱللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ} [الفتح: 29 ]، وقوله - تعالى-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللهِ} [آل عمران: 110 ]؛ فهم خيرُ الناس للناس، وقول الله - تعالى-: {مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23 ].

    فكلُّ واحدٍ من الصحابة - رضي الله عنهم - أمةٌ وحده في مكارم الأخلاق والبُعْد عن سَفَاسِفِ الأمور، يُعلَم هذا من تفصيل سِيَرِهم وأحوالهم.

    والمَثَل الأعلى في كل خُلُقٍ كريم، وفي كل وصفٍ حميدٍ عظيمٍ سيدُ البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو القدوة التامة في كل شيء، قال الله - تعالى -: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآَخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21 ]؛ فقد أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه.

    واعتنى - صلى الله عليه وسلم - أعظم عنايةٍ بتربية الأمة على كل خُلُق حميد وفعلٍ رشيد؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالح الأخلاق»؛ رواه أحمد.

    وأثنَى الله على نبيه - عليه الصلاة والسلام - أفضل الثناء، ثناءً يتردَّد في سمع الوجود، ويتلُوه الملأ الأعلى والمؤمنون من الجن والإنس، ولا تُنْسِيه سرمديَّة الزمان، قال الله - تعالى -: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4 ]، {وَكَفَىٰ بِٱللهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28 ].

    عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سُئِلَت عن خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: «كان خُلُقه القرآن».

    قال ابن كثير - رحمه الله -: «صار امتثالُ القرآن أمرًا ونهيًا سجِيَّةً له، وخُلُقًا تطبَّعه، وترك طبعه الجِبلّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخُلُق العظيم من الحياء والكرم، والشجاعة والصفح والحلم، وكل خُلُقٍ جميل» انتهى.

    وحتى قبل البعثة لم يجِدوا عليه سَقطة ولا عيبًا يُذمّ به - مع كثرة أعدائه، وتوافر دواعيهم وحرصهم - ولما فجِأَه الوحي قال لخديجة - رضي الله عنها -: «لقد خشِيتُ على نفسي». فقالت: كلا والله، لا يُخزِيك الله أبدًا، إنك لتَصِل الرَّحِم، وتصدُق الحديث، وتحمِلُ الكَلَّ، وتقرِي الضيف، وتُعينُ على نوائب الحق»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

    فهذا بعض خُلُقه الكريم قبل البعثة، فأتمَّ الله عليه النعمة والخُلُق العظيم بعد البعثة.

    فتأسّوْا - معشر المسلمين - بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - بالتمسُّك بدينه القيِّم، والعمل بشريعته الغرَّاء، والتخلُّق بأخلاقه الكريمة، بقدر ما يُوفِّقكم الله لذلك، واحملوا أنفسكم على منهجه مخلصين لله - تعالى - مُتَّبِعين لسنته غير مبتدعين في دينه، قال - عز وجل -: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 21 ].

    واعلموا - عباد الله - أن المُدَاراةَ من الخُلُق الحسن، والمُدَاهَنةَ من الخُلُق المذموم، فالمُدَاراة هي دفعُ الشر بالقول الحسن أو الفعل الحسن، وتبليغ الحق بأسلم وسيلة وتكون في بعض الأحوال، والمُدَاهنة هي السكوتُ عن الحق، أو الموافقة في المعصية، قال الله - تعالى -: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77 ].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه الآيات والذكر الحكيم، ونفَعَنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين وليّ المتقين أحاط بكل شيء علمًا، ووسِعَ كل شيء رحمةً وحلمًا، أحمده - سبحانه - على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحُسْنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الأتقياء.

    أما بعد:

    فاتقوا الله - تعالى - كما أمر، وابتعِدوا عما نهى عنه وزَجَر؛ فقد أمركم الله - تبارك وتعالى - بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الله - تبارك وتعالى - مما جاء به كتابه يقول - عز وجل -: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا} [الإسراء: 26، 27 ].

    عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ الناس بخُلُق حسن»؛ رواه الترمذي.

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: «تقوى الله وحُسن الخُلُق»، وسُئِل عن أكثر ما يُدخل الناس النار، فقال: «الفم والفرج»؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.

    فتمسَّكوا بأخلاق دينكم - عباد الله - وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه -: «من أحبَّ أن يُزحزَح عن النار وأن يدخل إلى الجنة فليأتِ إلى الناس ما يحب أن يُؤتَى إليه»، فتمسَّكوا بأخلاق دينكم، وحافِظوا على هدي نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - تفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة.

    عباد الله:

    إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - تبارك وتعالى -: {إِنَّ ٱللهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»؛ فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

    اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

    اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحب والآل - رضي الله عنهم أجمعين -.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم انصر سنة نبيك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أظهِر دينَك دين الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم أظهِر السنن وانصر السنن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اقمَع البدع إلى يوم الدين يا رب العالمين.

    اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين وأصلِح ذات بينهم يا أرحم الراحمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا، اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، اللهم وانفع به البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير، اللهم وأصلِح بِطَانته، اللهم وفِّق وليَّ عهده لما تحب وترضى ولما فيه عز الإسلام يا رب العالمين، اللهم وفِّق النائب الثاني لما تحب وترضى ولما فيه عِزُّ الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

    اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عمَلَهم خيرًا لشعوبهم وأوطانهم إنك على كل شيء قدير.

    اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أغِثْنا يا رب العالمين، اللهم سُقْيَا رحمةٍ لا سُقْيا عذابٍ ولا هَدْمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقٍ يا رب العالمين.

    اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ما قدَّمنا، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرْنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر لا إله إلا أنت.

    اللهم أعِذْنا من شرور أنفسنا، وأعِذْنا من سيئات أعمالنا، وأعِذْنا من شر كل ذي شر يا رب العالمين.

    {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 200 ].

    عباد الله:

    {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90، 91 ].

    اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه يزِدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.