بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:
فهذه رسالة مختصرة في التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي ودعوته الإصلاحية ، والتي انطلقت في نجد في أواســــــــط القرن الثاني عشـر الـــهجري ، وصاحب الرسالة هو حـــــــفيده الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمـٰن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، رحمهم الله جميعا ، وقد بيَّـن في رسالته نسب جده ، ورحلته في طلب العلم ، ومشايخه الذين تلقى عنهم ، ثم ذكر الحال التي كانت عليها بلاد نجد ، وما كان يعج فيها من الخرافات ، والتعلق بالأموات والقبور والنخيل والمغارات والعيون ، ثم جهاده في نشر الدعوة لعبادة الله وحده ، ونبذ عبادة ما سوى الله.
ثم بيَّـن صاحب الرسالة رحمه الله أن دعوة الشيخ محمد مطابقة لما سار عليه العلماء المعتبرين من أصحاب المذاهب الأربعة ، فنقل أقوالا كثيرة عن علماء المذاهب في إنكار عبادة القبور والتعلق بالأموات والجمادات ، وهو الأمر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً ، ليتضـح للقارئ الكريم أن ما دعا إليه الشيخ محمد ليس مذهبا خامسا ولا دينا جديدا ، وإنما الذي دعا إليه الشيخ محمد هو دين الإسلام الذي أمر الله تعالى به رسوله أن يدعو إليه الناس كافة.
ولا أطيل ، فالرسالة مُعبِّـرة عن نفسها ، والذي قمت به هو انتقاء الرسالة من «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، ثم خدمة النص بالتعليق عليه بحسب الحاجة ، وتخريج الآيات والأحاديث ، وعزو الأقوال العلمية إلى أصحابها بعد مقابلتها بالنسخ المحققة ، وكذا شرح الغريب من الألفاظ.
والذي دعاني لنشر هذه الرسالة هو الرغبة في تبصير الناس – لاسيما البعيدين عن الجزيرة العربية – بالشيخ محمد ودعوته ، وبيان أن دعوته ليست مستقلة عن دين الإسلام ، بل هي مطابقة له ، وأن الشيخ محمد ليس إلا مجددا لما اندرس من معالم الإسلام ، فإن جموعا غفيرة من الناس مع الأسف الشديد لا تعلم ذلك ، بل تظن أنه استقل بمذهب جديد أو دين جديد ، ولذا يُسمُّون دعوته بالوهابية ، ويُسمون من قَــبِــلَ دعوته بالوهابي ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء فهم لدعوة الشيخ مـحمد ، بل ربما وقع بعض الناس في عرضه ، واتهموه بالعظائم ، من غير تمحيص لتلك الاتهامات ، ولا رجوع لما كتبه الثقات عنه ، ولا شك أن هذا من كبائر الذنوب ، ففي التنزيل ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾.
أقول: ولا شك أن الطعن في العلمـاء الصادقين ليس إلا إيذان بحرب الله تعالى ، كيف لا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.[1]
ولذا رأيت انتقاء هذه الرسالة ونشرها محتسبا في ذلك الثواب الوارد في تعريف الناس بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته ، ومحتسبا أيضا للثواب الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.[2]
ولا يفوتني أن أعرف بالشيخ عبد اللطيف صاحب الرسالة ، فأقول هو الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى ، ولد سنة 1225 هـجرية في بلدة العلم والعلماء ؛ الدرعية ، درس على يد عدد من المشايخ ، منهم والده الشـــيخ عبد الرحمـٰن بن حسن ، وكذا ابن عمه الشيخ عبد الرحمـٰن بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، والشيخ محمد بن محمود الجزائري ، وغيرهم.
وبعد تضلعه في العلم ؛ تتلمذ عليه عدد من التلاميذ ، أشهرهم الشيخ الأديب الذاب عن دين الله بشعره ونظمه ؛ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى.
له العديد من الكتب والرسائل ، أما الكتب فأشهرها «مصـباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام» ، وأيضا «منهاج التأسيس في كشف شبهات داود بن جرجيس».
أما الرسائل فجمعها تلميذه الشيخ سليمان في المجلد الثالث من «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، وبعضها مفرق في بعض المجلدات الأخرى ، وبعضها يقع في «الدرر السنية من الأجوبة النجدية».
توفي رحمه الله سنة 1293 هـ.[3]
وقبل طي صفحة المقدمة ؛ أنبه إلى ثلاثة أمور:
الأول : أني قد ألحقت الرسالة المذكورة برسالة أخرى لنفس المؤلف في نفس الباب.
الثاني: أن عنوان الرسالتين ليس من وضع المؤلف وإنما من وضعي ، لأنهما ليس لهما عنوان ابتداءً حسب المراجع.
الثالث: أن الرسالة الأولى مثبتة في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، (3/378-429) ، والتي وكذا في «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» ، (1/372-439) ، وقد اعتمدت على المرجع الأول كأصل ، وصححت ما يلزم تصحيحه من المرجع الثاني ، أما بالنسبة للنقولات العلمية فضبطتها من مصادرها الأصلية ، وهناك تعليقات يسيرة منَّ الله بها ، فالحمد لله على تيسيره.
والله أسأل أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وقارئها وناشرها ، وأن يجعل قصـدها خالصا وأجرها ذخرا ، والله أعـلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ، وسلَّم تسليما كثيرا.
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مـــضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا[4] محمداً عبده ورسوله ، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً.
أما بعد ، فقد سألتَ أرشدك الله أن أُرسل إليك نبذة مفيدة كاشفة عن حال الشيخ الإمام ، العلم[5] القدوة ، المجدد لما أندرس من دين الإسلام ، القائم بنصرة شريعة سيد الأنام ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، أحسن الله له المآب[6] ، وضاعف له الثواب ، ويسَّرَ له الحساب.
وذكرت أرشدك الله أن جِهتكم لا يوجد فيها ذلك ، وأن عندكم من الطلبة من يتشوق إلى تلك المناهج والمسالك ، فكتبت إليك هذه الرسالة ، وسودت إليك هذه الكراسة والعجالة ، ليعلم الطالب ، ويتحقق الراغب ؛ حقيقة ما دعا إليه هذا الإمام ، وما كان عليه من الاعتقاد والفهم التام ، ويستبِين للناظر فيها ما يُبهِت به الإعداء من الأكاذيب والافتراء ، التي يرُومون[7] بها تنفير الناس عن المحجة والسبيل ، وكتمان البرهان والدليل ، وقد كثر أعداؤه ومُنازعوه ، وفشا البُـهت[8] بينهم فيما قالوه ونقلوه ، فربما أشتبه على طالب الإنصاف والتحقيق ، والتبس عليه واضح المنهج والطريق ، فإن استصحب الأصول الشرعية ، وجرى على القوانين المرضية ؛ عرف أنّ لكل نعمة حاسداً ، ولكل حق جاحداً ، ولا يُقبل في نقل الأقوال والأحكام إلا العدول الثقاة الضابطون من الأنام ، ومن استصحب هذا استراح عن البحث فيما يُنقل إليه ويَسمع ، ولم يَلتفت إلى أكثر ما يُختلق ويُصنع ، وكان من أمره على منهاج واضح ومَشْــرع[9].
وُلد رحمه الله سنة خمس عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في بلد العيينة من أرض نجد ، ونشأ بها ، وقرأ القرآن بها حتى حفظه وأتقنه قبل بلوعه العشر ، وكان حاد الفهم ، سريع الإدراك والحفظ ، يتعجب أهله من فطنته وذكائه ، وبعد حفظ القرآن اشتغل بالعلم وجدَّ في الطلب ، وأدرك بعض الإرَبِ[11] قبل رحلته لطلب العلم ، وكان سريع الكتابة ، ربما كتب الكراسة في المجلس ، وقال أخوه سليمان: (كان والده يتعجَّب من فهمه ، ويعترف بالاستفادة منه مع صغر سنه).
ووالده هو مفتي تلك البلاد ، وجدُّه مفتي البلاد النجدية ، آثاره وتصنيفه وفتاواه تدل على علمه وفقهه ، وكان جده إليه المرجع في الفقه والفتوى ، وكان معاصراً للشيخ منصور البهوتي الحنبلي خادم المذهب ، اجتمع به بمكة.
وبعد بلوغ الشيخ سن الاحتلام ؛ قدّمه والده في الصلاة ، ورآه أهلا للإئتمام ، ثم طلب الحج إلى بيت الله الحرام ، فأجابه والده إلى ذاك المقصد والمرام ، وبادر إلى قضاء فريضة الإسلام ، وأداء المناسك على التمام ، ثم قصد المدينة المنورة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وأقام بها قريباً من شهرين ، ثم رجع إلى وطنه قرير العين ، واشتغل بالقراءة في الفقه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
ثم بعد ذلك رحل يطلب العلم ، وذاق حلاوة التحصيل والفهم ، وزاحم العلماء الكبار ، ورحل إلى البصرة والحجاز مراراً ، واجتمع بمن فيها من العلماء والمشايخ الأحبار[12] ، وأتى الأحساء وهي إذ ذاك آهلةً بالمشايخ والمعلماء ، فسمِع وناظر ، وبحث واستفاد ، وساعدته الأقدار الربانية بالتوفيق والأَمداد[13].
وروى عن جماعة ، منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني[14] ، وأجازه من طريقين ، وأول ما سمع منه الحديث المسلسل بالأولية ، في كتب السماع بالسند المتصل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله قال: قال رسول الله e : الراحمون يرحمهم الرحمـٰن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.[15]
وسمع منه مسلسل الحنابلة بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله e : إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله.
قالوا: وكيف يستعمله؟
قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته.[16]
وهذا الحديث من ثلاثيات أحمد رحمه الله.
وطالت إقامة الشيخ ورحلته بالبصرة ، وقرأ بها كثيراً من كتب الحديث والفقه والعربية ، وكتب من الحديث والفقة واللغة ماشاء الله في تلك الأوقات ، وكان يدعو إلى التوحيد ويُظهره لكثير ممن يخالطه ويجالسه ، ويستدل عليه ، ويظهر ما عنده من العلم وما لديه ، وكان يقول: (إن الدعوة[17] كلها لله ، ولا يجوز صرف شي منها إلى سواه) ، وربما ذكروا بمجلسه إشارات[18] الطواغيت ، أو شيئاً من كرامات الصالحين ، الذين كانوا يدعونهم ويستغيثون بهم ويلجؤن إليهم في الملمات والمهمات ، فكان ينهى عن ذلك ويزجر ، ويورد الأدلة من الكتاب والسنة ويحذر ، ويُخبر أن محبة الأولياء والصالحين إنما هي متابعتهم فيما كانوا عليه من الهدى والدين ، وتكثير أجورهم بمتابعتهم على ماجاء به سيد المرسلين ، وأما دعوى المحبة والمودة ، مع المخالفة في السنة والطريقة ؛ فهي دعوى باطلة مردودة ، غير مُسلَّمةٍ[19] عند أهل النظر والحقيقة ، ولم يزل على ذلك رحمه الله.
ثم رجع إلى وطنه ، فوجد والده قد انتقل إلى بلده حريملا ، فاستقر معه فيها ، يدعو إلى السنة المـحمدية ويُبديها ، وبناصِح من خرج عنها ويُفشيها ، حتى رفع الله شأنه ورفع ذكره ووَضع له القبول ، وشهد له بالفضل ذووه من أهل العقول والمنقول ، وصنف كتابه المشهور في التوحيد[20] ، وأعلن بالدعوة إلى صراط[21] العزيز الحميد ، وقُرِأ عليه هذا الكتاب المفيد ، وسمعه كثير ممن لديه من طالب ومستفيد ، وشاعت نُسخه في البلاد ، وطار ذكرها في الغور[22] والأنجاد[23] ، وفاز بصحبته واستفاد ، من جرَّد القصد وسلِم من الأَشَر[24] والبغي والفساد ، وكثر بحمد الله محبوه وجنده ، وصار معه عصابة من فحول الرجال ، وأهل السمت الحسن والكمال ، يسلكون معه الطريق ، ويُـجاهدون كل فاسق وزنديق.
كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم ، وعَـفَت[25] آثار الدين لديهم ، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية ، وغلُب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية ، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان ، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن ، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان ، وهرِم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد ، وأعلام الشريعة مطموسة ، ونصوص التنـزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة ، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام ، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة ، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين ، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين والأوثان والأصنام والشياطين ، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مُقبلون ، ومن بـحرِهِ الأُجَاج[26] شارِبون وبه راضون ، وإليه مدى الزمان داعون ، قد أعْشتهم[27] العوائد والمألوفات ، وحبَستهم الشهوات والإرادات عن الارتفاع إلى طلب الهدى من النصوص المحكمات ، والآيات البينات ، يحتجون بما رووه من الآثار الموضوعات ، والحطايات المختلقة والمنامات ، كما يفعله أهل الجاهلية وغُـبْر الفترات[28] ، وكثير منهم يعتقد النفع والضر في الأحجار والجمادات ، ويتبركون بالآثار والقبور في جميع الأوقات ، ]نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون[ ، ]الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون[ ، ]قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغيرالحق وأن تشركوا بالله مالم ينـزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[.
فأما بلاد نجد ؛ فقد بالغ الشيطان في كيدهم وجَدْ ، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب ، ويدعونه رغبًا ورهَبًا بفصيح الخطاب ، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج ، ويرونه من أكبر الوسائل والولائج[29].
وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر ضِرار بن الأزور ، وذلك كذب ظاهر ، وبهتان مُزَوَّر.
وكذلك عندهم نَـخلٌ فِحال[30] ، ينتابه[31] النساء والرجال ، ويفعلون عنده أقبح الفِعال ، والمرأة إذا تأخر عنها الزواج ولم يرغب فيها الأزواج ؛ تذهب إليه فتضمه بيدها وتدعوه برجاء وابتهال ، وتقول (يا فحل الفحول ، أريد زوجاً قبل الحول)[32].
وشجرة عندهم تسمى (الطَّـرْفِــــيَّة)[33] ، أغراهم الشيطان بها وأوحى إليهم التعلق عليها ، وأنها تُرجى منها البركة ، ويُعلِّقون عليها الخرق ، لعل الولد يسلم من السوء.
وفي أسفل بلدة الدرعية مغارة في الجبل ، يزعمون أنها انفَلقت من الجبل لامرأة تسمى «بنت الأمير» ، أراد بعض الناس أن يظلمها ويَضير[34] ، فانفلق الغار ولم يكن له عليها اقتدار ، كانوا يرسلون إلى هذا المكان من اللحم والخبز ما يقتات به جند الشيطان.
وفي بلدتهم رجل يَدَّعي الولاية يسمى «تاج» ، يتبركون به ويرجون منه العون والإفراج ، وكانوا يأتون إليه ، ويرغبون فيما عنده من المدد - بزعمهم - ولديه ، فتخافُه الحُكام والظلمة ، ويزعمون أن له تصرفًا وفتكا بمن عصاه وملحمة ، مع أنهم يحكون عنه الحكايات القبيحة الشنيعة ، التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة والشريعة.
وهكذا سائر بلاد نجد على ما وصفنا من الإعراض عن دين الله ، والجحد لأحكام الشريعة والرد ، ومن العجب أن هذه الاعتقادات الباطلة والمذاهب الضالة والعوائد الجائرة والطرائق الخاسرة قد فشت وظهرت وعمت وطمت ، حتى بلاد الحرمين الشريفين[35] ، فمن ذلك ما يُفعل عند قبر محجوب وقبة أبي طالب ، فيأتون قبره بالشماعات والعلامات ، للاستغاثة عند نـزول المصائب وحلول النواكب ، وكانوا له في غاية التعظيم ، ولا ما يجب عند البيت الكريم[36] ، فلو دخل سارق أو غاصب أو ظالم قبر أحدهما لم يتعرض له أحد ، لما يرون له من وجوب التعظيم والاحترام والمكارم.
ومن ذلك ما يُفعل عند قبر ميمونة أم المؤمنين ورضي الله عنها في «سَرَف» ، وكذلك عند قبر خديجة رضي الله عنها ، يفعل عند قبرها ما لا يسوغ السكوت عليه من مسلم يرجو الله واليوم الآخر[37] ، فضلا عن كونه من المكاسب الدنيئة الفاجرة ، وفيه من اختلاط النساء بالرجال ، وفعل الفواحش والمنكرات وسوء الأفعال ؛ ما لا يُـــقِرُّهُ أهل الأديان[38] والكمال ، وكذلك سائر القبور المعظمة المشرفة في بلد الله الحرام ؛ مكة المشرفة.
وفي الطائف قبر ابن عباس رضي الله عنهما ، يُفعل عنده من الأمور الشركية التي تشمئز منها نفوس الموحدين ، وتنكرها قلوب عباد الله المخلصين ، وترُدُّها الآيات القرآنية وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين ، منها وقوف السائل عند القبر متضرعا مستغيثا ، وإبداء الفاقة إلى معبودهم مستكينا مستعينا ، وصرف خالص المحبة التي هي محبة العبودية ، والنذر والذبح لمن تحت ذاك الـمشهد والبنية ، وأكثر سُوقتهم[39] وعامتهم يلهـــجون بالأسواق (اليوم على الله وعليك يا ابن عباس) ، فيستمدون منه الرزق والغوث ، وكشف الضر والبأس.
وذكر محمد بن حسين[40] النعيمي الزبيدي رحمه الله أن رجلا رأى مايفعل أهل الطائف ، من الشُّعب الشركية والوظائف ، فقال: (أهل الطائف لا يعرفون الله ، إنما يعرفون ابن عباس) ، فقال له بعض من يترشح للعلم: (معرفتهم لابن عباس كافية ، لأنه يعرف الله) ، فانظر إلى هذا الشرك الوخيم ، والغلو الذميم ، المجانِب للصراط المستقيم ، ووازن بينه وبين قوله ]وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ ، وقوله جل ذكره ]وأن الـمساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا[ ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يُعبد الله فيها ، فكيف بمن عبد الصالحين ودعاهم مع الله؟ والنصوص في ذلك لا تخفى على أهل العلم.
كذلك ما يُفعل بالمدينة المشرفة على ساكنيها أفضل الصلاة والسلام هو من هذا القبيل ، بالبعد عن منهاج الشريعة والسبيل.
وفي بَندر جدة[41] ما قد بلغ من الضلال حدَّه ، وهو القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء ، وضعه لهم بعض الشياطين ، وأكثروا في شأنه الإفك المبين ، وجعلوا له السدنة والخدام ، وبالغوا في مخالفة ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، من النهي عن تعظيم القبور والفتنة بمن فيها من الصالحين والكرام.
وكذلك مشهد العلوي ، بالغوا في تعظيمه وتوقيره ، وخوفه ورجائه ، وقد جرى لبعض التجار أنه انكسر بمال عظيم لأهل الهند وغيرهم ، وذلك في سته عشر ومائتين وألف ، فهرب إلى مشهد العلوي مستجيراً ، ولائذا به مستغيثا ، فتركه أرباب الأموال ، ولم يتجاسر أحد من الرؤساء والحكام على هتك ذلك المشهد والمقام ، واجتمع طائفة من الـمعروفين ، واتفقوا على تنجيمه[42] في مدة سنين ، فنعوذ بالله من تلاعب الفجرة والشياطين.
وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها وأعمالها فقد جمعت من الأمور الشركية ، والعبادات الوثنية ، والدعاوي الفرعونية ؛ مالا يتسع له كتاب ، ولا يدنو له خطاب ، لاسيما عند مشهد أحمد البدوي وأمثاله من المعتقَدين[43] المعبودين ، فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتم ، وجمورهم يرى له[44] من تدبير الربوبية ، والتصرف في الكون بالمشيئة والقدرة العامة ؛ مالم يُنقل مثله عن أحد من الفراعنة والنماردة[45] ، وبعضهم يقول: (يتصرف في الكون سبعة) ، وبعضهم يقول: (أربعة) ، وبعضهم يقول: (قطب يرجعون إليه) ، وكثير منهـم يرى أن الأمر شورى بين عدد ينتسبون إليه ، فتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرًا ، ]كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا[.
وقد استباحوا عند تلك المشاهد من المنكرات والفواحش والمفاسد ما لا يمكن حصره ، ولا يُستطاع وصفه ، واعتمدوا في ذلك من الحكايات والخرافات والجهالات مالا يصدر عمن له أدنى مُسكةَ[46] أو حظ من المعقولات ، فضلاً عن النصوص الشرعيات.
كذلك ما يفعل في بلدان اليمن جارٍ على تلك الطريق والسَّنن[47] ، ففي «صنعاء» و «بُــرَع» و «المخا» وغيرها من تلك البلاد ما يتنـزه العاقل عن ذكره ووصفه ، ولا يمكن الوقوف على غايته وكشفه ، ناهيك بقومٍ استخفَّهم الشيطان ، وعدَلوا عن عبادة الرحمـٰن ، إلى عبادة الـــــــــقبور والشيطان ، فسبحان من لا يُعجل بالعقوبة على الجرائم ، ولا يُهمل الحقوق والمظالم.
وفي حضرموت والشَّحر وعدن ويافع ، ما تَستكُّ[48] عن ذكره المسامع ، يقول قائلهم: (شيء لله يا عيدروس ، شيء لله يا محيي النفوس).
وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان وخلع رِبقة[49] الإيمان ؛ ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن.
كذلك رئيسهم المسمى بـ «السيد»[50] ، لقد أتوا من طاعته وتعظيمه وتقديسه[51] وتصديره والغلو فيه بما أفضى بهم إلى مفارقة الملّة والإسلام ، والإنحياز إلى عبادة الأوثان والأصنام ، ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلـٰهاً واحدًا لا إلـٰه إلا هو سبحانه عما يشركون[.
وكذلك حلب ودمشق وسائر بلاد الشام ، فيها من المشاهد والنُّصُب والأعلام ما لا يُجامِع عليه أهل الإيمان والإسلام[52] ، من أتباع سيد الأنام ، وهي تُقارب ما ذكرنا من الكفريات المصرية ، والتلطخ بتلك الأحوال الوثنية الشركية.
وكذلك الـمُوصل وبلاد الأكراد ؛ ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد.
وفي العراق من ذلك بحره الـمحيط بسائر الخِلْجان[53] ، وعندهم المشهد الحسيني ، قد اتخذه الرافضة وثنًا ، بل ربَّــــاً مدبرًا ، وخالقاً ميسِّرًا ، وأعادوا به المجوسية ، وأحيوا به معاهد[54] اللات والعزّى ، وما كان عليه أهل الجاهلية.
وكذلك مشهد العباس ، ومشهد علي ، ومشهد أبي حنيفة ومعروف الكرخي والشيخ عبدالقادر[55] ، فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد ، رافضتهم وسُنتهم ، وعدَلوا[56] عن أسنى المطالب والمقاصد ، ولم يعرفوا ما وجب عليهم من حق الله الفرد الصمد الواحد.
وبالجملة ؛ فهم شر تلك الأمصار ، وأعظمهم نفورًا عن الحق واستكباراً.
والرافضة يُصَلون لتلك المشاهد ، ويركعون ويسجدون لمن في تلك المعاهد ، وقد صرفوا من الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث[57] والقبور ؛ ما لا يُصرف عُشر مِعشاره للملك العلي الغفور ، ويزعمون أن زيارتهم لعلي وأمثاله أفضل من سبعين حجة ، تعالى الله وتقدس في مجده وجلاله.
ولآلهتهم من التعظيم والتوقير والخشية والاحترام ما ليس معه من تعظيم الله وتوقيره وخشيته وخوفه شيء للإلـٰه الحق والملك العلام ، ولم يَبق مما عليه النصارى سوى دعوى الولد[58] ، مع أن بعضهم يرى الحلول لأشخاص بعض البرية[59] ، ]سبحان ربك رب العزة عما يصفون[.
وكذلك جميع قرى «الشط» و «المجرة» على غاية من الجهل.
وفي القطيف والبحرين من البدع الرافضية ، والأحداث المجوسية ، والمقامات الوثنية ؛ ما يُضاد ويصادم أصول الملَّة الحنيفية.
فمن اطلع على هذه الأفاعيل ، وهو عارف بالإيمان والإسلام وما فيهما من التفريع والتأصيل ؛ تيقن أن القوم قد ضلوا عن سواء السبيل ، وخرجوا من مقتضى القرآن والدليل ، وتمسكوا بزخارف الشيطان ، وأحوال الكهان ، وما شابه هذا القبيل ، فازداد بصيرة في دينه ، وقوِي بمشاهدة إيمانه ويقينه ، وجدَّ في طاعة مولاه وشكره ، واجتهد في الإنابة اليه وإدامة ذكره ، وبادر إلى القيام بوظائف أمره ، وخاف أشد الخوف على إيمانه من طغيان الشيطان وكفره ، فليس العجب ممن هلك كيف هلك ، إنما العجب ممن نجا كيف نجا ، ولقد أحسن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير فيما أبداه من أهل وقته[60] من التبديل والتغيير.
وهذه الحوادث المذكورة ، والكفريات المشهورة ، والبدع المزبورة[61] ، قد أنكرها أهل العلم والإيمان ، واشتد نكيرهم حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان ، ولكن لما كانت الغلبة للجهال والطَّـغام[62] ؛ انتقضت[63] عرى الدين وانثلمت[64] أركانه وانطمست منه الأعلام ، وساعدهم على ذلك من قل حظه ونصيبه من الرؤساء والحكام ، والمنتسبين من الجهال إلى معرفة الحلال والحرام ، فاتّبعتهم العامة والجمهور من الأنام ، ولم يشعروا بما هم عليه من المخالفة والمباينة لدين الله ، الذي اصطفاه لخاصته وأوليائه وصفوته الكرام ، ومع عدم العلم ، والإعراض عن النظر في آيات الله والفهم ؛ لا مندوحة[65] للعامة عن تقليد الرؤساء والسادة ، ولا يمكن الانتقال عن المألوف والعادة ، ولهذا كرر سبحانه وتعالى التنبيه على هذه الحُجة الداحضة ، والعادة المضطردة[66] الفاضحة ، قال تعالى ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنـزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا[ ، وقوله ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير[ الآية ، وقد قُـرِّر هذا المعنى في القرآن لحاجة العباد وضرورتهم إلى معرفته والحذر منه وعدم الإغترار بأهله ، وما أحسن ما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبارُ[67] سوءٍ ورهبانها[68]
إذا عرفت هذا ؛ فليس إنكار الحوادث[69] من خصائص هذا الشيخ ، بل له سلف صالح من أئمة العلم والهدى ، قاموا بالنكير والرد على من ضل وغوى ، وصرْفِ خالص العبادة إلى من تحت أطباق الثرى ، وسنسرد لك من كلامهم ما تقر به العيون[70] ، وتَثلج به الصدور ، ويتلاشى معه ما أحدثه الجهال من البدع والإشراك والزور.[71]
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي[72] في كتابه المشهور الذي سماه «الحوادث والبدع»:
(روى البخاري[73] عن أبى واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل «حُنين»[74] ونحن حديثو عهد بكفر[75] ، وللمشركين سدرة يعكُفون[76] عندها ، وينوطــون[77] بـها أسلحتهـم ، يقال لـها ذات أنواط ، فقلنا: يا رسول الله ، إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى ]اجعل لنا إلـٰها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون[ ، لتركبن سنن من كان قبلكم.[78]
فانظروا رحمكم الله ، أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البرء والشفاء من قِبَلها ، وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها).[79]
انتهى كلامه رحمه الله.
فانظر رحمك الله إلى تصريح هذا الإمام ، بأن كل شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون الشفاء والعافية من قِبلها فهي ذات أنواط ، التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما طلبوا منه أن يجعل لهم شجرة كذات أنواط ، فقال: الله أكبر ، هذا كقول بني إسرائيل ]إجعل لنا إلـٰها[ ، مع أنهم لم يطلبوا إلا مـجرد مشابهتهم في العكوف عندها ، وتعليق الأسلحة للتبرك ، فتبين لك بهذا أن من جــعل قبرًا أو شجرة أو شيئاً حيَّا أو ميتاً مقصودا له ، ودعاه واستغاث به وتبرك به وعكف على قبره ؛ فقد اتخذه إلـٰهاً مع الله ، فإذا كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنكر عليهم مجرد طلبهم منه مشابهة المشركين في العكوف وتعليق الأسلحة للتبرك ؛ فما ظنك بما هو أعظم من ذلك وأطمُّ ؛ الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله ، وأخبر أنَّ أصلح الخلق لو يفعله لحبِط عمله وصار من الظالمين؟
فصلوات الله وسلامه عليه ، فقد بلَّغ البلاغ المبين ، وعرَّفنا بالله ، وأوضح لنا الصراط المستقيم ، فحقيقٌ بمن نصح نفسه وآمن بالله واليوم الآخر أن لا يغتر بما عليه أهل الشرك من عبادة القبور من هذه الأمة.
ومن ذلك ما ذكره الإمام محدث الشام عبد الرحمـٰن بن إسماعيل بن إبراهيم ، المعروف بأبي شامة[80] ، من فقهاء الشافعية وقدمائهم ، في كتابه الذي سماه «الباعث على إنكار البدع والحوادث» ، في فصل البدع المستقبحة ، قال:
قسم تعرفه العامة والخاصة أنه بدعة محدثة ، إما محرمة وإما مكروهة.
وقسم يظنه معظمهم – إلا من عُصِم – عباداتٍ وقرباً وطاعاتٍ وسنناً.
فأما القسم الأول فلا نُطوِّل بذكره ، إذ قد كُفينا مؤنة الكلام فيه ، لاعتراف فاعله أنه ليس من الدين ، لكن تبين من هذا القسم ما قد وقع فيه جماعة من جُهال العوام المنابذين لشريعة الإسلام ، التاركين الإقتداء بأئمة الدين من الفقهاء ، وهو ما يفعله طوائف من المنتمين إلى الفقر ، الذي حقيقته الإفتقار من الإيمان – من مؤاخاة النساء الأجانب ، والـــخلوة بـــهن ، واعتقادهم في مشايخ لـــــهم ضالين مُضــــلين ، يأكـــــلون في نـهار رمضان من غيــــر عـــــذر ، ويتــــــركون الصــــلاة ، ويُـخامِــــرون[81] النجاسات غير مكترثين لذلك ، فهم داخلون تحت قوله تعالى ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ ، وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها.
ومن هذا القسم أيضًا ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق[82] الحيطان والعُـمُد[83] ، وسرْجِ[84] مواضع مخصوصة في كل بلد يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن اشتهر بالصلاح والولاية ، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه ، ويظنون أنهم متقربون بذلك ، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يَعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها ، وهي ما بين عيون وشجر وحائط وحجر.
وفي مدينة دمشق - صانها الله - من ذلك مواضع متعددة ، كعُوبية الحمى خارج بلد «توما» ، والعمود الـمُخَلق[85] خارج الباب الصغير ، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق ، سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها ، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق وسفيان بن عيينة عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى «حُـــنين» ، وكانت لقريش شجرة خضراء عظيمة يأتونها كل سنة فيعلقون عليها سلاحهم ، ويعكفون عندها ويذبحون لها.
وفي رواية: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قـــِبَل «حُـــنين» ، ونحن حديثو عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عليها وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة ، فقلنا: يا رسول الله – وفي الرواية الأولى: وكانت تسمى ذات أنواط – فمررنا بسدرة شجرة عظيمة خضراء ، فتنادينا من جنبتي الطريق ونحن نسير إلى حُنَــين: يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، هذا كما قال قوم موسى لموسى ]اجعل لنا إلـٰهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون[ ، لتركبن سنن من كان قبلكم.
أخرجه الترمذي بلفظ آخر ، والمعنى واحد ، وقال: حديث حسن صحيح.
قال الإمام أبوبكر الطرطوشي رحمه الله تعالى في كتابه المتقدم ذكره: فانظروا رحمكم الله ، أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البرء والشفاء من قِبَلها ، وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها.[86]
قلت[87]: ولقد أعجبني ما فعله الشيخ أبو إسحاق الجبنياني[88] رحمه الله تعالى ، أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة ، حَكى عنه صاحبه الصالح أبو عبدالله محمد بن أبي العباس المؤدب ، أنه كان إلى جانبه عين تسمى «عين العافية» ، كان العامة قد افتتنوا بها ، يأتونها من الآفاق ، من تعـــــذر عليـــــها نـــــكـــــاح أو ولـــــد قـــــالـــــت: (امـــــضـــــوا بـــــي[89] إلـــــى العـــــافـــــيـــــة) ، فتُـــــعـــــرف بـــــها الفـــــتـــــنـــــة[90] ، قال أبو عبد الله: فإنا في السحر ذات ليلة ، إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها ، فخرجت فوجدته قد هدمها وأذَّن للصبح عليها ، ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأساً.
قال: فما رُفع لها رأسٌ إلى الآن.
قلتُ[91]: وأدهى من ذلك وأمرُّ ؛ إقدامهم على قطعِ طريق السابلة ، يُـجيزون[92] في أحد الأبواب الثلاثة القديمة العادية التي هي من بناء الجن في زمن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام ، أو من بناء ذي القرنين ، وقيل فيها غير ذلك ، مما يؤذِن بالتقدم على ما نقلناه في كتاب «تاريخ مدينة دمشق» حرسها الله ، وهو الباب الشمالي ، ذكر لهم بعض من لا يوثق به في شهور سنة ست وثلاثثين وستمائة أنه رأى منامًا يقتضي أن ذلك المكان دُفن فيه بعض أهل البيت عليهم السلام ، وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف له أنه افتعل ذلك ، فقطعوا طريق المارة فيه ، وجعلوا الباب بكماله مسجدا مغصوبًا ، وقد كان الطريق يَضيق بسالكيه ، فتضاعف الضيق والحرج على من دخل ومن خرج ، ضاعف الله عذاب من تسبب في بنائه ، وأجزل ثواب من أعان على هدمه وإزالة اعتدائه ، اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هدم مسجد الضرار ، الـمُرصد لأعدائه من الكفار ، فلم ينظر الشارع إلى كونه مسجدًا ، وهدمه لَـما قُصد به من السوء والردى ، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ]لا تقم فيه أبدًا[ ، نسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه ، وأن لا يجعلنا ممن أضله واتخذ إلـٰهه هواه.[93]
وهذا الشيخ أبو شامة من كبار أئمة الشافعية في أوائل القرن السابع.
وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي رحمه الله[94]: لما صعُبت التكاليف على الجهلة والطَّغام[95] ؛ عدَلوا[96] عن أوضاعِ[97] الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم ، فسهُلت عليهم ، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع[98] ، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نـهى عنه الشرع ، من إيقاد السرج وتقبيلها وتخليقها[99] ، وخطاب الموتى بالحوائج ، وكَـتْبِ الرِّقاع[100] التي فيها (يا مولاي ، افعل بي كذا وكذا) ، وأخَذَ تربتها تبركا بها ، وإفاضة الطيب على القبور ، وشد الرحال إليها ، وإلقاء الخِرق على الشجر اقتداء بمن عَبد اللات والعزى ، والويل عندهم لمن لم يُقَبِّل مشهد الكَفْ ، ولم يتمسح بآجُــرَّة «مسجد الملموسة» يوم الأربعاء ، ولم يَــقُل الحمَّالون على جنازته: (الصديق أبو بكر ، أو محمد وعلي) ، أو لم يَعقِد على قبر أبيه أزجا[101] بالجص[102] والآجر[103] ، ولم يخرق ثيابه إلى الذيل ، ولم يُرِق ماء الورد على القبر. انتهى.
فتأمل رحمك الله ماذا ذكره هذا الإمام الذي هو أجل أئمة الحنابلة ، بل من أجلِّ أئمة الإسلام ، وما كشفه من الأمور التي يفعلها الخواص من الأنام ، فضلاً عن النساء والغوغاء[104] والعوام ، مع كونه في سادس القرون ، والناس إذ ذاك لِما ذكره يفعلون ، وجهابذة العلماء والنقدة لذلك يشهدون ، وحظهم من النهي مرتبته الثانية[105] ، فهم بها قائمون ؛ يتضح لك فساد ما زخرفه المبطلون ، ومَوَّه به المتعصبون والملحدون.
وقال الشيخ تقي الدين[106]: (وأما سؤال الميت والغائب ، نبيا كان أو غيره ؛ فهو من المحرمات المنكرة بإتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين المسلمين ، فإن أحدًا منهم ما كان يقول إذا نـزلت به تِرةٌ[107] أو عرضت له حاجة لميت: (يا سيدي ، يا فلان ، أنا في حسبك ، أو اقض حاجتي) ، كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين ، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا بغيره من الأنبياء ، لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها).[108]
ولما قحِط الناس في زمن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس وتوسل بدعائه ، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري[109] ، وكذلك معاوية رضي الله عنه لما استسقى بأهل الشام ، بيزيد بن الأسود الجرشي.[110]
فهذا الذي ذكره عمر رضي الله عنه توسل منه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته ، ولهذا توسلوا بعده بدعاء العباس وبدعاء يزيد بن الأسود ، وهذا هو الذي ذكره الفقهاء في كتاب الاستسقاء ، فقالوا: يستحب أن يستسقى بالصالحين ، وإذا كان من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضل.[111]
وكرِه العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه ، وذكروا أن هذا من البدع التي لم يفعلها السلف.[112]
(قال أصحاب مالك: يدنو من القبر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، يوليه ظهره ، وقيل: لا يوليه ظهره ، وإنما اختلفوا لِما فيه من استدباره ، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره ؛ فقد زال المحذور بلا خلاف ، وصار في الروضة أو أمامها ، ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر ، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلما نهى أن يُتخذ القبر مسجدًا أو قبلة ؛ أُمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه ، كما لا يصلى إليه.
قال مالك في «المبسوط»: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، ولكن يسلم ويمضي.
ولهذا والله أعلم حُرفت الحجرة وثُلثت لـمّا بنيت ، فلم يُجعل حائطها الشمالي على سَـمْتِ[113] القبلة ، ولا جُعِـل جدارها مربعا).[114]
وذكر الإمام[115] وغيره أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره[116] ، وذلك بعد تحيته والصلاة والســــلام عليه ، ثم يدعو لنفــسه ، وذكروا أنه إذا حيَّاه وصلى يستقبل وجهه بأبـي وأمي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا ، وهذا مراعاة منهم أن يَفعل الداعي أو الزائر ما نُهي عنه من تحري الدعاء عند القبر.
(وقد كره مالك رحمه الله وغيره لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيء فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، قال: (وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر أو أراد سفرًا ونحو ذلك) ، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها.
وأما قصده دائمًا للصلاة والسـلام عليه فما علمت أحدًا رخص في ذلك ، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدًا.
وأيضًا فإن ذلك بدعة ، فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسـجد كل يوم خمس مرات يصلون ، ولم يكونوا يأتون مع ذلك إلى القبر يسلمون عليه ، لعلمِهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك ، وبما نهاهم عنه[117] ، وأنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه ، وفي التشهد ، كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته ، والمأثور عن ابن عمر يدل على ذلك ، قال سعيد بن منصور في «سننه»: حدثنا عبد الرحمـٰن بن زيد ، حدثني أبي عن ابن عمر ؛ أنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم وصلى عليه وقال: السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه.
وعبد الرحمـٰن بن زيد وإن كان يُضعَّف ؛ لكن الحديث المتقدم عن نافع الصحيح يدل على أن ابن عمر لم يكن يفعل ذلك دائمًا ولا غالباً.
وما أحسن ما قال مالك: لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ونَقَص إيمانهم ؛ عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره ، ولهذا كره الأئمة استلام القبر وتقبيله ، وبنوه بناءً منعوا الناس أن يصلوا إليه).[118]
(ومما يبين حكمة الشريعة وعظم قدرها ، وأنها كما قيل: (سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) ؛ أن الذين خرجوا عن المشروع زيّن لهم الشيطان أعمالهم حتى خرجوا إلى الشرك ، فطائفة من هؤلاء يُصلون إلى الميت ، ويستدبر أحدهم القبلة ويسجد للقبر ، ويقول أحدهم: (القبر قبلة الخاصة ، والكعبة قبلة العامـــة) ، وهذا يقوله من هو أكثر الناس عبادة وزهداً ، وهو شيخ متبوع ، ولعلَّه أمثل[119] أتباع شيخه.
وآخر من أعيان الشيوخ المتبوعين ، أصحاب الصدق والاجتهاد في العبادة والزهد ، يأمر المريد[120] أول ما يتوب أن يذهب إلى قبر الشيخ ، فيعكف عليه عكوف أهل التماثيل عليها.
وجمهور هؤلاء المشركين بالقبور يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وآخرون يحجون إلى القبور ، وطائفة صنفوا كتبًا ، وسموها «مناسك حج المشاهد» ، كما صنف أبو عبدالله محمد بن النعمان الملقب بالمفيد أحد شيوخ الإمامية[121] كتابًا في ذلك ، وذكر فيه من الحكايات المكذوبة على أهل البيت ما لا يخفى كذبه على من له معرفة بالنقل.
وآخرون يسافرون إلى قبور المشايخ وإن لم يسموا ذلك منسكاً وحجًا ، فالمعنى واحد.
وكثير من هؤلاء أعظم قصده من الحج قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حج البيت.
وبعض الشيوخ المشهورين بالدين والزهد والصلاح صنف كتابًا سماه «الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام»[122] ، وقد ذُكر في مناقب هذا الشيخ أنه حج مرة وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى قصده ، ثم رجع ولم يذهب إلى الكعبة ، وجُعِل هذا من مناقبه ، فإن كان هذا مستحبًا فينبغي لمن يجب عليه حج البيت إذا حج أن يجعل المدينة منتهى قصده ، ولا يذهب إلى مكة ، فإنه زيادة كلفة ومشقة مع ترك الأفضل ، وهذا لا يفعله عاقل.
وبسبب الخروج عن الشريعة صار بعض أكابر الشيوخ عند الناس ، ممن يقصده الملوك والقضاة والعلماء والعامة ؛ على طريقة ابن سبعين[123] ، قيل عنه أنه كان يقول: البيوت المحجوجة ثلاثة ، مكة وبيت المقدس والبندر[124] الذي للمشركين في الهند ، وهذا لأنه كان يعتقد أن دين اليهود ودين النصارى حق.
وجاءه بعض إخواننا العارفين قبل أن يَعرف حقيقته فقال له: (أريد ن أسْلُك[125] على يديك).
فقال: على دين اليهود أو النصارى أو المسلمين؟
فقال له: واليهود والنصارى ليسوا كفارًا؟
فقال الشيخ: لا تشدد عليهم ، ولكن الإسلام أفضل.
ومن الناس من يجعل مقبرة الشيخ[126] بمنـزلة عرفات ، يسافرون إليها وقت الموسم ، يُـعَرّفون بها كما يُعرَّف المسلمون بعرفات ، كما يُفعل هذا في المشرق والمغرب.
ومنهم من يحكي عن الشيخ الميت أنه قال: (كل خطوة إلى قبري كحجة ، ويوم القيامة لا أبيع بحجة) ، فأنكر بعض الناس ذلك ، فتمثل له الشيطان بصورة الشيخ ، وزبَــــرهُ[127] عن إنكار ذلك.
وهؤلاء وأمثالهم صلاتهم ونسكهم لغير الله رب العالمين ، فليسوا على ملة إبراهيم إمام الحنفاء ، وليسوا من عمّار مساجد الله الذين قال الله فيهم ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله[ ، فعمار مساجد الله لا يخشون إلا الله ، وعمار مساجد المقابر يخشون غير الله ويرجون غير الله ، حتى إن طائفة من أصحاب الكبائر الذين لا يتحاشون فيما يفعلونه من القبائح ، كان إذا رأى قبة الميت أو الهلال الذي على رأس القبة خشي من فعل الفواحش ، ويقول أحدهم لصاحبه (ويـحَكْ ، هذا هلال القبة) ، فيخشون المدفون تحت الهلال ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل أهلّة السماء مواقيت للناس والحج ، وهؤلاء إذا نُوظروا خَـوَّفوا مُناظرهم ، كما صنع المشركون بإبراهيم ، قال تعالى ]وحاجّه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئًا وسع ربي كل شيء علمًا أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينـزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون[ إلى قوله ]وهم مهتدون[.
وآخرون قد جعلوا الميت بمنـزلة الإلـٰه ، والشيخ الحي المتعلق به كالنبي ، فمن الميت يطلب قضاء الحاجات وكشف الكربات ، وأما الحي فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه ، وكأنهم قد عزلوا الله أن يتخذوه إلـٰها ، وعزلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن أن يتخذوه رسولا.
وقد يجيء الحديث العهد بالإسلام[128] ، أو التابع لهم ، الـحَسن الظن بهم أو غيره ، يطلب من الشيخ الميت إما دفع ظلم ملِكٍ يريد أن يظلمه أو غير ذلك ، فيدخل ذلك السَّادن[129] فيقول: قد قلت للشيخ ، والشيخ يقول للنبي ، والنبي يقول لله ، والله قد بعث رسولاً إلى السلطان فلان!
فهل هذا إلا محضُ[130] دين المشركين والنصارى ، وفيه من الكذب والجهل مالا يستجيزه كل مشرك ونصراني ولا يرُوج عليه ، ويأكلون من النذور وما يؤتى به إلى قبورهم ما يَدخلون به في معنى قوله ]إن كثيرًا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل[ ، فإنهم يأكلون أموال الناس بغير حق ، ويصدون عن سبيل الله ، ويُـعرِّضون[131] بأنفسهم ويمنعون غيرهم ، إذ التابع لهم يعتقد أن هذا هو سبيل الله ودينه ، فيمتنع بسبب ذلك عن الدين الحق[132] الذي بعث الله به رسله وأنـزل به كتبه.
والله تعالى لم يذكر في كتابه المشاهد ، بل ذكر المساجد ، وأنها خالصة له ، قال تعالى ]وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد[ ، وقال ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر[ ، وقال ]في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه[ ، وقال تعالى ]ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا[ ، ولم يذكر بيوت الشرك ، كبيوت الأصنام والمشاهد والنار ، لأن الصوامعَ والبِــيَـــعَ[133] لأهل الكتاب.
فالممدوحُ من ذلك[134] ما كان مبنيًا قبل النسخ والتبديل ، كما أثنى على اليهود والنصارى والصابئين الذين كانوا قبل النسخ والتبديل ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا.
فبيوت الأوثان وبيوت النيران وبيوت الكواكب وبيوت المقابر لم يَمدح الله شيئًا منها ، ولم يذكر ذلك إلا في قصة من لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ]قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدًا[ ، فهؤلاء الذين اتخذوا على أهل الكهف مسجدًا كانوا من النصارى الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: لعن الله اليهود والنصارى ؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.[135]
وفي رواية: وصالحيهم.[136])[137]
(ودعاء المقبورين من أعظم الوسائل إلى ذلك.
وقد قَدِم بعض شيوخ المشرق وتكلم معي في هذا ، فبينت له فساد هذا ، فقال: أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) ؛ فقلت: هذا مكذوب باتفاق أهل العلم ، لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من علماء الحديث ، وبسبب هذا وأمثاله ظهر مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعُن سَنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
قالوا: يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟
(وهؤلاء الغلاة المشركون إذا حصل لأحدهم مطلبه ولو من كافر لم يُـقبل على الرسول ، بل يطلب حاجته من حيث ظن أنها تقضى ، فتارة يذهب إلى ما يظنه قبر رجل صالح ، ويكونُ[140] فيه قبر كافر أو منافق ، وتارة يعلم أنه كافر ومنافق ويذهب إليه كما يذهب قوم إلى الكنيسة وإلى مواضع يقال لهم إنها تقبل النذر ، فهذا يقع فيه عامتهم ، وأما الأول فيقع فيه خاصتهم)[141].
(والمقصود هنا أن كثيرًا من الناس يُعَظِّم قبر من يكون في الباطن كافرًا ومنافقًا ، ويكون هذا[142] عنده والرسول من جنس واحد ، لاعتقاده أن الميت يقضي حاجته إذا كان رجلاً صالحاً ، وكلا هذين عنده من جنس من يستغيث به ، وكم من مشهد يُعظِّمه الناس وهو كذِب ، بل يقال إنه قـــــــبر كافر ، كالمشهد الذي بسفح جبل لبنان ، الذي يقال إنه قبر نوح ، فإن أهل المعرفة كانوا يقولون إنه قبر بعض العمالقة.
وكذلك مشهد الحسين الذي بالقاهرة ، وقبر أٌبي بن كعب الذي بدمشق ؛ اتفق العلماء على أنها كذب ، ومنهم من قال هما قبرا نصرانيين ، وكثير من المشاهد متنازع فيها[143] ، وعندها شياطين تُضِل بسببها من تُضِل.
ومنهم من يرى في المنام شخصًا يظن أنه المقبور ، ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته ، أو بغير صورته كالشياطين الذين يكونـون بالأصنام ، وكالشياطين الذين يتمثلون لمن يستغيث بالأصنام والموتى والغائبين ، وهذا كثير في زماننا وغيره ، مثل أقوام يرصدون بعض التماثيل التي بالبراني[144] بديار مصر بأِخميم وغيرها ، يرصدون التماثيل مدة ، لا يتطهرون طُهر المسلمين ، ولا يصلون صلاة المسلمين ، ولا يقرؤون ، حتى يتعلَّق الشيطان تلك[145] الصورة فيراها تتحرك ، فيضع فيها شمعة أو غيرها ، فيرى شيطانا قد خرج له ، فيسجد لذلك الشيطان حتى يقضي بعض حوائجه ، وقد يُمكنه من فعل الفاحشة به حتى يقضي بعض حوائجه.
ومثل هؤلاء كثير في شيوخ الترك الكفار ، يسمونه «البوى» وهو «المخنث» ، إذا طلبوا منه بعض هذه الأمور أرسلوا له من يَــنكحه[146] ، وينصِبون له حركات عالية في ليلة ظلماء ، وقرَّبوا له خـبزًا ومَــيتة ، وغنوا غناء يناسبه ، بشرط أن لا يكون عنده من يذكر الله ، ولا هناك شيء فيه شيء من ذكر الله ، ثم يصعد ذلك الشيخ المفعول به[147] في الهواء ، ويرون الدف يطير في الهواء ، ويضرب من مدَّ يده إلى الخبز ، ويضرب الشيطان بآلات اللهو وهم يسمعون ، ويغني لهم الأغاني التي كانت تغنيها أباؤهم الكفار ، ثم قد يغيب ذلك الطعام ، فيروننه وقد نُقل إلى بيت البوى وقد لا يغيب ، ويقربون له ميتة يحرقونها بالنار ، ويقضي بعض حوائجهم ، ومثل هذا كثير جدًا للمشركين ، فالذي يجري عند المشاهد من جنس ما يجري عند الأصنام).[148]
وقد ثبت بطرق متعددة أن ما يُشرك به من دون الله من صنم وقبر وغير ذلك ؛ يكون عنده[149] شياطين تُضل من أشرك به ، وأن تلك الشياطين لا يقضون إلا بعض أغراضهم ، وإنما يقضون بعض أغراضهم إذا حصل لهم من الشرك والمعاصي ما يحبه الشيطان ، فمنهم من يأمر الداعي أن يسجد له ، ومنهم من يأمره بالفواحش ، وقد يفعلها الشيطان ، وقد ينهاه عما أُمر به من التوحيد والإخلاص والصلوات الخمس وقراءة القرآن ونحو ذلك.
والشياطين تغوي الإنسان بحسب ما تطمع منه ، فإن كان ضعيف الإيمان أمرته بالكفر البين ، وإلا أمرته بما هو فسق أو معصية ، وإن كان قليل العلم أمرته بما لا يَعرف أنه مخالف للكتاب والسنة ، وقد وقع في هذا النوع كثير من الشيوخ الذين لهم نصيب وافر من الدين والزهد والعبادة ، لكن لعدم علمهم بحقيقة الدين الذي بَعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ طمعت فيهم الشياطين ، حتى أوقعوهم فيما يخالف الكتاب والسنَّة ، وقد جرى لغير واحد من أصحابنا المشايخ ، يستغيث بأحدهم بعض أصحابه ، فيرى الشيخ في اليقظة ، حتى قضى ذلك المطلوب ، وإنما هي شياطين تتمثل للمشركين الذين يدعون غير الله.
والجن بحسب الإنس ، فالكافر للكافر ، والجاهل للجاهل ، والفاجر للفاجر ، وأما أهل العلم والإيمان فاتِّـباع الجن لهم كاتِّـباع الإنس ، يتَّـبعونهم فيما أمر الله به ورسوله.
(وكان رجل يباشر التدريس وينتسب إلى الفتيا كان يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يعلمه الله ، ويقدر على ما يقدر عليه الله ، وإن هذا السر انتقل بعده إلى الحسن ، ثم انتقل في ذرية الحسن إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي ، وقالوا: هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع).
وكان شيخ آخر مُعَظم عند أتباعه يدَّعي هذه المنـزلة ، ويقول إنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنه يُزوِّج عيسى بابنتَـه ، وإن نواصي الملوك والأولياء بيده ، يولي من يشاء ويعزل من يشاء ، وأن الرب تعالى يناجيه دائمًا ، وأنه الذي يـمُد حملة العرش وحيتان البحر ، وقد عزرته تعزيزًا بليغًا في يوم مشهود بحضرةٍ من أهل المسجد الجامع يوم الجمعة بالقاهرة ، فعرفه الناس ، وانكسر بسببه أشباهه من الدجاجلة.
ومن هؤلاء من يقول في قوله تعالى ]إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا[ ، إلى قوله ]بكـرة وأصيلا[ ؛ إن الرسول هو الذي يُسبَّحُ بكرة وأصيلا.
ومنهـم من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم مفاتيح الغيب الخمس التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : مفاتيح الغيب خمس ، لا يعلمها إلا الله ]إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت[.[150]
وقال: إنه علِمها بعد أن أَخبر أنه لا يعلمها إلا الله.
ومنهم من يقول: أسقِط الربوبية[151] وقُل في الرسول ما شئت.
ومنهم من يقول: نحن نعبد الله ورسوله.
ومنهم من يأتي قبر الميت فيقول: اغفر لي وارحمني ، ولا تُوقعني على زلة.
إلى أمثال هذه الأمور التي يُتخذ فيها المخلوق إلـٰهاً).[152]
أقول[153]: وهذه سنة مأثورة ، وطريقة مسلوكة والله غير مهجورة ، وضلالة واضحة مشهورة ، وبدعة مشهودة غير منكورة ، وأعلامها مرفوعة منشورة ، وراياتها منصوبة غير مكسورة ، وبراهينها غير محدودة ولا محصورة ، ودلائلها في كثير من الـمصنفات والمناظيم مذكورة ، كما قال ذلك في «البُـــردة» ، وبيَّـن في ذلك قصده:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكمِ
فإن من جودِك الدنيا وضَرَّتها[154] ومن علومك علم اللوح والقلم
ولو نُطيل بذكر هذه الأخبار لحررنا منها أسفارًا ، فلنكُف عَنان[155] قلم اليراع[156] في هذا الميدان ، فالحكم والله لا يخفى على ذي عيان ، بل أجلى من ضياء الشمس في البيان.
(ولما[157] استقر هذا في نفوس عامتهم ، نجد أحدهم إذا سُئل عمن ينهاهم[158] ؛ ما يقول هذا؟
فيقول: (فلان ما ثم عنده إلا الله) ، لِما استقر في نفوسهم أن يجعلوا مع الله إلـٰهاً آخر.
وهذا كله وأمثاله وقع ونحن بمصر).[159]
(وهؤلاء الضالون مستخِفُّون بتوحيد الله ، يُعظِّمون دعاء غيره من الأموات ، وإذا أُمروا بالتوحيد ونُهوا عن الشرك ؛ استخفوا به ، كما أخبر الله تعالى عن المشركين بقوله ]وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا[ ، فاستهزؤا بالرسول لما نهاهم عن الشرك ، وقال تعالى عن المشركين ]إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إلـٰه إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدَّق المرسلين[ ، وقال تعالى ]وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلـٰها واحدًا إن هذا لشيء عجاب[.
وما زال المشركون يسوؤن الأنبياء ، ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون ، كما قال قوم نوح لنوح وعاد لهود عليهما السلام ]قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا[ ، فأعظم ما سفّهوه لأجله وأنكروه هو التوحيد ، وهكذا تجد مَن فيه شبه من هؤلاء مِن بعض الوجوه ؛ إذا رأى من يدعو إلى توحيد الله وإخلاص الدين له وأن لا يَعبد الإنسان إلا الله ولا يتوكل إلا عليه ؛ استهزأ بذلك ، لما عنده من الشرك).[160]
(وكثير من هؤلاء يُخربون المساجد ، ويعمرون المشاهد ، فتجد المسجد الذي يبـني للصلوات معطلاً مخرَّبًا ، ليس له كسوة إلا من الناس ، وكأنه خانٌ[161] من الخانات ، والمشهد الذي بُني على الميت ؛ فعليه الستور وزينة الذهب والفضة والرخام ، والنذور تغدو وتروح إليه ، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وبآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك ، فإنهم اعتقدوا أن دعاء الميت الذي بُني له المشهد والاستغاثة به أنفع لهم من دعاء الله والاستغاثة به في البيت الذي بُني لله عز وجل ، ففضلوا البيت الذي بُني لدعاء المخلوق على البيت الذي بُني لدعاء الخالق.
وإذا كان لهذا وقفٌ ولهذا وقف ؛ كان وقفُ الشركِ أعظم عندهم ، مضاهاة[162] لمشركي العرب ، الذين ذَكر الله حالهم في قوله ]وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا[ الآية ، كما يجعلون لله زرعًا وماشية ، ولآلهتهم زرعًا وماشية ، فإذا أصيب[163] نصيب آلهتهم أخذوا من نصيب الله فوضعوه فيه ، وقالوا: (الله غني وآلهتنا فقيرة) ، فيفضلون ما يُجعل لغير الله على ما يُجعل لله.
وهكذا الوقوف[164] والنذور التي تبذل عندهم للمشاهد أعظم مما تُبذل عندهم للمساجد ولعِمارة المساجد والجهاد في سبيل الله.
وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه ؛ يبكي عنده ويخضع ، ويدعو ويتضرع ، ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن ، فهل هذا إلا من حال المشركين المبتدعين ، لا الموحدين المخلصين المتبعين لكتاب الله ورسوله.
ومثل هذا إذا سمع أحدهم سماع[165] الأبيات[166] يحصل له من الخضوع والخشوع والبكاء ما لا يحصل له مثله عند سماع آيات الله ، فيخشع عند سماع المبتدعين المشركين ، ولا يخشع عند سماع المخلصين المتقين ، بل إذا سمعوا آيات الله استثقلوها[167] وكرهوها واستهزؤا بها وبمن يقرؤها ، مما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله ]قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون[ ، وإذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية ، وألسن لاغية ، كأنهم صم عمي ، وإذا سـمِعوا الأبيات حضرت قلوبهم ، وسكَــتت[168] ألسنتهم ، وسكنت حركاتهم ، حتى لا يشرب العطشان منهم الماء.
ومن هؤلاء مَن إذا كانوا في سماعهم[169] فأذن المؤذن قالوا: (نحن في شيء أفضل مما دعانا إليه).
ومنهم من يقول: (كنا في الحضرة ، فإذا قمنا إلى الصلاة صرنا إلى الباب).
وقد سألني بعضهم عمن قال ذلك من هؤلاء الشيوخ الضُّلال فقلت: (صدق ، كان في حضرة الشيطان ، فصار على باب الله) ، فإن البدع والضلال فيها من حضور الشيطان ما قد حصل في غير هذا الموضع.
والذين يجعلون دعاء الموتى من الأنبياء والأئمة والشيوخ أفضل من دعاءهم الله أنواع متعددة ؛ منهم من يُقدم دعائهم ، ومنهم من يحكي أنواعًا من الحكايات ؛ حكاية أن بعض المريدين استغاث بالله فلم يغثه ، فاستغاث بشيخه فأغاثه ، وحكاية أن بعض المأسورين دعا الله فلم يخرجه ، فدعا بعض المشايخ الموتى فجاءه فأخرجه إلى بلاد الإسلام ، وحكاية أن بعض الشيوخ قال لمريدِهِ[170]: (إذا كانت لك حاجة فتعال إلى قبري) ، وآخر قال: (فتوسل بي) ، وآخر قال: (قبر فلان الترياق المجرب)[171] ، فهؤلاء وأشباههم يرجحون هذه الأدعية الشركية على أدعية المخلصين لله مضاهاة لسائر المشركين ، وهؤلاء تتمثل لكثير منهم صورة شيخه الذي يدعوه فيظنه إياه أو ملَكا على صورته ، وإنما هو شيطاه أغواه.
ومنهم من إذا نـزلت به شدة لا يدعو إلا شيخه ، ولا يذكر إلا اسمه ، قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمه ، فيتعسَّر[172] أحدهم فيقول: (يا فلان) ، وقد قال الله تعالى للموحدين ]فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا[.
ومن هؤلاء من يحلف بالله ويكْذب ، ويحلف بشيخه وإمامه فيَصدُق ولا يكذِب ، فيكون شيخه عنده أعظم في صدره من الله.
فإذا كان دعاء الموتى - مثل الأنبياء والصالحين - يتضمن مثل هذا الإستهزاء بالله وآياته ورسوله ؛ فأي الفريقين أحق بالإستهزاء بالله وآياته ورسوله ، من كان يأمر بدعاء الموتى والاستغاثة بهم مع ما يترتب على ذلك من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله ، أو من كان يأمر بدعاء الله وحده لا شريك له كما أَمرت رسله ، ويوجب طاعة الرسول ومتابعته في كل ما جاء به؟
وأيضًا فإن هؤلاء الموحدين من أعظم الناس إيجابا لجانب الرسول ، تصديقًا له فيما أخبر ، وطاعة له فيما أمر ، واعتناء بما بُعث به ، والتمييز بين ما رُوي عنه من الصحيح والضعيف ، والصدق والكذب ، واتِّـباع ذلك دون ما خالفه ، عملاً بقوله تعالى ]اتبعوا ما أُنـزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء[.
وأما أولئك الضلال أشباه المشركين والنصارى ؛ فعمدتهم إما أحاديث ضعيفة ، أو موضوعة ، أو منقولات عمن لا يُحتج بقوله ، إما أن يكون كذبًا عليه ، وإما أن يكون غلطاً منه ، إذ هي نقلٌ غير مصدَّق عن قائلٍ غير معصوم ، وان اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول ؛ حرفوا الكلم عن مواضعه ، وتمسكوا بمتشابهه ؛ وتركوا محكمه ، كما يفعل النصارى)[173].
(هذا ما علمته ينقل عن أحد من العلماء[174] ، لكنه موجود في كلام بعض الناس ، مثل الشيخ يحي الصرصري ، ففي شعره قطعة منه ، والشيخ محمد بن النعمان ، وكتاب «المستغيثين بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام» ، وهؤلاء لهم صلاح ودين ، لكن ليسوا من أهل العلم العالمين بمدارك الأحكام ، الذي يؤخذ بقولهم في شرائع الإسلام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وليس لهم دليل شرعي ، ولا نقل عن عالم مرضي ، بل عادة جروا عليها كما جرت عادة كثير من الناس ، بأنه يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه.
وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم ، وله صلاح وعلم وزهد ؛ إذا نـزل به أمر ؛ خطا إلى جهة الشيخ عبدالقادر خطوات معدودة واستغاث به ، وهذا يفعله كثير من الناس)[175] ، (ولهذا لما نُــــبِّهَ من نُـبِّه من فضلائهم ؛ تنبهوا وعـــلِموا أن ما كانوا عليه ليس من دين الإسلام ، بل هو مشابـهة لعباد الأصنام)[176] ، (ونحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَشرع لأمته أن يدعوا أحدًا من الأموات ، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها ، كما أنه لم يَشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور ، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله ، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم يآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يُمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه ، ولهذا ما بَـينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن وقال: (هذا أصل الإسلام).
وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: (هذا أعظم ما بيَّـــنتُـه لنا) ، لعِلمِهِ بأن هذا أصل الدين ، وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدعون الأموات ويسألونـهم ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم.
وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم ، لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نـزلت بهم ، فيدعونه دعاء المضطر ، راجين قضاء حاجتهم بدعائه والدعاء به أو الدعاء عند قبره ، بخلاف عبادتهم الله تعالى ، ودعائهم إياه ، فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف ، حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام[177] لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم ، وقال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر * لوذوا بقبر أبي عمر
أو قال:
عوذوا بقبر أبي عمر * ينجيكُمُ من الضرر
فقلت لهم: هولاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أُحد ، فإنه كان قد قُضي أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ، ولحكمة لله عز وجل في ذلك ، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله[178] ، (ولِما يحصل في ذلك من الشر والفساد ، وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال ، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا ، وإن كثيرا من القائلين الذين اعتقدوا ها قتالا شرعيا أجوا على نياتهم)[179] ، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله والاستغاثة به ، وأنهم لا يستغيثون إلا إياه ، لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل ، كما قال تعالى يوم بدر ]إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم[.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: يا حي يا قيوم ، لا إلـٰه إلا أنت ، برحمتك أستغيث.[180]
وفي لفظ: أصلح لي شأني كله ، ولا تكِلني إلى نفسي طرفة عين ، ولا إلى أحدٍ من خلقك.
ولما أصلح الناس أمورهم ، وصدَقوا في الاستغاثة بربهم ؛ نصرهم الله على عدوهم نصرًا عزيزًا ، ولم تُهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً لَـمَّا صح من تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك ، فإن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[)[181].
وهؤلاء يدعون الميت والغائب فيقول أحدهم: (بك أستغيث ، بك أستجير ، أغِثنا ، أجِرنا) ، ويقول: (أنت تعلم ذنوبي) ، ومنهم من يقول للميت: (اغفر لي وارحمني وتب علي) ، ونحو ذلك ، ومن لم يقل هذا من عقلائهم فإنه يقول: (أشكو إليك ذنوبي ، وأشكو إليك عدُوي ، وأشكو إليك جور الولاة ، وظهور البدع ، وجدب الزمان ، وغير ذلك) ، فيشكون إليه ما حصل من ضرر في الدين والدنيا ، ومقصوده في الشكوى أن يُشكيه[182] فيزيل ذلك الضرر ، وقد يقول مع ذلك للميت: (أنت تعلم ما نـزل بنا من الضرر ، وأنت تعلم ما فعلتُه من الذنوب) ، فيجعل الميت والحي والغائب عالمًا بذنوب العباد ومُجرَياتهم التي يمتنع أن يعلمها بشر ، حي أو ميت.
وعقلاؤهم يقولون: (مقصودنا أن يَسأل الله لنا) ، ويظنون أنهم إذا سألوه بعد موته أنه يسأل الله لهم ، فإنه[183] يُسأل ويَشفع كما كان يُسأل ويَشفع لما سأله الصحابة الإستسقاء وغيره[184] ، وكما يشفع يوم القيامة إذا سُئل الشفاعة ، ولا يعلمون أن سؤال الميت والغائب غير مشروع البتة ، ولم يفعله أحد من الصحابة ، بل عدَلوا[185] عن سؤاله وطلب الدعاء منه ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين وغيرهم لا يُطلب من أحدهم بعد موته من الأمور ما كان يُطلب منه في حياته.
انتهى كلام الشيخ رحمه الله ملخصًا.[186]
فانظر رحمك الله إلى ما ذكره هذا الإمام من أنواع الشرك الأكبر الذي قد وقع في زمانه ممن يدعي العلم والمعرفة ، وينتصب للفتيا والقضاء ، لكن لما نبههم الشيخ رحمه الله على ذلك ، وبين لهم أن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ؛ تنبه من تنبه منهم ، وتاب إلى الله ، وعرف أن ما كان عليه شرك وضلال ، وانقاد للحق.
وهذا مما يبين لك غربة الإسلام في ذلك الوقت عند كثير من الأنام ، وأن هذا مصداق ما تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لتتبعن سَنَن من كان قبلكم ، الحديث.[187]
وقوله: بدأ الإسلام غريبًا ، وسيعود غريبًا كما بدأ.[188]
وبهذا ينكشف لك ويتضح عندك بطلان ما عليه كثير من أهل الزمان ، من أنواع الشرك والبدع والحِـدْثان[189] ، فلا تغتر بما هم عليه.
وهذه هي البلية العظيمة ، والخصلة القبيحة الذميمة ، وهي الاغترار بالآباء والأجداد ، وما استمر عليه عمل كثير من أهل البلاد ، وتلك الحجة التي انتحلها أهل الشرك والكفر والعناد ، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك في محكم التنـزيل ، من غير شك ولا تأويل ، حيث قال الله تعالى وهو أصدق القائلين ، حكاية عن فرعون اللعين ، أنه قال لموسى وأخيه هارون الكريمين ]فما بال القرون الأولى[ ، فأجابه عليه السلام بقوله ]علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى[.
فمن امتطى كاهل الصدق والوفاء ، وسلِم من التعصب والعناد والجفاء ، وتوسط في المحجة ، وقنِع في قبول الحق بالحجة ؛ كان ذلك طريقه ونهجه ، وأشرق في صدره مصباح القبول ، وأُوقد فيه بزيت المعرفة والوصول ، وكان من ضوء التوحيد على حصول ، قال ابن القيم رحمه الله في «الإغاثة»[190]:
قال صلى الله عليه وسلم : (لا تتخذوا قبري عيدًا)[191] ، وقال: (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)[192].
وفي اتخاذها عيدًا من المفاسد ما يغضب لأجله من في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد ، ولكن:
..... ما لجرح بميت إيلام.
منها[193] الصلاة إليها ، والطواف بها ، واستلامها ، وتعفير الخدود على ترابها ، وعبادة أصحابها ، وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون وتفريج الكربات ، (وغير ذلك من الطلبات)[194] التي كان عُـــبَّاد الأوثان يسألونها أوثانهم.
وكل من شم أدنى رائحة من العلم يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى ذلك ، وأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بعاقبة ما نهى عنه وما يؤول إليه ، وإذا لَعن من اتخذ القبور مساجد يعبد الله فيها ، فكيف بملازمتها واعتياد قصدها وعبادتها.
ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به وما نهى عنه وما عليه أصحابه ، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم ؛ رأى أحدهما مضادا للآخر ، فنهى عن اتخاذها مساجد ، وهؤلاء يبنون عليها المساجد ، ونهى عن تسريجها[195] ، وهؤلاء يُوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها ، ونهى عن أن تُـتخذ عيدًا[196] ، وهؤلاء يتخذونها أعياداً ، ونهى عن تشريفها[197] وأمر بتسويتها[198] كما في صحيح مسلم
عن علي رضي الله عنه[199] ، وهؤلاء يرفعونها ويجعلون عليها القباب[200] ، ونهى عن تجصيص[201] القبر والبناء عليه ، كما في صحيح مسلم عن جابر[202] ، ونهى عن الكتابة عليها كما رواه الترمذي في صحيحه[203] عن جابر ، ونهى عن أن يزاد عليها غير ترابها ، كما رواه أبو داود عن جابر[204] ، وهؤلاء يتخذون عليها الألـواح ، ويكتبون عليها القرآن ، ويزيدون على ترابها بالجص والآجر والأحجار.
وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجًّا ، ووضعوا لها مناسك ، حتى صنف بعضهم في ذلك كتابًا أسماه «مناسك حج المشاهد».
ولا يخفى على أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عُباد الأصنام ، فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ، وبين ما شرعه هؤلاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور لأنها تُذكِّر الأخرة ، وأمر الزائر أن يدعو لأهل القبور ، ونهاه أن يقول هُجرًا[205].
فهذه الزيارة التي أذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها لأمته وعلمهم إياها ، هل تجد فيها شيئاً مما يَعتمد عليه أهل الشرك والبدع ، أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه؟ وما أحسن ما قال الإمام مالك رحمه الله[206]: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) ، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ، عَوَّضوا عن ذلك بما أحدثوا من البدع والشرك.
ولقد جرد الخلف الصالح التوحيد وحموا جانبه ، حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد الدعاء جعل ظهره إلى جدار القبر ثم دعا ، وقد نص على ذلك الأئمة الأربعة ؛ أنه يستقبل القبلة للدعاء حتى لا يدعو عند القبر ، فإن الدعاء عبادة.
وبالجملة ؛ فإن الميت قد انقطع عمله ، فهو محتاج إلى من يدعو له ، ولهذا شُرِع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يُشرع مثله للحي ، ومقصود الصلاة على الميت الاستغفار له والدعاء له ، وكذلك الزيارة ، مقصودها الدعاء للميت والإحسان إليه وتذكير الآخرة ، فبدّل أهل البدع والشرك قولاً غير الذي قيل لهم ، فبدلوا الدعاء له بدعائه نفسه ، والشفاعة له بالاستشفاع به ، والزيارة التي شُرعت إحساناً إلى الميت وإلى الزائر بسؤال الميت والإقسام به على الله وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو محض العبادة ، وحضور القلب عندها[207] وخشوعه أعظم منه في المساجد.
(ثم ذكر حديث ذات أنواط ثم قال)[208]: فإذا كان اتخاذ الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف لها اتخاذ إلـٰه مع الله ، وهم لا يعبدونها ولا يسألونها ، فما الظن بالعكوف حول القبر ودعائه والدعاء عنده والدعاء به؟
وأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر ، لو كان أهل الشرك والبدع يعلمون؟
ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله ، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره ؛ عَـلِم أن ما بين السلف وبينهم أبعد مما بين المشرق والمغرب.
والأمر والله أعظم مما ذكرنا.
وعمّى الصحابة قبر دانيال بأمر عمر رضي الله عنه.[209]
ولما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها ؛ أرسل إليها وقطعها ، قال عيسى بن يونس: هو عندنا من حديث ابن عون عن نافع. [210]
فإذا كان هذا فعله في الشجرة التي ذكرها الله في القرآن ، وبايع تحتها الصحابة رضيى الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فماذا حكمه فيما عداها؟
وأبلغ من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم مسجد الضرار ، ففيه دليل على هدم المساجد التي هي أعظم فسادًا منه ، كالمبنية على القبور ، وكذلك قِــبابها[211] ، فتجب المبادرة إلى هدم ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله ، والله يقيم لدينه من ينصره ويذب عنه.
وكان بدمشق كثير من هذه الأنصاب ، فيسَّر الله سبحانه كسرها على يد شيخ الإسلام[212] ، وحزب الله الموحدين.
وكان العامة يقولون للشيء منها إنه يقبل النذر ، أي يقبل العبادة من دون الله ، فإن النذر عبادة يتقرب بها الناذر إلى المنذور.
ولقد أنكر السلف التمسح بحَجر المقام الذي أمر الله أن يُتخذ منه مصلى ، قال قتادة في الآية: (إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها ، ذُكر لنا من رأى أثره وأصابعه ، فما زالت هذه تمسحه حتى اخْـــلَولق[213]).[214]
وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب ؛ فتنة أصحاب القبور ، وهي أصل فتنة عُباد الأصنام ، كما ذكر الله في سورة نوح في قوله ]وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودَا ولا سواعا[ الآية ، ذكر السلف في تفسيرها أن هؤلاء أسماء رجال صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. [215]
وتعظيم الصالحين إنما هو باتباع ما دعوا إليه ، دون اتخاذ قبورهم أعيادا وأوثاناً ، فأعرضوا عن المشروع واشتغلوا بالبدع.
ومن أصغى إلى كلام الله بقلبه وتفَهمه ؛ أغناه عن البدع والآراء ، ومن بَــعُد عنه فلا بد أن يتعوض بما لا ينفعه ، كما أن من عَمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه ؛ أغناه عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه ، فالمعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى ، والمعرض عن السنة مبتدع شاء أم أبى ، والمعرض عن محبة الله عـبْدُ الصُّور شاء أم أبى.
وهذه الأمور المبتدعة عند القبور أنواع ، أبعدها عن الشرع أن يَسأل الميت حاجته كما يفعله كثير من الناس ، وهؤلاء من جنس عباد الأصنام ، ولهذا يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت كما يتمثل لعُباد الأصنام.
وكذلك السجود للقبر وتقبيله والتمسح به.
(النوع الثاني) أن يَسأل الله به ، وهذا يفعله كثيرمن المتأخرين ، وهو بدعة إجماعًا.
(النوع الثالث) أن يَظن الدعاء عنده[216] مستجاب ، أو أنه أفضـل من الدعاء في المسجد ، فيقصد القبر لذلك ، فهذا أيضًا من المنكرات إجماعاً ، وما علمت فيه نـزاعاً بين أئمة الدين ، وإن كان كثير من المتأخرين يفعله.[217]
وبالجملة ؛ فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأصنام ، ولم يتخلص منها إلا الحنفاء ، أتباع ملة إبراهيم ، وعِبادتها في الأرض من قَبل نوح ، وهياكلها ووقوفها وسدنتها وحُجَّابها والكتب المصنفة في عبادتها طَـبَّقَ الأرض[218] ، قال إمام الحنفاء عليه السلام ]واجنبني وبني أن نعيد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس[ ، وكفى في معرفتهم أنهم أكثر أهل الأرض بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون[219] ، وقد قال تعالى ]فأبى أكثر الناس إلا كفوراً[ ، وقال تعالى ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله[.
ولو لم تكن الفتنة بعبادتهم الأصنام عظيمة لما أقدم عبَّادُها على بذل نفوسهم وأموالهم وأبنائهم دونها ، فهم يشاهدون مصارع إخوانهم وما حل بهم ، ولا يزيدهم ذلك إلا حبّا لها وتعظيما ، ويوصي بعضهم بعضًا بالصبر عليها.
انتهى كلام الشيخ رحمه الله ملخصًا.
وقال الشيخ تقي الدين[220] في «الرسالة السنية» لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين ، وأمرَه صلى الله عليه وسلم بقتالهم ، قال:
فإذا كان في زمن النبي e وخلفائه - ممن قد انتسب إلى الإسلام - من مَرقَ[221] منه مع عبادته العظيمة ؛ فيُعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ، وذلك بأسباب ، منها: الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث قال ]يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم[ الآية ، وعلي بن أبي طالب رضي الله علنه حرّق الغالية من الرافضة[222] ، وأمر بأخاديد خُدَّت عند «باب كندة» فقذفهم فيها ، واتفق الصحابة على قتلهم ، لكن ابن عباس رضي الله عنه مذهبه أن يُقتلوا بالسيف بلا تحريق ، وهو قول أكثر العلماء ، وقصصهم معروفة عند العلماء.
وكذلك الغلو في بعض المشايخ ، بل الغلو في علي بن أبي طالب ، بل الغلو في المسيح ونحوه ، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الإلـٰهية ، مثل أن يقول: (يا سيدي فلان ، انصرني أو أغثني أو أرزقني أو أجِرني أو أنا في حسبك) ، ونحو هذه الأقوال ؛ فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنـزل الكتب ليعبدوه وحده ، لا يجعلون معه إلـٰهاً آخر.
والذين يدعون مع الله آلهة أخرى ، مثل المسيح والملائكة والأصنام ؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنـزل المطر أو تنبت النبات ، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم ، يقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، ]ويقولون هؤلاء شفعاؤنــا عند الله[ ، فبعث الله رسوله ينهى أن يُدعى أحد من دونه ، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة ، وقال تعالى ]قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب[ الآية ، قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيرًا ، فقال الله لهم: هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي كما تتقربون ، ويرجون رحمتي كما ترجون ، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي.
إلى أن قال[223]: وعبادة الله هي أصل الدين ، وهي التوحيد الذي بعث الله به الرسل ، وأنـزل به الكتب ، قال تعالى ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ ، وقال ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون[ ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيـد ويعلمه أمته ، حتى قال رجل: ما شاء الله وشئت.
قال: جعلت لله ندًّا؟ ما شاء الله وحده.[224]
ونهى عن الحلف بغير الله ، وقال: من حلف بغير الله فقد أشرك.[225]
وقال في مرض موته: (لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، (يحذر ما فعلوا)[226].[227]
ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا الصلاة عندها ، وذلك لأن مِن أكبر أسباب عبادة الأوثان تعظيم القبور ، ولهذا اتفق العلماء على أن من سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسـح بـحجرته ولا يقبلها ، لأن التقبيل والاستلام إنما يكون لأركان بيت الله الـحرام ، فلا يُشبه بيت المخلوق ببيت الخالق.
كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملاً إلا به ، ويغفر لصاحبه[228] ولا يغفر لمن تركه ، كما قال تعالى ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما[.
ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام ، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي ]الله لا إلـٰه إلا هو الحي القيوم[ ، وقال صلى الله عليه وسلم : من كان آخر كلامه لا إلـٰه إلا الله دخل الجنة.[229]
والإلـٰه الذي يألَـــهُهُ القلب عبادة واستعانة ورجاء وخشية وإجلالاً.
انتهى كلامه رحمه الله.[230]
فتأمل أول كلامـه وآخره ، وتأمل كلامه فيمن دعا نبيًا أو وليًا ، مثل أن يقول: (يا سيدي أغثني) ونحوه ؛ أنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ؛ تجده صريحًا في تكفير أهل الشرك وقتلهم بعد الاستتابة وإقامة الحجة عليهم ، وأن من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعا من الإلـٰهية فقد اتخذه إلـٰها مع الله ، لأن الإلـٰه هو المألوه ، الذي يألهه القلب ، أي يقصده بالعبادة والدعوة والخشية والإجلال والتعظيم ، وإن زعم أنه لا يريد إلا الشفاعة والتقرب عند الله ، لأنه بيَّـن أن هذا هو مطلوب المشركين الأولين ، فاستدل على ذلك بالآيات الصريحات القاطعات ، والله أعلم.
وقال رحمه الله في الكلام على قوله تعالى ]وما أهل لغير الله به[:
(ظاهره أنه ما ذُبح لغير الله سواء لَفَظَ به أم لم يَلْفِظْ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه[231] للحم وقال فيه: (باسم المسيح) ونحوه.
كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم ، وقلنا عليه (باسم الله) ، فإن عبادة الله بالصلاة والنسك أعظم من الاستعانة[232] باسمه في فواتح الأمور.
والعبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستعانة بغير الله ، فلو ذَبح لغير الله متقربًا به إليه لـحَــرُمَ وإن قال فيه (باسم الله) كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة[233] ، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان[234] ، ومن هذا ما يُفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن).[235]
انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
فتأمل رحمك الله هذا الكلام ، وتصريحه فيه بأن من ذبح لغير الله من هذه الأمة فهو كافر مرتد ، لا تباح ذبيحته، لأنه يجتمع فيه مانعان ، الأول: أنها ذبيحة مرتد ، وذبيحة المرتد لا تباح بالإجماع.
الثاني: أنها مما أُهِلَّ لغير الله ، وقد حرَّم الله ذلك في قوله ]قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به[ ، وتأمل قوله: (ومن هذا ما يُفعل بمكة وغيرها ، من الذبح للجن) ، والله أعلم.
(وأما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر ، فالأكبر ؛ لايغفره الله إلا بالتوبة منه ، وهو أن يَـتخذ من دون الله ندّا ، يحبه كما يحب الله ، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين ، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار ]تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نُسوِّيكم برب العالمين[ ، مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء ، وربه ومليكه ، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ، ولا تحيي ولاتميت ، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم ، بل كلهم يحبون معبوديهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله ، وكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ، ويستبشرون بذكرِهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده ، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتَقص أحد رب العالمين ، واذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوديهم غضبوا غضب الليث إذا حرَدَ[236] ، واذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها ، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئاً رضوا عنه ولم تتنكر له قلوبهم ، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة ، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلـٰهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا ، إن قام وإن قعد ، وإن عثر وإن مرض وإن استوحش ، فذِكرُ إلـٰهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه ، وهو لا ينكر ذلك ، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله ، وشفيعه عنده ، ووسيلته إليه.
وهكذا كان عُــبَّاد الأصنام سواء ، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم ، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم ، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر ، وغيرهم اتخذها من البشر ، قال الله تعالى حاكيًا عن أسلاف هؤلاء المشركين ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون[ ، ثم شهِد عليهم بالكفر والكذب ، وأخبر أنهم لا يهديهم ، فقال ]إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[ ، فهذه حال من اتخذ من دون الله وليا ، يزعم أنه يقربه إلى الله ، وما أعزَّ[237] من تخلص من هذا ، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره.
والذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفِهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، وهذا عين الشرك ، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله ، وأخبر أن الشفاعة كلها له)[238] ، (قال الله تعالى ]قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ولا تنفع الشفاعة عنده إلا من أذن له[ ، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لِما يحصل له به من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع ، إما مالك لما يريده عابده منه ، فإن لم يكن مالكًا كان شريكًا للمالك ، فإن لم يكن شريكاً له كان مُعِينًا له وظهيرًا ، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا كان شفيعًا عنده.
فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً مترتبا ، متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه ، فنفى الـمُلك والشِّركة والـمظاهرة والشفاعة التي يظنها المشرك ، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لـمشرك ، وهي الشفاعة بإذنه ، فكفى بهذه الآية نورًا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد ، وقطعًا لأصول الشرك وموادِّه لمن عقلها.
والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته ، وتضمنه له ، ويظنه في نوع وفي قوم قد خَـلَوا[239] من قبل ولم يُعقِّـبوا وارثاً[240] ، وهذا هو الذي يحول بين المرء وفهم القرآن.
ولَعمر الله ان كان أولئك قد خلَوا فقد ورِثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم ، وتناوُلِ القرآن لهم كتناوله لأولئك ، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما تُنقض عرى الإسلام عروة عروة ؛ إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية) ، وهذا لأن من لم يعرف الجاهلية والشرك ، وما عابه القرآن وذمّه ؛ وقع فيه وأقره ، ودعا إليه وصوّبه وحسّنه ، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه ، فـيُنـــــــــتقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ، ويعود المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والبدعة سنَّة ، والسنَّة بدعة ، ويُكفّر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ، ويُبدّع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع ، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عَيانًا ، والله المستعان).[241]
(ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته ، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها ، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده ، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه ، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله[242] سببًا لإذنه ، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد ، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن ، فهو بمنـزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها ، وهذه حالة كل مشرك ، والميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له ، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة ، فعكس المشركون هذا ، وزاروهم زيارة العبادة واستقضاء الحوائج ، والاستغاثة بهم ، وجعلوا قبورهم أوثاناً تعبد ، وسموا قصدها حجّاً ، واتخذوا عندها الوقفة وحلق الرأس ، فجمعوا بين الشرك بالمعبود الحق وتغيير دينه ، ومعاداة أهل التوحيد ونسبة أهله إلى التنقص للأموات ، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك ، وأولياءه الموحدين له الذين لم يشركوا به شيئًا بذمّهم وعيبهم ومعاداتهم ، وتنقصوا من أشركو به غاية التنقّص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا ، وأنهم أمروهم به ، وأنهم يوالونهم عليه ، وهؤلاء أعداء الرسل والتوحيد في كل زمان ومكان ، وما أكثر المستجيبين لهم ، ولله در خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول ]واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس[ ، وما نجا من شَرَكِ[243] هذا الشرك الأكبر إلا من جرَّد توحيده لله ، وعادى المشركين في الله ، وتقرب بمقتهم إلى الله).[244]
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فتأمل رحمك الله كلام هذا الإمام وتصريحه بأن من دعا الموتى وتوجه إليهم واستغاث بهم ليشفعوا له عند الله فقد فعل الشـرك الأكبر الذي بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بإنكاره[245] ، وتكفير من لم يتب منه ، وقتاله ومعاداته ، وأن هذا قد وقع في زمانه ، وأنهم غيَّروا دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعادَوا أهل التوحيد الذين يأمرونهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
وتأمل أيضًا قوله: (وما أعز من تخلص من هذا ، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره) ، يتبين لك الأمر إن شاء الله تعالى.
ولكن تأمل أرشدك الله قوله: (وما نجا من شَرَك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين إلى آخره) ، يتبين لك أن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل هذا الشرك ، فإن لم يعادِهم فهو منهم وإن لم يفعله ، والله أعلم.
وقال رحمه الله في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» في الكلام على غزوة أهل الطائف وما فيها من الفقه ، قال فيها:
ومنها[246] أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً ، فإنها شعائر الكفر والشرك ، وهي أعظم المنكرات ، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة ، وهذا حكم المشاهد التي بُنيت على القبور ، التي اتخذت أوثاناً وطواغيت تعبد من دون الله ، والأحجار التي تقصد للتعظيم وللتبرك والنذر والتقبيل ، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته ، وكثير منها بمنـزلة اللات والعزّى ، ومناة الثالثة الأخرى ، أو أعظم شِركا بها وعندها ، والله المستعان.
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق ، وتميت وتحيي ، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم ، فاتبعوا هؤلاء سَنَن من كان قبلهم ، وسلكوا سبيلهم حذو القُذَّة[247] بالقذة ، وأخذوا مأخذهم شبرًا بشبر ، وذراعاً بذراع ، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم ، فصار المعروف منكرًا ، والمنكر معروفاً ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة ، ونشأ في ذلك الصغير وهرِم عليه الكبير ، وطُمست الأعلام ، واشتدت غربة الإسلام ، وقلَّ العلماء ، وغلب السفهاء ، وتفاقم الأمر ، واشتد البأس ، ]وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس[ ، ولكن لا تزال طائفة من الأمة المحمدية بالحق قائمين ، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين ، إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين.[248]
وقال الشيخ تقي الدين لما سُئل عن قتال التتار مع تمسُّكهم بالشهادتين[249] ، ولِما زعموا من اتباع أصل الإسلام:
كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة - من هؤلاء القوم وغيرهم - فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ، وملتزمين بعض شرائعه ، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ، وعلى ذلك اتفق العلماء بعدهم بعد سابِقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام ، عـملاً بالكتاب والسنة.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه عن الخوارج ، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة ، مع قوله (تحقرون صلاتكم من صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم)[250].
فعُـلِم أن مجرد الإعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بـمُسقِط للقتال ، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله ، وحتى لا تكون فتنة ، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات ، أو الصيام ، أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر ، أو نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار ، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب ، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها ، التي يكفر الجاحد لوجوبـها ؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مُقرة بها ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء.
وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أُصرت على ترك بعض السنن ، كركعتي الفجر والأذان والإقامة - عند من لا يقول بوجوبها - ونحو ذلك من الشعائر ، فهل تُقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟
فأما الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها.
وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنـزلة البغاة الخارجين على الإمام ، أو الخارجين عن طاعته ، كأهل الشـام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين ، أو خارجون عليه لإزالة ولايته.
وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام ، بمنـزلة مانعي الزكاة ، وبمنـزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولهذا افترقت سيرة علي رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة والشام ، وفي قتاله لأهل النهروان ، فكانت سيرته مع أهل البصرة والشامين سيرة الأخ مع أخيه ، ومع الخوارج بخلاف ذلك.
وثبتت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق وقتال الخوارج.[251]
انتهى كلامه رحمه الله.
فتأمل رحمك الله تصريح هذا الإمام في هذه الفتوى بأن من امتنع من شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة ، كالصلوات الخمس أو الزكاة أو الحج ، أو ترك المحرمات ، كالزنا ، أو تحريم الدماء والأموال ، أو شرب الخمر أو المسكرات أو غير ذلك ؛ أنه يجب قتال الطائفة الممتنعة عن ذلك حتى يكون الدين كله لله ، ويلتزموا شرائع الإسلام ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ، ملتزمين بعض شرائع الإسلام ، وأن ذلك مما اتفق عليه الفقهاء من سائر الطوائف ، من الصحابة فمن بعدهم ، وأن ذلك عملٌ بالكتاب والسنَّة.
فتبين لك أن مجرد الإعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بـمُسقط للقتال ، وأنهم يُقاتلون قتال كفر وخروج عن الإسلام كما صرح به في آخر الفتوى بقوله: (وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة ، الخارجين على الإمام ، أو الخارجين عن طاعته ... بل خارجون عن الإسلام ، بمنزلة مانعي الزكاة)[252] ، والله أعلم.
وقال في «الإقناع»[253] من كتب الحنابلة التي يُعتمد عليها عندهم في الفتوى:
وأجمعوا على وجوب قتل المرتد ، فمن أشرك بالله فقد كفر بعد إسلامه ، لقوله تعالى ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ ، أو جحد ربوبيته ، أو وحدانيته ؛ كفر ، لأن جاحد ذلك مشرك بالله تعالى.
إلى أن قال:
قال الشيخ[254]: أو كان مبغضاً لرسوله ، أو لما جاء به اتفاقاً ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم ؛ كَـفر إجماعاً ، لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام ، قائلين ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[.[255]
باب الكفر ، وهو السِّــتر ، وجحود الحق وإنكاره ، وهو أول ما ذُكر في القرآن العظيم من الـمعاصي ، قال الله تعالى ]إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[ الآية ، وهو أكبر الكبائر على الإطلاق ، فلا كبيرة فوق الكفر.
إلى أن قال: واعلم أن ما يلزم به الكفر[257] أنواع ، فنوع يتعلق بالله سبحانه ، ونوع يتعلق بالقرآن وسائر الكتب المنـزلة ، ونوع يتعلق بنبينا صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والملائكة والعلماء ، ونوع يتعلق بالأحكام.
فأما ما يتعلق به سبحانه ؛ إذا وصف الله سبحانه بما لا يليق به ، بأن شبَّه الله سبحانه بشيء من المخلوقات ، أو نفى صفاته ، أو قال بالحلول[258] أو الاتِّحاد[259] ، أو معه قديم غيره ، أو معـه مدبر مستقل غيره ، أو اعتقد أنه سبحانه جسم أو مُحدث ، أو غير حي ، أو اعتقد أنه لا يعلم الـجزئيات ، أو سَخِر باسم من أسمائه ، أو أمر من أوامره ، أو وَعده أو وعيده ، أو أنكرهما ، أو سجد لغير الله تعالى ، أو سبَّ الله سبحانه ، أو ادعى أن له ولدًا أو صاحبة ، أو أنه مُتولِّدٌ من شيء كائن عنه ، أو أشرك بعبادته شيئًا من خلقه ، أو افترى على الله سبحانه وتعالى الكذب بادعائه الإلـٰهية والرسالة.
إلى أن قال:
وما أشبه ذلك مما لا يليق به ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا ، يكفر[260] بهذه الوجوه كلها بالإجماع ، لأجل سوء فعله ، عمدًا أو هزْلاً ، ويُقتل إن أصرَّ على ذلك ، فإن تاب تاب الله عليه ، وسَلِم من القتل.
انتهى كلامه بحروفه.
وقال الشيخ قاسم[261] في «شرح الدرر»[262]: النذر الذي ينذره أكثر العوام ، فيأتي بعض قبور الصلحاء فيقول: يا سيدي ؛ إن رُدَّ غائبي ، أو عُوفي مريضي ، أو قُضيت حاجتي ؛ فَـلَـكَ من الذهب كذا ، ومن الطعام كذا ، ومن الشمع كذا ؛ فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه:
منها أنه نذر لمخلوق ، والنذر لمخلوق لا يجوز.
ومنها ، أنه ظنَّ أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى ، واعتقاد ذلك كفر.[263] انتهى.
وزاد الحصفكي: وقد ابتُـلي الناس بذلك ولاسيما في هذه الأعصار.
وزاد ابن عابدين: ولاسيما في مولد السيد أحمد البدوي.
فصرح بأن هذا النذر كفر يكفر به المسلم.
انتهى ، والله أعلم ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه ، وسلم.[264]
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمـٰن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله:
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، محمد ، وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فقد وصلت إلينا الأسئلة التي صدرت من جهة الساحل الشرقي على يد الأخ سعد البواردي.
(السؤال الأول) قول الملحد الضال المجادل في دين الله: إن الأمر الذي جاء به الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله مذهبٌ خامسٌ ، وغشٌّ للأمة ، فهل يكون هذا القائل سُــنِّــيًّا أو مبتدعًا.
فالجواب وبالله التوفيق ؛ هذا القائل إنما تدل مقالته هذه على أنه من أجهل خلق الله في دين الله ، وأبعدهم عن الإسلام وأبيَـنُهم[265] ضلالة ، فإن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إنما دعا الناس إلى أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئًا ، وهذا لا يرتاب فيه مسلم أنه دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقوله (مذهب خامس) يُــبيِّـن جهله ، وأنه لا يعرف العلم ولا العلماء ، فإن الذي قام به شيخ الإسلام لا يقال له مذهب ، وإنما يقال له دين وملة ، فإن التوحيد هو دين الله ، وملة خليله إبراهيم ، ودين جميع الأنبياء والمرسلين ، وهو الإسلام الذي بُعِث به محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه علماء الأمة سلفًا وخلفًا ، ولا يخالفُ في هذا إلا من هو مشرك ، كما قال تعالى ]فاعبد الله مخلصًا له الدين * ألا لله الدين الخالص[ ، وقال تعالى ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ ، فسمَّاه الله تعالى في هاتين الآيتين وغيرهما من آيِ القرآن دينًا ولم يسمِّهِ مذهبًا.
وأما ما جرى على ألسن العلماء من قولهم (مذهب فلان) أو (ذهب إليه فلان) فإنما يقع في الأحكام[266] ، لاختلافهم فيها بحسب بلوغ الأدلة وفهمها ، وهذا لا يختص بالأئمة الأربعة رحمهم الله بل مذاهب العلماء قبلهم وبعدهم في الأحكام كثيرة ، فقد جرى الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ، فللصِّديق رضي الله عنه مذهب انفرد به ، ولابن مسعود كذلك ، وكذا ابن عباس ، وغيرهم من الصحابة ، وكذا الفقهاء السبعة من التابعين ، وخالف بعضهم بعضًا في مسائل ، وغيرهم من التابعين كذلك ، وبعدهم أئمة الأمصار ، كالأوزاعي إمام أهل الشام ، والليث بن سعد إمام أهل مصر ، وسفيان بن عيينة والثوري إماما أهل العراق ، فكل مذهب معروف في الكتب المصنفة في اختلاف العلماء ، ومثلهم الأئمة الأربعة ، وجاء بعـدهم أئمة مجتهدون خالفوا الأئمة الأربعة في مسائل معروفة عند العلماء ، كأهل الظاهر ، ولذلك تجد من صنف في مسائل الخلاف إذا عَنى الأئمة الأربعة قال (اتفقوا) ، وفي مسائل الإجماع التي أجمع عليها العلماء سلفًا وخلفًا يقول (أجـمعوا) ، وذِكر المذاهب لا يختص بأهل السنة من الصحابة فمن بعدهم ، فإن بعض أهل البدع صنفوا لهم مذهبًا في الأحكام يذكرونه عن أئمتهم ، كالزيدية لهم كتب معروفة يُفتي بها بعض أهل اليمن ، والإمامية الرافضة لهم مذهـب مُدَوَّن خالفوا في كثير منه أهل السنة والجماعة ، والمقصود أن قول هذا الجاهل (مذهب خامس) قول فاسد لا معنى له ، كحال أمثاله من أهل الجدل والزيغ في زماننا.
(شعر)
يقولون أقوالاً ولا يعرفونها وإن قيل هاتوا حقِّقوا لم يحققوا
وأما قوله: (وغَشَّ الأمة)[267] ؛ فهذا الجاهل الضال بَنى هذا القِـيل[268] الكاذب على سوء فهمه وانصرافه عن دين الإسلام ، لأنه عدو لمن قام به ودعا إليه وعمل به ، ومن المعلوم عند العقلاء وأهل البصائر أن من دعا الناس إلى توحيد ربهم وطاعته أنه الناصح لهم حقًا ، وأما من حَسَّن الشرك والبدع ودعا اليها وجادل بالباطل وألحد[269] في أسماء الله وصفاته ؛ فهو الظالم الغاش لعباد الله ، لأنه يدعوهم إلى ضلالة ، نعوذ بالله من جَهد البلاء ، ودَرَكِ[270] الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء.
ونذكر ما قام به الشـيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، فإنه نشأ في أناس قد اندرَسَت[271] فيهم معالم الدين ، ووقع فيهم من الشرك والبدع ما عمَّ وطمَّ في كثير من البلاد ، إلا بقايا متمسكين بالدين ، يَعلَمُهم الله تعالى.
وأما الأكثرون فعادَ المعروف بينهم منكرًا والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ، نشأ على هذا الصغير ، وهرِم عليه الكبير ، ففتح الله بـــــصيرة شيخ الإسلام بتوحيد الله الذي بعث الله به رسله وأنبياءه ، فعرَّف الناس ما في كتاب ربهم من أدلة توحيده الذي خلقهم له ، وما حرَّمه الله عليهم من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه ، فقال لهم ما قاله المرسلون لأممهم ]أن اعبدوا الله ما لكم من إلـٰه غيره[ ، فحَـجَبَ كثيرًا منهم عن قبول هذه الدعوة ما اعتادوه ونشأوا عليه من الشرك والبدع ، فنصبوا العداوة لمن دعاهم إلى توحيد ربهم وطاعته - وهو شيخنا رحمه الله ومن استجاب له وقبِلَ دعوته وأصغى إلى حجج الله وبيناته - كحال من خلا من أعداء الرسل ، كما قال تعالى ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والـجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا[ ، وقال تعالى ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيرًا[.
وأدلة ما دعى إليه هذا الشيخ رحمه الله من التوحيد في الكتاب والسنة أظهرُ شيءٍ وأبينُهُ ، إقرأ كتاب الله من أوله إلى آخره تـجد بيان التوحيد والأمر به وبيان الشرك والنهي عنه مقررًا في كل سورة ، وفي كثير من سور القرآن يقرره في مواضع منها ، يعلمُ ذلك من له بصيرة وتدبر ، ففي فاتحة الكتاب ]الحمد لله رب العالمين[ نوعا التوحيد ؛ توحيد الإلـٰهية وتوحيد الربوبية.
وفي ]إياك نعبد وإياك نستعين[ النوعان.
وقصْر العبادة والاستعانة على الله عز وجل أي لا نعبد غيرك ولا نستعين إلا بك.[272]
وأوَّلُ أمرٍ في القرآن يقرع سمع السامع والمستمع قوله تعالى ]يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون[ إلى قوله ]فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون[ ، فأمَرَهم بتوحيد الإلـٰهية ، واستدل عليه بالربوبية ، ونهاهم عن الشرك به ، وأمرهم بخلع الأنداد التي يعبدها المشركون من دون الله.
وافتتح سبحانه كثيرًا من سور القرآن بهذا التوحيد ]ألم * الله لا إلـٰه إلا هو الحي القيوم[ ، ]الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون[ ، إلى قوله تعالى ]وهو الله في السماوات والأرض[ ، أي المألوه المعبود في السماوات والأرض.
وفي هذه السورة[273] من أدلة التوحيد ما لا يكاد أن يحصر ، وفيها من بيان الشرك والنهي عنه كذلك.
وافتتح سورة هود بهذا التوحيد فقال تعالى ]آلر * كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير[ ، فأحكم تعالى آيات القرآن ثم فصَّلها ببيان توحيده والنهي عن الإشراك به.
وفي أول سورة طـٰه قال تعالى ]الله لا إلـٰه إلا هو له الأسماء الحسنى[.
وافتتح سورة الصافات بهذا التوحيد وأقسم عليه ، فقال ]والصافات صفا * فالزاجرات زجرًا * فالتاليات ذكرا * إن إلـٰهكم لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق[.
وافتتح سورة الزمر بقوله ]تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله ملخصًا له الدين * ألا لله الدين الخالص[.
وفي هذه السورة من بيان التوحيد والأمر به ، وبيان الشرك والنهي عنه ؛ ما يستضيء به قلب الـمؤمن ، وفي السورة بعدها كذلك.[274]
وفي سورة ]قل يا أيها الكافرون[ نفي الشرك في العبادة في قوله تعالى ]لا أعبد ما تعبدون[ إلى آخرها.
وفي سورة ]قل هو الله أحد[ توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذا ظاهر لمن نوَّر الله قلبه بفهم القرآن.
وفي خاتمة المصحف ]قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إلـٰه الناس[ ؛ بين أن ربهم وخالقهم ورازقهم هو المتصرف فيهم بمشيئته وإرادته ، وهو ملِـكُهُم الذي نواصي الملوك بيده ، وجميع الخلق في قبضته ، يُعِـز هذا ويُذل هذا ، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ]لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب[ ، وهو معبودهم الذي لا يَستحق أن يعبد سواه.
فهذه إشارة إلى ما في القرآن.
وأما السنة ففيها من أدلة التوحيد ما لا يمكن حصره ، كقوله في حديث معاذ الذي في الصحيحين: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.[275]
وفي حديث ابن مسعود[276] الصحيح: من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار.[277]
والحديث الذي في معجم الطبراني: إنه لا يُستغاث بي ، وإنما يُستغاث بالله عز وجل.[278]
ولما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت) ؛ قال: أجعلتني لله ندًّا؟ بل ما شاء الله وحده.[279]
وأمثال هذا لا يحصى كما تقدم ذكره.
وأدلة التوحيد في الكتاب والسنة أبيـنُ من الشمس في نحر الظهيرة ، لكن لمن له فهم ثاقب ، وعقل كامل ، وبصر نافذ ، وأما الأعمى فلا يُبصر للشمس ضياءًا ولا للقمر نورًا.
ثم إن شيخنا رحمه الله كان يدعو الناس إلى الصلوات الخمس والمحافظة عليها حيث ينادَى لها ، وهذا من سُنن الهدى ومعالم الدين ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة ، ويأمر بالزكاة والصيام والحج ، ويأمر بالمعروف ويأتيه ، ويأمر الناس أن يأتوه ويأمروا به ، وينهي عن المنكر ويتركه ، ويأمر الناس بتركه والنهي عنه.
وقد تتبع العلماء مصنفاته رحمه الله من أهل زمانه وغيرهم ، فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يُعاب ، وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة.
وأما في الفروع والأحكام فهو حنبلي الـمذهب ، لا يوجد له قول مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة ، بل ولا خرج عن أقوال أئمة مذهبه ، على أن الحق لم يكن محصورًا في المذاهب الأربعة كما تقدم ، ولو كان الحق محصورًا فيهم لما كان لذِكر المصنفين في الخلاف وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم مما خرج عن أقوال الأربعة فائدة.
والحاصل أن هذا المعترض المجادل - مع جهله - انعكس عليه أمره ، فقبِل قلبه ما كان منكرًا ، وردَّ ما كان معروفًا ، فأعداءُ الحق وأهلُهُ من زمن قوم نوح إلى أن تقوم الساعة هذه حالهم وطريقتهم ، فمن حكمة الرب تعالى أنه ابتلى عباده المؤمنين الذين يدعون الناس إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدين بثلاثة أصناف من الناس ، وكل صنف له أتباع.
(الصنف الأول) من عرف الحق فعاداه حسدًا وبغيًا ، كاليهود ، فإنهم أعداء الرسل والمؤمنين ، كما قال تعالى ]بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيًا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين[ ، ]وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[.
(الصنف الثاني) الرؤساء أهل الأموال ، الذين فتنتهم دنياهم وشهواتهم ، لما يعلمون أن الحق يمنعهم من كثير مما أحبوه وألِفوه من شهوات الغِنى ، فلم يعبؤوا بداعي الحق ، ولم يقبلوا به.
(الصنف الثالث) الذين نشؤوا في باطلٍ وَجدوا عليه أسلافَهم ، يظنون أنهم على حق ، وهم على باطل ، فهؤلاء لم يعرفوا إلا ما نشؤوا عليه ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ، وكل هذه الأصناف الثلاثة وأتباعهم هم أعداء الحق من زمن نوح إلى أن تقوم الساعة.
فأما الصنف الأول فقد عرفت ما قال الله فيهم.
وأما الصنف الثاني فقد قال فيهم ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين[.
وقال عن الصنف الثالث ]بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون[ ، ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ ، وقال ]إنهم ألْفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يُهرعون[ ، وهؤلاء هم الأكثرون كما قال تعالى ]ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين[ ، وقال تعالى في سورة الشعراء عقِب كل قصة ]إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم[ ، وقال تعالى ]وما أكثر الناس ولو حرصت بـمؤمنين[ ، وقال تعالى في قصة نوح عليه السلام ]وما آمن معه إلا قليل[ ، وقال تعالى ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرُصون[.
فيا من نصح نفسه ، تدبر ما ذكر الله في كتابه من ضلال الأكثرين ، لئلا تغتر بالكثرة من المنحرفين عن الصراط المستقيم ، الذي هو سبيل المؤمنين ، وتدبر ما ذكر الله من أحوال أعداء المرسلين ، وما فعل الله بهم ، قال تعالى ]ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد * كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب[ ، وقال تعالى ]فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون[ ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، تبين أن أهل الحق ، أتباع الرسل ، هم الأقلون عددًا ، الأعظمون عند الله قدرًا ، وأن أعداء الحق هم الأكثرون في كل مكان وزمان ، حكمة بالغة.
وفي الأحاديث الصحيحة ما يرشد إلى ذلك ، كما في الصحيح أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا ليتني فيها جَـذَع[280] ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوَمُخرجيَّ هم؟
قال: نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي.[281]
فإذا كان هذا حال أكثر الخلق مع المرسلين مع قوة عقولهم وفهومهم وعلومهم ؛ فلا تعجب مما جرى في هذه الأوقات ممن هو مثلَهم في عداوة الحق وأهله ، والصد عن سبيل الله ، مع ما في أهل هذه الأزمان من الرعونات والجهل وفرَطِ الغلو في الأموات ، كما قال تعالى عن أسلافهم وأشباههم ]والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئًا وهم يُـخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيَّان يبعثون * إلـٰهكم إلـٰه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون[.
فاحتج سبحانه على بطلان دعوتِـهم[282] غيره بأمور منها:
أنهم ]لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون[ ، فالمخلوق لا يصلح أن يُقصد بشيء من خصائص الإلـٰهية ، لا دعاء ولا غيره ، والدعاء مخ العبادة.
(الثاني) كونُ الذين يدعونهم من دون الله أمواتًا غير أحياء ، والميت لا يقدر على شيء ، فلا يسمع الداعي ولا يستجيب له ، ففيها معنى قوله تعالى ]والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير[.
وفي هذه الآية أربعة أمور تُبطل دعوة[283] غير الله ، وتُـــبين ضلالة من دعا غير الله ، فتدبَّرَها.[284]
والأمر الثالث في هذه الآية قوله ]وما يشعرون أيَّان يبعثون[ ، ومن لا يدري متى يُبعث لا يصلح أن يُدعى من دون الله ، لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة.
ثم بين تعالى ما أوجبه الله على عباده من إخلاص العبادة لله ، وأنه هو المألوه المعبود دون كل من سواه ، فقال ]إلـٰهكم إلـٰه واحد[ ، وهذا هو الدين الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ، كما قال تعالى ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون[.
ثم بين تعالى حال أكثر الناس مع قيام الحجة عليهم وبطلان ما هم عليه من الشرك بالله ، وبيان ما افترض عليهم من توحيده ، فقال ]فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون[ ، فذكر سببين حائلين بينهم وبين قبول الحق الذي دُعوا إليه:
(فالأول) عدم الإيمان باليوم الآخر ، (والثاني) التكبر ، وهو حال الأكثرين ، كما قد عُرِف مِن حال الأمم الذين بَعث الله إليهم رسله ، كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم ، وكيف جرى منهم وما حلَّ بهم ، وكحال كفار قريش والعرب وغيرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله بالتوحـيد والنهي عن الشرك والتنديد ، فقد روى مسلم وغيره من حديث عمرو بن عبَسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: أنا نبي.
قال: وما نبي؟
قال: أرسلني الله.
قال: وبأي شيء أرسلك؟
قال: أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يُوحَّد الله ولا يُشرك به شيء.
قال: فمن معك على هذا؟
قال: حرٌّ وعبد.
قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن معه.[285]
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بدأ الإسلام غريبا ، ثم يعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء.
قيل: يا رسول الله ، ومن الغرباء؟
قال: الذين يَصلُحون إذا فسد الناس.[286]
وفَـسَّر الغرباء بأنهم النُّـزَّاع من القبائل[287] ، فلا يَقبلُ الحق من القبيلة إلا نَزيعةً ، الواحد والإثنان ، ولهذا قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.[288]
وعن بعضهم أنه قال: ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟
فإذا كان الأمر كذلك فلا تعجبوا من كثرة المنحرفين الناكبين عن الـحق المبين ، المجادلين في أمر الدين ، كما قال تعالى ]الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار[.
فأعظم منةٍ على من رزقه الله معرفة الحق ؛ الاعتصام بكتابه ، والتمسك بتوحيده وشرعه مع كثرة المخالف والمجادل بالباطل ، ]من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولــيًّا مرشدا[.
وصلى الله على محمد ، سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وسلم تسليمًا كثيرًا ، والحمد لله رب العالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.[289]
قال مُعِدُّ هذه الرسالة: تمت الرسالتان بحمد الله ، وأختم بكلمة قالها الشيخ محمد رشيد رضا المصري[290] رحمه الله في حق دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، والتي عُرفت فيما بالوهابية كما لقبها بذلك بعض من وقفوا في وجه دعوة الشيخ ليُنفِّروا الناس عنها:
كنا نسمع في صِغَرِنا أخبار الوهابية ، فنُصدِّقها بالــتَّبع لمشايخنا وآبائنا ، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ، ولأجله[291] حاربَتهم[292] وخضَّدت شوكَــتَــهم ، وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر ، والاطلاع على «تاريخ الجبرتي» و«تاريخ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى» ، فعلمت منهما أنهم هم[293] الذين كانوا على هداية الإسلام دون مُقاتليهم ، وأكَّده الاجتماع بالمطَّلعين على التاريخ من أهلها ، ولا سيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر ، فعلِموها وصرَّحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام ، وإعادته إلى ما كان عليه في الصــــــــدر الأول ، وإذا لتَــجدَّدَ مجدُهُ وعادت إليه قوته وحضارته ، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفا من تجديد ملك العرب ، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى.[294]
· الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، الناشر: مدار الوطن ، ط 1
· تلخيص كتاب الاستغاثة لابن تيمية ، ابن كثير ، تحقيق محمد بن علي عجال ، مكتبة الغرباء الأثرية ، ط1
· اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ، ابن تيمية ، تحقيق الشيخ حامد الفقي
· إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، ابن القيم ، تحقيق علي بن حسن بن عبد الحميد ، الناشر: دار ابن الجوزي
[1] رواه البخاري (6502) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] رواه الترمذي (1931) عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن.
[3] باختصار وتصرف من ترجمته في مقدمة كتابه «مصباح الظلام» ، والترجمة من إعداد الشيخ د. عبد العزيز بن عبد الله الزير حفظه الله.
[4] ليست كلمة (سيدنا) في «الدرر».
[5] في «الدرر»: العالـِم.
[6] في «مجموعة الرسائل»: المآل.
[7] أي يقصدون.
[8] الـبُهت هو الافتراء واختلاق الكلام.
[9] المشرع أي الشريعة والمسلك الديني.
[10] في «الدرر»: العالم.
[11] الإرَب أي الحاجات ، مِن أرِب الرجل أي احتاج. انظر «النهاية».
[12] الأحبار جمع حَـبر ، وهو العالِم.
[13] الأمداد من الله أي النصرة والتوفيق والقوة في الطاعة.
[14] في «الدرر»: المديني ، نسبة إلى المدينة ، حيث أقام بها.
[15] أخرجه أبو داود (4941) ، والترمذي (1924) وصححه ، وأحمد (2/160) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/328) ، وصححه الألباني في «الصحيحة» (922).
[16] رواه الترمذي (2142) ، وأحمد (3/106) ، واللفظ له ، وابن حبان (2/53) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[17] أي الدعاء.
[18] في «الدرر»: إشارة.
[19] مُسلَّم أي مرضي به ، فقوله إن تلك الدعوى غير مسلَّمة ، أي غير مرضي بها.
[20] وهو المعروف بـ «كتاب التوحيد» ، وقد طبع أكثر من ألف مرة ، وترجم إلى لغات عدة ، وله عدة شروح تزيد على العشرين شرحا ، من أهمها «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» لحفيده الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، المتوفى عام 1233 هـ عن ثلاث وثلاثين سنة ، وكذلك «فتح المجيد» لحفيده الثاني الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن بن مـحمد بن عبد الوهاب ، المتوفى عام 1285 هـ ، وله شروح معاصرة من أنفسها «القول المفيد على كتاب التوحيد» للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، وهذا مما يدل على أن الله قد كتب القبول للكتاب الأصل ، فرحم الله أئمة الدعوة النجدية ، فما أعظم فضلهم على الناس.
[21] في «مجموعة الرسائل»: الله.
[22] الغَـور هو ما انخفض من الأرض. انظر «النهاية».
[23] الأنجاد جمع نجد ، وهو ما ارتفع من الأرض. انظر «النهاية».
[24] الأشر هو البطر. انظر «لسان العرب».
[25] عفت أي اختفت وانمحت. انظر «لسان العرب».
[26] الأُجاج هو ما يلذع الفم بمرارة أو ملوحة ، والسياق يدل على أن المقصود الملوحة ، وانظر «المعجم الوسيط»
[27] العَشى هو ضعف البصر ، والمقصود ضعف البصيرة في الدين.
[28] الفترات جمع فترة وهي المدة الزمنية بين نبيين ، وفي الفترة يعم الجهل حتى يبعث الله نبيا يرجع الناس إلى الدين ، والغبر بضم الغين وتسكين البار جمع أغبر ، وهو الذاهب الماضي ، والمقصود من العبارة ما مضى من الجاهلية وأهل الفترات الماضية.
[29] ولائج جمع وليجة ، وهي المدخل للحصول على مقصد ما.
[30] فِحال جمع فحل ، أي ذكر النخل.
[31] ينتابه أي يتردد عليه.
[32] أي قبل تمام الحول ، وهو السنة.
[33] في نسخة «مجموعة الرسائل»: الطريفة.
[34] يَـضِير أي يَضُر.
[35] أي الحجاز.
[36] أي الكعبة.
[37] في «الدرر»: والدار الآخرة.
[38] في «الدرر»: الإيمان.
[39] السُّوقة هم الرعية ومن دون الملك ، هكذا قال في «النهاية» ، ولعل الشيخ يقصد عموم الناس.
[40] في «الدرر»: الحسين.
[41] يقال بندر جدة وبندر السويس وبندر القنفذة ، والذي يظهر لي أن كلمة بندر تُلحق بالمدن التي فيها ميناء تجاري ، والبندر في المعاجم اللغوية هو تاجر المعادن. انظر «لسان العرب».
[42] التنجيم هو التقسيط. انظر «المعجم الوسيط».
[43] المعتقَدين - بفتح التاء - هم من يعتقد الناس فيهم شيئا من خصائص الألوهية ، تعالى الله عن أن يماثله أحد من خلقه.
[44] أي للبدوي.
[45] نماردة جمع نمرود ، وهو في الأصل اسم ملك معروف ، ثم صار وصفا لمن تعاقب على مملكته ، انظر «لسان العرب».
[46] المسكة – بضم الميم - هو العقل الوافر والرأي. انظر «المعجم الوسيط».
[47] سَـنن جمع سُــنَّة وهي الطريقة.
[48] الاستكاك هو الصَّمم وذهاب السمع. انظر «النهاية».
[49] الرِّبقة عروة في حبل ، تجعل في عنق البهيمة لتمسكها ، والمقصود بالربقة هنا ما يوثق به المسلم نفسه بدين الإسلام ، من العمل بأحكام الدين والوقوف عند حدوده ، وانظر «النهاية».
[50] لعله يشير إلى الإسماعيلية ، ويسمون رئيسهم وشيخهم بالـمَــكرُمِي ، وجمعه مكارمة.
[51] في «الدرر»: وتقديمه.
[52] أي لا يخالطون من يفعل ذلك.
[53] الخِـلجان جمع خليج.
[54] المعهد هو المكان الذي يؤسس للتعليم ، والمقصود المدارس والأماكن التي أنشئت لتعليم الناس عبادة اللات والعزى ، ويمكن أن يقصد بها التراث الجاهلي الذي كان يقرر عبادة اللات والعزى ، والله أعلم ، وانظر «المعجم الوسيط».
[55] أي عبد القادر الجيلاني.
[56] عَدَلَ أي حادَ وانحرف عن الجادة.
[57] الأجداث جمع جدث ، وهو القبر. انظر «المعجم الوسيط».
[58] يقصد الشيخ أنه لم يبق فرق بين الرافضة والنصارى في ضلالاتهم إلا دعوى أن لله ولدا ، فهذه لم يقولوها ، وإلا فالرافضة قد وقعوا في ضلالات النصارى كلها عياذا بالله إلا هذه.
[59] يقصد بالحلول عقيدة أن الله يحل في خلقه ، تعالى الله عن ذلك ، وهي عقيدة باطلة ، يعتقدها بعض فرق الرافضة فيمن يغلون فيهم من آل البيت ، والحق أن الله في السماء ، فوق جميع خلقه ، كما قال تعالى ]الرحمـٰن على العرش استوى[.
[60] أي فيما أبداه من الإنكار على أهل زمانه ، وقد تقدم ذكر شيء من المظاهر الشركية في اليمن ، وللصنعاني في إنكاره على أهل زمانه قصيدة معروفة ، وانظر كتاب «القبورية ، نشأتها - آثارها - موقف العلماء منها» لأحمد بن حسن المعلم ، (الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام) ، فقد تكلم بإسهاب عن تاريخ القبورية في اليمن.
[61] مزبورة أي مكتوبة ، والمقصود أن تلك البدع مذكورة في كتب ومنشورة بين الناس.
[62] الطغام هم أوغاد الناس وأراذلهم منهم.
[63] في المطبوع (انتقض) ، ولعله خطأ في النسخ.
[64] الثُّـلمة هي موضع الكسر من الإناء ، فقوله انثلمت أركانه أي انكسرت وتصدعت.
[65] مندوحة أي سَعة وفسحة. انظر «النهاية».
[66] مضطردة أي مستمرة.
[67] الأحبار جمع حبر ، والحبر هو العالم.
[68] الرهبان جمع راهب ، وهم عباد النصارى ، وقد كانوا ينعزلون عن الدنيا وملاذها ، ويتعمدون المشاق ، ويتعبدون في صوامع ، فأبطل الإسلام هذا كله ، كما قال تعالى ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم[.
[69] يعني بالحوادث أي المحدثات في الدين.
[70] هنا انتهى الشيخ من التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وذكر حال البلاد الإسلامية في وقته ، والآن سيبدأ الشيخ في ذكر كلام علماء المذاهب الذين أنكروا ما أنكره ابن عبد الوهاب ، ليقرر – كما أسلفنا – أنه لم يأت بجديد ، وإنما جدد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم على الحق ، جهلنا الله منهم وفي زمرتهم ، وسيستغرق ذكر كلامهم بقية هذا الكتاب ، وهو يشكل ثمانية أعشاره ، فاللهم يسر وأعن.
[71] سيأتي بيان ذلك في ثنايا هذه الرسالة الـمباركة من كلام علماء المذاهب الأربعة ، وبهذا يتبين أن الذي دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس دينا جديدا ، ولا مذهبا جديدا ، بل هو نفس ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه على الإسلام الصافي ، والله أعلم.
[72] هو مـحمد بن الوليد الأندلسي الطرطوشي ، شيخ الـمالكية ، له كتاب مشهور في التحذير من البدع وهو «كتاب الحوادث والبدع» ، توفي رحمه الله سنة 520 . انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (19/490).
[73] أخطأ الطرطوشي رحمه الله في عزو هذا الحديث إلى البخارى ، وسيأتي تخريجه قريبا.
[74] حنين واد بين الطائف ومكة.
[75] أي أسلمنا قريبا ، فالكفر لم يكن بعيد عنا.
[76] العكوف هو طول الاقامة ، ومنه سنة الاعتكاف في المسجد.
[77] يَنوطون أي يُعلقون.
[78] رواه الترمذي (2180) وابن حبان (15/94) وأحمد (5/218) والنسائي في «الكبرى» (11122) ، وصححه الألباني ، وفي بعض الألفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ، وفي بعضها أنه سَـــبَّح.
[79] ص 38 – 39 ، تحقيق: علي بن حسن بن عبد الحميد ، الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام.
[80] هو الشيخ عبد الرحمـٰن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي من القراء والمحدثين ، وهو من علماء القرن السادس ، له تصانيف عديدة في العقيدة والحديث والقراءات والأصول والتاريخ. توفي رحمه الله سنة 665 . كان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة فقيل له: أبو شامة. انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ» (1157) و «معرفة القراء».
[81] يخامر أي يخالط ويقارب. انظر «لسان العرب».
[82] التخليق هو التطييب.
[83] العُـمُد جمع عمود.
[84] أي اتخاذ السُّـرج عليها وإنارتها.
[85] أي الـمُــطيَّــب.
[86] علق الشيخ محمد رشيد رضا على كلام الشيخ فقال:
كان بِقرُبِ بلدنا زيتونة يسمونها (زيتونة الولية) ، يعتقد الجمهور بركتها ، فلما قرأت لأهل البلد عقيدة التوحيد في أيام طلبي للعلم أغريتهم بقلعها فقلعوها ليلاً ، وكان هنالك عُــلَيقة منسوبة لِولِـيِّ ينوطون بها الخرق ، فما زلت بهم حتى منعتُهم من ذلك. اهـ.
قلت: عُلَيقة أي شيء تعلق به الخِرق ونحوها ، ومعنى ينوطون أي يُعلِّقون.
[87] القائل هو أبو شامة رحمه الله ، فالكلام لا زال له.
[88] هو الشيخ إبراهيم بن أحمد الجبنياني البكري ، توفي سنة 369 ، انظر ترجمته في «الديباح المذهب» لابن فرحون المالكي (1/240) ، ط مكتبة دار التراث - القاهرة.
[89] أي اذهبوا بي.
[90] أي عرَف الشيخ أبو عبد الله أنها فتنة للناس عن دينهم.
[91] القائل هو أبو شامة رحمه الله.
[92] أي يعبُـرون ويمرون.
[93] انتهى كلام أبي شامة رحمه الله.
[94] هو الإمام العلامة البحر ، شيخ الحنابلة ، صاحب التصانيف ، ولد سنة 431 هـ ، له كتاب «الفنون» في أربعمائة مجلد ، اشتغل بعلم الكلام فوقع في تأويل بعض الصفات ، ثم أشهد على نفسه أنه تاب ، ثم صنف في الرد على مؤولة الصفات ، وله كلام في كتابه «الفنون» في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصـوف ، نقله ابن تيمية في «درء تعارض العقل والنقل» (8/61 – 68).
توفي رحمه الله 513 هـ رحمه الله. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (19/443).
[95] تقدم أن الطَّغام هم أراذل الناس.
[96] العدول – بضم العين - هو الميل عن الطريق السوي والحياد عنه. انظر «المعجم الوسيط».
[97] أوضاع الشرع هي تعاليمه ، وما وضعه الله من التعاليم السمحة.
[98] الأقرب أن مقصوده بقوله «الأوضاع» أي الأفعال.
[99] أي تضميخها بالخلوق وهو نوع من الطيب ، والمراد هنا جنس الطيب.
[100] الرقاع جمع رقعة – بضم الراء – هي قطعة من الجلد أو الورق تكتب. انظر «المعجم الوسيط».
[101] الأزج ضرب من الأبنية. انظر «القاموس المحيط».
[102] الجص طلاء أبيض ، يستعمل للتزيين ، وهو سبب لتقوية ما طلي به ، لأنه إذا يبس صار صلبا متماسكا ، فإن طلي به تراب القبر مثلا كان ذلك سببا في ثبات التراب وعدم اندثاره ، وليس هذا من مقاصد الشريعة ، فإن المقابر شأنها الاندثار والبلى ، والجص هو الذي يسمى في زماننا بالجبس.
[103] الآجر هو طبيخ الطين. انظر «لسان العرب».
[104] الغوغاء هم السفلة والمتسرعين للشر. انظر «النهاية».
[105] المرتبة الثانية هي الإنكار باللسان ، إذ أن المرتبة الأولى هي الإنكار باليد لمن له قدرة ، كما في الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان.
رواه مسلم (49) عن طارق بن شهاب رضي الله عنه.
[106] هو أبو العباس أحمد بن عبد السلام بن عبد الحليم الحراني ثم الدمشقي ، المعروف بابن تيمية ، وتيمية هي جدته ، من المجددين الكبار لدين الإسلام ، له مصنفات كثيرة ، جمع كثيرا منها الشيخ عبد الرحمـٰن بن قاسم وابنه محمد في مجموع يحوي سبع وثلاثون مجلدا ، وهو المجموع المعروف بفتاوى ابن تيمية ، وسيستغرق الكلام الذي نقله صاحب الرسالة عن ابن تيمية قرابة سبع عشر صفحة ، أي ما يقارب ثلث هذا الكتاب.
توفي ابن تيمية سنة 728 هـ في دمشق رحمه الله ، وما ماتت كتبه ورسائله ، فكم استضاء بها الناس وعرفوا طريق الحق والهداية ، فصار من بعد ابن تيمية عيالا عليه.
[107] ترة أي نقص ، سواء كان في مال أو صحة أو غير ذلك. انظر «النهاية».
[108] «تلخيص الاستغاثة» ، ص 448 ، باختصار وتصرف يسير جدا ، (الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية ، ط1).
[109] رواه البخاري (1010) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وكذا رواه الطبراني في «الأوسط» (2458) عن عمارة بن عبد الله بن أنس عن أنس رضي الله عنه.
[110] انظر «تلخيص الاستغاثة» ، ص 112 ، 113 .
[111] انظر «الاقتضاء» ، ص 398 ، تحقيق الشيخ حامد الفقي.
[112] انظر «الاقتضاء» ، ص 393 – 394 .
[113] أي لم يجعل مواجها للقبلة ، بحيث أن من يستقبله فإنه يكون مستقبل القبلة ، قد جعل الحجرة النبوية بينه وبين القبلة ، بل جُعل مائلا ، فيكون المستقبل له منحرف عن القبلة ، ليعجز عن أن يجعل القبر بينه وبين القبلة.
[114] «الاقتضاء» ، ص 364 – 365 .
[115] عاد الكلام لصاحب الرسالة ، والمقصود بالإمام هنا ابن تيمية رحمه الله.
[116] أي القبر.
[117] يعني: ولِعلمِهِم بما نهاهم عنه.
[118] «الاقتضاء» ، ص 366 – 367 ، باختصار وتصرف يسير جدا.
[119] أي أفضل.
[120] الوصف بالـمُريد يُطلق على أتباع مشايخ الصوفية من المقلِّدة والدراويش ، الذين يسيرون خلف مشايخهم حسبما يُوجِّهونهم ، فإن قالوا لهم اذهبوا إلى القبور واطلبوا منها حوائجكم فعلوا ، وإن قيل لهم تمسحوا بثياب مشايخكم لنيل البركة فعلوا ، وهذا من الغلو فيهم ، ولا شك أن الواجب هو نبذ هؤلاء المشايخ الـمُعظِّمين لأنفسهم ، ولزوم المشايخ الذين يؤخذ منهم العلم الشرعي الذي يُعظَّم به الله تعالى ، وتُعظَّم به شريعته ، مع حفظ حق الشيخ أو المدرس من الاحترام والتوقير ، والله المستعان.
[121] الإمامية طائفة كبيرة ممن يسمون بالشيعة ، والشيعة من الفرقة الضالة المنحرفة عن دين الإسلام في الأصول والفروع ، يراجع كتاب «أصول مذهب الشيعة» للدكتور ناصر القفاري ، من منشورات مدار الوطن بالرياض ، ويقع في 1550 صفحة.
[122] وهو يحيى الصرصري ، كما سيأتي الإشارة إلى كلامه في كلام الشيخ.
[123] ابن سبعين هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد المقدسي الرقوطي نسبة إلى رقوطة ، ولد سنة أربع عشرة وستمائة ، واشتغل بعلم الاوائل والفلسفة ، فتولد له من ذلك نوع من الالحاد وصنف فيه ، وجاور في بعض الاوقات بغار حراء يرتجي - فيما ينقل عنه - أن يأتيه فيه وحي كما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا ، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة إن كان مات على ذلك ، وقد كان إذا رأى الطائفين حول البيت يقول عنهم (كأنهم الحمير حول المدار) ، وأنهم لو طافوا به كان أفضل من طوافهم بالبيت ، فالله يحكم فيه وفي أمثاله ، وقد نُقلت عنه عظائم من الأقوال والأفعال ، توفي في الثامن والعشرين من شوال بمكة سنة 669 هـ. نقلا من «البداية والنهاية» ، بتصرف واختصار يسير.
وقال الذهبي: واشتهر عنه مقالة ردية ، وهي قوله: لقد كذب ابن أبي كبشة (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) على نفسه حيث قال: لا نبي بعدي. «لسان الميزان» (3/392)
وقال ابن تيمية في «منهاج السنة» (8/25) إن ابن سبعين جاء من المغرب إلى مكة ، وكان يطلب أن يصير نبيا ، وكان يقول: لقد زرت ابن آمنة الذي يقول: (لا نبي بعدي).
[124] تقـدم الكلام على معنى «بندر» ، وذكر أن الذي ظهر لي في معنى البندر أنه البلد التي فيها تجارة ويكون لها ميناء بحري ، كما يقال بندر جدة وبندر السويس ونحو ذلك ، والله أعلم.
[125] أي اسلُكَ طريق الهداية والاستقامة ، فهو يطلب منه أن يدله إلى الـخير ، وأنَّا له ذلك ، ففاقد الشيء لا يعطيه!
[126] أي الشيخ الذي يعظمونه ويتوجهون إليه.
[127] أي زجره.
[128] أي المسلم الجديد.
[129] السادن هو خادم القبر والقائم عليه.
[130] أي خالص.
[131] في المطبوع من «الاستغاثة»: (يعوضون) ، وأظنه خطأ في النسخ ، فهو غير متفق مع السياق ، فلعله (يُعـرِّضون) أي يُظهرون ويُقدمون أنفسهم.
[132] أي عن الدخول فيه.
[133] الصوامع جمع صومعة ، وهي بيت العبادة عند النصارى ، والبِــيَع جمع بيعة - بكسر الباء وسكون الياء - وهي معبد اليهود. انظر «المعجم الوسيط».
[134] أي من الصوامع والبيع.
[135] رواه البخاري (1330) ، ومسلم (529) واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها.
[136] جاء هذا في حديث جندب بن جنادة رضي الله عنه الذي رواه مسلم (532) ، ولفظه: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبـيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تــتخذوا القبور مساجد ، فأني أنهاكم عن ذلك.
[137] باختصار وتصرف يسير من «الاستغاثة في الرد على البكري» ، ص 463 – 473 ، (الناشر: مدار الوطن – الرياض ، ط1).
[138] رواه البخاري (3269) ومسلم (2669). واللفظ الذي ذكره المؤلف هو (حذو القذة بالقذة) ، بدل (شبرا بشبر وذراعا بذراع) ، ولم أجده في شيء من كتب السنة رغم انتشاره ، فصوبته. وقد ورد لفظ (حذو القذة بالقذة) في أحاديث أخرى ، نذكرها هنا للفائدة ، فقد روى أحمد في «مسنده» (4/125) والطبراني في «معجمه» (7/281) عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحملَن شرار هذه الأمة على سَنن الذين خلوا من قبلهم من أهل الكتاب حذو القذة بالقذة.
وروى الطبراني في «المعجم الكبير» أيضا (10/39) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل ، لتركبن طريقتهم حذو القذة بالقذة ، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله ، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها ، ثم يرجع إلى أصحابه ، يضحك إليهم ويضحكون إليه.
وروى الحاكم في «المستدرك» (4/469) عن حذيفة رضي الله عنه قال: ... ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، وحذو النعل بالنعل ، لا تخطئون طريقهم ولا يخطأنكم ... الخ.
وروى عبد الرزاق في «مصنفه» (20765) عن حذيفة رضي الله عنه قال: لتركبن سنن بني إسرائيل ، حذو القذة بالقذة وحذو الشراك بالشراك ، حتى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا فعله رجل من هذه الأمة. فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير. قال: وهذه الأمة سيكون فيها قردة وخنازير.
وروى الحاكم في «المستدرك» (2/312) عن هـمام قال: كنا عند حذيفة فذكروا ]ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون[ ، فقال رجل من القوم: إن هذا في بني إسرائيل. فقال حذيفة: نِعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم الحلو ولهم المر ، كلا ، والذي نفسي بيده ، حتى تحذو السنة بالسنة ، حذو القذة بالقذة.
فلعل بعض أهل العلم أدخل الحديثين في بعض ، ثم نقل ذلك عنه من بعده من أهل العلم ، وهكذا ، وقد رأيت لفظ (حذو القذة بالقذة) في «مجموع الفتاوى» (27/286) معزوا لأبي سعيد الخدري في الصحيحين ، وليس الأمر كذلك كما تقدم ، والله أعلم.
[139] «الاستغاثة في الرد على البكري» ، ص 482 – 483 ، باختصار يسير.
[140] في المطبوع (أو يكون) ، والأولى ما أثبت ، فلعله خطأ في النسخ.
[141] «الاستغاثة في الرد على البكري» ، ص 500 ، بتصرف يسير.
[142] أي المقبور.
[143] أي تنازعوا في حقيقة المدفون في تلك القبور وهُوِيَّـــــتَـــه.
[144] البراني بلد بمصر.
[145] أي بتلك الصورة.
[146] أي يَفعل به فاحشة اللواط.
[147] أي المفعول به فاحشة اللواط.
[148] «الاستغاثة في الرد على البكري» ، ص 503 – 507 .
[149] أي عند ذلك القبر أو الصنم.
[150] رواه البخاري (4627) وأحمد (2/24) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، واللفظ لأحمد.
[151] أي عن الله.
[152] «تلخيص الاستغاثة» ، ص 427 – 429 ، بتصرف.
[153] القائل هو الشيخ عبد اللطيف رحمه الله ، مؤلف هذه الرسالة.
[154] يقصد بالضَّرة ؛ الآخرة.
[155] العنان هو سَير اللجام الذي تُـمسَك به الدابة ، والمقصود هو كف القلم ، وانظر «المعجم الوسيط».
[156] اليراع هو القلم المتخذ من القصب. انظر «المعجم الوسيط».
[157] من هنا عودة لكلام الشيخ في ص 429 من «تلخيص الاستغاثة».
[158] أي عمَّن ينهاهم عن الشرك.
[159] «تلخيص الاستغاثة» ، ص 429 .
[160] «الاستغاثة» ، ص 577 – 579 ، باختصار وتصرف.
[161] الخان هو الحانوت الذي يباع فيه الخمر.
[162] مضاهاة أي مشابهة.
[163] أي أصابته جائحة.
[164] الوقوف جمع وقف.
[165] هكذا في المطبوع ، وأخشى أن تكون كلمة (سماع) هذه زائدة.
[166] أي الأبيات التي يرددونها ، كالأبيات التي ينشدونها في الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم ، يفعلون ذلك فيما يسمى بالموالد النبوية.
[167] في المطبوع (استثقلوا بها) ، وأظنه خطأ.
[168] في المطبوع (سكنت) وأظنه خطأ في النسخ ، ولعل ما ذكرت هو الصواب ، لأنه الأولى.
[169] أي مستغرقين في سماعهم للأبيات.
[170] المريد هو تلميذ الشيخ ، وهي عبارة تطلق في الأوساط الصوفيه والشيعية وغيرها ، وفي تلك الأوساط يقبل المريد من شيخه كل شيء ، ولا يناقشه إذا قرر له مسألة ما وكأنه نبي ، وربما صرف إليه شيء من العبادات ، عياذا بالله ، وربما خلع عليه شيء من أوصاف الرب ، كعلم الغيب ونحو ذلك ، عياذا بالله من ذلك.
[171] في «النهاية» ترياق: هو ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين ، وهو مُعرَّب.
ومقولة (قبر فلان ترياق مجرب) عبارة قديمة ، كانت تقال في قبـر رجل يقال له ترياق ، زعموا أن الدعاء عندها مجرب استجابته ، ثم صارت تقال في القبور التي توصف بهذا الوصف الباطل.
[172] أي تصيبه شدة.
[173] انظر «الاستغاثة في الرد على البكري» (2/ 582 – 587) ، باختصار.
[174] اسم الإشارة (هذا) يعود إلى التسوية في الاستغاثة بين الحي والميت.
[175] «تلخيص الاستغاثة» (2/479) ، باختصار يسير.
وقد علق الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع من الرسالة فقال:
قد ذكروا في بعض الكتب وما زالوا يتناقلون أن من أصابته شدة فليصل ركعتين ثم ليتوجه إلى الشرق – أي إلى بغداد – وينادي الشيخ وينشد هاتين البيتين في الاستغاثة والاستجارة به:
أيدركنــــي ضيم وأنتَ ذخيرتي وأُظلِم في الدنيا وأنت مجيري
وعار على راعي الحمى وهو في الحمى إذا ضاع في الهيجا عقال بعير
ويقول: سيدي عبدالقادر اقض حاجتي ، ويذكرها ، قالوا: فإنها تقضى ، وأن ذلك مجرب.
وقد يروون ذلك عنه ، برّأه الله من شركهم بالله وكفرِهم بدينه.
[176] «تلخيص الاستغاثة» (2/485).
[177] يقصد بذلك التتر.
[178] أي لم يغزو لقتال التتر لما رأوا الناس متعلقين بغير الله ، لأن النتيجة حتما هي الهزيمة.
[179] ما بين القوسين لم ينقله الشيخ لأنه ليس مثبتا في كل نسخ الكتاب ، فلعله لم يكن في نسخة «التلخيص» التي عنده ، وقد نبه محقق «التلخيص» على أن هذه العبارة مثبتة في نسخة من النسخ ، فأثبتها لأن هناك احتمال أنها ليست في نسخة المؤلف ، إذ لو كان الأمر كذلك لأثبتها ، لأنه لم يختصر أصلا ، ولأن العبارة تزيد المعنى إيضاحا.
[180] رواه الطبراني في «الدعاء» (880) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على القرن - يعني قرن الثعالب - يوم النحر وهو يقول: يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت ، برحمتك أستغيث ، فاكفني شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
وروى النسائي في «الكبرى» (10372) عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ما يـمنعكِ أن تسمعي ما أوصيك به ؛ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
والحديث صححه الألباني كما في «صحيح الجامع» (5820).
وروى الحاكم في «المستدرك» (1/509) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم قال: يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث.
[181] «تلخيص الاستغاثة» (2/731-738) ، باختصار وتصرف يسير جدا.
[182] علق هنا الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله فقال: يُشكيه بضم الياء من الإشكاء ، وهو إزالة ما يشكو منه من ضُرٍّ.
[183] أي النبي صلى الله عليه وسلم .
[184] وكان هذا في حياته ، فقد كانوا يطلبون منه أن يدعو الله لهم ، لأن دعاءه قريب للإستجابة صلى الله عليه وسلم ، أما بعد موته فلم يحصل هذا البتة ، لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره من الصحابة.
[185] أي تركوا ذلك ، والتمسوا ما هو مشروع ، كطلب الدعاء من الأحياء ، كطلب الدعاء من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم .
[186] المؤلف لخص كلام الشيخ ابن تيمية من كتابين مهمين له وهما «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» وكذا كتاب «الاستغاثة في الرد على البكري» ، ونقل أيضا من ملخص الكتاب الأخير واسمه «تلخيص الاستغاثة» لتلميذه ابن كثير رحمهما الله ، وقد بذلت جهدي في بيان مواضع النقولات عن تلك الكتب ، وميزته عن غيره بقوسين ( ) ، والذي لم أجد مكانه قليل ، والذي يظهر لي أن المؤلف لخصه بالمعنى ، والله أعلم.
[187] تقدم تخريجه.
[188] رواه مسلم (145) ، وابن ماجه (3986) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وللفائدة ؛ فقد روى أحمد في «مسنده» (1/184) واللفظ له ، وأبو يعلى في «مسنده» (2/99) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس ، والذي نفس أبي القاسم بيده ؛ ليأرِزن الإيمان بين هـٰذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها.
قال محققو «المسند»: إسناده جيد.
ومعنى يأرز أي ينضم ويجتمع.
وروى مسلم (146) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها.
وروى الترمذي (2629) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء.
والحديث صححه الألباني كما في «صحيح الترمذي».
[189] الحِدثان أي الأمور المحدثة في الدين ، التي لم تأت بها الشريعة.
[190] أي «إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» ، والمنقول من ص 360 إلى ص 962 ، باختصار ، وتصرف ، (الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام).
[191] رواه أبو يعلى في «مسنده» ، (1/361) رقم (469) ، وإسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي» (20) ، وابن أبي شـيبة في المصنف (7541) ، وعنه الحافظ الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (428) ، وقال الألباني في تحقيقه عليه: (حديث صحيح بطرقه وشواهده ، وقد خرجتها في «تـحذير الساجد»).
[192] رواه مالك في كتاب قصر الصلاة في السفر ، باب جامع الصلاة (1/172) عن عطاء بن يسار مرسلا ، وقد وصله البزار كما في «كشف الأستار» (1/220) فرواه عن عطاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وفي سنده عمر بن صبهان ، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/31): وقد اجتمعوا على ضعفه.
ولكن يشهـد له حـديث أبي هـريرة رضي الله عنه الذي رواه أحمد (2/246 ) ، وأبو يـعلى (6681) والحميدي في «مسنده» (2/445) ، ونصه: (اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخـذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، واللفظ لأحمد ، والحديث صـححه الألباني رحمه الله في «تحذير الساجد» ، وقال محققو «المسند»: إسناده قوي.
وانظر ما قاله الألباني في حاشيته على «إغاثة اللهفان» ، ص 355 .
[193] أي من المفاسد.
[194] ما بين القوسين لم ينقله الشيخ من الأصل ، وقد أثبته لأن الكلام يستقيم به.
[195] أي إضائتها بالسرج.
[196] أي يعاودون زيارتها في أيام ومواسم معينة من السنة.
[197] أي مرتفعا.
[198] أي مساواتها بالأرض ، إلا قدر شبر ، ليعرف أنه قبر ، فلا يوطأ ولا يجلس عليه.
[199] روى مسلم في «صحيحه» (969) عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا أدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبـرا مشرفا إلا سويته.
[200] يعقدون على القبور القباب أي يلصقون بعض حجارتها لبعض لتتماسك. انظر «المعجم الوسيط».
[201] تجصيص القبور هو طِلائُها بالجص.
[202] ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبـر ، وأن يُقعد عليه ، وأن يُـبنى عليه.
[203] لعل الأولى: «جامعه».
[204] روى أبو داود (3225 ، 3226) عن جابـر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبـر ، أو يكتب عليه ، أو يزاد عليه.
[205] لفظ الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فمن أراد أن يزور فليزر ، ولا تقولوا هُجرا.
رواه أحمد (5/361) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.
ورواه مسلم (977) بنحوه والترمذي (1054) ، والنسائي (2032) ، وأبو داود (3235) ، وعبد الرزاق في «مصنفه» (3/569).
والـهُجر هو الفحش من القول ، كالنياحة ونحو ذلك.
[206] في المطبوع (أحمد) ، والذي في الإغاثة (مالك) ، ولا شك أن مالك هو الصواب.
[207] أي عند القبور.
[208] ما بين القوسين من كلام الشيخ عبد اللطيف ، وهو لم يذكر حديث (ذات أنواط) لأنه ذكره آنفا.
[209] دانيال نبـي من أنبـياء بني إسرائيل وجد الصحابة قبـره في «تستر» - وهي مدينة بإقليم خوزستان ، فتحها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في عهد عمر رضي الله عنه لما فتحوها - فما كان منهم إلا أن أخفوا قبـره حتى لا يفتــتـن به الناس إذا وجدوه فيغلون في تعظيمه ، قال الراوي: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبـرا متفرقة ، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس فلا ينبشونه.
وقد ذكر قصته محمد بن إسحاق في «مغازيه» ، ص 66 – 67 ، تحقيق سهيل زكار.
وكذا الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» ، (2/40) ، ذكر شيء من خبر دانيال عليه السلام.
[210] «البدع والنهي عنها» لابن وضاح القرطبي ، باب ما جاء في اتباع الأذان ، وقد جزم ابن تيمية بثبوت الخبر كما في «مجموع الفتاوى» (27/33).
[211] أي القباب المبنية على القبور.
[212] أي ابن تيمية رحمه الله.
[213] معنى اخلولق أي بلِـي وصار أملسا من كثرة ما يُـتمسح به.
[214] رواه الأزرقي في «تاريخ مكة» ، باب ما جاء في الأثر الذي في المقام ، وقيام إبراهيم عليه السلام عليه ، (1/532).
[215] انظر صحيح البخاري (4920).
[216] أي عند قبره.
[217] إلى هنا اختصر الشيخ كلام ابن القيم من «الإغاثة» من ص 360 إلى 399 ، بتصرف ، وما بعده نقله مختصرا من ص 961 إلى 962 .
[218] أي مَلَأها.
[219] أي من كل ألف من أهل الدنيا يخرج تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، جاء هذا في حديث رواه البخاري (3348) ومسلم (222) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[220] يعني أيضا ابن تيمية رحمه الله.
[221] المارِقة هم الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه ، والمروق سرعة الخروج من الشيء. انظر «لسان العرب».
[222] هم الذين يزعمون أن عليا هو الله ، تعالى الله عن ذلك.
[223] أي ابن تيمية رحمه الله.
[224] رواه البخاري في «الأدب المفرد» (784).
[225] رواه أبو داود (3251) وابن حبان (4358) وأحمد (2/69) ، وأبو عوانة (5967).
ورواه الترمذي (1535) ، بلفظ: من حلف بغير الله فقد كفر - أو أشرك - . (شك الراوي).
واللفظ الأول هو المعتمد لكثرة رواته ، قاله الشيخ محمد علي آدم الأثيوبي حفظه الله.
والحديث صححه الألباني رحمه الله.
[226] هذه الجملة من قول عائشة رضي الله عنها.
[227] رواه البخاري (435) ، ومسلم (531) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
[228] أي صاحب التوحيد.
[229] رواه أبو داود (3116) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أدركه الموت ، وأحمد في «مسنده» (5/233) ، وصححه الألباني ومحققو «المسند».
[230] «الرسالة السنية» ، وتقع كاملة في «مجموع الفتاوى» (3/363-430) ، والجزء الذي تم اختصاره منه يقع مفرقا في الصفحات 383 – 400 .
[231] الفاعل مستتر تقديره: (هو) أو (النصراني).
[232] في المطبوع (الاستغاثة) ، وقد صححتها من (الاقتضاء).
[233] هنا عبارة مهمة قالها ابن تيمية ولم ينقلها صاحب الرسالة وهي: الذين يتقربون إلى الأولياء والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك.
[234] يقصد: لكونه يجتمع في الذبيحة مانعان ، وسيبين المؤلف ما هما قريبا.
[235] «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» (259) ، باختصار.
[236] أي غَـــضِبَ وتغيظ.
[237] ما أعزَّ أي ما أقل.
[238] «مدارج السالكين» ، منزلة التوبة ، ص 594 – 596 .
[239] أي مضوا وذهبوا.
[240] أي يُـخَلفوا بعدهم قوم ورثوا فكرهم واعتقادهم.
[241] «مدارج السالكين» ، منزلة التوبة ، ص 600 – 601 .
[242] أي سؤال ذلك المدعو مع الله.
[243] الشَّـرَك هو الحِـبالة والمصيدة والفخ.
[244] «مدارج السالكين» ، منزلة التوبة ، ص 605 – 606 .
[245] هذا هو الشاهد من كلام الشيخ ، وهو تقرير أن دعاء غير الله شرك أكبر ، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما أنكر ذلك على قومه كان له في ذلك سلف ولم يأت بجديد ، وأن إنكاره كان حقا.
[246] أي: ومن وفوائد القصة.
[247] القُـذَّة هي ريشة السهم.
[248] «زاد المعاد» (3/506 – 507).
[249] السؤال منصبٌّ على طائفة من التتار ، وهم الذي غزوا بلاد المسلمين ، ثم بعد هذا أظهروا الإسلام بنطق الشهادتين والتزام بعض أحكام الإسلام ، مع رد كثير منه وعدم الإيمان به ، فالشيخ يبين هنا أن هذا لا ينفعهم ، وإنما الذي ينفعهم هو الإيمان بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم جحود شيء منه ، ومن ذلك ترك التعلق بغير الله ، فمن لم يؤمن بذلك فلا ينفعه النطق بالشهادتين ولو نطقها ألف مرة ، والله أعلم.
[250] رواه البخاري (5058) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[251] «مجموع الفتاوى» (28/502 – 504).
[252] أي الذين منعوها بخلا وليس جحودا ، لأن المنع بخلاً من الكبائر الغير مخرجة من الملة الإسلامية ، والتي تستوجب العقوبة المؤقتة في الآخرة إلا أن يعفو الله ، أما الجاخد لوجوب الزكاة فكالجاحد لوجوب الصلاة ، يكفر ولو كان يدفعها ، لأنه جحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، ورد الآيات والأحاديث.
[253] الكلام المذكور مختصر من كلام صاحب «الإقناع» وهو أبي النجا الحجاوي ، مع شرحه «كشاف القناع عن متن الإقناع» للشيخ منصور بن يونس البهوتي.
[254] أي صاحب «الإقناع».
[255] انتهى كلامه رحمه الله.
[256] سيرى القارىء هنا فيما نقله الشيخ من كلام علماء الحنفية أن صرف العبادة – أي عبادة – لغير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، ليقرر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما دعا قومه لترك ما يعبد من دون الله من قبور وغيرها فإن دعوته كانت منطلقة من الكتاب والسنة وما أجمع عليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرها ، وليست بدعية ، أو كما يسميها بعض الناس مذهبا خامسا ونحو ذلك من المسميات التي يرومون بها تنفير الناس عن دعوة الشيخ التي هي في الحقيقة دين الإسلام الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم قومه.
[257] أي يقع به الكفر.
[258] الـحَـلولية هم الذين يقولون بحلول الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك.
[259] الاتحادية هم الذين يقولون باتحاد الخالق والمخلوق في ذات واحدة ، تعالى الله عن ذلك ، ونظريتهم تُعرف بـ «وحدة الوجود» ، أي أن الوجود كله هو الله - بزعمهم.
[260] قوله (يكفر ... الخ) جواب شرط ، والشرط هو قوله المتقدم قبل ستة أسطر (إذا وصف الله بما لا يليق الخ).
[261] هو الإمام قاسم بن قطلوبغا ، صاحب كتاب «تاج التراجم» ، توفي عام 879 هـ.
[262] أي «درر البحار» لشمس الدين الفونوي ، المتوفى عام 788 هـ.
[263] نقل الشيخ كلامه باختصار ، وجعل ما بعده من كلامه ، وليس الأمر كذلك ، فهو كلام الحصفكي وابن عابدين ، كما بينته أعلاه ، وقد استفدت نص كلامهم ومواطنها من الكتاب النفيس «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» للدكتور شمس الدين الأفغاني رحمه الله ، ص 1550 – 1551 ، وقد نقل الكلام أعلاه من كتب الأحناف الفقهية التالية:
1. «البحر الرائق» لابن نجيم (2/298) ، (الناشر: دار الكتب العربية بمصر).
2. «الدر المختار» للحصفكي مع «رد المحتار» لابن عابدين (2/439-440).
3. «الفتاوى الديوبندية» (12/99).
[264] انتهى كلامه رحمه الله ، وهو مثبت في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، (3/378-429) ، وكذا في «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (1/372-439) ، وقد اعتمدت على المرجع الأول كأصل ، وقابلته بالمرجع الثاني ، وأثبت الفروقات ، أما بالنسبة للنقولات العلمية فضبطتها من مصادرها الأصلية ، وهناك تعليقات يسيرة منَّ الله بها ، فالحمد لله على منه.
وبهذا يتقرر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما دعا الناس لترك ما يعبد من دون الله من قبور وغيرها فإن دعوته لم تكن مبتورة ليس له فيها سلف ، بل كانت مقررة في كتب علماء المذاهب ، وليس ذلك بمستغرب ، لأن كتب المذاهب تغرف من معين واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالشيخ محمد رحمه الله ليس إلا مجددا من المجددين لدين الإسلام ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يُـجدد لها أمر دينها ، وهذا من رحمة الله بعباده.
فبهذا تبين أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة إسلامية صحيحة ، وامتداد لدين الإسلام ، تسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والشريعة والسلوك ، فالواجب قبولها ونصرتها ، فإن السائر عليها سائر على دين الإسلام في الحقيقة ، والمتنكب طريقها قد تنكب طريق الإسلام عياذا بالله ، والحمد لله رب العالمين.
[265] أي أوضحُهم.
[266] أي الأحكام الفقهية التفصيلية ، التي تُعنى بفروع الدين ، كالطهارة والبيوع ونحوها.
[267] يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب حاشاه من ذلك.
[268] القيل أي القول.
[269] الإلـحاد في اللغة هو الميل ، والـمعنى هنا هو الميل والانحراف في تفسير معانيها إلى معاني أخرى غير مرادة ، كمن يؤول يد الله بالرحمة ، ونحو ذلك.
[270] الدَّرَكُ هو المنزلة ، أي منزلة الشقاوة ، بخلاف الخير فيقال فيه (درجة) ، كدرجة الجنة ، وانظر «المعجم الوسيط».
[271] أي تلاشت وانمحت واضمحلت.
[272] هذا هو معنى قصر العبادة المذكور في أول الجملة ، وبالجملة فمعنى الآية: نعبدك ولا نعبد غيرك ، ونستعينك ولا نستعين بسِواك ، فهي جامعة بين إثبات العبادة والاستعانة لله ، ونفيهما عن سواه.
(قاله الشيخ محمد رشيد رضا في تعليقه على الرسالة ، بتصرف).
[273] علق الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله فقال: يعني سورة الأنعام ، وهي أجمع سور القرآن لعقائد الإسلام في الإلـٰهيات والنبوة والبعث ورد شبهات المشركين.
[274] وهي سورة غافر ، والآيات هي ]فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون[ ، ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين[ ، ]هو الحي لا إلـٰه إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين[.
[275] رواه البخاري (2856) ، ومسلم (30).
[276] الصواب أنه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[277] رواه مسلم (93).
وفي الباب عن ابن مسعود ، رواه البخاري (1238) ومسلم (92) ، وأبي ذر ، رواه البخاري (1237) ومسلم (94).
[278] رواه الطبراني في مسند عبادة بن الصامت ، وهو مفقود ، ولكن الهيثمي ذكر الحـديث في «مجمع الزوائد» (10/159) ، باب فيما يستفتح به الدعاء من حسن الثناء ، والراوي عن ابن لهيعة هو زيد بن الحباب ، وروايته عنه ضعيفة.
وقال أحمد في «مسنده» (5/317): حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، أن رجلا سمع عبادة بن الصامت رضي الله عنه يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقام لي ، إنما يقام لله.
وهذا الحديث وإن ضعفه بعض أهل العلم - لأن في إسناده عبد الله بن لهيعة ولم يسمع من أحد العبادلة الأربعة - إلا أن معناه صحيح ، فقد قال الذهبي في «السير» في ترجمة عبد الله بن لهيعة:
وبعض الحفاظ يروي حديثه ، ويذكره في الشواهد والاعتبارات والزهد والملاحم ، لا في الأصول ، وبعضهم يبالغ في وهنه ، ولا ينبغي إهداره ، وتتجنب تلك المناكير ، فإنه عدل في نفسه.
[279] رواه البخاري في «الأدب المفرد» (783) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه النسائي في «الكبـرى» (10759) بلفظ: أجعلتني لله عِـدلا.
ورواه البيهقي (3/217) وأحمد (1/214) بلفظ: أجعلتني والله عِدلا؟ بل ما شاء الله وحده.
وهو حديث حسن كما قال محققو «المسند» ، وانظر «السلسلة الصحيحة» (139).
[280] الـجَذَع هو الشاب.
[281] رواه البخاري (3) ومسلم (160).
[282] دعوتهم أي دعاؤهم.
[283] دعوة أي دعاء.
[284] وهي كونهم لا يملكون ولا يسمعون ولا يستجيبون لمن دعاهم ، ثم يوم القيامة يتبرؤون ممن دعاهم.
[285] رواه مسلم (832) ، والبيهقي (2/454).
[286] رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه (4/73) عن عبد الرحمـٰن بن سَـنَّة ، وإسناده ضعيف جدا كما قال محققو «المسند» ، ويغني عنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه مسلم (146) ولفظه: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها.
ومعنى يأرِز أي ينضم ويجتمع. انظر «شرح النووي».
وقد تقدم ذكر أحاديث في نفس الباب.
الرابع: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الترمذي (2629) ولفظه: إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء. والحديث صححه الألباني كما في «صحيح الترمذي».
وللعلم ، فإن حديث ابن مسعود رضي الله عنه قد رواه ابن ماجه (3988) وأحمد (1/398) ، وأبو يعلى (8/388) والبزار (5/433) ، وزادوا: قيل: ومن الغرباء؟ قال: الــنُّـــزَّاع من القبائل.
[287] ورد هذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي (2629) ولفظه: إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء. والحديث صححه الألباني كما في «صحيح الترمذي».
ورواه ابن ماجه (3988) وأحمد (1/398) ، وأبو يعلى (8/388) والبزار (5/433) ، وفيه: قيل: ومن الغرباء؟ قال: الــنُّـــزَّاع من القبائل.
والنُّــزاع جمع نَزيع ونازع ونزيعة ، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته ، أي خرج عنهم واببتعد وتغرب فرارا بدينه ، وقد ضعف الألباني هذه الزيادة.
[288] لم أجده تاما بهذا اللفظ ، والذي وجدته قول الفضيل بن عياض رحمه الله: لا تستوحش طريق الهدى لقلة أهله ، ولا تغتر بكثرة الناس. رواه البيهقي عنه في «الزهد الكبير» ، برقم (240) ، تحقيق عامر أحمد حيدر ، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ، لبنان ، ط 1 .
وروى بسنده عن سفيان بن عيينة برقم (238): الزم الحق ولا تستوحش لقلة أهله.
وفي لفظ برقم (239): اسلك طريق الحق ولا تستوحش منه وإن كان أهله قليلا.
[289] انتهى كلامه رحمه الله ، وهو مثبت في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، (3/367 – 377) ، و «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» ، (1/439 – 452) ، وبينهما فروقات يسيرة ، وقد اخترت منها ما هو أنسب للسياق ، أما الأحاديث والآثار فضبطتها من مصادرها.
[290] هو الشيخ محمد رشيد بن علي رضا القلموني ، ولد سنة 1282 هـ ، من العلماء بالحديث والأدب والتفسير والتاريخ ، له جهود مشكورة في محاربة عبادة القبور والتعلق بالخرافة ، وهو صاحب «مجلة المنار» المصرية ، والتي أخذت على عاتقها محاربة البدع والـخرافات التي أضرت بالـمسلمين ، وقد كان للسيد رشيد زلات لا يوافق عليها بسبب تأثره بالـمدرسة العقلية ، توفي سنة 1354 هـ ، انظر ترجمته في كتاب «مشاهير علماء نجد وغيرهم» ، ص 486 ، تأليف عبد الرحـمـٰن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ ، وكذا في كتاب «الأعلام» للزركلي.
[291] أي: لأجل الدين.
[292] أي: أي حاربت الوهابية.
[293] أي الوهابية.
[294] مقدمة كتاب «صيانة الانسان عن وساوس الشيخ دحلان» ، باختصار يسير .