جزء منتقى من كتاب«إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان»
للعلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الدمشقي
المعروف بابن قيم الجوزية
691 – 751 هـ
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فهذا جزء منتقى من كتاب «إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان» لشمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى ، يتعلق ببيان شيء من ضلال الفلاسفة وتخبطهم في المعقول والمنقول.
والذي دعاني لإفراد هذا الجزء أمران ؛ الأول هو أن فئاما من المسلمين زهِدوا في منبع الشريعة الصافي ، الموحى من لدن حكيم خبير عليم بمصالح خلقه ، وراحوا يبحثون عن النور في كتب الفلاسفة الروم ، أو كتب من ورِث فلسفتهم - من المنتسبين للإسلام - وخلط معها عقائد فارس.
وقد جاء عن الهادي البشير التحذير من سلوك طريقة أولئك القوم ، أي فارس والروم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فقيل: يا رسول الله ، كفارس والروم؟
فقال: ومَن الناس إلا أولئك.[1]
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جُحر ضَبٍّ تبعتموهم.
قلنا: يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟
قال: فمن؟[2]
قال النووي رحمه الله[3] في شرح الحديث: السَّنن – بفتح السين والنون – وهو الطريق ، والمراد بالشِّبر والذراع وجُحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم ، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات ، لا في الكفر ، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ ، فقد وقع ما أخبر به ﷺ . انتهى.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أنتم أشبه الناس سمتا وهديا ببني إسرائيل ، تـتّبعون آثارهم حذو القُــــــذَّة بالقُـــــذَّة[4] ، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله.[5]
وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها.[6]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم ، لا يُضلونكم ولا يَفتنوكم.[7]
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم.[8]
والسبب الثاني الذي دعاني لإفراد هذا الجزء هو كون هذا الجزء النفيس مغمورا في الكتاب الأصل ، مما دعاني إلى إخراجه مستقلا ، ليسهل الانتشار فيعم النفع.
وقد استعنت في إخراج هذا الجزء بالله تعالى أولا ، ثم بالنسخة المنشورة من قِـــبلِ دار عالم الفوائد بمكة والتي قام بتحقيقها الشيخ الفاضل محمد عزير شمس حفظه الله ، وربما اعتمدت في بعض المواطن على النسخة التي حققها فضيلة الشيخ الـمحقق علي بن حسن بن عبد الحميد حفظه الله ، والتي أخرجتها دار ابن الجوزي ومقرها مدينة الدمام.
وبعد انتقاء هذا الجزء قمت بتخريج ما يسر الله تخريجه من الأحاديث والآثار ، وضبطت ما يسر الله ضبطه من الأقوال العلمية من مصادرها الأصلية ، ثم ألحقت الجزء بملحق لطيف يتضمن أقوال لبعض أهل العلم في مقالات الفلاسفة.
ولتقريب الفهم للقارئ الكريم ؛ قمت بوضع عناوين في ثنايا كلام ابن القيم عند الانتقال إلى موضوع جديد ، وجعلت العنوان بين حاصرتين { }.
وختاما لهذه المقدمة الموجزة ، فلا يفوتني أن أشكر الشيخان محمد عزير شمس وعلي بن حسن بن عبد الحميد حفظهما الله على ما قدَّما من خدمة علمية لهذا الكتاب الجليل لابن القيم رحمه الله.
والله أسأل أن يوفق جميع المسلمين للزوم العقيدة الصحيحة ، وأن يحفظ عليهم عقولهم وأفكارهم ، وأن يدُلَّـهم إلى طريقة السلف الصالح في العقيدة والشريعة والسلوك ، والعمل بها ، حيث أن إقامة الدين في النفوس من أهم المهمات ، لاسيما العقائد التي هي أعمال القلوب ، قال تعالى ]إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا[[9] ، كما أسأله تعالى أن يعيذهم من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، والله المستعان وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكتبه ماجد بن سليمان الرسي ، في ظهر الخميس ، الرابع من شهر ربيع الآخر ، لعام 1434 هـ.
[email protected] ، www.saaid.net/kutob
هاتف: 00966505906761
المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى الفلسفة:
معناها مَحبةُ الحكمة ، والفيلسوف أصله فِيلاسوفا ، أي مُحب الحكمة ، فـــ «فِيلا» هي الحب ، و «سوفا» هي الحكمة ، والحكمة نوعان: قولية وفعلية ، فالقولية قول الحق ، والفعلية فعل الصواب ، وكل طائفة من الطوائف لهم حكمة يتقيدون بها ، وأصح الطوائف حكمة من كانت حكمتهم أقرب إلى حكمة الرسل التي جاءوا بها عن الله تعالى ، قال تعالى عن نبيه داود عليه السلام )وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب([10] ، وقال عن المسيح عليه السلام )ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل([11] ، وقال عن يحيى عليه السلام )وآتيناه الحكم صبيا([12] ، والـحُكم هو الحكمة ، وقال لرسوله محمد ﷺ )وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة([13] ، وقال )يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا([14] ، وقال لأهل بيت رسوله ﷺ )واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة([15].
فالحكمة التي جاءت بها الرسل هي الحكمة الحق ، المتضمنة للعلم النافع والعمل الصالح ، للهدى ودين الحق ، لإصابة الحق اعتقادا وقولا وعملا ، وهذه الحكمة فرّقها الله سبحانه بين أنبيائه ورسله وجمعها لمحمد ﷺ ، كما جمع له من المحاسن ما فرّقه في الأنبياء قبله ، وجمع في كتابه من العلوم والأعمال ما فرّقه في الكتب قبله ، فلو جُمعت كل حكمة صحيحة في العالم من كل طائفة لكانت في الحكمة التي أوتيها صلوات الله وسلامه عليه جزءا يسيرا جدا لا يدرِك البشر نسبته.
والمقصود أن «الفلاسفة» اسم جنس لمن يحب الحكمة ويؤثِرها ، وقد صار هذا الإسم في عرف كثير من الناس مختصا بمن خرج عن ديانات الأنبياء ولم يذهب إلاّ إلى ما يقتضيه العقل في زعمه.[16]
وأَخَصُّ من ذلك أنه[18] في عُرف المتأخرين اسم لأتباع «أرسطو»[19] ، وهم «المشَّاءون»[20] خاصة ، وهم الذين هذَّب ابن سينا[21] طريقتهم وبسَّطها وقرَّرها ، وهي التي يعرفها - بل لا يَعرف سواها - المتأخرون من المتكلمين.
وهؤلاء[22] فرقة شاذة من فرق الفلاسفة ، ومقالتهم واحدة من مقالات القوم ، حتى قيل إنه ليس فيهم من يقول بِقِدم الأفلاك[23] غير أرسطو وشيعته[24] ، فهو أول من عُرِف أنه قال بِقِدم هذا العالم ، والأساطينُ[25] قبله كانوا يقولون بحدوثِه[26] ، وإثباتِ الصانع[27] ، ومباينتِه للعالم[28] ، وأنه فوق العالم وفوق السماوات بذاته[29] ، كما حكاه عنهم أعلم الناس في زمنه بمقالاتهم: أبو الوليد بن رشد في كتابه «مناهج الأدلة» ، فقال فيه:
القول في الجهة
(وأما هذه الصفة[30] فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة[31] ،
ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية[32] ، كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله).
إلى أن قال:
(والشرائع كلها مبنية على أن الله سبحانه في السماء ، وأن منه تَنَزَّلُ الملائكة بالوحي إلى النبيين ، وأن مِن السماوات نزَلت الكتب ، وإليها كان الإسراء بالنبي ﷺ حتى قَرُب من سدرة المنتهى ، وجميع الحكماء[33] اتفقوا على أن الله سبحانه والملائكة في السماء ، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك).
ثم ذَكَر تقرير ذلك بالمعقول ، وبيّن بطلان الشبهة التي لأجلها نفتها الجهمية[34] ومن وافقهم ، إلى أن قال:
(فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل ، وأنه الذي جاء به الشرع وانبنى عليه ، وأن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع).
فقد حَكَى لك هذا المطَّلِع على مقالات القوم - الذي هو أعرفُ بالفلسفة من ابن سينا وأضرابه - إجماع الحكماء على أن الله سبحانه في السماء فوق العالم ، والـمُطفِّفون[35] في حكايات مقالات الناس لا يحكون ذلك ، إما جهلا وإما عمدا ، وأكثر من رأيناه يحكي مذاهب الناس ومقالاتهم مطفِّف.
وكذلك الأساطين منهم متفقون على إثبات الصفات والأفعال وحدوثِ العالم وقيامِ الأفعال الاختيارية[36] بذاته سبحانه ، كما ذكره فيلسوف الإسلام[37] في وقته أبو البركات البغدادي[38] وقرَّره غاية التقرير ، وقال: لا يستقيم كون الرب سبحانه رب العالمين إلا بذلك ، وأن نفي هذه المسألة ينفي ربوبيته.
قال: والإجلال من هذا الإجلال ، والتنزيه من هذا التنزيه ؛ أولى.[39]
فصل ، وكذلك كان أساطينُهم ومتقدِّموهم ، العارفون فيهم ، مُعظِّمين للرسل والشرائع ، موجبين لاتِّباعهم[40] ، خاضعين لأقوالهم ، معترفين بأن ما جاءوا به طَورٌ آخر وراء طورِ العقل ، وأن عقول الرسل وحكمتهم فوق عقول العالمين وحكمتهم ، وكانوا لا يتكلمون في الإلـٰهيات ، ويُسْلِمون باب الكلام فيها إلى الرسل ويقولون: (علومنا إنما هي الرياضيات والطبيعيات وتوابعها) ، وكانوا يُقِرُّون بحدوث العالم.
وقد حكى أرباب المقالات أن أول من عُرِف عنه القول بقِدم هذا العالم أرسطو ، وكان مشركا يعبد الأصنام ، وله في الإلـٰهيات كلام كله خطأ من أوله إلى آخره ، قد تعقَّبه بالرد عليه طوائف المسلمين ، حتى الجهمية والمعتزلة والقدرية والرافضة وفلاسفة الإسلام أنكروه عليه ، وجاء فيه بما يَسخرُ منه العقلاء ، وأنكر أن يكون الله سبحانه يعلم شيئا من الموجودات ، وقرر ذلك بأنه لو عَلِمَ شيئا لكَمَلَ بمعلوماته ولم يكن كاملا في نفسه ، وبأنه كان يلحقه التعب والكَلال[41] من تصور المعلومات ، فهذا غاية عقل هذا المعلم الأستاذ.[42]
وقد حكى ذلك أبو البركات ، وبالغ في إبطال هذه الحجج وردِّها.[43]
فحقيقة ما كان عليه هذا الـمُعلِّم لأتباعه: الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ودرج على أثره أتباعه من الملاحدة مـمن يتستَّـر باتِّباع الرسل وهو منحلٌّ من كل ما جاءوا به ، وأتباعه يعظمونه فوق ما يُعظَّم به الأنبياء[44] ، ويرون عرض ما جاءت به الرسل والأنبياء على كلامه ، فما وافقه منها قبِلوه ، وما خالفه لم يعبئوا به شيئا ، ويسمونه «المعلم الأول» ، لأنه أول من وضع لهم التعاليم المنطقية[45] ، كما أن الخليل بن أحمد أول من وضع عَروض الشعر.
وزعم أرسطو وأتباعه أن المنطق ميزان المعاني كما أن العَروض ميزان الشعر ، وقد بين نُظَّار[46] الإسلام فساد هذا الميزان وعِوجَهُ وتعويجه للعقول وتخبيطه للأذهان ، وصنفوا في رده وتهافته كثيرا ، وآخِرُ من صنف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ألَّفَ في رده وإبطاله كتابين كبيرا وصغيرا[47] ، بيَّن فيه تناقضه وتهافته وفساد كثير من أوضاعه ، ورأيت فيه تصنيفا لأبي سعيد السِّيرافي.[48]
والمقصود أن الملاحدة دَرَجتْ[49] على أَثَر هذا الـمُعلِّم الأول حتى انتهت نوبتُهم[50] إلى معلِّمهم الثاني أبي نصر الفارابي[51] ، فوضع لهم التعاليم الصوتية ، كما أن المعلم الأول وضع لهم التعاليم الحرفية ، ثم وسَّع الفارابي الكلام في صناعة المنطق وبسَّطها ، وشرح فلسفة أرسطو وهذَّبها ، وبالغ في ذلك ، وكان على طريقة سلفِهِ من الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
فكل فيلسوف لا يكون عند هؤلاء كذلك فليس بفيلسوفٍ في الحقيقة ، وإذا رأوه مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ، متقيدا بشريعة الإسلام ؛ نسَبوه إلى الجهل والغباوة ، فإن كان ممن لا يَشُكُّون في فضيلته ومعرفته نسبوه إلى التلبيس والتـــــــــنميس بناموس[52] الدين ، استمالةً لقلوب العوام ، فالزندقةُ والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفضيلة أو شرطٌ.
ولعل الجاهل يقول إنا تحاملنا عليهم في نِسبة الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله إليهم ، وليس هذا من جهلِه بمقالات القوم وجهلِه بحقائق الإسلام ببعيد ، فاعلم أن الله - سبحانه وتعالى عما يقولون - عندهم - كما قرَّره أفضل متأخريهم ولسانُهم وقدوتُهم الذي يقدمونه على الرسل أبو علي بن سينا - هو «الوجود الـمطلق بشرط الإطلاق» ، وليس له عندهم صفــــة ثبوتية[53] تقوم به ، ولا يفعل شيئا باختياره البتة ، ولا يَعلم شيئا من الموجودات أصلا ، لا يعلم عدد الأفلاك ، ولا شيئا من المغيَّبات ، ولا له كلام يقوم به ولا صفة ، ومعلوم أن هذا إنما هو خيال مقدَّر في الذهن لا حقيقة له ، وإنما غايته أن يفرِضَه الذهن ويُقدِّرَه كما يفرض الأشياء المقدرة ، وليس هذا هو الرب الذي دعت إليه الرسل وعرَفته الأمم ، بل بيـن هذا الرب - الذي دعت إليه الـمــلاحدة ، وجرَّدته عن الماهية[54] ، وعن كل صفة ثبوتية ، وكل فعل اختياري ، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل به ولا مباين[55] له ، ولا فوقه ولا تحته ، ولا أمامه ولا خلفه ، ولا عن يمينه ولا عن شماله - وبيْـن رب العالمين وإلـٰه المرسلين من الفرق ما بين الوجود والعدم[56] ، والنفي والإثبات ، فأيُّ موجود فُرِض كان أكمل من هذا الإلـٰه الذي دعت إليه الملاحدة ونـحتته أفكارهم ، بل منحوتُ الأيدي من الأصنام له وجود ، وهذا الرب ليس له وجود ، ويستحيل وجوده إلاَّ في الذهن.
هذا ؛ وقول هؤلاء الملاحدة أصلح من قول معلمهم الأول أرسطو ، فإن هؤلاء أثبتوا وجودا واجبا ووجودا ممكنا هو معلولٌ له وصادرٌ عن صدور المعلول عن العلة ، وأما أرسطو فلم يُثبته إلا من جهة كونه مبدأً عقليا للكثرة ، وعلةً غائيةً[57] لحركة الفلَك فقط ، وصرح بأنه[58] لا يَعقل شيئا ولا يفعل باختياره ، وأما هذا الذي يوجد في كتب المتأخرين من حكاية مذهبه فإنما هو من وضع ابن سينا ، فإنه قرَّب مذهب سلفِه الملاحدة من دين الإسلام بجَهده ، وغاية ما أمكنه أن قرَّبه من أقوال الجهمية الغالين في التجهم ، فهم[59] في غلوهم وفي تعطيلهم ونفيهم أسدُّ مذهبا وأصح قولا من هؤلاء.[60]
فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.
وأما الإيمان بالملائكة ؛ فهم لا يعرِفون الملائكة ولا يؤمنون بهم ، وإنما الملائكة عندهم ما يتصورَه النبي بزعمهم في نفسه من أشكالٍ نورانيةٍ هي العقول عندهم ، وهي مجردات ، ليست داخل العالم ولا خارجه ، ولا فوق السماوات ولا تحتها ، ولا هي أشخاص تتحرك ، ولا تصعد ولا تنزل ولا تدبر شيئا ، ولا تتكلم ولا تكتب أعمال العبد ، ولا لها إحساس ، ولا حركة البتة ، ولا تنتقل من مكان إلى مكان ، ولا تصُفُّ عند ربها ولا تصلي ، ولا لها تصرفٌ في أمر العالم البتة ، فلا تقبِضُ نفس العبد ، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله ، ولا عن اليمين وعن الشمال قَعِيد[61] ، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة ، وربما تَقرَّب بعضهم إلى الإسلام فقال: (الملائكة هي القُوى الخيِّرة الفاضلة التي في العبد ، والشياطين هي القُوى الشريرة الرديئة) ، هذا إذا تقرّبوا إلى الإسلام وإلى الرسل.[62]
وأما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملَك ، فإنه[63] ما قال شيئا ولا يقول ولا يجوز عليه الكلام[64] ، ومن تقرَّب منهم إلى المسلمين يقول: (الكتب المنزلة فيضٌ فاضَ من العقل الفعال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية ، فتصورت تلك المعاني وتشكَّلت في نفسه ، بحيث تَوهمها أصواتا تخاطبه ، وربما قَوِيَ الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه ، وربما قَوِيَ ذلك حتى يُخيِّلها[65] لبعض الحاضرين ، فيرونها[66] ويسمعون خطابها ولا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج).[67]
وأما الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فللنبوة عندهم ثلاث خصائص ، من استكملها فهو نبي ، أحدها: قوة الـحدْس[68] ، بحيث يدرِك الحد الأوسط بسرعة.[69]
الثانية: قوة التخيُّــل والتخييل ، بحيث يتخيل في نفسه أشكالا نورانية تخاطبه[70] ويسمع الخطاب منها ويُخيِّلها إلى غيره.
الثالثة: قوة التأثير بالتصرف في هَيولى[71] العالم ، وهذا يكون عندهم بتجرد النفس عن العلائق ، واتصالها بالمفارِقات[72] من العقول والنفوس المجردة.[73]
وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب ، ولهذا طلَبَ النبوة من تصوّف على مذهب هؤلاء ، ابن سبعين وابن هود وأضرابهما.
والنبوة عند هؤلاء صنعة من الصنائع ، بل من أشرف الصنائع ، كالسياسة ، بل هي سياسة العـــــامة ، وكثير منهم لا يرضى بها ويقول: (الفلسفة نبوة الخاصة ، والنبوة فلسفة العامة)![74]
وأما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يُقِـــرُّون بانفطار السماوات وانتثار الكواكب وقيامة الأبدان ، ولا يُقرون بأن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وأوجد هذا العالم بعد عدمه ، فلا مبدأ عندهم ولا معاد ، ولا صانع ، ولا نبوة ، ولا كتب نزلت من السماء تَكلَّم الله بها ، ولا ملائكة تنزَّلت بالوحي مِن الله تعالى ، فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير من دين هؤلاء.
وحسبك جهلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من يقول إنه سبحانه لو علِم الموجودات لـحِقه الكَــلُّ[75] والتعب واستكمل بغيره[76] ، وحسبك خذلانا وضلالا وعمًى السيرُ خلف هؤلاء وإحسان الظن بهم وأنهم أولو العقول.
وحسبك عجبًا من جهلهم وضلالهم ما قالوه في سلسلة الموجودات وصدور العالم عن العقول والنفوس ، إلى أن أنهوا صدور ذلك إلى واحد من كل جهة ، لا علم له بما صدر عنه ولا قدرة له عليه ولا إرادة ، وأنه لم يصدر عنه إلا واحد ، فذلك الصادر إن كان فيه كثرةً بوجهٍ ما فقد بطُل ما أصَّلوه ، وإن لم يكن فيه كثرةٌ البتة لزِم أن لا يصدر عنه إلا واحدٌ مثله.
وتكثُّر الـموجودات وتعدُّدها يُكذِّب هذا الرأي الذي هو ضِحكةُ للعقلاء وسخريةٌ لأولي الألباب ، مع أن هذا كله من تـخليط ابن سينا ، وإرادته تقريب هذا المذهب من الشرائع ،
وهيهات ، وإلا فالمعلم الأول[77] لم يثبت صانعا للعالم البتة.
فالرجل[78] معطِّـلٌ مشركٌ جاحدٌ للنبوات والمعاد ، ولا مبدأ عنده ولا معاد ولا رسول ولا كتاب.[79]
والرازي[80] وفروخُه لا يعرفون من مذاهب الفلاسفة غير طريقه[81] ، ومذاهبهم وآراؤهم كثيرة جدا ، قد حكاها أصحاب المقالات كالأشعري[82] في مقالاته الكبيرة ، وأبي عيسى الوراق[83] ، والحسن بن موسى النوبختي[84].
وأبو الوليد بن رشد يحكي مذهب أرسطو غير ما حكاه ابن سينا ، ويُغلِّطُه في كثير من الـمواضع ، وكذلك أبو البركات البغدادي[85] يحكي نفس كلامه على غير ما يحكيه ابن سينا.
فصل ، والفلاسفة لا تختص بأمة من الأمم ، بل هم موجودون في سائر الأمم ، وإن كان المعروف عند الناس الذين[86] اعتنوا بحكاية مقالاتهم هم فلاسفة اليونان ، فهم[87] طائفة من طوائف الفلاسفة ، وهؤلاء[88] أمة من الأمم لهم مملكة وملوك ، وعلماؤهم فلاسفتهم ، ومن ملوكهم الإسكندر المقدوني ، وهو ابن فيلِـــــبُّس[89] ، وليس هو بالإسكندر ذي القرنين الذي قص الله تعالى نبأه في القرآن ، بل بينهما قرون كثيرة ، وبينهما في الدين أعظم تباين ، فذو القرنين كان رجلا صالحا موحدا لله تعالى ، يؤمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وكان يغزو عُباد الأصنام ، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وبنى السد بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، وأما هذا المقدوني فكان مشركا يعبد الأصنام هو وأهل مملكته ، وكان بينه وبين المسيح نحو ألف سنة وست مئة سنة ، والنصارى تؤرِّخ له ، وكان أرسطاطاليسُ وزيرَه ، وكان مشركا يعبد الأصنام ، وهو الذي غَزا «دارا بن دارا» ملك الفرس في عقر داره ، فَــفَلَّ عرشَه[90] ومزَّق ملكه وفرَّق جمعه ، ثم دخل إلى الصين والهند وبلاد الترك ، فقتل وسبى ، وكان لليونانيين في دولته عز وسطوة بسبب وزيره أرسطو ، فإنه كان مُشيرُه[91] ووزيره ومدبر مملكته.[92]
وكان بعده لليونان عدة ملوك يعرفون بالبطالِمة ، واحدهم «بطلِيموس» ، كما أن «كسرى» ملك الفرس ، و «قيصر» ملك الروم.[93]
ثم غلبهم الروم واستولوا على مـمالكهم ، فصاروا رعية لهم ، وانقرض ملكهم ، فصارت المملكة للروم ، وصارت المملكة واحدة ، وهم على شركهم من عبادة الأصنام ، وهو دينهم الظاهر ودين آبائهم ، فنشأ فيهم سقراط[94] أحد تلامذة فيثاغورس[95] ، وكان من عُبادهم ومتألِّـهيهم ، وجاهَرهم بمخالفتهم في عبادة الأصنام ، وقابل رؤساءَهم بالأدلة والحجج على بطلان عبادتها ، فثار عليه العامة ، واضطَــرُّوا الملك إلى قتله ، فأودعه السجن ليكُفَّهم عنه ، ثم لم يرض المشركون إلا بقتله ، فسقاه السمَّ خوفا من شرهم بعد مناظرات طويلة جرت له معهم.
ومذهبُه في الصفات قريب من مذهب أهل الإثبات ، فقال: (إنه إلـٰه كل شيء وخالقه ومقدره ، وهو عزيز - أي منيع ممتنع - أن يُضام[96] ، وحكيم - أي محكِمٌ أفعاله - على النظام).
وقال: (إن علمَه وقدرته ووجوده وحكمته بلا نهاية ، لا يبلغ العقل أن يصفها).
وقال: (إن تناهي المخلوقات بحسب احتمال القوابل لا بحسب الحكمة والقدرة ، فلما كانت المادة لا تحتمل صورا بلا نهاية تناهت الصور لا من جهةِ بُخلٍ في الواهب ، بل لقصورٍ في المادة).
قال: (وعن هذا اقتضت الحكمة الإلـٰهية أنها وإن تناهت ذاتاً وصورةً وحَــيِّزاً ومكاناً إلا أنها لا تتناهى زماناً في آخرها لا من نحو أولها ، فاقتضت الحكمة استبقاء الأشخاص باستبقاء الأنواع ، وذلك بتجدد أمثالها ليُحفظ الأشخاص ببقاء الأنواع ، ويُستبقى الأنواع بتجدد الأشخاص ، فلا تبلغ القدرة إلى حد النهاية ، ولا الحكمة تقف على غاية).
ومن مذهبه أنَّ أخص ما يوصفُ به الرب سبحانه هو كونه حيا قيوما ، لأن العلم والقدرة والجود والحكمة تندرج تحت كونه حيا قيوما ، فهما صفتان جامعتان للكُل.
وكان يقول: (هو حي ناطق من جوهرِه - أي من ذاته - ، وحياتنا ونطقنا لا من جوهرنا ، ولهذا يتطرق إلى حياتِنا ونطقِنا العدم والدثور والفساد ، ولا يتطرق ذلك إلى حياته ونطقه).
وكلامه في المعاد والصفات والمبدأ أقرب إلى كلام الأنبياء من كلام غيره.
وبالجملة فهو[97] أقرب القوم إلى تصديق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولهذا قتله قومه ، وكان يقول: (إذا أقبلت الحكمة خَدمَت الشهواتُ العقولَ ، وإذا أدبرت خدمت العقولُ الشهواتِ).
وقال: (لا تُكرهوا أولادكم على آثارِكم[98] ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم).
وقال: ينبغي أن نغتمَّ بالحياة ونفرح بالموت ، لأن الإنسان يحيا ليموت ، ثم يموتُ ليحيا.
وقال: قلوب الـمُغرِقين[99] في المعرفة بالحقائق منابر الملائكة ، وقلوب المؤثِــرين للشهوات مقاعد للشياطين.
وقال: للحياة حدَّان ؛ أحدهما الأمل والآخر الأجل ، فبالأول بقاؤها ، وبالآخر فناؤها.
وكذلك أفلاطون[100] كان معروفا بالتوحيد وإنكار عبادة الأصنام وإثبات حدوث العالم ، وكان تلميذ سقراط ، ولما هلك سقراط قام مقامه وجلس على كرسيه ، وكان يقول: (إن للعالم صانعا مُـحدِثا مبدعا أزليا واجبا بذاته ، عالما بجميع المعلومات).
قال: (وليس في الوجود رسمٌ ولا طَــلَلٌ إلا ومثاله عند الباري تعالى) ، يشير إلى وجود صور المعلومات في علمه.
فهو مثبِتٌ للصفات وحدوث العالم ، ومنكر لعبادة الأصنام ، ولكن لم يواجه قومه بالرد عليهم وعيب آلهتهم فسكتوا عنه ، وكانوا يعرفون له فضله وعلمه.
وصرح أفلاطون بحدوث العالم كما كان عليه الأساطين ، وحكى ذلك عنه تلميذه أرسطو وخالفه فيه ، فزَعَمَ[101] أنه قديم ، وتبعه على ذلك ملاحدة الفلاسفة من المنتسبين إلى الملل وغيرهم ، حتى انتهت النوبة إلى أبي علي بن سينا ، فرام بجُهده تقريب هذا الرأي من قول أهل الملل ، وهيهات اتِّفاق النقيضين واجتماع الضدين ، فرسل الله تعالى وكتبه وأتباع الرسل في طرف ، وهؤلاء القوم في طرف.
وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه ، قال: (أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم)[102] ، فكان من القرامطة الباطنية[103] الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد ، ولا رب خالق ، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى.
وكان هؤلاء[104] زنادقة ، يتسترون بالرفض ويبطنون الإلحاد المحض ، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول e ، وهو وأهل بيته برآء منهم نَسبا ودينا ، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان ، ويدَعون أهل الإلحاد والشرك والكفران ، لا يُحرِّمون حراما ولا يحلون حلالا ، وفي زمنهم ولخواصهم وُضعت رسائل «إخوان الصفا».[105]
ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر ، الملحِد وزير الملاحدة ؛ «النصير الطوسي» ، وزير هولاكو ؛ شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه ، فعرضهم على السيف حتى شفا إخوانه من الملاحدة واشتفى هو ، فقتل الخليفة[106] والقضاة والفقهاء والمحدثين ، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبَائعيين[107] والسحرة ، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والرُّبُط[108] إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه ، ونصر في كتبه قِدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جل جلاله ، من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه ، وليس فوق العرش إلـٰهٌ يُعبد البتة ، واتخذ للملاحدة مدارس ، ورام جعْل «إشارات»[109] إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن ، فلم يَقدِر على ذلك ، فقال: (هي[110] قرآن الـــخواص وذاك قرآن العوام) ، ورامَ تغيير الصلاة وجعْلِها صلاتين فلم يتم له الأمر ، وتعلم السحر في آخر الأمر ، فكان ساحرا يعبد الأصنام.
وصارعه محمد الشهرستاني في كتاب سماه «المصارعة» ، أبطل فيه قوله بقِدمِ العالمِ وإنكارِ المعادِ ونفيِ علمِ الربِّ تعالى وقدرتِه وخلقِه للعالم ، فقام له نصير الإلحاد وقعد ، ونقَضه بكتاب سماه «مصارعة الـمُصارع» ، ووقفنا على الكتابين ، نَصَرَ فيه أن الله لم يخلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وأنه لا يعلم شيئا ، وأنه لا يفعل بقدرته واختياره ، ولا يبعث من في القبور.
وبالجملة ، فكان هذا الــــملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والفلسفة التي يقرؤها أتباع هؤلاء اليوم هي مأخوذة عنه وعن إمامه ابن سينا ، وبعضُها عن أبي نصر الفارابي ، وشيء يسير منها من كلام أرسطو ، وهو مع قلته وغَثاثته وركاكة ألفاظه كثير التطويل لا فائدة فيه.
وخِيار ما عند هؤلاء فالذي عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم خير منه ، فإنهم يدأبون حتى يُثبتوا واجب الوجود ، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق لا صفة له ولا نعت ولا فعل يقوم به ، لم يخلق السماوات والأرض بعد عدمهما ، ولا له قدرة على فعل ، ولا يعلم شيئا.
وعباد الأصنام كانوا يثبتون ربا خالقا مبدعا عالما قادرا حيا ، يُشركون به في العبادة ، فنهاية أمر هؤلاء الوصول إلى شيء برَّز عليهم فيه عُبَّاد الأصنام.
وهم فرق شتى لا يحصيهم إلا الله عز وجل ، وأحصى المعتنون بمقالات الناس منهم اثنتي عشرة فرقة[111] ، كل فرقة منها مختلفة اختلافا كثيرا ، فمنهم «أصحاب الرواق»[112] و «أصحاب الظُّلة»[113] و «المشَّاءون» ، وهم شيعة أرسطو ، وفلسفتهم هي الدائرة اليوم بين الناس ، وهي التي يحكيها ابن سينا والفارابي وابن الخطيب[114] وغيرهم.
ومنهم الفيثاغورية والأفلاطونية.
ولا تكاد تجد منهم اثنين متفقين على رأي واحد ، بل قد تلاعب بهم الشيطان كتلاعب الصبيان بالكرة ، ومقالاتهم أكثر من أن نذكرها على التفصيل.
وبالجملة ، فملاحدتهم هم أهل التعطيل[115] المحض ، فإنهم عطلوا الشرائع ، وعطلوا المصنوع عن الصانع ، وعطلوا الصانع عن صفات كماله ، وعطلوا العالم عن الحق الذي خلقه له ربُّــه ، فعطلوه عن مبدئه ومعاده ، وعن فاعله وغايته.[116]
ثم سرى هذا الداء منهم في الأمم وفي فرق المعطلة ، فكان منهم إمام المعطلين فرعون ، فإنه أخرج التعطيل إلى العمل فصرَّح به وأذَّن به بين قومه ودعا إليه ، وأنكر أن يكون إلـٰه غيره ، وأنكر أن يكون الله تعالى فوق سماواته على عرشه ، وأن يكون كلَّم عبده موسى تكليما ، وكذَّب موسى في ذلك[117] ، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحا ليطّلع بزعمه إلى إلـٰه موسى عليه السلام وكذَّبه في ذلك ، فاقتدى به كل جهمي مُكذبٍ أن يكون الله مكلِّما متكلِّما ، أو أن يكون فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه.
ودرج قومُه وأصحابُه على ذلك ، حتى أهلكهم الله تعالى بالغرق ، وجعلهم عبرة لعباده المؤمنين ، ونكالا لأعدائه المعطلين.
ثم استمر الأمر على عهد نبوة موسى كليم الرحمـٰن على التوحيد وإثبات الصفات وتكليم الله لعبده موسى تكليما إلى أن تُوفي موسى عليه السلام.
ودخل الداخل[118] على بني إسرائيل ، ورفع التعطيلُ رأسَهُ بينهم ، وأقبلوا على علوم المعطلة ، أعداء موسى عليه السلام ، وقدَّموها على نصوص التوراة ، فسلَّط الله تعالى عليهم من أزال ملكهم وشرَّدهم من أوطانِهم وسبى ذراريَّهم[119] ، كما هي عادته سبحانه وسنَّــتُه في عباده إذا أعرضوا عن الوحي ، وتعوَّضوا عنه بكلام الملاحدة والمعطلة من الفلاسفة وغيرهم.
كما سلط النصارى على بلاد العرب لما ظهرت فيها الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها ، فاستولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم[120] رعية لهم.
وكذلك لما ظهر ذلك ببلاد المشرق سلَّط عليهم عساكر التتار ، فأبادوا أكثر البلاد الشرقية واستولوا عليها.
وكذلك في أواخر المئة الثالثة وأول الرابعة ، لـما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلـحاد سلَّطَ عليهم القرامطة الباطنية ، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات ، واستولوا على الحاج ، واستعرضوهم قتلا وأسرا ، واشتدت شوكتهم ، واتُّهِم بموافقتهم في الباطن كثيرٌ من الأعيان من الوزراء والكُتَّاب والأدباء وغيرهم ، واستولى أهل دعوتهم على بلاد الغرب[121] ، واستقرَّت دار مـملكتهم بمصر[122] ، وبُنيت في أيامهم القاهرة ، واستولوا على الشام والحجاز واليمن والمغرب ، وخُطِب لهم على منبر بغداد.
والمقصود أن هذا الداء لما دخل في بني إسرائيل كان سبب دمارهم وزوال مملكتهم.
ثم بعث الله سبحانه عبدَه ورسولَه وكلمتَه المسيح ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه ، فجدَّد لهم الدين ، وبيَّـن لهم معالمه ، ودعاهم إلى عبادة الله وحده ، والتبري من تلك الأحداث والآراء الباطلة[123] ، فعادَوه وكذَّبوه ، ورمَوه وأُمَّه بالعظائم ، ورامُوا قتله[124] ، فطهَّره الله تعالى منهم ورفعه إليه ، فلم يصِلوا إليه بسوء ، وأقام الله تعالى للمسيح أنصارا دعوا إلى دينه وشريعته ، حتى ظهر دينُه على من خالفه ، ودخل فيه الملوك ، وانتشرت دعوته ، واستقام الأمر على السَّداد بعده نحو ثلاث مئة. سنة.
==============
انتهى هنا نقل ما يسر الله نقله من كلام العلامة ابن القيم رحمه الله في موضوع تلاعب الشيطان بعقول الفلاسفة ، وذلك من كتابه «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» ، والحمد لله أولا وآخرا ، ويليه ملحق مختصر يحوي مزيد كلام على عقائد الفلاسفة وفكرهم.
قال ابن تيمية رحمه الله عن ابن سينا أنه (أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية ، وكان هو وأهل بيته وأتباعهم معروفين عند المسلمين بالإلحاد ، وأحسن ما يظهرون دين الرفض وهم في الباطن يبطنون الكفر المحض ، وقد صنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أسرارهم كتبا كبارا وصغارا ، وجاهدوهم باللسان واليد إذ كانوا بذلك أحق من اليهود والنصارى ، ولو لم يكن إلا كتاب «كشف الأسرار وهتك الأستار» للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب ، وكتاب عبد الجبار بن أحمد ، وكتاب أبى حامد الغزالي ، وكلام أبي إسحاق ، وكلام ابن فورك والقاضي أبي يعلى والشهرستاني ، وغير هذا مما يطول وصفه.
والمقصود أن ابن سينا أخبر عن نفسه أن أهل بيته وأباه وأخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة ، وأنه إنما اشتغل بالفلسفة بسبب ذلك ، فإنه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس ، وهؤلاء المسلمون الذين ينتسب إليهم هم مع الإلحاد الظاهر والكفر الباطن أعلم بالله من سلفه الفلاسفة كأرسطو وأتباعه ، فإن أولئك ليس عندهم من العلم بالله إلا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه).[126]
ثم قال:
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين - وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمَّن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة - أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه من سلفه ومما أحدثه ، مثل كلامه في النبوات وأسرار الآيات والمنامات ، بل وكلامه في بعض الطبيعيات ، وكلامه في واجب الوجود ونحو ذلك ، وإلا فأرسطو وأتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ، ولا شيء من الأحكام التي لواجب الوجود ، وإنما يذكرون العلة الأولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية ، يتحرك الفلك للتشبه به.
فابن سينا أصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض إصلاح حتى راجت على من يعرف دين الإسلام من الطلبة النظار ، وصار يَظهر لهم بعض ما فيها من التناقض ، فيتكلم كل منهم بحسب ما عنده ، ولكن سلَّموا[127] لهم أصولا فاسدة في المنطق والطبيعيات والإلـٰهيات ، ولم يعرفوا ما دخل فيها من الباطل ، فصار ذلك سببا إلى ضلالهم في مطالب عالية إيمانية ومقاصد سامية قرآنية ، خرجوا بها عن حقيقة العلم والإيمان ، وصاروا بها في كثير من ذلك لا يسمعون ولا يعقلون ، بل يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات.[128]
قال ابن تيمية رحمه الله:
وأما العلم الإلـٰهي فليس عندهم منه ما تحصل به النجاة والسعادة ، بل وغالب ما عندهم منه ليس بمــتَــــيقن معلوم ، بل قد صرح أساطين الفلسفة أن العلوم الإلـٰهية لا سبيل فيها إلى اليقين ،
وإنما يُتكلم فيها بالأحرى والأخلق ، فليس معهم فيها إلا الظن ﴿وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا﴾[129] ، ولهذا يوجد عندهم من المخالفة للرسل أمر عظيم باهر.[130]
ومما ضل فيه الفلاسفة صفة العلم ، فقالوا بأن الله تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات ، ويبررون ذلك – بزعمهم - بأنَّ الجزئيات في تغير وتجدد ، فلو تعلق علم الله بها للزمه التغير بتغير المعلوم وتجدده.
وهذا كذب وضلال مبين ، ومن أعظم إساءة الظن برب العالمين ، ومن أخبث الأقوال وشرها ، لم يقل به أحد من طوائف الملة.
وقد أخبر الله تعالى أنه ما من غائبة في السماوات والأرض إلا في كتاب مبين ، وأخبر أنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، وأخبر أنه ما من ورقة تسقط إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
كما أخبر النبي ﷺ أن الله سبحانه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، والأخبار الـمثبِتة لعلم الله تعالى بكل شيء كثيـــرة جدا ، كيف لا ، وقد قال للقلم: اكتب ، فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.[131]
وقد أنكر الغزالي على الفلاسفة هذا القول وكفرهم به في كتابه «تهافت الفلاسفة».
زَعَمَ الفلاسفة أن الحوادث كلها صادرة من حركة الأفلاك ، وقد رد عليهم ابن تيمية في كتابه «الرد على المنطقيين» ، ص 574 فقال:
والقائلون بقدم العالم كلهم لا بد لهم من إثبات غير الله فاعلا ، أما أرسطو وأتباعه فإن الفلك عندهم بحركته هو المحدِث للحركات وما يتولد عنها.
ثم من أثبت له شريكا من العقول والنفوس جعله مستقلا بإحداث شيء وذاك مستقلا بإحداث شيء.
ومن قال منهم بالعلة المشبهة بها ، ومن قال بالموجب بالذات ، فإن الطائفتين لا يثبتون في الحقيقة أن الله أحدث شيئا ولا خلقه.
والله سبحانه نفى أن يكون لغير ملك أو شِرك في الملك أو يكون له ظهير ، فإنه سبحانه هو وحده خالق كل شيء وربه ومليكه ، وهذا هو مذهب أهل السنة المثبتين للقدر ، القائلين بأن الله خالق كل شيء بمشيئته وقدرته ، لكن السلف والأئمة وأتباعهم يثبتون قدرة العبد وفعله ، ويثبتون الحكمة والأسباب.
بل قد زعم الفلاسفة أيضا أن ما يدور في النفوس من خواطر فإنه صادر من حركة الأفلاك ، وقد رد ابن تيمية هذا القول في كتابه «الرد على المنطقيين»[132] ، فقال:
والمقصود هنا انه إذا عُلِم ما يحدث في النفوس ليس سببه مجرد حركة الفلك مع أنه لا بدل منه من سبب ؛ دل ذلك على وجود الملائكة والجن ، وهذا قول سلف الأمة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين ، فإنهم يقولون: إن الشياطين توسوس في نفوس بني آدم ، كالعقائد الفاسدة والأمر باتباع الهوى ، وإن الملائكة بالعكس ؛ إنما تقذف في القلوب الصدق والعدل.
قال ابن مسعود: إن للملك لـمَّةً[133] وللشيطان لـمَّةً ، فلمَّة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولـمَّة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق.[134]
وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد وِكّل الله به قرينه من الجن.
قالوا: وإياك؟
قال: وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسْلَمَ ، فلا يأمرني إلا بخير.[135]
وقد قال تعالى ]قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إلـٰه الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس[.
والقول الصحيح الذي عليه أكثر السلف أن المعنى: مِن شر المُوسوِس من الجِنّة ومن الناس ، من شياطين الإنس والجن ، وقال ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شيطان الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا[[136].
وقال النبي ﷺ لأبي ذر: يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
قال: يا رسول الله ، أوَ للإنس شياطين؟
قال: نعم ، شر من شياطين الجن.[137]
قال تعالى ]وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون[[138] ، وهم شياطينهم من الإنـــس كما قال ذلك عامة السلف وكما يدل عليه سياق القران ، فإن شياطين الجن لم يكونوا يحتاجون إلى أن يخلوا بهم ، ولا هم يقولون لهم: إنا معكم إنما نحن مستهزئون.
ثم قال: والذي عليه السلف والأئمة أن الله جعل للحوادث أسبابا وحكما ، وهذه الحوادث قد تحدث بأسباب من الملائكة أو من الجن ، وإن ما يحصل في القلب من العلم والقوة ونحو ذلك قد يجعله الله بواسطة فعل الملائكة ، كما قال تعالى ]إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا[[139] ، وقال تعالى ]لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه[[140].
وكما قال النبي ﷺ : من سأل القضاء واستعان عليه وُكِل إليه ، ومن لم يسأل القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يُسدِّدُهُ.[141]
والتسديد هو إلقاء القول السَّداد في قلبه.
وقال تعالى ]وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه[[142] ، وقال تعالى ]وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا[[143] ، وهؤلاء لم يكونوا أنبياء ، بل ذلك إلهام ، وقد يكون بتوسط الملك كما قال تعالى ]وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء[[144].
والآراء والخطأ في الرأي من إلقاء الشيطان ولو كان صاحبها مجتهدا معذورا ، كما قال غير واحد من الصحابة كأبي بكر وابن مسعود في بعض المسائل: أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمِن الله ، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريء منه.
وما يكون من الشيطان إذا لم يَقدِر الإنسان على دفعه لا يأثم به ، كما يراه النائم من أضغاث الشيطان ، وكاحتلامه في المنام ، فإنه وإن كان من الشيطان فقد رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ.
وكذلك ما يحدِّث به الإنسان نفسه من الشر قد تجاوز الله له عنه حتى يتكلم به أو يعمل به وإن كان من الشيطان ، ففي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به.[145]
وفي الصحيحين من غير وجه عن أبي هريرة وابن عباس أن النبي ﷺ ذَكر أنه إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر حسنات ، وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، فإنه إنما تركها من جرَّائي[146].[147]
وفي الصحيح أن الصحابة سألوا النبي ﷺ عن الوسوسة التي يكرهها المؤمن - وهي ما يُلقى في قلبه من خواطر الكفر - فقالوا: يا رسول الله ، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لإن يُـحرق حتى يصير حُممة[148] ، أو يخر من السماء إلى الأرض ؛ أحب إليه من أن يتكلم به.
قال: ذلك صريح الإيمان.[149]
وفي حديث آخر: الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة.[150]
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي التأذين أقبل ، فإذا أقيمت الصلاة أدبر ، فإذا قضيت أقبل حتى يَخطِر[151] بين المرء وقلبه ، فيقول: (اذكر كذا ، اذكر كذا) ، لِما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين.[152]
فقد أخبر أن الشيطان يوسوس في الصلاة ولم يأمر بإعادة الصلاة.
فالاعتقادات والإرادات الفاسدة تحصل بسبب شياطين الإنس والجن ، والاعتقادات الصحيحة والإرادات المحمودة قد تحصل بسبب الملائكة وصالحي الإنس ، فإن سماع الكلِم قد يؤثر في قلب المستمع ، فالمتكلم فاعل ، فإن كان السامع قابلا انتقَشَ كلامه في قلبه ، وإن لم يكن قابلا لم يَـنـتَـقِـشْ فيه.[153]
وفي باب الإيمان بالقضاء والقدر ؛ أنكر الفلاسفة مشيئة الله وقدرته ، وقد رد عليهم ابن تيمية رحمه الله في «الرد على المنطقيين»[154] ، فقال:
فإنكارهم لقدرة الله ومشيئته أعظم من إنكارهم لعلمه بالجزئيات ، فإن كثيرا من الناس كان لا يعرف ذلك ولكن يعلم أن الله قادر ، خلق الأشياء بمشيئته ، كما في الصحيحين عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ، قرشيان وثقفي ، أو ثقفيان وقرشي ، كثيرٌ شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟
فقال الثاني: يسمع إن جهرنا ، ولا يسمع إن أخفينا.
فقال الثالث: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا.
فأنزل الله ]وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين[[155].
وهؤلاء كانوا يقرون بأن الله خلق السماوات والأرض بمشيئته وقدرته ، وكذلك كان بعض أحداث[156] من المسلمين قد يجهل هذه المسألة ، فيقول: يا رسول الله ، مهما يكتم الناس يعلمه الله؟
فيقول له النبي ﷺ : نعم.[157]
ولم يكن هؤلاء يجهلون أن الله خلق كل شي بمشيئته وقدرته ، بل كان هذا من أظهر الأمور وأعرفها عند عامة المسلمين ، بل وعامة المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام ، وهم كفار ، وهم مشركون ، وهم الذين قاتلهم النبي ﷺ ، وهم أول من يتناوله ذم القرآن للمشركين ، ومع هذا فكانوا مقرين بأن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وخلق كل شيء بقدرته ومشيئته ، فكانوا أحسن حالا من هؤلاء الفلاسفة في الإقرار بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه ، وأنه خلق الأشياء بمشيئة وقدرته ، فإن هؤلاء حقيقة قولهم أنه لم يخلق شيئا.[158]
وفي باب الإيمان بالخوارق ؛ فالفلاسفة لا يسلكون مسلك الأنبياء في هذا الباب ، فهم يزعمون أن خوارق العادات في العالم ثلاثة أنواع ، إما أن تكون بأسباب فلكية ، وهذا هو الطلسمات ، وإما أن تكون بأسباب طبيعية سفلية ، وإما أن تكون بأسباب نفسانية ، وإلى هذه ينسبون معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء ، وهذا كله تخرص وتخبط ، بل الخوارق تحدث بأمر الله.[159]
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن خوارق العادات هي ما يجري على خلاف العادة الكونية أن الخوارق تحدث بأمر الله الكوني ، (كن فيكون) ، وليس ثمة أسباب كونية يتخذها الإنسان لتنخرق له العادة ، وهي تحصل للأنبياء وتسمى معجزة ، وتحصل للأولياء وتسمى كرامة ، والمقصود منها التأييد والتثبيت ونصرة الحق ، وقد وُجدت الكرامات في التابعين أكثر مـما حصلت في الصحابة ، لأن الصحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات ، لأن الرسول ﷺ كان بين أظهرهم.[160]
قال ابن تيمية رحمه الله:
فقد تبين أن أصل السعادة وأصل النجاة من العذاب هو توحيد الله ، بعبادته وحده لا شريك له ، والإيمان برسله واليوم الآخر ، والعمل الصالح ، وهذه الأمور ليست في حكمتهم وفلسفتهم المبتدعة ، ليس فيها الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة المخلوقات ، بل كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم ، إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع ، وإن صناعة الطلاسم والأصنام والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار ، فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ، ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه ، بل يُقر هؤلاء وهؤلاء ، وإن رجّح الموحدين ترجيحا ما فقد يرجح غيره للمشركين[161] ، وقد يعرض عن الأمرين جميعا ، فتدبر هذا فإنه نافع جدا.
ولهذا كان رؤوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك ، فالأولون يسمون الكواكب الآلهة الصغرى ، ويعبدونها بأصناف العبادات ، كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد ، بل يُسوِّغون الشرك أو يأمرون به ، أو لا يوجبون التوحيد.
وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الكواكب والملائكة وعبادة الأنفس المفارِقة - أنفس الأنبياء وغيرهم - ما هو أصل الشرك ، وهم إذا ادَّعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل ، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله ، وعبادته وحده لا شريك له ، وهذا شيء لا يعرفونه ، والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات ، وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك ، فلو كانوا موحدين بالقول والكلام - وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله - لكان معهم التوحيد دون العمل ، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة ، بل لا بد من أن يعبد الله وحده ويتخذه[162] إلـٰها دون ما سواه ، وهو معنى قول (لا اله إلا الله) ، فكيف وهم في القول والكلام معطِّلون جاحدون ، لا موحِّدون ولا مُـخلِصون.[163]
{بيان ضلال الفلاسفة في باب الشفاعة ضلالا بعيدا}
وفي باب الشفاعة فإن الفلاسفة ضالون ، فهم يثبتون الشفاعة الشركية المنفية في القرآن وينفون الشفاعة الشرعية الثابتة ، قال ابن تيمية رحمه الله في «الرد على المنطقيين»[164]:
قال سبحانه ]ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون[[165] ، فبين سبحانه أن من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا فهو كافر ، مع أن المشركين إنما كانوا يتخذونهم شفعاء ويتقربون بهم إلى الله زلفى ، فإذا كان هؤلاء الذين دَعوا مخلوقا ليشفع لهم عند الله كما يشفع المخلوق عند المخلوق - فيسأله ويرغب إليه بلا إذنه ، وقد جعلهم الله مشركين كفارا - مأواهم جهنم ؛ فكيف بشرك هؤلاء الفلاسفة وما يثبتونه من الشفاعة ، فإنهم يُجوزون دعاء الجواهر العلوية الشمس والقمر والكواكب ، وكذلك الأرواح التي يسمونها العقول والنفوس[166] ، ويسميها من انتسب إلى أهل الملل: الملائكة ، وهؤلاء الـمشركون قد تنزِل عليهم أرواح تقضى بعض مطالبهم وتخبرهم ببعض الأمور ، وهم لا يُـميزون بين الملائكة والجن ، بل قد يُسمون الجميع ملائكة وأرواحا ، ويقولون: (رَوحانية الشمس ، رَوحانية عطارد ، رَوحانية الزهرة) ، وهي الشيطان والشيطانة التي تضل من أشرك بـها ، كما أن لنفس الأصنام - وهي التماثيل المصنوعة على اسم الوثن من الأنبياء والصالـحين ، أو على اسم كوكب من الكواكب ، أو روح من الأرواح والأصنام - أيضا لها شياطين تدخل فيها وتُكلم أحيانا بعض المشركين ، وقد تترايا أحيانا فيراها بعض الناس من السدنة وغيرهم.
فالمشركون من الفلاسفة القائلين بِـــقِدم العالم هم أعظم شركا ، وما يدَّعونه من الشفاعة لآلهتهم أعظم كفرا من مشركي العرب ، فإنهم لا يقولون إن الشفيع يسأل الله والله يجيب دعوته ، كما يقوله المشركون الذين يقولون: (إن الله خالق بقدرته ومشيئته) ، فإن هؤلاء عندهم أنه لا يعلم الجزئيات ولا يُحدِث شيئا بمشيئته وقدرته ، وإنما العالم فاض عنه ، فيقولون: (إذا توجه الداعي إلى من يدعوه كتوجهه إلى الموتى عند قبورهم وغير قبورهم ، وتوجهه إلى الأرواح العالية ؛ فإنه يَفيض عليهم ما يَفيض من ذلك المعظَّم الذي دعاه واستغاث به وخضع له من غير فعل من ذلك الشفيع ولا سؤال منه لله تعالى ، كما يفيض شعاع الشمس على ما يقابلها من الأجسام الصقيلة كالمرآة وغيرها ، ثم ينعكس الشعاع من ذلك الجسم الصقيل إلى حائط أو ماء) ، وهذا قد ذكره غير واحد من هؤلاء ، كابن سينا ومن اتبعه ، كصاحب «الكتب المضنون بها» وغيره.
وهؤلاء يزورون القبور الزيارة المنهي عنه بهذا القصد ، فإن الزيارة الشرعية مقصودها مثل مقصود الصلاة على الجنازة ، يُقصد بها السلام على الميت والدعاء له بالمغفرة والرحمة ، وأما الزيارة المبتدعة التي هي من جنس زيادة المشركين فمقصودهم بها طلب الحوائج من الميت أو الغائب ، إما أن يطلب الحاجة منه ، أو يطلب منه أن يطلبها من الله ، وإما أن يقسم على الله به.
ثم كثير من هؤلاء يقول: (إن ذلك المدعو يطلب تلك الحاجة من الله ، أو إن الله يقضيها بمشيئته واختياره للإقسام على الله بهذا المخلوق) ، وأما أولئك الفلاسفة فيقولون بل نفس التوجه إلى هذه الروح يوجب أن يُفيض منها على المتوجه ما يُفيض ، كما يُفيض الشعاع من الشمس من غير أن تقصد هي قضاء حاجة أحد ، ومن غير أن يكون الله يعلم بشيء من ذلك على أصلهم الفاسد.
فتبين أن شرك هؤلاء وكفرهم أعظم من شرك مشركي العرب وكفرهم ، وأن اتخاذ هؤلاء الشفعاء الذين يُشركون بهم من دون الله أعظم كفرا من اتخاذ أولئك.[167]
ثم قال:
فإن الحنفاء ليس فيهم من يقول بإثبات البشر وسائط في الخلق والتدبير والرزق والإحياء والإماتة وسماع الدعاء وإجابة الداعي ، بل الرسل كلهم وأتباع الرسل متفقون على أنه لا يعبد إلا الله وحده ، فهو الذي يسأل ويعبد ، وله يصلى ويسجد ، وهو الذي يجيب دعاء المضطرين ، ويكشف الضر عن المضرورين ، ويغيث عباده المستغيثين ، ]ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده[[168] ، ]وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون[[169].
وليس عند الحنفاء أن أحدا غير الله يستقل بفعل شيء ، بل غايته أن يكون سببا ، والأثر لا يحصل إلا به وبغيره من الأسباب وبصرف الـموانع ، والله تعالى هو الذي يـخلق بتأثير الأسباب وبدفع الموانع ، مع خلقه سبحانه أيضا لهذا السبب ، لكن المقصود انه ليس في الوجود ما يستقل بإحداث شيء ولا ثم شيء يوجب كل أثر إلا مشيئة الله وحده ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
والرسل هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ رسالاته وأمره ونهيه ووعده ووعيده ، كما قال تعالى ]وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين[[170] ، وقال ]إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا[[171] ، فأخبر أنه أرسله شاهدا كما قال ]ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس[[172] ، وقال ]فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا[[173] ، وقال ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[[174].
ولما دَفن النبي ﷺ شهداء أحد قال: أما أنا فشهيد على هؤلاء.[175]
وقوله ]مبشرا ونذيرا[ ؛ بالوعد والوعيد ، ]وداعيا إلى الله بإذنه[ ؛ بالأمر والنهي.
وقال تعالى ]واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمـٰن آلهة يعبدون[[176] ، وقال ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة[[177] ، وقال تعالى ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[[178].
وقد أخبر الله عن أول الرسل نوح عليه السلام ومن بعده من الرسل أنهم قالوا لقومهم ]اعبدوا الله ما لكم من إلـٰه غيره[[179] ، وقال نوح ]ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين[[180] ، وكذلك قال لخاتم الرسل ]قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي[[181].
فتوسط البشر بالرسالة مثل توسط الملك بالرسالة ، كما قال تعالى ]الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس[[182] ، وقال تعالى ]إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين[[183] ، فهذا جبريل ، ثم قال ]وما صاحبكم بمجنون[[184] ، وقوله ]وما صاحبكم[ كقوله في الآية الأخرى ]والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى[[185].
ثم أتبع فقال في ص 586 – 588 :
فَرُسُــــلُ الله وسائط في تبليغ رسالاته ، كما قال تعالى ]يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك[[186] ، وقال تعالى ]إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلَغوا رسالات ربهم[[187] ، وقال تعالى عن نوح ]ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي[[188] ، وكذلك قال هود.[189]
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.[190]
وفي السنن عن زيد بن ثابت وابن مسعود أن النبي ﷺ قال: نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من يسمعه ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.[191]
وفي «الصحيحين» عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع: ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع.[192]
والمقصود هنا أن الحنفاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له[193] ، وهم مسلمون وجميع الأنبياء وأممهم كانوا مسلمين مؤمنين ، ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[[194] ، لأن الدين عند الله الإسلام في كل زمان ومكان ، وقد أخبر الله عن نوح وإبراهيم وإسرائيل وغيرهم إلى الحواريين[195] أنهم كانوا مسلمين ، ونوح أول رسول بعث إلى أهل الأرض ، كما ثبت ذلك في الحديث المتفق على صحته ؛ حديث الشفاعة عن النبي ﷺ ، فمن جعل ما يثبته الحنفاء من توسط البشر أو توسط الملائكة من جنس ما يثبته المشركون ، وأخذ يُفاضل بين البشر والملائكة ؛ لم يكن عارفا بدين الإسلام.
بل قول الحنفاء هو ما قاله الله تعالى في كتابه حيث قال ]ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون[[196] ، فمن اتخذ هؤلاء أو هؤلاء أربابا - كما يقول من يجعلهم وسائط في العبادة والدعاء ونحو ذلك - فهو كافر.
وصاحب «الكتب المضنون بها» قد جعل الملائكة والنبيين وسائط ، وجعل هذه شفاعتهم موافقةً للفلاسفة ، كما تقدم من أن هذا القول شر من قول مشركي العرب.
وجاء بعده صاحب كتاب «السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم» فذكر فيه الشرك الصريح من عبادة الكواكب والجن والشياطين ودعواتها وبخورها وخواتيمها وأصنامها التي تجعل لها على مذهب المشركين الكِلدانيين والكشدانيين الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل ، وبنى على ذلك القول بقِدم العالم ، وأن لا سبب لحدوث الحوادث إلا مجرد حركة الفلك كما يقوله هؤلاء القائلون بقدم العالم الذين هم شر من مشركي العرب.[197] انتهى.
وقال في كتابه «الرد على المنطقيين»[198]:
نفى الله شفاعة احد إلا بإذنه في غير موضع من القرآن بقوله ]من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه[[199] ، وقوله ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع[[200] ، وقال ]وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل[201] نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون[[202] ، وقال ]الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون[[203] ، وقال تعالى ]وقالوا اتخذ الرحمـٰن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إلـٰه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين[[204] ، وقال تعالى ]قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له[[205] ، وقال تعالى ]وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفعتهم شيئا إلا من بعد أن بأذن الله لمن يشاء ويرضى[[206].
فهذه الشفاعة التي نفاها القرآن تتضمن نفي ما كان يقوله مشركو العرب وأمثالهم من الـمشركين ، وهي من جنس شرك النصارى ونحوهم من الضّلال المنتسبين إلى الإسلام ، حيث يعتقدون في الملائكة أو الأنبياء أو الشيوخ أنهم شفعاء لهم عند الله كما يشفع الشفعاء إلى ملوك الدنيا ، ويضربون لله مثلا فيقولون: (من أراد أن يتقرب إلى ملِكٍ عظيم فلا ينبغي له أن يأتي إليه أولا ، بل يتقرب إلى خاصته ، وهم يرفعون حوائجه ويُقربونه إليه!)
قال تعالى ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[[207] ، أي يقولون: )ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( ، ذكر سبحانه هذا بعد قوله ]تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنـزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[[208].
وقال في هذه السورة ]أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام * ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون[[209].
وقال فيها ]قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين[[210].
وقال فيها ]قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين[[211].
ومن أظهر الأدلة على ضلال الفلاسفة وانحرافهم ما نقله الرازي عن أرسطو أنه كتب في أول كتابه في الإلـٰهيات أنه قال:
من أراد أن يشرع في المعارف الإلـٰهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى.
ووافقه الرازي على كلامه ، بل قال: وهذا الكلام موافق للوحي والنبوة.[212]
وكذب عدو الله ، فلا يُـبدِّل فطرة الله التي فطر الناس عليها إلا من رغب في بالإنحراف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ : ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جَـمعاء[213] ، هل تُحِسُّون فيها من جَدعاء[214]؟
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: }فطرة الله التي فطر الناس عليها{ الآية.[215]
وانظر للتوسع في الرد كتاب «بيان تلبيس الجهمية» (1/369) وما بعده من الصفحات.
قال ابن تيمية رحمه الله:
ويقولون[216] إن العقل الفعال مُبدعٌ كل ما تحت فلك القمر ، وهذا أيضا كفر لم يصل إليه أحد من كفار أهل الكتاب ومشركي العرب ، ويقولون إن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته ، وليس عالما بالجزئيات ، ولا يقدر أن يغير العالم ، بل العالم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه ، وأنه إذا توجه المستشفع إلى من يعظمه من الجواهر العالية - كالعقول والنفوس والكواكب والشمس والقمر - فإنه يتصل بذلك المعظَّم المستشفع به ، فإذا فاض على ذلك ما يفيض من جهة الرب ؛ فاض على هذا من جهة شفيعه ، ويمثلونه بالشمس إذا طلعت على مرآة فانعكس الشعاع الذي على المرآة على موضع آخر ، فأشرق بذلك الشعاع ، فذلك الشعاع حصل له من مقابلة المرآة وحصل للمرآة بمقابلة الشمس.[217]
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في «شرح العقيدة الطحاوية» معلقا على قول أبي جعفر الطحاوي رحمه الله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين ، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين) ، قال:
هذه الأمور من أركان الإيمان ، قال تعالى )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله([218] الآيات ، وقال تعالى )ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين([219] الآية ، فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة ، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين ، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة بقوله )ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا([220] ، وقال ﷺ في الحديث المتفق على صحته ، حديث جبرائيل ، وسؤاله للنبي ﷺ عن الإيـمان ، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه ، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل.
وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها ، وأعظم الناس لها إنكارا الفلاسفة ، المُسمّون عند من يعظمهم بالحكماء ، فإن مَن علم حقيقة قولهم علِم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر ، فإن مذهبهم أن الله سبحانه موجود لا ماهية له ولا حقيقة ، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها ، وكل موجود في الخارج فهو جزئي ، ولا يَفعل عندهم بقدرته ومشيئته ، وإنما العالم عندهم لازم له أزَلاً[221] وأبدا ، وإن سموه (مفعولا له) فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه ، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته ، فهذا إيمانهم بالله.
وأما كتبه عندهم فإنهم لا يصفونه بالكلام ، فلا يُكلم ولا يتكلم ، ولا قال ولا يقول ، والقرآن عندهم فيضٌ فاض من العقل الفعال على قلبِ بشرٍ زاكي النفس طاهر ، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته لينال من العلم أعظم ما يناله غيره ، وقوة النفس ليؤثر بها في هَـيُولى[222] العالم ، يقلِب صورة إلى صورة ، وقوة التخييل ، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة ، وهي الملائكة عندهم ، وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل ، وتذهب وتجيء ، وترى وتخاطب الرسول ، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.
وأما اليوم الآخر فهم أشد الناس تكذيبا وإنكارا له في الأعيان ، وعندهم أن هذا العالم لا يَخرب ، ولا تنشق السماوات ولا تنفطر ، ولا تنكدر النجوم ، ولا تُكوّر الشمس والقمر ، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار ، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام ، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل ، فهذا إيمان هذه الطائفة الذليلة الحقيرة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.[223]
ومن آثار جناية المنطق الأرسطي على الإسلام وأهله ؛ ضعف توقير الكتاب والسنة في نفوس المعجبين بعلم الكلام ، اغترارًا بالأدلة العقلية الموزونة بميزان المنطق ، ولم تعد لأدلة الوحيين قيمة ذاتية إلاَّ على وجه الاستئناس بها والمعاضدة للأدلة العقلية عند التوافق معها ، أمَّا في حالة التعارض فإنَّ نصوص الوحي من الكتاب والسنة ترد ردًّا كليا بإلغاء مدلوليهما ، وتأويلهما على وجه يتوافق - في زعمهم - مع العقل المشفوع بالمنطق ، لقطعيته وظنيتهما ، والقطعي لا يعارضه الظني ولا يقاومه ، الأمر الذي أدَّى إلى الاستغناء عن نصوص الوحيين بآراء الرجال وأقيسة المناطقة وهرطقات الفلاسفة ، وأبعدَهم عن مقتضى وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الأمة بما يكفل لها النجاة والهدى إذا اعتصمت بالكتاب والسنة ، وتحاكمت إليهما في موارد النزاع ، وتباعدت عن الضلالات والبدع ، قال ابن تيمية رحمه الله:
فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان ؛ أنه لا يُقبل من أحد قط أن يُعارض القرآن ، لا برأيه ، ولا ذوقه ، ولا معقوله ، ولا قياسه ، ولا وَجْدِهِ[225] ، فإنهم ثَبَت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أنَّ الرسول جاء بالهدى ودين الحق ، وأنَّ القرآن يهدي للتي هي أقوم.[226]
فهذا غيضٌ من فيضِ ما يُسببه الـمنطق الأرسطي من تفريق كلمة المسلمين ، وتذبذب معتقدهم ، وشق عصاهم ، ونبذ جماعتهم ، فالاضطراب والشك والنزاع والحيرة عالق بأهل المنطق والمشتغلين به ، فلا يكاد يوجد اثنان منهم يتفقان على مسألة ما ، حتى تلك التي يطلقون عليها اسم "البدهيات" أو "اليقينيات".
وقد وصف ابن تيمية رحمه الله المشتغلين بهذه الصناعة بقوله:
ومن الآثار السيئة لتلقي تلك العلوم الفلسفية أن الخائضين في العلوم من أهل هذه الصناعة أكثر الناس شكًّا واضطراباً ، وأقلهم علمًا وتحقيقًا ، وأبعدهم عن تحقيق علم موزون ، وإن كان فيهم من قد يحقق شيئا من العلم فذلك لصحة المادة والأدلة التي ينظر فيها ، وصحة ذهنه وإدراكه ، لا لأجل المنطق ، بل إدخاله صناعة المنطق في العلوم الصحيحة يطوّل العبارة ، ويبعد الإشارة ، ويجعل القريب من العلم بعيدًا ، واليسير منه عسيرًا ، ولهذا تجد من أدخله في الخلاف والكلام وأصول الفقه وغير ذلك ؛ لم يُفد إلاَّ كثرة الكلام والتشقيق ، مع قلة العلم والتحقيق ، فعلم أنه من أعظم حشو الكلام ، وأبعد الأشياء عن طريق ذوي الأحلام.[227]
قال أحد بطارقة الروم: فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلاَّ أفسدتها وأوقعت بين علمائها.[228]
قال د. موسى الدويش في مقدمة تحقيقه لكتاب «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد»[229]:
(إن محاولة الجمع أو التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة قديمة ، فهناك فئة من الناس اغترت بعقولـها ، فذهبت تُشَرِّع للناس الشـــرائع في كل فنٍّ حتى وإن خالف شرع الله الذي جاءت به الرسل ، وعندما اصطدمت تلك الآراء البشرية بشرع الله المنزل ؛ ظهرت فكرة الجمع بين الدين وتلك الآراء البشرية ، ومن هؤلاء فلاسفة اليونان قديما.[230]
ثم جاء فيلون اليهودي[231] فجعل شريعة نبي الله موسى أساس الفلسفة ، فذكر أن الكائنات بادئة من الله ونازلة إلى المادة وتتحد في الكلمة الإلـٰهية "لوجوس" التي عنها فاضت الكائنات.
وفي النصرانية جاء كليمنتس[232] ، فذكر أن الفلسفة في ذاتها ليست شراً ، فالمعرفة معرفتان: إحداهما عن طريق الوحي ، بدأت في العهد القديم ، واكتملت في العهد الجديد.
وذكر أيضاً أن تاريخ المعرفة الإنسانية يشبه مجرى نهرين عظيمين: الناموس اليهودي ، والفلسفة اليونانية ، وقد تفجرت المسيحية عند ملتقى هـٰذين النهرين ، فالناموس لليهود ، والفلسفة لليونان ، والناموس والفلسفة والإيمان للنصارى.
وجاء أوريجنس[233] فحاول أن يؤيد العقيدة المسيحية ببيان اتفاقها مع الفلسفة اليونانية ، فكان بذلك واضع الأساس لفلسفة العصور الوسطى.
إن محاولات الجمع بين الشرائع السماوية السابقة وبين الفلسفة من جانبِ هؤلاء أدى إلى تحريف الدين والعقيدة الصحيحة التي جاءت بها الرسل ، ولهذا دخل التحريف على التوراة والإنجيل ، وأصبح لكل فرقة كتاب يخصهم ، وعمت الفوضى الفكرية تلك الديانات ، وتسرب الإلحاد إليها بسبب تلك المحاولات وغيرها.
أما عملية التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة فقد بدأت مع حركة النقل والترجمة للكتب الفلسفية ، وقد تُرجم كتب كثيرة من المنطق والفلسفة من السريانية واليونانية والفارسية ، وكان أكثرها لأرسطو).
وقال في ص 146 :
فإنه نتيجة للفوضى الفكرية التي ابتلي بها العالم الإسلامي بعد ترجمة كتب الأمم السابقة ، وانتشار الطوائف المعادية للدين ؛ نبتت من تلك الأرضية فكرة الجمع بين الشريعة والفلسفة ، وتعصب لها فلاسفة كبار ، وبدأت تتغلغل تلك الآراء الفلسفية ويتداولها الناس وكأنها حقائق دينية ثابتة ، وانتهى الأمر بالبعض – ممن يُحسَن به الظن – إلى تأويل الآيات والأحاديث تأويلاً فلسفياً ، أو شرحِها حسب اصطلاحات الفلاسفة ، فانصبغت الكتب الإسلامية بالصبغة الفلسفية والكلامية ، وعمت الفوضى واستشرى الجهل بالأمور الشرعية ، وتلبس الباطل بثوب الحق ، حتى كاد المرء لا يميز بينهما ، فقيض الله لهذه الأمة شيخ الإسلام ، فدافع عن عقيدة التوحيد بكل ما أوتي من قوة وبيان ورباطة جأش ، فأبان الحقيقة وصَقَلَ ديباجة[234] الإسلام من كل ما علق بها من أوهام وخرافات. انتهى.
فالحاصل أن محاولة الفلاسفة للجمع بين الفلسفة والدين قد مرت بطريقين:
1. تفسير الحقائق الدينية بالآراء الفلسفية ، وكانت هذه أولى المحاولات.
2. تأويل الحقائق الدينية بما يتفق مع الآراء الفلسفية ، أو إخضاع تلك الحقائق لهذه الآراء ، وهذا الطريق من ابتداع الباطنية الإسماعيلية ، ولهذا لم ينتشر إلا بعد خروجهم.[235]
وقال ابن تيمية رحمه الله في «بيان تلبيس الجهمية»[236]:
وأنه بعد ذلك ، أواخر المائة الثانية وقبلها وبعدها ؛ اجتُلِبت كتب اليونان وغيرهم من الروم من بلاد النصارى وعربت ، وانتشر مذهب مبدلة الصابئة مثل آرسطو وذويه ، ظهر في ذلك الزمان «الخرمية»[237] ، وهم أول القرامطة الباطنية الذين كانوا في الباطن يأخذون بعض دين الصابئين المبدلين وبعض دين المجوس ، كما أخذوا عن هؤلاء كلامهم في العقل والنفس ، وأخذوا عن هؤلاء كلامهم في النور والظلمة ، وكَسَوا ذلك عبارات وتصرفوا فيه وأخرجوه إلى المسلمين ، وكان من القرامطة الباطنية في الإسلام ما كان ، وهم كانوا يميلون كثيرا إلى طريقة الصابئة المبدلين ، وفي زمنهم صنفت رسائل «إخوان الصفا» ، وذكر ابن سينا أن أباه كان من أهل دعوتهم ، من أهل دعوة المصريين منهم ، وكانوا إذ ذاك قد ملكوا مصر وغلبوا عليها ، قال ابن سينا: (وبسبب ذلك اشتغلت في الفلسفة) ، لكونهم كانوا يرونها ، وظهر في غير هؤلاء من التجهم ما ظهر ، وظهر بذلك تصديق ما أخبر به النبي ﷺ ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ : لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
قالوا: يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟
قال: فمن؟[238]
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون ، شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فقيل: يا رسول الله ، كفارس والروم؟
قال: فمن الناس إلا أولئك؟[239]
ومعلوم أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من المجوس والصابئين والمشركين ، فكان أول ما ظهر من البدع فيه شبه من اليهود والنصارى ، والنبوة كل ما ظهر نورها انطفت البدع ، وهي في أول الأمر كانت أعظم ظهورا ، فكان إنما يظهر من البدع ما كان أخف من غيره ، كما ظهر في أواخر عصر الـخلفاء الراشدين بدعة الـخوارج والتشيع ، ثم في أواخر عصر الصحابة ظهرت القدرية والمرجئة ، ثم بعد انقراض أكابر التابعين ظهرت الجهمية ، ثم لما عربت كتب الفرس والروم ظهر التشبه بفارس والروم ، وكتب الهند انتقلت بتوسط الفرس إلى المسلمين ، وكتب اليونان انتقلت بتوسط الروم إلى المسلمين ، فظهرت الملاحدة الباطنية الذين ركّبوا مذهبهم من قول المجوس واليونان مع ما أظهروه من التشيع ، وكانت قرامطة البحرين أعظم تعطيلا وكفرا ، كُفرهم من جنس كفر فرعون بل شر منه.
وقال ابن تيمية رحمه الله:
فإن هذه التعاليم لما اتصلت بالمسلمين وعُرِّبت كتبها مع ما عرب من كتب الطب والحساب والهيئة وغير ذلك ، وكان انتشار تعريبها في دولة الخليفة أبي العباس الملقب بالمأمون ؛ أخذها المسلمون فحرروها لفظا ومعنى ، لكن فيها من الباطل والضلال شيء كثير.
فمنهم من اتبعها مع ما ينتحله من الإسلام ، وهم صابئة المسلمين المسمون بالفلاسفة ، فصاروا مؤمنين ببعض الكتاب دون بعض ، بمنزلة المبتدعة من اليهود والنصارى قبل النسخ لما بدلوا بعض الكتب التي بأيديهم.
ومنهم من لم يقصد اتباعها ، لكن تلقى عنهم أشياء يظن أنها جميعها توافق الإسلام وتنصره وكثير منها تخالفه وتخذله ، وهذه حال كثير من أهل الكلام المعتزلة ، ولهذا قيل هم مخانيث الفلاسفة.
ومنهم من أعرض عنها إعراضا مجملا ولم يتبع من القرآن والإسلام ما يغني عن كل حقها ويدفع باطلها ، ولم يجاهدهم الجهاد المشروع ، وهذه حال كثير من أهل الحديث والفقه وغير ذلك ، وقد كتبت فيما تقدم بعض ما يتعلق بذلك في مواضع من القواعد ، وذكرت في تلخيص جمل المنطق ما وقع من الجهل والضلال بسببه ، وبعض ما وقع فيه من الخلل.[240]
قال ابن خلدون في «المقدمة»[241]:
وأعلم أن أكثر من عُـنِي بها[242] في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم: الأمتان العظيمتان في الدولة قبل الإسلام ، وهما فارس والروم ، فكانت أسواق العلوم نافقة[243] لديهم - على ما بلغنا - لما كان العمران موفورا فيهم ، والدولة والسلطان قبل الإسلام وعصره لهم ، فكان لهذه العلوم بحور زاخرة في آفاقهم وأمصارهم.[244]
وكان للكِلدانيين ومن قبلهم من السرياينين ومن عاصرهم من القبط عناية بالسحر والنَّجامة وما يتبعها من الطلاسم ، وأخذ ذلك عنهم الأمم من فارس ويونان ، فاختص بها القبط وطَمَى[245] بحرها فيهم ، كما وقع في المتلو من خبر هاروت وماروت وشأن السحرة ، وما نقله أهل العلم من شأن البراري بصعيد مصر.
ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه ، فدرست علومه وبطلت كأن لم تكن ، إلا بقايا يتناقلها منتحلو[246] هذه الصنائع والله أعلم بصحتها ، مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها ، مانعة من اختبارها.
وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ونطاقها متسعا ، لِما كانت عليه دولتهم من الضخامة واتصال الملك ، ولقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى «يونان» منهم حين قَتل الإسكندر «دارا» ، وغلب على مملكة الكينية ، فاستولى على كتبهم وعلومهم مالا يأخذه الحصر.
ولما فُـتِحَت أرض فارس ووجدوا فيها كتبا كثيرة ؛ كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخـطاب ليستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين ، فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء ، فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه ، وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله.
فطرحوها في الماء أو في النار.
وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا.
وأما الروم فكانت الدولة منهم لـ «يونان» أولا ، وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب ، وحملها مشاهير من رجالهم ، مثل أساطين الحكمة وغيرهم ، واختص فيها المشاءون منهم أصحاب الرُّواق بطريقة حسنة في التعليم ، كانوا يقرؤون في رواق يظلهم من الشمس والبرد على ما زعموا ، واتصل فيها سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه بُقراط ، ثم إلى تلميذه أفلاطون ، ثم إلى تلميذه أرسطو ، ثم إلى تلميذه الإسكندر الأفرودسِّي وتامسطيون وغيرهم.
وكان أرسطو مُعلما للإسكندر ملِكُهُم ، الذي غلب الفرس على مُلْكِهم ، وانتزع الملك من بين أيديهم ، وكان أرسخهم في هذه العلوم قدما وأبعدهم فيه صيتا ، وكان يسمى المعلم الأول فطار له في العالم ذِكْر.
ولما انقرض أمر اليونان وصار الأمر للقياصرة ، وأخذوا بدين النصرانية ؛ هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع فيها ، وبقيت في صحفها ودواوينها مخلدة باقية في خزائنهم ، قد ملكوا الشام وكتب هذه العلوم باقية فيهم.
ثم جاء الله بالإسلام ، وكان لأهله الظهور الذي لا كِفاء[247] له ، وابتزوا الروم مُلكَهم فيما ابتزوه للأمم[248] ، وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة عن الصنائع ، حتى إذا تبحبح السلطان والدولة ، وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم ، وتفننوا في الصنائع والعلوم ؛ تشوَّقوا إلى الإطلاع على هذه العلوم الحِكَمية بما سمعوا من الأساقفة والأقِسة[249] المعاهَدين بعض ذكر منها ، وبما تسموا إليه أفكار الإنسان فيها ، فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة ، فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات ، فقرأها المسلمون وأطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها.
وجاء المأمون بعد ذلك ، وكانت له في العلم رغبة بما كان ينتحله ، فانبعث لهذه العلوم حرصا ، وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربي ، وبعَث المترجمين لذلك ، فأوعى منه واستوعب ، وعكف عليها النظار من أهل الإسلام ، وحذقوا في فنونها ، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها ، وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول ، واختصُّوه بالرد والقبول لوقوف الشهرة عنده ، ودوَّنوا في ذلك الدواوين ، وأربَوا[250] على من تقدمهم في هذه العلوم ، وكان من أكابرهم في الملة أبو نصر الفارابي ، وأبو علي بن سينا بالمشرق ، والقاضي أبو الوليد بن رشد ، والوزير أبو بكر بن الصائغ بالأندلس ، إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم.
واختص هؤلاء بالشهرة والذِّكر ، واقتصر كثيرون على انتحال التعاليم وما ينضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات ، ووقفت الشهرة في هذا المنتحَل[251] على مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس وتلميذه ، ودخل على الملة من هذه العلوم وأهلها داخلة ، واستهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها وقلدوا آراءها ، والذنب في ذلك لمن ارتكبه ]ولو شاء الله ما فعلوه[. انتهى كلام العلامة ابن خلدون رحمه الله.
فالحاصل أن الأمة الإسلامية ابتُـــليت بتعريب كتب اليونان ، التي ابتدأ دخولـها في العهد الأموي ، وقد كان دخولها تدريجيا ، بدون توسع ولا انتشار ، لأن المشتغلين بالفلسفة اليونانية في ذاك الحين ، من المعجبين بالمنطق الأرسطي ؛ كانوا على خفية من علماء أهل السنة والجماعة ، الذين حذَّروا منها ، وقد شاعت كتب اليونان في عهد الدولة العباسية ، وعظم ذلك وقوي أيام المأمون لما أثاره من البدع ، وكان حرصه على نشره والحث عليه أعظم من الاشتغال بعلوم الأوائل.[252]
وعلى الرغم من وجود الفلسفات في الحضارات المصرية والهندسية والفارسية القديمة ، فإنها اشتهرت في بلاد اليونان بل وأصبحت مقترنة بها ، وما ذاك إلا لاهتمام فلاسفة اليونان بنقلها من تراث الشعوب الوثنية وبقايا الديانات السماوية ، وكان هذا بعد انتصار اليونايين على العبرانيين بعد السبي البابلي ، وبما استفادوه من لقمان الحكيم ، فجاءت خليطا من نزعات التأله ، مشوبة بالوثنية.[253]
إن محاولة الجمع بين الشريعة والفلسفية واحدة من المحاولات التي قام بها أعداء الدين من متفلسفة وقرامطة وصوفية وغيرهم من ذوي الأطماع والعصبية الحادة ضد تلك العقيدة الصافية ، وقد كانت تلك المحاولة من أخطر المحاولات التي مرت على الفكر الإسلامي ، فقد أدت إلى خلق بلبلة وفوضى فكرية نتج عنها جمود في أمتنا الإسلامية وطغيان أهل البدع ، وامتدت تلك المحاولة عدة قرون حتى خرج شيخ الإسلام رحمه الله[255] ، فشاهد بأم عينيه تلك الفوضى العارمة التي شلت المجتمع المسلم ، فسَلَّ لسانه وقلمه ، وجاهد بكل ما أوتي من قوة وبيان ، ونذر حياته كلها لمجاهدة هؤلاء وأمثالهم ممن حاول النيل من هذا الدين ، حتى كسر شوكتهم وأبان الطريق السلفي الصحيح.
لقد أدرك شيخنا رحمه الله خطورة تلك المحاولة وأثرها السيئ ، فأعطاها نصيبها من النقاش والرد ، وأوضح أن مقالة هؤلاء المتفلسفة من أبعد المقالات عن الشرع والعقل ، فهم في القضايا العقلية كالسوفسطائية[256] لا يثبتون على حقيقة معينة ، بل هم متناقضون مختلفون ، وفي الأمور الشرعية كالقرامطة والباطنية ، يحرفون النصوص عن معناها الحقيقي إلى معنى مجازي لا يدل عليه اللفظ بحال من الأحوال).
قال[257]:
(ومعلوم أن مقالات هؤلاء من أبعد المقالات عن الشرع فإنهم يُسفسِطون في العقليات ، ويقرمطون[258] في السمعيات ، فيحرفون الكلم عن مواضعه أعظم من التحريف الذي عيب به اليهود والنصارى – إلا من تَقرمَطَ[259] من الأمِّـــيين من متفلسفيهم فإنه شبيه بهم – ، وقد عُلم بالاضطرار أن ما يفسرون به كلام الله تعالى ورسوله e ، بل وكلام غيرهما ؛ ليس داخلاً في مرادهم فضلا عن أن يكون هو المراد ، بل غالب تفاسيرهم منافية لما أراده الله تعالى ، إما من ذلك اللفظ وإما من غيره).
إذن فهؤلاء خالفوا النقل والعقل ، فمحاولتهم تلك غير مجدية ولا طائل من ورائها ، ولكنهم أقدموا عليها تعصبا للفلسفة وحبا لها وبغضها لهذا الدين الحنيف ، ولهذا السبب فإن ابن سينا وأمثاله حاولوا إصلاح تلك الفلسفة القديمة الفاسدة بتقريبها إلى طريق الأنبياء ، وهذا ما كشفه شيخ الإسلام وأبانه – فهو العارف بأحوال الفلاسفة ومقاصدهم - قال: (وابن سينا تكلم في أشياء من الإلـٰهيات والنبويات والمعاد والشرائع لم يتكلم فيها سَـــــلَــــفُهُ ، ولا وصلت إليها عقولهم ، ولا بلغتها علومهم ، فإنه استفادها من المسلمين ، وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية.
ثم قال[260]: وهؤلاء المسلمون الذين كان ينتسب إليهم - وهم مع الإلحاد الظاهر والكفر الباطن أعلم بالله من سلفه الفلاسفة ، كأرسطو وأتباعه - فإن أولئك ليس عندهم من العلم بالله إلا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه.
وقال د. موسى الدويش أيضا[261]:
ناقش ابن تيمية بعض الاصطلاحات التي يروجها المتفلسفة على الناس بقصد التغرير بهم من أجل اتباع طريق الفلسفة ، وفي ذلك يقول: (ولا ريب أن القوم أخذوا العبارات الإسلامية القرآنية والسنية فجعلوا يضعون لها معاني توافق معتقدهم ، ثم يخاطبون بها ، ويجعلون مراد الله تعالى ورسوله e من جنس ما أرادوا ، فحصل بهذا من التلبيس على كثير من أهل الملة ومن تحريف الكلم عن مواضعه ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته ما الله به عليم ، ولهذا قد يوافقون المسلمين في الظاهر ولكنهم في الباطن زنادقة منافقون.
إن الفلاسفة لهم مراد خبيث يبطنونه وراء تلك الألفاظ ، ولكن الشيخ لهم بالمرصاد حيث بيّن مفهوم تلك الألفاظ عندهم ، وبين محاولتهم في جذب الناس إلى مرادهم من خلال تسترهم بتلك الألفاظ ذات المدلول الشرعي.
لقد كان لترجمة تلك الفلسفة إلى اللغة العربية أثراً خطيراً على عقيدة بعض المتفلسفة الذين حاولوا مزج الفلسفة بالشريعة ، بل انتهى الأمر بالبعض إلى القول بوحدة الأديان السماوية مع غيرها من الأديان الوثنية التي صنعها البشر ، كما ذهب إلى ذلك فلاسفة التصوف أمثال ابن عربي وابن سبعين وغيرهما.
لقد آمن متفلسفة الإسلام بتلك الفلسفة الأرسطية وغيرها إيماناً عميقاً يفوق إيمانهم بدين الإسلام ، ولمّا كانوا يعيشون وسط محيط إسلامي وخوفاً من نقمة العامة عليهم ؛ قاموا بمحاولة التوفيق بين الدين والفلسفة ، وتم هذا الشيء على حساب الدين ، فحرفوا النصوص الشرعية حسب ما يريدون ، وأول من قام بعملية التوفيق من الفلاسفة «الكندي» ، فقد أخذ يجمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات ، محاولا أن يقيم الدليل على عدم وجود تعارض بينهما ، بل يغالي في الفلسفة فيُعرفها بأنها "علم الأشياء بحقائقها" ، ويُدخل في ذلك بحسب رأيه علم الربوبية والوحدانية وكل علم.
ثم جاء إخوانُ الصفا ، فقام مذهبهم على أساس التوفيق بين الدين والفلسفة ، وألّفوا لهذا الغرض رسائلهم ، فهم يرون أن الشريعة قد دُنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ، لأنها حاوية الحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية ، فقامت لهذا الغرض مؤكدة أنه متى انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.
أما ابن سينا فقد صرح بأن عبارات الوحي ما هي إلا ألفاظ استصوبها الرسول للتعبير بها عما أوحي إليه ، أي أن الرسول قد تلقى بالفيض عن العقل الفعال معانٍ عبر عنها بألفاظ من عنده ، وهذا الكلام مناقض للنصوص الشرعية ، قال الله تعالى ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى[[263].
وابن سينا في محاولته للتوفيق بين الدين والفلسفة يلجأ إلى القول بأن لغة الرسل لغة رمزية إيـمائية ، يَفهم منها العامة ظاهر معناها على سبيل التمثيل والتخييل تقريباً للإفهام ، وترويضاً للعقول ، أما الخاصة فهم المعنيون بفهم الحقائق وتأويل الرموز وإدراك المعاني الباطنة وراء تلك الألفاظ التي استعملها الأنبياء.[264]
وقال د. موسى في ص 80 :
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين – وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة – أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه عن سلفه ، فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفِه ومما أحدثه ، مثل كلامه في النبوات ، وأسرار الآيات ، والمنامات ، بل وكلامه في بعض الطبيعيات والمنطقيات ، وكلامه في واجب الوجود ونحو ذلك ، وإلا فأرسطو وأتباعه ليس في كلامهم ذكر "واجب الوجود" ، ولا شيء من الأحكام التي لواجب الوجود ، وإنما يذكرون العلة الأولى ، ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به.
فابن سينا أصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض إصلاح حتى راجت على من لم يعرف دين الإسلام من الطلبة النظار.
قال ابن تيمية رحمه الله:
ولكن ابن سينا وأمثاله خلطوا كلامهم في الإلـٰهيات بكلام كثير من متكلمي أهل الملل ، فصار للقوم كلام في الإلـٰهيات ، وصار ابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهما يُقربون أصول هؤلاء إلى طريقة الأنبياء ، ويظهرون أن أصولهم لا تخالف الشرائع النبوية ، وهم في الباطن يقولون أن ما أخبرت به الرسل عن الله وعن اليوم الآخر لا حقيقة له في نفس الأمر ، وإنما هو تخييل وتمثيل وأمثال مضروبة لتفهيم العامة ما ينتفعون به في ذلك - بزعمهم - وإن كان مخالفا للحق في نفس الأمر ، وقد يجعلون خاصة النبوة هي التخييل ، ويزعمون أن العقل دل على صحة أصولهم.
وأكثر الناس لا يجمعون بين معرفة حقيقة ما جاءت به الرسل وحقيقة قول هؤلاء ، ولا يعقلون لوازم قولهم التي بها يتبين فساد قولهم بالعقل الصريح.
ثم أن كثيرا من الناس أخذ مذاهبهم فغيّر عباراتها ، وربما عبر عنها بعبارات إسلامية حتى يظن المستمع أن قول هؤلاء هو الحقيقة التي بعثت بها الرسل ودلت عليها العقول ، كما فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا ، وأصحاب دعوة القرامطة الباطنية.
ثم أن هذه الأمور راجت على كثير من أهل التصوف والكلام والتأله والنظر).[265]
ثم أتبع د. موسى قائلا:
إن رواج مثل هذه المحاولات الفلسفية لها خطورة بالغة ، حيث تأثر بها كبار القوم ممن تبوأ منزلة مرموقة ، ومع ذلك سقطوا في شِراك هؤلاء المتفلسفة وغيرهم ، فنهجوا نهجهم في محاولة الجمع بين الشريعة والفلسفة ، وتأولوا النصوص الشرعية تأويلا فلسفياً يتفق مع تأويلات الباطنية الهدامة ، ولهذا السبب ناقش شيخ الإسلام هذا الأمر مناقشة صارمة ، أبان فيها عن حقيقة مقاصد هؤلاء القوم ، وركز النقاش على من نهج نهجهم من العلماء الكبار.
ثم جاء ابن رشـد ، فعمل على الجمع بين الشريعة والفلسفة كما فعل أسلافه من قبل ، ومن شدة تعصبه للفلسفة أفرد لدراسة هذا الموضوع كتابا خاصا سماه «فصل المقال فيما بين الحكمة[266] والشريعة من الاتصال».
ويرى ابن رشد أنه ليس في الشرع أسرار لا يدركها العقل ، لأن العقل يدرك جميع الموجودات ، وإذا بدا لك أن هناك أسرار لا تدركها العقول ؛ فاعلم أن هذه الأسرار ليست سوى رموز وإشارات إلى مسائل برهانية يمكن الوصول إلى معرفة حقيقتها بالتأويل ، فالخلق أو الإيجاد ليس سوى الفيض الضروري عن الذات الإلـٰهية ، وحشر الأجساد وأوصاف الجنة والنار ليست سوى صور جاء بها الأنبياء للحث على العمل الصالح.
وإذا كان الأنبياء يحسنون انتقاء الرموز والمثالات الحسية الملائمة لعقول العامة ؛ فمرد ذلك إلى ما أوتوه من شدة الحدس وصفاء النفس وقوة الإلهام ، وأكثر الرموز التي يستعملونها مطبوعة بطابع المجتمع الذي بعثوا إليه ، فكل نبي حكيم ، وليس كل حكيم نبيا.
ثم قال في ص 82[267] :
أما الغزالي ؛ فتصدى للفلاسفة بالنقاش والرد ، وأوضع معاني بعض المصطلحات الفلسفية وحاول تطبيقها على النصوص الشرعية ، وشرح تلك النصوص شرحاً فلسفياً - كما هو الحال عند الفارابي وابن سينا وغيرهما من المتفلسفة - لكنه نهج في نهاية الأمر نهج هؤلاء وسلك طريقهم ، فشرح النصوص الشرعية شرحاً فلسفياً لا يختلف عن شرح هؤلاء ، وقد أوضح ابن تيمية رحمه الله العلاقة الفلسفية بين الغزالي ومن سبقه من المتفلسفة ، بعد استعراض بعض مصنفاته التي سلك فيها هذا الطريق الباطني البعيد عن منهج السلف الصحيح.[268]
وقال ص 107 :
يتمتع الغزالي بثقافة واسعة ، فقد استوعب أغلب المذاهب الفلسفية والكلامية حتى طغت على تفكيره ، وجاء تحصيله منها أكثر من تحصيله للعلوم الشرعية التي لـم يستوعبها على الوجه الـمطلوب ، فنجده ضعيفاً في الحديث ، وإذا استدل فهو لا يفرق بين الصحيح والضعيف ، وقد اعترف بهذا الشيء ، فذكر أن بضاعته في الحديث مزجاة.
وكثيراً ما كان يفسر الآيات والأحاديث بمعاني فلسفية نتيجة ثقافته الواسعة في هذا الميدان.
وقد تأثر بالفلسفة الأفلاطونية المحدَثة تأثراً كبيراً ، كما تأثر بإخوان الصفا ، وكذلك الفارابي وابن سينا ، وتأثر بابن مِسكَويه ، وخاصة كـتابه «تهذيب الأخلاق» ، فقد نقل منه نقلاً حرفيا ولم يشر إليه.
وقال ص 109[269] :
وخلاصة القول يتضح لنا أمور عديدة عن الغزالي منها:
1) أنه عاش فترة طويلة من حياته في حيرة بين المذاهب ، يحاول أن يصل إلى الحقيقة واليقين حسب زعمه.
2) أنه رغم رده على آراء المتكلمين والفلاسفة ؛ إلا أنه تأثر تأثيراً كبيراً بالفلسفة ؛ ثم تبنى آراء الصوفية ، ولذلك انتهى إلى مذهب مزَج فيه الفلسفة ، مخلوطة بالتصوف مع الشريعة.
3) كان أشعري الاعتقاد ، وكانت معرفته بالسنة ضعيفة ، فأدى ذلك إلى بُعده عن مذهب أهل الحديث والسلف وعدم إتباعه لهم.
4) الانتهاء أخيرا إلى اعتناق مذهب الصوفية ، وخاصة أهل الإشراق[270] ، كما دل على ذلك كتابة «مشكاة الأنوار» ، فهو دعوة صريحة إلى مذهبهم.
ونتيجة لتقلب الغزالي بين تلك المذاهب ؛ تضاربت أفكاره ، وتناقضت أقواله ، فعابه العلماء على ذلك ، فمنهم من عابه لإسرافه في اعتناق المذاهب الباطلة وابتعاده عن المذهب الصحيح مثل ابن العربي[271] ، وقد ذكر الشيخ[272] طائفة من هؤلاء.
ومنهم من عابه لعدم ثباته على مذهب معين ولكثرة تناقضه ، أمثال ابن رشد حيث قال: (إنه لم يلزم مذهبًا من المذاهب في كتبه ، بل هو مع الأشاعرة أشعري ، ومع الصـوفية صوفي ، ومع الفلاسفة فيلسوف ، حتى أنه كما قيل:
يوما يَـمانٍ إذا لاقيت ذا يَـمنٍ وإن لقيت معديَّا فعدناني)
وقال ابن طفيل:
وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي فهو بحسب مخاطبته للجمهور ، يربط في موضع ، ويحُل في آخر ، ويكفر بأشياء ثم ينتحلها ، ثم أنه من جملة ما كفّر به الفلاسفة في كتاب «التهافت» إنكارهم لحشر الأجساد ، وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة ، ثم قال في أول كتاب «الميزان» أن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع ، ثم قال في كتاب «المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال»: (وإن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية ، وأن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث) ، وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها.
حتى ابن سبعين[273] عاب الغزالي فقال:
(وأما الغزالي فلسان دون بيان ، وصوت دون كلام ، وتخليط يـجمع الأضداد ، وحَيـرة تُقطع الأكباد ، مرة صوفي وأخرى فيلسوف وثالثة أشعري ، ورابعة فقيه ، وخامسة محير ، وإدراكه في العلوم القديمة أضعف من خيط العنكبوت ، وفي التصوف كذلك).
ثم ذكر د. موسى الدويش في ص 114 بعضا من أمثلة تخبطات الغزالي التي ذكرها في كتاب «مشكاة الأنوار» مما قاله في تفسير بعض الأعلام في القرآن ، "فالطور" مثلا للموجودات العظيمة الثابتة في عالم الملكوت.
"والوادي" مثال للموجودات العلوية التي تتلقى المعارف الغيبية ، ومنها تجري هذه المعارف إلى النفوس البشرية.
"والوادي الأيمن" مثال للمنبع الأول للمعرفة.
"والنار" مثال لروح النبي.
"الاصطلاء" مثال للمشاركة بين النبي وتابعيه.
"والوادي المقدس" مثال لأول منزلة من منازل ترقي النبي.
"وخلع النعلين" مثال لهجر الدارين الدنيا والآخرة.
"والقلم" مثال لانتقاش علم الغيب في النفوس القابلة.
"واللوح المحفوظ" و "الرق المنشور" مثال للنفس التي يسجل فيها هذا العلم.
"واليد" مثال للملَك المسخر للكتابة العلوم.
"والصورة" مثال لمجموع اليد والقلم واللوح ، وهي في الإنسان صورة الرحمـٰن ، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيراً.
ولا شك أن كل مطلع على كلام الغزالي يدرك إسرافه في تأويل النصوص تأويلاً باطنياً ، وقد أدرك الغزالي نفسه هذا الشيء في رسالته ، فبادر إلى القول: (أنه ليس باطنيا يبطل الظاهر ، ولا حشويا يبطل أسرار الباطن ، ولكنه يجمع بين الظاهر والباطن ، ويأخذ بالمعنى المحسوس كما يراقب السر المختفي وراءه).
ثم قال في ص 117[274] :
إن الخطورة الحقيقية والفعلية في هذا الكتاب تكمن في أخذ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتفسيرها فلسفياً حسب مقصود الفلاسفة ، وهنا ينخدع القارئ فيظن أن القرآن دال على قول هؤلاء الفلاسفة ولا تعارض بينهما ، وهذا هو أسلوب كل من حاول التوفيق بين الدين والفلسفة[275] ، وقد أبان الشيخ رحمه الله هذا الجانب ، بل هو المقصود من تأليفه لهذا الكتاب.
لقد تتبع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جميع ما ورد في كتاب «المشكاة» ، فناقشه من جميع جوانبه ، وأبطل كل ما اشتمل عليه من الأمور الفاسدة المنافية للشرع ، وكَشَفَ القناع عن فلسفة الغزالي وصوفيته وسلوكه طريق الباطنية ، وبعده عن المنهج الصحيح لأهل السنة باعتناقه تلك الأفكار المنحرفة ، والتأثير[276] السيئ لها على من جاء بعده ، وكشف أيضًا عن ضعف الغزالي بالأحاديث النبوية حيث لا يفرق بين الصحيح والضعيف ، وقد بنى أفكاره في كتاب «المشكاة» على حديث مكذوب.
وقال الشيخ سليمان بن سحمان[277] رحمه الله:
لقد كان من المعلوم أن الغزالي قد سلك في الإحياء طريق الفلاسفة والمتكلمين في كثير من مباحث الإلـٰهيات وأصول الدين ، وكسا الفلسفة لحاء الشريعة ، حتى ظنها الأغمار والجهال بالحقائق من دين الله الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ودخل به الناس في الإسلام ، وهي في الحقيقة محض فلسفة منتنة يعرفها أولو الأبصار ، ويمجها من سلك سبيل أهل العلم كافة في القرى والأمصار ، قد حذر أهل العلم والبصيرة من النظر فيها ، ومطالعة خافيها وباديها ، بل أفتى بتحريقها علماء المغرب ممن عرف بالسنة ، وسماها كثير منهم (إماتة علوم الدين) ، وقام ابن عقيل أعظم قيام في الذم والتشنيع عليه ، وبيان زيف ما فيه من التمويه والترقيع ، وجزم أن كثير من مباحثه زندقة خالصة ، لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل.[278]
وأما ابن عربي فقد قال عنه د. موسى الدويش في ص 124[279]:
أما ابن عربي فيرى أن ما نطق به في كتابه «فصوص الحكم» ما هو إلا وحي والهام حيث قال: (ولا أتنزل في هذا المسطور إلا ما ينزِل به عليّ ، ولست بنبي ولا رسول ، ولكني وارث ، ولآخرتي حارث) ، فهو يدّعي أن كتابه من إملاء رسول الله من غير زيادة ولا نقصان ، أملاه عليه في رؤيا رآها في دمشق سنة 627 هـ ، وأنه لم يكن إلا مترجمًا لما كاشفه به النبي.
ومقصود ابن عربي من هذا الكلام رواج قوله بين الناس كي يأخذوا بفكرته ومذهبه الاتحادي.[280]
أما ابن سبعين فقد كان يرى أن النبوة أمر كسبي ، وأن النبوة لم تختم بمحمد ﷺ ، ومذهب ابن سبعين يقوم مذهبه على القول بالوحدة المطلقة ، أي أن الوجود واحد ، وهو وجود الحق فقط.
أما الموجودات الأخرى - أي المخلوقات - فهو يرى أن وجودها عين وجود الله غير زائدة عليه بوجه من الوجوه ، فكل ما عقل أو أحس فهو وجود ومرتبة ، والمراتب زائلة ، والوجود ثابت ، والثابت حق ، والزائل وهم وباطل.[281]
فابن سبعين ينظر إلى الموجودات بعين الجمع والوحدة ، فكل ما في الوجود من مراتب مختلفة هو وهمٌ في الحقيقة ، كل ما في الوجود من متناقضات داخل في الإحاطة ، فلا فرق عنده بين الرب والعبد ، والوهم والحق ، لأن الحقيقة الوجودية جامعة لذلك كله حسب رأيه في الوجود المطلق.[282]
وقد ذكر د. موسى الدويش في ص 135 أن الدارس لحياته ابن سبعين يدرك أنه مر بثلاث مراحل هي:
1) من سنة 614 إلى سنة 640 هـ ، بقي طوال تلك المدة بالأندلس ثم طرد منها بعد ذلك إلى المغرب بسبب تصرفاته الغريبة وأقواله المخالفة لدين الإسلام ، ومنها قوله: لقد حجَّر ابن آمنة[283] واسعا بقوله: "لا نبي بعدي" ، ويرى ابن كثير أن سبب قول ابن سبعين هذا لأنه يرى عدم انقطاع النبوة لأنها شيء كسبي ، أعاذنا الله من قوله ، وقد طُرد هو وأتباعه.
2) من سنة 640 إلى سنة 652 هـ قضاها ابن سبعين في المغرب متنقلاً بين المدن والأمصار لنشر أفكاره ، وأثناء هذه المدة وردت أسئلة من الإمبراطور الروماني «فريدريك الثاني» حاكم صقلية ، فأجاب عليها ابن سبعين إجابة من لا يتقيد بدين ولا مذهب ، بعد ذلك طرده حاكم "سبته" لأنه شم منه رائحة الفلسفة الـمتضمنة للكفر ، وكان لعلماء المغرب دور كبير في ذلك ، بعدها ذهب ابن سبعين إلى المشرق فوصل إلى القاهرة ولكنه لم يجد فيها ضالته ، حيث أن علماء المغرب أرسلوا رسولا يحذر أهل مصر منه بسبب أرائه الفلسفية والصوفية ، ومنها قوله بوحدة الخالق والمخلوق ، إذ يقول: "أنا هو ، وهو أنا" ، لذلك ناصبه علماء مصر العداء ، وعلى رأسهم الفقيه قطب الدين القسطلاني ، فذهب إلى مكة.
3) المرحلة الثالثة والأخيرة من سنة 652 هـ إلى وفاته سنة 668 هـ ، بقي طيلة تلك المدة في مكة المكرمة ، وسبب إقامته فيها أنه وجد حاكمها الشريف محمد الأول من آل البيت ، وابن سبعين يميل إلى التشيع والقول بالفاطمي ، والتعصب لآل البيت ، وكذلك عداوته لحاكم مصر الظاهر بيبرس سبب تشيعه ، وقد سَجن حاكم مصر ولد ابن سبعين ، ولما حج سنة 667 هـ طلب ابن سبعين غاية الطَّلب[284] ، ولكنه اختفى عنه.
وفي سنة 667 هـ شنع الفقهاء على ابن سبعين ، ففكر في الخروج من مكة إلى الهند ، ولكنه لم يفعل ذلك ، وأخيرا توفي منتحرا بقطع شرايين يده ، حسب ما ذكره بعض المؤرخين.
وقال د. الدويش في ص 152[285] :
لقد كان ابن عربي وابن سبعين وأمثالـهما من المتصوفة يستعملون اللغة الرمزية في التعبير عن مذهبهم ، ويكثرون من ترداد الألفاظ والاصطلاحات التي تشبه الألغاز ، كما نراه واضحًا في «فصوص الحُكم» وفي «رسائل ابن سبعين» ، وكل مطلع على مصنفاتهما يدرك هذه الصعوبة في بادئ الأمر حتى يتوغل في المذهب فتنكشف له حقيقته ، وقد أوضح المستشرق نيكلسون الخبير بشؤون هؤلاء تلك الصعوبة عند وصفه لأسلوب ابن عربي في فصوص الحكم فقال:
(إنه يأخذ نصًا من القرآن أو الحديث ويؤوِّله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي وأريجن الاسكندري ، ونظرياته في هذا الكتاب صعبة الفهـــم ، وأصعب من ذلك شرحها وتفسيرها ، لأن لغته اصطلاحية خاصة ، مجازية معقدة في معظم الأحيان ، وأي تفسير حرفي لها يفسد معناها ، ولكنا إذا أهملنا اصطلاحاته استحال فهم كتابه ، واستحال الوصول إلى فكرة واضحة عن معانيه ، ويمثل الكتاب في جملته نوعاً خاصاً من التصوف المدرسي العميق الغامض). اهـ.
بالرغم من معرفة الإمام الذهبي الكبيرة بالرجال ونقدهم ؛ إلا أنه التبس عليه أمر ابن عربي ، حيث ادعى أنه من أولياء الله.
والذهبي رحمه الله لم يدرك مذهب ابن عربي في وحدة الوجود ، ولم يطَّلع على مقصوده مثل إدراك
شيخ الإسلام رحمه الله الذي درس مصنفات ابن عربي حتى عرف سِرَّ كلامه.
قال ابن تيمية رحمه الله:
من شيوخ الفلاسفة من يقول: هذه علوم[287] قد صقلتها الأذهان أكثر من ألف سنة وقَــــبِلَها الفضلاء!
فيقال له: عن هذا أجوبة:
أحدها: أنه ليس الأمر كذلك ، فما زال العقلاء الذين هم أفضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويبينون خطأهم وضلالهم ، فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفى كتب أخبارهم ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره ، فأما أيام الإسلام فإن كلام نظار المسلمين في بيان فساد ما أفسدوه من أصولهم المنطقية والإلـٰهية بل والطبيعية والرياضية كثير ، قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين حتى الرافضة.
وأما شهادة سائر طوائف أهل الإيـمان والعلماء بضلالهم وكفرهم فهذا البيان عام لا يدفعه إلا معاند ، والمؤمنون شهداء الله في الأرض فإذا كان أعيان الأذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر أهل العلم والإيمان معلِنين بتخطئتهم وتضليلهم إما جملة وإما تفصيلا ؛ امتنع أن يكون العقلاء قاطبة تلقوا كلامهم بالقبول.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا يجوز لعاقل أن يظن أنَّ الميزان العقلي الذي أنزله الله هو منطق اليونان لوجوه:
وثمة وجه رابع ، وهو أن العلوم تقدمت قبل المنطق والتعرف عليه وبعد انتهاء أوانه ، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تجد أحدًا من أهل الأرض حقق علمًا من العلوم وصار إمامًا مستعينا بصناعة المنطق ، لا من العلوم الدينية ولا غيرها ، فالأطباء والحساب والكتاب ونحوهم يحققون ما يحققون من علومهم وصناعاتهم بغير صناعة المنطق.
وقد صنف في الإسلام علوم النحو ، والعَروض ، والفقه وأصوله ، وغير ذلك ، وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق ، بل عامتهم كانوا قبل أن يُعرَّب هذا المنطق اليوناني.[291]
وثمة وجه خامس ، وهو أن المنطق نمط فكري جانَس الفكر اليوناني ، وتلاءم مع البيئة الفلسفية ، وأهلها من أهل الشرك والإلحاد ، تلك الحقبة من التاريخ كان الفكر اليوناني يتوافق مع الفكرة المجردة ويناسب الجدل المثالي ، وهذا علم لا صلة له بالواقع ، بل وجوده في الذهن ليس إلاَّ ، لأنَّ المنطق يبحث في عالم الكليات ويتجاهل البحث في الجزئيات والأعيان المشخصة.[292]
لذلك لم يعد صالحا بمضي عهده وانتهاء أوانه ، بل كان له الأثر الظاهر في تخلف اليونان عن ركب الحضارة والمدنية ، التي كان[293] مُعرِضًا عنها وعن العلوم التطبيقية الواقعية بانزوائه بالفكر والجهود العلمية إلى عالم ما وراء الطبيعة ، فكان ظهور التقدم العلمي والحضاري بعد الثورة المزدوجة على السلطة العلمية ممثلة في المنطق الأرسطي والسلطة الدينية ممثلة في رجال الكنيسة.[294]
وثمة وجه سادس ذكره الغزالي ؛ وهو أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فما زادوا على أدلة القرآن شيئا ، وما ركبوا ظهر اللجاج[295] في وضع المقاييس العقلية ، وترتيب المقدمات ، كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار للفتن ، ومنبع التشويش ، ومن لا يقنعه أدلة القرآن لا يقمعه إلا السيف و السّنان فما بعد بيان الله بيان.
وثمة وجه سابع ذكره ابن تيمية رحمه الله لما سئل عن كتب المنطق فقال:
أما كتب المنطق فتلك لا تشتمل على علم يؤمر به شرعا ، وإن كان قد أدى اجتهاد بعض الناس إلى انه فرض على الكفاية.
وقال بعض الناس: إن العلوم لا تقوم إلا به كما ذكر ذلك أبو حامد[296] ، فهذا غلط عظيم عقلا وشرعا.
أما عقلا ؛ فإن جميع عقلاء بني آدم من جميع أصناف المتكلمين في العلم حرروا علومهم بدون المنطق اليوناني.
وأمَّا شرعًا فإنه من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ الله لم يوجب تعلم هذا المنطق اليوناني على أهل العلم والإيمان.
وأما هو في نفسه فبعضه حق ، وبعضه باطل ، والحق الذي فيه كثير منه أو أكثره لا يُحتاج إليه ، والقدر الذي يحتاج إليه منه فأكثر الفطر السليمة تستقل به ، والبليد لا ينتفع به ، والذكي لا يحتاج إليه ، ومضرته على من لم يكن خبيرًا بعلوم الأنبياء أكثر من نفعه ، فإنَّ فيه من القواعد السلبية الفاسدة ما راجت على كثير من الفضلاء وكانت سبب نفاقهم وفساد علومهم.
وقول من قال: (إنه كله حق) ؛ كلام باطل ، بل في كلامهم في الحدِّ والصفات الذاتية والعرضية وأقسام القياس والبرهان ومواده من الفساد ما قد بيناه في غير الموضع ، وقد بين ذلك علماء المسلمين ، والله أعلم.[297]
وبناء على ما تقدم ، فإن فَرْضَ علوم المنطق كمقدمةٍ لمختلف العلوم - بما في ذلك العلوم الشرعية – يُـــــعَــــدُّ ظلما للناس ، وعدوانا على الوحي ، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
وقال أيضا رحمه الله:
وقد أخبر النبي ﷺ عن الله بأسمائه وصفاته المعينة ، وعن الملائكة والعرش والكرسي والجنة والنار ، وليس في ذلك شيء يمكن معرفته بقياسهم ، وكذا أخبر عن أمور معينة مما كان وسيكون وليس شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم ، لا البرهاني ولا غيره ، فإن أقيستَهم لا تفيد إلا أمورا كلية ، وهذه أمور خاصة ، وقد أخبر بما يكون من الحوادث المعينة ، حتى أخبر عن التتر الذين جاؤوا بعد ستمائة سنة من إخباره ، وكذلك عن النار التي خرجت قبل مـجيء التتر سنة خمس وخمسين وستمائة ، فهل يتصور أن قياسهم وبرهانهم يدل على آدمي معين أو أمة معينة فضلا عن موصوف بالصفات التي ذكرها؟[298]
وقال ابن تيمية رحمه الله:
ومن قال من المتأخرين إن تعلم المنطق فرضٌ على الكفاية ، أو أنه من شروط الاجتهاد ؛ فإنه يدل على جهله بالشرع ، وجهله بفائدة المنطق ، وفساد هذا القول معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، فإن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم ويُكَمل علمهم وإيمانهم قبل أن يُعرف المنطق اليوناني ، فكيف يقال أنه لا يوثق بالعلم إن لم يوزن به ، أو يقال إن فِطر بني آدم في الغالب لم تستقم إلا به.
فإن قالوا: (نحن لا نقول إن الناس يحتاجون إلى اصطلاح المنطقيين ، بل إلى المعاني التي توزن بها العلوم).
قيل: لا ريب أن المـجهول لا يُعرف إلا بالمعلومات ، والناس يحتاجون إلى أن يزنوا ما جهِلوه بما علِموه ، وهذا من الموازين التي أنزلها الله حيث قال ]الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان[ ، وقال ]لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان[ ، وهذا موجود عند أمتنا وغير أمتنا ممن لم يَسمع قط بمنطق اليونان ، فعُلم أن الأمم غير محتاجة إلى المعاني المنطقية.[299]
{أسلوب اللفظ المنطقي الذي يسير عليه الفلاسفة}
قال ابن تيمية رحمه الله:
وكلامهم غالبه لا يخلو من تكلف ، إما في العلم وإما في القول ، فإما أن يتكلفوا علم ما لا يعلمونه فيتكلمون بغير علم ، أو يكون الشيء معلوما لهم فيتكلفون من بيانه ما هو زيادة وحشو وعناء وتطويل طريق ، وهذا من المنكر المذموم في الشرع والعقل ، قال تعالى ]قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين[[300] ، وفى الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: أيها الناس ، من علم علما فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل (لا أعلم) ، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم (لا أعلم).[301]
وقد ذم الله القول بغير علم في كتابه كقوله تعالى ]ولا تقف ما ليس لك به علم[[302] ، لاسيما القول على الله كقوله تعالى ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[[303].
وكذلك ذم الكلام الكثير الذي لا فائدة فيه ، وأمر بأن نقول القول السديد والقول البليغ.[304]
وقد احتج الفلاسفة بصواب مذهبهم في الجمع بين الدين والفلسفة بحديث موضوع ، فجعلوه عمدتهم في أصول الدين والمعرفة والتحقيق ، وجعلوه حجة لقول الفلاسفة المشائين أتباع أرسطو: (أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل الأول) ، وهو الذي يعرف عند هؤلاء المتفلسفة بنظرية الفيض ، والغرض منه تعليل صدور الموجودات عن السبب الأول.
والحديث رواه ابن الجوزي في كتابه «الموضوعات»[305] عن الفضل بن عثمان ، ورواه من طريق آخر عن حفص بن عمر عن الفضل عن أبي عثمان النهدي ، كلاهما عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لما خلق الله العقل قال له: قم ، فقام.
ثم قال له: أدبِر فأدبَـــر.
ثم قال له: أقبِـــل ، فأقبَـــل.
ثم قال له: أقعد ، فقعد.
فقال: ما خلقت خلقا هو خير منك ولا أكرم منك ولا أفضل منك ولا أحسن منك ، بك آخذ وبك أعطي ، وبك أعرف وإياك أعاقب ، لك الثواب وعليك العقاب.
والجواب عن هذه الحجة من وجوه كثيرة ، نكتفي بذكر وجهين منها:
وقال ابن حبان: وحفص بن عمر يروي الموضوعات ، لا يحل الاحتجاج به ، وأما سيف فكذاب بإجماعهم. انتهى.
وقد رواه ابن الجوزي عن سعيد بن الفضل القرشي عن عمر بن أبي صالح العتكي عن أبي غالب عن أبي أمامة بنحوه.
قال ابن الجوزي بعدما أورده: هذا حديث لا يصح عن رسول الله ﷺ ، وسعيد وعمر وأبو غالب مجهولون ، منكَرو الحديث.
وقد روي هذا الحديث من حديث علي وأبي هريرة ، وليس فيهما شيء يثبت.
قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث موضوع ، ليس له أصل.
قال العقيلي: ولا يثبت في هذا الباب شيء.
انتهى كلام ابن الجوزي.
وقد ذكر الحافظ أبو حاتم البستي وأبو الحسن الدراقطني وأبو الفرج ابن الجوزي أن الأحاديث المروية في العقل لا أصل لشيء منها ، وليس في رواتها ثقة معتمد.[306]
وانظر للتوسع في معرفة كلام الأئمة في هذا الحديث وغيره «بغية المرتاد» لابن تيمية رحمه الله.[307]
إن العقل في لغة المسلمين كلهم أولهم عن آخرهم ليس مَلَكاً من الملائكة ولا جوهراً قائماً بنفسه ، بل هو العقل الذي في الإنسان ، ولم يُسمِّ أحد من المسلمين قط أحداً من الملائكة عقلاً ولا نفس الإنسان الناطقة عقلا ، بل هذه من لغة اليونان ، ومن المعلوم أن حمل كلام رسول الله e أو كلام الله تعالى على ما لا يوجد في لغته التي خاطب بها أمته ولا في لغة أمته ، وإنما توجد في لغة أمةٍ لم يخاطبهم بلغتهم ولم تتخاطب أمته بلغتهم ؛ فهذا يبين أن الذين وضعوا الأحاديث التي رويت في ذلك ليس المراد بها عند واضعيها ما أثبته الفلاسفة من الجوهر القائم بنفسه ، فهؤلاء المستدلون بهذه الأحاديث على قول المتفلسفة لم يفهموا كلام الكاذبين الواضعين للحديث ، بل حرفوا معناها كما حرفوا لفظها ، فإذا كان هذا حالهم في الحديث الذي استدلوا به فكيف في غيره؟ فتبين أن استدلالهم باطل قطعا.[310]
قال ابن تيمية رحمه الله:
مبنى العقل على صحة الفطرة وسلامتها ، ومبنى السمع على تصديق الأنبياء صلوات الله عليهم ، ثم الأنبياء صلوات الله عليهم كمّلوا للناس الأمرين ، فدلوهم على الأدلة العقلية التي بها تعلم المطالب التي يمكنهم علمهم بها بالنظر والاستدلال ، وأخبروهم مع ذلك من تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلالهم.
وليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا على مجرد الخبر كما يظنه كثير ، بل هم بينوا من البراهين العقلية التي بها تُعلم العلوم الإلـٰهية ما لا يوجد عند هؤلاء البتة ، فتعليمهم صلوات الله عليهم جامعٌ للأدلة العقلية والسمعية جميعا ، بخلاف الذين خالفوهم ، فإن تعليمهم غير مفيد للأدلة العقلية والسمعية ، مع ما في نفوسهم من الكبر الذي ما هم بالغيه ، كما قال تعالى ]الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير[[311]، وقال ]الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار[[312] ، وقال ]فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون[ ، ومثل هذا كثير في القرآن.[313]
· طريقة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم ، وينهونهم عما فيه فسادهم ، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة ، فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر ، ومَثل النبي e مثل طبيب دخل على مريض فرأى مرضه فعلِمه فقال له: (اشرب كذا واجتنب كذا) ، ففعل ذلك فحصل غرضه من الشفاء.
والمتفلسف يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض وصفته وذمّه وذم ما أوجبه ، ولو قال له مريض: (فما الذي يشفيني منه؟) ؛ لم يكن له بذلك علم تام.
· ما جاءت به الرسل صلوات الله عليهم لا يعرفه هؤلاء الفلاسفة وليسوا قريبين منه ، بل كفار اليهود والنصارى أعلم منهم بالأمور الإلـٰهية ، لا فرق بين العلوم النقلية ولا العقلية الصحيحة التي جاءت بها الرُسل ، فهذه العقليات الدينية الشرعية الإلـٰهية هي التي لم يشموا رائحتها ولا في علومهم ما يدل عليها ، وأما ما اختصت الرُسل بمعرفته وأخبرت به من الغيب فذاك أمر أعظم من أن يذكر في ترجيحه على الفلسفة.
· فإذا كان أشرف العـــلوم لا سبيل للفلاسفة إلى معرفتها بطريقهم – كما قُرِّر وتقرَّر واعترفوا به - ؛ لَــزِمَ أمران:
والرسول أخبر عن أمور معينة ، مثل نوح وخطابه لقومه وأحواله المعينة ، ومثل إبراهيم وأحواله المعينة ، ومثل موسى وعيسى وأحوالهما المعينة ، وليس شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم ، لا البرهاني ولا غيره ، فإن أقيستهم لا تفيد إلا أمورا كلية ، وهذه أمور خاصة.
وكذلك أخبر عما كان وسيكون بعده من الحوادث المعيَّنة ، حتى أخبر عن التتر بما ثبت في الصحيحين من غير وجه أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين ، ذُلْــف[315] الأنوف ، حمر الخدود ، ينتعلون الشّعر ، كأن وجوههم المِجانَّ المُطرقة[316])[317] ، فهل يُتصور أن قياسهم وبرهانهم يدل على آدمي معين أو أمة معينة ، فضلا عن أن يوصف بهذه الصفات قبل ظهورهم بنحو سبعمائة سنة.
وكذلك إخباره بخروج النار التي خرجت سنة 655 هـ ، وسائر ما أخبر به من الأمور الماضية والمستقبلة والأمور الحاضرة ، مما يعلمون أنه يـمتنع أن يُعرف ذلك بالقياس البرهاني وغيره ، فإن ذاك إنما يدل على أمر مطلق كلي ، لا على شيء معين.
· آيات الله التي دعا العباد إلى النظر فيها دالة عليه بأول النظر دلالة يشترك فيها كل سليم العقل والحاسة ، وأما أدلة هؤلاء الفلاسفة ونحوهم ؛ فخيالاتٌ وهمية وشُبَهٌ عسرة المدرك ، بعيدة التحصيل ، متناقضة الأصول ، غير مؤدية إلى معرفة الله ورسله ، والتصديق بها مستلزم للكفر بالله وجحْد ما جاءت به رسله ، ولا يصدّق بهذا إلا من عرف ما عند هؤلاء وما عند هؤلاء ، ووازن بين الأمرين.
· مِن أضرِّ الأمور على العبد أن يكون متميزاً عن العامة ببعض العلوم الطبيعية أو غيرها ، فإذا جاءته العلوم الدينية النافعة التي لم تدخل في علمه نفاها فخسر دينه ، وصار علمه الجزئي لبعض المعلومات وبالاً عليه ، وهكذا تجد من عرف نوعاً من العلم وامتاز به على العامة الذين لا يعرفونه ، فيبقى بجهله نافياً لما لا يعلمه ، وبنو آدم ضلالهم فيما جحدوه ونفوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما صّدقوا به وأثبتوه ، قال تعالى )بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله([319] ، وهذا لأن الغالب على الآدميين صحة الحس والعقل ، فإذا أثبتوا شيئاً وصدقوا به كان حقاً بخلاف ما نفوه ، فإن غالبهم أو كثير منهم ينفون ما لا يعلمون ويُكذبون بما لم يحيطوا بعلمه ، ويتفرغ على هذا الأصل الباطل الجهل بالإلـٰهيات وبما جاء به الرسول ، والجهل بالأمور الكلية المحيطة بالموجودات ، وبهذا ضلّ زنادقة الفلاسفة وغيرهم ، كما أنكروا الجن والملائكة وأمور الغيب ، إذ لم تدخل تحت علومهم القاصرة فجحدوها وكذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وجاءتهم الرسل بالبينات والبراهين ففرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون.
· والمقصود أن هؤلاء[320] لما أوقفتهم أفكارهم على العلم بما خفي على كثير من أسرار المخلوقات وطبائعها وأسبابها ؛ ذهبوا بأفكارهم وعقولهم وتجاوزوا ما جاءت به الرُسل ، وظنوا أن إصابتهم في الجميع سواء ، وصار المقلّد لهم في كفرهم إذا خطر له إشكال على مذهبهم ، أو دَهمه ما لا حيلة له في دفعه من تناقضهم وفساد أصولهم ؛ يُحسِن الظن بهم ويقول: لا شك أن علومهم مشتملة على حكمة ، والجواب عنه يَعسُرُ عليَّ.
وأما الاعتراض عليهم فهو عندهم من المحال الذي لا يصدق به ، وهذا من خدع الشيطان وتلبيسه بغروره لهؤلاء الجهال ، مقلدين أهل الضلال ، كما لبس على أئمتهم بأن أوهمهم أن كل ما قالوه صواب ، كما ظهر من إصابتهم في الرياضات[321] وبعض الطبيعيات ، فتركب من ضلال هؤلاء وجهل اتباعهم ما اشتدت به البلية ، وعظمت لأجله الرزية ، وخرب لأجله العالم ، وجُحد ما جاءت به الرسل ، وكُـفِر بالله وصفاته وأفعاله ، ولم يعلم هؤلاء أن الرجل يكون إماما في فن من فنون العلم ، ويكون من أجهل الخلق بالفن الآخر من الرياضيات والطب والحساب والهيئة والمنطق ، وهي علوم متقاربة ، فكيف بعلوم الرسل؟!
فإذا كان الرجل يكون إماما في هذه العلوم ، ولم يعلم بأي شيء جاءت الرسل ، ولا تحلى بعلوم الإسلام ؛ فهو كالعامّي بالنسبة إلى علومهم بل أبعد منه.
اعترف كثير ممن تأثَّروا بالمنطق وعلم الكلام - الذين خاضوا بحره وغاصوا أعماقه - بمضار القوالب الفلسفية والمناهج المنطقية التي لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ، ورجعوا إلى طريق الحق والصواب بعد أن أدركوا تناقض المنطق وتهافته أمثال نعيم بن حماد (ت 229 هـ) ، وأبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ) ، وأبي المعالي الجويني (ت 474 هـ) ، وأبي حامد الغزالي (ت 505 هـ) وغيرهم.
وانظر نماذج من رجوع المتكلمين إلى الحق في «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص 208- 209).[323]
وكان الغزالي قد ذم المنطق وأهله ، وبيّن أن طريقتهم لا تُوصل إلى اليقين ، مفندا البرهان الفلسفي وإظهار قصوره عن الوصول بالإنسان إلى اليقين حال تطبيقه في الإلـٰهيات فقال: لهم نوع من الظلم في هذا العلم ، وهو أنهم يجمعون للبرهان شروطا يعلم أنها تورث اليقين لا محالة ، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط ، بل تساهلوا غاية التساهل.[324]
كما ذم طريقة المتكلمين وأشار إلى مضار علم الكلام بقوله:
فأما مضرته فإثارة الشبهات ، وتحريف العقائد ، وإزالتها عن الجزم والتصميم ، وذلك مما يحصل بالابتداء ورجوعها بالدليل مشكوك فيه ، ويختلف فيه الأشخاص ، فهذا ضرره في اعتقاد الحق ، وله ضرر في تأكيد اعتقاد البدعة ، وتثبيتها في صدورها ، بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم عليه ، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل.[325]
قال ابن تيمية رحمه الله:
حدَّثونا بإسناد متصل عن فاضل زمانه في المنطق وهو الخونجي[326] صاحب «كشف أسرار المنطق» و «الموجز» وغيرهما أنه قال عند الموت: أموت وما عرفت شيئا إلا عِلمي بأن الممكن يفتقر إلى المؤثر.
ثم قال: الافتقار وصف سلبي ، فأنا أموت وما عرفت شيئا.[327]
وقال في موضع آخر:
فقد تبين أن ما عند أئمة النظار ، أهل الكلام والفلسفة ، من الدلائل العقلية على المطالب الإلـٰهية فقد جاء القرآن الكريم بما فيها من الحق ، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه ، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء ، فإن خطأهم فيها كثير جدا ، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم ، وجهلهم أكثر من علمهم ، ولهذا قال أبو عبد الله الرازي في آخر عمره في كتابه «أقسام الذات»: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروى غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات ]الرحمـٰن على العرش استوى[[328] ، ]إليه يصعد الكلم الطيب[[329] ، واقرأ في النفي ]ليس كمثله شيء[[330] ، ]ولا يحيطون به علما[ ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.[331]
هذه فوائد انتقاها الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي[332] من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وتتعلق ببيان حال علوم الفلاسفة ، وقد دوَّنها في كتابه الماتع «طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد المنوعة والفوائد والأصول»[333]:
لا تجد أحدا من أهل الأرض حقق علما من العلوم وصار إماما فيه مستعينا بصناعة علم المنطق ، لا من العلوم الدينية ولا غيرها ، وخصوصا العلوم الموروثة عن الأنبياء صِرفاً ، فهي أجلُّ وأعظم من أن يكون لأهلها التفات إلى المنطق ، كحال الصحابة والتابعين وأئمة الهدى.
· وإدخال المنطق في العلوم الصحيحة يُطوِّل العبارة ، ويُبعد الإشارة ، ويجعل القريب من العلم بعيدا ، واليسير منه عسيرا ، ولا يُفيد إلا كثرة الكلام والتشقيق ، مع قلة العلم والتحقيق ، فَعُلِم أنه من أعظم حشو الكلام ، وأبعد الأشياء عن طريق ذوي الأحلام.
· والحذّاق من أهله لا يلتزمون قوانينه في كل علومهم ، بل يُعرضون عنها ، إمّا لطولها ، وإما لعدم فائدتها ، وإما لفسادها ، وإما لعدم تميُّزها وما فيها من الإجمال والاشتباه ، وما زال علماء المسلمين يَذمونه ويذمون أهله ، وينهون عنه وعن أهله.[334]
· وعلوم الأنبياء إذا اعترفوا[335] أنها حق ؛ فإنهم يعترفون أنه لا يمكن أن توزن بميزان صناعتهم ، فقد اعترفوا أنَّ من الحق ما لا يوزن بميزان منطقهم ، وإن قالوا: (لا ندري أحق هي أم باطل) ؛ اعترفوا بأن أعظم المطالب وأجلها لا يوزن بميزان منطقهم.
ومن المعلوم أن موازين الأموال لا يُقصد أن يوزن بها الحَطب والرصاص دون الذهب والفضة ، وأمر النبوات وما جاءت به الرُسل أعظم في العلوم من الذهب في الأموال ، فهو ميزان جاهل جائر يحسب اعتراف أهله ، يجورُ في وزنه ، وأكثر الحقائق النافعة يعترفون أنه لا سبيل إلى وزنه بها ، فهي يوزن بها المتاع الخسيس دون الحقائق النافعة والأمر النفيس الذي ليس للنفوس عنه عِوض وليس سعادتها إلا فيه ، فهم لم يزِنوا بالقسطاس المستقيم ، ولم يستدِلوا بالآيات البينات التي هي العلوم الحقيقية والحكمة اليقينية التي فاز بالسعادة عالِمُها وخاب بالشقاوة جاهلها. [336]
· ليس معهم في نفي هذه الأمور الثابتة[337] بإخبار الأنبياء وببراهين أُخر إلا الجهل المحض ، فقد كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله ، مع أن عامة أساطين الفلاسفة[338] يقرون بذلك ، وكذلك أئمة الأطباء.[339]
· وقد عَلِم جميع الذين خبـَروا كلام أرسطو وذوِيه في العلم الإلـٰهي أنهم من أقل الناس نصيبًا في معرفة العلم الإلـٰهي وأكثرُ اضطراباً وضلالاً ، وهو مع قلته كثير الضلال عظيم المشقّة ، وهذا يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الإلـٰهية ، فكيف يُستدل بكلام هؤلاء في العلم الإلـٰهي وحالهم هذه الحال؟![340]
والله خلق عباده على الفطرة التي فطرهم عليها ، وبعث إليهم رُسُله ، وأنزل عليهم كتبه ، فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكمَّلة بالشِّرعة المنزَّلة ، وهؤلاء الفلاسفة بدَّلوا وغيَّروا فطرة الله وشِرعته – خلقه وأمره – وأفسدوا اعتقادات الناس وإراداتهم ، إدراكاتهم وحركاتهم ، قولهم وعملهم ، وأَمروهم أن يتركوا الفطرة الربَّانية والعلوم النبوية ، ويمحوا من قلوبهم ذلك ، ويستبدلوا به العلوم الفلسفية المخالفة للعقل والنقل.[341]
ومما يدل على فساد معقولات الفلاسفة وأهل الكلام الباطل - بقطع النظر عما يدل على فسادها عقلاً ونقلاً - كثرة التناقض والاضطراب بين أهلها ، وعدم الاستقرار والاتفاق على رأي واحد ، بل ربما قال الواحد من أئمتهم ورؤسائهم القول ، وقال إنه مقطوع به ، ثم في كتاب آخر يقول إنه مقطوع بخلافه ، فعقولٌ هذه حالها لا يصلُح أن تكون معتبَرة في الأمور الجزئية ، فضلاً عن تقديمها على نصوص الأنبياء والمرسلين في الأمور العظيمة من أصول الدين.
انتهى النقل من كتاب «طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول».
قال ابن تيمية رحمه الله:
لا يُنكر أن في المنطق ما قد يستفيد ببعضِه من كان في كفر وضلال وتقليد ، ممن نشأ بينهم من الجهال ، كعوام النصارى واليهود والرافضة ونحوهم ، فأورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقائد ، ولكن يصير غالب هؤلاء مداهنين لعوامهم ، مضلين لهم عن سبيل الله ، أو يصيرون منافقين زنادقة لا يقرون بحق ولا بباطل ، بل يتركون الحق كما تركوا الباطل.
ثم قال:
ففي الجملة ؛ ما يحصل به لبعض الناس من شحذِ ذهنٍ أو رجوع عن باطل أو تعبير عن حق فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال ، لا لما في صناعة المنطق من الكمال ، ومن المعلوم أن المشرك إذا تمجس ، والمجوسي إذا تهود حسنت حاله بالنسبة إلى ما كان فيه قبل ذلك ، لكن لا يصلح أن يجعل ذلك عمدة لأهل الحق المبين.[342]
وقال أيضا رحمه الله:
ليس كل ما يقوله المتكلمون حقا ، بل كل ما جاءت به الرسل فهو حق ، وما قاله المتكلمون وغيرهم مما يوافق ذلك فهو حق ، وما قالوه مما يخالفه فهو باطل ، وقد عُرف ذم السلف والأئمة لأهل الكلام الــمُحْـــدَث.[343]
قال ابن تيمية رحمه الله:
كان العقلاء العارفون يصفون منطقهم[344] بأنه أمر اصطلاحي وضعه رجل من اليونان لا يحتاج إليه العقلاء ولا طلبُ العقلاء للعلمِ موقوفا عليه ، كما ليس موقوفا على التعبير بلغاتهم مثل فيلاسوفيا وسوفسطيقا وأنولوطيقا وأثولوجيا وقاطيغورياس ونحو ذلك من لغاتهم التي يعبرون بها عن معانيهم ، فلا يقول أحد أن سائر العقلاء محتاجون إلى هذه اللغة ، لاسيما من كرمه الله بأشرف اللغات الجامعة لأكمل مراتب البيان المبينة لما تتصوره الأذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف ، وهذا مما احتج به أبو سعيد السيرافي في مناظرته المشهورة لـ «متَّـى» الفيلسوف لما أخذ «متى» يمدح المنطق ، ويزعم احتياج العقلاء إليه ، ورد عليه أبو سعيد بعدم الحاجة إليه ، وأن الحاجة إنما تدعو إلى تعلم العربية ، لأن المعاني فطرية عقلية ، لا تحتاج إلى اصطلاح خاص ، بخلاف اللغة المتقدمة التي يُحتاج إليها في معرفة ما يجب معرفته من المعاني ، فإنه لا بد فيها من التعلم ، ولهذا كان تعلم العربية التي يَتوقف فهم القرآن والحديث عليها فرضا على الكفاية بخلاف المنطق ، ومن قال من المتأخرين إن تعلم المنطق فرض على الكفاية أو أنه من شروط الاجتهاد فإنه يدل على جهله بالشرع وجهله بفائدة المنطق ، وفساد هذا القول معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، فإن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم ويُكمل علمهم وإيمانهم قبل أن يُعرف المنطق اليوناني ، فكيف يقال إنه لا يوثق بالعلم إن لم يوزن به ، أو يقال إن فِطر بني آدم في الغالب لم تستقم إلا به.[345]
وقال أيضا:
وما زال نظار المسلمين يَعيبون طريق أهل المنطق ويبينون ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ، ويبينون أنها إلى إفساد المنطق العقلي واللساني أقرب منها إلى تقويم ذلك ، ولا يرضون أن يسلكوها في نظرهم ومناظرتهم ، لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه ، وإنما كثر استعمالها من زمن أبي حامد ، فإنه أدخل مقدمة من المنطق اليوناني في أول كتابه «المستصفى» ، وزعم أنه لا يَثق بعلمه إلا من عرف هذا المنطق ، وصنف فيه «معيار العلم» و «محك النظر» وصنف كتابا سماه «القسطاس المستقيم» ، ذكر فيه خمس موازين: الثلاث الحمليات ، والشرطي المتصل ، والشرطي المنفصل ، وغير عباراتها إلى أمثلة أخذها من كلام المسلمين.
وذكر أنه خاطب بذلك بعض أهل التعليم ، وصنف كتابا في تهافتهم ، وبين كفرهم بسبب مسألة قِدم العالم وإنكار العلم بالجزئيات وإنكار المعاد ، وبين في آخر كتبه أن طريقهم فاسدة لا توصل إلى يقين ، وذمها أكثر مما ذم طريقة المتكلمين ، وكان أولا يذكر في كتبه كثيرا من كلامهم إما بعبارتهم وإما بعبارة أخرى ، ثم في آخر أمره بالغ في ذمهم وبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب ذمها وفسادها أعظم من طريق المتكلمين ، ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم ، والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول ما حصّل له مقصوده ولا أزال عنه ما كان فيه من الشك والحيرة ، ولم يغن عنه المنطق شيئا.
ولكن بسبب ما وقع منه في أثناء عمره وغير ذلك صار كثير من النظار يُدخلون المنطق اليوناني في علومهم ، حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن أنه لا طريق إلا هذا ، وأن ما ادعوه من الحد والبرهان هو أمر صحيح مُسلم عند العقلاء ، ولا يعلم[346] أنه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك ويطعنون فيه ، وقد صنف نُظار الـمسلمين في ذلك مصنفات متعددة ، وجمهور المسلمين يعيبونه عيبا مجملا لما يرونه من آثاره ولوازمه الدالة على ما في أهله مما يناقض العلم والإيمان ، ويفضي بهم الحال إلى أنواع من الجهل والكفر والضلال.[347]
تم إقحام المنطق بصورة حقيقية في علوم الشريعة ، لاسيما في علم الأصول ، على يد أبي حامد الغزالي (ت 505 هـ) الذي اشترطه لتحصيل العلوم والاجتهاد ، وجعله معيار العلوم العقلية وميزانًا لها ، وقال: (من لا يحيط بها (أي المقدمة المنطقية) فلا ثقة بعلومه أصلاً[349]) ، وصنف في ذلك كتبًا منها «معيار العلم» و «محك النظر» و «مقاصد الفلاسفة» و «القسطاس المستقيم» ، وتأثر بكلامه كثير من المتأخرين ، حتى أوجبوا تعلم المنطق وجعلوه من فروض الكفاية أو من شروط الاجتهاد[350] ، أي لا يكون المرتقي في مدارج الاجتهاد ، مستكملاً لشرائط النظر ، وأهلاً للتأليف والفتوى ؛ إلاَّ بتحصيله.
ومازالت للفلسفة اليونانية روافد في جميع الفلسفات والدعوات الغربية القديمة والحديثة ، بل تأثرت بها معظم الفرق الإسلامية الكلامية ، ولم يظهر مصطلح الفلسفة الإسلامية كمنهج علمي يدرس ضمن مناهج العلوم الشرعية إلا على يد الشيخ مصطفى عبد الرزاق – شيخ الأزهر – كرد فعل للهجوم الغربي على الإسلام بحجة أنه يخلو من الفلسفة ، وليته لم يفعل ، لأنه حل الخطأ بخطأ أكبر ، إذ نسب إلى شرع الله ما ليس منه ، وخلو الإسلام من الفلسفة منقبة وليس ثلمة بحمد الله.[351]
قال ابن تيمية رحمه الله: ولهذا كان هؤلاء المتفلسفة إنما راجو على أبعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية ، الذين ركَّبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس ، وأظهروا الرفض ، وكجهال المتصوفة وأهل الكلام ، وإنما يُــــنفَّقون[352] في دولة جاهلية بعيدة عن العلم والإيمان ، إما كفارا وإما منافقين ، كما نَفق من نفق منهم على المنافقين الملاحدة ، ثم نفق على المشركين الترك ، وكذلك إنما ينفقون دائما على أعداء الله ورسوله من الكفار والمنافقين.[353]
سُئل ابن تيمية رحمه الله عن كتب المنطق فأجاب:
أما كتب المنطق فتلك لا تشتمل على علمٍ يؤمر به شرعا ، وإن كان قد أدى اجتهاد بعض الناس إلى أنه فرض على الكفاية.[354]
وقال بعض الناس إن العلوم لا تقوم إلا به ، كما ذكر ذلك أبو حامد ، فهذا غلط عظيم عقلا وشرعا.
أما عقلاً فإن جميع عقلاء بني آدم من جميع أصناف المتكلمين في العلم حرروا علومهم بدون المنطق اليوناني.
وأما شرعا فإنه من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الله لم يوجب تعلم هذا المنطق اليوناني على أهل العلم والإيمان.
وأما هو في نفسه فبعضه حق وبعضه باطل ، والحق الذي فيه كثير منه أو أكثره لا يُحتاج إليه ، والقدر الذي يحتاج إليه منه فأكثر الفِطر السليمة تستقل به[355] ، والبليد لا ينتفع به ، والذكي لا يحتاج إليه ، ومضرته على من لم يكن خبيرا بعلوم الأنبياء أكثر من نفعه ، فإن فيه من القواعد السلبية الفاسدة ما راجت على كثير من الفضلاء ، وكانت سبب نفاقهم وفساد علومهم.
وقول من قال أنه كله حق ؛ كلام باطل ، بل في كلامهم في الحد والصفات الذاتية والعرضية وأقسام القياس والبرهان ومواده من الفـساد ما قد بيناه في غير هذا الـموضع ، وقد بين ذلك علماء المسلمين ، والله أعلم.[356]
وقال ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة»:
وأما المنطق فلو كان علما صحيحا ؛ كان غايته أن يكون كالمساحة والهندسة ونحوها ، فكيف وباطله أضعاف حقه؟ وفساده وتناقض أصوله واختلاف مَبانيه يوجب مراعاتها الذهن أن يزيغ في فكره؟
ولا يؤمن بهذا إلا من قد عرفه وعرف فساده وتناقضه ومناقضة كثير منه للعقل الصريح.
وأخبر بعض من كان قد قرأه وعُني به أنه لم يزل متعجبا من فساد أصوله وقواعده ، ومباينتها لصريح المعقول ، وتضمنها لدعاوي محضة غير مدلول عليها ، وتفريقه بين متساوين ، وجمعه بين مختلفين ، فيحكمُ على الشيء بـحكمٍ ، وعلى نظيره بضد ذلك الحكم ، أو يحكم على الشيء بحكمٍ ، ثم يحكم على مُضاده أو مناقضه به.
قال: إلى أن وقفت على رد متكلمي الإسلام عليه ، وتبيين فساده وتناقضه ، فوقفت على مصنف لأبي سعيد السِّيرافي النحوي في ذلك ، وعلى رد كثير من أهل الكلام والعربية عليهم كالقاضي أبي بكر بن الطيب ، والقاضي عبد الجبار ، والجبائي ، وابنه ، وأبي المعالي ، وأبي القاسم الأنصاري ، وخلق لا يحصون كثرة ، ورأيت استشكالات فضلائهم ورؤسائهم لمواضع الإشكال ، ومخالفتها ما كان ينقدح لي كثير منه ، ورأيت آخر من تجرد للرد عليهم شيخ الإسلام قدس الله روحه ، فإنه أتى في كتابيه الكبير والصغير[357] بالعجب العجاب ، وكشف أسرارهم وهتك أستارهم ، فقلت في ذلك:
واعجبا لمنطق اليونان كم فيه من إفك ومن بهتان
مخبطٌ لجيد الأذهان ومفسد لفطرة الإنسان
مضطرب الأصول والمباني على شفا هارٍ بناهُ الباني
أحوج ما كان إليه العاني يخونه في السر والإعلان
يمشي به اللسان في الميدان مشيَ مقيدٍ على صفوان
متصل العثار والتواني كأنه السراب بالقيعان
بدا لعين الظامئ الحران فأمَّه بالظن والحسبان
يرجو شفاء غُلة الظمآن فلم يجد ثمَّ سوى الحرمان
فعاد بالخيبة والخسران يقرع سن نادم حيران
قد ضاع منه العمر في الأماني وعاين الخفة في الميزان
وما كان من هَوَسِ النفوس بهذه المنزلة فهو بأن يكون جهلا أولى منه بأن يكون علما تعلُّمه فرض كفاية أو فرض عين.
وهذا الشافعي وأحمد وسائر أئمة الإسلام وتصانيفهم ، وأئمة العربية وتصانيفهم ، وأئمة التفسير وتصانيفهم لمن نظر فيها ؛ هل راعوا فيها حدود المنطق وأوضاعه ، وهل صح لهم علمهم بدونه أم لا؟
وقال الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن[359] في جواب له عن سؤال يتعلق بحكم تعلم المنطق:
من عبد الرحمـٰن بن حسن إلى الأخ القادم من بلاد الأوغان[360] عبد الله بن محمد ، وفقه الله لحقيقة الإسلام والإيمان ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فالذي يجب علينا محبة الخير لمن أراده وقصده ، فلـعل الله تعالى أن يجعله مؤثِراً للحق على غيره ، لكن نبحث مع مثلك في شيئين:
(الأول) أن علم المنطق قد حَرَّمهُ كثير من المحققين وأجازه بعض العلماء ، لكن الصواب تحريمه لأمور ، منها : أنه ليس من علوم الشريعة المحمدية ، بل هو من علوم اليـونان ، وأول من أحدثه المأمون بن الرشيد ، وأما في خلافة من قبله من أسلافه من بني العباس وقبلهم من خلفاء بني أمية فلا يُعرف في عصرهم .
الأمر الثاني: أن أئمة التابعين من الفقهاء والمفسرين والمحدثين لا يعرفون هذا العلم ، وهم نقلة العلم ، والإسلام في وقتهم أظهر ، والعلوم النافعة عندهم أكثر ، وقد توافرت دواعيهم على نقل العلم ، وكذلك من أخذ عنهم من الأئمة الأربعة ومن في طبقتهم من المحدثين ، ومن الفقهاء والمفسرين ، فلا تجد في كتبهم ولا من أخذ عنهم شيئاً من هذا العلم .
الأمر الثالث: أن هذا العلم إنما أحدثه الجهمية لما ألحدوا في أسماء الله وصفاته ، واستمالوا المأمون إلى تعريب كتب اليونان ، فعظُمت فتنة الجهمية ، وظهرت بدعتهم من أجل ذلك ، فصار ضرره أكثر من نفعه ، وذكر العلماء أن ما فيه من صحيح فهو موجود في كتب أصول الفقه ، فيتعين تركه وعدم الالتفات إليه ، والـمُعول إنما هو على الكتاب والسنة وما عليه السلف والأئمة ، وهذه كتبهم موجودة بحمد الله ، ليس فيها من شبهات أهل المنطق شيء أصلاً ، فهذا الذي ندين الله به .
فيجب عليك أيها الرجل القادم أن تسعى لنفسك بمعرفة الحق بدليله ، واللِّي يَـبِـي[361] يقبل علمنا هذا الذي منَّ الله به علينا من تمييز الحق من الباطل فهو أخونا ، والحمد لله على هداية من اهتدى ، واللِّي[362] يرى غير ذلك فلا نحن إخوان له ، والسلام ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه ، وسلم تسليمًا كثيرا .[363]
قال ابن تيمية رحمه الله:
وكان يعقوب بن إسحاق الكندي - فيلسوف الإسلام في وقته - أعني الفيلسوف الذي في الإسلام ، وإلا فليس الفلاسفة من المسلمين ، كما قالوا لبعض أعيان القضاة الذين كانوا في زماننا: (ابن سينا من فلاسفة الإسلام) ، فقال: ليس للإسلام فلاسفة.[364]
{أيهما أشد ضلالا ، الفيلسوف أم المتكلم؟}
الفلاسفة أضل من المتكلمين بلا شك ، فإن المتكلمين ضربين إما مؤولة وإما مُعطِّلة ، وكلاهما يؤمن بالنص ، ولكنهم قدموا عقولهم لفهم النصوص ولم يستسلموا لفهم السلف الصالح ، أصحاب القرون الثلاث الأولى ، التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية.
أما الفلاسفة فهم يبحثون المسائل العقائدية وغيرها بحثا مجردا عن الإيمان بالنص ، ويخلون عقولهم من أي اعتقادات ، ثم ينظرون إلام تؤول بهم عقولهم ، فاعتناق العقائد الإيمانية والتزامها من قبل النظر عندهم لا السمع ، معتمدين على قانونهم العقلاني المسمى بالمنطق ، ولهذا سُـمُّوا بالمناطقة.
ومن المعلوم أن النبي ﷺ هو أكمل الناس عقلا ، ومع هذا فلم يهتد إلى النبوة بمجرد عقله ، بل بهداية الله تعالى ، قال تعالى ]وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء[.
مقدمة
تقدم كلام ابن القيم رحمه الله أن ابن سينا هو الذي جدد الإلحاد الذي وضعه أرسطو في مقالات الفلاسفة ، حيث قال رحمه الله: (وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه ، قال: (أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم) ، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد ، ولا رب خالق ، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى.
وكان هؤلاء[365] زنادقة ، يتسترون بالرفض ويبطنون الإلحاد المحض ، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول e ، وهو وأهل بيته برآء منهم نَسبا ودينا ، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان ، ويدَعون أهل الإلحاد والشرك والكفران ، لا يُحرِّمون حراما ولا يحلون حلالا ، وفي زمنهم ولخواصهم وضعت رسائل «إخوان الصفا»). انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وفي هذا الفصل والفصلين بعده نُعَــرِّف الباطنية والقرامطة وإخوان الصفا ، فالباطنية أتباع الحاكم وغيره من العبيديين الإسماعيلية ، وأولئك كانوا يستعملون التأويل الباطن في جميع أمور الشريعة ، علميها وعمليها ، حتى تأولوا الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان ، وحج البيت ، لكن كانوا يأمرون بالشريعة لعوامهم ، فإنهم كانوا يتظاهرون بالتشيع.
والعُبيديون هم الذين قالوا بألوهيته ، ويعرفون بالدُّرُوز ، ومنشأ مذهبهم على يد رجلين فارسيين هما حمزة ودرزي.
والعبيديون يطلق عليهم الإسماعيلية أيضا لأنهم متفرعون منهم ، والإسماعيلية فرقة من غلاة الشيعة ، يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق.[366]
ونقل الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في حاشيته على «إغاثة اللهفان»[367] عن «النجوم الزاهرة» أن جد العبيديين هو عبيد الله الملقب بالمهدي ، وادعى أنه علوي ، وكان باطنيا خبيثا ، وكان جده مجوسيا ، واسمه القداح ، وهو أصل دعاة القرامطة ، وجاء أولاد عبيد الله على أسلوبه ، فأشاعوا الخمر والزنا ، وأشاعوا الرفض في الشام كالنصيرية والدرزية.
وقد عرَّف ابن الجوزي رحمه الله الباطنية في كتابه «تلبيس إبليس» عند ذِكْرِ تلبيس إبليس على الباطنية ، فقال:
الباطنية قوم تستروا بالإسلام ومالوا إلى الرَّفضِ[368] ، وعقائدهم وأعمالهم تباين الإسلام بمرَّةٍ ، فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار البعث ، ولكنهم لا يظهرون هذا في أول أمـرهم ، بل يزعمون أن الله حق ، ومحمد رسول الله ، والدين صحيح ، ولكنهم يقولون: لذلك سرٌّ غير ظاهر ، وقد تلاعب بهم إبليس فبالغ وحسّن لهم مذاهب مختلفة ، ولهم ثمانية أسماء.
ثم ذكر منها الباطنية والإسماعيلية والسبعية والبابكية والمحمِّرة والقرامطة والخرمية والتعليمية ، بينما ذكر الغزالي أنهم عشرة فرق ، وأما الرازي فجعلهم ستة فرق في كتابه «الاعتقادات» ، بينما جعلهم الديلمي خمسة عشر فرقة.
ثم ذكر ابن الجوزي السبب الباعث لهم على الدخول في هذه البدعة ، ثم ذكر نبذة من مذاهبهم.
قال الغزالي عن مذهب الباطنية: مذهب ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر المحض.[369]
وقال البغدادي في كتابه «أصول الدين» ص 329 :
إن الباطنية خارجة عن فرق الأهواء ، وداخلة في فرق الكفر الصريح ، لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام ، لا في أصوله ولا في فروعه. انتهى.
ومن عقائد الباطنية أن نصوص الشرع عبارة عن رمـــــوز وإشارات لها تأويلات باطنة لا يعرفها إلا هم ، كالجنة والنار واليوم الآخر.[370]
وانظر للتوسع ما قيل في الباطنية في «الـموسوعة الـميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 981 .
{فصل في التعريف بالقرامطة – شيوخ متأخري الفلاسفة}
القرامطة فرقة من فرق الباطنية ظهرت سنة 278 هـ في العراق على يد حمدان قرمط ، ومذهبهم يقوم على القول بإلـٰهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان ، إلا أن أحدهـما علة لوجود الثاني ، واسم العلة: الأول ، واسم المعلول: التالي ، والنبي عندهم عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بقوة التالي قوة قدسية صافية ، واتفقوا على أنه لا بد في كل عصر من إمام معصوم يساوي النبي في العصمة ، وهم ينكرون البعث والمعاد ويستبيحون المحظورات ، ويجعلون لكل نص ظاهرا وباطنا ، يؤولون المعنى الباطن حسب معتقداتهم وأهوائهم ، وقد نشطت تلك الحركة الخبيثة وكثر أتباعها ، فأغاروا على البلدان ونهبوا الأموال وهتكوا الأعراض ، حتى أنهم هاجموا مكة سنة 319 هـ فقتلوا أهلها ومن كان فيها من الـحجاج ، وهدموا زمزم واقتلعوا الحجر الأسود وذهبوا به إلى الأحساء ، ثم أعيد إلى مكانه سنة 339 هـ.[371]
وقال ابن تيمية رحمه الله:
فالقرامطة الذين يضاهئون الصابئة الفلاسفة والمجوس الثنوية عطَّلوا وحرّفوا الإيمان بالله ، وكذلك الإيمان باليوم الآخر ، وكذلك العمل الصالح ، حتى جعلوا ما جاءت به الشريعة من أسماء الأعمال إنما هي رموز وإشارات إلى حقائقهم ، كقولهم: إن الصلاة معرفة أسرارنا ، والصيام كتمان أسرارنا ، والحج زيارة شيوخنا المقدسين ، وأمثال ذلك.
وقيل لأفضل محققيهم (وهو العفيف التلمساني) وقد قرئ عليه «الفصوص»: (هذا يخالف القرآن).
فقال: القرآن كله شرك ، وإنما التوحيد في كلامنا.
وقال: لا فرق بين الزوجة والأم عندنا ، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام ، فقلنا عليكم.
ولهذا تجد المحقق منهم يستحل المحرمات من الخمر والفواحش وترك الصلوات والكذب وموالاة اليهود والنصارى ، بل يكون أعظم شرا في الباطن من اليهودي والنصراني المتمسك بشريعته المبدلة المنسوخة ، ولكن في اليهود والنصارى من هو شر منهم لموافقته لهم على هذا الإلحاد. انتهى.[372]
وانظر للتوسع ما قيل في القرامطة في «الـموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 378 .
إخوان الصفا هم جماعة من الشيعة الباطنية عامة ، ومن الإسماعيلية خاصة ، ظهرت في العالم الإسلامي ولزمت التكتم حتى سنة 334 هـ ، وفيها ألفوا كتابا ورتبوا فيه مقالاتهم وعددها إحدى وخمسون مقالة ، خمسون منها في جميع أجزاء الفلسفة ، علميها وعمليها ، ثم أفردوا واحدة جامعة لأنواع المقالات على سبيل الاختصار ، وكتموا أسماءهم وبثوا مقالاتهم في الورَّاقين ، ووهبوها للناس.[373]
قلت: وقد نقل القِفطي[374] في «تاريخ الحكماء»[375] عن أبي حيان التوحيدي[376] في كتابه «المقابسات» أسماء إخوان الصفا قبحهم الله ، وهم: زيد بن رفاعة ، وأبو سليمان محمد بن نصر البيستي المعروف بالمقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الرفجاني ، وأبو أحمد المهرجاني ، والعوفي ، وغيرهم.
وقال ابن تيمية رحمه الله: ظن طوائف أن كتاب «رسائل إخوان الصفا» هو عن جعفر الصادق[377] ، وهذا الكتاب هو أصل مذهب القرامطة الفلاسفة ، فينسبون ذلك إليه ليجعلوا ذلك ميراثا عن أهل البيت ، وهذا من أقبح الكذب وأوضحه ، فإنه لا نزاع بين العقلاء أن «رسائل إخوان الصفا» إنما صنفت بعد المائة الثالثة في دولة بني بويه قريبا من بناء القاهرة.
ثم قال: وفيها نفسها أنها صنفت بعد أن استولى النصارى على سواحل الشام ، ومن المعلوم بالتواتر أن استيلائهم على سواحل الشام كان بعد المائة الثالثة ، وجعفر رضي الله عنه توفي سنة ثمان وأربعين ومائة قبل وضع هذه الرسائل بنحو مائتي سنة.
فهذا وأمثاله يبين أن نقل مثل هذه التحريفات - التي قد سماها تأويلا وتعبيرا عن الصحابة وأهل البيت والمشايخ – لا يزيدها عند أهل العلم والإيمان إلا عِلمًا بكَذب منتحليها ، وعلمًا بجهلهم وضلالهم.
فلا يُظن أن مجرد النقل والرواية يُــنَــفِّقُ[378] الباطل عند أهل العلم والإيمان ، كما قد يُنفَّق عليه وعلى أمثاله من النقول الباطلة ما لا يعلمه إلا الله ، لقلة علمهم بالحديث والآثار وأحوال السلف وعلومهم ، كما ينفَّق عليهم من المقولات الفاسدة ما لا يعلمه إلا الله تعالى.[379]
وإخوان الصفا هم طبقة من طبقات القرامطة ، كفا الله المسلمين شرهم ، وانظر للتوسع فيما قيل فيهم «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 950 .
المعتزلة فرقة ضالة في باب أسماء الله وصفاته ، ينفون عن الله صفاته زعما منهم بأن إثباتها يلزم منه تشبيه الخالق بالمخلوق ، وأوَّلوا جميع معاني صفات الله عن معانيها اللائقة به سبحانه إلى معانٍ لا يدل عليها ظاهر السياق القرآني وغير مرادة ، وقد كفر السلف من قال بقولهم ، لأن مؤداه هو عدم الإيمان بما جاء به القرآن من صفات الله.
والمعتزلة يقولون بتحسين العقل ، لدرجة أنهم يقولون: قبل أن نثبت النبوة وصدق الرسول لابد أن ندلل عقلا على أن الله عدل لا يفعل القبيح ، فإذا دللنا على ذلك فحينئذ يمكن تصديق النبي بالمعجزة وأنه مرسل من الله ، أما إذا لم نثبت عدل الله أولا فلا يمكن أن نصدق النبي ، لأن العقل لم يدل على أن الله لا يمكن أن يرسل الكذاب ولا أن الله يفعل القبيح![380]
ورؤوس المعتزلة هم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وأصحابهم ، سموا بذلك لما اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري رحمه الله تعالى في أوائل المائة الثانية ، وكانوا يجلسون معتزلين ، فقال قتادة وغيره: أولئك المعتزلة.
وأصول مذهبهم خمسة: العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف.
فأما العدل فستروا تحته نفي القدر فقالوا إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به ، وهذا كلام باطل ، فإن الله خالق كل شيء ، ولهذا قال إبراهيم لقومه ]والله خلقكم وما تعملون[ ، وعملهم هو الشرك ، غير أن الله خلق الخير وأمر به ، وخلق الشر ونهى عنه ، وفي كل ابتلاء للعبد.
ومقتضى قولهم أن هناك خالق غير الله خلق الشر ، وأنه خلق في ملكه ما لا يريده ، تعالى الله عن قولهم الباطل علوا كبيرا.
وأما التوحيد عندهم فيتضمن القول بخلق القرآن وأنه ليس كلام الله ، وأمورا أخرى باطلة.
وأما الوعيد فإنهم يقولون إذا توعد الله بعقوبة فإنه ينفذها ولا يخلف وعده مطلقا ، لأنه لا يخلف الميعاد ، فالله عندهم إذا توعد بعقوبة فإنه لا يعفو عمن أساء وظلم ولا يغفر لهم ، وهذا كلام ظاهر البطلان ، لأن الوعد بالعقوبة مخصص بما إذا عفا الله عن العبد كما جاءت به الآيات والأحاديث ، ولكن أهل البدع عندهم غلو فاحش في فهم النصوص.
وأما المنزلة بين اـلمنزلتين فإنهم يقولون أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر! بل هو في منزلة بينهما ، وهذا كلام باطل ترده الآيات والأحاديث وفهم الصحابة والتابعين ، فإن مذهب أهل الحق أن مرتكب الكبيرة يضعف إيمانه ، ولا يحكم عليه بزواله ، لا يخرج منه بخلاف المشرك فإنه يخرج من دائرة الإسلام والإيمان بالكلية ، وليس ثمة منزلة بين المنزلتين.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندهم فيتضمن الخروج على ولاة الأمر بالقتال إذا جاروا ، وهذا مخالف لأمر النبي ﷺ بالصبر على ولاة الجور ، كما قي «صحيح مسلم» من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجحفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ، ويمنعونا حقهم ، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فقال رسول الله صلى ﷺ : اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.
وروى مسلم في صحيحه عن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ، إنا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شر؟
قال: نعم.
قلت: وهل من وراء ذلك الشر خير؟
قال: نعم.
قلت: فهل من وراء ذلك الخير شر؟
قال: نعم.
قلت: كيف؟
قال: سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بِـهُداي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قـال: تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطِع.[381]
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في «شرح العقيدة الطحاوية» معلقا على قول أبي جعفر الطحاوي رحمه الله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنـزلة على المرسلين ، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين) ، قال:
هذه الأمور من أركان الإيمان ، قال تعالى )آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله([382] الآيات ، وقال تعالى )ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين([383] الآية ، فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة ، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين ، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة بقوله )ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا([384] ، وقال ﷺ في الحديث المتفق على صحته ، حديث جبرائيل ، وسؤاله للنبي ﷺ عن الإيـمان ، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه ، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل.
وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها ، وأعظم الناس لها إنكارا الفلاسفة ، الـمُسمَّون عند من يُعظمهم بالحكماء ، فإن مَن علم حقيقة قولهم علِم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر ، فإن مذهبهم أن الله سبحانه موجود لا ماهية له ولا حقيقة ، فلا يعلمُ الجزئيات بأعيانها ، وكل موجود في الخارج فهو جزئي ، ولا يَفعل عندهم بقدرته ومشيئته ، وإنما العالَـمُ عندهم لازمٌ له أزَلا[385] وأبدا ، وإن سَـمَّوه (مفعولا له) فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ ، وليس[386] عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه ، وينفون عنه[387] سمعه وبصره وسائر صفاته ، فهذا إيمانهم بالله.
وأما كتبه عندهم فإنهم لا يصفونه بالكلام ، فلا يُـكلم ولا يتكلم ، ولا قال ولا يقول ، والقرآن عندهم فيضٌ فاض من العقل الفعال على قلبِ بشر زاكي النفس طاهر ، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته لينال من العلم أعظم ما يناله غيره ، وقوة النفس ليؤثر بها في هَــيولى[388] العالم ، يقلِب صورة إلى صورة ، وقوة التخييل ، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة ، وهي الملائكة عندهم ، وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنـزل ، وتذهب وتجيء ، وترى وتـخاطب الرسول ، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.
وأما اليوم الآخر فهم أشد الناس تكذيبا وإنكارا له في الأعيان ، وعندهم أن هذا العالم لا يَخرب ، ولا تنشق السماوات ولا تنفطر ، ولا تنكدر النجوم ، ولا تُكوّر الشمس والقمر ، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار ، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام ، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل ، فهذا إيمان هذه الطائفة الذليلة الحقيرة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.[389]
{خلاصة}
والحاصل أن مقالات الفلاسفة التي لم يذهب إليها احد من طوائف المسلمين ، لا أهل البدعة ولا أهل السنة ؛ كثيرة ، مثل قولهم في النبوات والملائكة وكلام الله ، وقولهم في الشفاعة ، وإنكار مشيئة الله وقدرته[390] ، ولهذا فإن الكفر الذي يوجد فيهم قولا وفعلا أعظم من كفر اليهود والنصارى ومشركي العرب الذين هم أول من بعث إليه النبي ﷺ ونـزل فيه القرآن بكفره واستحقاقه النار[391] ، وهم أشد ضلالا من اليهود والنصارى ، نسأل الله العافية والسلامة.[392]
وبعبارة موجزة مبنية على ما تقدم من النقول عنهم ؛ فإن الفلاسفة كُفَّار في أنواع التوحيد كلها ؛ توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.[393]
وقـد فنَّـد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أقـوال الفلاسفة في المصنفات المفيدة التالية: «نقض المنطق»[394] و «نصيحة أهل الإيمان في الرد على منـطق اليونان» ويسمى «الرد على المنطقيـين» ، وقد لخصـه السـيوطي رحمه الله ، والتلخيص مثـبت في «مجموع الفتاوى»[395] و «نقـض تأسيس الجهمية» و «درء تعـارض العقل والنقل» ، و «بغية المرتاد في الـرد على المتفلسفة والقرامـطة والباطنية أهل الإلحـاد» ، و «الصفدية».
وقد بين عوارهم غيره من علماء المسلمين ، كابن القيم في كتابه «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطِّلة» ، وأبي سليمان الخـطابي في كتابه «الـغنية عن الكلام وأهله» ، وابن الوزير في كتابه «ترجيح أساليب القـرآن على أساليب اليونان».
كما صنَّف جلال الديـن السيوطي كتبا في التحـذير من علم المنـطق ، مثل «القول الـمُشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق» و «صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام» و «جهد القريحة في تجريد النصيحة».
ولأبي حامد الغزالي «تهافت الفلاسفة» و «إلجام العوام عن علم الكلام» ، وقد تقدم أن في كلام أبي حامد ما فيه ، حيث أنه تعلم المنطق ليرد عليه فتأثر به ، وقد تقدم ذكر بعض الأمثلة.
تم البحث بحمد الله ، وقد تم فيه بيان عقائد الفلاسفة ، وتجلية انحرافهم وإلحادهم عن عقيدة المسلمين ، وبيان أنهم وقعوا في حبالتي الشيطان ؛ الإعجاب بالعقل ، ثم السير خلف أقوال البشر ، ونبذ كلام رد البشر.
كما يسر الله بيان انحراف المتأثرين بالفلاسفة كأبي حامد وغيره.
والواجب على العاقل أن يلجأ إلى عقيدة المسلمين الصافية فيتعلَّمَها ويُعلِّمها ، ويحذر من اللجوء إلى أفكار البشر ، ففي كتاب الله وسنة رسوله ﷺ الهدى والنور ، وبهما يستنير العقل ، وبغيرهما يتخبط ويَضل ، عافانا الله من ذلك ، والحمد لله رب العالمين.
فائدة: من أراد الاستزادة في الاطلاع على حقيقة الفكر الفلسفي المعروف بالمنطق فعليه بكتاب «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ حمد علي فركوس ، الأستاذ بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر ، الناشر: دار الرغائب والنفائس – الجزائر.
فقد ألَّف حفظه الله نبذة نفيسة من خمسين صفحة في حقيقة المنطق اليوناني، نفع الله به وبها.
[1] رواه البخاري (7319).
[2] رواه البخاري (7320) ومسلم (2669) ، واللفظ للبخاري.
[3] هو الإمام العالم ، مفتي الأمة في زمنه ، الفقيه الشافعي الزاهد ، أبو زكريا ، محيي الدين ، يحيى بن شرف النووي ، نفع الله الأمة بتصانيفه نفعا عظيما ، كشرح صحيح مسلم ، و «رياض الصالحين» و «المجموع» وهو شرح «المهذب» ، وغيرها ، انظر ترجمته في «تاريخ الإسلام» (15/324) و «تذكرة الحفاظ».
[4] القُذَّة هي ريشة السهم ، وقد كانت تُـــثَـــبَّـــت فيه لتضبِط سيره كما تَضبط الطيور تحليقها بواسطة الريش ، فإذا انطلقت السهام رؤيت القذة تتبع الأخرى ، وقد شُبِّه المسلمون في تقليدهم لأهل الكتاب واتباعهم لسيرهم بهم ، لشدة متابعتهم لهم ، كما تتبع القذاذ بعضها بعضا إذا انطلقت.
[5] رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/479) ، والمروزي في «السنة» ، رقم 97 ، تحقيق سليم الهلالي ، الناشر: دار غراس - الكويت.
[6] رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/479).
[7] رواه مسلم (7).
[8] رواه مسلم (1822).
[9] سورة الإسراء: 36 .
[10] سورة ص: 20 .
[11] سورة آل عمران: 48 .
[12] سورة مريم: 12 .
[13] النساء: 113 .
[14] سورة البقرة: 269 .
[15] سورة الأحزاب: 34 .
[16] انظر تعريف الفلسفة ولمحة عن منهج الفلاسفة في «الصفدية» (2/323-327) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
[17] كالفارابي وابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهم.
[18] أي اسم الفلسفة.
[19] أرسطو أو أرسطوطاليس ، فيلسوف يوناني ، هو خاتمة كبار فلاسفة اليونان ، وإليه انتهت فلسفة اليونانيين ، عاش ما بين 322 – 384 قبل الميلاد. انظر ترجمته في كتاب «تاريخ الحكماء» لابن القفطي ، ص 258 ، تحقيق: جوليوس ليبرت.
[20] المشاءون هم أتباع أرسطو ، سموا بذلك لأن أستاذهم كان يلقي عليهم الدروس وهم يمشون ، فسمي هو وأتباعه بالمشائين.
[21] هو أبو علي ، الحسين بن عبد الله بن سينا ، شيخ الفلاسفة ، كان أبوه من دعاة الإسماعيلية ، ولد سنة 370 وتوفي سنة 428 هـ. انظر ترجمته في «السير» (17/531).
[22] أي المشَّاءون.
[23] لازم القول بقدم الأفلاك أنه ليس لها صانع ، وأنها ليس لها بداية ، وقد وصف من اعتقد هذا من الفلاسفة بدهرية الفلاسفة. انظر «الصفدية» (1/242) لابن تيمية رحمه الله.
وقال رحمه الله في «الرد على المنطقيين» ، ص 574:
والقائلون بقدم العالم كلهم لا بد لهم من إثبات غير الله فاعلا ، أما أرسطو وأتباعه فإن الفلك عندهم بحركته ، هو المحدث للحركات وما يتولد عنها.
والله سبحانه نفى أن يكون لغير ملك أو شِرك في الملك أو يكون له ظهير ، فإنه سبحانه هو وحده خالق كل شيء وربه ومليكه ، وهذا هو مذهب أهل السنة المثبتين للقدر ، القائلين بأن الله خالق كل شيء بمشيئته وقدرته ، لكن السلف والأئمة وأتباعهم يثبتون قدرة العبد وفعله ، ويثبتون الحكمة والأسباب. انتهى باختصار.
[24] سيأتي تقرير أن أرسطو هو الذي أدخل الإلحاد في الفكر الفلسفي ، ثم تبعه ابن سينا والرازي وغيرهم.
[25] أساطين الفلاسفة هم أئمتهم المتقدمين ، الذين نظَّروا العلم الفلسفي وأقاموه ، والأساطين هي قواعد البناء التي تعمِدُه ، واحِدتها أُسطون.
[26] أي أنه خُلق بعد أن لم يكن شيئا ، وهذا الذي قرره الله تعالى في القرآن ، كما في قوله ]الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام[ السجدة: 4 .
[27] المقصود بالصانع هو الله تعالى ، الذي صنع الكون.
[28] أي أنه غير مختلط بهم بذاته ، بل هو فوق عرشه فوق السماء السابعة ، كما أخبر تعالى عن نفسه.
[29] وهذه هي العقيدة التي قررها القرآن وجميع الكتب السماوية والأنبياء.
[30] أي صفة الجهة لله سبحانه وتعالى ، وأنه في جهة السماء.
ومذهب أهل السنة والـجماعة في الجهة أنه لا يصـح إطلاق لفظ الجهة على الله تعالى نفيا ولا إثباتا ، بل لا بد من التفصيل ؛ فإن أريد بها جهة سفل ، فإن هذه الصفة تكون منتفية عن الله تعالى وممتنعة عليه ، لأن الله تعالى قد وجب له العلو المطلق بذاته وصفاته.
وإن أريد بها جهة علو تحيط به ؛ فهي منتفية عن الله تعالى وممتنعة عليه أيضا ، فإن الله تعالى أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته ، كيف وقد وسع كرسيه السماوات والأرض ، ]والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون[ ؟
وإن أريد به جهة علو تليق بعظمته وجلاله من غير إحاطة به ؛ فهي حق ثابت لله تعالى ، واجبة له.
قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلاني في كتابه «الغنية»: وهو سبحانه بجهة العلو ، مستو على العرش ، محتو على الملك.
قاله الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ملخصا لكلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة الجهة ، «فتح رب البرية بتلخيص الحموية» ، ص 37 ، بتصرف يسير.
[31] المعتزلة فرقة ضالة في باب أسماء الله وصفاته ، ينفون عن الله صفاته زعما منهم بأن إثباتها يلزم منه تشبيه الخالق بالمخلوق ، وينفون جميع معاني صفات الله عن معانيها اللائقة به سبحانه إلى معانٍ لا يدل عليها ظاهر السياق القرآني وغير مرادةٍ ، وقد كفر السلف من قال بقولهم ، لأن مؤداه هو عدم الإيمان بما جاء به القرآن من صفات الله.
والمعتزلة يقولون بتحسين العقل ، لدرجة أنهم يقولون: قَــبْل أن نثبت النبوة وصدق الرسول لابد أن نُدلل عقلا على أن الله عدل لا يفعل القبيح ، فإذا دللنا على ذلك فحينئذ يمكن تصديق النبي بالمعجزة وأنه مرسل من الله ، أما إذا لم نثبت عدل الله أولا فلا يمكن أن نصدق النبي ، لأن العقل لم يدل على أن الله لا يمكن أن يرسل الكذاب ولا أن الله يفعل القبيح !!!
انظر «التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية» ، لفالح بن مهدي ، ص 323 .
وانظر لشيء من التوسع {فصل في التعريف بالمعتزلة} في آخر ملحق الكتاب.
[32] الأشعرية طائفة تؤول جميع صفاة الله عز وجل عن المعنى الظاهر إلى معاني ليس بظاهرة في السياق ، إلاّ سبع صفات ، فإنهم يمرونها على ظاهرها ، وهي القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام.
ومن الصفات التي يؤولونها صفة اليدين ، فإنها يفسرونها بالنعمة ، وهكذا باقي الصفات إلا السبع المتقدمة.
ومنهج الأشعرية – أو الأشاعرة – في فهم نصوص الصفات مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة ، الذي هو منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، فإن أهل السنة يمرون آيات الصفات على ظاهرها ولا يتعرضون لها بتأويل ، لأن الله يخاطب الناس بما يعقلون ، ووصف الله القرآن بأنه مبين ، ولو كان للصفات معان غير معانيه الظاهرة لما صح وصفه بأنه مبين.
والأشاعرة ينتسبون إلى أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر ، ولد سنة ستين وقيل سبعين ومائتين بالبصرة ، وإليه تنتسب طائفة الأشعرية ، كان معتزليا أربعون عاما ثم رجع إلى مذهب أهل السنة وأعلن ذلك فوق المنبر ، وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم ، له مؤلفات مثل «الإبانة عن أصول الديانة» ، و «مقالات الإسلاميين» ، وغيرها ، رحمه الله رحمة واسعة.
[33] أي متقدمي الفلاسفة.
[34] الجهمية طائفة تنتسب إلى الجهم بن صفوان ، إمام الجهمية ، أنكر صفات الله تعالى ، بأن أول معانيها الظاهرة إلى معاني غير مرادة ، وكان ظهور الجهم في آخر عصر التابعين ، فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى.
وقد كفَّر أئمة السلف الجهمية ، بل كفَّرهم خمسمائة عالم من علماء السلف ، وما زال بعض الناس يتلقفون مقالة الجهمية قرنا بعد قرن ، لكن أهل السنة لهم بالمرصاد ، يردون عليهم ، وينفون عن الله تأويل المتأولين ، وتحريف المبطلين ، وغلو الغالين ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل.
[35] طفَّ الشي أي بخسه ونقصه. انظر «المعجم الوسيط».
[36] الأفعال الاختيارية هي أفعال الله التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى ، مثل الكلام والغضب والإماتة ، ودليلها قوله تعالى ]كل يوم هو في شأن[ ، وقوله ]فسيرى الله عملكم ورسوله[ ، وقوله ]إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون[ ، وقوله ]فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا[ ، وقوله ]وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها[ ، وقوله ﷺ إذا كان يوم القيامة: (إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب الله قبله مثله ولم يغضب بعده مثله) ، وكذا قوله ﷺ : إذا قال العبد ]الحمد لله رب العالمين[ ؛ قال الله: حمدني عبدي ... الحديث.
[37] يجدر التنبيه إلى أنه ليس للإسلام فلاسفة ، ولعل مقصود الشيخ أنه من الفلاسفة الذين كانوا بين المسلمين ، كما بين شيخه ابن تيمية رحمه الله إذ قال: وكان يعقوب بن إسحاق الكندي - فيلسوف الإسلام في وقته - أعني الفيلسوف الذي في الإسلام ، وإلا فليس الفلاسفة من المسلمين ، كما قالوا لبعض أعيان القضاة الذين كانوا في زماننا: (ابن سينا من فلاسفة الإسلام) ، فقال: ليس للإسلام فلاسفة. انظر «مجموع الفتاوى» (9/186).
[38] ستأتي ترجمته قريبا إن شاء الله.
[39] يَقصد بهذا الرد على من نفى عن الله صفاته بزعم أن هذا من باب إجلال الله عن مشابهة صفاته لصفات المخلوقين ، والرد عليه أن يقال أن إثبات الصفات لله عز وجل على الوجه اللائق ليس فيه تشبيه له بخلقه ، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات ؛ فلله صفات لا تشبه الصفات ، فالواجب إجلال الله وتنزيهه عن هذا الإجلال والتنزيه الباطل ، هذا قصده.
[40] أي اتباع الرسل والشرائع.
[41] الكلال هو الضعف والتعب.
[42] صدق الله ]بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله[.
[43] قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه «الرد على المنطقيين» ، ص 328 : وأما أرسطو وأصحابه فكانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب ، وهكذا كان دين اليونان والروم قبل ظهور دين المسيح فيهم ، وكان أرسطو قبل المسيح بنحو ثلاث مائة سنة ، وكان وزير الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي ، وكان قد ذهب إلى ارض الفرس واستولى عليها. انتهى.
[44] هذه زلة أخرى عظيمة ، وهي عقيدة أساسية في دين الفلاسفة المتأخرين ، وسيأتي الكلام عليها في بيان الإيمان بالرسل عند الفلاسفة.
[45] علم المنطق هو علم يعصم الذهن عن الخطأ في الفكر – بزعمهم - ، وفائدته اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة ، وتمييز الخطأ من الصواب فيما يلتمسه الناظر في التصورات الذاتية والعرضية ، ليقف على تحقيق الحق في الكائنات نفيا وثبوتا بمنتهى فكره ، والأمر ليس كذلك ، لأن المنطق علمٌ وضعي اصطلاحي بشري ، وليس من الأمور الحقيقية العلمية ، وعلى ذلك فلا يصح أن يكون ميزانا للعلوم العقلية ، ولا أن يقال أنه يعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر ، وأول من دون المنطق وجمعه وهذبه الفيلسوف اليوناني أرسطو ، وقد كان قبل المسيح بثلاثمائة سنة ، ثم مر ببعض التطورات إلى أن انتهى المطاف بعلم المنطق عند محمد بن محمد أبو نصر الفارابي (339 هـ) ، وهو المسمى بالمعلم الثاني ، ثم ترجم إلى العربية.
وعلوم الفلسفة تشتمل على أربعة علوم (وتسمى التعاليم):
1. علم المنطق وهو المقدم فيها.
2. علم النظر.
3. العلم الإلـٰهي.
4. الناظر في المقادير ، ويشتمل على علم الهندسة وعلم الأرتماطيقي وعلم الموسيقى وعلم الهيئة.
قال الشافعي رحمه الله: ما جهل الناس واختلفوا إلا بتركهم مصطلح العرب وأخذهم بمصطلح أرسطو طاليس.
انظر «الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة» ص 1109 ، 1152 ، و «مقدمة ابن خلدون» ، فصل ، العلوم العقلية وأصنافها.
[46] الذي ظهر لي والعلم عند الله تعالى أن النُّظار هم المشتغلون بالمناظرات مع الطوائف ، من ناظر فلان فلانا ، أي صار نظيرا له في المخاطبة. انظر «لسان العرب».
[47] الكتابان هما «الرد على المنطقيين» و «نقض المنطق» ، وقد طبع الأخير حديثا بعنوان «الانتصار لأهل الأثر» ، بتحــــــــــــــــــــــقيق: عبد الرحمـٰن بن حسن بن قائد ، طبعته دار عالم الفوائد - مكة.
[48] تراجع مقالات الفلاسفة قبل أرسطو وبعده في «الصفدية» (1/236-237).
[49] أي سارت.
[50] النوبة هي الفرصة لتولي زمام الأمر. انظر «لسان العرب».
[51] هو أبو نصر محمد بن محمد بن اوزلغ بن طرخان الفارابي التركي ، الملقب بالفيلسوف الثاني ، فيلسوف رياضي طبيب ، عارف بعدة لغات ، سافر إلى حرَّان وأخذ المنطق عن يوحنا بن جيلان النصراني ، توفي بدمشق سنة 339 هـ ، وقد كان همه الجمع والتوفيق بين الدين والفلسفة ، وهو أول من حاول ذلك ، ثم تبعه ابن سينا ومن بعده على هذا الطريق ، وهيهات أن يجمع بين النقيضين.
نقلا من حاشية «بغية المرتاد» ، ص 65 ، و «الرد على المنطقيين» ، ص 333 .
[52]الناموس هو صاحب السر ، ومنه قول ورقة بن نوفل ابن عم خديجة للنبي ﷺ لما سأله عن جبريل عليه السلام وقد نزل عليه في الغار – ولم يكن يعرفه – : (هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى) ، يعني جبريل عليه السلام.
[53] الصفات الثبوتية هي الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ ، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه ، كالحياة والعلم والقدرة والاستواء على العرش ، والنزول إلى السماء الدنيا ، والوجه واليدين ، ونحو ذلك.
وقسيمها الصفات السلبية ، وهي الصفات التي نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ ، وكلها صفات نقص في حقه ، كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب ، فهذه الصفات يجب نفيها عن الله تعالى مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل.
والفلاسفة ينكرون الصفات الثبوتية لله تعالى ، ويصفونه بالسلوب المحض ، تعالى الله عن ذلك ، زاعمين أن الواحد لا يصدر عنه إلاَّ واحد ، إذ لو صدر عنه اثنان لكان ذلك مخالفًا للوحدة ، وبذلك نفوا أن يكون الله فاعلاً مختارًا ، ونفوا الصفات عن الله تعالى فرارًا من تشبيهه بالنفوس الفلكية أو الإنسانية ، ثم شبهوه بالجمادات.
نقلا من «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس.
ولما صار ضلال الفلاسفة في الإلـٰهيات ظاهر لأكثر الناس ؛ كفرهم نظار المسلمين قاطبة. انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/187).
[54] أي عن الذات.
[55] مباين أي منفصل.
[56] أي بينهما وبين الله من الفرق كما بين الوجود والعدم.
[57] المقصود بالعلة الغائية: الغاية التي من أجلها وُجد الفعل المختار.
[58] أي الله تعالى.
[59] أي الجهمية.
[60] سيأتي مزيد بيان لحال ابن سينا في ملحق الكتاب ، إن شاء الله.
[61] أي ليس عندهم أن كل إنسان عنده ملكين قاعدَين عن يمينه وشماله ، يكتبان عمله ، وقيل في معنى قعيد أي مترصد. انظر «تفسير الطبري».
[62] قال ابن تيمية رحمه الله: وقد ذهب الفلاسفة أهل المنطق إلى جهالات ، كقولهم أن الملائكة هي العقول العشرة ، وأنها قديمة أزلية ، وأن العقل رب ما سواه ، وهذا شيء لم يقل مثله أحد من اليهود والنصارى ومشركي العرب ، ولم يقل أحد أن ملكا من الملائكة رب العالم كله.
ثم قال: ويقولون: إن الملائكة هي العقول العشرة أو القوى الصالحة في النفس ، وأن الشياطين هي القوى الخبيثة ، وغير ذلك مما عُرِف فساده بالدلائل العقلية ، بل بالضرورة من دين الرسول ، فإذا كان شرك هؤلاء وكفرهم أعظم من شرك مشركي العرب وكفرهم ؛ فأي كمال للنفس في هذه الجهالات. انتهى من «مجموع الفتاوى» (9/104- 105).
كما تخبط الفلاسفة في معرفة حقيقة الجن ، فقالوا أنها أمورا نفسية وليست ذوات ، وقد رد عليهم ابن تيمية رحمه الله في «الصفدية» (1/180).
[63] أي الله - تعالى عما يقولون - .
[64] ينقسم الفلاسفة في الإيمان بصفة الكلام على ثلاثة أقوال ، انظر ما قاله ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (9/279-286).
وقد كفر السلف الجهمية منكري الصفات ، فكيف بالفلاسفة الذين أنكروا كل شيء ، الصفات وغيرها من ركائز الإيمان ، انظر تكفير السلف للجهمية في كتاب «السنة» للخلال ، و «الصفدية» ص 239 .
وانظر كلام ابن تيمية في أن مؤدى قول الفلاسفة هو نفي الأسماء والصفات في الحقيقة في كتابه «بغية المرتاد» ، ص 353 .
[65] أي الوهم.
[66] أي الكتب.
[67] لينظر القارئ الكريم هذا الكلام الغامض ، ويقارنه بالقرآن المبين ، والله المستعان.
[68] الحدس هو الإدراك المباشر. انظر «المعجم الوسيط».
[69] انظر رد ابن تيمية على مسألة «الحد الأوسط» في كتاب «الصفدية» ص 142 .
[70] يعني الملائكة – بحسب اعتقادهم.
[71] هيولى كلمة يونانية الأصل ، ويراد بها المادة الأولى ، انظر «المعجم الفلسفي» ص 208 .
فمحصل كلامهم أن النبي – أيا كان - ينبغي أن تتوفر فيه قوة التأثير في مادة العالم الأولى ليكون نبيا!!
انظر «المعجم الفلسفي» ص 208 .
[72] أي الأمور التي تفارق الإنسان ولا تلازمه.
[73] فالفلاسفة يعتبرون النبوات أمرًا مكتسبًا ، تستعدُّ له النفوس بأنواع الرياضات ، وليست النبوة – عندهم - هبة من الله ومنة على بعض عباده ، وكلامهم باطل قطعا ، قال تعالى )الله أعلم حيث يجعل رسالته(.
[74] ليلاحظ القارئ الكريم مدى اغترار هؤلاء القوم بعقولهم ، حتى تطاولوا على مقام النبوة ، ولا غرابة بعد هذا في ازدراءهم ما جاءت به الأنبياء من الشرائع والكتب ، والله الهادي.
فائدة من كلام ابن تيمية رحمه الله – وهي تتمة لكلام تلميذه ابن القيم - في بيان ضلال الفلاسفة في باب الإيمان بالرسل:
قال رحمه الله في كتابه «الرد على المنطقيين» ، ص 486 – 489 :
ثم قد يقولون (أي هؤلاء الفلاسفة): إن ما جاءت به الأنبياء فهو من جنس الخطابة التي قُصد بها خطاب الجمهور ، لم يقصد به تعريف الحقائق ، هذا في الأمور العلمية ، فإن مبادئ الأمور العلمية قد لا يجعلونها من البرهانيات بل من المشهورات ، كالعلم بحسن العدل وقبح الظلم ، وأما العلميات فيقولون: (إن الأنبياء لم يذكروا حقائق الأمور في معرفة الله والمعاد ، وإنما اخبروا الجمهور بما يتخيلونه في ذلك لينتفعوا به في إقامة مصلحة دنياهم ، لا ليعرفوا بذلك الحق) ، ويقولون: (إنهم أرادوا بخطابهم للناس أن يعتقدوا الأمور على خلاف ما هي عليه ، وهي من جنس الكذب لمصلحة الناس وهم يُعلمون هذه المرتبة).
ثم النبي عندهم هل يعرف الأمور العلمية؟ فيه نزاع بينهم.
وهم يعظمون محمدا ﷺ ، ويقولون: (لم يأت إلى العالم ناموس أفضل من ناموسه) ، ويفضله كثير منهم على الفيلسوف ، ومنهم من يفضل الفيلسوف عليه ، وهم حائرون في أمور الأنبياء ، ولهذا كلامهم في الأنبياء غاية في الاضطراب ، ولم ينقلوا عن أرسطو وأتباعه فيهم شيئا ، بل ذكروا من كلام أفلاطون وغيره في النواميس ما جعلوا به واضعي النواميس من اليونان وغيرهم من جنس الأنبياء الذين ذكرهم الله في القران ، ونحن نعلم أن الرسل جميعهم دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى ]واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمـٰن آلهة يعبدون[ ، وقال تعالى ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[.
والنواميس التي يذكرونها فيها شرك ، لا يأمر به أحد من أنبياء الله ، فعُلم أن كل من ذكروه من واضعي النواميس المخالفة لما اتفقت عليه الرسل فليس بني ولا متبع لنبي ، بل هو من جنس واضعي النواميس من ملوك الكفار ووزرائهم وعقلائهم وعلمائهم وعبادهم.
وهم وإن عظَّموا الأنبياء ونواميسهم فلأجل أنهم أقاموا قانون العدل الذي لا تقوم مصلحة العالم إلا به ، ويوجبون طاعة الأنبياء والعمل بنواميسهم ، وهي الشرائع التي جاءوا بها ، ولكنهم عندهم لم يأتوا بالأمور العلمية بل بالعمليات النافعة ، والعلميات عندهم إما أن تكون التي علِمها وما أمكنه إظهارها ، بل اظهر ما يخالف الحق عنده لمصلحة الجمهور ، وإما انه لم يعلمها ، وإلا فهم يجوزون للرجل أن يتمسك بأي ناموس كان ولا يوجبون اتباع نبي بعينه ، لا محمد ولا غيره ، إلا من جهة ارتباط مصلحة دنياهم بذلك ، لا لأنه يعذب في الآخرة على مخالفة شريعة محمد أو غيره.
ولهذا لما ظهرت التركُ الكفارُ وأراد من أراد منهم أن يدخل في الإسلام قبل ظهور الإسلام عليهم أشار عليه بعض من كان معه من الفلاسفة بأن لا يفعل ، قال: (ذاك لسانه عربي ولا يحتاجون إلى شريعته ، ونحو هذا الكلام ، يبين أن الشريعة التي جاء بها محمد لا يحتاج إليها مثلكم وأمثالكم).
وقد قيل: إن الذي أراد الدخول في الإسلام وقال له منجمه هذا هو هولاكو.
ولما قدم هولاكو الشام وتقلد القضاء من جهته بعض قضاة الشام الذين كانوا يعظمون صوفية الفلاسفة - كابن عربي ونحوه - ودخل إلى البلد ؛ أخذ يثني على ملك الكفار ويعظمه ويذكر ما يذكر من فضائله بزعمه فقال له بعض الحاضرين: (ياليته كان مسلما) ، فقال القاضي: وأي حاجة لهذا إلى الإسلام ، سواء كان مسلما أو لم يكن؟!
وهذا بناء على هذا الأصل ، فالنبي عندهم يشبه من بعض الوجوه أئمة المذاهب عند المتكلمين ، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي وداود بن علي ، وغير هؤلاء من أئمة الفقهاء ، فإن المتكلمين يعظمون هؤلاء في علم الشريعة العملية والقضايا الفقهية ، وأما في الكلام وأصول الدين - مثل مسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوات والمعاد - فلا يلتزمون موافقة هؤلاء ، بل قد يجعلون شيوخهم المتكلمين أفضل منهم في ذلك ، وقد يقولون: إنهم وان علِموا ذلك لكن لم يبسطوا القول فيه ولم يبينوه كما فعل ذلك شيوخ المتكلمين.
فالنبي عند هؤلاء المتفلسفة يشبه المجتهد المتبوع عند المتكلمين ولهذا يقول من يقرِنهم بالأنبياء كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم: (اتفقت الأنبياء والحكماء) ، أو يقولون: (الأنبياء والفلاسفة) ، كما يقول الأصوليون: (اتفق الفقهاء والمتكلمون ، وهذا قول الفقهاء والمتكلمين) ، ونحو ذلك ، والذين يعظمونهم يريدون التوفيق بين ما يقولونه وبين ما جاءت به الأنبياء.
انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
وقال ابن تيمية أيضا عن عقيدة الفلاسفة في الأنبياء:
زعموا أن ما جاءت به الأنبياء في معرفة الله وصفاته والمعاد لا حقيقة له في الواقع ، وأنهم إنما أخبروا الجمهور بما يتخيلونه في ذلك لينتفعوا به في إقامة مصلحة دنياهم لا ليعرفوا بذلك الحق ، وأنه من جنس الكذب لمصلحة الناس ، ويقولون أن النبي حاذق بالشرائع العملية دون العلمية ، ومنهم من يفضل الفيلسوف على كل نبي ، وعلى نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولا يوجبون اتباع نبي بعينه لا محمد ولا غيره ، ولهذا لما ظهرت التتار وأراد بعضهم الدخول في الإسلام ؛ قيل إن هولاكو أشار عليه بعض من كان معه من الفلاسفة بأن لا يفعل (أي أن لا يدخل في الإسلام!) ، قال: ذاك (أي محمد) لسانه عربي ولا تحتاجون إلى شريعته.
ومن تبع النبي منهم في الشرائع العملية لا يتبعه في أصول الدين والاعتقاد ، بل النبي عندهم بـمنزلة أحد الأئمة الأربعة عند الـمتكلمين ، فإن أئمة الكلام إذا قلدوا مذهبا من المذاهب الأربعة اقتصروا في تقليده على القضايا الفقهية ولا يلتزمون موافقته في الأصول ومسائل التوحيد ، بل قد يجعلون شيوخهم المتكلمين أفضل منهم في ذلك. انتهى من «مجموع الفتاوى» (9/247 - 248).
قلت: زعمُ الفلاسفةِ أن النبي يدرك عن طريق التخيل – كما في كلام الشيخ - هو قول أرسطو ، وهم يفـــضلون الفيلسوف عليه لكونه يدرك عن طريق العقل والتأمل ، والتخيل عندهم درجة أدنى من التأمل ، وقد تابع الفارابي أرسطو في هذا الاعتقاد الضال. انظر «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 1109 .
وفي باب معجزات الأنبياء تخبط الفلاسفة تخبطا واسعا ، فقالوا أن معجزاتهم نابعة من قوى نفسية لدى الأنبياء ، وقد رد عليهم ابن تيمية قولهم هذا بما لا مزيد عليه في كتابه «الصفدية» (انظر 1/1 ، 136 – 137 ، 163 ، 175).
[75] الكل هو التعب والضعف.
[76] أي طلب من غيره أن يسُدَّ نقصه ، تعالى الله عن قول الملاحدة علوا كبيرا.
[77] أي أرسطو.
[78] أي ابن سينا.
[79] قال ابن تيمية رحمه الله: وأما اليوم الآخر فأحسنهم حالاً من يقر بمعاد الأرواح دون الأجساد ، ومنهم من ينكر المعادين جميعا ، ومنهم من يقر بمعاد الأرواح العالمة دون الجاهلة ، وهذه الأقوال الثلاثة لمعلمهم الثاني أبي نصر الفارابي ، ولهم فيه من الاضطراب ما يُعلم به أنهم لم يهتدوا فيه إلى الصواب.
انتهى من «مجموع الفتاوى» (9/45- 36).
[80] هو محمد بن زكريا الرازي ، الطبيب الفيلسوف ، توفي سنة 311 . انظر ترجمته في «السير» (14/354).
[81] أي طريق ابن سينا.
[82] هو العلامة إمام المتكلمين ، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري اليماني البصري ، تعلم الاعتزال ثم تاب منه وتبرأ منه على الـمنبر ، قال الذهبي في ترجمته في «السير» (15/86): رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول ، يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات ، وقال فيها: (تُـمَرُّ كما جاءت) ، ثم قال: (وبذلك أقول ، وبه أدين ، ولا تُؤوِّل). اهـ.
قلت: وقد قرر الأشعري إجماع أهل السنة على علو الله على خلقه في كتابه «رسالة إلى أهل الثغر» ، ص 232 .
توفي رحمه الله سنة 330 .
[83] هو أَبُو عِيسى ، محمد بن هارون الوَرَّاق ، باحث معتزلي ، من أهل بغداد ، انظر ترجمته في «الأعلام» للزركلي و «تاريخ الإسلام» للذهبي (5/1249) ، الناشر: دار الغرب الإسلامي.
[84] انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (15/327).
[85] هو أبو البركات ، هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي ، طبيب وفيلسوف ، حظي بمكانة عظيمة ، حتى لقب بفيلسوف العراقيين في عصره. عاش في الفترة ما بين (480 – 560 هـ). انظر ترجمته في كتاب «تاريخ الحكماء» لابن القفطي ، ص 197 ، تحقيق: جوليوس ليبرت.
[86] لو كانت: (أن الذين) لكانت العبارة أوضح.
[87] أي فلاسفة اليونان.
[88] أي اليونان.
[89] فائدة: استدرك الشيخ محمد الفقي رحمه الله على ابن القيم تسميته ذي القرنين بالإسكندر ، فقال في حاشيته على «إغاثة اللهفان» (2/263) أنه لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ولا في «البداية والنهاية» لابن كثير ، إلا في رواية واحدة ضعيفة جدا.
[90] فلَّ عرشه أي أزال ملكه بالقوة.
[91] مشيره أي مستشاره الذي يشاوره في الأمور.
[92] وانظر ما قاله ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (9/175).
[93] قال ابن تيمية رحمه الله في «الرد على المنطقيين» ، ص 329 : وكانت اليونان والروم مشركين ، يعبدون الشــــمس والقمر والكواكب ، ويبنون لها هياكل في الأرض ، ويصورون لها أصناما يجعلون لها طلاسم ، من جنس شرك النمرود بن كنعان وقومه الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه. انتهى باختصار.
[94] هو أحد رموز فلاسفة اليونان الخمسة ، توفي سنة 399 قبل الميلاد ، انظر ترجمته في كتاب «تاريخ الحكماء» لابن القفطي ، ص 197 ، تحقيق: جوليوس ليبرت.
[95] توفي سنة 500 قبل الميلاد ، انظر ترجمته في كتاب «تاريخ الحكماء» لابن القفطي ، ص 258 ، تحقيق: جوليوس ليبرت.
[96] يُضام أي يلحقه ضَيم وهو الضرر.
[97] أي سقراط.
[98] أي على اتباع طريقتكم.
[99] في نسخة (علي): المغرمين.
[100] أفلاطون بن أريستون ، فيلسوف يوناني معروف ، أحد أساطين الفلسفة الخمسة ، توفي سنة 348 قبل الميلاد. انظر ترجمته في كتاب «تاريخ الحكماء» لابن القفطي ، ص 17 ، تحقيق: جوليوس ليبرت.
[101] أي أرسطو ، وهو الذي ابتدأ إلحاد الفلاسفة من عنده مرورا بابن سينا والرازي.
[102] المقصود بالحاكم هو الحاكم العبيدي ، وهو منصور بن نزار بن معد ، الملقب بـ «الحاكم بأمر الله» (375 – 410 هـ) ، وهو السادس من الخلفاء العبيديين الباطنيين ، من الخلفاء المغاربة الذين تغلبوا على مصر.
قال الأستاذ خير الدين الزركلي في ترجمته: كان جوادا ، سفاكا للداء ، قتل عددا لا يحصى من وزرائه وأعيان دولته وغيرهم ، وكان يشتغل بعلوم الفلسفة وينظر في النجوم ، ودعا إلى تأليهه ، ففتح سجلا تكتب فيه أسماء المؤمنين به ، فاكتتب من أهل القاهرة سبعة عشر ألفا كلهم يخشون بطشه. انظر «الأعلام» للزركلي (3/1075).
وقال الشيخ حامد الفقي رحمه الله في حاشيته على «إغاثة اللهفان» (2/266): كتب على المساجد والجوامع سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وهو الذي يعبده الدروز في لبنان والإسماعيلية في الهند.
انظر نبذة عن عقيدة الدروز في «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، الناشر دار الندوة العالمية.
قال ابن تيمية في «الرد على المنطقيين» ص 324 : وكان هو وأهل بيته من الملاحدة الباطنية ، أتباع الحاكم وغيره من العبيـديين الإسماعيلية ، وأولئك كانوا يستعملون التأويل الباطن في جميع أمور الشريعة ، علميها وعمليها ، حتى تأولوا الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت لكن كانوا يأمرون بالشريعة لعوامهم ، فإنهم كانوا يتظاهرون بالتشيع. انتهى.
والعبيديون هم الذين قالوا بألوهيته ، ويعرفون بالدروز ، ومنشأ مذهبهم على يد رجلين فارسيين هما حمزة ودرزي.
والعبيديون يطلق عليهم الإسماعيلية أيضا ، لأنهم متفرعون منهم ، والإسماعيلية فرقة من غلاة الشيعة يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق.
نقلا من حاشية د. محمد رشاد سالم على «الصفدية» (1/2) ، وحاشيته على «درء تعارض العقل والنقل» (1/10).
ونقل الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في حاشيته على «إغاثة اللهفان» (2/269) عن «النجوم الزاهرة» أن جد العبيديين هو عبيد الله الملقب بالمهدي ، وادعى أنه علوي ، وكان باطنيا خبيثا كما تقدم ، وكان جده مجوسيا ، واسمه القداح ، وهو أصل دعاة القرامطة ، وجاء أولاد عبيد الله على أسلوبه ، فأشاعوا الخمر والزنا ، وأشاعوا الرفض في الشام كالنصيرية والدرزية.
[103] القرامـــــطة فرقة من فرق الباطنية ، والباطنية عرَّفهم ابن الجوزي رحـمه الله في كتابه «تلبيس إبليس» ، ذِكر تلبيس إبليس على الباطنية ، فقال: الباطنية قوم تستروا بالإسلام ومالوا إلى الرفض (أي دين الرافضة المسمين أنفسهم بالشيعة) ، وعقائدهم وأعمالهم تُباين الإسلام بِـمَرَّةٍ ، فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار البعث ، ولكنهم لا يُظهرون هذا في أول أمرهم ، بل يزعمون أن الله حق ، ومحمد رسول الله ، والدين صحيح ، ولكنهم يقولون: لذلك سر غير ظاهر ، وقد تلاعب بهم إبليس فبالغ وحسَّن لهم مذاهب مختلفة ، ولهم ثمانية أسماء.
انظر للتوسع {فصل في التعريف بالباطنية} في ملحق الكتاب.
وأما القرامطة فهم فرقة من فرق الباطنية ، ظهرت سنة 278 هـ في العراق على يد حمدان قرمط ، ومذهبهم يقوم على القول بإلـٰهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان ، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني ، واسم العلة: الأول ، واسم المعلول: التالي ، والنبي عندهم عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بقوة التالي قوة قدسية صافية ، واتفقوا على أنه لا بد في كل عصر من إمام معصوم يساوي النبي في العصمة ، وهم ينكرون البعث والمعاد ويستبيحون المحظورات ، ويجعلون لكل نص ظاهرا وباطنا ، يؤولون المعنى الباطن حسب معتقداتهم وأهوائهم ، وقد نشطت تلك الحركة الخبيثة وكثر أتباعها ، فأغاروا على البلدان ونهبوا الأموال وهتكوا الأعراض ، حتى أنهم هاجموا مكة سنة 319 هـ فقتلوا أهلها ومن كان فيها من الحجاج ، وهدموا زمزم واقتلعوا الحجر الأسود وذهبوا به إلى الأحساء ، ثم أعيد إلى مكانه سنة 339 هـ.
انظر «القرامطة» لابن الجوزي ، تحقيق محمد الصباغ ، وانظر للتوسع {فصل في التعريف بالقرامطة} في ملحق الكتاب.
[104] أي القرامطة.
[105] إخوان الصفا هم جماعة من الشيعة الباطنية عامة ، ومن الإسماعيلية خاصة ، ظهرت في العالم الإسلامي ولزمت التكتم حتى سنة 334 هـ ، وفيها ألفوا كتابا ورتبوا فيه مقالاتهم وعددها إحدى وخمسون مقالة ، خمسون منها في جميع أجزاء الفلسفة ، علميها وعمليها ، ثم أفردوا واحدة جامعة لأنواع المقالات على سبيل الاختصار ، وكتموا أسماءهم وبثوا مقالاتهم في الوراقين ، ووهبوها للناس.
نقلا من حاشية «بغية المرتاد» ص 180 ، وحاشية «الرد على المنطقيين» ، ص 488 .
انظر للتوسع {فصل في التعريف بالقرامطة} في ملحق الكتاب.
[106] قال الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في حاشيته على «إغاثة اللهفان» (2/267):
هو آخر خلفاء بَني العباس ، المستعصم بالله ، قتله التتر الذين دخلوا بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة بممالأة ابن العلقمي الرافضي الملعون وزير المستعصم.
وكان نصير الشرك والإلحاد الطوسي قاضي التتار ومشيرهم ، وقد فعل التتر بمشورته وابن العلقمي في بغداد من سفك الدماء وانتهاك الحرمات والتنكيل بالإسلام والمسلمين ما لم يسمع بمثله في أي عصر أبدا.
[107] الطبائعيون قوم ينكرون وجود الله ، ويقولون إن الطبيعة أوجدت نفسها بنفسها ، ويسمون بأصحاب الطبائع ، وهم القائلون بقدم العناصر الأربعة: الأرض (أو الطين أو التراب) والماء والنار والهواء ، وأنها أصل كل موجود ، كما قالوا بقدم طبائع هذه العناصر ، وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ، ومذهبهم هذا مبني على إنكار الخالق تعالى ، وأن يكون هو خالق هذا العالم ومدبره ، ويستبعدون كل مؤثر يجاوز حدود الطبيعة ويفارقها ، وممن ورث هذا المذهب في الوقت الحاضر الشيوعيون ، الذين يقولون بأنه لا وجود إلا للطبيعة أي للحقيقة الواقعية المؤلفة من الظاهر المادية المرتبطة بعضها ببعض على النحو الذي نشاهده في عالم الحس والتجربة.
نقلا من حاشية د. عثمان المزيد على «تلبيس إبليس» ، ذكر تلبيسه على الطبائعيين.
قال ابن تيمية رحمه الله: فأما الطبيعيون فلا يقرون بوجود موجود وراء الفلك وما يحويه ، وحقيقة قولهم: أن العالم واجب الوجود بنفسه ، ليس له مبدع ولا فاعل ، وهذا هو التعطيل الذي كان يعتقده فرعون ، حيث أنكر رب العالمين وقال لموسى على سبيل الإنكار ]وما رب العالمين[ ...
ثم قال: وهذا القول الذي أظهره فرعون هو قول المعطلة من الطبيعيين. انظر «الصفدية» (1/242).
[108] الربط جمع رِباط ، وهي ملاجئ الفقراء.
[109] هو كتاب بهذا الاسم.
[110] أي «الإشارات»!
[111] قد أحصى الشهرستاني فرق الفلاسفة في أربعة عشر فرقة. انظر كتابه «الملل والنحل».
[112] أصحاب الرواق أو الرواقية هم طائفة يونانية يقوم مذهبها على القول بوحدة الوجود. انظر مقالاتهم في كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني ، جزء الفلاسفة – الفصل الرابع عشر.
[113] أصحاب الظلة فرقة من فرق الفلاسفة ، لم أقف على تعريفها.
[114] هو محمد بن عبد الله بن الخطيب ، شاعر وكاتب ومؤرخ وفيلسوف وطبيب وسياسي من الأندلس. توفي سنة 776 هـ. له كتاب «الإحاطة في تاريخ غرناطة». انظر ترجمته في «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» (5/213) لابن حجر رحمه الله ، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر أباد- الهند.
[115] التعطيل في اللغة هو الإفراغ والإخلاء.
[116] قال ابن تيمية رحمه الله: ثم إن الفلاسفة أصحاب هذا المنطق البرهاني الذي وضعه أرسطو وما يتبعه من الطبيعي والإلـٰهي ليسوا أمة واحدة ، بل أصناف متفرقون وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله ، أعظم مما بين الملة الواحدة كاليهود والنصارى أضعافا مضاعفة ، فإن القوم كلما بَعدوا عن أتباع الرسل والكتب كان أعظم في تفرقهم واختلافهم ، فإنهم يكونون أضل ، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة عن النبي ﷺ أنه قال: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، ثم قرأ قوله تعالى ]ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون[ ، إذ لا يَحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل ونبي مرسل ، كما قال تعالى ]كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه[ الآية ، وقال ]لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط[ ، وقال ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ الآية.
وقد بين الله في كتابه من الأمثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل ، وأمر الله بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف ، وأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون فقال ]ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك[ ، ولهذا يوجد اتْبع الناس للرسول اقل اختلافا من جميع الطوائف المنتسبة للسنة ، وكل من قرب للسنة كان اقل اختلافا ممن بعد عنها ، كالمعتزلة والرافضة ، فنجدهم أكثر الطوائف اختلافا.
وأما اختلاف الفلاسـفة فلا يحصـره أحد ، وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه «المقالات» ، مقالات غير الإسلاميين ، فأتى بالجم الغفير سوى ما ذكره الفارابي وابن سينا ، وكذلك القاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب «الدقائق» الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجمين ، ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان ، وكذلك متكلمة المعتزلة والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة ، وصنف الغزالي كتاب «التهافت» في الرد عليهم.
انتهى من «مجموع الفتاوى» (9/229- 231).
[117] وهذا كما جاء في التنزيل ]وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إلـٰه موسى وإني لأظنه كاذبا[. سورة غافر: 36 – 37 .
[118] يعني بالداخل: الذي دخل بعلوم الفلسفة عليهم.
[119] يعني بذلك بختنصر وسنجاريب وجنودهما.
[120] أي صيَّـروهم وجعلوهم.
[121] أي المغرب.
[122] هم العبيديون الذين تقدم ذكرهم.
[123] أي نفي صفات الرب عز وجل ، والتي انتقلت لبني إسرائيل من الملاحدة والفلاسفة.
[124] أي قصدوا قتله.
[125] هذا ملحق لطيف ألحقته بكلام ابن القيم رحمه الله ، ذكرت فيه ضلالات أخرى للفلاسفة ، ليعلم مبتغي الحق طريقة القوم.
[126] باختصار يسير من «مجموع الفتاوى» (9/133- 134).
[127] أي الطلبة سلموا للفلاسفة في بعض الأصول الفلسفية.
[128] «مجموع الفتاوى» (9/135- 136).
[129] سورة النجم: 28 .
[130] «مجموع الفتاوى» (9/36).
[131] انظر «مجموع الفتاوى» (6/267) ، و «درء تعارض العقل والنقل» (10/178).
[132] ص 550 – 551 .
[133] أي تَـقَـرُّب ، ليوحي بخير أو شر.
[134] رواه ابن حبان (3/278) مرفوعا ، وكذا النسائي في «الكبرى» في كتاب التفسير ، باب قوله تعالى ]الشيطان يعدكم الفقر[ ، والترمذي (2988) ، ولفظ الترمذي: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملَك لمّة ، فأما لـمَّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لـمَّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ]الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء[ ، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».
وأما الرواية الموقوفة على ابن مسعود رضي الله عنه فرواها الطبراني في «المعجم الكبير» (9/101) ، وكذا أحمد في «الزهد» ، في فضائل أبي هريرة رضي الله عنه.
[135] رواه مسلم (2814) ، وقد ضبطت اللفظ منه ، فإن الرواية التي ساقها المؤلف ليست التي في الصحيح كما قال المؤلف ، فلعلها رواية أخرى.
[136] سورة الأنعام: 112 .
[137] رواه أحمد (5/178) ولفظه: يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن.
قال: قلت: يا رسول الله ، وللإنس شياطين؟
قال: نعم.
قال محققو «المسند» (35/432): إسناده ضعيف جدا.
[138] سورة البقرة: 14 .
[139] سورة الأنفال: 12 .
[140] سورة المجادلة: 22 .
[141] رواه ابن ماجه (2309) والترمذي (1323) ، وقد ضعفه الألباني كما في «ضعيف ابن ماجه» ، كتاب الأحكام.
[142] سورة القصص: 7 .
[143] سورة المائدة: 111 .
[144] سورة الشورى: 51 .
[145] رواه البخاري (2528) ومسلم (127) ، واللفظ له.
[146] أي خوفا مني.
[147] أخرجه البخاري (6491) ومسلم ، وهذا اللفظ مركب من ثلاث روايات عند مسلم برقم (128 ، 129 ، 130).
[148] أي رمادا.
[149] رواه مسلم عن أبي هريرة (132) ، وابن حبان (1/360) ، ولفظه أشبه باللفظ الذي ساقه المؤلف.
[150] هذا لفظ أبو داود (5112) ، برواية صححها الألباني رحمه الله.
[151] معنى يخطر الشيطان بين المرء وقلبه أي أوصل وساوسه إلى قلبه. انظر «المعجم الوسيط».
[152] رواه البخاري (1231) ، ومسلم (389) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[153] حجة الفلاسفة في قولهم بقدم العالم مبني على مقدمتين باطلتين ، انظرها والرد عليها «الصفدية» (1/122) و «درء تعارض العقل والنقل» (1/368-آخر الكتاب).
وانظر اختلاف الفلاسفة في القول بقدم العالم في «الصفدية» (2/166).
وانظر تعريف العقل الأول والعقل الفعال عند الفلاسفة في «الصفدية» (1/156) ، وكذا الرد على قولهم أن الأسباب معلولة أو متولدة عنه / الصفدية (1/154).
[154] ص 568 – 570 .
[155] سورة فصلت: 22 – 23 .
[156] أي حديثو عهد بإسلام ، كما في الحديث: وكنا حدثاء عهد بكفر.
[157] رواه مسلم (974).
[158] إلحاد الفلاسفة في أصول الإيمان الثلاثة: «الصفدية» (1/245-247).
[159] «الصفدية» ، ص 142 .
[160] باختصار من «شرح العقيدة الواسطية» لابن عثيمين رحمه الله (2/302-303) ، وانظر للتوسع «الفرقان بين أولياء الرحمـٰن وأولياء الشيطان» لابن تيمية رحمه الله.
[161] في المطبوع: المشركين ، ولا يستقيم الكلام به ، ولعل الصواب ما أثبت.
[162] في المطبوع: ويتخذ ، ولا شك أنه خطأ مطبعي.
[163] «مجموع الفتاوى» (9/34- 35).
[164] ص 578 – 582 .
[165] سورة آل عمران: 79 – 80 .
[166] فَسَّر بعض المتأثرين بالفلاسفة - كأبي حامد الغزالي - الكواكب بأنها النفوس والعقول! انظر «بغية المرتاد» ، ص 360 .
[167] والسبب ظاهر ، وهو أن الفلاسفة أشركوا بالله في ربوبية الله وألوهيته ، بينما مشركوا العرب أشركوا في الألوهية فحسب.
[168] سورة فاطر: 2 .
[169] سورة النحل: 53 .
[170] سورة الأنعام: 48 ، والكهف: 56 .
[171] سورة الأحزاب: 45 - 46 .
[172] سورة الحج: 78 .
[173] سورة النساء: 41 .
[174] سورة البقرة: 143 .
[175] رواه البخاري (1347) وغيره ، ولفظه: (أنا شهيد على هؤلاء) ، ولم أجده باللفظ الذي ساقه المؤلف.
[176] سورة الزخرف: 45 .
[177] سورة النحل: 36 .
[178] سورة الأنبياء: 25 .
[179] سورة الأعراف: 59 ، 65 ، 73 ، 85 .
[180] سورة هود: 31 .
[181] سورة الأنعام: 50 .
[182] سورة الحج: 75 .
[183] سورة التكوير: 19 - 21 .
[184] سورة التكوير: 22 .
[185] سورة النجم: 1 – 2 .
[186] سورة المائدة: 67 .
[187] سورة الجن: 27 - 28 .
[188] سورة الأعراف: 61 - 62 .
[189] يشير إلى الآية: 67 - 68 .
[190] رواه البخاري (110) ومسلم (3).
[191] رواه ابن ماجه (230) ، والترمذي (2656) ، وغيرهما ، وصححه الألباني رحمه الله.
[192] رواه البخاري (104) ومسلم (1679) ، بدون لفظة: فرُبَّ مبلغ أوعى من سامع ، فهذه رواها النسائي في «الكبرى» في كتاب المناسك ، باب الخطبة يوم النحر.
[193] أي أن الحنفاء هم الذين يعبدون الله عز وجل.
[194] سورة آل عمران: 85 .
[195] أي إلى عهد الحواريين.
[196] سورة آل عمران: 79 - 80 .
[197] زعم الفلاسفة أن الإلـٰه لم يسبق العالم في الوجود الزمني ، وإن كان يسبقه في الوجود الفكري ، مثلما تسبق المقدمة النتيجة في الوجود ، وقد رد عليهم الغزالي هذا القول وكفَّرهم به في كتابه «تهافت الفلاسفة».
[198] ص 571 .
[199] البقرة: 255 .
[200] الأنعام: 51 .
[201] معنى تُبسل أي تُسلم للهلكة.
[202] سورة الأنعام: 70 .
[203] سورة السجدة: 4 .
[204] سورة الأنبياء: 26 - 29 .
[205] سورة سبأ: 22 - 23 .
[206] سورة النجم: 26 .
[207] سورة الزمر: 3 .
[208] سورة الزمر: 1 - 3 .
[209] سورة الزمر: 36 – 38 .
[210] سورة الزمر: 11 - 12 .
[211] سورة الزمر: 64 - 66 .
[212] ذكره ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» (1/369).
[213] جمعاء أي سليمة من العيوب ، مجتمعة الأعضاء كاملتها ، لا جدْع فيها ولا كيْ.
[214] الـجَـدْع هو القطع ، يقال عبد مُجَدع الأطراف أي مقطع الأطراف ، والمقصود أن البهيمة تكون سليمة حتى يتعرض لها بقطع ، والجدْع أكثر ما يستعمل في الأنف. انظر «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير رحمه الله.
[215] رواه البخاري (1358) ، ومسلم (2658) ، وأحمد (2/275) ، ورواه الترمذي بنحوه (2138) ، وأبو داود (4714) ، ومالك في «الجنائز».
[216] أي الفلاسفة.
[217] «مجموع الفتاوى» (9/104- 105).
[218] سورة البقرة: 285 .
[219] سورة البقرة: 177 .
[220] سورة النساء: 136 .
[221] أي في الأزل وهو القِدَم.
[222] الهيولى مادة الشيء التي يصنع منها ، كالخشب للكرسي ، والحديد للمسمار ، وهكذا ، وقد تقدم تعريفها.
[223] ص 297 – 298 .
[224] هذا الفصل منقول برمته من كتاب «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ محمد علي فركوس ، فصل: آثار جناية المنطق على الإسلام وأهله ، وفصل: المفاسد الناتجة عن إدخال المنطق اليوناني.
[225] الوَجْد يأتي بمعنى القدرة ، ويأتي بمعنى الغضب ، ويأتي بمعنى الهوى ، ويأتي بمعنى اليسار والغنى ، ويأتي بمعنى الحزن ، والذي يظهر لي أن المعنى الثالث هو الأقرب للسياق ، والله أعلم. انظر «لسان العرب».
[226] «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (13/28).
[227] «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/23-24).
[228] «صون المنطق» للسيوطي ، ص 9 .
[229] ص 62 - 64 ، باختصار.
[230] وفي تأثر المسلمين بمقالات الفلاسفة اليونان – وهم الروم - مصداقٌ لقول النبي ﷺ في الحديث المتقدم ذكره في أول البحث: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فقيل: يا رسول الله ، كفارس والروم؟
فقال: ومن الناس إلا أولئك.
[231] فيلون اليهودي هو أحد فلاسفة اليهود ، وهو من الإسكندرية ، عاش فيما بين سنة 20 قبل الميلاد وسنة 50 م ، فهو من معاصري المسيح عليه السلام ، افتتن بالفلسفة اليونانية ، وجعل هدفه في الحياة هو التوفيق بين الكتاب المقدس وعادات اليهود من جهة ، والآراء اليونانية من جهة أخرى ، ولا سيما فلسفة أفلاطون.
«تاريخ الفلسفة اليونانية» ليوسف كرم ص 247 .
[232] هو كليمنتس الإسكندري ، عاش فيما بين سنة 150 – 207 م ، ولد في الإسكندرية وقيل في أثينا ، جال في شبابه أنحاء فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا ، يتفرج على البلاد ويدرس على مشاهير المعلمين ، فعرف الأسرار الوثنية والمذاهب ، وانتهى بتفضيل الأفلاطونية ، ولكنه لم يتحقق له فيها شيء من أمانيه الروحية ، فاعتنق المسيحية.
انظر «تاريخ الفلسفة اليونانية» ليوسف كرم ص 269 .
[233] هو تلميذ كليمنتس ، عاش فيما بين 185 – 254 م ، وهو أول مسيحي حاول أن يرسم الحدود بين العقل والوحي ، كانت أسرته وثنية ثم تنصرت ، درس في المدرسة الوثنية على يد أمونيوس ماكاس ، أحد مؤسسي الفلسفة الأفلاطونية الجديدة ، توفي في مدينة صُور.
انظر «تاريخ الفلسفة اليونانية» ليوسف كرم ص 269 .
[234] أي وجه الإسلام ، يقال ديباجة الكتاب أي فاتحته. انظر «المعجم الوسيط».
[235] قاله د. موسى الدويش في «بغية المرتاد» ، ص 78 .
[236] (1/374-375).
[237] انظر ما قاله ابن الجوزي عنهم في «تلبيس إبليس» ، ذكر تلبيس إبليس على الباطنية ، ص 638 ، الناشر: مدار الوطن - الرياض.
[238] تقدم تخريجه.
[239] تقدم تخريجه.
[240] «مجموع الفتاوى» (9/265 - 266).
[241] المرجع: «مقدمة ابن خلدون» ، فصل: العلوم العقلية وأصنافها.
[242] أي علوم الفلاسفة.
[243] أي رائجة. انظر «المعجم الوسيط».
[244] تنتشر الفلسفة في الدول الجاهلية ، كدولة القرامطة الباطنية العبيدية ، ودولة التتر ، ونحوهم من أهل الجهل والضلال ، وفي دول أهل الردة والنفاق. ذكره ابن تيمية في «الصفدية» (1/236).
[245] أي ارتفع ، والمقصود عظم انتشاره فيهم.
[246] انتحل كذا أي انتسب إليه ودان به. انظر «المعجم الوسيط».
[247] أي الذي لا مماثل له. انظر «المعجم الوسيط».
[248] أي: ابتز المسلمون ملك الروم فيما ابتزوه من ملك الأمم الأخرى.
[249] جمع قِــــسِّيس.
[250] أي زادوا وفاقوا. انظر «المعجم الوسيط».
[251] المنتحَل هو النِّحلة التي ينتحلها الإنسان ، من انتحل كذا أي انتسب إليه ودان به.
[252] انظر «صون المنطق» للسيوطي ، ص 12 .
[253] «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 1109 .
وانظر المراحل التي مرت بها الفلسفة اليونانية في الكتاب نفسه ، ص 1110 .
[254] هذا الفصل منقول برمته من مقدمة د. موسى الدويش لكتاب «بغية المرتاد» ، ص 78 – 80 .
[255] أي ابن تيمية رحمه الله.
[256] أي يسلكون مسلك السوفسطائية ، وقد رُدَّ أصل هذه الكلمة إلى أنه لفظ مركب من «سوفيا» وهي الحكمة ، ومن «أسطس» وهو الـمُمَوَّه ، فمعنى الكلمة: الحكمة الـمُمَوَّهة ، وهي منهج السوفسطائية ، وهي طائفة من اليونايين ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد ، تقوم فلسفتهم على إنكار حقائق الأشياء ، ويزعمون أنه ليس ثمة ماهيات مختلفة وحقائق متميزة ، فضلا عن كونها متصفة بالوجود ، وأنها كلها أوهام لا أصل لها.
(بتصرف يسير من حاشية د. عثمان المزيد على «تلبيس إبليس»)
وانظر ما قاله ابن الجوزي فيهم في كتابه «تلبيس إبليس» ، الباب الخامس في ذكر تلبيسه في العقائد والديانات ، ذكر تلبيسه على السوفسطائية ، وانظر أيضا «تاريخ الفلسفة اليونانية» ليوسف كرم ، ص 57 .
[257] أي ابن تيمية ، والكلام مثبت في «بغية المرتاد» ، ص 183 – 184 .
[258] أي يسلكون مسلك القرامطة.
[259] أي اعتنق دين القرامطة.
[260] أي ابن تيمية رحمه الله ، وكلامه مثبت في ص 143 من «بغية المرتاد».
[261] ص 154 ، باختصار وتصرف يسير.
[262] هذا الفصل منقول برمته من كلام د. موسى الدويش في مقدمة تحقيقه لكتاب «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد» ، ص 65 – 67 ، 73 ، 76-77 ، 80 ، 82 ، 107 ، 109 ، 114 ، 117 ، 124 – 125 ، 135 – 136 ، 143 ، 152 ، باختصار وتصرف يسير.
[263] سورة النجم: 3 - 4 .
[264] وقد رد العلامة ابن القيم رحمه الله في منظومته المشهورة «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» مقالة ابن سينا في نفي حقائق الألفاظ ووصْفِها بأنها مجرد تخييل ، انظر ص 138 ، فصل في طريقة ابن سينا وذويه من الملاحدة في التأويل ، تحقيق علي حسن عبد الحميد ، الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام.
[265] «الصفدية» (1/237).
[266] يقصد بالحكمة الفلسفة ، وأنّا لها ذلك ، فالحكمة هي ما جاء بها الحكيم الخبير ، وما سواه فضلال وانحراف.
[267] بتصرف يسير.
[268] بتصرف من «بغية المرتاد» ، ص 82 .
[269] بتصرف يسير.
[270] وهم طائفة رئيسة من طوائف الفلاسفة ، وقد تقدم الكلام على طائفة المشائين ، أتباع أرسطو.
[271] ومن المعلوم أن ابن عربي ضال مضل ، فهو من أصحاب القول باتحاد الخالق مع المخلوق ، وبناء عليه قال في كتابه «فصوص الحكم» أن قوم موسى لما عبدوا العجل فإنهم عبدوا الله في الحقيقة ، تعالى الله عن قوله علوا كبيرا.
[272] أي ابن تيمية رحمه الله.
[273] ابن سبعين كابن عربي في الانحـراف ، وقد أشبع ابن تيمية الكلام في الرد عليهما في كتابه «بغية المرتاد» ، ويسمى بـ «السبعينية» ، وأيضا كتاب «درء تعارض العقل والنقل».
[274] بتصرف يسير جدا.
[275] وأنـَّـــــا له ذلك!
[276] أي: وكَشَفَ التأثير السيئ.
[277] هو الشيخ سليمان بن سحمان بن مصلح من آل عامر من قبيلة خثعم ، ولد في قرية السُّقا من بلدان أبها ، درس على الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، ودرس كذلك على ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمـٰن بن حسن ، ولازمهما عشر سنوات ، ودرس كذلك على الشيخ حمد بن عتيق سبعة عشر سنة ، كما درس على الشيخ حـمد بن فارس ، ألف كتبا كثيرة تقرب من الأربعين كتابا ، وله أشعار كثيرة ، فقد كان أديبا بارعا ، وشاعرا خرِّيتا ، سخر لسانه للدفاع عن عقيدة أهل السنة ، له دواوين في الدفاع عن الإسلام ، رد على قريب من خمسين ضالا بشعره ، فكان بحق «حسَّان السنة» في زمانه.
توفي رحمه الله سنة 1349 هجرية ، وله من العمر ثمانون عاما.
ذُكِر أنه لما خرجت روحه شموا من جسده رائحة مسك طيبة لم يعهدوا مثلها.
انظر ترجـمته في «تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان» ، حوادث سنة 1349 هجري ، للشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسـن رحمه الله ، وكذا كتاب «ابن سحمان ، تاريخ حياته ، وعلمه ، وتحقيق شعره» ، لمحمد بن حمد العقيل ، الناشر: مكتبة الرشد – الرياض.
[278] «الألسنة الحداد في رد شبهات علوي الحداد» ، ص 210 – 211 ، بتصرف يسير جدا.
[279] بتصرف يسير جدا.
[280] انتهى كلامه.
[281] انظر ص 139 من كلام د. موسى الدويش.
[282] انظر ص 143 من كلام د. موسى الدويش.
[283] يعني النبي e !
[284] أي اجتهد في البحث عنه.
[285] بتصرف يسير جدا.
[286] نقلا من مقدمة د. الدويش ، ص 152 .
[287] أي علوم الفلاسفة.
[288] «مجموع الفتاوى» (9/194- 196).
[289] انظر كتاب «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ محمد علي فركوس ، فصل: عدم افتقار العلوم إلى منطق اليونان ، وفصل: اعترافات أذكياء أهل الكلام المنطق بمضرته وفساد مسالكه.
[290] «مجموع الفتاوى» (9/240-241) ، باختصار يسير.
[291] «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/23).
[292] «المنطق الحديث» لمحمود قاسم ، ص 11 .
[293] أي اليونان.
[294] «الغزو الفكري» لعلي لبن ، ص 42 .
[295] اللِّجاج هو التمادي في الأمر ، وفي الحديث: إذا استلجَّ أحدكم بيمينه فهو آثم ... الحديث. انظر «لسان العرب».
[296] أي الغزالي.
[297] «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/269-270).
[298] «مجموع الفتاوى» (9/248).
[299] «مجموع الفتاوى» (9/172)
[300] سورة ص: 86 .
[301] رواه مسلم (2798).
[302] سورة الإسراء: 36 .
[303] سورة الأعراف: 33 .
[304] «مجموع الفتاوى» (9/42- 43).
[305] كتاب المبتدأ ، باب في ذِكْرِ العقل.
[306] ص 171 – 172 .
[307] ص 171 – 179 ، وقد تركت نقل كلامه خشية الإطالة.
[308] نقلا من مقدمة د. موسى الدويش لكتاب «بغية المرتاد» ، ص 105 ، باختصار.
[309] «بغية المرتاد» ، ص 251 .
[310] انظر للرد على الفلاسفة في احتجاجهم بحديث العقل: «الصفدية» (1/239-240).
[311] سورة غافر: 56 .
[312] سورة غافر: 35 .
[313] «مجموع الفتاوى» (9/226- 227).
[314] هذا الفصل منقول برمته من «حصول الـمأمول بترتيب طريق الوصول إلى العلم الـمأمول بـمعرفة القواعد والفوائد والأصول» ، ص 223 وما بعده.
[315] الذَّلف – بتحريك الذال – قِصَرُ الأنف وانبطاحه. انظر «النهاية في غريب الحديث».
[316] المجان جمع مجن وهو الترس ، والمطرقة بضم الميم أي: التي ألبست الجلود ، والمقصود أنهم عِراض الوجوه ، غلاظها. انظر «لسان العرب» ، مادة طرق.
[317] رواه البخاري (2928 ، 3587).
[318] هذا الفصل منقول برمته من «حصول المأمول بترتيب طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول» ، ص 222 – 223 .
[319] سورة يونس: 39 .
[320] أي الفلاسفة.
[321] قال رحمه الله في موضع آخر: الرياضة ثلاثة أنواع: رياضة الأبدان بالحركة والمشي ، ورياضة النفوس بالأخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة ، ورياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.
نقلا من «الترتيب المأمول» ، ص 364 .
[322] هذا الفصل منقول برمته من كتاب «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ محمد علي فركوس ، فصل: اعترافات أذكياء أهل الكلام المنطق بمضرته وفساد مسالكه.
[323] نشر المكتب الإسلامي – بيروت ، تحت قول الماتن: فيتذبذب بين الكفر والإيمان ، والتصديق والتكذيب ، والإقرار والإنكار ، مُــــوَسْــــوِسا تائها شاكا ، لا مؤمنا مصدقا ، ولا جاحدا مكذبا.
[324] «المنقذ من الضلال» للغزالي ، ص 93 .
[325] «إحياء علوم الدين» للغزالي ، ص (1/97).
[326] هو محمد بن ناماور الخونجي ، نزيل مصر ، كان عالما بالمنطق ، توفي سنة 646 ، انظر ترجمته في «السير» (23/228).
[327] «مجموع الفتاوى» (9/113- 114).
[328] سورة طـٰه: 5 .
[329] سورة فاطر: 10 .
[330] سورة الشورى: 11 .
[331] «مجموع الفتاوى» (9/225).
[332] هو الشيخ العلامة المفسر الفقيه عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي ، من فحول علماء نجد ، استوطن بلدة عنيزة من مدن القصيم ، ولد عام 1307 وتوفي عام 1376 هجري ، تتلـــمذ على يده عدد من الطلبة صاروا فيما بعد من علماء المسلمين ، كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام ، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم ، رحم الله أمواتهم وحفظ أحياءهم.
انظر ترجمته في كتاب «علماء نجد خلال ثمانية قرون» ، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام رحمه الله.
[333] ص 217 وما بعده ، وقد قام أحد الباحثين واسمه نادر بن سعيد التعمري ، جزاه الله خيرا ، بترتيب فوائد الكتاب المذكور حسب المواضيع في كتاب مستقل واسمه «حصول المأمول بترتيب طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والفوائد والأصول».
وقد نقلت كلام الشيخ بحسب ما ذكره الشيخ نادر في ترتيبه من فصل: (الفلاسفة ؛ حالهم وعلومهم) ، وقد قابلت الكلام بالأصل للتحقق من العبارة ، وربما زدت عليها من الأصل إذا كان ثمة فائدة.
وموارد الشيخ فيها من كتاب «نقض المنطق» وكتاب «الرد على أهل المنطق» و كتاب «الرد على تأسيس الرازي» وكتاب «درء تعارض العقل والنقل» «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية رحمه الله ، وكذا «مفتاح دار السعادة» لتلميذه ابن القيم رحمه الله.
انظر مورد كل فائدة في الكتاب المذكور.
[334] انظر «مجموع الفتاوى» (9/6-7).
[335] أي الفلاسفة.
[336] انظر «مجموع الفتاوى» (9/16-17).
[337] يعني الملائكة والجن.
[338] أي متقدميهم من فلاسفة اليونان.
[339] انظر «الرد على المنطقيين» باختصار ، ص 514 – 515 ، لابن تيمية رحمه الله.
[340] انظر «بيان تلبيس الجهمية» (1/372) لابن تيمية رحمه الله.
[341] انظر «بيان تلبيس الجهمية» (1/373-374) لابن تيمية رحمه الله.
[342] «مجموع الفتاوى» (9/24- 25).
[343] «مجموع الفتاوى» (9/253).
[344] أي منطق الفلاسفة.
[345] «مجموع الفتاوى» (9/171- 172).
[346] أي ذلك السالك.
[347] «مجموع الفتاوى» (9/174- 175).
[348] هذا الفصل منقول برمته من كتاب «المنطق الأرسطي وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية» للشيخ محمد علي فركوس ، فصل: إقحام المنطق في العلوم الشرعية لاسيما علم الأصول.
[349] انظر «المستصفى» للغزالي (1/10) ، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/184).
[350] انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/172).
[351] «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، ص 1111 .
[352] أي يُــروَّجون. انظر «المعجم الوسيط».
[353] «مجموع الفتاوى» (9/176).
[354] تقدم الكلام على بطلان هذه المقولة.
[355] أي تعلَمه استقلالا ، بدون حاجة إلى النظر في كتب المنطق.
[356] «مجموع الفتاوى» (9/265 - 266).
[357] وهما «الرد على المنطقيين» و «نقض المنطق» ، وقد طُــبِع الأخير بعنوان «الانتصار لأهل الأثر» ، بتحــــقيق: عبد الرحمـٰن بن حسن بن قائد ، طبعته دار عالم الفوائد - مكة.
[358] ص 483 – 485 ، باختصار يسير ، تحقيق علي بن حسن بن عبد الحميد ، الناشر: دار ابن عفان – الخبر.
[359] هو الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى ، ولد سنة 1196 هـ في الدرعية ، نشأ في بيت جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ودرس عليه وعلى أعمامه التوحيد والحديث والفقه ، كما درس الحديث على بعض المشايخ في مصر ، كالشيخ حسن القويسيني ، والشيخ عبد الرحمـٰن الجبرتي ، والشيخ عبد الله باسودان ، وكذا قرأ على مفتي الجزائر الشيخ محمد بن محمود الجزائري الحنفي الأثري ، وقد أجازه هؤلاء المشايخ بجميع مروياتهم .
كما درس الشيخ عبد الرحمـٰن على مشايخ آخرين في مصر في النحو والقراءات وغيرها .
وقد تتلمذ على الشيخ عبد الرحمـٰن جمٌّ غفير من الطلبة ، أبرزهم ابنه الشيخ عبد اللطيف .
وللشيخ عبد الرحمـٰن عدة مصنفات ، أشهرها كتابه «فتح المجيد» ، وهو مختصر لكتاب ابن عمه ، الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، «تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد» ، وله أيضا «قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين» ، وهو حاشية على كتاب التوحيد .
كما ألف الشيخ عبد الرحمـٰن رسائل كثيرة ، وهي مبثوثة في «الدرر السنية من الأجوبة النجدية» ، وكذا في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية».
تـوفي رحمه الله عام 1285 هـ بعد أن أبلى بلاء حسنا في نصرة الإسلام ، ودعوة الناس إلى التوحـيد الخالص ، ودحض البدع والشركيات في نجد وغيرها.
انظر ترجمته في مقدمة كتاب «فتح المجيد» بتحقيق أشرف بن عبد المقصود ، والترجمة لحفيده ، الشيخ إبراهيم بن مـحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمـٰن بن حسن ، رحمهم الله .
[360] الأوغان من أعمال غزنة ، وغزنة من أعمال خراسان ، فهي بلدة تابعة لها . انظر «تاريخ المستبصر» (1/12) و «معجم البلدان».
[361] هذه عبارة دارجة عند أهل نجد ، ومعناها : والذي يريد.
[362] هذه عبارة أخرى دارجة عند أهل نجد ، ومعناها : والذي.
[363] انتهى المقصود من رسالة الشيخ ، وهي مثبتة في «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» ، الجزء الرابع ، القسم الثاني ، الصفحـات 549 – 550 .
[364] «مجموع الفتاوى» (9/186).
[365] أي القرامطة.
[366] نقلا من حاشية د. محمد رشاد سالم على «الصفدية» (1/2) ، وحاشيته على «درء تعارض العقل والنقل» (1/10).
[367] (2/269).
[368] أي دين الرافضة المسمين أنفسهم بالشيعة.
[369] «فضائح الباطنية» ص 37 .
[370] «التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية» ، لفالح بن مهدي ، ص 125 .
[371] انظر «القرامطة» لابن الجوزي ، تحقيق محمد الصباغ.
[372] «بغية المرتاد» ص 490 – 491 ، باختصار وتصرف يسير.
[373] نقلا من حاشية «بغية المرتاد» ص 180 ، وحاشية «الرد على المنطقيين» ، ص 488 .
[374] هو علي بن يوسف الشيباني القفطي ، وزير ومؤرخ ، كان جماعا للكتب ، وكان عنده مكتبة عظيمة لا يحب من الدنيا سواها. انظر ترجمته في «الأعلام» للزركلي.
[375] ص 82 .
[376] ترجم له الذهبي في «السير» (17/119) فقال: الضال الملحد ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية.
ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي ، وأبو حيان التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الإسلام أبو حيان.
[377] هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والملقب بالصادق. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (6/255).
[378] أي يُـــروِّجه.
[379] «بغية المرتاد» ص 329 - 330 ، وانظر ما قاله رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (4/79).
[380] انظر «التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية» ، لفالح بن مهدي ، ص 323 .
[381] انظر «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي ، تهذيب محمد الحمود النجدي ، ص 698 – 699 .
[382] سورة البقرة: 285 .
[383] سورة البقرة: 177 .
[384] سورة النساء: 136 .
[385] أي في الأزل وهو القدم.
[386] أي العالَـم.
[387] أي عن الله تعالى.
[388] الهيولى مادة الشيء التي يصنع منها ، كالخشب للكرسي ، والحديد للمسمار ، وهكذا.
[389] ص 297 – 298 .
[390] «الرد على المنطقيين» ، ص 568 .
[391] «الرد على المنطقيين» ، ص 570 ، و «بغية المرتاد» ، ص 308 .
[392] انظر خلاصة في بيان حال مقالات الفلاسفة في «الصفدية» (1/160) ومخالفتها للنقل الصحيح والعقل الصريح ، نسأل الله أن يرزقنا البصيرة.
[393] انظر تقرير ابن تيمية أن أهل الكلام أقرب إلى أهل الإسلام من الفلاسفة في «درء تعارض العقل والنقل» (9/211).
[394] ويقع ضمن «مجموع الفتاوى» (9/5-81) ، وقد طُـــبِع بعنوان «الانتصار لأهل الأثر» ، بتحــــــــــــــــــــــقيق: عبد الرحمـٰن بن حسن بن قائد ، طبعته دار عالم الفوائد - مكة.
[395] (9/82-254).