الْحَمد لله نحمد ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونتوب إِلَيْهِ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، وَمن يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه، وكل من اتبعهُ وَتمسك بسنته إِلَى يَوْم الدّين، أما بعد:
فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنَا بِذكرِهِ وَأثْنى على الذاكرين، وَوَعدهمْ أجرًا عَظِيمًا، فَأمر بِذكرِهِ مُطلقًا، وَبعد الْفَرَاغ من الْعِبَادَات، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [سُورَة النِّسَاء رقم (١٠٣)].
وَقَالَ: ﴿فإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾ [سُورَة الْبَقَرَة رقم (٢٠٠)].
وَأمر بِذكرِهِ أثْنَاء أَدَاء الْمَنَاسِك الْحَج خَاصَّة فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [سُورَة الْبَقَرَة رقم (١٩٨)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ [سُورَة الْحَج رقم (٢٨)].
وَشرع إِقَامَة الصَّلَاة لذكره فَقَالَ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [سورة طه رقم (14)].
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أَيَّام التَّشْرِيق أكل وَشرب وَذكر الله" [رَوَاهُ مُسلم]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [سُورَة الْأَحْزَاب رقم (٤١ - ٤٢)].
وَلما كَانَ أفضل الذّكر: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ كَمَا ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: "خير الدُّعَاء دُعَاء عَرَفَة وَخير مَا قلت أَنا والنبيين من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك لَهُ الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ]، وَلما كَانَت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة (لَا إِلَه إِلَّا الله) لَهَا هَذِه الْمنزلَة الْعَالِيَة من بَين أَنْوَاع الذّكر، وَيتَعَلَّق بهَا أَحْكَام، وَلها شُرُوط وَلها معنى وَمُقْتَضى، فَلَيْسَتْ كلمة تقال بِاللِّسَانِ فَقَط - لمّا كَانَ الْأَمر كَذَلِك آثرت أَن تكون مَوْضُوع حَدِيثي راجياً من الله تَعَالَى أَن يجعلنا وَإِيَّاكُم من أَهلهَا المستمسكين بهَا والعارفين لمعناها، العاملين بمقتضاها ظَاهرًا وَبَاطنًا.
وسيكون حَدِيثي عَن هَذِه الْكَلِمَة فِي حُدُود النقاط التالية:
مكانة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الْحَيَاة، وفضلها، وإعرابها، وأركانها وشروطها وَمَعْنَاهَا، ومقتضاها، وَمَتى ينفع الأنسان التَّلَفُّظ بهَا، وَمَتى يَنْفَعهُ ذَلِك وآثارها.
فَأَقُول مستعيناً بِاللَّه تَعَالَى:
إِنَّهَا كلمة يعلنها الْمُسلمُونَ فِي أذانهم وإقامتهم وَفِي خطبهم ومحادثاتهم وَهِي كلمة قَامَت بهَا الأَرْض وَالسَّمَاوَات، وخلقت لأَجلهَا جَمِيع الْمَخْلُوقَات، وَبهَا أرسل الله رُسُلَه وَأنزل كتبه وَشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين وَوضعت الدَّوَاوِين وَقَامَ سوق الْجنَّة وَالنَّار، وَبهَا انقسمت الخليقة إِلَى مُؤمنِينَ وكفار، فَهِيَ منشأ الْخلق وَالْأَمر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَعَلَيْهَا نصبت الْقبْلَة، وَعَلَيْهَا أسست الْملَّة، ولأجلها جُرِّدت سيوف الْجِهَاد، وَهِي حق الله على جَمِيع الْعباد، فَهِيَ كلمة الْإِسْلَام، ومفتاح دَار السَّلَام، وعنها يُسْأَل الْأَولونَ وَالْآخرُونَ... فَلَا تَزُول قدما العَبْد بَين يَدي الله حَتَّى يُسْأَل عَن مَسْأَلَتَيْنِ: (مَاذَا كُنْتُم تَعْبدُونَ، وماذا أجبتم الْمُرْسلين)، وَجَوَاب الأولى بتحقيق لَا إِلَه إِلَّا الله معرفَةً وَإِقْرَارًا وَعَملًا، وَجَوَاب الثَّانِيَة بتحقيق مُحَمَّدًا رَسُول الله معرفَةً وانقيادًا وَطَاعَةً [زَاد الْمعَاد لِابْنِ الْقيم (١/٢)].
هَذِه الْكَلِمَة هِيَ الفارقة بَين الْكفْر وَالْإِسْلَام، وَهِي كلمة التَّقْوَى، والعروة الوثقى، وَهِي الَّتِي جعلهَا إِبْرَاهِيم ﴿كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [سُورَة الزخرف رقم (٢٨)].
وَهِي الَّتِي شهد الله بهَا لنَفسِهِ وَشهِدت بهَا مَلَائكَته وألوا الْعلم من خلقه، قَالَ تَعَالَى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سُورَة آل عمرَان الْآيَة (١٨)].
وَهِي كلمة الْإِخْلَاص وَشَهَادَة الْحق، ودعوة الْحق، وَبَرَاءَة من الشّرك، ولأجلها خلق الْخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [سُورَة الذاريات الْآيَة (٥٦)].
ولأجلها أرْسلت الرُّسُل وأنزلت الْكتب، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سُورَة الذاريات الْآيَة (٥٦)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [سُورَة النَّحْل الْآيَة (٢)].
قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مَا أنعم الله على عبد من الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرفهم لَا إِلَه إِلَّا الله، وَإِن لَا إِلَه إِلَّا الله لأهل الْجنَّة كَالْمَاءِ الْبَارِد لأهل الدُّنْيَا [كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص ٥٢ - ٥٣].
فَمن قَالَهَا عصم مَاله وَدَمه، وَمن أَبَاهَا فَمَاله وَدَمه هدر، فَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم مَاله وَدَمه وحسابه على الله" [رَوَاهُ مُسلم فِي الْإِيمَان برقم (٢٣)].
وَهِي أول مَا يطْلب من الْكفَّار عِنْدَمَا يُدعونَ إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ: "إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله" [رَوَاهُ البُخَارِيّ (٣/٢٥٥)، وَمُسلم فِي الْإِيمَان برقم (١٩)].
وَبِهَذَا تعلم مكانتها فِي الدّين، وأهميتها فِي الْحَيَاة، وَأَنَّهَا أول وَاجِب على الْعباد لِأَنَّهَا أساس الَّذِي تبنى عَلَيْهِ جَمِيع الْأَعْمَال.
فلهَا فَضَائِل عَظِيمَة، وَلها من الله مكانة، من قَالَهَا صَادِقًا أدخلهُ الله الْجنَّة، وَمن قَالَهَا كَاذِبًا حقنت دَمَه وأحرزت مَالَه فِي الدُّنْيَا، وحسابه على الله عز وجل، وَهِي كلمة وجيزة اللَّفْظ، قَليلَة الْحُرُوف، خَفِيفَة على اللِّسَان، ثَقيلَة فِي الْمِيزَان، فقد روى ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قال: "قَالَ مُوسَى: يَا رب عَلمنِي شَيْئًا أذكرك وأدعوك بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: كل عِبَادك يَقُولُونَ هَذَا، قَالَ: يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي والأرضيين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله" [رَوَاهُ الْحَاكِم (١/٥٢٨) . وَابْن حبَان برقم (٢٣٢٤)]. فَالْحَدِيث يدل على أَن لَا إِلَه إِلَّا الله هِيَ أفضل الذّكر، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: "خير دُعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبييون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" [رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات رقم (٣٥٧٩)]، وَمِمَّا يدل على ثقلهَا فِي الْمِيزَان أَيْضا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنة، وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، عَن عبد الله بن عَمْرو: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجِلًّا كل سجل مِنْهَا مدَّ الْبَصَر ثمَّ يُقَال أتُنكِر من هَذَا شَيْئًا، فَيَقُول لَا يَا رب، فَيُقَال: أَلَك عذر أَو حَسَنَة فيهاب الرجل فَيَقُول لَا، فَيُقَال بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَات، إِنَّه لَا ظلم عَلَيْك فَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله" فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيُقَال أَنَّك لَا تظلم، فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (٢٦٤١) فِي الْإِيمَان. وَالْحَاكِم (١/٦ - ٥) وَغَيرهمَا].
ولهذه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة فَضَائِل كَثِيرَة، ذكر جملَةً مِنْهَا الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة (كلمة الْإِخْلَاص) وَاسْتدلَّ لكل فَضِيلَة.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا ثمن الْجنَّة، وَمن كَانَت آخر كَلَامه دخل الْجنَّة، وَهِي نجاة من النَّار، وَهِي توجب الْمَغْفِرَة، وَهِي أحسن الْحَسَنَات، وَهِي تمحو الذُّنُوب والخطايا، وَهِي تجدّد مَا درس من الْإِيمَان فِي الْقلب، وترجح بصحائف الذُّنُوب، وَهِي تخرق الْحجب حَتَّى تصل إِلَى الله عزوجل، وَهِي الكلمة الَّتِي يصدق الله قَائِلهَا، وَهِي أفضل الْأَعْمَال وأكثرها تضعيفاً، وتعدل عتق الرّقاب، وَتَكون حرْزًا من الشَّيْطَان، وَهِي أَمَان وَحْشَة الْقَبْر وهول الْحَشْر، وَهِي شعار الْمُؤمنِينَ إِذا قَامُوا من قُبُورهم.
وَمن فضائلها أَنَّهَا تفتح لقائلها أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ، وَمن فضائلها أَن أَهلهَا وَإِن دخلُوا النَّار بتقصيرهم فِي حُقُوقهَا فَإِنَّهُم لابد أَن يخرجُوا مِنْهَا، هَذِه عناوين الْفَضَائِل الَّتِي ذكرهَا ابْن رَجَب فِي رسَالَته وَاسْتدلَّ لكل وَاحِد مِنْهَا [كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ٥٤ – ٦٦].
إِذا كَانَ فهم المعنى يتَوَقَّف على معرفَة إعراب الْجمل فَإِن الْعلمَاء رَحِمهم الله قد اهتموا بإعراب "لَا إِلَه إِلَّا الله".
فَقَالُوا: لَا: نَافِيَة للجنس، وإله: اسمها مبني معها على الفتح، وخبرها مَحْذُوف تَقْدِيره (حق) أَي لَا إِلَه حق، وَإِلَّا الله: اسْتثِنَاء من الْخَبَر الْمَرْفُوع، والإله مَعْنَاهُ: المألوه بِالْعبَادَة، وَهُوَ الَّذِي تألهه الْقُلُوب وتقصده رَغْبَة إِلَيْهِ فِي حُصُول نفع أَو دفع ضَرَر، ويغلط من قدر خَبَرهَا بِكَلِمَة: (مَوْجُودَة أَو معبود) فَقَط؛ لِأَنَّهُ يُوجد معبودات كَثِيرَة من الْأَصْنَام والأضرحة وَغَيرهَا، وَلَكِن المعبود بِحَق هُوَ الله، وَمَا سواهُ فمعبود بالباطل، وعبادته بَاطِلَة، وَهَذَا مُقْتَضى ركني لَا إِلَه إِلَّا الله.
لَهَا ركنان: الرُّكْن الأول: النَّفْي، والركن الثَّانِي: الْإِثْبَات.
وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ: نفي الإلهية عَمَّا سوى الله تَعَالَى من سَائِر الْمَخْلُوقَات.
وَالْمرَاد بالإثبات: إِثْبَات الإلهية لله سُبْحَانَهُ، فَهُوَ الْإِلَه الْحق، وَمَا سواهُ من الْآلهَة الَّتِي اتخذها الْمُشْركُونَ فَكلهَا بَاطِلَة، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [سُورَة الْحَج (62)].
قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم: فدلالة "لَا إِلَه إِلَّا الله" على إِثْبَات إلهيته أعظم من دلَالَة قَوْله: "الله إِلَه"؛ وهذا لِأَن قَوْله "الله إِلَه" لَا يَنْفِي إلهية مَا سواهُ، بِخِلَاف قَول "لَا إِلَه إِلَّا الله"؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حصر الألوهية ونفيها عَمَّا سواهُ، وَقد غلط غلطاً فَاحِشًا كَذَلِك من فسر الْإِلَه بِأَنَّهُ الْقَادِر على الاختراع فَقَط.
قَالَ الشَّيْخ سُلَيْمَان بن عبد الله فِي شرح كتاب التَّوْحِيد: فَإِن قيل قد تبين معنى الْإِلَه والإلهية، فَمَا الْجَواب عَن قَول من قَالَ بِأَن معنى الْإِلَه الْقَادِر على الاختراع وَنَحْو هَذِه الْعبارَة؟ قيل الْجَواب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا القَوْل مُبْتَدع، لَا يُعرف أحدٌ قَالَه من الْعلمَاء وَلَا من أَئِمَّة اللُّغَة، وَكَلَام الْعلمَاء وأئمة اللُّغَة هُوَ معنى مَا ذكرنَا كَمَا تقدم [وَهُوَ ما ذكرته فِي أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله] فَيكون بَاطِلًا.
الثَّانِي: على تَقْدِير تسليمه فَهُوَ تَفْسِير باللازم للإله الْحق، فَإِن اللَّازِم أن يكون خَالِقًا قَادِرًا على الاختراع، وَمَتى لم يكن كَذَلِك فَلَيْسَ بإله حق وَإِن سمي إِلَهًا، وَلَيْسَ مُرَاده أَن من عرف أَن الْإِلَه هُوَ الْقَادِر على الاختراع فقد دخل الْإِسْلَام وأتى بتحقيق المرام من مِفْتَاح السَّلَام، فَإِن هَذَا لَا يَقُوله أحد، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون كفار الْعَرَب مُسلمين، وَلَو قُدِّر أَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَرَادَ ذَلِك فَهُوَ مُخطئ يرد عَلَيْهِ الدَّلَائِل السمعية والعقلية [تيسير الْعَزِيز الحميد ص ٨٠].
فَإِنَّهَا لَا تَنْفَع قَائِلهَا - إِلَّا بسبعة شُرُوط:
الأول: الْعلم بمعناها نفيًا وإثباتًا، فَمن تلفّظ بهَا وَهُوَ لَا يعرف مَعْنَاهَا ومقتضاها فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعهُ؛ لِأَنَّهُ لم يعْتَقد مَا تدل عَلَيْهِ كَالَّذي يتَكَلَّم بلغَة لَا يفهمها.
الثَّانِي: الْيَقِين، وَهُوَ كَمَال الْعلم بهَا الْمنَافِي للشَّكّ والريب.
الثَّالِث: الْإِخْلَاص الْمنَافِي للشرك، وَهُوَ مَا تدل عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله.
الرَّابِع: الصدْق الْمَانِع من النِّفَاق، فَإِنَّهُم يَقُولُونَهَا بألسنتهم غير معتقدين لمدلولها.
الْخَامِس: الْمحبَّة لهَذِهِ الْكَلِمَة وَلما دلّت عَلَيْهِ وَالسُّرُور بذلك، بِخِلَاف مَا عَلَيْهِ المُنَافِقُونَ.
السَّادِس: الانقياد بأَدَاء حُقُوقهَا، وَهِي الْأَعْمَال الْوَاجِبَة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته، وَهَذَا هُوَ مقتضاها.
السَّابِع: الْقبُول الْمنَافِي للرَّدّ [فتح الْمجِيد ص ٩١]، وَذَلِكَ بالانقياد لأوامر الله وَترك مَا نهى عَنهُ.
وَهَذِه الشُّرُوط قد استنبطها الْعلمَاء من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة الَّتِي جَاءَت بِخُصُوص هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة وَبَيَان حُقُوقهَا وقيودها وَأَنَّهَا لَيست مُجَرّد لفظ يُقَال بِاللِّسَانِ.
اتضح مِمَّا سبق أَن معنى "لَا إِلَه إِلَّا الله": لَا معبود بِحَق إِلَّا إِلَه وَاحِد وَهُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ، فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق وَأَنه بَاطِل؛ لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْعِبَادَة.
وَلِهَذَا كثيرًا مَا يرد الْأَمر بِعبَادة الله مقرونًا بنفِي عبَادَة مَا سواهُ؛ لِأَن عبَادَة الله لَا تصح مَعَ إشراك غَيره مَعَه قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾ [سُورَة النِّسَاء (36)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سُورَة الْبَقَرَة (256)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ [سُورَة النَّحْل (36)].
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "ومن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم دَمُه وَمَالُه" [صَحِيح مُسلم رقم (٢٣) كتاب الْإِيمَان].
وكان رَسُول يَقُول لِقَوْمِهِ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ﴾ [سُورَة الْأَعْرَاف (59)].
إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة.
قَالَ الإِمَام ابْن رَجَب رَحمَه الله: وَتَحْقِيق هَذَا الْمَعْنى وإيضاحه أَن قَول العَبْد: "لَا إِلَه إِلَّا الله" يَقْتَضِي أَن لَا إِلَه لَهُ غير الله، والإله هُوَ الَّذِي يطاع فَلَا يُعصى هَيْبَةً لَهُ وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاء وتوكلًا عَلَيْهِ وسؤالًا مِنْهُ وَدُعَاء لَهُ، وَلَا يصلح ذَلِك كُله إِلَّا لله عز وجل.
وَلِهَذَا لما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكفار قُرَيْش: " قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله"، قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [سُورَة ص (5)].
ففهموا من هَذِه الْكَلِمَة أَنَّهَا تُبطِل عبَادَة الْأَصْنَام كلهَا، وتحصر الْعِبَادَة لله وَحده، وَهُم لَا يُرِيدُونَ ذَلِك، فَتبين بِهَذَا الْمَعْنى أَن معنى "لَا إِلَه إِلَّا الله" ومقتضاها: إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة، وَترك عبَادَة مَا سواهُ، فَإِذا قَالَ العَبْد: "لَا إِلَه إِلَّا الله" فقد أعلن وجوب إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة، وَبطلَان عبادة مَا سواهُ والقبور والأولياء وَالصَّالِحِينَ، وَبِهَذَا يبطل مَا يعْتَقد عباد الْقُبُور الْيَوْم وأشباههم من أَن معنى "لَا إِلَه إِلَّا الله" هُوَ الْإِقْرَار بِأَن الله مَوْجُود، أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع وَأَشْبَاه ذَلِك. أو أَن مَعْنَاهَا لَا حاكمية إِلَّا لله، ويظنون أَن من اعْتقد ذَلِك وَفسّر بِهِ "لَا إِلَه إِلَّا الله" فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق، وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله والاعتقاد بالأموات والتقرب إِلَيْهِم بالذبائح وَالنُّذُور وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربتهم، وَمَا شعر هَؤُلَاءِ أَن كفار الْعَرَب الْأَوَّلين يشاركونهم فِي هَذَا الاعتقاد، ويعرفون أَن الله هُوَ الخَالق الْقَادِر على الاختراع، ويقرون بذلك وَأَنَّهُمْ مَا عبدُوا غَيره إِلَّا لزعمهم أَنهم يقربونهم إِلَى الله زلفى، لَا أَنهم يخلقون وَيرزقون، فالحاكمية جُزْء من معنى "لَا إِلَه إِلَّا الله" وَلَيْسَت هِيَ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ الْمَطْلُوب، فَلَا يَكْفِي الحكم بالشريعة فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود والخصومات مَعَ وجود الشّرك فِي الْعِبَادَة.
وَلَو كَانَ معنى "لَا إِلَه إِلَّا الله" مَا زَعمه هَؤُلَاءِ لم يكن بَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين نزاع، بل كَانُوا يبادرون إِلَى إِجَابَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ لَهُم أقرُّوا بِأَن الله هُوَ الْقَادِر على الاختراع أَو أقرُّوا أَن الله مَوْجُود. أَو قَالَ لَهُم تحاكموا إِلَى الشَّرِيعَة فِي الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والحقوق وَسكت عَن الْعِبَادَة، وَلَكِن الْقَوْم وهم أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَهموا أَنهم إِذا قَالُوا (لَا إِلَه إِلَّا الله) فقد أقرُّوا بِبُطْلَان عبَادَة الْأَصْنَام، وَأَن هَذِه الْكَلِمَة لَيست مُجَرّد لفظ لَا معنى لَهُ، وَلِهَذَا نفروا مِنْهَا وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [سُورَة ص (5)].
كَمَا قَالَ الله عَنْهُم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [سُورَة الصافات (35-36)].
فعرفوا أَنّ "لَا إِلَه إِلَّا الله" تَقْتَضِي ترك عبَادَة مَا سوى الله، وإفراد الله بِالْعبَادَة، لَو قالوها على عبَادَة الْأَصْنَام لتناقضوا مَعَ أنفسهم واستمروا على عبَادَة التَّنَاقُض، وَعباد الْقُبُور الْيَوْم لَا يأنفون من هَذَا التَّنَاقُض الشنيع فهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ ينقضونها بِعبَادة الْأَمْوَات والتقرب إِلَى الأضرحة بأنواع من الْعِبَادَات، فتبًّا لمن كَانَ أَبُو جهل وَأَبُو لَهب أعلم مِنْهُ بِمَعْنى "لَا إِلَه إِلَّا الله".
وَالْحَاصِل أَن من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة عَارِفًا لمعناها عَاملًا بمقتضاها ظَاهرًا وَبَاطنًا من نفي الشّرك وَإِثْبَات الْعِبَادَة لله مَعَ الاعتقاد الْجَازِم لما تضمنته وَالْعَمَل بِهِ فَهُوَ الْمُسلم حَقًّا، وَمن قَالَهَا وَعمل بهَا وبمقتضاها ظَاهرًا من غير اعْتِقَاد لما دلّت عَلَيْهِ فَهُوَ مُنَافِق، وَمن قَالَهَا بِلِسَانِهِ وَعمل بِخِلَافِهَا من الشّرك الْمنَافِي لَهَا فَهُوَ الْمُشرك المتناقض فلابد مَعَ النُّطْق بِهَذِهِ الْكَلِمَة من معرفَة مَعْنَاهَا، لِأَن ذَلِك وَسِيلَة للْعَمَل بمقتضاها قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [سُورَة الزخرف (86)].
وَالْعَمَل بمقتضاها هُوَ عبَادَة الله وَالْكفْر بِعبَادة مَا سواهُ، وَهُوَ الْغَايَة الْمَقْصُودة من هَذِه الْكَلِمَة؛ وَمن مقتضى "لَا إِلَه إِلَّا الله" قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات والتحليل وَالتَّحْرِيم، ورفض تشريع من سواهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [سُورَة الشُورَى (21)].
فلابد من قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات وَالْحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ فِي الْأَحْوَال الشخصية وَغَيرهَا، ورفض القوانين الوضيعة، وَمعنى ذَلِك رفض جَمِيع الْبدع والخرافات الَّتِي يبتدعها ويروجها شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فِي الْعِبَادَات، وَمن تقبّل شَيْئًا من ذَلِك فَهُوَ مُشْرك كَمَا قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [سُورَة الشُورَى (21)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [سُورَة الْأَنْعَام (121)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سُورَة التَّوْبَة (31)].
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلى هَذِه الْآيَة على عدي بن حَاتِم الطَّائِي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: "يَا رَسُول الله لسنا نعبدهم، قَالَ: أَلَيْسَ يحلونَ لكم مَا حرم الله فَتحِلُّونَهُ، ويحرمون مَا أحل الله فَتُحَرِّمُونَهُ، قَالَ: بلَى، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَتلك عِبَادَتهم" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (٣٠٩٤)، فِي التَّفْسِير].
قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن رَحمَه الله: فَصَارَت طاعتهم فِي الْمعْصِيَة عبَادَة لغير الله، وَبهَا اتخذوهم أَرْبَابًا، كما هو الواقع في هذه الأمة، وهذا من الشرك الأكبر الْمنَافِي للتوحيد الذي هُوَ مَدْلُول شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله... فَتبين أَن كلمة الْإِخْلَاص نفت هَذَا كُله لمنافاته لمدلول هَذِه الْكَلِمَة [فتح الْمجِيد (١٠٧)].
وَكَذَلِكَ يجب رفض التحاكم للقوانين؛ لِأَنَّهُ يجب التحاكم إِلَى كتاب الله وَترك التحاكم إِلَى مَا عداهُ من النّظم والقوانين البشرية... قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [سُورَة النِّسَاء الْآيَة (٥٩)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ [سُورَة الشورى الْآيَة (١٠)]. وَقد حكم سُبْحَانَهُ بِكفْر من لم يحكم بِمَا أنزل الله، وبظلمه وفسقه، وَنفى عَنهُ الْإِيمَان مِمَّا يدل على أَن الحكم بِغَيْر مَا أنزل الله إِذا كَانَ الْحَاكِم بِهِ يستبيحه أَو يرى أَنه أصلح من حكم الله وَأحسن فَهَذَا كفر وشرك يُنَافِي التَّوْحِيد ويناقض "لَا إِلَه إِلَّا الله" تَمام المناقضة، وَإِن كَانَ لَا يستبيح ذَلِك ويعتقد أَن حكم الله هُوَ الَّذِي يجب الحكم بِهِ، وَلَكِن حمله الْهوى على مُخَالفَته فَهَذَا كفر أَصْغَر وشرك أَصْغَر لا ينقض معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها.
إِذًا فَلَا إِلَه إِلَّا الله مَنْهَج متكامل يجب أَن يسيطر على حَيَاة الْمُسلمين وَجَمِيع عباداتهم وتصرفاتهم فَلَيْسَتْ لفظًا يُردَّد للبركة والأوراد الصباحية والمسائية بِدُونِ فهمٍ لمعناه وَعملٍ بِمُقْتَضَاهُ وَالسير على منهجه كَمَا يَظُنّهُ كثير مِمَّن يتلفّظون بهَا بألسنتهم ويخالفونها فِي معتقداتهم وتصرفاتهم.
وَمن مُقْتَضى "لَا إِلَه إِلَّا الله" إثبات أَسمَاء الله وَصِفَاته الَّتِي سمى وَوصف بهَا نَفسَه، أَو سَمَّاهُ وَوَصفه بهَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة (١٨٠)].
قَالَ فِي الْفَتْح الْمجِيد: أصل الْإِلْحَاد فِي كَلَام الْعَرَب الْعُدُول عَن الْقَصْد والميل والجور والانحراف وَأَسْمَاء الرب تَعَالَى كلهَا وأوصاف تعرّف بهَا تَعَالَى إِلَى عباده، ودلت على كَمَاله جلّ وَعلا.
وَقَالَ رَحمَه الله: فالإلحاد فِيهَا إما يجحدها وإنكارها، وَإما بجحد مَعَانِيهَا وتعطيها، وَإما بتحريفها عَن الصَّوَاب وإخراجها عَن الْحق بالتأويلات، وَإما أَن يَجْعَلهَا أَسمَاء لهَذِهِ الْمَخْلُوقَات كإلحاد أهل الاتحاد فَإِنَّهُم جعلوها أَسمَاء هَذَا الْكَوْن محمودها ومذمومها. انْتهى [فتح الْمجِيد ص ٥٣٧ - ٥٣٨. وَانْظُر مدارج السالكين (١/٢٩ - ٣٠) لَابن الْقيم].
فَمن ألحد فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته بالتعطيل والتأويل أَو التَّفْوِيض وَلم يعْتَقد مَا دلّت عَلَيْهِ من المعاني الجليلة من الْجَهْمِية والمعتزلة والأشاعرة فقد خَالف مَدْلُول "لَا إِلَه إِلَّا الله"؛ لِأَن الْإِلَه هُوَ الَّذِي يدعى ويتوسل إِلَيْهِ بأسمائه وَصِفَاته، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ أَسمَاء وَلَا صِفَات كَيفَ يكون إِلَهًا وَكَيف يدعى وبماذا يدعى؟
قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم: "تنَازع النَّاس فِي كثير من الْأَحْكَام وَلم يتنازعوا فِي آيَات الصِّفَات وأخبارها فِي مَوضِع وَاحِد، بل اتّفق الصَّحَابَة والتابعون على إِقْرَارهَا وإمرارها مَعَ فهم مَعَانِيهَا وَإِثْبَات حقائقها، وَهَذَا يدل على أَنهم أعظم النَّوْعَيْنِ بَيَانًا، وَأَن الْعِنَايَة ببيانها أهم؛ لِأَنَّهَا من تَمام تَحْقِيق الشَّهَادَتَيْنِ، وإثباتها من لَوَازِم التَّوْحِيد، فبينها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُوله بَيَانًا شافيًا لَا يَقع فِيهِ لَبْس، وآيات الْأَحْكَام لَا يكَاد يفهم مَعَانِيهَا إِلَّا الْخَاصَّة من النَّاس.
وَأما آيَات الصِّفَات فيشترك فِي فهم مَعْنَاهَا الْخَاص وَالْعَام، أَعنِي فهم أصل الْمَعْنى لَا فهم الكنه والكيفية" [مُخْتَصر الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة (١/١٥)].
وَقَالَ أَيْضا: وَهَذَا أَمر مَعْلُوم بِالْفطرِ والعقول السليمة والكتب السماوية أَن فَاقِد صِفَات الْكَمَال لَا يكون إِلَهًا وَلَا مُدبِّرًا وَلَا رَبًّا، بل هُوَ مَذْمُوم معيب نَاقص، لَيْسَ لَهُ الْحَمد لَا فِي الأولى وَلَا فِي الْآخِرَة، وَإِنَّمَا الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة لمن لَهُ صِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال الَّتِي لأَجلهَا اسْتحق الْحَمد، وَلِهَذَا سمى السّلف كتبهمْ الَّتِي صنفوها فِي السّنة وَإِثْبَات صِفَات الرب وعلوه فِي خلقه وَكَلَامه وتكليمه "توحيدًا"؛ لِأَن نفي ذَلِك وإنكاره وَالْكفْر بِهِ إِنْكَار للصانع وَجحد لَهُ، وَإِنَّمَا تَوْحِيده إِثْبَات صِفَات كَمَاله وتنزيهه عَن التَّشْبِيه والنقائص. [مدارج السالكين (١/٢٦)].
سبق أَن قُلْنَا أَن قَول "لَا إِلَه إِلَّا الله" لابد أَن يكون مصحوباً بِمَعْرِفَة مَعْنَاهَا وَالْعَمَل بمقتضاها، وَلَكِن لما كَانَ هُنَاكَ نُصُوص قد يُتَوَهَّم مِنْهَا أنّ مُجَرّد التَّلَفُّظ بهَا يَكْفِي، وَقد تعلق بِهَذَا الْوَهم بعض النَّاس، اقْتضى إِيضَاح ذَلِك لإِزَالَة هَذَا الْوَهم عَمَّن يُرِيد الْحق.
قَالَ الشَّيْخ سُلَيْمَان رَحمَه الله على حَدِيث عتْبَان الَّذِي فِيهِ: "أَن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله" [رَوَاهُ البُخَارِيّ ١١/٢٠٦. وَمُسلم رقم (٣٣)]، قَالَ: اعلم أَنه قد وَردت أَحَادِيث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النَّار كَهَذا الحَدِيث وَحَدِيث أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ رديفه على الرحل فَقَالَ: "يَا معَاذ: قَالَ لبيْك يَا رَسُوله الله وَسَعْديك، قَالَ مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله إِلَّا حرمه الله من النَّار" [رَوَاهُ البُخَارِيّ ١/١٩٩]، وَلمُسلم عَن عبَادَة مَرْفُوعا: "وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله حرمه الله على النَّار" [صَحِيح مُسلم (١/٢٢٨ - ٢٢٩) . بشرح النَّوَوِيّ]، ووردت أَحَادِيث فِيهَا أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ دخل الْجنَّة وَلَيْسَ فِيهَا أَنه محرم على النَّار، مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك - الحَدِيث – وفِيهِ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقِي الله بهَا عبد غير شَاك فيحجب عَن الْجنَّة" [صَحِيح مُسلم (١/٢٢٤). بشرح النَّوَوِيّ]:
مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية:
قَالَ: "وَأحسن مَا قيل فِي مَعْنَاهُ مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَغَيره: أَن هَذِه الْأَحَادِيث إِنَّمَا هِيَ فِيمَن قَالَهَا وَمَات عَلَيْهَا، كَمَا جَاءَت مُقَيّدَة وَقَالَهَا خَالِصًا من قلبه مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه غير شَاك فِيهَا وبصدق ويقين، فَإِن حَقِيقَة التَّوْحِيد انجذاب الرّوح إِلَى الله جملَة، فَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصًا من قلبه دخل الْجنَّة؛ لِأَن الْإِخْلَاص هُوَ انجذاب الْقلب إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يَتُوب من الذُّنُوب تَوْبَة نصُوحًا، فَإِذا مَاتَ على تِلْكَ الْحَال نَالَ ذَلِك، فَإِنَّهُ قد توترات الْأَحَادِيث بِأَنَّهُ يخرج من النَّار من قَالَ "لَا إِلَه إِلَّا الله" وَكَانَ قلبه من الْخَيْر مَا يزن شعيرَة وَمَا يزن خردلة وَمَا يزن ذرة، وتوترات بِأَن كثيرًا مِمَّن يَقُول "لَا إِلَه إِلَّا الله" يدْخل النَّار ثمَّ يخرج مِنْهَا، وتوترات بِأَن الله حرم على النَّار أَن تَأْكُل أثر السُّجُود من ابْن آدم، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يصلونَ ويسجدون لله، وتوترات بِأَنَّهُ يحرم على النَّار من قَالَ "لَا إِلَه إِلَّا الله"، وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، لَكِن جَاءَت مُقَيّدَة بالقيود الثقال، وَأكْثر من يَقُولهَا لَا يعرف الْإِخْلَاص وَلَا الْيَقِين، وَمن لَا يعرف ذَلِك يخْشَى عَلَيْهِ أَن يفتن عَنْهَا عِنْد الْمَوْت فيحال بَينه وَبَينهَا، وَأكْثر من يَقُولهَا تقليدًا وَعَادَة لم يخالط الْإِيمَان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقُبُور أَمْثَال هَؤُلَاءِ كَمَا فِي الحَدِيث: "سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلته" وغالب أَعمال هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُوَ تَقْلِيد واقتداء بأمثالهم وهم أقرب النَّاس من قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [من سُورَة الزخرف (23)].
وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة بَين الْأَحَادِيث، فَإِنَّهُ إِذا قَالَهَا بإخلاص ويقين تَامّ لم يكن فِي هَذِه الْحَال مصرًّا على ذَنْب أصلًا، فَإِن كَمَال إخلاصه ويقينه يُوجب أَن يكون الله أحب إِلَيْهِ من كل شَيْء فَإِذًا لَا يبْقى فِي قلبه إِرَادَة لما حرّم الله، ولا كراهية لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النَّار وَإِن كَانَت لَهُ ذنُوب قبل ذَلِك، فَإِن هَذَا الْإِيمَان وَهَذِه التَّوْبَة وَهَذَا الْإِخْلَاص وَهَذِه الْمحبَّة وَهَذَا الْيَقِين لَا تتْرك لَهُ ذَنبًا إِلَّا يمحى كَمَا يمحى اللَّيْل بِالنَّهَارِ"، انْتهى كَلَامه رَحمَه الله [تيسير الْعَزِيز الحميد بشرح كتاب التَّوْحِيد ص ٦٦ – ٦٧].
مَا قَالَه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب:
وَلَهُم شُبْهَة أُخْرَى يَقُولُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنكر على أُسَامَة قتل من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَقَالَ: "أقتلته بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله" وَأَحَادِيث أُخْرَى فِي الْكَفّ عَمَّن قَالَهَا وَمُرَاد هَؤُلَاءِ الجهلة أَن من قَالَهَا لَا يكفر وَلَا يُقتل وَلَو فعل مَا فعل، فَيُقَال لهَؤُلَاء الْجُهَّال: مَعْلُوم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتل الْيَهُود وسباهم وهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتلُوا بني حنيفَة وهم يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويصلّون ويدَّعون الْإِسْلَام، وَكَذَلِكَ الَّذين حرّقهم ابن أبي طَالب، وَهَؤُلَاء الجهلة مقرُّون أَن من أنكر الْبَعْث كفر وَقُتل وَلَو قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن من جحد شَيْئًا من أَرْكَان الْإِسْلَام كفر وَقُتل وَلَو قَالَهَا، فَكيف تَنْفَعهُ إِذا جحد شَيْئًا من الْفُرُوع وتنفعه إِذا جحد التَّوْحِيد الَّذِي هُوَ أصل دين الرُّسُل وَرَأسه؟ وَلَكِن أَعدَاء الله مَا فَهموا معنى الْأَحَادِيث.
وَقَالَ رَحمَه الله: فَأَما حَدِيث أُسَامَة فَإِنَّهُ قتل رجلًا ادعى الْإِسْلَام؛ بِسَبَب أَنه ظن أَنه مَا ادعاه إِلَّا خوفًا على دَمه وَمَاله، وَالرجل إِذا أظهر الْإِسْلَام وَجب الْكَفّ عَنهُ حَتَّى يتَبَيَّن مِنْهُ مَا يُخَالف ذَلِك، وَأنزل الله فِي ذَلِك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ [سُورَة النِّسَاء (94)]، أَي فتثبتوا، فالآية تدل على أَنه يجب الْكَفّ عَنهُ والتثبت، فَإِن تبين بعد ذَلِك مَا يُخَالف الْإِسْلَام قُتل لقَوْله: ﴿تَبَيَّنُوا﴾ وَلَو كَانَ لَا يُقتل إِذا قَالَهَا لم يكن للتثبت معنى، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر وَأَمْثَاله مَعْنَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ من أَن من أظهر الْإِسْلَام والتوحيد وَجب الْكَفّ عَنهُ إِلَّا أَن يتَبَيَّن مِنْهُ مَا يُنَاقض ذَلِك... وَالدَّلِيل على هَذَا أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي قَالَ: "أقتلته بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله" وَقَالَ: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله" هُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْخَوَارِج "أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم، لَئِن أدركتهم لأقتلنهم قتل عَاد" مَعَ كَونهم من أَكثر النَّاس تهليلًا، حَتَّى أَن الصَّحَابَة يحقرون أنفسهم عِنْدهم، وهم تعلمُوا الْعلم من الصَّحَابَة، فَلم تنفعهم "لَا إِلَه إِلَّا الله" وَلَا كَثْرَة الْعِبَادَة وَلَا ادِّعَاء الْإِسْلَام لماّ ظهر مِنْهُم مُخَالفَة الشَّرِيعَة، وَكَذَلِكَ مَا ذَكرْنَاهُ من قتال الْيَهُود وقتال الصَّحَابَة بني حنيفَة [انْظُر مَجْمُوعَة التَّوْحِيد ص ١٢٠ – ١٢١].
مَا قَالَه الْحَافِظ بن رَجَب:
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة (كلمة الْإِخْلَاص) على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله" قَالَ: "ففهم عمر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ امْتنع من عُقُوبَة الدُّنْيَا بِمُجَرَّد ذَلِك فتوقفوا فِي قتال مَانعي الزَّكَاة، وَفهم الصّديق أَنه لَا يمْنَع قِتَاله إِلَّا بأَدَاء حُقُوقهَا؛ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "فَإِذا فعلوا ذَلِك منعُوا مني دِمَاءَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله"، وَقَالَ: "الزَّكَاة حق المَال"، وَهَذَا الَّذِي فهمه الصّديق قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَرِيحًا غير وَاحِد من الصَّحَابَة، مِنْهُم ابْن عمر وَأنس وَغيرهما، وَأَنه قَالَ: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة" وَقد دلّ على ذلك قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾، كَمَا دلّ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ على أَن الْأُخوة فِي الدّين لَا تثبت إِلَّا بأداء الْفَرَائِض مَعَ التَّوْحِيد، فإن التوبة من الشّرك لَا تحصل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، فَلَمَّا قرر أَبُو بكر هَذَا للصحابة رجعُوا إِلَى قَوْله ورأوه صَوَابًا، فَإِذا علم أَن عُقُوبَة الدُّنْيَا لَا ترْتَفع عَمَّن أدّى الشَّهَادَتَيْنِ مُطلقًا، بل يُعَاقب بإخلاله بِحَق من حُقُوق الْإِسْلَام فَكَذَلِك عُقُوبَة الْآخِرَة". [كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص (١٣ - ١٤)].
وَقَالَ أَيْضا١: "وَقَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء المُرَاد من هَذِه الْأَحَادِيث أَن التَّلَفُّظ بِلَا إِلَه إِلَّا الله سَبَب لدُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار وَمُقْتَضى لذَلِك.
وَلَكِن الْمُقْتَضى لَا يعْمل عمله إِلَّا باستجماع شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه، فقد يتَخَلَّف عَنهُ مُقْتَضَاهُ لفَوَات شَرط من شُرُوطه أَو لوُجُود مَانع - وَهَذَا قَول الْحسن ووهب بن مُنَبّه وَهُوَ الْأَظْهر - ثمَّ ذكر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ للفرزدق وهوة يدْفن امْرَأَته: مَا أَعدَدْت لهَذَا الْيَوْم؟ قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سبعين سنة، قَالَ الْحسن: نعم الْعدة، لَكِن لـ"لا إِلَه إِلَّا الله" شُرُوط، فإياك وَقذف الْمُحْصنَات. وَقيل لِلْحسنِ: إن أُنَاسًا يَقُولُونَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة، فَقَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَأدّى حَقّهَا وفرضها دخل الْجنَّة، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه لمن سَأَلَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إِلَّا الله مِفْتَاح الْجنَّة؟ قَالَ: بلَى وَلَكِن مَا من مِفْتَاح إِلَّا لَهُ أَسْنَان، فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك. [كلمة الْإِخْلَاص ص (٩ - ١٠)].
وأظن أَن فِي هَذَا الْقدر الَّذِي نقلته من كَلَام أهل الْعلم كِفَايَة فِي رد هَذِه الشُّبْهَة الَّتِي تعلق بهَا من ظن أَن من قَالَ "لَا إِلَه إِلَّا الله" لَا يكفر وَلَو فعل مَا فعل من أَنْوَاع الشّرك الْأَكْبَر الَّتِي تمارس الْيَوْم عِنْد الأضرحة وقبور الصَّالِحين مِمَّا يُنَاقض كلمة "لَا إِلَه إِلَّا الله" تَمام المناقضة ويضادها تَمام المضادة، وَهَذِه طَريقَة أهل الزيغ الَّذين يَأْخُذُونَ من النُّصُوص المجملة مَا يظنون أَنه حجَّة لَهُم ويتركون مَا يبَينه ويوضحه من النُّصُوص المفصلة، كَحال الَّذين يُؤمنُونَ بِبَعْض الْكتاب ويكفرون بِبَعْض، وَقد قَالَ الله فِي هَذَا النَّوْع من النَّاس: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلاّ أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [سُورَة آل عمرَان (٧ - ٩)].
اللَّهُمَّ أرنا الْحق حَقًا وارزقنا اتِّبَاعه وأرنا الْبَاطِل بَاطِلا وارزقنا اجتنابه.
لهَذِهِ الْكَلِمَة إِذا قيلت بِصدقٍ وإخلاصٍ وَعملٍ بمقتضاها ظَاهرًا وَبَاطنًا آثَارٌ حميدة على الْفَرد وَالْجَمَاعَة، من أهمها:
١ – اجْتِمَاع الكلمة الَّتِي ينْتج عَنْهَا حُصُول الْقُوَّة للْمُسلمين، والانتصار على عدوهم؛ لأَنهم يدينون بدين وَاحِد وعقيدة وَاحِدَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [سُورَة آل عمرَان (١٠٣)]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سُورَة الْأَنْفَال (٦٢ - ٦٣)].
والاختلاف فِي العقيدة يُسَبِّب التَّفَرُّق والنزاع والتناحر، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [سُورَة الْأَنْعَام (١٥٩)]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٥٣)].
فَلَا يجمع النَّاس سوى عقيدة الْإِيمَان والتوحيد، الَّتِي هِيَ مَدْلُول "لَا إِلَه إِلَّا الله" وَاعْتبر ذَلِك بِحَالَة الْعَرَب قبل الْإِسْلَام وَبعده.
٢ - ـ توفر الْأَمْن والطمأنينة فِي الْمُجْتَمع الموحد الَّذِي يدين بِمُقْتَضى "لَا إِلَه إِلَّا الله"؛ لِأَن كل من أفراده يَأْخُذ مَا أحل الله لَهُ وَيتْرك مَا حرم الله عَلَيْهِ تفاعلاً مَعَ عقيدته الَّتِي تملئ عَلَيْهِ ذَلِك، فينكفُّ عَن الاعتداء وَالظُّلم والعدوان، وَيحل مَحل ذَلِك التعاون والمحبة والمولاة فِي الله، عملًا بقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [سُورَة الحجرات (١٠)].
يظْهر هَذَا جليًّا فِي حَالَة الْعَرَب قبل أَن يدينوا بِهَذِهِ الْكَلِمَة وَبعد مَا دانوا بهَا، فقد كَانُوا من قبل أعداء متناحرين، يفتخرون بِالْقَتْلِ والنهب وَالسَّلب، فلما دانوا بهَا أَصْبحُوا إخْوَة متحابين، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [سُورَة الْفَتْح (29)]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ [سُورَة آل عمرَان (103)].
٣ - حُصُول السِّيَادَة والاستخلاف فِي الأَرْض، وصفاء الدّين والثبوت أَمَام تيارات الأفكار والمبادئ الْمُخْتَلفَة، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [سُورَة النُّور (55)]، فَربط سُبْحَانَهُ حُصُول هَذِه المطالب الْعَالِيَة بِعِبَادَتِهِ وَحده لَا شريك لَهُ الَّذِي هُوَ معنى وَمُقْتَضى لَا إِلَه إِلَّا الله.
٤ - حُصُول الطُّمَأْنِينَة النفسية والاستقرار الذهْنِي لمن قَالَ "لَا إِلَه إِلَّا الله" وَعمل بمقتضاها؛ لِأَنَّهُ يعبد رَبًّا وَاحِدًا، يعرف مُرَاده وَمَا يرضيه فيفعله، وَيعرف مَا يسخطه فيجتنبه، بِخِلَاف من يعبد آلِهَة مُتعَدِّدَة كل وَاحِد مِنْهَا لَهُ مُرَاد غير مراد الْآخَر، وَله تَدْبِير غير تَدْبِير الآخر، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [سُورَة يُوسُف (39)].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ [سُورَة الزمر (29)]، قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم رَحمَه الله: هَذَا مثل ضربه الله سُبْحَانَهُ للمشرك والموحد، فالمشرك بِمَنْزِلَة عبد يملكهُ جمَاعَة متنازعون مُخْتَلفُونَ متشاحون وَالرجل المتشاكس: السَّيئ الْخلق.
فالمشرك لما كَانَ يعبد آلِهَة شَتَّى شُبِّه بِعَبْد يملكهُ جمَاعَة متنافسون فِي خدمته، لَا يُمكنهُ أَن يبلغ رضاهم أَجْمَعِينَ، والموحد لما كَانَ يعبد الله وَحده فَمثله كمثل عبد لرجل وَاحِد قد سلم لَهُ وَعلم مقاصده وَعرف الطَّرِيق إِلَى رِضَاهُ، فَهُوَ فِي رَاحَة من تشاحن الخلطاء فِيهِ، بل هُوَ سَالم لمَالِكه من غير تنَازع فِيه،ِ مَعَ رأفة مَالِكه وَرَحمته لَهُ وشفقته عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وتوليته لمصالحه، فَهَل يَسْتَوِي هَذَانِ العبدان؟ [أَعْلَام الموقعين (١/١٨٧)].
٥ - حُصُول السمو والرفعة لأهل لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [سُورَة الْحَج (31)]، فدلت الْآيَة على أَن التَّوْحِيد علو وارتفاع، وَأَن الشّرك هبوط وسفول وَسُقُوط.
قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم رَحمَه الله: "شبه الْإِيمَان والتوحيد فِي علوه وسعته وشرفه بالسماء الَّتِي هِيَ مصعده ومهبطه، فَمِنْهَا هَبَط إِلَى الأَرْض وإليها يصعد مِنْهَا، وَشبه تَارِك الْأَيْمَان والتوحيد بالساقط من السَّمَاء إِلَى أَسْفَل سافلين من حَيْثُ التَّضْيِيق الشَّديد والآلام المتراكمة، وَالطير الَّتِي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين الَّتِي يرسلها الله تَعَالَى وتؤزه وتزعجه وتقلقه إِلَى مظان هلاكه، وَالرِّيح الَّتِي تهوي بِهِ فِي مَكَان سحيق هُوَ هَوَاهُ الَّذِي يحملهُ على إِلْقَاء نَفسه فِي أَسْفَل مَكَان وأبعده عَن السَّمَاء"[ أَعْلَام الموقعين ص (١٨٠)].
٦ - عصمَة الدَّم وَالْمَال وَالْعرض، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا" [رَوَاهُ البُخَارِيّ (١٣/٢١٧)]، وَقَوله ((بِحَقِّهَا)) مَعْنَاهُ أَنهم إِذا قالوها وامتنعوا من الْقيام بِحَقِّهَا وَهُوَ أَدَاء مَا تَقْتَضِيه من التَّوْحِيد والابتعاد عَن الشّرك وَالْقِيَام بأركان الْإِسْلَام أَنَّهَا لَا تعصم أَمْوَالهم وَلَا دِمَاءَهُمْ بل يُقتلُون وَتُؤْخَذ أَمْوَالهم غنيمَة للْمُسلمين كَمَا فعل بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخلفاؤه.
هَذَا ولهذه الْكَلِمَة آثَار عَظِيمَة على الْفَرد وَالْجَمَاعَة فِي الْعِبَادَات والمعاملات والآداب والأخلاق.
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه جمعين.