البوذية ديانة... أم تمرد أخلاقي على الهندوسية؟ ()

هيثم طلعت

كتاب نافع يبين فيه المؤلف - أثابه الله - حقيقة الديانة البوذية، ويبين الإشكالات الحقيقية في البوذية، وما الفَرق بين البوذية التي تركها بوذا والبوذية التي يمارسها البوذيون اليوم.

|

 البوذية ديانة... أم تمرد أخلاقي على الهندوسية؟

سؤال وجواب

 المقدمة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:

هل البوذية إلحاد مادي؟

هل تدَّعي بعض الفرق البوذية أنَّ بوذا إله؟

هل البوذية ديانة أم أنها مجرد فلسفة أخلاقية؟

هل يمكن اعتبار البوذية مجرد تمرد على الفساد الذي حصل في الهندوسية؟

هل البوذية اليوم هي على نفس التعاليم التي تركها بوذا؟

لماذا بدأت البوذية في الانتشار مؤخرًا في أنحاء العالم؟

تساؤلات كثيرة تطرأ على أذهان غير البوذيين حول العالم.

سنحاول في هذا الكتاب الصغير أن نجيب عن هذه التساؤلات وأن نَعرف الإشكالات الحقيقية في البوذية، وأن نعرف الفَرق بين البوذية التي تركها بوذا والبوذية التي يمارسها البوذيون اليوم.

ونحن نزعم في هذا الكتاب أنَّ البوذية تعاني من إشكالات عقلية وإشكالات علمية وإشكالات معرفية وإشكالات أخلاقية لا حصر لها.

وإنَّ أكبر إشكال على الإطلاق في البوذية هو مخالفتها للوحي الإلهي وللفطرة الإنسانية.

وقبل الحديث عن البوذية لابد أن يَعرف القاريء ما هو الإلحاد المادي، لحصول تداخل كبير بين البوذية التي تركها بوذا وبين الإلحاد المادي:

والإلحاد المادي هو: إنكار الخالق والغيب والنبوات والروح واليوم الآخر.

وصراحةً لم تكن البوذية التي دعا إليها بوذا إلحادًا بهذا المعنى، فأنت ترى في البوذية التي تركها بوذا: سبل الخلاص من المعاناة، وكيفية التوحد مع المُطلق "النيرفانا Nirvana"، ومحاولة حل أكبر مأساة طبقًا للتصور البوذي وهي مأساة تكرار الولادات.

وسوف نشرح هذه المصطلحات بالتفصيل في ثنايا هذا الكتاب إن شاء الله، لكن الشاهد من هذا الكلام أنَّ البوذية تحوي طرحًا توجد به أفكار غيبية كثيرة، إذن فالبوذية ليست إلحادًا ماديًا بهذا المعنى.

لكن أيضًا لم تكن البوذية في الناحية الأخرى ديانة تؤمن بالله الخالق المدبر قيوم السماوات والأرض، الإله المنفصل عن خلقه وإنما هي بإيجاز شديد: فلسفة أخلاقية مجردة تؤمن بضرورة التخلص من المعاناة وتسعى للتوحد مع المُطلق والذي هو تلك القوة الخفية السارية في الكون.

فلم تتحدث البوذية على يد مؤسسها بوذا عن الإله أو الغيب، لكنها في الوقت ذاته احتفظت ببعض بقايا التصورات الهندوسية عن تكرار الولادات وضرورة التوحد مع المُطلق، لذلك ربما يكون التوصيف الأقرب للبوذية التي تركها بوذا أنها: "إلحاد روحي".

فدعونا نقترب من فهم البوذية وبيان هل توافق الفطرة أو العقل أو العلم الحديث أو المنطق في شيء؟

وهل سمَّمت البوذية القيم الأخلاقية التي تدعو إليها، فصارت تدعو ظاهريًا لقيم أخلاقية وتنقضها من طريق آخر؟

دعونا نرى جواب كل هذه الأمور في ثنايا هذا الكتاب الصغير، وننظر كيف خالفت البوذية الفطرة التوحيدية النقية، فطرة الإيمان بالله الواحد التي جاء بها الإسلام.

فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لكل البشر، قال الله عز وجل ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ [١٩] سورة آل عمران.

وقال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [٨٥] سورة آل عمران.

فلا نجاة للبوذي ولا لأي إنسان إلا بهذا الدين... الإسلام.

والإسلام ليس دينًا على الأرض ضمن الأديان، بل هو الدين التوحيدي الأوحد الذي بعث الله به جميع الأنبياء، فجميع الأنبياء أتوا بدعوة الناس للتوحيد ولم يبق على هذا التوحيد النقي اليوم سوى الإسلام، بينما بقية الديانات صار فيها من التحريف والشرك نصيب قلَّ أو كَثُر.

فالإسلام هو عبادة الله وحده، وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، والإيمان بكل ما أخبر به مما كان وما يكون، والتبرؤ من كل الوثنيات والإلحاد.

بهذا جاء الإسلام وعلى هذا فُطِرَ جميع البشر.

فدعونا ننظر إلى ماذا تدعو البوذية وعلى أي أساس خالفت كل هذا!


 1- ما هي البوذية؟

البوذية هي: فلسفة منسوبة إلى بوذا، تهدف إلى اكتساب الوعي والاستبصار للتخلص من المعاناة وتكرار الولادات - وسوف نتناول معاني هذه المصطلحات في ثنايا الكتاب-.([1])

وحتى يصل الشخص البوذي إلى التخلص من المعاناة وتكرار الولادات فإنه يمارس مجموعة من الممارسات التقشفية والتأملات السكونية، وقد يمارس مجموعة من الطقوس بحسب بعض الفرق البوذية.

والبوذية في الواقع هي فلسفة ممتلئة بخليط من بقايا الديانات وبخاصة الديانة الهندوسية بطبيعة الحال، إلى جانب مجموعة من التصورات البشرية والفلسفات العقلية والحَدْسية.

وسيأتي عبر صفحات الكتاب تعريف بكل هذه الأمور إن شاء الله وبيان إشكالاتها.


 2- كيف نشأت البوذية؟

البوذية ترتبط بشخصية بوذا المؤسِّس.

وبوذا ليس اسمًا لشخص وإنما هو لفظ يعني: المستنير أو المستيقظ - ويعني هذا اللفظ الحصول على معرفة غاية الحياة-.

وسنعرف عبر صفحات هذا الكتاب هل ما حصل لبوذا هو استيقاظ فعلاً، أم نوع من الهلوسة العقلية والخطرات الفاسدة نتيجةً للانقطاع في الأماكن الخربة بدون طعام لفترات طويلة؟

والاسم الحقيقي لبوذا هو: سيدهارتا جوتاما Siddhārtha Gautama، وقد حاز على لقب "بوذا" بعد مروره بتجربة الاستنارة في زعمهم، وقد نشأ بوذا في نيبال لعائلة إقطاعية ثرية في القرن الخامس قبل الميلاد.

وكانت لبوذا رغبة منذ طفولته في فهم ما يدور حوله وبخاصة مسألة الألم والمعاناة في العالم، وقد حاول والده أن يثنيه عن ذلك بتزوجيه صغيرًا وإشغاله بالمُلهيات لكن عقله لم يتوقف، فقد كان مستغرقًا في محاولة فهْم لماذا يوجد الألم وما هو العلاج؟

وفي إحدى الليالي وفي سن صغيرة نسبيًا يقرر بوذا أن يغادر القصر الذي عاش فيه بلا عودة وأن يبحث بنفسه عن العلاج للألم.

فخلع بوذا ملابس الأمير وارتدى زي الفقراء وانخرط في سلك الرهبنة.

وبعد سنوات من التقشف الشديد وتعذيب النفس الذي لم يطقه حتى الرهبان أنفسهم، وبعد أن كاد بوذا أن يصل للهلاك، اكتشف أنه لا طائل من كل ذلك، فعاد لحياة الاعتدال وبدأ يأكل ويشرب ويعيش حياة معتدلة، لكن أيضًا في عزلة تامة عن العالم.

وبعد ذلك دخل بوذا في مرحلة الاستنارة أو الاستيقاظ، وعليه تَحوَّل الشاب سيدهارتا جوتاما إلى بوذا!

لكن قبل أن نحكي هذه القصة...

هنا يظهر السؤال:

ما هو الألم؟

ولماذا استشعر بوذا بضرورة إيجاد حل لهذا الألم؟

والجواب ببساطة أنَّ بوذا وُلد وعاش وتربى في ظل الديانة الهندوسية، وطبقًا للهندوسية فإنَّ غاية الوجود هي محاولة التخلص من الألم!

فما هو هذا الألم يا ترى في الهندوسية؟

الألم في الهندوسية ناتج عن تكرار الولادات.

حيث أنَّ الإنسان بعد أن يموت تتكرر ولادته في كائن آخر، حيث ينتقل لكائن آخر بحسب عمله.

فمن كان يعمل صالحًا ينتقل لطبقة أعلى من البشر، ومن كانت أعماله سيئة ينتقل لطبقة أدنى وقد ينتقل لصورة أحد الحيوانات.

وعلى الإنسان الهندوسي أن يمارس الهندوسية ويزداد في التقشف والبُعد عن الشهوات حتى يظل يرتقي عبر الولادات المتكررة، بحيث أنَّه وبعد سلسلة طويلة من الولادات التي يرتقي عبرها شيئًا فشيئًا ينجو من تكرار الولادات بالدخول في الاتحاد مع المُطلق.

وهنا تظهر إشكالات عقلية وعلمية ومنطقية لا حصر لها سنتناولها بعد قليل.

لكن كان هذا محور ما يشغل بوذا: التخلص من الولادات المتكررة.

فهو كان مهمومًا بكيفية التخلص من هذه الولادات، وكيف ننجو منها سريعًا.

وقبل ذلك وجد بوذا كثيرًا من المشاكل في الهندوسية فكان يريد أن يتخلص أيضًا من هذه المشاكل وهذا الفساد في الهندوسية كمشكلة الطبقية وفساد رجال الدين وسطوتهم.

وسار بوذا بهذه الهموم، وبينما هو يسير في أحد الأيام في الغابة إذ وجد شجرة التين Bodhi Tree والتي سميت باسمه، فجلس تحتها وبدأ يستشعر أن الاستنارة ستأتيه فعزم على الجلوس تحت الشجرة، وقرَّر أنه لن يغادر هذه الشجرة حتى يحصل على الاستنارة أو يموت.

وبعد أيام وأسابيع من التقشف الشديد والسكون التام تحت هذه الشجرة بالفعل جاءه الخاطر أو الاستنارة، وقام بوذا بالتأسيس للعقيدة البوذية فظهرت البوذية.


 3- ما هي أسس العقيدة البوذية؟

بعد حصول بوذا على الاستنارة تحت شجرة التين، استطاع أن يعرف كيفية الخلاص من المعاناة.

وكيفية الخلاص تعتمد عند بوذا على الحقائق الأربع والتي هي:

الحقيقة الأولى: الحياة فيها ألم وفيها معاناة.

الحقيقة الثانية: هناك سبب للألم والمعاناة وهي الرغبة والشهوة والمحاولات لإشباع اللذات الخاصة عند الإنسان.

الحقيقة الثالثة: هناك أمل، فالمعاناة قابلة للعلاج حين يمكن التغلب على الرغبة والشهوة الجامحة التي تؤدي للألم.

الحقيقة الرابعة: آلية العلاج تكون بتطبيق برنامج تدريبي صارم يهدف إلى تحرير الإنسان من الرغبات الجامحة التي تؤخر خلاصه.

والقيام بهذا البرنامج التدريبي يكون بثماني شُعب.

الشُعبة الأولى: المعرفة الصحيحة، والتي تعني: المعرفة بالعقيدة البوذية التي تشمل الحقائق الأربعة السابق ذكرها.

الشُعبة الثانية: المطمح الصحيح، ويكون باستمرار النية والقصد من أجل الخلاص.

الشُعبة الثالثة: الكلام الصحيح حيث يحرص الإنسان على الكلام النقي الخالي من الفُحش.

الشُعبة الرابعة: السلوك الصحيح ويكون بالابتعاد عن الأعمال السيئة كالقتل والسرقة وشرب المسكرات.

الشُعبة الخامسة: وسائل العيش الصحيحة والتي تعني الرهبنة، فالرهبنة في البوذية أفضل من العمل، ولا يكون العمل إلا كوسيلة للحياة وليس هدفًا بذاته.

الشُعبة السادسة: الجهد الصحيح حيث يقوم الإنسان بتغيير نفسه ببطء.

الشُعبة السابعة: الانتباه أو الوعي الصحيح حيث يركز الإنسان على طاقة العقل وكيفية الانتفاع بها، ومن التصورات البوذية العجيبة في هذا الموضوع أنَّ التركيز العقلي يمكن أن يغير العالم المادي من حولك وهذا ما سنشرح الأخطاء العلمية فيه في ثنايا الكتاب.

الشُعبة الثامنة: التركيز الصحيح ويكون عن طريق تأملات كالراجا يوجا Raja Yoga.

هذه هي العقيدة البوذية وهي محور الاستنارة التي حصل عليها بوذا، وهي غاية البوذية، وطريقة الحياة للشخص البوذي.


 4- ماذا حصل بعد حصول بوذا على الاستنارة؟

بعد حصول بوذا على الاستنارة تحول كما قلنا من سيدهارتا جوتاما إلى بوذا أي المستيقظ.

ويُعد بوذا أعظم البوذاوات في الاستنارة والاستيقاظ.

ونقول أعظم البوذوات لأنَّه طبقًا للبوذية هناك بوذاوات كثيرون كما سيأتي معنا في الكتاب.

ويعد بوذا أيضًا أعظم البوذاوات في تحريك عجلة الشريعة، والمقصود بتحريك عجلة الشريعة: جهاد نشر الدعوة للبوذية.

حيث أنَّ بوذا بمجرد حصوله على الاستنارة بدأ يُبشر الناس بمذهبه وبالحقائق الأربعة والشُعب الثمانية.

ومذهب بوذا ظاهريًا لا يعدو أن يكون فلسفة أخلاقية بها بعض القيم الجميلة والمعاني السامية كمنع القتل والأذى والظلم والكلام الفاحش وهذه القيم يشترك فيها كل تشريع ودين، لكن الواقع أن فلسفة بوذا أفسدت هذه القيم ودمرت معناها كما سنبين أيضًا بعد قليل.

ظل بوذا يحرك عجلة الشريعة حتى مات في الثمانين من عمره.

وبعد وفاته تطورت فلسفته التي تركها بصور مختلفة وعجيبة بين أتباعه، وانقسمت إلى فيلقين كبيرين.

فبينما حافظت بوذية الثيرافادا Theravada أو طريق الأسلاف على منهج بوذا، ذلك المنهج الذي لا ينشغل إلا بفلسفة الأخلاق والخلاص من الولادات المتكررة، ولا يهتم لا بالغيب ولا بالخالق ولا بغير ذلك، نشأت في المقابل بوذية أخرى بعد بوذا بقرون قليلة وهي بوذية الماهيانا Mahayana، وقد أضافت بوذية الماهيانا للبوذية الكثير من العقائد الدينية في الغيب والكثير من الطقوس والتقديسات لبوذا ولغيره من البوذاوات في السماوات.

وتُقرر بوذية الماهيانا أنَّ بوذا كان يؤكد على كل هذه الطقوس في جلسات سرية.


 5- إلى ماذا وصلت البوذية اليوم؟

البوذية اليوم من أديان العالم الكبرى.

وهي رابع أكثر أديان العالم انتشارًا وأتباعًا.

وتنتشر البوذية اليوم في الصين واليابان وكمبوديا وتايلاند وبورما وبوتان وسريلانكا ولاوس ومنغوليا وتايوان وغيرها من الدول.

والغالبية العظمى من البوذيين اليوم على وجه الأرض على بوذية الماهيانا والقليل على بوذية الثيرافادا.

ويمكن اعتبار البوذية ديانة الملحدين القادمة للغرب بقوة اليوم.

فهي تمثل فلسفة العالمانية الأقرب للمذاق العالماني، لأنها فلسفة أخلاقية تحقق بعض المعاني القيمية التي يتعايش بها الناس، دون أية أعباء اعتقادية أو تمايز اعتقادي.

ولذلك بدأت بالفعل تنتشر بين الملحدين في الغرب اليوم.

ولذلك تأتي أهمية تحري هذه الديانة.


 6- هل البوذية بروتستانتية هندوسية؟

نشأت البوذية في الهند كحركة إصلاحية للديانة الهندوسية وكردة فعل لفشل الهندوسية في كثير من الأمور من وجهة نظر بوذا كفكرة تعثر الخلاص إلا بسلسلة طويلة جدًا من الولادات في حين أنَّ البوذية تقدم الخلاص بعدد أقل من الولادات.

أيضًا كان لفكرة الطبقية الهندوسية أبعادها المؤرقة لما فيها من ظلم إلى جانب بطبيعة الحال فساد رجال الدين الهندوس.

لكل هذا حاول بوذا أن يطرح رؤية داخل الإطار الهندوسي بحيث تكون أقرب للتطبيق من الهندوسية.

لذلك يمكن بالفعل اعتبار البوذية امتدادًا إصلاحيًا للهندوسية فهي تؤمن بنفس مقدمات الهندوسية الكبرى كتكرار الولادات والألم والتوحد مع المطلق.

وبوذا في طريقه لإصلاح الهندوسية لم يصور نفسه على أنَّه نبي أو قديس، وإنما قدَّم نفسه للناس على أنَّه شخص مارس التقشف واختبر الأمور بشكل بشري شخصي بحت فتوصل إلى ما توصل إليه.

فهو مجرد معلم يعلم الناس تجاربه الشخصية وليس الوحي.

وقد أنكر بوذا وفقًا لهذه التجارب الشخصية كثيرًا من الميراث الهندوسي، وحاول أنْ يحطم السيطرة الاحتكارية لطبقة البراهمة Brahman رجال الدين الهندوس.

وبهذا تعد البوذية نوع من "البروتستانتية الهندوسية" أي: الإصلاح الهندوسي.

فهي أشبه ما تكون بالبروتستانتية النصرانية التي حصلت في أوربا لإصلاح الفساد في الكاثوليكية النصرانية.

لكن العجيب أن بوذا مع الوقت تمادى في تجاهل الغيبيات كالإله والروح والملائكة والشيطان.

فهل أراد بوذا بذلك التركيز على فلسفته حول التأمل والتخلص السريع من الولادات المتكررة، وعدم الانشغال بغير ذلك، أم أنَّ الدخول في ميدان الغيبيات سيدعو إلى استدعاء الفكر الهندوسي وآلهة الهندوس وهو ما لا يرغب فيه بوذا؟

في الواقع لا نعرف الدافع وراء صمت بوذا المطبق عن الحديث في الغيبيات، وربما لكون البيئة التي تحيط به بأكملها متشبعة بالغيبيات فلم يكن ثمة داعٍ لتكرار الحديث في الأمر.

قدَّم بوذا فلسفته على أنها خلاص شخصي يقوم فيه الإنسان بالخلاص بنفسه غير معتمد على آلهة أو كهنة.

وقوام فلسفته في الخلاص تقوم على السكون العقلي والتأمل والتجربة الحدْسية مع اتباع الشُعب الثمانية كما أوضحنا.


 7- ما العيب في الممارسات البوذية؟

الممارسات البوذية سواءًا كانت تقشفية أو تأملية أو حَدْسية هي تهدف في الأخير إلى: التخلص من الولادات المتكررة.

وهذا يطرح جملة كبيرة من الإشكالات داخل الإطار البوذي، ومنها:

 1- كيف عرف بوذا فكرة الولادات المتكررة؟

قضية الولادات المتكررة سواءًا كانت صحيحة أو فاسدة هي قضية غيبية، فكيف عرف بوذا بوجود أمر كهذا مع تجاهله للغيب والخالق والنبوات؟

 2- كيف تحصل الولادات المتكررة ابتداءًا؟

مَن الذي يدبر أمر الولادات المتكررة ويُجريها وفق ناموس الجزاء والعقاب؟

 3- من الذي يتحكم في هذا العالم ويقوم بتخريبه ثم إعادة بناءه، فطبقًا للبوذية ينهار العالم ثم يُبنى من جديد في دورات لا نهائية؟

 4- ثم مَن قال أن الولادات المتكررة عذاب؟

إن أغلب البشر لو سألتهم هل تتمنون أن تولدوا ثانيةً وأن تُجربوا الحياة مرةً أخرى فلن يتردد كثيرون منهم في الإجابة بنعم.

 5- المشكلة الخامسة أن البوذية التي خرجت من رحم الهندوسية تنظر للوجود على أنه معاناة وألم وهذا خطأ.

فهذه نظرة تشاؤمية تستدعي علاجًا نفسيًا.

فالغاية من الوجود في البوذية هي التخلص من الوجود، وهذه أقصى درجات التشاؤم.

ولذا فإن فلاسفة التشاؤم في العالم أمثال شوبنهاور ونيتشه كان مصدر تشاؤمهم قراءة الأعمال البوذية.([2])

وهذه النظرة التشاؤمية هي نظرة كاذبة قطعًا فالوجود فيه خيرٌ كثير وفيه نِعمٌ لا تُحصى، وما العذاب والألم إن وُجد إلا نزر يسير ولحكمةٍ وخيرٍ أكبر، والخير والشر والبلاء يدورون جميعًا في إطار التكليف الإلهي، والحكمة الإلهية.

والنظرة الإسلامية للبلاء أنه تكليف واختبار ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [٣٥] سورة الأنبياء.

وهذه هي النظرة الأسلم للنفس والأطبق للواقع والأبعد عن التشاؤم.

أما النظرة البوذية فهي نظرة متشائمة لا تطابق طبيعة النفس ولا الواقع، فهي في الحقيقة تهدف للخلاص الوهمي من شيء غير موجود في الأصل.

فليس هناك معاناة في الولادات المتكررة بهذه الصورة التي تصورها البوذية وليس هناك ولادات متكررة ابتداءًا.


 8- ما هي الإشكالات العقلية والعلمية في الولادات المتكررة؟

الإشكال الأول: ويُعرف بـ"اعتراض ترتليان Tertullian's objection" وهو يقول: إذا كان تكرار الولادات صحيحًا فكيف لا يُولد الرُضع بنفس القدرات العقلية للبالغين؟([3])

الإشكال الثاني: لو كان تكرار الولادات صحيحًا، فالمفترض أنَّ أعداد الكائنات الحية ثابتة، لأنها تتناقل فيما بين بعضها البعض في دورات من الولادات، وثبات أعداد الكائنات الحية لا يقول به عاقل اليوم!

فقد ثبُت أنَّه كان هناك زمان ليس للكرة الأرضية فيه وجود أصلاً، وكان هناك زمان لم يكن للكائنات الحية على الأرض وجود، وكان هناك زمان لم تكن الكائنات حية فيه بهذا العدد بل كانت قليلة جدًا، ثم ازدادت مع الوقت وهذا أيضًا بإجماع البشر اليوم.

وكان هناك زمان فيه أعداد البشر أقل مما هم عليه اليوم.

فأعداد البشر ليست ثابتة بالإجماع، فكيف يحدث تكرار للولادات في دورات ثابتة؟

الإشكال الثالث: لماذا لا يوجد مَن يتذكر الحياة الماضية – الولادة السابقة- التي كان فيها؟

كانت هناك امرأة أمريكية تدعى روث سيمنز Ruth Simmons، ادعت أنها تكرار لولادة امرأة أخرى تسمى بريدي مورفي Bridey Murphy وبدأت روث سيمنز في استحضار ذكرياتها السابقة حين كانت بريدي مورفي في القرن التاسع عشر في أيرلندا، وبعد تقصِّي باحثين لحياة روث سيمنز تبين أن لها جارة قديمة من أيرلندا تُدعى بريدي مورفي، فأخذت ذكريات بريدي عن أيرلندا ونسبتها لنفسها، وادعت أنها هي بريدي.([4])

فتكرار الولادات وهم وخيال ويخالف أبسط بديهيات العلم والحس.

يقول بول إدواردز رئيس تحرير الموسوعة الفلسفية والأستاذ بجامعة نيويورك: "تكرار الولادات مجرد خيال يتعارض مع العلم الحديث".([5])

فالإنسان إذا مات لن يولد في حياةٍ أخرى.

والقرآن الكريم الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قام بالرد على القائلين بتكرار الحياة ممن قالوا ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [٣٧] سورة المؤمنون.

فرد الله عليهم قولهم في كتابه العزيز فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [٣١] سورة يس.

فليس لمن يموت عودة إلى الدنيا أو رجعة مرةً أخرى.([6])

قال الله تعالى ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ﴾ [٥٦] سورة الدخان.

فهذه عقيدة المسلمين، وهي عقيدة من يعقل حال الدنيا وحال الخلق.

الإشكال الرابع: فلسفة تكرار الولادات تدفع نحو عدم الاكتراث بفعل أية جريمة أو معصية، ففي الواقع تكرار الولادات يبرر لارتكاب الجرائم، لأنَّ الإنسان حتمًا سيَخلُص في ولادة قادمة من الولادات ولابد، فليستمتع بهذه الولادة التي هو فيها.

إنَّ هذا الأمر يمثل مصالحة مع ارتكاب أية جريمة.

لذلك كما قلت في بداية الكتاب: فلسفة الاخلاق في البوذية ليس كما يبدو لأول وهلة أنها فلسفة أخلاقية وإنما هي فلسفة مفسدة للأخلاق، فهي تعطي عزاءًا حقيقيًا لكل المجرمين والقتلة والزناة بوجود فرص لا متناهية للخلاص، فمهما مات الإنسان مجرمًا أو ظالمًا فالعقوبة هي حياة قادمة فيها بعض المشقة، ثم خلاص سيأتي ولابد في ولادة من الولادات التالية.

لذلك يخطيء مَن يتصور أن البوذية مجرد فلسفة أخلاقية، فهي في الواقع تستدعي ما يفسد هذه الأخلاق ويبرر لهدمها من نفس مقدمات البوذية.


 9- ما هو المُطلق الذي يتحد به الإنسان بعد الوصول للنيرفانا في البوذية؟

تؤمن البوذية أنَّ الإنسان إذا اتبع تعاليمها فإنه يخلُص من الولادات المتكررة ويتحد بالمطلق والذي هو النيرفانا.

وهذا المطلق ليس هو الله البائن من خلقه في الإسلام الذي جاء به كل الأنبياء.

وليس مجرد طاقة تسري في الكون.

وإنما هو حالة أشبه ما يكون بعالم غيبي يفنى فيه الإنسان في نعيم أبدي.


 10- ما معنى عقيدة وحدة الوجود في الفكر البوذي؟

يؤمن البوذيون كالهندوس بفكرة وحدة الوجود حيث يتوحد الخالق والمخلوق.

فالخالق والمخلوق شيءٌ واحد.

لكن الشيء الذي تخالف فيه البوذية الهندوسية أنها تؤمن بنوع متطرف من وحدة الوجود.

فوحدة الوجود على نوعين:

النوع الأول وهو الموجود في الهندوسية: وفيه يحل الإله في مخلوقاته، فهنا يوجد إله وتوجد مخلوقات لكن الإله حالٌّ في مخلوقاته.

أما النوع الثاني من وحدة الوجود وهو الذي في البوذية ويمثل وحدة الوجود المتطرفة، حيث تعتقد البوذية أنَّه: لا تمايز بين خالق أو مخلوق، فالمخلوق هو الذي يخلق، وليس إلا العالم المادي وهو المُطلق الأوحد.

وهذا النوع من وحدة الوجود هو رؤية الملاحدة للعالم، فالبوذية كالإلحاد ترى أن العالَم أو على الأقل أصل العالم وُجد أزلاً وليس إلا العالَم، وهذا العالَم هو الذي يَخلق ويصوِّر ويُقدر ويهب النعيم، وتسير فيه الحياة والنواميس على شكل سلسلة من ردود الأفعال لا أكثر.

ولولا ما في البوذية من أفكار غيبية كقضايا تكرار الولادات والبوذاوات في السماء وغير ذلك لقلنا أنَّها إلحاد صرف.

وعلى كلٍ فكلا النوعين من وحدة الوجود سواءً الذي في الهندوسية أو الذي في البوذية خطأ بيِّن وابتعاد تام عن دين الأنبياء وعقيدة الإسلام التي دعا لها الأنبياء عبر التاريخ، تلك العقيدة التي تقرر أنَّ الله خلق العالم وأنَّ لهذا العالم بداية وليست هناك عوالم لا نهائية وأنَّ الله سبحانه بائن من خلقه، فهو سبحانه ليس حالٌّ في العالم ولا العالم يحل فيه.

وهناك الكثير من الإشكالات العلمية والعقلية في فلسفة وحدة الوجود في البوذية، ومنها:

الإشكال الأول: إذا كان ليس إلا العالم المادي، فما معنى ممارسة تعاليم البوذية من أجل الوصول للتوحد مع المطلق فيما يعرف بـ: "النيرفانا"؟

كيف تصل لشيء هو فيك... فأنت حالٌّ فيه وهو حالٌّ فيك؟

الإشكال الثاني: الزلات والخطايا بمفهومهم لوحدة الوجود هي ذات العالم المادي، فلماذا التخلص من الزلات والخطايا إذن؟

لماذا يحرصون أشد الحرص على الابتعاد عن الشهوات والأهواء الدنيوية؟

أليست المعصية ضمن وحدة الوجود؟

أليست الدنيا نفسها هي في إطار وحدة الوجود؟

أليست الزلات والخطايا هي من جوهر وحدة الوجود؟

فلماذا محاولة التخلص منها؟

وهنا تظهر إشكالية أخرى من إشكالات فلسفة الأخلاق في البوذية وكونها فلسفة أخلاق ذاتية الهدم، لا تستطيع أن تدافع عن القيم الأخلاقية من داخل التصور البوذي للعالم بل هي تدمر معنى الأخلاق.

فما هو مبرر الحرص على فعل الخير وفقًا للتصور البوذي؟

إذا كان الخير والشر معانٍ داخل إطار وحدة الوجود، فبالتالي كلها شيءٌ واحد، كلها تابع لنفس الجوهر.

إنَّ حرص الإنسان على فعل الخير هو ببساطة استجابة لنداء الفطرة النقي، ودليل مباشر على خطأ فلسفة وحدة الوجود.

فهناك خير وهناك شر وليس هناك وحدة وجود وإلا لصار الخير كالشر.

الإشكال الثالث: القول بوحدة الوجود دعا إلى القول بنسبية الحقيقة، فكل الديانات التي تعبد أصنامًا أو أحجارًا هي عندهم تعبد المطلق، لأن المطلق في تصورهم هو كل شيء مادي، لأنه ليس إلا العالم المادي.

ونسبية الحقيقة هذه تدعو لضياع المعنى والقيمة وفساد حقيقة القيم الأخلاقية، فكل شيء يصير صوابًا!

الإشكال الرابع: الاعتقاد بوحدة الوجود في التصور البوذي لا يجيب عن أسئلة كثيرة منها: كيف ظهر العالم؟

كيف ظهرت الولادات المتكررة؟

مَن الذي وضع للولادات المتكررة هذه النواميس التي تسير بها؟

ما مصدر خواطر البوذاوات؟

ولماذا نثق في الخواطر التي طرأت على أذهانهم؟

وكيف يتواجد بوذاوات في السماء وفقًا لفلسفة وحدة الوجود؟

تساؤلات كثيرة تجعلنا نقطع بأن واضعي فلسفة وحدة الوجود هم مجموعة من الدراويش الجهلة الذين يعيشون في الصحراء على بقايا طعام يتسولونها كل صباح، ولا يعقلون شيئًا عن العالم ولا الحياة.

الإشكال الخامس: افتراض أزلية العالم في الفكر البوذي هذا يعني أنَّ العالم أوجد نفسه، وهذا افتراض ساقط عقلاً، لأنه يفترض تعلق ظهور الشيء على ظهوره.

وهذا تناقض غريب، ومحال عقلي.

فكيف يكون الشيء سببًا لظهور نفسه، إذا لم يكن قد ظهر بَعدُ أصلاً.

ولذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم ردًا على هؤلاء وأشباههم ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [٣٥] سورة الطور.

فكيف تُخلق من غير شيء وكيف تَخلُق نفسك قبل أن توجد؟

الإشكال السادس: من الثابت علميًا اليوم بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ الكون بكل ما فيه حادث، وهذا ثابت عند جميع العقلاء.

فالكون حادث بكل طاقته ومادته ومكانه وزمانه...

وقد ثبت أنَّ للكون بداية بأدلة لا حصر لها، فعلميًا: لم يكن ثمة كون ثم ظهر الكون.

وطالما لم يكن ثمة كون، فـ: كيف نقول بوحدة الوجود؟

إنَّ وحدة الوجود لو كانت صحيحة فإنها تقتضي أزلية العالم أو على الأقل أزلية المادة.

ولذلك من مقررات البوذية القول بالفعل بأزلية أصل العالم المادي، لأنه القول الضروري الذي يبرر وحدة الوجود.

وما كان للبوذيين أن يدخلوا في ذلك فيصيروا اليوم مخالفين لما اتفق عليه علماء الأرض من أنَّ للكون بداية، وما كان للبوذيين الاعتقاد ابتداءًا بوحدة الوجود، لكن الشيطان قعدَ لابن آدم بأطرقه، فهو يجتال بني الإنسان عن دين الأنبياء كلما سنحت له فرصة.

فاجتال البوذيين عن التوحيد النقي الفطري الذي كان عليه الأنبياء، وجعلهم يعتقدون بهذه المحالات العقلية والمحالات العلمية.

قال الله تعالى في الحديث القدسي: «إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا».([7])

فكل البشر كانوا على توحيد الله، فأتتهم الشياطين وأغرتهم بهذه الكفريات.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بأطرُقِهِ».([8])

فالشيطان يلتمس أي طريق غواية للإنسان.

وليس من نجاة إلا بالتسليم بما كان عليه الأنبياء من توحيد وعقيدة.

وقد كان الأنبياء جميعًا على الاعتقاد بأنَّ لهذا العالم بداية وعلى الاعتقاد بأنَّ الله بائن من خلقه، وفي كتب الهندوس يظهر هذا الأمر بجلاء، قبل أن تنحرف الهندوسية في مرحلة تالية وتنقل عنها البوذية هذه الانحرافات.

فالفيدا الهندوسية القديمة تدعو صراحةً للإيمان بالإله المنفصل عن خلقه، فهذه المخلوقات هي مخلوقات الله، والله لا تسعه مخلوقاته ليحل فيها.

تقول الفيدا وتحديدًا في الريج فيدا ऋग्वेद: "يا الله! الشمس والعالم كلاهما، لا يقدران أن يحيطاك ويسعاك".([9])

فهذا دليل واضح من الفيدا على خطأ الاعتقاد بوحدة الوجود، فالله مستقل عن خلقه.

ويؤكد القرآن الكريم كذلك على خطأ فلسفة وحدة الوجود في الجملة فالله منفصل عن خلقه مستوٍ على عرشه لا يحل في مخلوقاته ولا تحل فيه.

قال الله تعالى ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [٤] سورة السجدة

فأصل عقيدة الأنبياء وأصل دينهم وشريعتهم أن الله الخالق الواحد الأحد بائنٌ أي منفصلٌ عن خلقه غير حالٍ فيهم!

الإشكال السابع: هذا التصور عن الكون الذي ينحل ثم يتشكل في فلسفة البوذية، هو خطأ علمي مخالف للقوانين العلمية والاكتشافات المعاصرة.

فمن المعلوم تمامًا أنَّ القوانين العلمية والاكتشافات المعاصرة تقرر أنَّ للكون بداية مُطلقة، وأنه لم تسبقه أكوان أخرى.

فطبقًا لهذا القانون فإنَّ: الكون لم تسبقه أكوانٌ اخرى وإلا لوُلد ميتًا متوقفًا.

فالكون علميًا لم تسبقه أكوان أخرى، بل هو مَفطور ومُبدع على غير مثالٍ سابق.

وهذه هي عقيدة المسلمين فقد أوحى الله لنبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا الكون مُبدع على غير مثال سابق، فقال الله تعالى في القرآن الكريم ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [١١٧] سورة البقرة.

الإشكال الثامن في فلسفة وحدة الوجود أنَّ: هذه الفلسفة لا تجيب عن السؤال الأهم:

مَن الذي قال بفلسفة وحدة الوجود ابتداءًا؟

وما هو الدليل عليها؟

ثم مَن الذي صاغ قانون الوصول إلى الاستبصار أو معرفة غاية الوجود – الذي حصل لبوذا- بالتأمل؟

إن الأسئلة التي تواجهها وحدة الوجود تجعل البوذية كلها عرضة للانهيار أمام التعقل الهاديء لمعاني الأسئلة الوجودية الكبرى.

تساؤلات كثيرة وإشكالات أكثر تكتنف هذه العقيدة التي خالفت دين الأنبياء والعقل والعلم الحديث.

 11- التخلص من الطبقات في البوذية هذا أمر يُحسب لهم أليس كذلك؟

استطاع بوذا أن يتخلَّص من نظام الطبقات الهندوسي العتيق.

حيث أنًّ المجتمع الهندوسي نظرًا لإيمانه بفكرة تكرار الولادات صار طبقيًا لا محالة.

فالإنسان في الهندوسية يولد في حياة مناسبة لما قام به في حياته السابقة.

فمَن أجرم وُلد في طبقة أدنى ومَن أحسن وُلد في طبقة أرقى.

وبهذه الصورة فالمبتلى مستحقٌ لمعاناته...

حيث أنَّ هذا المبتلى ولابد قد فعل أفعالاً سيئة في حياة سابقة.

وهذا ترسيخٌ كامل للطغيان والظلم للفقراء والمبتَلَين وعدم الاكتراث بهم... فهم يستحقون ما هم فيه.

إنَّ هذا تطبيع صريح مع الطغيان.

وفي الهندوسية بالفعل ينقسم البشر إلى أربع طبقات وهم:

 1- البراهمن: المعلمون والكهنة.

 2- الكشاتريا: المحاربون والملوك.

 3- الفيشية: المزارعون والتجار.

 4- الشودرا: العمال.

وأقل الطبقات هم: المنبوذون الشودرا ممن يتعاطون أعمالاً مدنسة –من وجهة نظرهم- مثل النظافة والخدمة.

وطبقة كل إنسان تُحدِد نوع عمله ولباسه وطعامه.

والزواج يتم في إطار الطبقة الواحدة.

فالمرء محكومٌ بالانتماء إلى أن يموت إلى الطبقة التي ولد فيها.

وهذا التصور المغلوط المشوش يُفسد الحياة بأكملها، فبهذا التصور يمكن أن نعتبر أنَّ مساعدة المنبوذين هي نوع من عدم احترام مبدأ الثواب والعقاب في الفكر الهندوسي.

إن هذا نوع من مصالحة التخلف والظلم والطبقية.

وهذه النظرة الهندوسية هي نظرة مخالفة لطبيعة الفطرة الإنسانية، تلك الفطرة التي تدفع نحو العطف على الضعفاء والمساكين والمرضى، وتحث على الشعور بالواجب تجاههم من تقديم الخدمات ومحاولة رفع ما بهم من أذى وبلاء.

إن فلسفة الطبقية الهندوسية هي اختراع بشري ناتج عن فكرة تكرار الولادات الفاسدة.

فهو فساد مبني على فساد.

فجاءت البوذية وألغت نظام الطبقية الهندوسية.

والآن يستطيع أي إنسان بوذي أيًا كانت طبقته أن يَخلُص وأن يتوحد مع النيرفانا في حياة واحدة ولا يحتاج للمرور بكل الطبقات حتى يصل لطبقة البراهمن ثم يخلص بعدها.

لا يحتاج الإنسان في البوذية لكل ذلك، فهو بتطبيق تعاليم البوذية يمكن أن يخلص بأقل عدد من الولادات.

 وهذا الكلام جميل ظاهريًا.

لكنَّه في الواقع مجرد إلغاء صوري لفكرة الطبقية.

فالبوذية ما زالت تؤمن بنفس المقدمات التي انبنت عليها الطبقية وهي: تكرار الولادات وتأثر الإنسان بما ارتكب في حيوات سابقة.

فبالتالي ما تقدمه البوذية في الواقع ليس إلغاءًا للطبقية، وإنما فقط إمكان الخلاص سريعًا دون الحاجة لولادات جديدة يصل بها الإنسان لطبقة البراهمن التي يَخلُص بعدها، وإنما يمكنه الآن أن يخلص في حياة واحدة.

فما قدمته البوذية هو تحسين صوري للنتائج لكن المقدمات واحدة، فالفكرة التي تأسست عليها الطبقية في الهندوسية لا تزال موجودة بنفس الصورة في البوذية.

لقد كانت عقيدة الأنبياء جميعًا هي: أنَّ البشر يولدون أبرياء بلا ذنب.

وهذه هي العقيدة التي تتفق مع الفطرة وتصالحها، وتخاصم الظلم المبني على فكرة تكرار الولادات لأنه لا يوجد تكرار للولادات من الأساس.

فدين الأنبياء يسعى للارتقاء بالإنسان لأن الإنسان بالفعل ولد بريئًا، ودين الأنبياء يدعو لجعل الناس سواسية.

وقيمة الإنسان في الإسلام ليست في طبقته ولا في شكله ولا في حالته الصحية ولا في مستواه المادي وإنما قيمة الإنسان بقدر ما يقدم من أعمال صالحة وتقوى لربه.

والإسلام يدعو للارتقاء بالجميع ويدعو لتجاهل الأنساب والأحساب والطبقات، قال الله تعالى في القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [١٣] سورة الحجرات.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ».([10])

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم».([11])

فالأنساب والطبقات لا قيمة لها ولا وزن في الإسلام إلا بالتقوى.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى».([12])

وقال صلى الله عليه وسلم: «ابغوني الضُّعَفاءَ ، فإنما تُرزقون و تُنصَرون بضُعفائِكم».([13])

فانظر لهذه الصورة: «ابغوني الضُّعَفاءَ ، فإنما تُرزقون و تُنصَرون بضُعفائِكم»، وقارن بينها وبين الصورة التي ينظرها البوذيون والهندوس للضعفاء.

لقد جُبلت النفس البشرية على العاطفة نحو الفقراء والضعفاء والبسطاء والبُله من الناس، فمعاندة البوذية والهندوسية لهذه الفطرة والقول بتكرار الولادات وما ينبى عليها من عقوبات مشكلة حقيقية تعاند الفطرة.

العجيب أنَّ قوام الكتب المقدسة عند الهندوس على فكرة وجود الجنة والنار وبالتالي خطأ العقوبة عبر تكرار الولادات، ولكن للأسف مرةً أخرى ينحرف الهندوس عن دينهم الأول ويعتقدوا بفكرة تكرار الولادات وينقل البوذيون عنهم هذه الفكرة دون إعمال عقل.

تقول الريج فيدا وهي من كتب الهندوس المقدسة: "مكان غاية العمق بعيد قعره للمذنبين".([14])

فأين هذ المكان من فكرة تكرار الولادات؟

وهناك جنة للصالحين بمجرد صلاحهم.

جاء في الريج فيدا: "يا الله أنت تعطي الرجل الصالح أحسن الجزاء".([15])

وجاء فيها: "اجعلني خالدًا في المكان الذي توجد فيه جميع أنواع المتع والسرور، والذي يعطي فيه ما تشتهيه الأنفس".([16])

فهل هناك علاقة بين الميراث الهندوسي القديم وبين الفلسفات الهندوسية والبوذية التي ظهرت لاحقًا؟


 12- هل تنكر البوذية كل صور الغيب؟

البوذية التي قدمها بوذا تتجاهل الغيب بصورة كبيرة وتتجاهل الحديث عن الله أو المقدسات، لكن أسُس البوذية كلها أسس غيبية فتكرار الولادات قضية غيبية، وتأثير الأعمال السابقة في الولادة الجديدة قضية غيبية، والاستبصار والاستنارة التي حصلت لبوذا قضية غيبية، والثقة في الخاطر الذي جاء لحظة الاستنارة لبوذا قضية غيبية، والانطلاق للنيرفانا بعد الموت قضية غيبية.

فهذه كلها أمور غيبية مات عليها بوذا.

أضف إلى ذلك أن البوذية تؤمن بما يعرف ببوذاوات أخرى غير بوذا في السماء، وهم ثلاثة أنواع من البوذاوات.

فهناك مانوكي بوداس Manuchi Buddhas، وهم البوذاوات الذين جاؤوا قبل بوذا على شكل بشر وبعد أن أدوا واجبهم حققوا النيرفانا واختفوا فيها.

وهناك نوع ثانٍ من البوذاوات يسمى الدياني بوداس Dhiani Buddhas، وهم بوذاوات تعيش في السماء ولا ينزلون للأرض بل يقيمون في السماء ليسعفوا حاجات الناس.

ومن هؤلاء بوذا فيروكانا Vairocana بوذا الشمس.

وبوذا باهاسياجياجورو Bhasiajiaguru بوذا الشفاء.

وهناك بوذا أميتابا Amitabha بوذا الفردوس.

أما النوع الثالث من البوذاوات فهم بوداساتفاس Bodhisattvas، وهم بوذاوات في طريق النزول، أو بمعنى أدق بوذاوات المستقبل.

وتؤمن بوذية الثيرافادا بأن هناك بوذا مايتريا Maitreya سيأتي في آخر الزمان.

وتفترض بوذية الماهيانا أن هناك عدد لا حصر له من البوذاوات في المستقبل.

فهذا التصور عن بوذاوات السماء هو أيضًا قضية غيبية ولابد.

إن فلسفة البوذية التي تجمع بين الإيمان بوحدة الوجود المتطرفة التي هي أقرب ما تكون للإلحاد، وتؤمن في نفس الوقت ببوذاوات السماء والاتحاد بالمطلق لهي بهذا الشكل أقرب لأن تكون إلحاد روحي.

فهي ليس مشغولة بالخالق، ولكنها في نفس الوقت تؤمن بأمور غيبية، هذا التداخل في التصور البوذي يجعلها أقرب لأن نُطلق عليها ديانة: "الإلحاد الروحي".


 13- إذن كيف جاءت الاستنارة لبوذا إن لم تكن وحيًا إلهيًا؟

طريقة التأمل البوذية والتي هي بالتبعية مقتبسة من الهندوسية هي عبارة عن جلسات سكون تام، فهي ليست تأملاً بالمفهوم الإسلامي الذي يعني: تدُّبرا لمخلوقات الله وحِكمته، وليست للنظر في بديع صنعه وآلاء نعمه.

وإنما التأمل عند البوذيين هو نوع من السكون التام وتفريغ الذهن من أية شاردة أو واردة.

فهو سكون تام كسكون الموت يتم فيه إسكات العقل عن التفكير Silence your Mind.

وهذه الجلسات التأملية السكونية الغريبة التي مارسها بوذا تحت شجرة التين Bodhi Tree هي من نفس نوعية التأملات التي يمارسها الهندوس والتي أثَّرت على تفكيرهم وبدأت تأتيهم الهلاوس والتخيلات، وبدأت الشياطين تعبث في عقولهم.

وبعض الهندوس والبوذيين يظن بهذه الجلسات أنَّه قام بتحصيل معارف، وما جرى لهم ليس أكثر من هلوسات نتيجة خلل أيونات الدماغ مع عدم الأكل والسكون التام، فهذا السكون التام لساعات في وضعية معينة بدون طعام أو شراب، يؤدي مع الوقت بالفعل إلى خلل في أيونات الدماغ بسبب نقصان جلكوز الدم فتحصل إفرازات غير منضبطة من هرمون الإندورفين وتبدأ تحصل مشاعر هلوسة حقيقية.([17])

فما يراه النساك الهندوس وما رآه بوذا هو أقرب إلى الهلوسة أو التخدير الدماغي، وهذا بتقرير العلم الحديث، حيث أنَّه طبقًا للمركز الوطني الأمريكي لبحوث التقانة الحيوية، وهو موقع حكومي ويعد من أكبر المراجع البحثية الطبية في العالم، يقرر أن نقص الجلوكوز في الدم لفترات طويلة بهذه الصورة يؤدي إلى الهلوسة.([18])

قال الإمام الذهبي رحمه الله: "ثم العابد العري من العلم، متى زهد وتبتل وجاع، وترك اللحم والثمار، واقتصر على الدقة والكسرة، لازمته خطرات النفس وولج الشيطان في باطنه وخرج، فيعتقد أنه قد وصل، وخوطب وارتقى، فيتمكن منه الشيطان ويوسوس له".([19])

لذلك حذَّر الإسلام من التقشف بهذه الصورة والتشديد على النفس بهذا الشكل.

فهذا التشديد على النفس يؤدي لخلل التصورات وفساد الدين مع الوقت.

قال الله عز وجل في القرآن الكريم ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [٣٢] سورة الأعراف.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكم ؛ فيُشَدِّدَ اللهُ عليْكُمْ ، فإِنَّ قومًا شدَّدُوا على أنفُسِهم ، فشدَّدَ اللهُ عليهم فتلْكَ بقاياهم في الصوامِعِ والديارِ» ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [٢٧] سورة الحديد.([20])

فهذا التشدد ولَّد هلوسات أفرزت هذه الصورة من صورة الاستنارة التي جاءت إلى بوذا.

فاستنارة بوذا هلوسة عقلية.

فبوذا لم يكن أكثر من درويش جاهل يعيش في الخرِبات على بقايا طعام الناس، فما رآه ليس أكثر من هلوسة عقلية وأوهام ومحتوى ما رآه من الحقائق الأربعة والشعب الثمانية ليسوا بهذا المستوى من الإبهار، فكل أحد يعرف أنَّ طمأنينة النفس هي في البعد عن الشهوات المحرمة.

فتَصوُّر بوذا أن تحصيل هذه المعرفة هو استنارة واستبصار هو نوع من الهلوسة.

وكذلك تصور وحدة الوجود وتكرار الولادات والاتحاد بالمطلق عند نساك الهندوس والتي نقلها منهم البوذيون هي أيضًا كلها خواطر ناتجة عن هلوسات واضطرابات عقلية.

وهل كان بوذا إلا شابًا مترفًا ثم انتقل فجأةً للتنسك والتقشف والتسول مع رهبان الهندوس؟

فما هي معرفة هذا الشاب في الحياة أو المعاني أو الفهم والبحث؟

فهو مجرد درويش ساذج عبث الشيطان بعقله.

ولو نظرنا في المقابل إلى المعجزات الحقيقية التي يؤيد الله بها أنبيائه، فالمعجزات تحدث فجأةً للنبي ودون إعدادٍ مسبق، ويراها الناس ويشهدونها بأم أعينهم، ولا يمكن للبشر أن يأتوا بمثلها!

وهذا هو الفرق بين أخبار الأنبياء وأخبار الرائين مِن نُساك الهندوس والبوذيين.

فالتأمل السكوني الطويل والجوع الشديد الذي مارسه بوذا هذا أدعى لتوصيف حالته بأنها هلوسة، ويعترف بهذا أحد أشهر مؤسسي مدارس التأمل السكوني في العالم ميكاو أوسوي Mikao Usui.

حيث قرّر أنه بدأ يفقد وعيه ويصاب بالهلوسة بعد ساعات طويلة من الجوع والحرمان، وفي هذه اللحظة بدأت تأتيه الخواطر.([21])

وقد أكدَّ عالم الأمراض النفسية دونوفان راكليف Donovan Rawcliffe في بحث مستقل أن الخواطر التي تأتي نتيجةً لهذه الممارسات لا فرق بينها وبين الوهم المرضي الناشيء عن هلوسة.([22])

أضف إلى ما سبق أنَّ أغلب جلسات اليوجا التي تمارسها البوذية هي جلسات معيبة صحيًا، وطول التعود عليها يؤدي إلى الارتباك والتشوش وفقدان الإحساس بالمكان والزمان، وهذا يضعف الذاكرة ويُعجل بالزهايمر.([23])

لقد دعا الإسلام إلى التفكر والتدبر والتأمل في مخلوقات الله، وهو تفكر وتدبر وتأمل يؤدي إلى عمل وطاعة وشكر لله واجتهاد في الحياة، وليس سكون وإسكات للعقل يعقبه سكون.

فالتفكر الحق هو الذي يؤدي إلى الطاعة والإنابة لله ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [١٩١] سورة آل عمران.

فهذا هو التفكر الذي أتى به الإسلام وهو الذي يتوافق مع طبيعة الفطرة الإنسانية وهو التفكر الذي يعين الإنسان على شكر نِعم الله المحيطة به والنظر في هذه النعم.

بينما جلسات السكون التام في البوذية والهندوسية هي مرابض شيطان، حيث تمد الشياطين هؤلاء النساك المتسولين ببعض المدد والرؤى والمكاشفات أثناء جلسات التأمل السكوني فتأتيهم الخواطر بفكرة الولادات المتكررة والخواطر بفكرة وحدة الوجود والخواطر بفكرة بواذوات السماء، فيُلقي النساك إلى أوليائهم بهذه الخواطر والتعاليم فيَضلوا ويُضلوا.


 14- ما العيب في الانقطاع في الخرِبات كما يحصل في البوذية؟

البوذية تحارب الغريزة والشهوة ليس من باب تهذيبها كما شريعة الإسلام ولكن من باب إحراق الجسد، فالبوذية تَجُر الإِنسان جرًا إلى الرهبانية وترك الدنيا.

حيث تنظر البوذية إلى أنَّ نسيان الغريزة يكون بنسيان الجسد.

فيذهب البوذي إلى الخَرِبات ليتعفن فيها جسده، ويقضي بقية عمره مُتسولاً حتى يموت.

وهذا خلل كارثي يُدمر الإنسان والأسرة والمجتمع.

فالغريزة والشهوة منحة إلهية لتكوين أسرة وتأسيس مجتمع وللسعي والكد وبناء حياة.

والغريزة تُعالَج بتهذيبها ووضعها في مجاريها الطبيعية، لا بأن نُحرق الجسد.

فمَن هذا الذي قال أن غاية وجودنا تكمن في أن: نتسول وجبة طعام، ثم نقضي بقية اليوم في الخربات إلى أن نموت؟

منذ أن قرَّر بوذا أن يترك قصر أبيه وإلى أن مات، عاش حياة المتسولين ككافة نساك الهندوس فكان يدور بإناء في يده كل يوم صباحًا ويوضع له الطعام من المحسنين في الإناء ثم يقضي بقية يومه في الخرِبات.

هذه كانت حياة بوذا إلى أن مات.

مَن قال أننا جئنا إلى هذا العالم من أجل أن نرتدي قطعة قماش رديئة ثم ننزوي عن العالم إلى أن يأتي الموت؟

إن أدنى الحشرات أوعى منّا لمهمة الوجود وعمارة الأرض وإصلاح الحياة، فأنت تجد أسراب النحل تعمل في جهد ونظام لخيرها وخير أولادها، وتجد الباكتريا الدقيقة تنتظم في الأمعاء لتُفيد وتستفيد.

والحياة ككل تسير بنواميس وعمل.

إن البوذية تدعو للرهبنة التقشفية والبطالة والتقاعس والتسول، لقد صار التسول في البوذية منهج حياة.

وبوذا نفسه كما قلت كان متسولاً.

وقد ترك بوذا زوجته وولده وذهب لهذه الحياة المنعزلة عن العالم.

ولم يلق زوجته بعد ذلك إلا مرة واحدة قبل موتها.

والسؤال هنا: ما معنى أن يعتزل البوذي الناس، وأن يتوطن في رؤوس الجبال والمواضع البعيدة عن العمران، ما هي الفائدة التي ستعود على الناس من ذلك؟

إن الدين الحق وطريقة الحياة الصحيحة هي طريقة جد ونصيحة ومخالطة للناس وإصلاحٌ لهم وصبر على أذاهم، وليست تفلتًا منهم في الوديان والصحاري!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المسلِمُ إذا كانَ مخالطًا النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ منَ المسلمِ الَّذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم».([24])

وكذلك من أصول الرهبنة البوذية أن الراهب البوذي ينام قليلاً ولا يعمل ولا يجتهد في شيء ولا يجمع شيئًا ولا يؤسس بيتًا ولا يزرع ولا يصنع، ولا يأكل إلا وجبة واحدة في اليوم قبل الثانية عشرة ظهرًا؛ فالراهب البوذي يستيقظ مبكرًا وفي يده إناء صغير يقف به أمام البيوت متسولاً إلى أن يأتي أحد الأشخاص ويقوم بوضع طعام في إناءه، ثم يعود إلى صومعته فيأكل ذلك الطعام ويجلس بقية يومه متأملاً!

هذه هي حياة الراهب البوذي!

فالرهبنة البوذية تحولت إلى دين شحاذين وتسول وترك العمل والزوجة والأولاد وهذا ليس من شيم العقلاء ولا غاية وجود ولا عدل مع موجود، وليس فيه إلا تضييع حق من تعول.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كفى بالمرءِ إثمًا أن يضيِّعَ مَنْ يقوتُ».([25])

إن هذه الرهبنة أضاعت حقوق الناس وحقوق المجتمع، وحقوق البوذي نفسه باعتباره إنسانًا له متطلبات مثل الطعام والزواج وما أحل الله ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [٢٧] سورة الحديد.

فالرهبنة البوذية توقع في الشدة، وتضيع بعض ما وَجَب؛ وهذا ما وقع في النموذج البوذي بتمامه فهلكوا وأضاعوا وضيعوا حقوقهم وحقوق الناس.


 15- كيف نحقق الارتقاء ومقاومة الشهوات إذا لم يكن عبر الانقطاع؟

تجاوز الأنا وتجاوز أسر الشهوات لا يكون بإحراق الجسد كما قلنا وإنما بوضع الشهوة في مجاريها الصحيحة الطيبة الطاهرة.

وعَقَبَة الشهوة يمكن تجاوزها بسهولة دون هذا التأمل البوذي الحارق والتقشف الخانق، فمجرد العمل الصالح ومخالطة الناس والصبر على أذاهم وإعانتهم في الخير وطاعة الله وإنفاق المال في سبيل الله لهو اقتحام لعقبة أسر الشهوات، قال الله تعالى ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [١١] وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ [١٢] فَكُّ رَقَبَةٍ [١٣] أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [١٤] يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [١٥] أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [١٦] ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [١٧] أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [١٨]﴾ سورة البلد.

فحضور الهرب من الشهوة حضور قوي في القرآن الكريم، لكنه حضور يصلح لبناء مجتمع وتأسيس أسرة من دون تفويت حق.

فالحمد لله على نعمة الإسلام!


 16- إذا كانت البوذية لا تؤمن بالروح فكيف تؤمن بتكرار الولادات؟

تؤمن البوذية في مقابل الروح بنوع من الحالة الإدراكية العقلية التي تنتقل بعد الموت.

فالبوذية تضخم القدارت العقلية بصورة غير طبيعية، إذ تجعل للقدرات العقلية مجالاً في تغيير حتى الواقع المادي من حولنا.

ويستطيع الإنسان بمجرد التركيز العقلي المجرد أن يغير من أقداره ومن مستقبله بل ومن مستقبل العالم، هكذا يتخيلون.

فأنت تجلس وتقوم بالتركيز الذهني على الحصول على ثروة فتأتيك هذه الثروة.

وبناءًا على هذه الفلسفة المجنونة ظهر ما يُعرف بقانون الجذب.

فقانون الجذب يعني أن تضبط ذبذبتك بتركيزك العقلي على ذبذبة ما تريد من الكون من حولك فيأتيك –بزعمهم-.

تطلب ما تريد من الكون، والكون يُلبي طلبك!

وهذا الهراء العجيب أصله في البوذية وانتقل للأسف لفلسفات مختلفة حول العالم تحت مسمى قانون الجذب.

والعلم التجريبي ليس فيه هذا الهراء المسمى بـ"قانون الجذب"، يكفي أن الباحث المتخصص في فضح العلوم الزائفة "مايكل شيرمر" كتب بحثًا مطولاً في مجلة "الأمريكي العلمي" Scientific American ينعي فيه هذه السخافة المسماة "قانون الجذب" وينعي دعاتها بشدة فهم أقرب للمخابيل.([26])

والغريب أنَّ بعض الأشخاص يروجون لقانون الجذب بدعوى أنَّه قضية علمية وأن الموضوع يخضع للفيزياء، وهذا من أكبر الدجل الذي ما سمعنا به من قبل، فقانون الجذب وضبط الذبذبة لا علاقة لهما بكل قوانين الفيزياء التي عرفها البشر عبر كل عصورهم.

بل إنَّ الفيزياء دائما تشرح عكس قانون الجذب تمامًا، ففي الفيزياء حين تهتز المادة فإنها لا يمكن أن تهتز إلا وفق ترددات محددة تعتمد على كتلة ومرونة الجسم، وليس لك أن تزيد الاهتزاز أو تنقصه إلا وفق قوانين فيزيائية مثل أن: تُغير من كتلة المادة.

وهذه الاهتزازات التي تقوم بها المادة ليس لها خاصية الجذب أصلاً.

فلا يوجد ما يُعرف بالجذب من خلال الذبذبة كما تفترض البوذية فهذا دجل فيزيائي.

بل والمادة عند درجة الصفر المطلق لا تهتز بأي صورة لأن طاقة حركتها عند الصفر المطلق تكون مساوية للصفر.

ثم إنَّ افتراض كون الإنسان يقدر على جذب شيء فهذا افتراض كاذب، لأن جسم الإنسان ليست له كتلة معتبرة تستطيع جذب أي شيء أصلاً.

والأعجب من ذلك أن شحنة الإنسان الكلية متعادلة، فلا هو يجذب شيئًا ولا يطرد.

إذًا الدجل المسمى ب"قانون الجذب" هو محض كذب علمي وهراء على أعلى مستوى.

فلا الذبذبات والاهتزازات لها خاصية الجذب ولا الطاقة من خواصها الجذب، ولا كتلة الإنسان تسمح بأن يكون له خاصية جذب، وفوق ذلك فشحنة الإنسان الكهربية متعادلة فلا هو يجذب ولا يطرد.

وأما كون النية والتفكير والتركيز الشعوري تؤثر في العالم المادي كما تفترض البوذية فهذا أيضًا من هلاوس النساك وتخيلاتهم التي كانت تأتيهم من عبث الشيطان بعقولهم، ففي واحدة من الأبحاث العلمية لتأثير النية والتركيز الشعوري على العالم من حولنا، أجرى علماء من جامعة كورنِل الشهيرة Cornell University تجربة على ارتباط النية والتفكير والتركيز الشعوري بإحداث تغيرات مادية، وتَبين أن هذه الفكرة محض وهم.([27])

وقد صنّفت مجلة "لايف ساينس العلمية" قانون الجذب كأحد العلوم الزائفة المنتشرة في الثقافة الشعبية.([28])

والمضحك أنهم يسمونه قانونًا مع عدم إمكانية إثباته ولا نقضه تجريبياً، فهو لا علاقة له بأركان وشروط القانون علمياً، لكن لابد من المصطلحات العلمية حتى يَدخلوا على البسطاء.

﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ [23] سورة النجم.


 17- كيف ارتبطت علوم العلاج بالطاقة بالبوذية؟

أدخلت البوذية وخاصةً بوذية الماهيانا الكثير من الرموز والحركات والطقوس والممارسات حتى يصل الإنسان إلى الخلاص سريعًا.

ونشأت حياة كاملة وفقًا لفلسفة البوذية.

ونشأت مدارس العلاج بالطاقة.

والعلاج بالأحجار الكريمة.

والعلاج بالألوان.

والعلاج بالأشكال الهندسية.

وكل هذه المدارس تقوم على فكرة وجود طاقة كونية يريد المتأمل البوذي أن يُدخلها إلى بدنه، فيبدأ في استخدام هذه الرموز والأشكال والألوان في إدخال الطاقة الكونية فظهرت جملة من التمائم والأصنام وانتشرت حتى بين غير البوذيين بدعوى العلاج بالطاقة وهذه كلها أوهام وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان.

والمدهش أن العلاج بالطاقة في الفلسفة البوذية لا يوجد لهذه الطاقة التي يتم العلاج بها أي تعريف فيزيائي، فهي ليست الطاقة الكهرومغناطيسية ولا طاقة الجاذبية ولا غير ذلك من مفاهيم الطاقة في الفيزياء، فهي لفظة دينية عند البوذيين، فهي ليست توصيفًا لشيء علمي مادي يمكن اختباره أو تناوله أو التعامل معه.

ولذلك تسمى الطاقة غير الفيزيائية Subtle non-physical Energy.                                                               

وقد تم تصنيف الطاقة الكونية باعتبارها علمًا زائفًا.([29])

فليس لعلوم العلاج بالطاقة والعلاج بالألوان والعلاج بالأحجار الكريمة والعلاج بالبندولات والعلاج بالأشكال الهندسية أي وجود علمي وإنما تخيلات وهمية قفزت إلى ذهن أحد نساك الهندوس في جلسة تأملية.([30])

والعجيب أنَّ كتب الهندوس القديمة قبل أن ينحرف الهندوس وينقل عنهم بالتبعية البوذيون كانت تقرر أنَّ التعلق بغير الله يؤدي للشرك، تقول البهاغافاد غيتا Bhagavad Gītā भगवद्गीता: "الذين يعبدون الآلهة ينالون الآلهة، والذين يعبدون الأسلاف ينالون الأسلاف، والذين يعبدون الشيطان ينالون الشيطان، والذين يعبدونني يجدونني".([31])

فكل من يتعلق بغير الله من هذه الطلسمات فهو عابد لغير الله.

ومصيره طبقًا للفيدا الخلود في النار، تقول اليجر فيدا: "الذي يعبد من دون الله الأشياء المصنوعة، فهو يغرق في الظلمات ويذوق عذاب النار أحقابًا".([32])

قال ربنا سبحانه ﴿بَل لِّلَّـهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [٣١] سورة الرعد.

للأسف انحرف الهندوس عن بقايا الحق التي في كتبهم وانحرف تبعًا لهم البوذيون.


 18- مِم يتشكل جسم الإنسان في البوذية؟

ما زال البوذيون يعتقدون أن جسم الإنسان يتشكل من أربعة عناصر وهي التراب والماء والهواء والنار.([33])

والعجيب أن معابد البوذية إلى اليوم –مثل معبد وات بو البوذي في تايلاند- تقوم بالتدليك لضبط هذه العناصر الأربعة.

تخيل!

أيضًا من عجيب أوهام البوذية أنهم يتخيلون أن مركز الطاقة في جسم الإنسان ومصدر القوة يوجد بالقرب من السرة، ولذلك تجد في ألعاب القوى المأخوذة عن البوذية يضع أحدهم يديه بجوار سرته قبل بداية المباراة.([34])

وهم يتجاهلون بذلك كل علوم التشريح الحديثة، فما خلف السرة وجانبيها إلا المصارين، ولا يوجد شيء في الجسد يسمى مركز قوة، فالقوة ليست أكثر من نشاط عضلي مرتبط بمعدلات استهلاك الطاقة وقوة ونشاط العضلة!


 19- هل يمكن اعتبار اليوجا... نوع من هذه الممارسات التأملية الوثنية البوذية؟

نعم اليوجا في أصلها هي تطبيق من تطبيقات التأملات البوذية والهندوسية الوثنية.

فاليوجا تقوم على التأمل السكوني الطويل، وتهدف إلى التوحد مع المطلق.

ومن يزعم أن اليوجا مفيدة صحيا فهذا خطأ، لأن أغلب طرق جلسة اليوجا معيبة صحيا وتسبب الخمول والذهول.

وطول التعود عليها يؤدي إلى الارتباك والتشوش وفقدان الإحساس بالمكان والزمان، وهذا يضعف الذاكرة ويعجل بالزهايمر.([35])

فاليوجا فلسفة وليست مجرد رياضة.([36])

ولهذه الفلسفة ارتباط كامل بمفهوم الطاقة الكونية عند البوذيين وطاويين، كما يقرر ذلك قاموس أوكسفورد.([37])

وقد حاولت مؤسسات علمية تمحيص اليوجا والاستفادة منها عبر سنوات من البحث، وكانت النتيجة أن اليوجا ليست لها أية أهمية رياضية، وتم مؤخًرا في 1 ديسمبر 2016 تصنيف اليوجا ضمن الميراث الشعبي لشرق آسيا وفقا لليونسكو.([38])

مَن أراد أن يجلس ليستريح ويُهديء ذهنه، أو أن يمارس رياضة فلا بأس، لكن لا يُقلد ممارسات وثنية سخيفة!


 20- ما تفسير قدرات بعض هؤلاء التي يكتسبون الطاقة الكونية، مثل القدرة على السير على الجمر؟

بعض ممارسي الطقوس الوثنية الهندوسية والبوذية يفعلون أمورًا غريبة مثل السير على الجمر، ومثل إدخال الرمح في أجسامهم دون أن ينزف لهم دم، وتفسير ذلك قد يرجع إلى أحد أمرين:

الأمر الأول: نوع من الخدع والحيل، وهذا قديم مشهور، وفي زمن شيخ الإسلام ابن تيمية كانت تفعل الفرقة البطائحية الخوارق وكانوا يدخلون النار ولا تؤذيهم، فتصدى لهم شيخ الإسلام وأبطل مكرهم و حيلهم.

فقد كانوا يستعملون في ذلك باطن قشر النارنج ودهان الضفادع وحجر الطلق للولوج في النار.

فطلب منهم شيخ الإسلام أن يدخل معهم النار بعد غسل أجسامهم بالخل والماء الحار لإبطال مفعول الدهانات العازلة، فرفضوا فحجهم شيخ الإسلام و انكشف خبثهم ومكرهم وشعوذتهم على الناس.

وجمر الفحم الذي يسير عليه بعض هؤلاء السحرة الجدد من دعاة العلاج بالطاقة هو موصل رديء للحرارة، أضف إلى ذلك أن السير السريع عليه لا يؤذي كثيرًا.

فباب الخدع والحيل عند هؤلاء شهير، والناس يصدقون بسرعة، وقد ظل يوري غيلر Uri Geller يدعي أنه يمتلك قدرات وملكات نفسية تمكنه من لي المعادن بمجرد التركيز عليها، وظل على هذه الدعوى 30 عامًا إلى أن اعترف مؤخرًا أنه مجرد مقدم عروض للتسلية.([39])

الأمر الثاني: والذي ينطبق على الأشد من هؤلاء خطورة وهم السحرة الحقيقيون، مثل ممارسي السحر الأسود من بوذيي التبت وبوذيي الأرض الطاهرة.

وفي هذا النوع من السحر يضلون الناس ويفسدون عقائدهم، وهنا تبدأ تظهر الأحوال الشيطانية على ممارسي هذه الرياضات الروحية.

وبوذيوا التبت وبوذيوا الأرض الطاهرة من أشهر ممارسي السحر ويقومون بخلطه بكثير من الممارسات الجنسية وعرض الحروف والأصوات، ويزعمون أن هذه طرق للخلاص السريع من تكرار الولادات.

وقد نشرت إحدى المراكز الأمريكية ورقة بحثية بعنوان: «فهم الإرتقاء الروحي عند البوذيين والتعامل مع الأعراض والآثار الجانبية».([40])

وكانت الأعراض التي ناقشتها الورقة مطابقة للمس الشيطاني من كل وجه.([41])

فالحركات الغريبة والممارسات العجيبة التي يقوم بها البوذيون قد تكون من باب الحيل وقد تكون سحراً حقيقيًا.


 21- ما معنى الماكروبيوتك؟

الماكروبيوتك هي فلسفة تتداخل فيها بوذية الزن والتي هي إحدى فرق البوذية والتي توجد في اليابان بالطاوية.

هدف فلسفة الماكروبيوتك تحقيق توازن بين الين واليانج –السالب والموجب- وهي كلها مصطلحات وهمية لا علاقة لها بعلم ولا شرع ولا عقل.

طبقًا لبوذية الزن: يجب على الإنسان السوي أن يوازن بين الين واليانج عن طريق تناول أطعمة تحقق هذا التوازن، وعن طريق التأمل والتنفس البطيء.

وفي الماكروبيوتك عليك أن تملأ بيتك بالتمائم والألوان الخاصة بهذه الفلسفة والأحجار الكريمة بدعوى قدرتها على العلاج.

ويفضل وضع أسدي المعبد للحماية وضفدعًا ذو أرجل ثلاثة للثروة، وأشكالاً هندسية تجلب طاقة إيجابية، وشكلاً هرميًا تجلس داخله لبعض الوقت.

بهذه الممارسات تحقق الماكروبيوتك.

فالبيت الذي يؤمن بالماكروبيوتك تجده مليئا بالتمائم والطلسمات والوثنيات. فموضوع الماكروبيوتك هو كومة من الوثنيات والتمائم المستمدة من البوذية والطاوية.


 22- ما هي قصة ستيف جوبز مع الماكروبيوتك؟

ستيف جوبز Steve Jobs المدير السابق لشركة أبل العملاقة للإلكترونيات Apple Inc.، اعتنق البوذية وعندما أصيب بسرطان البنكرياس قرر تطبيق الممارسات البوذية كالتأمل والعلاج بالطاقة والماكروبيوتك.

ورفض ستيف جوبز إجراء العملية الجراحية المقررة لحالته، وبدأ في المقابل بتطبيق حمية الماكروبيوتك الغذائية حتى يضبط الين واليانج، وكانت المفاجأة فقد استشرى المرض في جسده بصورة مذهلة أدهشت الأطباء أنفسهم إلى الحد الذي دعا بعضهم إلى اعتبار أن الماكروبيوتك تسبب في انتشار السرطان.

فقد كان سرطان ستيف جوبز مصنفًا ضمن السرطانات بطيئة الانتشار، لكن مع تطبيق حمية الماكروبيوتك الغذائية وضبط الين واليانج وكل هذه الخرافات بدأ جسده في الذبول من قسوة تلك الممارسات، واستشرى السرطان بسرعة كبيرة ومات خلال شهور قليلة.

لقد كان ستيف جوبز مثالاً ناطقًا على فشل وكذب هذه الممارسات.([42])


 23- لماذا خلق الله الشر؟ أو بمعنى آخر: كيف يَرُد المسلم على «معضلة الشر»؟

ج: فتنة الشر والألم هي تقريبًا أكبر مشكلة في البوذية، وفلسفة البوذية تقوم على أن الإنسان يعيش في الخربات حتى يتخلص من الشر، وتعتبر البوذية أن تكرار الولادات هو بسبب الشر الذي ارتكبه الإنسان في حياة سابقة.

وهذا كله خطأ، فالشر موجود في العالم ببساطة: لأننا مُكلفون.

لأننا في عالم اختباري.

قال ربنا سبحانه ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [٣٥] سورة الأنبياء.

فالخير والشر لأنك مكلف، والتكليف هو غاية وجودك.

قال الله تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [٢] سورة الملك.

فطالما أننا مكلفون إذن من الطبيعي أن يكون هناك فتن وبلاء وذنوب ومن الطبيعي أن نستوعب الشر.

فالشر وبعض الألم والقدرة على ارتكاب المعصية هو المقتضى الطبيعي والنتيجة البديهية لحرية الإرادة والتكليف الإلهي.

ووجود الشر والبلاء والمصائب والشهوات هؤلاء يُخرجون أفضل ما في الإنسان الصالح وأسوأ ما في الإنسان الفاسد.

وبجانب الشر هناك خير عظيم يتجاهله البوذيون.

فنحن نعيش في خير لا يحصى.

ونِعم لا تُحصى.

والشر بسيط ويسير بجوار الخير الكبير الذي نحيا فيه.

ولو لم يكن هناك شر في العالم لما خَرجْتَ من المكان الذي وُلدت فيه!

ولما وُجدت حضارة ولا بُنيت مدن ولا مصانع ولا بيوت ولا احتاج الناس إلى عمل، ولا فَكَّر الناس في مقاومة مرض أو حل مشكلة أو اختراع فكرة لجلب الراحة!

ولما احتاج الإنسان أن ينتقل من مكان ولادته أصلاً.

إذ لا شر ولا عناء ولا بلاء ولا تعب ولا مشاكل تبحث لها عن حلول!

فلماذا التعب والسهر والتفكير والعمل؟

فالشر هو الضرورة التي لابد منها في الدنيا!

فتدبر!

وكثير من الناس ينزل بهم البلاء والشر فيعودون إلى الله ويصبحون من الصالحين فسبحان الله العظيم وبحمده.

فكل أقدار الله فيها حكمة وخير وإن بدا في بعضها شر أو ضيق أو أذى ظاهريًا، لكنها في الأخير تكتنف على خير عظيم وحكمة إلهية بالغة.

فالشر لأنك مكلف وليس لأنك ارتكبت آثامًا في حياة سابقة.

والنجاة بتقوى الله وليس بالتأمل السكوني والعيش متسولاً إلى أن تموت.


 24- لماذا يرفض الإسلام البوذية؟

البوذية هي فلسفة نشأت كخاطرة في عقل أحد النساك بعد جلسة طويلة من التقشف والجوع الشديدين.

وهي نظام يحتوي من الكفريات والمخالفات العقلية والمنطقية والعلمية والطلسمات على الشيء الكثير.

وهي فلسفة يمكن تسميتها بالإلحاد الروحي.

فكيف يُتعبد لله بشيء مشوَّش كهذا ما أنزل به من سلطان؟

وكيف يُتخذ هذا الخليط المشوش من التصورات غاية في الحياة؟

فالبوذية صارت ديانة الإلحاد والشركيات والوثنية في آنٍ واحد.

أيضًا البوذية تقول بـ: وحدة الوجود.

والبوذية تقول بـ: أزلية العالم أو أزلية مادة العالم.

وتقول بـ: بتكرار الولادات.

وتقول بـ: العناصر الأربعة والعلاج بالطاقة وتأثير قانون الجذب والماكروبيوتك وما يتبعهم من طلسمات وتمائم وتعلق بغير الله.

لكل هذا فالإسلام يرفض البوذية، فهي خالفت تعاليم الأنبياء وتركت التوحيد.

والإسلام يدعو كل بوذي للعودة لله من خلال الإسلام، فلن تكون هناك نجاة عند الله بغير ذلك.

قال الله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ [١٩] سورة آل عمران.

وقال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [٨٥] سورة آل عمران.

وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [٣] سورة المائدة.

فلا نجاة للبوذي ولا لأي إنسان إلا بهذا الدين... الإسلام.

فالإسلام ليس دينًا على الأرض ضمن الأديان، بل هو الدين التوحيدي الأوحد الذي بعث الله به جميع الأنبياء، فجميع الأنبياء أتوا بدعوة الناس للتوحيد ولم يبق على هذا التوحيد النقي اليوم سوى الإسلام، بينما بقية الديانات صار فيها من التحريف والشرك نصيب قلَّ أو كَثُر.

فالإسلام هو عبادة الله وحده دون كل ما سواه، وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، والإيمان بكل ما أخبر به مما كان وما يكون، والتبرؤ من كل الأفكار الفاسدة والطلسمات والوثنيات والإلحاد.

قال الله سبحانه: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ ‌رَبِّ ‌الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [١٨2] ﴾ سورة الصافات.

سلام على المرسلين الذين يُعرفون الناس بربهم، وينزهونه عن كل نقيصة.

فلم يبق على الأرض سوى وثنيات مشوشة وشركيات وطلسمات خرافية وإلحاد، ولم يبق على التوحيد النقي النزيه الطاهر ولم يبق على تقديس الله حق التقديس سوى الإسلام.

﴿قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ [١] اللَّـهُ الصَّمَدُ [٢] لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [٣] وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [٤]﴾ سورة الإخلاص.

فالبوذية ديانة شركية كفرية لا خلاف في ذلك بين أهل الإسلام.([43])

والبوذية جمعت بين الإلحاد والوثنية والطلسمات والخرافات بصورة غير مسبوقة في تاريخ الكفر البشري.

فهي تقرر وحدة الوجود الإلحادية.

وتقرر خرافة تكرار الولادات.

وتقرر وثنية الطلسمات.

تقرر كثير من الشركيات والإلحاد في نفس الوقت.

وللأسف هناك مئات الملايين من البوذيين حول العالم، ومن المفترض أن يشكل هؤلاء هدفًا كبيرًا للدعوة للإسلام، ويجب أن يحرص البوذيون بأنفسهم على النجاة من هذا المذهب الذي هم عليه بالبحث عن الحق الذي في الإسلام، فالبوذية ديانة خالية الوفاض فيجب على كل بوذي أن ينتبه لحاله قبل أن يأتي يوم القيامة فيندم حين لا ينفع الندم.

إنَّ البوذية التي عليها البوذيون:

لا تملك جواب سؤال وجودي واحد.

لا تعرف تفسيرًا واحدًا للمسائل الكونية الكبرى مثل:

ما مصدر الكائنات الحية؟

ومِن أين أتى العالم؟

وما مصدر النيرفانا؟

وكيف تشكلت النيرفانا؟

ومَن الذي شكَّل النيرفانا؟

ومَن الذي وضع قانون تكرار الولادات؟

ثم كيف نعلم أن بوذا كان مُحقًا في التوجيه بالتخلص من تكرار الولادات بالتأمل والتقشف؟

وكيف علم البوذيون ببوذاوات المستقبل؟

وما الذي أدرى بوذا أنه ذاهب للنيرفانا؟

من أي سلطان تُستمد كل هذه المعارف؟

﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ [١٤٨] سورة الأنعام.

كل فروض البوذية وتخميناتها مجرد تخريص ورجم بالغيب وأوهام لمجموعة من الدراويش المتسولين الجهلة.

من أجل كل ما سبق أصبحت مهمة دعوة البوذي للإسلام قضية مهمة، لأنه لا نجاة له إلا بالإسلام.

والكثير من البوذيين حول العالم يتخذون البوذية كفلسفة وليس كديانة بسبب هذه الإشكالات الكبرى، خاصةً الذين درسوا منهم مقدمات العلوم المادية المعاصرة.

فهم يتبنون البوذية كطريقة للعيش الهاديء، وهؤلاء يجب أن يبحثوا عن نجاة أنفسهم ويجب أيضًا على المسلمين أن تكون لهم مشاريع دعوية تجاه البوذيين.

فالبوذية منهج هش؛ لا يحتاج في نقده ونقضه إلا بعض المعرفة والضبط العقلي والأسس العلمية اليسيرة.

فدعوة البوذيين مشروع عظيم، وعلى كل بوذي أن يحرص على نجاة نفسه قبل أن يأتي يوم لا ينفعه فيه تنسكه ولا دروشته ولا تأملاته السكونية، وهو ذلك اليوم المسمى يوم القيامة حيث يجمع الله الإنس والجن للحساب على ما قدموا وهل أسلموا لله أم اتبعوا تخريفات دراويش عبث الشيطان بعقولهم.


 25- كيف نعرف الله؟

ج: نعرف الله بطرق كثيرة جدًا لكن سنذكر هنا أربعة طرق:

الطريق الأول: نعرف الله عن طريق الفطرة السليمة.

 فالإنسان بفطرته يعلم أنَّ له خالقًا، فأنت بالفطرة تعرف أنَّ لك خالقا خلقك بهذه الهيئة وهذه الأعضاء وهذه الخِلقة وهذا الصنع والإتقان المدهش.

وأيضًا الإنسان بفطرته يعلم أنه مُطالب باللجوء إلى خالقه بالعبادة، ويعلم أيضًا بفطرته أنه مفتقرٌ لخالقه سبحانه ومحتاجٌ إليه في كل وقت، ويزداد هذا الشعور بالحاجة لله في الشدائد.

ففطرة معرفة الله فُطِر عليها كل البشر، قال الله تعالى ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [٣٠] سورة الروم.

وقال سبحانه ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ﴾ [١٧٢] سورة الأعراف.

فقبل أن نُخلق فُطِرنا على معرفة الله وفُطرنا على العبودية له سبحانه (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ».([44])

فكلنا نُولد على هذه الفطرة، وهذه الفطرة تكفي كل إنسان يريد الحق أن يستدل على الحق وأن يستسلم لهذا الحق متى تبين له.

وهذه الفطرة لا يستطيع أن ينكرها حتى أشد الناس كفرًا وخاصةً في الأوقات العصيبة، فالناس كلهم يلجأون لله في أوقات الشدائد وينسون ما يشركون ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا﴾ [٦٧] سورة الإسراء.

إذا كان الإنسان في كربٍ شديدٍ وشعر بالهلاك، فإنه لن يدعو إلا الله، وسينسى كل شركياته؛ وهذا الإخلاص لله في الدعاء وقت الشدائد دافعه الفطرة السليمة الموجودة بداخل كل إنسان.

يقول أحد رؤساء أمريكا -أيزنهاور- وكان قائدًا للقوات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية يقول بعد أن شاهد كيف أنَّ القوات تعود للفطرة وقت الخطر الشديد: "لا يوجد ملاحدة في الخنادق".([45])

ففي الخندق وقت الحرب لا يوجد منكرٌ لله، الكل يعود لله، فهذه حقيقة الفطرة التي يعترف بها كل البشر وقت الشدائد.

الطريق الثاني لمعرفة الله هو العقل: فنحن نعرف الله بالعقل.

قال الله تعالى ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [٣٥] سورة الطور.

بالعقل هناك ثلاثة احتمالات لا رابع لها:

 الأول: أن نكون خُلقنا من غير خالق (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) وهذا مستحيل، إذ كيف نُخلق من غير خالق؟

 الثاني: أن نكون خَلقنا أنفسنا (أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) وهذا محال أيضًا، إذ كيف أَخلق نفسي قبل أن أُخلق؟

إذن بالعقل يبقى الاحتمال الثالث وهو الذي سكتت عنه الآية الكريمة لأنه هو البديهة، وهو أنّ لنا خالقًا خلقنا.

فنحن نعرف الله بالعقل.

 الطريق الثالث لمعرفة الله هو النظر في مخلوقات الله:

فالنظر في خلق الله يضعنا أمام عظمة الله عز وجل ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [١٠١] سورة يونس.

فكلما نظرنا إلى دقيق خلق الله وعجيب الإتقان ازددنا معرفةً بالله.

وهذا ما ذكرناه سابقا في دليل الإيجاد ودليل العناية والإتقان.

 الطريق الرابع لمعرفة الله هو من خلال الرسل:

وهذا هو الطريق الأعظم لمعرفة الله عز وجل، وهو أن نعرف اللهَ من خلال رسلِه وأنبيائه، فالرسل أخبروا عن الله وأخبروا عن صفاته وأخبروا عن ذاته سبحانه، فمن خلال الأنبياء عرفنا الله بأسمائه وصفاته، وعرفنا كيف نعبد الله وكيف نتقرب إليه، وعرفنا كيف ننجو يوم الحساب من عذاب الله، فالرسل دعوا الناس لعبادة الله أو بمعنىً آخر: دعوا الناس للعودة لفطرهم التي فُطروا عليها وأن يَعبدوا الله كما أمر.

فالرسل أرشدوا الناس إلى طريق الحق والنجاة ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [١٦٥] سورة النساء.

فإخبار هؤلاء الأنبياء والرسل عن الله وتأييد الله لهم بالمعجزات، لا يجعل لأحدٍ حجة على الله يوم القيامة.

فالله عز وجل أعطاك الفطرة التي تعرف بها خالقك، وأعطاك العقل وأعطاك النظر في مخلوقاته وأرسل لك الرسل، فلم يبق لك عند الله حجة.


 26- كيف أعرف أنني مُطالَب بالإيمان بالله؟

ج: انظر لنفسك سوف تعلم أنك مختبر، أليس بداخلك شعور افعل الصواب ولا تفعل الخطأ؟

لو كانت أمامك أموال وصاحبها مشغولٌ عنها، فإنه يأتيك شعور خذ هذه الاموال واستفد منها، وشعور مقابل يقول لك: لا تفعل ذلك فهذا حرام وجريمة.

فأنت مختبر في كل موقف من حياتك.

فهذا الشعور –شعور افعل ولا تفعل- يوجد بداخلك لأنك بالفعل مختبر ولستَ همَلاً... لستَ شيئا هكذا بلا قيمة.

قال تعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [٣] سورة الإنسان.

فالإنسان بداخله افعل ولا تفعل: فهو إما شاكرًا وإما كَفُورًا في كل موقفٍ من حياته.

بل في كل خطوة من خطوات حياة الإنسان يمكن للإنسان أن يفعل الخير أو يفعل الشر، هل يذهب للمسجد أم يذهب ليلهو.

ولذلك قال الله عز وجل ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [٥٦] سورة الذاريات.

في كل خطوة تجد نوعًا من العبودية لله أو معصية له سبحانه.

فمن وُفق لفعل ما أمر الله به نجا، ومن عصى ما أمره الله به أخطأ.

وهذه الاختيارية يترتب عليها حساب الإنسان على كل ما فعل.

فغاية خَلْقنا أن نُمتحن وأن نُختبر، وهذه هي الغاية التي أرسل الله من أجلها الرسل وأنزل الكتب ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [٣٦] سورة النحل.

وبعد أن ينتهي الاختبار بالموت نعود إلى الله ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢٢] سورة يس.

﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ﴾ [٤٢] سورة النجم.

﴿إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ﴾ [٨] سورة العلق.

فنحن سنعود إلى الله لنُحاسَب على ما قدمنا ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ [٤٠] ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ [٤١]﴾ سورة النجم.

سوف يُرى ما قدمتَ من عمل وستُحاسب على ذلك ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [٧] وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [٨]﴾ سورة الزلزلة.


 27- ما هو الإسلام؟

ج: الإسلام هو: الاستسلام والخضوع والانقياد لله تعالى .

 قال جل شأنه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا  وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [١٢٥] سورة النساء.

ومعنى أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ: أي استسلم لله وانقاد له سبحانه تعالى وتقدس ربُّنا، وهذا أحسن الناس دينًا.

وقال تعالى ﴿فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [٣٤] سورة الحج.

ومعنى فَلَهُ أَسْلِمُوا أي: استسلموا لحكمه.

فهذه الآيات تفيد أنَّ معنى الإسلام هو الاستسلام المطلق لله تعالى، والانقياد له جلَّ في علاه، والامتثال لشرعه ومنهجه برضىً وقبول، وهذا هو جوهر الإسلام وحقيقته.

فالإسلام هي الاستسلام لله في قضائه وشرعه، والإسلام بهذا يدعوك لأن تجعل مرجعك هو كلام الله وليس تصورات البشر.

والإسلام هو دين الله لجميع البشر، قال تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ [١٩] سورة آل عمران.

فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الأديان ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [٨٥] سورة آل عمران.

والإسلام هو الدين الذي أرسل الله به جميع الأنبياء والرسل، فدين الأنبياء واحد وهو الإسلام، وكل الأنبياء أتوا بالتوحيد وإن اختلفت شرائعهم.

قال الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [٢٥] سورة الأنبياء.

ولم يبق على هذا التوحيد دين سوى الإسلام.

فالإسلام هو الدين التوحيدي الأوحد اليوم على الأرض.

بينما كل المنتسبين للشرائع الأخرى أصبح لهم من الشرك نصيبٌ قَلَّ أو كَثُر، فبعد موت الأنبياء وبعد أن تركوا الناس على التوحيد اتخذ الناس مع الوقت الشركيات، ولم يبق اليوم على التوحيد النقي الذي جاء به الأنبياء دين سوى الإسلام.

لذلك أعظم دليل على صحة الإسلام ينبغي أن يلتفت له البوذي هو رسالة هذا الدين التوحيدية النقية المتفقة مع فطرة كل إنسان مِنْ أنَّ خالق هذا العالم هو خالق واحد أوجد العالم وكلَّف البشر بكمال العبودية له، وبكمال العبودية ينجو الإنسان يوم القيامة من عذاب النار.


 28- هل في الإسلام جواب للأسئلة  التي حارت العقول في الإجابة عنها: مِن أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وإلى أين المصير؟

ج: الإسلام أجاب عن كل هذه الأسئلة في آيةٍ واحدة من القرآن الكريم، قال ربنا سبحانه ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢٢] سورة يس.

من أين جئت؟ الله خلقني (الَّذِي فَطَرَنِي).

وإلى أين أنا ذاهب؟ سوف أذهب إلى الله لأحاسب على عملي (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

لماذا جئت إلى هذا العالم؟ لعبادة الله ولأُختبر.

لماذا أعبد الله؟ من الطبيعي أن أعبد الله الذي فطرني، فهذه طبيعة العلاقة بين العبد وربه... أنْ يعبد العبد ربه وخالقه (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي).

آية واحدة جمعت جواب أهم ثلاثة أسئلة يحار فيها البشر ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢٢] سورة يس.


 29- كيف علمت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله؟

ج: تعدُّد البراهين على صحة الإسلام يفيد التواتر المعنوي واليقين التام.

فأرسطو فيلسوف بمجموع أعماله وليس بجملةٍ قالها أو تحليلٍ فلسفيٍ أجراه.

وأبوقراط طبيب بمجموع مشاريعه الطبية وليس بجراحةٍ قام بها.

وكذلك تعدد الحجج والبراهين المنقولة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تفيد التواتر المعنوي واليقين التام أنَّه نبي.

فإذا نظرت في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووجدته صادقًا وقد اشتهر بالصدق باعتراف أشد الناس له عداوةً، ولم يُرم بكذبٍ ولا فجورٍ، ثم هو يُخبِر بالمغيبات التي لا يمكن أن يعلم بها إلا عن طريق الوحي فتقع كما هي، وقبل ذلك تتفق عقيدته التي دعا لها من أول يوم مع عقيدة الأنبياء جميعًا، ثم هو الذي يُبشِر الأنبياء به وتبشر كتب الهندوس المقدسة بقدومه صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي بمئات السنين، فكل هذا يفيد التواتر المعنوي واليقين التام على صحة الرسالة.

ثم ماذا عن أعظم آية أتى بها وهي القرآن الكريم؟

القرآن الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهذا القرآن تحدى الله به أهل البيان، أن يأتوا بمثله أو بسورةٍ منه، فما فعلوا.

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [٣٨] سورة يونس.

وقال الله عز وجل في القرآن الكريم ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [٢٣] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [٢٤]﴾ سورة البقرة.

لاحظ قوله تعالى﴿لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا﴾ [٢٤] سورة البقرة.

فما فعلوا، ولا قَدروا.

ولم يزل القرآن الكريم يتحدى بلغاء المشركين وأهل الفصاحة، وهم في كل هذا عاجزون عن الإتيان بمثله ولو اجتمع بعضهم إلى بعض.

يقول د.عبد الله دراز رحمه الله: "ألم يكن يخشَ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا التحدي أن يثير حميتهم الأدبية؟

فيهبوا لمنافسته وهم جميعٌ حذرون؛ وماذا عساه يصنع لو أن جماعة من بلغائهم تعاقدوا على أن يُخرجوا كلامًا يساميَه ولو في بعض نواحيه!

ثم لو طوعت له نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره فكيف يصدره على الأجيال القادمة؟

إن هذه مغامرة لا يتقدم إليها رجلٌ يعرف قدر نفسه إلا وهو مالئٌ يديه من تصاريف القضاء، وخبر السماء، وهكذا رماها بين أظهر العالم، فكانت هي القضاء المبرم، فكل من عارضه باء بالعجز الواضح، والفشل الفاضح، على مر العصور والدهور".([46])

لقد رأى هؤلاء المشركون أن تجميع الجيوش وتحزيب الأحزاب لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهون وأيسر من معارضة القرآن وقبول التحدي، فهذا بالغ جهدهم ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَـٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [٢٦] سورة فصلت.

فلم يأت العرب جميعًا ولا الأمم التي نُقل لها التحدي بشيءٍ يستريح له الملاحدة ويريحون به غيرهم.

يقول الألوسي رحمه الله: "فلم ينطق أحد منهم إلى يومنا هذا ببنت شفه ولا أعرب عن موصوفٍ أو صفة".

قال جبير بن مطعم ولم يكن قد أسلم بعد: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هذِه الآيَةَ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [٣٥] أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [٣٦] أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [٣٧]﴾ سورة الطور.

قالَ: كَادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ".([47])

فالقرآن فيه أسرار عجيبة تصل للنفس الإنسانية.

تأمل كيف أنَّ نساء المشركين كن يزدحمن حول بيت أبي بكر حين يقرأ القرآن من فرط انجذابهن وتأثرهن به، حتى أفزع ذلك رجال قريش.([48])

ولذلك اجتمعت كلمة وفود العرب على ألا يسمعوا للقرآن ولا يُسمِعوه أهليهم، فهذا هو السبيل الوحيد للبقاء على الكفر.

ومن عجائب القرآن الكريم وعجائبه لا تنفد ما ذكره د. عبد الله دراز رحمه الله في قضية نزول آيات القرآن في أوقات متفاوته، ثم يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى وضع بعض الآيات في أماكن محددة بين السور وآيات آخرى بين سور أخرى، ثم تظهر في الأخير كل سورة كبناء مستقل، يقول رحمه الله: "في وقت نزول القرآن كانت بعض المواضيع في القرآن تتزايد بمعزل عن مواضيع أُخرى، وتُكوِّن تدريجيًا وحدات مُستقلة بعد أن تنضم إليها آيات أُخرى نزلت بعدها، وأن بعضها كانت تُضاف هنا، والأُخرى تتداخل مع غيرها هناك، بحسب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلقاه بدوره من الروح القدس.

فإذا أخذنا في اعتبارنا التواريخ التي لا حصر لها - تواريخ نزول آيات القرآن الكريم-، ولاحظنا أن هذا الوحي كان بوجهٍ عام مرتبطًا بظروفٍ ومناسباتٍ خاصة، فإن ذلك يدعونا إلى التساؤل عن الوقت الذي تمت فيه عملية تنظيم كل سورة على شكل وحدة مستقلة.

وكأن القرآن كان قطعًا متفرقة ومرقمة من بناء قديم، كان يُراد إعادة بناؤه في مكانٍ آخر على نفس هيئته السابقة، وإلا فكيف يمكن تفسير هذا الترتيب الفوري والمنهجي في آنٍ واحد، فيما يتعلق بكثير من السور؟

ولكن أي ضمان تاريخي يستطيع أن يتحصل عليه الإنسان عند وضع مثل هذه الخطة إزاء الأحداث المستقبلة، ومتطلباتها التشريعية، والحلول المنشودة لها، فضلاً عن الشكل اللغوي الذي يجب أن تُقدم به هذه الحلول، وتوافقها الأُسلوبي مع هذه السورة بدلاً من تلك؟

ألا نستنتج أنَّ اكتمال هذه الخطة وتحققها بالصورة المرجوة، يتطلب تدخلاً من خالق عظيم، تتوفر عنده القدرة على إقامة هذا التنسيق المنشود؟".([49])

فالقرآن آية مستقلة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.

والآيات التي جرت على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة تزيد على الألف بكثير، والعهد بها قريب وناقلوها هم أصدق الخلق وأبرهم.

وهؤلاء الرواة الذين نقلوا إلينا هذه الآيات كانوا لا يجيزون الكذب فيما دقَّ فكيف يكذبون عليه، وهم يعلمون أنَّ من كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، كما حذّر هو صلى الله عليه وسلم.

وبعض آياته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم شهدها آلاف الصحابة ممن كانوا حوله صلى الله عليه وسلم، وبعضها رواه العشرات منهم فكيف يُجمعون على الكذب في كل هذا؟

ومثال على دلائل نبوته التي حضرها جمع كبير من الناس: حديث حنين الجذع وهو حديث مشهور متواتر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع، فلما عُمل له المنبر ورقي عليه وخطب حنّ الجذع، وأنّ أنين الصبي، ولم يزل يئن ويحن حتى ضمه النبي صلى الله عليه وسلم فسكت.

هذا الحديث رواه من الصحابة: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأُبي بن كعب، وأبو سعيد، وسهل بن سعد، وعائشة بنت أبي بكر، وأم سلمة.

فهل مثل هذا العدد من الصحابة يُجمِع على الكذب في رواية خبرٍ كهذا؟

بل إنَّ بعض دلائل نبوته شهدها آلاف الصحابة مثل نبع الماء من بين أصابعه الشريفة حتى توضأ منه وشرب ألف وخمسمائة صحابي، والحديث متواتر ورواه البخاري ومسلم.

وتكثير الطعام اليسير ليَطعم منه الجيش العظيم وهذا أيضًا جاءت به الأخبار المتواترة عن الصحابة، وقد ذكر البخاري وحده آيات تكثير الطعام على يد النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة مواضع من صحيحه.([50])

فإذا كانت أدلة الصدق ثابتة ودلائل النبوة حافلة على نبوته صلى الله عليه وسلم، فأنى لعاقل أن يُكذب بكل هذا؟

وهذه أمثلة أخرى يسيرة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم:

أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ من الليالي بأن ريحًا شديدة ستهُب، ونهى الناس عن القيام، فقام رجل فحملته الريح وألقته في مكان بعيد عن مكانه.([51])

وأخبر صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وكبَّر عليه أربعًا.([52])

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة عمرَ وعثمانَ وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم لن يموتوا على فُرُشِهم كما يموت الناس.

فقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل ذات يومٍ هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجبل: «اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد».([53])

فحكم لنفسه بالنبوة ولأبي بكر بالصدِّيقية وللباقين بأنهم سيكونون شهداء، وحصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

وهناك 150 حديثًا دعا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه وأُجيب في الحال والناس يشهدون!([54])

وحيث سأل أهلَ مكَّةَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُريَهُم آيَةً، فأراهُمُ القمَرَ شِقَّينِ، حتى رأوْا حِراءً بَينهُما، وهذا الحديث متواتر، أي أنه في أعلى درجات الصحة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة القمر التي فيها آية شق القمر في المجامع الكبار كالجُمع والأعياد ليُسمع الناس ما فيها من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وكان يستدل بها على صدق نبوته.

ثم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن آدم هو آخر الخلق من الكائنات الحية: «وخَلَقَ آدمَ بعدَ العصْرِ من يومِ الجمعةِ ؛ في آخِرِ الخلقِ».([55])

وهذه الحقيقة صارت الآن ثابتة علميًا، فالعلم أثبتَّ أن البشر هو آخر الكائنات الحية ظهورًا على الأرض، فكيف عَلِم صلى الله عليه وسلم بأنَّ آدم عليه السلام آخر الكائنات ظهورًا على الأرض بعد ظهور النبات والحيوان؟

وانظر لقول الله عز وجل ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ [١٢] سورة الإسراء.

فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ: أي أنَّ القمر وهو آية الليل كان مضيئًا ثم مُحي ضوؤه.

وهذا بالفعل ما فسّر به الصحابة الآية الكريمة فقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمُحي».

والعجيب أنَّ هذا ما انتهى إليه العلم اليوم، فقد نشرت ناسا على موقعها الرسمي وقناتها الرسمية: الحقبة الأولى من عمر القمر وكان فيها مضيئًا متوهجًا.([56])

فقد ثبت بالتواتر وقوع الآيات والإخبار بالمغيبات ودقائق أسرار الأرض والسماوات التي لا حصر لها على يد رجلٍ واحدٍ صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن عليه، وجاء بما عليه النبيين من قبله، وكان مؤيدًا من عند الله ولم يَمُت حتى تمت الشريعة وكَملت.

فالقطع بأنه نبيٌ هو رشاد العقل!

فآياته صلى الله عليه وسلم الغيبية تزيد على الألف.

ونقَلَة دلائل النبوة هم صحابته أصدق الخلق وأبّرهم بعده.

والعجيب أن كبار الصحابة أسلموا قبل أن يروا هذه الدلائل، فهم أسلموا لأنهم يعلمون أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم صادق، وأنَّه لم يكذب قط.

وهذا الموقف من كبار الصحابة هو موقف عقلي حكيم، فصِدق النبي صلى الله وعليه وسلم دليل كافٍ مستقل لإثبات صحة النبوة... وهذا لأن: الشخص الذي يدَّعي النبوة إما أن يكون: أصدق الناس، لأنه نبيٌّ... فالنبي هو أصدق الناس.

وإما أن يكون: أكذَبَ الناس، لأنه يفتري كذبًا في أعظم الأمور شأنًا.

ولا يختلط أصدق الناس بأكذب الناس إلا على أجهل الناس.([57])

فما أيسر أن يستطيع العاقل أن يُميز بين أصدق الناس وأكذب الناس.

وقد اعترف المشركون في أول يومٍ من بعثته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب قط، فقالوا له: «ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا».([58])

وحين سأل هرقل أبو سفيان قبل أن يُسلم: "هل كنتُم تتهِمونه بالكذبِ قبلَ أن يقولَ ما قال؟".

فقال أبو سفيان: "لا".

فقال هرقل: "لم يكُن لِيَذَرَ الكذبَ على الناسِ ويكذِبَ على اللهِ".

ثم أكمل هرقل فقال قولته الشهيرة: "لو كنت عنده لكنت غسلت عن قدميه".([59])

فقد عجَز الكُفار عن إظهار كَذِبةٍ واحدة في كل حياته صلى الله عليه وسلم، ولذلك أنكر القرآن عليهم كفرهم مع علمهم بحاله هذا قبل بعثته فقال ربنا سبحانه: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [٦٩] سورة المؤمنون.

فحال النبي وسيرته دليل مستقل على أنه نبي.

صلى الله عليه وسلم.

فإذا كانت دواعي الصدق عامة متعاضدة على نبوته صلى الله عليه وسلم، فأنى لبوذي عاقل أن يُكذب بكل هذا؟


 30- هل يكفي الإيمان بالله والكفر بالأنبياء؟

ج: لا.

الإيمان بوجود الله مع عدم الإيمان بالأنبياء لا يكفي حتى يكون الإنسان مسلمًا لله، فما معنى أن تؤمن بأن الله هو الخالق الرازق المُدبِّر، ثم تكفر بوحيه وتنكر رسله؟

هذا كفر أكبر.

بل ليس هناك أعظم جُرمًا من الذي يرد على الله وحيه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا [١٥٠] أُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [١٥١]﴾ سورة النساء.

فمن يؤمن بالله ويكفر بالأنبياء فهو الكافر حقًا.

فكل من كفر بنبي من الأنبياء فهو كافر بالله لأنه أنكر وحي الله، لذلك فأهل الكتاب من اليهود والنصارى كفروا لكفرهم بنبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [٦] سورة البينة.

ووعيد الله بدخولهم النار حق ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ [١٤] سورة ق.

فليس الإسلام وليست النجاة لمجرد إقرار الإنسان بأنَّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت فحسب، بل لابد من الإيمان برسله.

إذن فالإيمان بوجود الله والكفر بالأنبياء لا يكفي ولا ينفع العبد عند الله يوم القيامة، إذ لابد أن يُعبد الله ويتم الإيمان بكل رسله.

ولو كان الإيمان بوجود الله كافيًا لما أرسل الله رسله ولا أنزل كتبه، لأن البشر جميعًا يعرفون الله بالفطرة.

فالله الذي خلقك وهداك ورزقك هو وحده المستحق أن تعبده كما شرع من خلال رسله وأنبيائه.

فينبغي الإيمان بجميع الأنبياء وبخاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.


 31- ما هي مظاهر التسليم لله تعالى؟  أو بصيغةٍ أخرى: كيف تعرف أنك مسلم لله مستسلم له استسلامًا كاملاً؟

ج: علامات الاستسلام لله تعالى أربع وهي:

أولاً: العبودية لله في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، قال تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [١٦٢] لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [١٦٣]﴾ سورة الأنعام.

صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: كل شيء أفعله لله، فهي عبودية لله في كل عمل، وهذه أولى مظاهر وعلامات التسليم لله.

العلامة الثانية حتى تكون مستسلمًا لله تمام الاستسلام: هي اتباع ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، قال ربنا سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [٢٠] سورة الأنفال.

وقال عزَّ وجلَّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [٢٠٨] سورة البقرة

فِي السِّلْمِ أي: في الإسلام.

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: أي التزموا بكل ما أمر به الله وانتهوا عما نهى عنه.

أمرني الله بشيء في القرآن أو أمرني بشيء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أفعله.... نهاني عن شيء أنتهي عنه، فهذا هو تمام الاستسلام والانقياد لله.

 العلامة الثالثة على التسليم لله هي أن: نُسَّلم بتحكيم ما شرع الله، فنرضى بشرعه ونقبل به.

نقبل بكل تشريع إلهي في القرآن وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الله يعلم ما يُصلِح خلقه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [١٤] سورة الملك.

وقال سبحانه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا﴾ [٥٠] سورة المائدة.

فالله هو الذي يعلم ما يصلح الناس في دنياهم وفي آخرتهم.

وتطبيق شرع الله يُطهر الناس ويجعلهم يعيشون في أمان.

قال الله عز وجل ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ [٦٤] سورة النساء.

فالله لم يرسل الرسل حتى نترك شرعهم ونحتكم إلى شرع غيرهم.

ويقول سبحانه ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [٦٥] سورة النساء. فلابد من التسليم التام لما شرع الله فالتسليم لشرع الله من علامات الانقياد للإسلام!

 أما العلامة الرابعة على التسليم لله تعالى فهي: التسليم لأقدار الله، فكل شيء قدَّره الله سبحانه بحكمته وبالتالي فالمسلم يستسلم لله في كل أقداره ... في الخير والشر.

إن أصابت المسلم سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر.

فكل بلاء لحكمة ولتكليف.

فكل شيءٍ بتقدير الله عز وجل: الصحة والمرض، والغنى والفقر،... كل شيء بتقديره وحكمته، وعلى المسلم الرضا بالأقدار؛ لأن الله هو الذي يُقدِّرها.

قال ربنا سبحانه ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [٤٩] سورة القمر.

وقال تعالى ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾ [٥١] سورة التوبة.

لن يصيبنا إلا ما قدّر الله لنا.

وقال عز من قائل ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ﴾ [١٤٥] سورة آل عمران.

 الآجال قدرها الله.

وكل شيء يحصل في الكون وكل ذرة تسير في العالم وكل حادث يحدث، إنما يَحدُث بعلم الله ومشيئة الله وبتقدير الله وبحكمة الله وبقدرة الله.

قال ربنا سبحانه ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [٢] سورة الفرقان.

فهو سبحانه خلق كل شيء وقدَّر كل شيء، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

فأنا كمسلم مطالب بالتسليم بكل أقدار الله عز وجل.

وبهذا يصبح الإنسان مسلمًا لله وتهدأ نفسه ويطمئن قلبه ويعرف غاية وجوده.


 وفي الختام!  ...كيف أدخل في الإسلام؟

الإسلام هو دين الله لجميع البشر، قال تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ [١٩] سورة آل عمران.

فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الأديان ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [٨٥] سورة آل عمران.

ولذلك يجب على كل إنسان بوذي وغير بوذي أن يعتنق الإسلام.

ففي الإسلام النجاة من النار والفوز برضا الله وبالجنة.

والدخول في الإسلام نعمة من أعظم النعم، بل هو أعظم وأهم شيء في وجودك.

والإسلام في حقيقته رجوع إلى الفطرة والعقل ودين الأنبياء جميعًا.

والدخول في الإسلام أمره يسير ولا يحتاج إلى طقوس ولا أمور رسمية، فقط على الإنسان أن ينطق بالشهادتين، وذلك بأن يقول

 أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وهو بهذا صار مسلمًا.

ثم يبدأ في ممارسة الإسلام.

وأوصي بمتابعة موقع إسلام هاوس، كلٌ بحسب لغته، حتى يتعلم المسلم الجديد كيف يمارس الإسلام.



([1]) قصة البوذية، دونالد لوبيز، ص239 (غير مترجم).

([2]) يراجع كتاب أصول البوذية، لروبرت جيثين، ص62 والكتاب على هذا الرابط:

http://www.ahandfulofleaves.org/documents/The%20Foundations%20of%20Buddhism_Gethin_1998.pdf

 ([3]) Cogan, Robert. (1998), Critical Thinking: Step by Step, University Press of America, pp. 202–203.

([4]) توصيف حالة روث سيمنز :

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/12116612

 (نقلاً عن مقالات موقع د. فوز كردي).

 ([5]) Edwards, Paul. (2001), Reincarnation: A Critical Examination, Prometheus Books.

 ([6]) يقول القرطبي في تفسيره: وهذه الآية رد على من زعم أن من الخلق من يرجع قبل القيامة بعد الموت.

([7])  صحيح مسلم، ح:2865.

([8])  صحيح سنن النسائي، ح:3134

([9]) ريج فيدا، مندل: سوكت:10، منترا:8.

Rig Veda 1.10.8.

 ([10])صحيح مسلم، ح: 2699.

([11]) حسنه الوادعي في الصحيح المسند، ح: 1426.

 ([12])رواه البيهقي في شعب الإيمان والحديث صحيح، السلسلة الصحيحة، ح:2700.

([13]) سنن أبي داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع وصحيح أبي داود، ح:2594.

([14]) ريج فيدا، مندل: سوكت: منترا: 5.

([15])  ريج فيدا، مندل: سكوت: منترا:6.

([16])  ريج فيدا، مندل: سوكت: 113، منترا: 9-11.

 ([17]) https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/8931651

( موقع المركز الوطني الأمريكي لبحوث التقانة الحيوية وهو موقع حكومي ويعد من أكبر المراجع البحثية الطبية في العالم).

 ([18])المصدر السابق.

([19]) سير أعلام النبلاء، ترجمة أحمد ابن أبي الحواري، نقلا عن موقع د.فوز كردي.

 ([20]) سنن أبي داود، ح: 4904، درجة الحديث: صحيح.

([21]) الريكي للمبتدئين، ديفيد إف فينلس، ص30-35، نقلاً عن (التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية، د.هيفاء بنت ناصر الرشيد).

([22]) Rawcliffe, Donovan, (1988), Occult and Supernatural phenomena, Dover Publications, p. 123

([23]) An introduction to complementary medicine, Simon Borg Olivier, p.290

(نقلا عن: حركة العصر الجديد، د.هيفاء بنت ناصر الرشيد).

([24])  صحيح سنن الترمذي، ح: 2507.

 ([25]) صحيح سنن أبي داود، ح: 1692، درجة الحديث: صحيح.

([26]) https://www.scientificamerican.com/article/the-other-secret/

([27]) http://science.sciencemag.org/content/189/4201/478

(نقلا عن نقد علاجات الطاقة... مقالات موقع د. فوز كردي)

([28]) https://www.livescience.com/5303-pseudoscience-secret.html

([29]) "Energy – (according to New Age thinking)", The Skeptic's Dictionary, 2011-12-19.

([30]) "Some Notes on Wilhelm Reich, M.D", Quackwatch.org, 15-02-2002.

([31]) بهاغافاد غيتا، 9-25.

([32]) يجر فيدا، سوكت:40، منترا:9.

([33]) مصطلح الدهاتو في قانون بالي، بوذي ص527

([34]) http://www.chakras.net/energy-centers/manipura

 ([35]) An introduction to complementary medicine, Simon Borg Olivier, p.290

(نقلا عن: حركة العصر الجديد، د.هيفاء بنت ناصر الرشيد)

 ([36]) An Interpretation of the Keśin Hymn, (RV 10: 136).

 ([37]) Yoga in Indian traditions, however, is more than physical exercise; it has a meditative and spiritual core Oxford Textbook of Spirituality in Healthcare, P.362

 ([38]) On December 1, 2016, yoga was listed by UNESCO as an intangible cultural heritage, The Guardian.

 ([39]) https://en.wikipedia.org/wiki/Uri_Geller

 ([40]) Understanding Ascension and Coping with the Symptoms and Side Effects.

([41])  مقالات موقع د. فوز كردي.

([42]) Cancer: "Think Different" May Have Killed Steve Jobs

https://www.forbes.com/sites/davidcoursey/2011/10/21/cancer-think-different-may-have-killed-steve-jobs/

 ([43]) رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، محمد الحمد، ص40، بتصرف.

ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، سعود بن عبد العزيز الخلف، ص14، بتصرف.

([44]) صحيح مسلم، ح:2658.

([45]) https://en.wikipedia.org/wiki/There_are_no_atheists_in_foxholes

 ([46]) النبأ العظيم، د. عبد الله دراز رحمه الله، ص44-45.

 ([47]) صحيح البخاري، ح: 4854.

 ([48]) صحيح البخاري، ح: 3905.

 ([49]) كتاب مدخل إلى القرآن الكريم، د. عبد الله دراز.

 ([50]) البخاري (1217)، البخاري (2618)، البخاري (3578)، البخاري (4101)، البخاري (6452). وكلها أحداث ووقائع مختلفة متباينة وهذا في البخاري وحده!

([51])  صحيح مسلم، ح: 3319.

([52])  صحيح البخاري، ح:1333.

([53])  صحيح مسلم، ح:2417.

([54])  جمع هذه الأحاديث سعبد ين عبد القادر باشنفر، في كتابه دلائل النبوة، والكتاب من إصدارات دار ابن حزم.

([55])  صحيح الجامع، 8188.

([56]) http://www.nasa.gov/mission_pages/LRO/news/vid-tour.html

https://www.youtube.com/watch?v=UIKmSQqp8wY

([57]) ثبوت النبوات عقلًا ونقلًا، ابن تيمية، دار ابن الجوزي، ص573، وبمعناه في نفس المصدر ص318.

([58]) صحيح البخاري، ح:4971.

([59])  صحيح البخاري، ح:7.