خصائص منهج أهل السنة والجماعة ()

أسماء بنت راشد الرويشد

خصائص منهج أهل السنة والجماعة: تتحدث الكاتبة في هذا الكتاب عن خصائص أهل السنة والجماعة; ومن هم; ومن سماهم بهذه التسمية.

|

 خصائص منهج أهل السنة والجماعة

إعــداد

أسماء بنت راشد الرويشد

المشرفة العامة على موقع آسية الإلكتروني

ومركز آسية للاستشارات التربوية والأسرية

WWW.ASYEH.COM

بسم الله الرحمن الرحيم

أن أمة الإسلام اليوم تعيش أزمة خطيرة جداً مع تغيبها عن مصدر التلقي الشرعي لها وبالتالي تخبطها في منهجية التطبيق، فتوسع الخلاف بين الأمة واستحكمت بذلك مظاهر الفرقة ، وفرخت في جنابتها أصناف  شتى من الجماعات والحزبيات ، فأصبح كل حزب بما لديهم فرحون ، كل منهم يدعوا لمنهجه ويروج لبدعته، ويلبس ذلك بلبوس الحق، ولذلك لزم أهل المنهج الحق أهل السنة والجماعة أتباع السلف أن يرفعوا رايتهم بالحق وأن يعلنوا منهجهم ، وأن ينشروا عقيدتهم، ليتمسك بها أتباعهم ويهتدي بها من ظل عن طريقهم ممن شاء الله أن يهديه.

فمن الضروري رفع راية أهل السنة والجماعة وإيضاح حقيقة منهجهم حتى لا تختلط برايات أخذت ترفع صوتها عالياً بكل قوة وكأن الحق معها.

ومن المهم كذلك بيان سمات ومعالم منهج أهل السنة والجماعة حتى لا يحيد

عنها أهل السنة فيبتلوا بالفرقة والاختلاف وينشغل بعضهم ببعض تحذيراً وتجريحاً وهجراً ، مع أن من المتعين أن تكون جهودهم جميعاً في مواجهة أهل البدع والمناوئين لأهل السنة ، وأن يكون بينهم التواد والتراحم والتناصح برفق

ولين .

 من هم أهل السنة والجماعة وما سبب تسميتهم بذلك :

" أهل السنة والجماعة "

هم من كان على مثل ما كان عليه النبي ﷺ‬ وأصحابه،وهم المتمسكون بسنة النبي ﷺ‬ وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى المتبعون لهم،وهم الذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع في أي مكان وأي زمان،وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة.

?سبب تسميتهم بذلك"

سموا بذلك لانتسابهم لسنة النبي ﷺ‬ واجتماعهم على الأخذ بها ظاهراً وباطناً،في القول،والعمل،والاعتقاد.

?عـــــلامــــاتــــــهــــم وصفاتـــــهــــــم :

1.  أهل السنة هم الذين يجددون للأمة أمر دينها  :

فهم الذين يعملون على أحياء الدين،ويسعون لدفع الغربة عنه،وتجديد ما أندرس من معالمه .

2.  هم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

فهم يأمرون بالمعروف،وينهون عن المنكر بمراتب الإنكار الثلاث، باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب،تبعاً للقدرة والمصلحة،ويسلكون في ذلك أقرب طريق يحصل به المقصود،بالرفق ،والتيسير ،والسهولة،متقربين بنصيحة الخلق إلى الله،قاصدين نفع الخلق،وإيصالهم إلى كل خير،وكفهم عن كل شر،محافظين بذلك على خيرية هذه الأمة،حريصين على دفع العذاب عنها.

3. هم أهل الدعوة إلى الله :

فهم يدعون إلى دين الإسلام ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن،ويسلكون في ذلك شتى الطرق المشروعة والمباحة،حتى يعرف الناس ربهم ويعبدوه حق عبادته. فلا أحد أحرص منهم على هداية الخلق ، ولا أحد أرحم منهم بالناس.

4. هم القدوة الصالحون :

لأن فيهم الصديقين،والشهداء، والمجاهدين،ومنهم أعلام الهدى،مصابيح الدجى،وأولي المناقب المأثورة ، والفضائل المذكورة، وفيهم أئمة الدين الذين أجمع الناس على هدايتهم.

فمن هنا يجد الإنسان فيهم القدوة أياً كان، فإن كان مجاهداً وجد من يقتدي به منهم،وإن كان محباً للعلم راغباً فيه وجد في سيرهم من يسير على نهجه،وهكذا....

5. هم الغرباء:

الذين يصلحون ما أفسد الناس،ويصلحون إذا فسد الناس.

6. هم الفرقة الناجية :

التي تنجو من البدع والضلالات في هذه الدنيا ، وتنجو من عذاب الله يوم القيامة.

7. وهم الطائفة المنصورة :

لأن الله معهم،وهو مؤيدهم وناصرهم.

8. وهم الظاهرون إلى قيام الساعة :

فهم معروفون بارزون مستعلون،وهم ثابتون على ما هم عليه من الحق والدين،وهم غالبون متمكنون،فلقد جعل الله حجتهم ظاهرة،وكلمتهم هي العليا.


 ?خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة:

كما أن للعقيدة الصحيحة مميزات تمتاز بها عن غيرها من العقائد فكذلك لأهلها الذين هم أهل السنة والجماعة منهجية ومميزات يمتازون بها عن غيرهم من أهل الملل والنحل،تلك المنهجية التي تميز بها سلف هذه الأمة،ومن تبعهم بإحسان،والتي يجدر بكل من انتسب إليهم أن يأخذ بها،ويأطر نفسه عليها،حتى ينال ما نالوه من خير وفضل.

? فمن تلك الخصائص التي تميز بها منهجية أهل السنة والجماعة ما يلي:

1.              الاقتصار في التلقي على الكتاب والسنة:

فهم ينهلون من هذا المنهل العذب عقائدهم وعبادتهم،ومعاملاتهم،وسلوكهم،وأخلاقهم ، فكل ما وافق الكتاب والسنة قبلوه وأثبتوه، وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائناً من كان .

بخلاف أهل البدعة والضلالة الذين أخذوا دينهم عن طريق الرؤى والأحلام والمكاشفات أو الذين أخذوه فيما يزعمون من أئمتهم الذين أدعوا لهم العصـمة أو أهل الكلام الذين ألهوا العقل ، وجعلوه حاكماً على نصوص الوحي .

 2. التسليم  لنصوص الشرع ، وفهمها على مقتضى منهج السلف الصالح:

فهم يسلمون لنصوص الشرع ، سواء فهموا الحكمة منها أم لا ، ولا يعرضون النصوص على عقولهم ، بل يعرضون عقولهم على النصوص،ويفهمونها كما فهمها السلف الصالح .

3. الاتباع وترك الابتداع:

فهم لا يقدمون بين يدي الله ورسوله ، بل هم متبعون لهدي رسول الهدى منقادون له ،بخلاف المبتدعة الضالين،الذين ابتدعوا في الدين،مستدركين على وحي رب العالمين.

4. الاهتمام بالكتاب والسنة :

فهم يهتمون بالقرآن حفظاً وتلاوة،وتفسيراً،وبالحديث دراية ورواية ويرجعون إليهما في جميع أمورهم وما أشكل عليهم وفيما هم فيه يختلفون .

 بخلاف غيرهم من المبتدعة الذين يهتمون بكلام شيوخهم أكثر من اهتمامهم بالكتاب والسنة.

5. عدم التفريق بين الكتاب والسنة إلا بما حدده الشارع :  فالكل من عند الله،والقبول لهما على حد سواء ، قال تعالى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3 ،4) سورة النجم،وقال ﷺ‬ :" ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".

6. ليس لهم إمام معظم يأخذون كلامه كله،ويدعون ما خالفه إلا الرسول ﷺ‬ :

أما غير الرسول ﷺ‬ فإنهم يعرضون كلامه على الكتاب والسنة ، فما وافقهما قبل،وما لا فلا ،فهم يعتقدون أن كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول ﷺ‬ ،أما غيرهم من الفرق الأخرى،ومن متعصبة المذاهب  فإنهم يأخذون كلام أئمتهم كله حتى ولو خالف الدليل.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20/164) وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ، ويوالي ويعادي عليها غير النبي ﷺ‬ ، ولا ينصب لهم كلاماً  يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة ،بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يعادون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام ويعادون".  

وقال :"فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه : فإن كان قد فعل ذنباً شرعياً عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة ، وإن لم يكن أذنب ذنباً شرعياً لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.

وليس للمعلمين أن يحبسوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة

انتهى كلامه رحمه الله .

7. الدخول في الدين كله :

فهم يدخلون في الدين كله ويؤمنون بالكتاب كله ، امتثالاً لقوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (208) سورة البقرة، بخلاف الذين فرقوا دينهم،وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون.

وبخلاف الذين نسوا حظاً مما ذكروا به،والذين جعلوا القرآن عضين،فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.

8. الأخذ بأوامر الإسلام بقوة:

وذلك بالالتزام بها،وقبولها في الرخاء والشدة ، والمنشط والمكره، وفي الغضب والرضا،وعند الأثرة.

9. تعظيم السلف الصالح:

فأهل السنة  يعظمون السلف الصالح،ويقتدون بهم،ويهتدون بهديهم،ويرون أن طريقتهم هي الأسلم،والأعلم،والأحكم .

10. الجمع بين النصوص في المسألة الواحدة،ورد المتشابه إلى المحكم :

فهم يجمعون بين النصوص ويردون المتشابه إلى المحكم،حتى يصلوا إلى الحق في المسألة.

بخلاف كثير من الطوائف التي نظرت إلى النصوص الشرعية بعين عوراء،فضلت وأضلت،وذلك كحال المعطلة،والممثلة،والقدرية،والجبرية .

11. التوافق بين القول والعمل وعدم الاختلاف بين العلم والتطبيق المنهجي له ،فأهل السنة والجماعة بعيدين كل البعد عن التضاد والتناقض الذي يعيشه أهل الأهواء بين أقوالهم وعلومهم وأعمالهم وأحوالهم. وقد جعل الله المقت والبغض لمن يقول ما لا يفعل.

12. الجمع بين الخوف والرجاء والحب:

فأهل السنة والجماعة يجمعون بين هذه الأمور،ويرون أنه لا تنافي ولا تعارض بينها، قال سبحانه وتعالى{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (90) سورة الأنبياء،وقال في معرض الثناء على سائر عباده المؤمنين {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (16) سورة السجدة.

وأمرنا أن نعبده بالخوف والرجاء كما في قوله تعالى : { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف. هذه طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب .

أما من عداهم فلا يجمعون بين الخوف والحب والرجاء،وإنما يأخذون بعبادة من هذه، ويدعون ما سواه.

        فغلاة الصوفية – مثلاً – يقولون نحن نعبد الله لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه،وإنما نعبده حباً لذاته فحسب.أما الخوارج فعبدوا الله بالخوف وحده.

     أما أهل السنة والجماعة فيرون – كما مضى – أنه لابد من الجمع بين الخوف والحب والرجاء،فالخوف يستلزم الرجاء،ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً،والرجاء يستلزم الخوف،ولولا ذلك لكان أمناً من مكر الله .

وهناك مقولة مشهورة عند السلف ، وهي قولهم :" من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق،ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ،ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ،ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحد "

13. الجمع بين الرحمة واللين والشدة والغلظة :

قال تعالى في وصف الصحابة رضي الله عنهم :) أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } (29) سورة الفتح.

وقال في وصف عباده المؤمنين الذين يحبهم ويحبونه: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}(54) سورة المائدة ،ثم إن نبينا محمد ﷺ‬ هو نبي الرحمة ، وهو في الوقت نفسه نبي الملحمة، بخلاف غيرهم ممن يأخذون بالشدة في جميع أحوالهم أو باللين في جميع أحوالهم، وبخلاف غيرهم ممن عكس الأمر،فتنكر للمؤمنين،وأغلظ  لهم القول،وتودد للكافرين والمبتدعة والمنافقين وتلطف لهم وألان لهم الجانب.

أما أهل السنة  فيجمعون بين هذا وهذا ،كل في موضعه حسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية قال ﷺ‬ : (المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

فما أحوج طلبة العلم إلى التأدب بهذه الآداب التي تعود عليهم وعلى غيرهم بالخير والفائدة،مع البعد عن الجفاء والفظاظة التي لا تثمر إلا الوحشة والفرقة  وتنافر القلوب وتمزيق الشمل.

14. العدل :

فالعدل من أعظم المميزات لأهل السنة والجماعة،فهم أعدل الناس،وأولاهم بامتثال قول الله ﷻ‬:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } (135) سورة النساء ، وقوله تعالى{ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } (152) سورة الأنعام ،حتى أن الطوائف إذا تنازعت احتكمت إلى أهل السنة،ومن مظاهر عدلهم أنهم لا يكفرون كل من كفرهم.

ومن قواعد العدل عندهم أنهم لا يحكمون على أحداً من الناس حتى يستمعوا له ويتبينوا أمره، وأنهم لا يأخذون بالقول من طرف واحد خاصة فيما بين الأقران ، ومن قواعد العدل عندهم أنهم يحفظون لصاحب الفضل فضله ، ويذكرون خيره وإن خالفهم في بعض الأمر.

وهناك ممن خالف منهج أهل السنة والجماعة ممن اشتغل بتتبع الأخطاء والبحث عنها ثم نشرها ،والتحذير ممن حصل منه شيء من هذه الأخطاء ، وترك استعمال العدل معه بنصحه وتذكيره ، وقد يكون أحد المجروحين نفعه عظيماً سواءً عن طريق الدروس أو التأليف أو الخطب.

15.ومنها الأمانة العلمية والوسطية :

الأمانة زينة العلم ،وأهل السنة والجماعة هم أكثر الناس أمانة في العلم ، وأحرصهم على التحلي بتلك الحلية .

ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم ،الأمانة في النقل ، والبعد عن التزوير ، وقلب الحقائق ، وبتر النصوص ، وتحريفها ، فإذا نقلوا عن مخالف لهم نقلوا كلامه تاماً ، فلا يأخذون ما يوافق ما يذهبون إليه ، ويدعون ما سواه ، كي يدينون المنقول عنه ، وإنما ينقلون كلامه تاماً ، فإن كان حقاً أقروه ، وإن كان باطلاً ردوه ، وإن كان فيه وفيه ، قبلوا الحق وردوا الباطل ، كل ذلك بالدليل القاطع،والبرهان الساطع .

     ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم أنهم لا يحمّلون الكلام ما لا يحتمل ، وأنهم يذكرون ما لهم وما عليهم ، وأنهم يرجعون للحق إذا تبين ، ولا يفتون ولا يقضون إلا بما يعلمون ، كما أنهم أحرص الناس على نسبة الكلام إلى قائله ، وأبعدهم من نسبته إلى غير قائله .

      أما أهل الأهواء فلا تسل عن تفريطهم بهذا الجانب ، فما أكثر إتباع الهوى عندهم ، والحكم بالمتشابه ، وحمل الكلام على غير محمله ، وتحريف الكلم عن مواضعه ،والاستدلال بلوازم يرتبون بعضها على بعض تحقيقاً لأمر في صدورهم من تضليل لغيرهم أو تبديع أو تكفير من غير تثبت ولا دليل بيّن ظاهر.

16. لا يتسمون إلا باسم الإسلام والسنة والجماعة :

فهذا من أبين الفروق بين أهل السنة والجماعة ، وبين أهل البدعة والفرقة،أهل السنة ينتمون للسنة والجماعة ، وأهل  الأهواء والبدع كل طائفة منهم تنتسب إلى شخص من أهل البدع ورؤوس الضلال كالجهمية ، أو إلى شخص خالف السلف في بعض الأصول كالكلابية والأشعرية ، والماتريدية، أو إلى أصل من أصول الضلالة ، كالقدرية ، والجبرية ،والمرجئة ، أو إلى وصف يدل على حقيقتهم وشعارهم كالرافضة والصوفية ، والفلاسفة ، والباطنية والمعتزلة وغيرهم ، وكذلك يشذ عن هذه القاعدة انتساب بعض أهل البدع لأشخاص من أئمة السنة زوراً وبهتاناً ، كانتساب المعتزلة للصحابة الذين اعتزلوا الفتنة ، وكانتساب العلويين النصيريين الباطنيين إلى علي t، وقد سأل رجلاً مالكاً فقال: من أهل السنة ؟ قال :" أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به ، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي".

17.التوافق في وجهات النظر وردود الأفعال:

فأهل السنة والجماعة تتفق في الغالب وجهات نظرهم وردود أفعالهم ، حتى ولو تباعدت أعصارهم وأمصارهم ، وهذا ناتج عن وحدة المصدر، بخلاف غيرهم من أهل البدع الذين تختلف مواقفهم تبعاً لأهوائهم .

18.عدم الاختلاف في أصول الاعتقاد :

فالسلف الصالح لم يختلفوا بحمد الله في أصل من أصول الدين ، وقواعد الاعتقاد فقولهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله واحد ، وقولهم في الإيمان وتعريفه ومسائله واحد ، وقولهم في القدر واحد، وهكذا في باقي الأصول.

بخلاف أهل البدع ، فإنهم أنفسهم لا يتفقون على أصولهم ، بل إن الفرقة الواحدة منهم لا يتفق أفرادها كل الاتفاق على أصل من أصولهم.

19.ترك الخصومات في الدين ومجانبة أهل الخصومات:

لإن الخصومات مدعاة للفرقة والفتنة ، ومجلبة للتعصب وأتباع الهوى، ومطية للانتصار للنفس،والتشفي من الآخرين وذريعة للقول على الله بلا علم .

ولما كان هذا شأن الجدل والخصومات ابتعد عنها السلف الصالح وحذروا منها، وورد عنهم آثار كثيرة في ذلك. وأخرج أن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – قال :" من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"

      وقال جعفر بن محمد رحمه الله :" إياكم والخصومات ، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق "

وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي:" ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء؟ قال : الخصومات"

20. البعد عن القيل والقال وكثرة السؤال :

وذلك امتثالاً لقوله ﷺ‬:" إن الله تبارك وتعالى يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا لمن ولاه الله أمركم، ويكره لكم ثلاثاً : قيل وقال،وإضاعة المال ،وكثرة السؤال".

فالقيل والقال وكثرة نقل الكلام مدعاة لتتبع الناس والنيل منهم،  وكثرة السؤال  مدعاة للتشديد والتنطع ، والتقعر، والتنقيب  والاعتراض ، والتعنت ، والسؤال عما لا ينبغي السؤال عنه ، ولا الخوض فيه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (101) سورة المائدة،وقال النبيﷺ‬:"ذروني ما تركتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" ، ومن سأل متعنتاً ومتلمساً  للعثرات غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره.

21.أمرهم شورى بينهم : قال تعالى مثنياً على عباده المؤمنين : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (38) سورة الشورى ،وهذا يشمل أمورهم الدينية والدنيوية ، الخاصة والعامة، كذلك أمر سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام مع وفور عقله وسداد رأيه بالشورى فقال سبحانه{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } (159) سورة آل عمران.

    وكان النبي ﷺ‬ كثير المشاورة لأصحابه ، وكان أصحابه يتشاورون فيما بينهم،لذلك فأهل السنة أكثر الناس شورى، وأبعدهم عن التفرد والاستبداد،امتثالاً لأمر الله ﷻ‬، وأتباعاً لرسول ﷺ‬ ولعلمهم بفضائل الشورى وعوائدها الجمة ،فهي تزرع الألفة بين المتشاورين وتقوي الروابط بين المسلمين ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  t:" نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد".

بخلاف الذين ذهبت بهم خيالات الغرور كل المذهب، فاعتدوا بأنفسهم أكثر من اللازم ، فلم يرعوا للشورى حقها، ولم يقدروها قدرها ، فما أكثر خطأهم وما أقل صوابهم.

22.الاهتمام بأمور المسلمين :

فأهل السنة والجماعة أكثر من يهتم بأمر المسلمين ، فهم يسعون في نصرتهم وأداء حقوقهم ،وكف الأذى عنهم،ورفع الظلم الواقع عليهم ،ويشاركونهم أفراحهم ، ويشاطرونهم أتراحهم{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } (71) سورة التوبة. وقوله عليه الصلاة والسلام :" المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وقوله :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه.

23.الأدب في الخلاف:

فأهل السنة قد يختلفون في بعض المسائل الاجتهادية، مع بقاء الألفة والمحبة والمودة فيما بينهم ومن الأمثلة الرائعة ما أسنده ابن عبد البر إلى العباس بن عبد الملك العظيم العنبري أحد الثقات الحفاظ الكبار ، وممن روى عن الإمام أحمد وشاركه في الرواية عن بعض شيوخه ، قال :"كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي المديني راكباً على دابة ، فناظر في الشهادة – يريد الشهادة بالجنة للعشرة المبشرين بها – وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفا، وكان أحمد يرى الشهادة وعلي يأبى ويدفع ، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه".  

وقد يحتاجون إلى الرد على بعض ، ولكن في حدود الأدب واللياقة ، بعيداً عن الإسفاف والصفاقة أو التنقص والغيبة ، لإن الله ﷻ‬أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، فما الشأن مع المسلمين ؟! بل مع خاصة المسلمين من العلماء والدعاة والمصلحين؟! فهم يدينون لله تعالى بسلامة قلوبهم وألسنتهم لإخوانهم المسلمين.

قال الذهبي رحمه الله عن الإمام الشافعي رحمه الله :" ما رأيت أعقل من الشافعي ! ناظرته يوماً في مسألة ، ثم افترقا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً ,وإن لم نتفق في مسألة!!"

هذا هو منهج أهل السنة في الخلاف لا كما يفعله بعض من خالف منهجهم ممن يمتحن طلبته وأتباعه بأن يكون لهم موقف معادي مع من خالفه ، فإن لم يوافقه بدع وهجر.

وليس لأحد أن ينسب إلى أهل السنة مثل هذه الفوضى في التبديع والهجر ، وليس لأحد أيضاً أن يصف من لا يسلك هذا المسلك الفوضوي بأنه مميع لمنهج أهل السلف،وفي مجموع الفتاوى لا بن تيمية رحمه الله تعالى في جوابه لأهل البحرين :" كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ، نعم من خالف الكتاب المستبين ، والسنة المستفيضة ، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يعذر فيه ، فهذا يعامل معاملة أهل البدع ".

24.الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق:

فهم حريصون كل الحرص على وحدة المسلمين ، ولمَّ شعثهم، وجمع كلمتهم على الحق ، وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم ، لعلمهم أن الاجتماع رحمة والفرقة عذاب، ولإن الله ﷻ‬ أمر بالائتلاف، ونهى عن الاختلاف كما في قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  *وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ (102- 103) سورة آل عمران ، بخلاف الذين يسعون للفرقة بين المسلمين ويبذرن بذور الشقاق في صفوفهم ، ويحزبونهم ويصنفون ويؤلبون بعضهم على بعض بدعاوي وأوهام بعيدة عن الحقائق، وخالية من التثبت.

25. حسن الخلق :

فأهل السنة والجماعة من أحسن الناس أخلاقاً ، وأكثرهم حلماً وسماحة وتواضعاً، وأحرصهم دعوة إلى مكارم الأخلاق ، فيندبون الناس ويربون أتباعهم إلى أن يصلوا من قطعهم، ويعطوا من حرمهم، ويعفو عمن ظلمهم، وينهون عن الفخر،والخيلاء ، والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأمور وينهون عن سفاسفها.

26. سعة الأفق :

فهم أوسع الناس أفقاً ، وأبعدهم نظراً ، وأرحبهم بالخلاف صدراً ، وأكثرهم للمعاذير التماساً ، فهم لا يأنفون من سماع الحق ، ولا تحرج صدورهم من قبوله، ولا يستنكفون من الرجوع إليه، والأخذ به ، ثم إنهم لا يلزمون الناس باجتهاداتهم ولا يضللون كل من خالفهم ، ولا تضيق أعطانهم في الأمور الاجتهادية التي تختلف فيها أفهام الناس، وكما أنهم يحرصون على تصحيح  الأخطاء والمناصحة  حتى لا تضل الأمة، فهم كذلك يحرصون على أن لا تفترق الأمة، ومن مظاهر سعة الأفق عندهم بعدهم عن التعصب المقيت ، والتقليد الأعمى والحزبية الضيقة.

27. تعاونهم فيما بينهم وتكميل بعضهم بعضا:

فهم يعلمون أن دين الله واحد وأنه كل لا يتجزأ ، ويدركون أنه لا  يستطيع أحد مهما أوتي من علم وقوة أن يقوم بالدين كله ، لذلك فهم يسعون لإقامة دين الله، ونشره بين الخلق والأخذ به كله ،مدركين أن ذلك لن يتم إلا بالتعاون  والتكاتف ، والاستفادة من بعضهم البعض، فهذا يسد ثغرة الجهاد في سبيل الله ، وهذا يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يقوم على نشر العلم وبثه بين الناس، وتربيتهم عليه ، وهذا ينبري لتربية الشباب،والاهتمام بقضاياهم،وهذا ينبري للرد على الكفار والمبتدعة وأهل الأهواء،وهذا يشتغل بأمور الأخلاق والسلوك،وهذا يهتم بأحوال المسلمين،وهكذا دواليك.

فمع ذلك لا ينكر بعضهم على بعض طالما أن كل واحد يعمل ما في وسعه ومقدوره ، فالكل على خير وهدى وسنة.

28.التربية المتكاملة المتوازنة :

فهم يربون أتباعهم على العلم والعمل ، ويبدءون بهم بالأهم فالمهم ، ولا يغلبون جانباً على جانب ، فلا يربونهم على العلم دون العمل ، أو العمل دون العلم ، ولا يربونهم على التعصب والتحزب ، ولا على التميع والذوبان ، ولا يربونهم  على التعالي واحتقار الآخرين ، كما لا يربونهم على الذلة والتبعية المطلقة.                                                                                                                                                                                                              

29. يدينون بالنصيحة :

لله سبحانه وتعالى، ولكتابه، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

فدينهم النصيحة للناس ولاسيما فيما بينهم من إخوانهم وأقرانهم.

وأن يكون الرد برفق ولين ورغبة شديدة في سلامة المخطئ من الخطأ، حيث يكون الخطأ واضحاً جلياً، وينبغي الرجوع إلى ردود الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- للاستفادة منها في الطريقة التي ينبغي أن يكون الرد عليها.

30.يسعون في طلب الكمال على قدر جهدهم واستطاعتهم:

فأهل السنة والجماعة يسعون إلى الأكمل ، ويبحثون في كل شيء عن الأمثل ويعملون ما بوسعهم لتحصيل المنافع وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وفي الوقت نفسه لا يطالبون بالمستحيل ، ولا يرمون ما لا طاقة لهم به ، ولا قدرة لهم عليه.

ومن الأمثلة التي توضح ذلك موقف أهل السنة من المنكرات ، فهم يسعون لإزالتها ويطمحون لقطع دابرها بالكلية بالوسائل الشرعية في حدود مقدرتهم واستطاعتهم ،فإذا لم يستطيعوا القضاء عليها جميعها قضوا على ما يستطيعون منها ، واجتهدوا في محاولة القضاء على الباقي، وهكذا...

     أما غيرهم فإن تطلبهم للكمال قد يجرهم للمطالبة بالمستحيل ، كما فعلوا الخوارج عندما حلوا بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t، لإنه حكم الرجال في كتاب الله – بزعمهم – وقالوا: لا نريد إلا مثل عمر بن الخطاب t.

ولكن من أين يؤت بمثل عمرt؟

فهذا طلب في غير محله ، وهذا علي t أفضل أهل زمانه.

تركوا علياً t وحلوا البيعة ، وليتهم عندما فعلوا ذلك بايعوا أحد الصحابة كابن عمر t، وسعيد بن زيد t وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

      بل أن الغلو والإفراط قادهم إلى التفريط فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، " فبايعوا شيت بن ربعي مؤذن سجاح أيام أدعت النبوة ، بعد موت النبي  ﷺ‬ حتى تداركه الله ﷻ‬ برحمته ، ففر منهم وتبين ضلالتهم ، فلم يقع اختيارهم إلا على عبد الله بن وهب الراسبي ،أعرابي بوال على عقبيه ، لا سابقة ولا صحبة، ولا فقه ، ولا شهد الله له بخير".

    وهذه الحالة تحصل مع الأسف كثيراً ، فتجد بعض الغالين يتطلب الكمال مما يؤدي به إلى الإنحراف عن منهج الحق في إنكار المنكر فتحدث فتنة البغي والاعتداء والخروج على الولاة.

ومنهم من يضع في ذهنه صورة خيالية ، مغرقة في المثالية ، فإن حصل له كل ما يريد وإلا قعد بدون سعي ، أو جهد ، أو تسديد ، أو مقاربة .

31.لا يوالون ولا يعادون إلى على أساس الدين :

فلا ينتصرون لأنفسهم ولا يغضبون لها ، ولا يوالون لدعوة جاهلية ، أو عصبية مذهبية ، أو راية حزبية ، وإنما يوالون على الدين ، فولاؤهم لله وبراؤهم لله،ومواقفهم ثابتة  لا تتغير و لا تتبدل .

32.محبة بعضهم لبعض وترحم بعضهم على بعض:

فأهل السنة متوادون متحابون يترحم بعضهم على بعض، ويذب بعضهم عن بعض ويدعوا بعضهم لبعض، وما ذلك إلا لحسن معتقداتهم ، وصلاح أعمالهم،والله عز وجل تأذن للذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يجعل لهم ودّا. وقال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر.

33. سلامتهم من تكفير بعضهم لبعض:

فأهل السنة سالمون من ذلك فهم يردون على المخالف منهم ، ويوضحون الحق

للناس ، فهم يُخطئون ،ولا يكفرون ، ولا يبدعون، ولا يفسقون إلا من استحق ذلك.

    بخلاف غيرهم من الطوائف الأخرى كالخوارج الذين يكثر فيهم الاختلاف والتضليل والتكفير، ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم.

34.التثبت في الاخبار وعدم التسرع في إطلاق الاحكام:

أنطلاقا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات ، بخلاف الذين يسارعون في إطلاق الأحكام،ويتهافتون على إلصاق التهم بالأبرياء ، فيفسقون ويبدعون ، ويكفرون بالتهمة والظن ، من غير ما برهان أو بينة.

35. سلامتهم في العموم من التلبس بالبدع والشركيات والكبائر:

فأهل السنة والجماعة أسلم الناس وقوعاً في البدع ولا تكون فيهم الشركيات،أما المعاصي والكبائر فقد يقع فيها طوائف من أهل السنة ، كما أنه قد يوجد عند بعض أهل السنة شيء من الجور والظلم والجهل ، إلا أن هذه الأمور في أهل السنة قليلة بالنسبة لغيرهم.

36. سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ‬:

فقلوبهم عامرة بحبهم ، وألسنتهم تلهج بالثناء عليهم ، فأهل السنة يرون الصحابة خير القرون، لإن الله عز وجل زكاهم وكذلك رسول الله  ﷺ‬ ويرون أن الكلام فيما شجر بينهم ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة هو الإمساك عما شجر بينهم. 

37.سلامتهم من الحيرة والاضطراب والتخبط والتناقض:

فأهل السنة والجماعة أكثر الناس رضاً ويقيناً، وطمأنينة وإيماناً، وأبعدهم عن الحيرة والاضطراب، والتخبط والتناقض.

     حتى أنه يوجد من عوام أهل السنة ، من برد اليقين وحسن المعتقد، والبعد عن الحيرة ، ما لا يوجد عند علماء الطوائف الأخرى، وحذاقهم من أهل الكلام وغيرهم ممن اضطربوا في تقرير عقائدهم ، فحاروا وحيروا ، وتعبوا واتعبوا، ولم يكن هذا ليحصل لهؤلاء لولا أنهم التمسوا الهدى من غير مظانه.  

أين هؤلاء من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا يقول:" أصبحت ومالي سرور إلا في مواطن القضاء والقدر".

     وأين هم من شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عندما أُقتيد إلى السجن وقال كلمته :" ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أينما رحت فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة" ويقول أيضاً رحمه الله:" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ".

 38. رفضهم التأويل المذموم : الذي هو حقيقته صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتماله المرجوح ، فهذا النوع من التأويل هو الذي ذمه السلف،وحذروا منه ولهذا أهل السنة يرفضونه ولا يقبلونه ، لعلمهم بخطره وإدراكهم لضرره، فهو عدو الرسالات بسببه قتل عثمان رضي الله عنه ، وبسببه اعتزلت المعتزلة وترفضت الرافضة وخرجت الخوارج.

39.الاعتقاد الجازم بأنه لا يسع أحد الخروج عن شريعة محمد ﷺ‬:

فهم يرون أن العبد لا تنفك عبوديته لرب العالمين ، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يدين بدين غير الإسلام ، أو أن يتبع شريعة غير شريعة النبي ﷺ‬ ، بل يرون أن العبد  يجب عليه أن يعبد ربه حتى يأتيه اليقين ، قال تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (99) سورة الحجر،واليقين هنا الموت .

     خلافاً للذين يتحاكمون لغير الشريعة الإسلامية، وخلافاً لمن يرون أن الشريعة الإسلامية قد نسخت بشريعة أخرى، كما تدعي ذلك البابية ، والبهائية، والقاديانية. 

     وخلافاً للصوفية الذين يرون أن العبد إذا ترقى في مقام الشهود للحقيقة الكونية زالت عنه الحجب وأتاه اليقين، ورفعت عنه التكاليف الشرعية، فلم يعد له حاجة بعد ذلك إلى صلاة أو صيام أو غير ذلك – عياذاً بالله من الزندقة-.

40. الوسطية :

فالوسطية : من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة .

فكما أن أمة الإسلام وسط بين الأمم التي تجنح إلى الغلو الضار، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك، فكذلك أهل السنة والجماعة متوسطون بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم.

     وتتجلى وسطية أهل السنة والجماعة في شتى الأمور، سواء في باب العقيدة، أو الأحكام، أو السلوك، أو الأخلاق، أو غير ذلك.

?. ومن مظاهر تلك الوسطية :

           أ‌-         أهل السنة والجماعة وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل وأهل التمثيل:

  فأهل التعطيل أنكروا الصفات ونفوها ، وأهل التمثيل أثبتوها وجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين .

أما أهل السنة والجماعة فهم يثبتون الصفات لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل، وينزهونه عن مماثلة المخلوقات تنزيهاً بلا تعطيل.

فجمعوا أحسن ما عند الفريقين ، يعني : التنزيه والإثبات ، وتركوا ما أخطأوا  وأساءوا فيه من التعطيل والتمثيل .

          ب‌-       وسط في باب الوعد بين المرجئة وبين الوعيدية :  

فالمرجئة قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة،وزعموا أن الإيمان مجرد التصديق بالقلب ، وإن لم ينطق به ، وأخروا الأعمال عن الإيمان ، وجوزا أن يعذب الله المطيعين ، وينعم العاصين .

      أما الوعيدية فهم القائلون بإن يجب عليه عقلاً أن يعذب العاصي ، كما يجب عليه أن يثيب المطيع ، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها لا يجوز عندهم أن يغفر الله له .

      أما أهل السنة فوسط بين نفاة الوعيد من المرجئة ، وبين موجبيه من الوعيدية،فمن مات على كبيرة عندهم  فأمره مفوض إلى الله ،إن شاء عاقبه،وإن شاء عفا عنه،وإذا عاقبه بها فإنه لا يخلد خلود الكفار ، بل يخرج من النار، ويدخل الجنة .

         ت‌-       وسط في مسألة التكفير :

وهذه المسألة داخلة في الفقرة التي تليها .

فبينما نجد فريقاً يتسرعون في إطلاق الكفر ، فيكفرون بالكبيرة ، ولا يحكمون بإسلام من نطق بالشهادتين ، وصلى ، وصام ، وأدى فرائض الإسلام، مالم يتحققوا إسلامه بشروط حددوها لم ترد في الكتاب ولا السنة،وذلك كحال الخوارج ومن سار على نهجهم نجد فريقاً آخر فرط أيما تفريط ، ومنع التكفير منعاً باتاً ، ورأى أن من تلفظ بالشهادتين لا يمكن تكفيره بحال،بل قالوا : إنه لا يجوز تكفير شخص بعينه وإنما إطلاق الكفر يكون على الأعمال.

     ومن هنا فهم لا يكفرون أحداً أبداً حتى المرتدين، ومدعي النبوة، وجاحدي وجوب الصلاة ونحو ذلك من الأمور التي أجمع أهل العلم على خروج أصحابها من دائرة الإسلام.

     أما أهل السنة والجماعة فقد هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه،لإلتزامهم بالدليل الشرعي .

فهم لا يمنعون التكفير بإطلاق، ولا يكفرون بكل ذنب ، ولم يقولون إن التكفير المعين غير ممكن ، ولم يقولوا بالتكفير بالعموم دون تحقيق شروط التكفير ، وانتفاء موانعه في حق المعين ، ولم يتوقفوا في إثبات وصف الإسلام لمن كان ظاهره التزام الإسلام ، أو ظهر منه إرادة الدخول فيه ، بل يحسنون الظن بأهل القبلة الموحدين ، وبمن دخل في الإسلام ، أو أراد الدخول فيه.

      ومن أتى بمكفر، واجتمعت فيه الشروط ، وانتفت في حقه الموانع ، فإنهم لا يجبنون ، ولا يتميعون ، ولا يتحرجون من تكفيره .

         ث‌-       وسط في باب أسماء الدين والإيمان ، أو مسألة الأسماء والأحكام بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية :

والمراد بالأسماء هنا أسماء الدين، مثل: مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق.

والمراد بالأحكام أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة .

     فالخوارج والمعتزلة ذهبوا إلى أنه لا يستحق اسم الإيمان إلا من صدق بجنانه،وأقر بلسانه ، وقام بجميع الواجبات ، واجتنب جميع المنهيات.

وعلى هذا فمرتكب الكبيرة عندهم لا يسمى مؤمناً باتفاق الفريقين .

ولكنهم اختلفوا : هل يسمى كافراً أو لا ؟

       فالخوارج يسمونه كافراً ، ويستحلون دمه وماله ، أما المعتزلة فقالوا : إن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ، ولم يدخل في الكفر ، فهو بمنزلة بين المنزلتين .

    أما في أحكام الآخرة فاتفق الفريقان على أن من مات على كبيرة ولم يتب منها فهو مخلد في النار.

    أما المرجئة فكما سبق بيان مذهبهم ، وهو أنه لا يضر مع الإيمان معصية،فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان ، ولا يستحق دخول النار.

    أما أهل السنة والجماعة فمذهبهم وسط بين هاذين المذهبين ، فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، أو هو مؤمن ناقص الإيمان ، قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية ، فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً كالخوارج  والمعتزلة ، ولا يقولون : بإنه كامل الإيمان كالمرجئة ، وحكمه في الآخرة عندهم أنه قد يتجاوز الله ﷻ‬ عنه فيدخل الجنة ابتداءً ، أو يعذبه بقدر معصيته ثم يخرجه ، ويدخله الجنة كما سبق.

          ج‌-        وسط في باب القدر بين القدرية والجبرية :

فالقدرية قالوا: إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدر، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته في ذلك أثر، ويقولون: إن أفعال العباد ليست مخلوقة لله ﷻ‬ ، وإنما العباد هم الخالقون لها.

        والجبرية غلوا في إثبات القدر ، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة ، بل هو في زعمهم لا حرية له، ولا فعل ، كالريشة في مهب الريح ، وإنما تسند إليه الأفعال مجازاً ، فيقال : صلى ، وصام ، وقتل ، وسرق ، كما يقال : طلعت الشمس ، وجرت الريح ، ونزل المطر.

         أما أهل السنة والجماعة فتوسطوا وقالوا : نثبت للعبد مشيئة يختار بها، وقدرة يفعل بها ، ومشيئته وقدرته واقعتان بمشيئة الله I تابعتان لها ، لقوله تعالى {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29 -28) سورة التكوير

ويقولون أيضاً العباد فاعلون ، والله خالق أفعالهم ، قال تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) سورة الصافات، فأفعال العباد هي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً ، وهي من العباد فعلاً وكسباً.

          ح‌-        وسط في محبة النبي ﷺ‬ بين الغالين والجافين:

فأهل السنة والجماعة يحبون الرسول ﷺ‬ ويعتقدون أنه خير البشر ، وأنه سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ويرون أن أكمل المؤمنين إيماناً أكملهم محبة واتباعاً للرسول ﷺ‬ ، وهم مع ذلك يعتقدون أنه بشر ، لا يملك لنفسه – فضلاً عن غيره – نفعاً ولا ضراً إلا بما أقدره الله عليه ، ويعتقدون أنه مات،وإن دينه باقٍ إلى قيام الساعة .

        بخلاف الذين غلوا فيه ، فرفعوه فوق منزلته ، واعتقدوا أنه يجيب من دعاه،فصرفوا له العبادة من دون الله ﷻ‬.

        وبخلاف الذين جفوا في حق رسول الله ﷺ‬ فأعرضوا عن شرعه ، ولم يحكموه فيما شجر بينهم ، أو الذين أدعوا أن شريعته قد نسخت بشريعة أخرى كحال غلاة الباطنية ،وكذلك حال الذين يرون إن شريعته عليه الصلاة والسلام لا تتلاءم مع الحضارة ، ولا تفي بمتطلبات العصر .

          خ‌-        وهم وسط في أصحاب رسول الله ﷺ‬  بين الرافضة والخوارج :

فالرافضة يسبون الصحابة -رضي الله عنهم - ويلعنونهم،وربما كفروهم أو كفروا بعضهم ، والغالبية منهم مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء يغلون في علي وأولاده – رضي الله عنهم – ويعتقدون فيهم الإلهية.

     وأما الخوارج فقد قابلوا هؤلاء الروافض ، فكفروا علياً ومعاوية ومن معهم من الصحابة ، وقاتلوهم ، واستحلوا دماءهم وأموالهم .

   و أما أهل السنة والجماعة – فكانوا وسطاً بين غلو هؤلاء ، وجفاء هؤلاء،فهداهم الله إلى الاعتراف بفضل الصحابة ، وأنهم أكمل الأمة إيماناً وإسلاماً وعلماً وحكمة ، ولكنهم لم يغلوا فيهم ، ولم يعتقدوا عصمتهم ، بل أحبوهم لحسن صحبتهم ، وعظم سابقتهم ، وحسن بلائهم في نصرة الإسلام،وجهادهم مع رسول الله ﷺ‬.

           د‌-         وهم وسط في باب العقل بين الذين ألّهوه وبين الذين ألغوه :

فأهل السنة والجماعة لا يلغون العقل ، ولا ينكرونه ، ولا يحجرون عليه ، بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية ، وأن الإسلام يقدر العقل ، ويتيح له مجالات العلم  والنظر والتفكير .

      وفي الوقت نفسه لا يؤلّهون العقل ، ولا يجعلونه حاكماً على نصوص الوحي، بل يرون أن للعقل حداً لا بد أن يقف عنده.

أما غيرهم فما بين مُفْرط ومُفرّط في هذا الباب ، فالمعتزلة والفلاسفة ، وأهل الكلام عموماً ألهوا العقل ، وجعلوه مصدراً للتلقي ، فما وافق العقل – أو ما يسمونه بالقواطع العقلية – قبلوه وأخذوا به ، وما خالف ذلك ردوه،أو أوّلوه.

وأما أهل الخرافة والدجل  فقد ألغوا العقل ، وقبلوا ما لا يقبل ولا يعقل . وذلك كحال كثير من الصوفية الذين تنطلي عليهم أكثر الأباطيل والأغاليط .

ط. وسط في التعامل مع العلماء:

فأهل السنة يحبون علماءهم ويجلونهم ، ويتأدبون معهم ، ويذبون عنهم،ويحسنون الظن بهم ، وينشرون محامدهم ، ويسعون إليهم ، ويأخذون عنهم، ويصدرون عن رأيهم ، لعلمهم أن العلماء هم ورثة الأنبياء ،القائمون بمهمة الدعوة والإبلاغ ، وهم مفزع الأمة – بعد الله – عند الشدائد ، فكان واجباً على الأمة موالاتهم ، وإنزالهم منازلهم ، وقدرهم حق قدرهم .

ثم إنهم في الوقت نفسه يرون أن العلماء بشر غير معصومين ، بل يجوز عليهم في الجملة الخطأ ، والنسيان ، والهوى ، إلا أن ذلك لا ينقص من أقدارهم ، ولا يسوغ ترك الأخذ عنهم .

وهم كذلك لا يسارعون في تخطئة العلماء ، بل يثبتون في ذلك ، فإذا ثبت عندهم أن العالم الفلاني قد زل  فإنهم لا يوافقونه على زلته ، ولا يتتبعونها، ولا يتخذونها ذريعة للنيل منه ، والوقيعة فيه ، بل يطوونها ولا ينشرونها ، إلا إذا عمت البلوى بها ، وخشي أن يضل الناس بسببها ، فإنهم حينئذ يردون على ذلك العالم مقالته ، مع الاحتفاظ له بمكانته ، ومع ملاحظة أن لا يرد عليه إلا من هو أهل لذلك ، وأن ينصب الرد على المقالة لا على الشخص ، وأن يلتمس له أحسن المخارج ، وأن يحمل كلامه على أحسن المحامل .

     بخلاف الذين حطوا من أقدار العلماء ، فلم يرفعوا بهم رأساً ، ولم يرعوا لهم حقاً ، كحال الخوارج ومن شاكلهم.

      وبخلاف الذين قدسوا علماءهم ، وغلوا فيهم ، ورفعوهم فوق منزلتهم ، فقلدوهم  تقليداً مطلقاً  ، فلم يجعلوا الدليل والحق رائدهم ، بل جعلوا رائدهم قول الشيخ ، وذلك كحال الروافض الذين غلوا في أئمتهم بل جعلوا لهم مقاماً لم يبلغه نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، فاعتقدوا فيهم العصمة ، ونزهوهم عن الخطأ ، والسهو ، والنسيان .

      وكذلك غلاة الصوفية الذين يغلون في مشايخهم ، ويرون أن من قال لشيخه لمَ؟ فقد كفر، ويقولون : إذا كنت عند الشيخ فكن كالميت بين يدي الغاسل.

ي. وسط في التعامل مع ولاة الأمور :

فأهل السنة والجماعة في هذا الباب وسط بين المفرطين والمُفرطين، فليسوا كالمفرطين الغلاة ، الذين يدينون بالخروج على أئمة الجور ، ويرون أنهم وحدهم هم سبب الشر والفساد ، وأن الخروج عليهم كفيل بإصلاح الأحوال ، وذلك كحال الخوارج الذين يرون أن الفساد سببه الولاة ، وأن الخروج عليهم واجب متعين ، وإن الوسيلة الوحيدة للإصلاح عندهم – كما يشهد تاريخهم – هو الخروج على أئمة الجور ، بل ربما خرجوا على أئمة العدل ، كما فعلوا مع علي t.

وكحال المعتزلة الذي جعلوا الخروج على الأئمة أصلاً من أصول دينهم ، وليسوا كالمفرطين المداهنين ، المتخاذلين ، المخذلين ، الذين سكتوا عن ظلم الولاة وتركوا نصحهم ، والإنكار عليهم ، بل ربما زينوا لهم باطلهم ، وسوغوا لهم ظلمهم ، وفسادهم ، وربما أنكروا على من ينكر عليهم.

      وليسوا كالمداحين المنافقين ، الذين يغالون في الولاة ، ويمدحونهم بما ليس فيهم ، وربما أدّعوا لهم العصمة ، وخلعوا عليهم صفات لا تليق إلا برب العالمين،وأطاعوهم بكل ما أمروا به حقا كان أم باطلاً .

    فهم يدينون لولاتهم بالسمع والطاعة ، في المنشط والمكره ، وفي العسر واليسر وعلى أثرة عليهم ، مالم يؤمروا بمعصية فيرون أنه لا سمع ولا طاعة ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإنما تكون الطاعة بالمعروف.

كما أنهم يدينون بالنصيحة لولاة الأمر ، ويتعاونون معهم  على البر والتقوى وإن كانوا فجاراً ، لإن هدفهم الوحيد تحصيل المنافع وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فلا يمتنعون من إعانة الظالم على الخير ، وترغيبه فيه ، فيشاركون الأئمة الظلمة في الخير، ويفارقونهم بالشر.

     ولذلك فهم يرون إقامة الجمع والجماعات،والأعياد معهم ،ويرون أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة مع كل بر وفاجر.

      ثم أنهم لا ينزعون يداً من طاعة ، ولا ينازعون الأمر أهله ، ولا يرون أن الأئمة يتحملون مسؤولية كل منكر وفساد ،نعم هم يتحملون المسؤولية الكبرى ولكن كل مسلم عليه مسؤولية يجب أن يقوم بها حسب قدرته واستطاعته. كما أنهم لا يدينون بالخروج على أئمة الجور ، فضلاً عن أئمة العدل ، إلا إذا رأوا كفراً بواحاً ، عندهم من الله فيه برهان ، وكان لديهم قوة ومنعة ، ولم يترتب على الخروج مفسدة أعظم ، لئلا يجروا الأمة إلى البلايا والرزايا .

       ثم أنهم أبعد الناس عن إغراق الولاة بالمديح الكاذب ، والأطراء القاتل الذي يدخل الغرور في قلوب الولاة ، ويورثهم الإعجاب بالنفس،وتناسي العيوب،وظن الكمال ، فلا يعرفون بذلك مواطن الخلل ، ولا يسعون في علاجها .

إضافة إلى ذلك فأهل السنة لا يرون المداهنة في الدين ،ولا مهادنة المعتدين والظالمين ، ولا يتوانون في الاحتساب على أئمة الجور ، ولا يجبنون عن الصدع بكلمة الحق حسب المقام ، وما تقتضيه المصلحة ، لا يداهنون بذلك أحداً ، ولا يخافون بالله لومة لائم .

على أنهم لا يرون أن يقوم بذلك الواجب كل أحد بعينه ، إلا إنه لا بد أن يقوم به من يقوم ، حتى ينتفي الحرج عن الأمة ،ويرون أن من لم يستطع الصدع بالحق – فلا أقل من أن يؤيد الحق ولو بقلبه ، وأن يكره الباطل ، ويجانب أهله .

أما من قام بالحق وأوذي في سبيله ، وصبر واصطبر على ذلك فله أجر عظيم،ومن قتله سلطان جائر بعد أن أمره ونهاه فهو سيد الشهداء.

وخير مثال تطبيقي لتعامل أهل السنة مع ولاة الأمر، ما قام به الأمام أحمد ابن حنبل رحمه الله إبان القول بفتنة خلق القرآن ، فلقد أوذي ، فلم تكن له قناة،ولم يفت له عضد ، ولم يتوان عن قول الحق بل صدع به ، وتحمل تبعات ذلك.

وفي الوقت نفسه لم يأمر أتباعه بالخروج على ولاة الأمر ، بل نهاهم عن ذلك،وحذرهم أشد التحذير.

       ومن الأمثلة على ذلك ما كان من أمر الشيخ ابن تيمية رحمه الله فلقد أوذي من قبل السلطة بسبب نشره لعقيدة السلف وتقريره لها ، ورده على سائر الطوائف والفرق الضالة ، وسجن بسبب ذلك ، ولاقى الويلات إثر الويلات ، فما سكت عن الحق ، وما تخلى عما يدعوا إليه ، كما أنه لم يأمر بالخروج على الأئمة ، بل كان شديداً في التحذير منه.

41. التورع عن الفتيا:

اقتداءً بالصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا يتدافعون الفتيا،لعلمهم بخطر القول على الله بغير علم ، فهم يتورعون عنها إيثاراً للسلامة، وخوفاً على القول على الله بغير علم.

42.الحرص عل تزكية النفوس:

 فأهل السنة والجماعة أحرص الناس على تزكية أنفسهم بطاعة الله عز وجل،دون إفراط أو تفريط، فهم يهتمون بإصلاح ظواهرهم وبواطنهم،ويتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض،فيحرصون على أداء الصلوات المكتوبة ،وأداء الزكاة ، وصيام شهر رمضان ، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.

كما أنهم يبادرون ويسابقون إلى الأعمال الصالحة، من كثرة الذكر،والنوافل والصدقات ، وغيرها من العبادات.

43.العمل على مرضاة الله في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت :

فأفضل العبادات عندهم في وقت الجهاد – الجهاد – وإن آل بهم الأمر على ترك الأذكار والأوراد ، وفي حالة اشتداد الحاجة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القيام بذلك الأمر،وفي حالة قدوم الضيف القيام على إكرامه وخدمته .. وهكذا .

بخلاف غيرهم ممن لا يستطيع الخروج عن النوع الذي ألفه من العبادة ، أما أهل السنة فلا يزالون متنقلين بين مراتب العبودية ومنازلها ومقاماتها.

44. وجل القلوب ودمع العين :

فهم أصحاب قلوب حية،وعيون دامعة ، تتأثر بالقرآن ومواعظه ، لما في قلوبهم من خشية الله وتعظيمه ، بخلاف غيرهم من غلاظ الأكباد ، وقساة القلوب وبخلاف الذين يتصنعون البكاء كالروافض الذين يعوّدون أبنائهم البكاء في المآتم ، فإذا كبروا اعتادوا البكاء  متى شاءوا، فبكاؤهم أمر اختياري،وحزنهم حزن مخترع.

          هذه مآثر أهل السنة والجماعة ، وهذه بعض خصائصهم التي تميزوا بها عن غيرهم ، وتلك  هي الخصال التي طبقها سلفنا الصالح – رحمهم الله  ورضي عنهم – فنالوا الخيرات ، وحصلوا على البركات. وليس معنى ذلك أن أهل السنة معصومون ؟ لا ، بل إن منهجهم هو المعصوم ، وجماعتهم هي المعصومة.

أما آحادهم فقد يقع منه الظلم والبغي ، والعدوان ، وارتكاب المخالفات، فما أجدرنا – معاشر المسلمين – أن نأخذ بمنهج أهل السنة وأن نوطن أنفسنا على ذلك، وما أحرانا – نحن أهل السنة – أن نقوم بالسنة حق القيام ، وأن نقتدي بسلفنا الصالح في كل أمورنا ، لنرضي ربنا – جل وعلا- ولنعطي صورة مشرقة عن الإيمان الصحيح النقي، ليقبل الناس عليه ، ويحرصوا على الدخول فيه ، ولئلا نصبح فتنة لغيرنا ، فإذا رأوا ما عليه أهل السنة من بعد عن المنهج وعن الفقه قالوا : إذا كان خاصة المؤمنين بهذه المثابة فلا حاجة لنا بهذا الطريق، وبذلك تندرس معالم الحق ، وتنطمس أنوار الهدى.

 الآثار الناجمة عن ضعف التمسك بمنهج السلف:

فإن من نتائج تساهل بعض الطوائف والجماعات من المسلمين في متابعتهم لمنهج أهل السنة والجماعة ، أنها وقعت في كثير من التجاوزات والأخطاء،  تلك الأخطاء العامة والشائعة بين الدعوات والدعاة – على سبيل الإجمال والعموم – ومنها:

 إهمال جانب التوحيد :

 من أعظم وأخطر الأخطاء التي يقع فيه الكثير من الدعوات والدعاة: إهمال جانب التوحيد ، أو ضعف الاهتمام به ، علماً واعتقاداً وعملاً ، وبخاصة توحيد الألوهية والعبادة.

        وهذا الجانب من التوحيد له الأهمية من الكتاب والسنة وأصول الدين ودعوة الأنبياء والمصلحين ما يوجب كونه الهدف الأول والغاية الكبرى لأي داعية أو دعوة مهما كانت مبررات قيامها في أي زمان وأي مكان ، ولا غرو فإن هذا التوحيد – توحيد الألوهية والعبادة- هو الغاية الأولى من خلق الجن والأنس،قال تعالى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.

        وقد وقع كثير من المسلمين اليوم فيما يناقض هذا التوحيد أو ينقصه ويخل به. فمما يناقضه من أعمال واعتقادات بعض المنتسبين للإسلام : دعاء غير الله ، والاستعانة والاستغاثة بغير الله ، والذبح والنذر لغير الله ، وتصديق الكهان وما يفعلون عند القبور ، وعند شيوخ الصوفية ، وغير ذلك مما لا يخفى على الدعاة ولا غيرهم.

ومما ينقض التوحيد ويخدشه : شيوع البدع والخرافات كالموالد والتمسح بالقبور والأشخاص والأحجار والأشجار وغيرها ، ومن الحلف بغير الله ونحو ذلك.

       وعندما ننبه إلى وجوب العناية أولاً بالتوحيد ومحاربة البدع والشركيات ، فهذا لا يعني أن يغفل الدعاة الجوانب الأخرى من تحقيق المصالح،ودرء المفاسد،وعلاج الانحرافات الاجتماعية والخلقية والفكرية والسياسية والاقتصادية، بل أن من قصر في شيء كان ملوماً بقدر تقصيره فيما يقدر عليه، وهذا هو مقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح الذي أمر الله به، وأمر به رسولﷺ‬.

      وهناك أمر يغفل عنه الكثيرون ، ألا وهو إن صلاح  أحوال الناس في معاشهم وأخلاقهم مرتبط بسلامة توحيدهم  وعقيدتهم، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف.

 ضعف الاهتمام بالعلم الشرعي:

ومن الأخطاء التي وقع فيها كثير ممن ضعف صلتهم بمنهج السلف الصالح:ضعف الاهتمام بالعلوم الشرعية، تعلماً وتعليماً، وأننا لو تأملنا واقع كثير من الدعوات والدعاة، لوجدناهم ممن قلت بضاعتهم من نصوص الكتاب والسنة وتراث السلف الصالح،قراءة وحفظاً وتدبراً وعلماً وعملاً، ومما نجم عنه التخبط في العقيدة والأصول والأحكام والمواقف ، وضعف جانب التعليم الشرعي والدعوة الصحيحة. 

 الحزبية والعصبية والغرور:

ومن تلك الأخطاء التعصب والحزبية والغرور  ، وهذه السمة – مع الأسف – سمة غالبة في أكثر الجماعات والطوائف الإسلامية ، فكل حزب بما لديهم فرحون، وكل فريق يرى أنه الجدير بالإتباع  ،والجدير بقيادة الأمة!! وقد أودى الغرور لدى بعضهم بأن جعلهم يستهينون بالعلوم الشرعية ، وبالعلماء المتمكنين في علوم الشريعة الذين لا ينتمون إليهم، ورمي بعضهم بالتغفيل وقصور التفكير، وضيق الأفق.

 التفرق والاختلاف:

ومن تلك الأخطار  التي ترتبت على الجهل بمنهج السلف: التفرق والاختلاف،وهذه السمة قد ذمها الله تعالى ونهى عنها رسول الله ﷺ‬ فقال تعالى{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } (103) سورة آل عمران.

   وقال تعالى {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (105) سورة آل عمران.

وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام.

وقال النبيﷺ‬  " ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"

      ومع شدة النهي عنها في الدين ، فقد وقعت فيها بعض الجماعات الإسلامية والدعاة المعاصرون على الرغم من إلحاح الحاجة إلى الاجتماع على الحق وعلى الكتاب والسنة ، فالدعوات المعاصرة لا تزال متفرقة في مناهجها وأهدافها وأساليبها وأعمالها ، وأحياناً تعلن هذه الخلاف وتُصعّده، بل حتى تلك الدعوات المتشابهة في المنهج ،أو بعضه، تنزع إلى الاستغلالية والتفرق واصطناع الخلاف في واقع أمرها ، مما يدل على أن المشكلة في رؤوس بعض الأشخاص أنفسهم وأهوائهم،والسبب الرئيسي في ذلك ضعف الصلة بالكتاب والسنة والأثر،وبمنهج السلف الصالح ( لدى الأغلبية ) والتعصب والحزبية والغرور ، ثم عدم الالتزام بعقيدة أهل السنة والجماعة التي تقضي بوجوب الاجتماع على الحق،والاعتصام بحبل الله المتين والعدل والنصح لكل مسلم ،وذلك الذي يزول به أسباب الاختلاف في الدين.


وأخيراً : نحمد الله أن جعلنا من أهل السنة ، ونسأله أن يتم علينا النعمة والمنة، وأن يرزقنا لزوم السنة ،والعمل بالسنة، وأن يتوفانا على السنة .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.