رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين ()

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

جمع الشيخ "عبدالله بن جارالله الجار الله" في هذه الرسالة جملة من الرسائل التي كتبها في فترات كتفرقة في النصيحة إلى جمهور أئمة المساجد والمؤذنين، حيث تعاون الشيخ في إحدى فترات حياته المبكرة مع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتولى خلال تلك الفترة كتابة العديد من رسائل الآداب والإرشاد لعموم المسلمين والمحتسبين، وضمت تلك الرسالة رسالة في آداب المساجد، ونصيحة إلى المسئولين عن المسجد، وأمور يجب ملاحظتها من قبل مسئولي المسجد، ومن أحكام الأذان، وأحكام الإمامة وأحكامها وشروط صحتها، وتعليمات عامة لموظفي المساجد، ورسالة ضمت عشر مسائل مهمة تتعلق بالصلاة، ورسالة في أحكام الإمام والائتمام، وتنبيهات على بعض الأخطاء التي يفعلها بعض المصلين في صلاتهم، ونصيحة لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة، وبعض المراجع التي يمكن العودة إليها في خطب الجمعة والعيدين، وبعض الكتب التي تتناسب قراءتها على الجماعة في المساجد والمجالس وغيرها، ومجموعة من فتاوى الصلاة والإمامة، وافتراحات مفيدة للكاتب في أمور الصلاة والخطابة والإمامة.

|

 رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين

بسم الله الرحمن الرحيم

(ترجمة المؤلف)

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ‬ وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

بناء على طلب من تعينت إجابته عن ترجمة حياتي العلمية والعملية أقول مستعينًا بالله تعالى ومتحدثًا بنعمته أنا عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله من قبيلة النواصر من بني تميم ولدت في مدينة المذنب من مدن القصيم عام 1354هـ تقريبًا ودرست في الكتاتيب على الشيخ عبد الرحمن الصالح المطلق رحمه الله تعالى مبتدئًا بالقرآن الكريم. ثم حفظت القرآن الكريم على والدي رحمه الله تعالى عن ظهر قلب ثم سافرت إلى الرياض عام 1368هـ لطلب المعيشة حتى أتيحت لي الفرصة لطلب العلم عام 1374هـ فدرست على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله في مسجده في مدينة الرياض بحي دخنة مع جماعة من الطلبة وفي عام 1375هـ فتح معهد إمام الدعوة العلمي فالتحقت به ودرست فيه على عدد من المشايخ منهم الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري المكنى (أبو حبيب) والشيخ محمد بن عباد مؤلف كتاب «دواء القلوب» رحمه الله والشيخ إسماعيل الأنصاري والشيخ حماد الأنصاري والشيخ سعد الفالح إمام جامع الملك عبد العزيز في المربع آنذاك والشيخ عبد الله بن حسن القعود والشيخ فهد بن عبد الرحمن الفهد (الحمين) وفي عام 1376هـ تزوجت وولد لي ابنان هما الشيخ محمد القاضي حاليًا بالمحكمة الكبرى بالرياض وفقه الله والثاني أحمد أصلحه الله وأربع بنات. درست في معهد إمام الدعوة # العلمي وتخرجت منه عام 1379هـ والتحقت بكلية العلوم الشرعية وتخرجت منها عام 83-1384هـ وبعد ذلك درست في المعهد العالي للقضاء ونلت منه درجة الماجستير عام 1399هـ في الفقه المقارن.

أما ما يتعلق في مجال العمل فقد عينت بعد التخرج من كلية الشريعة مدرسًا في مدينة حائل في المرحلة المتوسطة عام 1384هـ وفي عام 1385هـ نقلت إلى مدينة بريدة مدرسًا في نفس المرحلة وفي عام 1386هـ نقلت إلى مدينة الرياض مدرسًا في نفس المرحلة وفي عام 1403هـ نقلت إلى المرحلة الثانوية إلى حال التاريخ 1408هـ، أما ما يتعلق في مجال التأليف فكنت في البداية أكتب كلمات في مجال الوعظ والإرشاد فيما أرى المجتمع بحاجة إليه وزعت على الأفراد والجماعات وأئمة المساجد وغيرهم ثم جمعت في كتاب: «كلمات مختارة» وفي أثناء التدريس كتبت أسئلة وأجوبة على شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وجمعنا به في جنات النعيم الذي طبع بعنوان: «الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد» ثم كتبت بحثًا في مصارف الزكاة لنيل درجة الماجستير عام 1399هـ مطبوع وفي عام 1402هـ تعاونت مع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف على أن أكتب بعض البحوث بالإضافة إلى زيارة مراكز الهيئة بالرياض وإرشادهم إلى الطريقة المثلى في الأمر والنهي فكتبت ما تيسر من البحوث في مواضيع متنوعة بفضل من الله ومعونة وله الحمد والشكر والثناء فصارت هذه البحوث نواة وأساسًا لمؤلفاتي التي يسر الله جمعها واختصارها وتحقيقها وطبعها وتوزيعها والتي اشتملت على مواضيع مختلفة فيما يتعلق بالعقيدة وأصول الإيمان وأركان الإسلام وفي معالجة واقع المجتمع المسلم.#

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينفع بها وأن يجعلها حجة لي وذخرًا لي عند ربي حين ألقاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

21/6/1408هـ#


بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى أتباعه المتمسكين بسنته والمهتدين بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلأهمية الصلاة في الإسلام، وكونها عماد الدين، والصلة برب العالمين، ولوجوب أدائها على الوجه المشروع كما كان يؤديها رسول رب العالمين، القائل: «صلوا كما رأيتموني أصلي»([1]) ونظرًا لتقصير كثير من المسلمين في معرفة هدي الرسول ﷺ‬ في صلاته وفي الاقتداء به، وحيث أنه يشترط لقبول العمل الإخلاص لله المعبود، والمتابعة لرسول الله ﷺ‬، ولوجوب التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والصبر عليه؛ فقد جمعت في هذه الرسالة ما أمكنني جمعه، على وجه الاختصار لإخواني وأحبابي في الله من أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين، مما يتعلق بالصلاة وصفاتها وأحكامها، والمساجد وآدابها، وبالأذان والمؤذنين من فضائل وأحكام وآداب، والتنبيه على ما يحتاج إليه الأئمة والخطباء الذين هم قدوة الناس في هذه العبادة الجليلة من أحكام وآداب.

وقد توجت هذه الرسالة برسالة قيمة، صدرت عن رئاسة هيئة الأمر بالمعروف بعنوان «المسجد منطلق الدعوة» وبإرشادات للأئمة والمؤذنين صدرت عن وزارة الحج والأوقاف في المملكة العربية السعودية.#

وهذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى، ومن كلام رسول الله ﷺ‬، وكلام أهل العلم، وفي مقدمتهم الإمام أحمد في رسالة «الصلاة»، والإمام ابن القيم في كتاب «الصلاة»، ومما كتبه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فيما يتعلق بالصلاة، والشيخ محمد الصالح العثيمين، وغيرهما من العلماء المحققين من القدامى والمعاصرين. وقد بذلت وسعي في جمع هذه الرسالة، وتقريبها، وتهذيبها، وتحقيقها، واختيار المواضيع المناسبة، والفوائد المتنوعة. وقد اشتملت على ما يتعلق برسالة المسجد، وعلى مسائل مهمة تتعلق بالصلاة، وعلى مقدار صلاة رسول الله ﷺ‬، وصفة صلاته عليه الصلاة والسلام على وجه الاختصار، وعلى أحكام الإمامة في الصلاة، وجمعت في آخرها فتاوى تتعلق بموضوع الصلاة، وخطبة الجمعة. كما اشتملت على ذكر أسماء بعض الكتب التي تناسب قراءتها على الجماعة، وعلى ذكر بعض مراجع خطب الجمعة، وعلى تنبيه وتذكير بمراعاة هدي رسول الله ﷺ‬ في صلاته وخطبته، وعلى بعض النصائح لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، وعلى فوائد أداء صلاة الفجر مع الجماعة وغيرها من الصلوات، وأضرار التخلف عنها، والأسباب المعينة على القيام إليها.

كما اشتملت على بيان حالات المأموم مع الإمام في صلاة الجماعة، وتنبيهات على بعض الأخطاء التي يفعلها بعض المصلين في صلاتهم، وأحكام تارك الصلاة، وعلى فهارس كتاب «جامع العلوم والحكم» لابن رجب، وكتاب «الكبائر» للذهبي.

وأخيرًا ختمت الرسالة بذكر فهارس وخطب كل من الشيخ محمد الصالح العثيمين، والشيخ صالح الفوزان؛ ليحصل الاطلاع عليها، والاستفادة منها، ويحتذى حذوها. وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم؛ أن ينفع بهذه الرسالة نفعًا عامًا، وأن يوفق أئمة مساجدنا، وخطباءها، ومؤذنيها، ومأموميها، إلى الاهتداء بهدي رسول الله ﷺ‬ والسير على منهاجه، والاقتداء والتأسي به، وأن يتقبل الله من الجميع صلاتهم، وجميع أعمالهم وأن يجعلهم هداة مهتدين.

وأن يجعل هذه الرسالة خالصة لوجهه الكريم، ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المؤلف

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله في 20/4/1408هـ

ملاحظة: يرجى من الإخوة أئمة المساجد قراءة هذه الرسالة على الجماعة جزاهم الله خيرًا ونفع بها.#

 رسالة المسجد([2])

إن من أجل الأعمال وأعظمها منزلة عند الله، عمارة المساجد -بيوت الله وأحب البقاع إليه- عمارة حسية: بالبناء، والترميم، والتنظيف، وعمارة معنوية: بالصلاة فيها، وتلاوة القرآن، والذكر، والدعاء }فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ{([3])، التي جعلت عمارتها من أبين الأدلة على صدق الإيمان }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ{([4]) الآية. لقد أشاد الإسلام بفضل عمارة المساجد، وما تعود به زيارتها على النفوس من أثر فعال، وأضافها الله إلى نفسه إضافة تشريف فقال: }وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا{([5]) ولا غرابة! فعمارة المساجد كالمرآة الصافية لعكس أحوال الناس، وبيان مدى رغبتهم في الخير، وبزيارة المسلمين لها في اليوم والليلة خمس مرات؛ يتضح المؤمن من المنافق، يقول رسول الله ﷺ‬: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان»([6]) ويقول عبد الله بن مسعود: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض»([7]). فالمساجد مزارات ضيوف الله، وحق على المزور أن يكرم من زاره، وهو تعالى أكرم الأكرمين، ومن المساجد تصعد الأعمال الصالحة.

وفيها تنزل الرحمات، كيف لا! والمساجد مدارس لتعليم الدين، وتهذيب النفوس، وتقيوم الأخلاق، وصقل العقائد وإنارتها، مدارس لتلاوة كتاب الله، ومصحات لأمراض القلوب التي هي أخطر من أمراض الأجسام.

إن عمارة المساجد من أبرز أعمال البر، الذي يخلد بعد صاحبه، ويبقى له الذكر الحسن، والثناء الجميل، والأجر العظيم([8]).

وقال الشاعر:

وخير مقام قمت فيه وحلية

تحليتها ذكر الإله بمسجد

وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. رجل قلبه معلق بالمساجد، والمؤمنون بالله واليوم الآخر أعطوا المساجد حقها من العناية بها، وعمروها وتعلقت بها قلوبهم، وذلك لفضلها، وعظيم شأنها عند الله، ثم عند المسلمين الذين ما كانت لهم معاهد ولا مدارس ولا أندية إلا المساجد، وفيها يقومون واقفين بين يدي الله، مذعنين له بالعبودية كل يوم وليلة خمس مرات، وقد ألصق الشريف منهم كتفه بالضعيف، واحتك جسمه بجسمه قيامًا وركوعًا وسجودًا وقعودًا، لا يتقدم أحد على أحد، ولا يستأثر مسلم على آخر بمكان أو نظام يخصه إلا العلماء، وأولوا الأحلام والنهى، فيقدمون لمراقبة الإمام والأخذ عنه، ولما قد يقع قبل الصلاة أو بعدها من مبادلة الرأي والشورى، والتي جعلها الله للمؤمنين: }وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ{([9]).

وقد كان للمساجد عند أهلها من التقدير ما نشاهد آثاره اليوم باقيةً فينا، فكم أكثروا منها، وزينوها، وحبسوا عليها من الأوقاف العظيمة، ما يقوم بشأن الأئمة والمؤذنين فيها، وفرشها، ومطاهرها، وسرجها، ومجامرها، ومكاتبها المعدة للمعلمين والمتعلمين.

ولكن بعض الناس اليوم وللأسف الشديد، أهملوا المساجد وتركوها، #وظنوا أنها لا تبنى إلا للضعفاء، والمرضى، والشيوخ، والعميان، ومن لا حاجة له بالدنيا، ناسين أن آباءهم الأولين، وسلفهم الصالحين، ما كانوا يبايعون الأئمة إلا فيها، ولا يخرجون الجيوش الفاتحين إلا منها، ولا يطلبون العلم إلا بين جدرانها، فكانوا إذا حزبهم الأمر، اجتمعوا له في المسجد، وتشاوروا فيه.

وللعلماء في المساجد المجالس العامرة بمختلف العلوم، وفي مقدمتها القرآن وتفسيره والسنة المطهرة، وبسبب ذلك تنزل السكينة، وتغشى الرحمة، وتحف الملائكة، ويذكر الله القارئين والذاكرين فيمن عنده. فلو رجع لبيوت الله ما كانت عليه من إقامة الشعائر، واجتماع المسلمين فيها، لتعلقت بها قلوب كثير من الذين أعرضوا عنها واستخفوا بشأنها([10]).

ومن عمارة المساجد: صونها عما لا يليق بها من الأقوال، والأفعال، والنجاسات، والروائح الكريهة، والأوساخ المؤذية، وذلك من تعظيمها وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ‬ قال: «من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله ﷺ‬ إذا وجد ريحهما من رجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخًا»([11]) رواه مسلم في صحيحه.

قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به الناس، ففي القياس أن كل من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيهًا عليهم، أو كان به رائحة قبيحة، لا تفارقه لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام أو شبهه، وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجه ما كانت العلة #  موجودة فيه حتى تزول، وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كان لصلاة أو غيرها، كمجالس العلم والولائم وما أشبهها من أكل الثوم والكراث، وأخبر أن ذلك مما يتأذى به.

وقال ﷺ‬ للذي بال في المسجد: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» متفق عليه.

وقال لمعاوية بن الحكم السلمي: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم بلفظ: «إن هذه الصلاة».

وقد أمر ﷺ‬ بتنظيف المساجد، وتطييبها، وصونها عما لا يليق بها، في حديث عائشة الذي رواه أحمد والترمذي وصححه.

وقد جمع بعض العلماء في تعظيم المساجد وحرمتها خمس عشرة خصلة فقال:

(من حرمة المسجد أن يسلم الداخل وقت الدخول إن كان القوم جلوسًا وإن لم يكن في المسجد أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس، وأن لا يشتري فيه ولا يبيع، ولا يسل فيه سيفًا ولا سهمًا، ولا يطلب فيه ضالة، ولا يرفع فيه صوتًا بغير ذكر الله، ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا ينازع في المكان ولا يضيق على أحد في الصف، ولا يمر بين يدي مصل، ولا يبصق ولا يتنخم ولا يتمخط فيه، ولا يفرقع أصابعه ولا يعبث بشيء من جسده، وأن ينزه من النجاسات والصبيان والمجانين وإقامة الحدود، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه، فإذا فعل هذه الخصال فقد أدى حق المسجد وكان المسجد حرزًا له من الشيطان الرجيم)([12]).#

وقد قال رسول الله ﷺ‬: «من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة بني الله له بيتًا في الجنة»([13]). وهذا المثال من النبي ﷺ‬ يدل على أن من ساعد في بنيان مسجد، ولو بشيء قليل، بحيث تكون حصته من المسجد هذا المقدار وهو مفحص القطاة، استحق هذا الثواب الجزيل، فمن بنى مسجدًا لله، أو تسبب في بنيانه بنية صالحة خالصة لله، فقد شارك المصلين في صلواتهم، والمتعبدين في عبادتهم، ما دام أثر هذا البناء موجودًا إلى يوم القيامة، وذلك فضل الله والدال على الخير كفاعله.

فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، }وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{([14])، }وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا{([15]).

اللهم اجعلنا من المحافظين على الصلوات، المكرمين بنعيم الجنات وصلى الله على محمد.#


 من آداب المساجد([16])

1- يسن الدعاء حين التوجه إلى المسجد بما ورد، ومنه أن يقول: «بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه أصحاب السنن، ومحله عند الخروج من البيت لأي جهة.

2- يسن لمن أراد دخول المسجد تقديم رجله اليمنى، ويقول: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم... بسم الله.. اللهم صل على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم» رواه مسلم وغيره.

3- يستحب السعي إليها والجلوس فيها.. قال ﷺ‬: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح» متفق عليه. وقال ﷺ‬: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ{» رواه الترمذي وحسنه. وقال ﷺ‬: «المسجد بيت كل تقي» رواه الطبراني في «الكبير» و«الأوسط»، والبزار، وقال إسناده حسن.

4- من حرمة المسجد: أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسًا، وإن لم يكن في المسجد أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعليه أن يكثر من ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه.#

5- يستحب أن يركع ركعتين قبل أن يجلس «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» رواه مسلم والبخاري.

6- تجب صيانة المساجد من الأقذار، والروائح الكريهة، ففي الحديث «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن» رواه مسلم. وفيه أيضًا «من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» رواه مسلم. وقال العلماء: إنه يقاس على ذلك صيانتها من الأقوال السيئة، فكل من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيهًا لهم إخراجه من المسجد.

7- يستحب تنظيفها وتطييبها، فعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي ﷺ‬ أمر ببناء المساجد في الدور، وأمر بها أن تنظَّف وتطيَّب» رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي الحديث «أن كنس غبار المسجد مهور الحور العين» رواه الطبراني في «الكبير».

8- كراهة نشد الضالة، والبيع والشراء، والشعر الذي يشتمل على هجاء مسلم، أو مدح ظالم، أو فيه فُحش، قال ابن عمر رضي الله عنه: «نهى رسول الله ﷺ‬ عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة» رواه أهل السنن الأربعة، وحسنة السيوطي.

9- يحرم رفع الصوت على وجه يشوش على المصلين ولو بقراءة، ويستثنى من ذلك دروس العلم.

10- يكره السؤال في المساجد إلا لضرورة ودون إيذاء لأحد أو كذب.

11- يباح الأكل والشرب والنوم في المسجد.. قال ابن عمر رضي الله عنه: «كنا في زمن رسول الله ﷺ‬ ننام في المسجد...» رواه أحمد وغيره.#

12- يكره اتخاذ المسجد طريقًا إلا لحاجة، ويكره البصق والمخاط، والكتابة على الجدران، وتخطي رقاب الناس، والمنازعة في المكان، والتضييق على أحد في الصف، والمرور بين يدي المصلي، وتشبيك الأصابع وفرقعتها، وقد ورد «أن التشبيك من الشيطان»...

13- تستحب إنارة المساجد... قال ﷺ‬ لتميم الداري لما نور مسجد رسول الله ﷺ‬: «نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة»([17]).

كتبها

الأستاذ/ عبد الرحمن بن محمد العرفج#

 المسجد في الإسلام([18]):

المسجد: أحب البقاع إلى الله تعالى؛ قال سبحانه:

}فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ{ [النور: 36، 37].

وقال ﷺ‬: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»([19]).

إن المسجد قلعة الإيمان، وحصن الفضيلة، وهو المدرسة الأولى التي يتخرج منها المسلم فهو بيت الأتقياء، ومكان اجتماع المسلمين كل يوم خمس مرات، ومحل تناصحهم وتشاورهم، ومن المسجد خرجت الجيوش الإسلامية ففتحت مشارق الأرض ومغاربها، ومن عناية الرسول ﷺ‬ بالمسجد أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين([20]).

ووظائف المسجد ودوره في الإسلام أكثر من أن تحصى إلاَّ أنه يمكن الإشارة إلى شيء منها:

لقد اختار رسول الله ﷺ‬ المسجد ليكون مركزًا للتعليم والتوجيه والتفقه في الدين، حيث أن المسجد أنسب الأماكن لهذه المهام العظيمة، خصوصًا عند اجتماع المسلمين للصلاة جماعة كل يوم خمس مرات في مسجد حيهم، وعند اجتماع عدة أحياء بعدد أكبر كل أسبوع مرة يوم الجمعة في المسجد الجامع وإنصاتهم لسماع خطبة الجمعة المتضمنة للعديد من الإرشادات والتوجيهات، هذا عدا أن النبي ﷺ‬ كان يعقد مجالس العلم في مسجده، وكان المسلمون يتزاحمون على مجلسه ويتنافسون في القرب منه لتمام الاستفادة.

وقد كان النبي ﷺ‬ يجمع الصدقات والأموال العامة في المسجد ويوزعها كذلك في المسجد، فعن جرير قال:

كنا عند رسول الله ﷺ‬ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر بل كلهم من مُضر، فتمعر وجه رسول الله ﷺ‬ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ{ إلى آخر الآية، }إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{([21])، والآية التي في الحشر([22]). }اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ{. تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال: «ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ‬ يتهلل، كأنه مذهبة فقال رسول الله ﷺ‬: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»([23]).

وورد عن أنس رضي الله عنه «أنه أتى النبي ﷺ‬ بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد، وكان أكثر مالٍ أُتي به رسول الله ﷺ‬، فخرج رسول الله ﷺ‬ ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى#  أحدًا إلا أعطاه... الحديث»، وفي آخره: «فما قام رسول الله ﷺ‬ وثم منها درهم»([24]).

بل لقد خصص ﷺ‬ مكانًا في المسجد لإيواء الفقراء والغرباء ممن لا يجد مأوى، وكان هذا المكان يعرف بالصُّفَّة، نزل به نحو سبعين من فقراء الصحابة، وكان منهم أبو هريرة رضي الله عنه وكان ﷺ‬ ينفق عليهم من الصدقة.

إن دور المسجد عظيم، فهو الأساس الأول في تكوين شخصية المسلم، وتكوين خلقه وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وإخوانه المسلمين، فالمسجد في صورته الاجتماعية وارتباط المسلمين به مركز إشعاع وتوجيه وتربية لهم، وكان النبي ﷺ‬ إذا أهمه أمر جمع الناس في المسجد، وكان يجهز الجيوش الإسلامية في المسجد مما يدل على عناية الإسلام بالمسجد.#

 المسؤولون عن المسجد:

إذا كان المسجد بهذه المنزلة العظيمة والمكانة الرفيعة فلا بد له من مسؤولين عنه، فأول مسؤول عن المسجد هو الإمام، لذا يجب أن يختار من ذوي العلم والأهلية، وممن يتقنون القراءة، ويحسنون التلاوة، وممن هم على جانب كبير من المعرفة بأحكام الدين والعبادة لا سيما الصلاة.

ويجب على الإمام أن يكون قدوة صالحة لمن يصلون خلفه، فالإمام متقلد أمرًا عظيمًا في إمامة المسلمين وتولي شؤون المسجد الذي هو أمانة في عنقه، سيسأل عنها يوم القيامة، فيجب عليه إذًا أن يبذل مهجته في نصح إخوانه المسلمين، وإرشادهم وتوجيههم إلى الطريق الأسلم والسبيل الأقوم، فهو المسؤول الأول في المسجد الذي تولى إمامته، وتقدم المصلين يقتدون به في أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة، وبهذا يجب عليه أن يستشعر هذه المسؤولية العظيمة، وأن يتقي الله في نفسه وفيمن تقلد أمرهم.

أيها الإمام الكريم، يقول رسول الله ﷺ‬: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته»([25])، فهذا الحديث يدل على أن الله تعالى سيسأل كل من استرعى على أمر ماذا عمل، وفيما استرعى عليه، وبدأ بالإمام الأعظم، وانتهى بالخادم، ومعلوم أن إمامة المسجد ولاية عظيمة.

أيها الإمام، اتق الله في نفسك وجماعتك، فإنهم أمانة في عنقك، وستسأل عنها يوم القيامة، يوم تعرض على الله.#

كن قدوة لمن يأتمون بك، إذا وقفت أمامهم فتصور قدرهم، ثم تصور ما أنت عليه من أعمال وتصرفات، وهل هي مرضية لله، فأنت أهل لهذه الإمامة، أم أن لك أعمالاًَ وتصرفات لا يعلمون عنها وهي غير مرضية لله، فتجنبها لتكون قدوة حسنة في سرك وعلانيتك، كن ناصحًا لجماعتك متفقدًا لهم، كن حذرًا من حركاتك وتصرفاتك خاصة أثناء الصلاة، واعلم أنه ينظر إليك من حيث تدري، ومن حيث لا تدري، اجعل لجماعتك قيمة في نفسك؛ ليكون لك قيمة في نفوسهم؛ وبذا يحترمونك.

أيها الإمام، أصلح نيتك، واجعل عملك خالصًا لوجه الله تعالى؛ لأن الإخلاص أساس نجاح الأعمال، اتخذ الإمامة طريقًا للدعوة إلى الخير محتسبًا الأجر عند الله. راع مصالح الناس وظروفهم وحاجاتهم، لقد ورد في الحديث عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي ﷺ‬ قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»([26])، فعماد الدين ولبه وقوامه النصح لكل من ذكر في الحديث، وذلك بحب الخير لأئمة المسلمين وعامتهم، وبذل النصح لهم، وإرشادهم، والحرص على هدايتهم لكل خير، وإبعادهم عن كل شر.

عليك رحمك الله ووفقك أن تستشعر هذه القيادة الدينية العظيمة، وأن تقوم بحقها، وأن لا تجعلها طريقًا للكسب المادي، فليس هذا من شأن المتقين، ومن عظم الإمامة ما ورد في الحديث: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة، واغفر للمؤذنين»([27]).

ومما ينبغي للإمام أن يقوم به تعليم الناس وإرشادهم، خصوصًا العاملين# في المسجد كالمؤذن والخادم، فيبادر إلى تعليم المؤذن الأذان الصحيح والإقامة الصحيحة، السالمين من الأخطاء والبدع، أو تشويه الأذان كتلحينه والإطراب به.

كما ينبغي للإمام أن لا يبخل بالتوجيه والإرشاد لأهل الحي وجيران المسجد، فيحسن معاشرتهم، ويحضهم على الصلاة، ويتعاهدهم بالزيارة في منازلهم، ويتفقد أحوالهم، ويسعى في مساعدة المحتاجين، وفض المنازعات، والإصلاح بينهم، ويعود مرضاهم، ويعلمهم الأخلاق الإسلامية بالقول والفعل، ويتحبب إلى الأطفال، ويرشدهم إلى الصلاة، والأخلاق الحميدة.

وينبغي للإمام أن يخصص بعض الأوقات للتدريس، كقراءة بعض الأحاديث وشرحها بشكل موجز بعد صلاة العصر، والقراءة على جماعته قبل صلاة العشاء، وأن يتحين الفرص المواتية والمناسبة لوعظهم، أحيانًا بعد بعض الصلوات خصوصًا إذا رأى خطأ من بعض المأمومين أو نحو ذلك.

وينبغي لأئمة الجوامع أن يعتنوا بالخطب، وأن يحرصوا على جعلها وافية بالمطلوب، تعالج المشاكل العصرية، وأن يتجنبوا التكرار، وأن يتحققوا من صحة الأحاديث التي يستشهد بها أثناء الخطبة، وأن يتجنبوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة. وعليهم أن يعتنوا بضبط الآيات المراد الاستشهاد بها في الخطبة وغيرها، من كلمة تلقى على الجماعة ونحوها، وأن تكون الخطبة مستوفية لأركانها، وهي: حمد الله، و(الشهادتان) والصلاة على النبي ﷺ‬، والوصية بتقوى الله وقراءة آية من القرآن.

كذلك ينبغي لخطباء الجوامع الاعتناء بالخطبة من ناحية التركيز على موضوع معين والإعداد له، لاستيعاب جوانبه، مع الاعتناء بالخطبة الثانية أيضًا، وعدم جعلها على وتيرة واحدة، بل الأولى أن يجعلها مناسبة لموضوع الخطبة الأولى ومكملة لها، ومما ينبغي لخطباء الجوامع التنبه له عدم إطالة الخطبة إطالة مملة، فقد ورد في الحديث عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ #يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا»([28] ومعنى المئنة: العلامة والمظنة. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة»([29]).

وينبغي تجنب الخطب التي عفى عليها الدهر، والتي تعداها منطق العصر وأوضاعه، ويجب التركيز على دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة السليمة؛ عقيدة السلف الصالح، مع بيان عظمة الإسلام وكماله، وأنه صالح لكل زمان ومكان، لتكون الخطبة هادفة تعطي السامع عظة وعبرة من كل حدثُّ يجد على الساحة؛ وبذا يجد السامع في الخطبة متعة يشتاق إليها وإلى استماعها، ويرق لها قلبه.

ويجب على خطيب الجمعة أن يلقي الخطبة بصوت وحماس؛ وبذا يكون أداة تبيين وإرشاد وتوعية ودعوة إلى الله. لا أداة تنويم وتمليل أو تنفير عن الدين، و«كان النبي ﷺ‬ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم»([30])، وهذا يدل على مشروعية تفخيم أمر الخطبة، ورفع الصوت بها، وأن يجزل كلامه.

الإمامة الصحيحة:

الإمامة هي مسئولية الإمام الكبرى لقوله ﷺ‬: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين»([31]). فعليه أن يتحرى إتمام الصلاة، وإتقان أفعالها، وعدم إنقاص شيء منها، فعن عقبة بن عامر الجهني#  رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «من أمَّ قومًا فإن أتمَّ فله التمام ولهم التمام، وإن لم يتم فلهم التمام وعليه الإثم»([32] وفي رواية أخرى: «من أمَّ الناس فأصاب الوقت وأتمَّ الصلاة فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم»([33] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم»([34] وجاء أيضًا أن رسول الله ﷺ‬ قال: «ثلاثة على كثبان المسك: عبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أمَّ قومًا وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة»([35]).

والإمام يجب أن يكون مرضيًا عنه أمام جماعته غير مكروه عندهم، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ‬ قال: «ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أم قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان»([36]).

والإمام مرشد، وهو القدوة للمأمومين في الصلاة؛ فلا ينبغي له أن يطيلها كثيرًا كي لا يفتن الناس، ولا يجعلها كنقر الديكة وخطف الثعالب، بل يجب عليه أن يطمئن ويعتدل في صلاته، فعن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود»([37]). وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ‬: «أسوأ الناس سرقة#  الذي يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من الصلاة؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها أو لا يقيم صلبه في الركوع والسجود»([38]).

والواجب أن يكون الإمام مؤهلاً علميًا، سليم العقيدة حتى لا يضلل الناس في عقائدهم، عالمًا بالفروع كي يصحح العبادات ويجيب على أسئلة المأمومين، وأن يكون نبيهًا صالحًا تقيًا ورعًا زاهدًا، غير مجاهر بمعصية، يطبق ما يقول؛ لأن ذلك أدعى إلى قبول الموعظة منه.#


الأذان وآداب المؤذن:

الأذان من أجَل الأعمال وأفضل القربات، كيف لا! والله تعالى يقول في محكم التنزيل: }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{ [فصلت: الآية 33]، والرسول ﷺ‬ يقول: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»([39] ويقول: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»([40]). فالأذان وظيفة مهمة يجب أن يعتنى باختيار من يصلح لهذا العمل، لذا فإنه ينبغي أن تتوفر في المؤذن الصفات التالية:

1- أن يكون صيتًا؛ لأنه أبلغ في الإعلام.

2- أن يكون حسن الصوت؛ لأنه أرق لسامعه وأخشع.

3- أن يكون عدلاً؛ لأنه مؤتمن على مواقيت الصلاة، وإذا أذن في المنارة مع علوها فهو مؤتمن على ما تحت المنارة من البيوت والعورات.

4- أن يكون حسن الخلق؛ لأن سيء الخلق ينفر الناس بسوء خلقه حيث لا يحسن التصرف مع الناس.

يستحب للمؤذن أن يستقبل القبلة عند الأذان والإقامة، ويلتفت يمينًا وشمالاً عند الحيعلتين، وأن يكون متطهرًا عند الأذان والإقامة.#


أخطاء يجب تلافيها:

يقع بعض المؤذنين في أخطاء يجب تلافيها، وذلك نتيجة جهل البعض منهم، وعدم إدراكه لما يترتب على خطئه من صرف اللفظ عن المعنى، أو زيادة في الأذان أو في الأدعية المشروعة بعد الأذان، وذلك لأن الأصل في الأمور الشرعية أنها مبنية على التوقيف، كما ورد في الحديث عن النبي ﷺ‬: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية أخرى: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([41]).

وهذه الأخطاء نجملها فيما يلي:

1- قول البعض منهم قبيل الأذان (لا إله إلا الله) كأنها مقدمة للأذان وكأنها منه.

2- قيام البعض منهم بالتنبيه للصلاة قبل الأذان أو بعده عن طريق مكبر الصوت بالمسجد، وهذا بدعة يجب تركها والنهي عنها؛ لأن الاعتياد عليها يثبتها على مر الزمن وتتخذ سنة مشروعة، ومعلوم أن ألفاظ الأذان كافية في دعوة الناس، وتنبيههم لدخول وقت الصلاة، والإتيان إليها.

3- اللحن في الأذان أو تلحينه أي الإطراب به، فبعض المؤذنين يطرب الناس بأذانه، بتلحين صوته وهذا مكروه؛ لأن الأذان لم يشرع لإطراب الناس، وإنما شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وتذكيرهم بالله وتخشيع قلوبهم.

4- قيام البعض منهم بالزيادة أو النقص عن طريق مد أو قصر بعض العبارات، وذلك كمد باء -أكبر- أو همزته، وهمزة أشهد، أو ألف -الله- أو عدم النطق بهاء الصلاة من حي على الصلاة، # حيث أن مثل هذا يحيل المعنى ويغيره عن مراده، وكمثال على ذلك: فإن مد ألف -الله- يحول اللفظ إلى استفهام -آلله أكبر؟- وهذا خطأ يجب التنبه له، وكذلك يتحول المعنى إلى الاستفهام عند مد ألف -أكبر- وعند مد حرف الباء من -أكبر- يتحول اللفظ إلى -أكبار-.

وينبغي للمؤذن أن يتواءم مع الإمام، وأن لا يتطاول عليه؛ لأن الإمام هو المسئول الأول عن جميع ما يتعلق بالمسجد، ومن ذلك المؤذن. لذا ينبغي للمؤذن أو خادم المسجد أن يطيعا الإمام بالمعروف، ولا يتطاولا عليه، أو يحقرانه عند جماعته فطاعة المؤذن أو الخادم للإمام داخلة في قوله تبارك وتعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ{ [النساء: الآية 59].

أمور يجب ملاحظتها من قبل مسئولي المسجد:

1- يجب على كل من الإمام والمؤذن والمسؤول عن صيانة المسجد أن يعتنوا بنظافة المسجد؛ لأن الإسلام حث على النظافة عامة، وأولى الأماكن بالنظافة بيوت الله تعالى التي أعدت لعبادته، ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالمسجد ما ورد في «صحيح مسلم» أن رسول الله ﷺ‬ قال: «عرضت علي أعمال أمتي، حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن»([42] وقال ﷺ‬ للأعرابي الذي بال في المسجد: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن»([43]).#

فعلى خادم المسجد، أو من وكل إليه نظافته، من شركة أو مؤسسة ونحوها، أن يبذلوا قصارى جهدهم في تنظيف وترتيب المسجد كل يوم، وعلى الإمام والمؤذن أن يهتما بذلك، وأن يلاحظا القصور، وعلى كل مسلم غيور أن يحافظ على نظافة بيوت الله، ويرعي حرمتها، وأن يصونها عن العبث والإفساد، وعن كل ما ينافي هذه الحرمة. وإن كانت الدولة قد وكلت نظافة المساجد أو أكثرها إلى مؤسسات وطنية أو خدم، إلا أنه ما لم تتضافر الجهود، ويتعاون الجميع فلن نصل ببيوت الله إلى الغرض المنشود، لذا ينبغي أن ندرك أن على كل مسلم مسؤولية في هذا الأمر.

ومما ينبغي التنبه له لزوم الأدب ممن يستعملون أماكن قضاء الحاجة، سواء العامة أو الملحقة بالمساجد، باستعمالها الاستعمال اللائق بها، وعدم تقذيرها وتوسيخها على المسلمين، لما في ذلك من إيذاء المسلمين، وكذلك ينبغي تجنب الكتابة على أبواب الحمامات وحيطانها.

ومما يؤسف له حقًا ما ينتج من تصرفات سيئة من أناس لا خلاق لهم، وذلك بكتابة عبارات تدل على قبح فاعلها، وسوء خلقه، وسخافة عقله، فيجب على المسؤول عن نظافة المسجد تفقد أبواب وحيطان المسجد وإزالة ما قد يكون كتب وعدم تركه، لأن تركه يفتح الباب أما أناس آخرين، ويزين هذا الصنيع في نفوسهم، فيسلكون مسلكهم؛ وبذلك ينتشر الوباء. وقد تكون هذه الكتابات سبًا لأشخاص، أو دعوة إلى الفساد، وكذا ينبغي للإمام والمؤذن أن يهتما بهذا الأمر، وأن يقضيا عليه في مهده عند حصوله.

2- التواؤم بين المؤذن والإمام:

ينبغي للمؤذن أن يكون متوائمًا مع الإمام، كما ينبغي للإمام أن تكون معاملته للمؤذن باللين والحسنى، ولهذا الأمر أثره الطيب على جماعة المسجد، بخلاف ما إذا تنافرا وتباغضا فإنه يكثر الخصام بينهما، وهذا له أثر سيئ على جماعة المسجد.#

ومما يؤسف له! أن أئمة ومؤذني بعض المساجد متنافران متباغضان، قل ما يمضي وقت إلا وتسمع الخصومة بينهما، يود الواحد منهما أن يبعد الآخر عن منصبه، وهذا في الحقيقة ليس من الإسلام في شيء، لأن الإسلام ينهى عن التباغض والتدابر والتنافر، ويأمر بتقارب القلوب، فالأخوة الإسلامية فوق الأغراض الشخصية.

3- إحياء دروس العلم في المساجد؛ لأن طلب العلم وتعليمه فريضة على كل مسلم، لا سيما إذا كان ممن له ولاية على أبناء المجتمع، كإمام المسجد إذا كان ممن آتاه الله تعالى حظًا وافرًا من العلم، فيجب عليه إذًا أن لا يبخل بعلمه، وأن ينير الدرب، ويضيء الطريق للراغبين في الخير والإصلاح، وأول ما يجب تعلمه وتعليمه كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ‬، قال ﷺ‬: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [يوسف: الآية 108]. وقد حث النبي ﷺ‬ على تعلم القرآن وتعليمه، قال ﷺ‬: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»([44]).

وقد وعى الصحابة ومن جاء بعدهم من السلف الصالح هذه الأوامر، فكانوا يجعلون من بيوت الله مكانًا ومنطلقًا لتعليم الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم، ومن ذلك الحين والمسجد يعتبر منارة الهدى ومكان الإصلاح.

فجدير بمن ولي هذه الولاية، وآتاه الله علمًا أن يقوم بما أنيط به خير قيام، وأن يشكر ربه على ما أنعم به عليه من نعمة العلم، وأن يزكي هذه النعمة ببذلها لمن يحتاجون إليها، وورد في الحديث «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إن الله وملائكة وأهل السموات والأرضين حتى النملة# في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير»([45]). فعلى أئمة المساجد وخصوصًا الجوامع أن يعوا هذا الأمر، ويعطوه حقه من العناية والاهتمام.


(وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون مع مراكز الهيئة):

وهناك أمر مهمٌ يجب التنبه له، والحرص عليه، ودعوةُ الناسِ إِليه، وهو الأَمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، فيجب على إِمام المسجد أَن يقوم بهذا الأَمِر وأَن يتعاهد سكان الحي بالنصح والتوجيه والإِرشاد، فالأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على كل مسلم، فيكونان متعينين على من يعنيه الأَمر أَكثر من غيره كالإمام والمؤذن مثلاً، وفي المسجد آكد من غيره لأنه مكانُ التعاونَ على البرَّ والتقوى، ومكان التناصح، وهو مكان اجتماع المسلمين، وقد كان النبي ﷺ‬ يأُمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتعاهد أُمته بالنصح والتوجيه، فقد روى مسلم عن أَبي قتادة قال: دَخلتُ المسجدَ ورسول الله ﷺ‬ جالسٌ بينَ ظهراني النَّاس، قال: فجلستُ، فقال رسولُ الله ﷺ‬: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْن قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ»، قال فقلتُ يا رسول الله ﷺ‬: رَأَيْتُك جالساً والنَّاسُ جلوس. قال: «فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُم المسجدَ فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَين»([46]).

وكان ﷺ‬ إِلى جانب أَمره بالمعروف، ينهى عن المنكر حيث يراه، فمِن ذلك إِنكاره على المسيء صلاته وقال له عدة مرات: «ارجِعْ فَصَلَّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلَّ»، حتى قال له هذا الرجل: والَّذي بَعَثَكَ بِالحَقَّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذا فَعَلَّمْنِي، فعلَّمه ﷺ‬ كيفية الصلاةِ بقيامِها وركوعِها وسجودِها وقعودِها([47]). ولما رأَى ﷺ‬ رجلاً وقد توضأَ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، قال له رسولُ الله ﷺ‬: «ارْجِعْ فَأَحسِنْ وُضُوءَكَ»([48]).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُحَدُّ بِحَدَّ، بل إنه من الواجب على إمام المسجد أَن يوسعَ دائرة هذه الوظيفِة، وأَن لا يحصرَها في المسجد، بل يتعاهد سكان الحي بالنصح والتوجيه والإِرشاد والمتابعة الجادة، وأَن يقوم بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنيّة، كمراكز هيئة الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراكز الدعوة، ومع عمدة الحيّ ونحوهم، لأَن المسلمَ مأْمورٌ بالتعاون مع إِخوانه المسلمين على البرَّ والتَّقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه كما قال تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{ [المائدة: الآية 2]، وقال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [سورة العصر].

كما أَن المسلمَ واحدٌ بنفسه، كثيرٌ بإِخوانه، فإذا وُجدَ التعاونُ والتناصحُ والتكاتفُ مع الجهاتِ المعنيّةِ بالأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يزول من الشرور، ومن هذا المنطلق تحيا وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوسِ الناسِ، ويكثر الخير ويقل الشرّ، وتحصل الخيرية لهذه الأُمة بعد قيامها بهذه الوظيفة، ويحصل المراد من قوله تبارك وتعالى: }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ{ [آل عمران: الآية 110].

فالواجب على أَئمةِ ومؤذني المساجد أَن يتعاونوا بأَنفسهم مع مراكز هيئة الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأَن يحثوا الناس على ذلك، وأَن يبذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل؛ لأن الأجر والثواب لا يحصل إلا بعد جهد ومشقة، وصبر ومصابرة، كما قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [آل عمران: الآية 200].

فإذا تعاون الأَفراد مع مراكز الهيئة؛ سهل القضاء على كثير من المنكرات، وزال الكثير من المشاكل، وأَصبح لهذه المراكز وقع في النفوس. ومن التصورات الخاطئة لدى كثير من الناس وخصوصاً بعض أَئمة المساجد والتي يجب تلافيها: تصوّرهم أَن الأَمر بالمعروف والنهَي عن المنكر مقصورٌ على مراكز الهيئة، وأَنه بوجودِ هذه المراكزِ ترتفع اللائمة عنهم، وكذا تزولُ عنهم مسئولية الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا شك أَنه تصورٌ خاطئٌ ومجانبٌ للصواب؛ لأَنَّ كلَّ مسلمٍ يُعْتَبَرُ مَسْئُولاً عن ثغرٍ من ثُغُور الإسلام.

كما أَن لفظَ العمومِ الواردَ في الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ‬ من قوله: «مَنْ رَأَى مِنْكُم مُّنْكَرًا فَلْيُغَيَّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَّمْ يَسْتَطعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيْمَان([49])» يدل على أَن تغييرَ المنكر مسئوليةُ كلَّ مسلمٍ، فليس الأِمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر مقصوراً على رجالات الهيئة فحسب، وإِن كان عليهم مسئوليةٌ أُعظمَ من غيرِهم، لكن يدخل في هذا الحديثِ كلُّ مسلم لا سيما أَئمة ومؤذني المساجد.

فلو تكاتف الناسُ، وتعاونوا، وشدَّ بعضُهم إِزرَ بعض؛ لكثر الخير، وقَّل الشرّ واضمَحَلَّت المنكرات، وزال كثيرٌ من أَسبابها.

فليتق الله كلُّ مسلمٍ، وليعمل بقول الله عزَّ وجلَّ: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{، وَلْيَبْذُلْ من وقتِهِ ومن جاهِهِ بالتعاون مع تلك المراكزِ، وكلُّ مشقةٍ تهونُ مع الصبر واحتساب الأَجر على الله.

والله الموفق للصواب وصلى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأَصحابه أجمعين.

 (فضيلة الأذان)

1-  روينا عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لو يَعْلمُ النَّاسُ ما في النَّدَاءِ والصَّفَّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُواْ إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُواْ عَلَيْهِ لا ستَهَمُواْ» رواه البخاري ومسلم في «صحيحيهما»

2-  وعن أبي هريرة t أَن رسول الله ﷺ‬ قال: «إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ» رواه البخاري ومسلم.

3-  وعن معاوية t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول «المُؤَذَّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه مسلم.

4-  وعن أَبي سعيد الخُدْرِيَّ t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «لا يسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذَّنِ جِنُّ ولا إِنْسٌ ولا شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري، والأحاديث في فضله كثيرة([50]).

 (فائدة)

خمس سُنن عن رسول الله ﷺ‬ في إِجابة المؤذن:

أَحدهما: الصلاة عليه ﷺ‬.

الثانية: أَن يقول مثل ما يقول المؤذن([51]).

الثالثة: أن يدعو له ﷺ‬ بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود.

والرابعة: أَن يقول رضيت بالله ربًّا، وبالإِسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً([52]).

والخامسة: أَن يدعو الله بعد إِجابة المؤذن وصلاته على رسوله وسؤاله له الوسيلة فإِن الدعاء لا يرد بين الأَذان والإِقامة.

فهذه خمسة وعشرين سُنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إِلا السابقون([53]).


الأَذان(*)

1- شُرع الأَذانُ للإِعلام بدخول وقت الصلاة، وفيه فضلٌ كبير وأَجرٌ عظيم. قال أَبو سعيد الخدري t: «إِذا كنتَ في غَنَمِكَ أَو باديتك فأَذَّنتَ بالصَّلاة فارفعْ صوتك بالنداء، فإِنه لا يَسمعُ صوتَ المؤذنِ جنُّ ولا إِنسٌ ولا شيءٌ إِلا شهدَ له يوم القيامة. قال أَبو سعيد: سمعتُه من رسول الله ﷺ‬» أَخرجه البخاري.

2- وأَجمعَ أَهلُ العلم على أَنَّ من السُّنَّة أَن يؤذَّنَ للصلوات بعد دخول وقتِها لأَن الأَذان إِنما شُرع للإِعلام بالوقت، وَيُكرهُ له أَن يتأَخر في الأَذان عن أَوَّل الوقت كي يستعدَّ النَّاسُ للصلاة.

3- وعلى هذا فمن الواجبِ أَن يكون المؤذنُ أَميناً عدْلاً، لأَنه مؤتمنٌ يرجعُ إِليه النَّاسُ في أَداء الصلاة، ويجب أَن يكون عالماً بالوقت وأَن يتحَّراه ويؤذَّن له عندما يتحققُ من دخوله.

4- ويُستحبُّ رفعُ الصوت بالأَذان من غير أَن يُجهدَ نفسه فوقَ طاقته، وأَن يؤذَّنَ قائماً إِلاَّ لِعذر، ولا يتكلمَ أَثناء الأَذان، ولا يفصلَ بين أَلفاظه بالسكوت الطويل.

5- ويُسنُّ أَن يكون المؤذنُ نديَّ الصوت؛ لأَنه أَرقُّ لمن يسمعه وأَخشعُ لقلبه، وأَن يكون رفيعَ الصوت؛ لأَنه أَبلغُ في إِعلام الناس، وأَن يكون المؤذَّنُ مرتَّلاً للأَلفاظ، واضحَ النَّبراتِ ومخارج الحروف، وأَن يقف على كل جملة بالسكون.

6- وَيُكره الغَلَطُ واللحْنُ في الأِذان إِذا لم يغيّر المعنى، وهو حرام إِذا غير المعنى عن قصد.

7- ومن الأَلفاظ التي تُبطلُ الأَذان مدُ همزةِ (الله)، ومدُّ حرف الباء من (أَكبر)، فهو في الحالة الأُلى يصيرُ استفهاماً بمعنى (هل الله أَكبر؟ )، وفي الحالة الثانية يقلب اللفظ إِلى (أَكبار).

8- ومثلُهُ مدُّ همزة (أَشهد)، وعدمُ النطقِ بحرف الهاءِ في آخر كلمة (الصلاة)، والحاء في كلمة (الفلاح).

9- ومن الأَغلاط التي تقعُ في الأَذان قولُ المؤذن: (أَشهد أَن محمداً رسولَ الله) بفتح اللام من كلمة الرسول.

10- ويُستحب أَن يكون المؤذنُ متطهراً من الحَدَثَيْنِ الأَكبر والأَصغر مع عدم وجود نجاسة في بَدَنِه أَو ثوبه.

11- وإِذا أَذَّن المؤذنُ كُرِه له الخروج من المسجد بعد الأَذان لأَنَّ وجوده ضروريّ إِقامة الصلاة، ولأَنَّ غيابهُ يؤذي المصلين الذين ينتظرونه.

12- ويُستحبُ أَن يترسَّلَ في الأَذان ويتمهّلَ فيه. وأَن يَحدِر بالإِقامة ويُسرع فيها لقول النبي ﷺ‬: «إِذا أَذَّنتَ فترسَّلْ وإِذا أَقمتَ فاحدِر» رواه أَبو داود والترمذي وقال حديث غريب.

13- ويُستحب أَن يفصِلَ بين الأَذان والإِقامة بزمنٍ غيرَ طويل كي لا يؤْذي الحاضرين للصلاة، وهذا الزمنُ يُمكن تقديُره بقَدْرِ الوضوء وصلاةِ ركعتين أَي بما يستغرقُ عَشْرَ دقائق.

14- ويُستحب أَن لا يُقيم الصلاة إِلاَّ المؤذن لأَنَّ الإِقامةَ من تتمةِ الأَذان.


 الإِمامة

1- صلاةُ الجماعة واجبة للصلواتِ الخمس، وهو الأَصح، وقال بعضهم إنها فرض كفاية، أَو إِنَّها سُنَّة عيْنٍ مؤكدة شبيهة بالواجب في القوة كي يشمل الحكم المذاهب الأَربعة فقد رُوي عن النَّبَّي ﷺ‬ أَنَّهُ قال: «صلاة الجماعة تَفْضُلُ صلاةَ الفذَّ بسبعِ وعشرين درجة» متفق عليه. وأَنه قال: «صلاةُ الرجل في جماعةٍ تزيد على صلاته في بيْته، وصلاته في سُوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أَنَّ أَحدَكم إِذا توضأَ فأَحسن الوضوء ثم أَتى المسجدَ لا يريدُ إِلاَّ الصلاة لم يَخْطُ خطوةً إِلاَّ رَفَعَهُ الله بها درجةً وحطَّ عنه بها خطيئةً حتى يدخلَ المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاةٍ ما كانت الصلاةُ تَحْبِسُهُ وتصِلي الملائكةُ عليه ما دام في مجلسِهِ الذي يُصلي فيه يقولون: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارْحَمْهُ، اللهمَّ تُبْ عليه، ما لم يؤذِ فيه أَو يُحْدِث فيه» رواه الشيخان، وأَحمد، وأَبو داود، وابن ماجة.

فلا يسَعُ المسلمَ تركُهَا إِلا لِعُذْرٍ ضروريّ وهي من شعائر الإِسلام وخصائص هذا الدّين.

2- ويُشترط لصحة الإِمامة ما يأْتي:

الإِِسلامُ، والبلوغُ، والعقلُ، والذكورة، والقراءة، والسلامة من الأَعذار. ولا خلاف بين العلماء في التقديم بالقراءة والفقه بأَن يكون أَعلمَ من غيره بأَحكام الصلاة صحةً وفساداً، ثم الأَحسنَ تلاوةً وتجويداً للقراءة، لأَن القراءة ركنٌ في الصلاة، ويجب أَن تخلوَ من اللحنِ والخطأ، وقد ورد: أَنَّ مَن قرأَ القرآن فأعْربه فلهُ بكل حرفٍ عشرُ حسنات.

3- ويجب أَن يكون َ لسانُ الإِمام سليماً لا يتحول في النطقِ من حرفٍ إلى غيره، وأن تخلوَ من الفأَفأَة: (وهي تكرار حرف الفاء)، ومن التمتمة: (وهي تكرار حرف التاء)، ومن اللثغة:

(وهي أَن يلفظ الراءَ غيْناً، والسينَ ثاءً أو تاءً مثل أَن يقول: المتَّقيم بدل المستقيم).

(والأَرَتّ): (هو الذي يدغم حرفاً بحرف أَو يلحنُ لحناً يُغيّر المعنى) مثل الذي يضمّ التَّاءَ مِن }أَنعمتَ{، ومثل الذي يبدَّل الحاءَ هاءً فيقول: (الهمدُ لله) بدل }الحمد لله{، والذي يبدّل القافَ كافاً فيقول: (كلْ هو الله أَحد) بدلا من }قل هو الله أَحد{، ومن يبدّلُ الضادَ ظاءً فيقول: (ولا الظّالين) بَدَلاً عن }ولا الضّالين{.

فمَن كانت بهِ هذه الأَعذارُ وجبَ عليه تقويمُ لسانِهِ بالرجوع إِلى عِلم التجويد ومَخارج الحروف، وأَنْ يتدرّبَ عليها حتى يُتقنها. فإِنْ عجزَ عن تقويم لسانه فهو كالأُمّي الذي لا يَصحّ أَن يكون َ إِماماً إِلاّ لأَمثالهِ مِن الأُمَّييَّن.

4- وَتشترط الطهارةُ مِن الحَدثِ والخَبَث لِصحّة الصلاة، فإذا سَبقَ الإِمامَ الحَدثُ وانتقضَ وُضوؤُهُ أَثناء الصلاة بَطلتْ صلاتُه، ووجَبَ عليه أَن يستخلفَ واحداً يُتمُّ الصلاةَ بالناس. وإِذا حصلَ له مرضٌ يَمنعهُ من إِتمام الصلاة جازَ له أَن يستخلفَ مَن يُتمّ بهم الصلاة، فإنْ ذهبَ ولم يستخلفْ وقدمَ المقتدونَ رجلاً منهم جاز.

5- ولا تصحُّ إِمامةُ المُحْدِثِ حَدَثاً أَكبرَ أَو أَصغرَ، ولا إِمامةُ من بِهِ نجاسةٌ إِذا كان يعلمُ ذلك، فإِن كان يجهلُهُ ويجهلُهُ المقتدي أَيضاً حتى تمّتِ الصلاة صحّتْ صَلاةُ المقتدي وحدَه.

6- ولابدّ مِن أَن يكونَ الإِمام عالماً بالسنّة، وهو محتاجٌ إِلى معرفتها للإِتْيَانِ بواجبات الصلاة وسُننِها، وتجنُّب مُفسداتِها ومكروهاتها، ومعرفةِ شروط صحتها وحالاتِ فسادها، وأَن يكونَ عارفاً بأَحكام الشريعة والفِقه، وأَن يكونَ صالحاً ورعاً تقيًّا مُجتنباً المحرّماتِ والفواحش الظاهرةِ والشُّبُهاتِ. وأَن يكونَ حَسَنَ الخُلُقِ وَالسَّرِيَرةِ.

7- ويُكرهُ للإِمام تطويلُ الصلاة؛ لأنَّ فيه تنفيراً للجماعةِ ولقوله ﷺ‬: «يا أَيُّها الناس، إِنّ منكم مُّنَفّرين. مَن صَلّى بالناسِ فَلْيُخَفَّف فإِنّ منهم الكبيرَ والضعيفَ وذا الحاجة» رواه الشيخان.

8- والتخفيفُ مطلوبٌ شريطةَ أَنْ لا يكون مُخِلاَّ بالطُّمأْنينةِ، ولا بإِتمام أَركانِ الصلاة، ولا بالخشوعِ.

9- والمقصودُ: هو كراهيةُ الزيادةِ عن السُنن المطلوبة في الصلاة.

10- وإِذا أَحَسَّ الإِمامُ أَثناءَ الركوع أَو التشهّدِ الأَخير بداخلٍ دخلَ المسجدَ يريدُ الاقتداءَ اسْتُحِبَّ له انتظارُهُ بشرطِ أَن لا يطولَ هذا الانتظارُ، أَما إِذا أُقيمت الصلاة فلا ينتظرُ أَحداً.

11- ويُستحبُّ للإِمامِ تنبيهُ المصلينَ إِلى وجوبِ مُتابعِتِه وأَن لا يَسبقه أَحدٌ منهم.


 العناية بالمساجد

1- المساجدُ بيوتُ الله تعالى، أُعدّتْ لعبادته. ومن الواجب على كلَّ مسلم أَن يُحافظَ عليها ويرعَى لها حُرمتها، وأَن يَصونها عن العبثِ والإِفساد، وعن كل ما ينافي هذه الحُرمِة..

2- وعلى خادمِ المسجد أَو شركة النظافة المكلّفة بذلك أَن يَبْذُلا جَهْدَهُمَا في كنْسِهِ وتنظيفِهِ وترتيبه في كل يوم، ولا يُقبل مِنْ أَيّهما أَن يُقصرَّ في تأديِة هذا الواجب.

3- وعلى خادم المسجد أَن يحافظَ على فُرُشِ المسجد وبُسُطِهِ وحصيرِهِ، وأَن يعتني بخزائِنه ومكتباتِهِ ومصاحفِهِ وسائِرِ الأَثاث فيه، وأَن يبذُلَ في ذلك كُلّه العنايةَ اللائقةَ الكافية.

4- وبيوتُ الله يجبُ أَنْ تُصانَ عن الأَذَى وتجُنَّبَ القذَى، وأَن تكونَ في كل وقتٍ نظيفةً خاليةً عن الأَوساخ وعن الترابِ والغبار، ويجب أَن يُعْتنى بالحماماتِ وأَماكنِ الوضوءِ، ولا يجوزُ أَن يتركَهَا وسخةً؛ لأَن النظافةَ من الإِيمان، وما دامتْ إِماطةٌ الأَذى عن الطريق صدقةً، فما بالكَ بإِماطتَها عن دُور العبادة؟

5- وعلى الناسِ أَيضاً أَن يستعملوا أَماكن الوضوء والحماماتِ المُلحقة بالمساجدِ الاستعمالَ اللائقَ، وأَن يتجنبوا تركَ شيءٍ من القَذَرِ والوسخِ فيها؛ لأَنها مخصَّصةٌ لهم، وعليهم واجبُ الحِفَاظِ عليها من الأَذى.

6- وإِذا تهاونَ الخادم بالعنايِة بالمسجِدِ وتنظيفِهِ كان مقصَّراً بواجبهِ ومُستحقًّا للمؤاخذة، وإِذا تكرر منه الإِهمالُ وَجبَ استبدالُ غيره به.

7- وقال بعضُ الفقهاءِ بكراهةِ النومِ في المسجد إِلاَّ للغريب والمعتكف شريطةَ أَن لا ينام أَمام المصلَّين.

8- وأَباحوا الأَكلَ في المسجد للمعتكفِ وغيره شريطة أَن لا يلوثه ولا يُلقي فيه شيئاً من الأَوساخِ، وقالوا بكراهِة أَكل الثوم والبصل فيه وكل مَا لَه رائحةٌ كريهة.

9- وقالوا بكراهةِ البيعِ والشراءِ والتجارةِ في المسجدِ، وبكراهةِ رفعِ الصوتِ فيه بالكلام بما لا يحَلّ. وبكراهةِ الذكر فيه بصوتٍ مرتفعٍ، لأَنه يُحدِثُ التشويشَ على المصلّين والقارئين.

10- وكرِهوا إِدخالَ الصَّبيان المساجدَ إِذا كانوا يَعبثون ويلعبون وإِذا دخل طُلاَّبُ العلمِ المساجد للدراسةِ وخاصةً في موسم الامتحان وجبَ عليهم مُراعاةُ الهدوءِ والسكينةِ وعَدمُ رفعِ الصوت، فإِن لم يَرْعَوْا حُرمةَ المسجد وجبَ إِخراجُهم منه.

11- وقالوا: إِن البصاقَ على أَرضِ المسجدِ أَو على جُدرانه حرامٌ، وكذلك نُشْدَانُ الضَّالَّةِ (المناداة عن ضائعٍ) لقوله ﷺ‬: «إِذا رأَيتم مَن يَنشدُ الضَّاَّلة في المسجدِ فقولوا له لا رَدَّهَا الله عليك». رواه النسائي والترمذي وحسنه.

12- وقالوا بكراهةِ سؤالِ الصدقة في المسجد، وبكراهةِ التصدُّقِ على السائل فيه، وخاصَّةً في هذا الزمان الذي كَثُرَ فيه السائلون، وأَصبح السؤالُ فيه حِرْفُةً يَتكسّبُ بها مَن لا خلاق له بشتَّى الأَساليب، وأَصبح كثيرٌ من هؤلاءِ يطلبون الصدقةَ وهم غيرُ مستحقَّين لها.

13- وكرهوا الكتابةَ على جُدْرانِ المسجد وسُقُوفِهِ وأَبوابه لئلاَّ يَشغلَ ذلك المصلَّين.

14- وكرِهُوا اتَّخاذَ المسجدِ طريقاً من غير ضرورةٍ للطاهر ويحرمُ على الجُنُبِ البقاءُ فيه بلا وضوءٍ.

 والحمد لله رب العالمين


 الواجبات النظامية المسلكية([54])

واجبات الإِمام:

1- المواظبة على إِمامة الجماعة في كل وقت دون انقطاع.

2- مراقبة المؤذن والخادم والرفع عنهما للوزارة عند غيابهما أَو تكاسلهما أَو تراخيهما في العمل وعدم تنفيذه بالشكل اللائق.

3- مراجعة الوزارة لطلب كل ما يحتاج إِليه المسجد.

واجبات المؤذن:

1- فتح أَبواب المسجد قبل حلول وقت الصلاة بزمن كاف لا يقل عن نصف ساعة وإِغلاقها بعد الصلاة بمثل ذلك.

2- تهيئة مكبرات الصوت قبل الأَذان بعشر دقائق على الأَقل.

3- إِنارة المسجد بشكل جيد وكاف دون زيادة ولا نقصان.

4- التوثق من دخول الوقت قبل المباشرة بالأَذان، وعدم التأَخّر فيه بعد دخول الوقت.

5- ينبغي لكل مؤذن أَن يكون عنده تقويم يراعيه كل وقت.

واجبات الخادم:

1- التقيد بأَوقات الدوام في المسجد في كل يوم في الصباح وفي المساء، والمواظبة عليه دون كسل ولا إِهمال.

2- القيام بأَعمال التنظيف بنشاط وأَمانة ومثابرة، والمسارعة إِلى معاودة تنظيف الفرش كلما توسخت، ويقع تحت طائلة العقوبة في حالة الإِهمال والتكاسل.

3- المثابرة على نقل الفرش إِلى السرحة وإِعادتها إِلى مكانها داخل المسجد في كل يوم حسب الحاجة.

4- مراقبة معدات مياه الشرب باستمرار، وإِمدادها بالماء كلما نقصت، والتنبيه بإِصلاحها عند تعطلها.

5- تنظيف دورة المياه باستمرار في كل يوم، ويقع تحت طائلة مسئولية التقصير في ذلك.


تعليمات عامة([55])

1- على جميع موظفي المساجد المحافظة على أَعمالهم محافظة تامَّة.

2- يجب التقيد بجميع التعليمات والأَوامر الصادرة من الوزارة وتنفيذها بكل دقَّة.

3- لا يجوز ترك المسجد ولو يوماً واحداً دون إِخبار الوزارة وأَخذ موافقتها، شريطة تأَمين وكيل يقوم بالعمل توافق عليه إِدارة الفرع الذي يتبعه وتصدر مذكرة رسمية.

4- لا تجوز الإِنابة إِلا بعد موافقة الوزارة.

5- في حالة مرض أحد موظفي المساجد يجب عليه إِبلاغ الوزارة كي تتم إِحالته إلى المستشفى وفقاً للتعليمات.

6- يجب التعاون مع مراقبي المساجد في كل ما يطلبونه من معلومات.

 «تمت والحمد لله ربَّ العالمين»


(أَحكام فقهيّة)([56])

الحمدُ لله الملكِ الحقَّ المبينِ. وأَشهدُ أَنْ لاَّ إِله إِلاَّالله مالكُ يومِ الدَّينِ. وأَشهدُ أَنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ سيَّدُ المرسلينَ وإِمامُ المتَّقينَ. اللهمَّ صلَّ وسلَّم على محمَّدٍ وعلى آلهِ وأَصحابه والتابعينَ لُهمْ إِلي يوم الدَّين.

أمَّا بعدُ:

أَيُها الناسُ اتَّقُوا الله وانتبِهوا ونبَّهوا إِخوانكم على ما يحتاجُونهُ منْ مسائِل الأَحكام. فمنْ ذكَّر أَخاهُ مسأَلةً واحدةً كُتبَ لهُ الأَجرُ عندَ الملكِ العلاَّم واعلموا أَنَّ الأَصل طهارةُ الأَشياءِ كلَّها. فمنْ أَصابه ماءٌ من ميزابً أَو رطوبةٍ. أَو وطيءَ روثاً أَو أَرضاً لا يدري عنها فجميعُ ذلك محكومٌ لهُ بالطهارة. ومنْ صلَّى وهو محدثٌ ناسياً حدثهُ أَعادَ الصَّلاةَ. ومنْ صلَّى وعلى ثوِبِهِ أَو بدَنِهِ نجاسةٌ جهلَهَا أَو نسِيَهَا ولمْ يدر عنْها حتَّى فرغَ فلا إِعادةَ عليه. ومن عدمَ الماءَ أَو تضرَّرَ باستعمالِه تيمَّم بالتراب. وعليه أَنْ يستوعبَ بِالمسحِ جميعِ وجهِهِ وكفَّه وينوي بتيمُّمِهُ جميعَ حدَثٍ عليه. ومنْ كانَ مريضاً وقد تلوثَ بَدَنُهُ وثيابُهُ بالنَّجاسةِ فإِن كان يقدر على خلعها وجب عليه ألا يصلي إلا على طهارة، ومن كانَ لا يقدرُ على ذلكَ فليُصَلّ على حسبِ حالِهِ وصلاتُهُ تامَّةٌ لا إِعادةَ عليه. ومنْ أَدركَ من صلاةِ الجمعة ركعةً أَتمَّهَا جمعةً، وإِن أَدركَ أَقلَّ من ركعةٍ نواها وصلاَّها ظهراً. ومنْ كانتْ عليه فوائتُ يقضيها فليبادر إِلى قضائِهَا مرتباً. وقد نهى ﷺ‬ عن النَّفْلِ في ثلاثةِ أَوقاتٍ: من الفجرِ حتَّى ترتفعَ الشَّمسُ قيدَ رمحٍ، ومن صلاة العصر إِلى غروب الشَّمْسِ، وعندَ زوال الشَّمْس حتَّى تزولَ إِلا ما استثناهُ الشَّارع(*). ومَنْ جاءَ منكُمْ والإِمامُ راكعُ فعلَيْهِ أَنْ يُكَبَّرَ تكبيرةَ الإِحرام وهو قائمٌ قبلَ أَنْ يهويَ إِلى الرُّكوع. فإِن كبَّرَ وهو يهوي ففريضَتُهُ غيرُ صحيحةٍ. ومن فاتَهُ شيءٌ مِنَ الصَّلاةِ فلا يحِلُ لهُ أَنْ يقومَ لقضاءِ ما فاتَهُ حتَّى يفرغَ الإِمامُ منْ التَّسليم. فإِنْ قامَ قبلَ أَن يسلَّمَ التسليمةَ الثَّانيَةَ ولمْ يعدْ انقلبَتْ صلاتُه نفلاً. ومن جاء منكمْ والإِمامُ يخطُبُ فلا يجلسْ حتَّى يصلي ركعتينْ وكذلكَ في غير الخطبةِ: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ{.[سورة الأَنفال: آية 20].

 فروع فقهية

 في أحكام المساجد من وقف وغيره

 «ما جاءَ في الإِقناع وشرحه من ذلك»([57])

1- يجب بناء المساجد في الأَمصار والقرى والمحال ونحوها بحسب الحاجة فهو فرض كفاية. وفي الحث على عمارة المساجد ومراعاة مصالحها آثار كثيرة.

2- يستحب تنظيف المساجد وتطييبها لأمره صلوات الله عليه بذلك.َ

3- يُسن أَن تُصان عن كل وسخ، وقذر، ومخاط، وتقليم أَظافر، وقص شارب، وحلق رأْس، ونتف إِبط، وعن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوها وإِن لم يكن فيه أَحد، فإِن دخله آكل ذلك، أَو من له صنان، أِو بخر قوي، استحب إِخراجه.

4- يُصان المسجد من بزاق ولو في هوائه، وهو فيه خطيئة، فإن كانت أَرضه ترابية فكفارتها دفنها وإِلا مسحها بثوبه أَو بغيره، ولا يكفي تغطيتها بحصير، وإِن لم يرها فاعلها لزم غيره إِزالتها، وإِن كان البزاق في حائطه لزم أَيضاً إِزالتها، ويُسن تطييب موضعها.

5- تَحرُمُ زخرفته بذهب أو فضة وتجب إِزالته (وأَول من ذهَّب الكعبة في الإِسلام وزخرفها وزخرف المساجد الوليد بن عبد الملك)

6- يُكره أن يزخرف وغير ذلك مما يلهي المصلي بنقش وصبغ وكتابة عن صلاته غالباً، وإِن كان من مال الوقف حرم فعله ووجب الضمان. ولا بأْس بتجصيصه أِو تبيض حيطانه.

7- يَحرم فيه البيع والشراء والإِجارة للمعتكف وغيره. ويُسن أَن يقال لمن باع أَو اشترى لا أَربح الله تجارتك.

8- لا يجوز التكسب فيه بالصنعة كخياطة وغيرها قليلاً كان أَو كثيراً لحاجة أَو غيرها، ولا يجوز أَن يتخذُ المسجد مكاناً للمعايش.

9- قعود الصناع والعمال فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها، وعلى ولي الأَمر منعهم من ذلك، وإِن وقفوا خارج أَبوابه فلا بأَس.

10- لا يكره اليسير من العمل لغير التكسب كرقع ثوب وخصف نعل، ويحرم للتكسب إِلا الكتابة فهي نوع تحصيل العلم وتكثير كتبه، ويخرج على ذلك تعليم الصبيان فيه بالأَجر بشرط أَن لا يحصل ضرر بحبر أو ما أَشبهه.

11- يُسن أَن يصان من صغير لا يميز، وعن مجنون حال جنونه، وعن لغط، وخصومة، وكثرة حديث لاغ، ورفع صوت بمكروه، وعن رفع الصبيان أَصواتهم باللعب وغيره، وعن التصفيق والضرب بالدفوف، واختلاط الرجال والنساء.

12- يمنع فيه إِيذاء المصلين وغيرهم بقول أَو فعل لحديث «ما أَنصف القارئ المصلَّي»([58])

13- يمنع السكران من دخوله.

14- لا بأَس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد فيه إِذا كان القصد طلب الحق، فإن كان مغالبة ومنافرة دخل في حيز الملاحاة والجدال فيما لا يعني ولم يجز في المسجد.

15- يُباح فيه عقد النكاح، والقضاء، والحكم، وإِنشاد الشعر المباح، وتعليم العلم وما يتعلق بذلك.

16- يُباح للمريض أَن يكون في المسجد وأَن يكون في خيمة وإِدخال البعير فيه.

17- يُكره جعله طريقاً إِلاَّ لحاجة، وكونه طريقاً قريباً حاجة فتزول الكراهة بذلك.

18- يحرم اللبث فيه للجنب([59])، وإِن يتوضأ جاز له اللبث فيه.

19- يُباح للمعتكف وغيره النوم فيه لكن لا ينام قدام المصلين.

20- يُسن صونه عن إِنشاد شعر قبيح، وعمل سماع، وإِنشاد ضالة، وعن إِقامة حد، وعن سلَّ سيف.

21- يُكره فيه الخوض والفضول، وحديث الدنيا، والارتفاق به، وإِخراج حصاه وترابه للتبرك به.

22- لا يستعمل الناس حصره، وقناديله، وسائر ما وقف لمصالحه في مصالحهم، كالأعراس والتعزية؛ لأنها لم توقف لذلك، والوقف يصرف للجهة التي عينها الواقف.

23- من له الأَكل فيه فلا يلوث حصره، ويلقي العظام ونحوها فيه؛ لأَنه تقذير له، فإن فعل فعليه تنظيف ذلك.

24- لا يجوز أَن يغرس فيه شيء ويقلع ما غرس فيه، ولا حفر بئر.

25- يحرم الجماع فيه، ويكره على سطحه، ويكره البول على حائطه والتمسح به، ويحرم البول فيه ولو في إِناء، ويحرم فصد وحجامة وقئ ونحوه، وإِن دعت إِليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد ففعله ثم عاد.

26- يُباح الوضوء فيه والغسل بلا ضرر إِلا أَن يحصل منه بصاق أَو مخاط.

27- يُباح غلق أَبوابه في غير أوقات الصلوات لئلا يدخله من يكره دخوله إليه كمجنون وسكران وطفل لا يميز.

28- يُباح قتل القمل والبراغيث فيه إِن أَخرجه وإِلا حرم إِلقاؤه فيه.

29- لا بأس بالاجتماع في المسجد إلا لمكروه أو معصية.

30- لا بأَس بالأَكل فيه للمعتكف وغيره، وبالاستلقاء فيه لمن له سراويل.

31- يُكره السؤال -أَي سؤال الصدقة- في المسجد والتصدق عليه فيه؛ لأَنه إِعانة على مكروه، ولا يكره التصدق على السائل ولا على من سأل له الخطيب.

32- يقدم داخله يمناه في دخوله عكس خروجه.

33- يُسن تجميره في الجُمع والأَعياد، وشعل قناديله بحسب الحاجة. وكره إِيقادها زيادة عن الحاجة، والزيادة عن المعتاد في ليلة النصف من شعبان وليلة الرغائب وهي ليلة أَول جمعة من رجب بدعة، وإضاعة مال لخلوه من نفع الدنيا ونفع الآخرة، ويؤدي إلى اللغط واللهو وشغل قلوب المصلين.

34- يمنع الناس من استطراق حلق الفقهاء والقراء فيه صيانة لحرمتها.

35- يُستحب للجالس فيه استقبال القبلة، ويكره مد الرجل إِليها([60]).

36- يُباح اتخاذ المحراب فيه وفي المنزل والربط والمدارس.

37- يحرم أَن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إِلا لحاجة كضيق الأَول ونحوه.

38- يُكره تطيينه بنجس وبناؤه بنجس من لبن وغيره.

39- لا بأْس بضرب الخباء واحتجار الحصير فيه لثبوته في الخبر.

40- يُكره لغير الإِمامة مداومة موضع منه لا يصلي إِلا فيه، فإن داوم على الصلاة بموضع فيه فليس هو أَولى من غيره فإذا قام منه فلغيره الجلوس فيه.

41- ليس لأَحد أَن يقومَ منه إِنساناً ولو ولده ويجلس مكانه أَو يجلس غيره مكانه إِلا الصبي فيؤخر عن المكان الفاضل.

42- من قام من موضعه لعذر ثم عاد إِليه فهو أَحق به لأَنه السابق إِليه، وإِن قام لغير عذر سقط حقه بقيامه لإعراضه عنه إِلا أَن يُخَلّف مُصَلّىً مفروشاً ونحوه في مكانه فليس لأَحد غيره رفعه.

43- ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أَو غيرها أَن ينوي الاعتكاف مدة لبثه بالمسجد إِن كان صائماً.

44- من جعل سفل بيته مسجداً صح وانتفع بعلوه أَو جعل علوه مسجداً صح وانتفع بالآخر فيما شاء وقيل بالثاني فقط.

45- حريم الجوامع والمساجد إِن كان الارتفاق بها مضراً بأَهل الجوامع والمساجد منعوا منه لأَن المصلين بها أَحق من غيرهم وإِن لم يكن في الارتفاق بها ضرر جاز الارتفاق بحريمها لأن الحق فيها لعامة المسلمين.

46- لا يجوز إِحداث المسجد في المقبرة، ولا يصح الوقف على بناء مسجد على القبر، ولا وقف البيت على الذي فيه القبر مسجداً، ولا على التنوير على قبر، ولا على تبخيره، ولا على من يقيم عنده أَو يخدمه أَو يزوره.

47- من سرح شعره فيه وجمعه فلم يتركه فلا بأَس بذلك، ويكره ترك الشعر، فإن المسجد يصان عن القذارة التي تقع في العين.


 (نصيحة في الحث على العناية بالصلاة)

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إِلى من تبلغه هذه النصيحة من إِخواننا المسلمين أَئمة المساجد والمأمومين وسواهم، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، آمين.

سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فغير خافٍ على الجميع شأْن الصلاة في الإِسلام، إِذ هي عموده، بها يستقيم دين المسلم، وتصلح أَعماله، ويعتدل سلوكه في شئون دينه ودنياه متى أُقيمت على الوجه المشروع عقيدة وعبادة، وتأْسياً برسول الله ﷺ‬ لما لها من خاصية، قال الله عنها في محكم التنزيل: }إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وقال: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ{، وكما أَن هذا شأْنها، فهي أَيضاً مطهرة لأَدران الذنوب ماحية للخطايا. فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «أَرأَيتم لو أَن نهراً بباب أَحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شئ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوالله بهنَّ الخطايا» متفق عليه.

فحريٌّ بالمسلم تجاه فريضة هذا شأْنها أَن لا يفرط فيها، كيف وهي الصلة بينه وبين ربّه تعالى، كما أَنها جديرة بالتفقه في أَحكامها، وغير ذلك مما شرع الله فيها، حتي يؤديها المؤمن بغاية الخشوع والإِحسان والطمأْنينة ظاهراً وباطناً فعن عثمان بن عفان t قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها إِلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهرَ كله» رواه مسلم.

فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله في أُموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة، أَن تقيموها محافظين عليها وحافظين لها عمَّا يبطلها أَو ينقص كمالها، من تأْخير لها عن أَوقاتها الفاضلة من غير عذر شرعي، أَوالتثاقل عن أَدائها جماعة في المساجد، أَو الإِتيان فيها بما يذهب الخشوع ويلهي القلوب عن استحضار عظمة من تقفون بين يديه تعالى، وتدبّر لكلامه وذكره ومناجاته جلَّ شأْنه، من نحو تشاغل في أُمور خارجة عنها، أَو حركات غير مشروعة فيها، كالذي يحدث من البعض عبثاً، من تعديل لباسه من غترة وعقال ونظر إِلى الساعة أَو تسريح شعر لحية ونحوها بعد الإِحرام بها. كل هذا مما ينافي الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وسبب قبولها. وتحذيراً من مثل هذا جاء الحديث «إِن الرجل ليقوم في الصلاة ولا يكتب له منها إِلا نصفها إِلى أَن قال إلا عشرها» رواه أَبو داود بإِسناد جيد.

فعلى الجميع عامة، وعلى الأَئمة خاصة، أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في أحكام الصلاة وأن يكونوا قدوة حسنة في إِقامة هذه الشعيرة العظيمة؛ لأَنه يقتدي بهم المأْمومون، ويتعلم منهم الجاهل والصغير، وربما ظنَّ البعضُ من العامة أَن ما يفعله الإِمام ولو كان خلاف السنة أَنه سنة، ولا سّيما بعض المسلمين الوافدين من بعض البلدان الخارجية، ممن لا يعرف أَحكام الصلاة على الوجه المشروع، كما أَن مما تساهل فيه بعض الأَئمة وبعض المأمومين العناية بتسوية الصفوف، واستقامتها، والتراص فيها، وهو أَمر يخشى منه للوعيد الوارد، فعن ابن مسعود t قال: «كان رسولُ الله ﷺ‬ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» رواه مسلم وفي المتفق عليه: «لتسوونَّ صفوفكم أَو ليخالفن الله بين وجوهكم». وعن أَنس t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه. فكانت سنة رسول الله ﷺ‬ الحث على تسوية الصفوف، والحث على المحافظة على أَداء الصلوات في المساجد جماعة، كما درج عليها الصحابة والتابعون لهم بإِحسان سلفاً وخلفاً. وفي ذلك الأَجر العظيم من الله، فعن أَبي هريرة t أَنْ النبي ﷺ‬ قال: «من غدا إلى المسجد أَو راح أَعد الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أَو راح» متفق عليه.

وعنه رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «من تطهر في بيته ثم مضى إِلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إِحداها تحطُّ خطيئة والأُخرى ترفع درجة» رواه مسلم.

وإِذا علم هذا، فمما يجب الحذر منه ظاهرة التثاقل من البعض عن صلاة العشاء وصلاة الفجر في المساجد جماعة، وهي عادة خطيرة لأَنها من صفات المنافقين، لما صحَّ عن رسول الله ﷺ‬ أَنه قال: «أَثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأَتوهما ولو حبواً»، فلا عذر ولا رخصة دونما عذر شرعي لمن سمع النداء فلم يجب، لقول النَّبَّي ﷺ‬: «من سمع النداء فلم يأْت فلا صلاة له إِلا من عذر». واستأْذنه رجل أَعمى ليس له قائد يلازمه هل له رخصة أن يصلي في بيته قال ﷺ‬: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأَجب». وفي رواية أُخرى «قال: لا أَجد لك رخصة». وعن ابن مسعود t قال: «من سرَّه أَن يلقى الله غداً مسلماً؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإِنهنَّ من سنن الهدى، ولو أَنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنّة نبيكم، ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم. ولقد رأَيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» رواه مسلم.

فهذه الأَحاديث وما جاء في معناها دليل على وجوب حضور الجماعة حيث ينادى بالصلاة، وفي امتثالها طاعة الله ورسوله وسعادة الدارين والبعد عن مشابهة أَهل النفاق وصفاتهم. فأسأَل الله تعالى أَن يوفقنا وإِياكم لما يرضيه، وأن يرزقنا الاستقامة على دينه، والمحافظة على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهنَّ، وأَداؤهنَّ، والخشوع الكامل رغبة فيما عند الله، وحذراً من عذابه، إِنه ولي هذا والقادر عليه. وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس العام

لإِدارات البحوث العلمية

والإِفتاء والدعوة والإِرشاد


 مسائل مهمة تتعلق بالصلاة([61])

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أَنفسنا وسيئات أَعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأَشهد أَن لا إِله إِلا الله، وحده لا شريك له، المتصرف في ملكه بما شاء وأَراد. وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله، الذي اصطفاه على بريَّته، وأَوجب على كل مسلم تقديم محبته وطاعته على الآباء والأُمهات والنفس والناس أَجمعين.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وجزاه الله عن الإِسلام والمسلمين أَفضل الجزاء.

أَما بعد:

فهذه مسائل مهمة تتعلق بالصلاة مما يجب الإِرشاد والتنبيه عليها، تقع من بعض الناس بسبب الجهل والتهاون بشأَن الصلاة، وهي الركن الأَعظم بعد التوحيد.

(المسأَلة الأُولى):

مسابقة الإِمام بالركوع والسجود والخفض والرفع وتكبيرة الإِحرام، فإِن ذلك كله محرم بنص الرسول ﷺ‬ كما قال: «أَمَا يخشى الذي يرفع رأْسه قبل الإِمام أَن يحولَ الله رأْسه رأْس حمار أَو يجعل صورته صورة حمار» متفق عليه. وقد قال كثير من العلماء: إِن المسابقة تبطل الصلاة، وهذا من جهل فاعله، إِذ ليس له خروج من الصلاة قبل إِمامه.

(المسأَلة الثانية):

عدم الخشوع في الصلاة، وكثرة الحركة فيها، والعبث في اليدين في بدنه وملابسه، وفرقعة أَصابعه، والنظر إِلى الساعة وهو يصلي والنفخ من أَثر السواك أَو غيره. إِذا بان حرفان، وكثرة النحنحة بدون حاجة، وتقديم إحدى رجليه عن الصف فلا يجوز ذلك. وقد قال بعض العلماء: إِذا أَكثر من الحركة وتوالت بدون ضرورة بطلت الصلاة.

وكذلك يوجد من بعض الناس أَنه يتمايل في الصلاة من جانب إِلى جانب من دون حاجة، وجميع هذه الأَعمال ضد الخشوع في الصلاة، وقد رأَى النَّبيُّ ﷺ‬ رجلاً يعبث في بدنه فقال: «لو خشع قلبُ هذا لسكنت جوارحه»([62]) أَو كما قال ﷺ‬. فإن الخشوع هو لب الصلاة. وصلاة بلا خشوع كالجسد فاقد الروح، وقد مدح جلَّ ثناؤه الذين هم في صلاتهم خاشعون بأَعلى المقامات، وهو الفلاح، وهو أَجمع كلمة قالتها العرب فإن الفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، والصلاة بخشوع وحضور قلب تأْمر صاحبها بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وهي التي تقرّ بها عيون المتقين، كما قال سيدهم وإِمامهم ﷺ‬: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»([63]). وقال ﷺ‬: «يا بلال، أَرحنا بالصلاة»([64]). فالمتقون يسترحون بها. ومن سواهم يسترحون منها. فسبحان من فاوت بين خلقه، ورفع بعضهم فوق بعض درجات. فإن الرجلين يقومان في الصف، وأَن ما بينهما في صلاتهما كما بين السماء والإِرض كما ورد ذلك، وأن الرجل لينصرف من صلاته ما كتب له إِلا نصفها إِلا ربعها إِلا خمسها حتى بلغ عشرها([65]). فالموفق الذي يتدبر ما يقوله ويفعله في صلاته، ويجعل ربّه وإِلهه نصب عينيه كأَنه يراه، فإِن لم يكن يراه فإنه يراه. ويمثل الإِنسان نفسه في صلاته ذليلاً بين يدي عزيزٍ رحيمٍ، راجياً فضله، وأَرجى الوسائل المقربة للعبد إِلى ربه هو باب الذل والافتقار والانطراح بين يدي سيده.

ومن أَكبر الأَسباب على الخشوع هو أَن يتدبر المصلي قراءته وقراءة إِمامه، وأَن يتدبر الأَذكار من تسبيح وتكبير، وأَن يستحضر عظمة الله وكبرياءه، وأَنه واقف بين يدي أَحكم الحاكمين ومالك الدنيا والآخرة، الذي نواصي العباد بيديه وقلوبهم بين أَصبعين من أَصابعه يقلبها كيف يشاء، الذي: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{، ولا يعرف الخلق قدره، ولا يحيطون بشيء من علمه إِلا بما شاء. والموفق من وفقه الله، ومن أَراد هذا البحث فليراجع كتاب «الصلاة» للإِمام شمس الدين ابن القيّم، فقد شفى فيه وكفى قدس الله روحه ونور ضريحه. وكذلك رسالة إِمام أَهل السنة أَحمد بن حنبل قدس الله روحه ونور ضريحه وقد أَجاد فيها وأَفاد.

(المسأَلة الثالثة):

أَن بعض الناس إِذا سجد يرفع إِحدى رجليه أَو لا يمكنهن في الأرض وهذا يخل بالصلاة قال ﷺ‬: «أُمرت أَن أَسجد على سبعة أَعضاء اليدين، والركبتين، وأَطراف القدمين، والجبهة مع الأَنف، وأَن لا أَكف شعراً ولا ثوباً» متفق عليه. وكذلك إذا رفع أَنفه عن الأَرض فإِنه يخل في صلاته.

(المسأَلة الرابعة):

التخصر في الصلاة، وهو أَن يجعل يديه على خاصرته فإنه ورد النهي عن ذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.

(المسأَلة الخامسة):

تسوية الصفوف، فإنه ثبت عنه ﷺ‬ أَنه كان يسوي الصفوف بنفسه الكريمة([66]). وورد التشديد بعدم الاهتمام بذلك، وقال ﷺ‬: «عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم»([67]). ويلزم محاذاة المناكب وإِلصاق قدمه بقدم أَخيه الذي بجانبه. وتكون الأَقدام مستقبلة القبلة، وإِذا لم تحصل التسوية كما أمر ﷺ‬ وقعت النفرة بين المسلمين واختلاف القلوب كما أخبر به الصادق المصدوق، وهذه حكمة وسر ومعجزة نبوية كما هو واقع، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

(المسأَلة السادسة):

إِن بعض الناس إِذا هوى للسجود برك كما يبرك البعير يضع يديه على الأَرض قبل ركبتيه، وهذا ورد النهي عنه([68]) كذلك إِذا أَراد النهوض من السجود أَو القيام اعتمد على الأَرض بيديه وهو قوي قادر، وهذا خلاف السنّة. والسنّة أَن يعتمد على ركبتيه إِلا إِذا كان عاجزاً لمرض أَو كبر فلا بأس.

(المسأَلة السابعة):

إِذا دخل المسبوق ووجد الإِمام في التشهد الأَخير وجزم أَنه يحصل جماعة فإِنه لا يدخل في الصلاة مع الإِمام، بل عليه أن يحصل على تحصيل جماعة أُخرى؛ لأَن الجماعة لا تدرك إِلا بركعة تامة. كذلك في الجمعة إِذا أَدرك ركعة مع الإِمام يتمها جمعة. وإِن لم يدرك ركعة تامة صلاها أَربعاً ظهراً.

(المسألة الثامنة):

إِن بعض الناس يقرأ مع إِمامه في الجهرية، وهذا لا يجوز فإِنه يجب عليه الإِنصات والاستماع لقراءة إِمامه. إِلا أَن العلماء استثنوا قراءة الفاتحة على خلاف في ذلك.

(المسأَلة التاسعة):

إِن بعض الناس يجهر بالقراءة والتسبيح ويشوش على من بجواره وهذا لا يجوز.

(المسأَلة العاشرة):

وتحتوي على عدة مسائل:

يزيد بعض الناس في الاستفتاح: ولا معبود سواك. وهذه الجملة لم ترد عن النبي ﷺ‬. كذلك بعضهم إِذا أَراد أَن يكبر تكبيرة الإِحرام يكبر بدون رفع يديه، وهذا خلاف السنة، فإِنه ورد عنه ﷺ‬ أنه كان يرفع يديه حتى يحاذي بهما أُذنيه أَو منكبيه، وكذلك يسنّ رفع اليدين عند التكبير للركوع، وإِذا رفع منه، وعند قيامه من التشهد الأَول يرفعهما مع التكبير. وكذلك قول بعض العامة في دعائه في الصلاة اللهم خل عني. وهذه اللفظة خلاف المأَثور، بل يقول ما ورد ربّ اغفر لى وارحمني واهدني وارزقني في الدعاء بين السجدتين. كذلك بعض الناس إِذا ركع لم يسو رأْسه مع ظهره، بل يرفع رأْسه، وهذا يخل في الركوع، فإِنه لا يكون ركوعاً تاماً حتى يستوي رأْسه مع ظهره كما ورد في ركوعه ﷺ‬. كذلك بعض الناس إِذا استعاذ يقول أَعوذ بالسميع العليم. ويسقط اسم الجلالة وهو الله وهذا خلاف ما ورد في الكتاب والسنّة. فإِن الله قال: }فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{([69])، واسم الله هو البركة، بل قال بعض العلماء إِنه الاسم الأَعظم كذلك بعض الناس إِذا دخل المسجد جلس بدون أَن يصلي تحية المسجد ركعتين سواء كان في وقت نهي أَو غيره.

والصحيح أَن تحية المسجد تفعل كل وقت، وهذا هو الراجح لقول النبي ﷺ‬: «إِذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه ولم يخصص ذلك في وقت معين.

كذلك يوجد بعض الناس يرفع بصره إِلى السماء في الصلاة. وقد ورد النهي عنه مع الوعيد الشديد كما قال ﷺ‬: «لينتهين أَقوام عن رفع أَبصارهم إِلى السماء أَو لتخطفن أَبصارهم» رواه البخاري وغيره

كذلك بعض الناس يتخلف عن متابعة الإِمام في الركوع أَو السجود، أَو يجلس إِذا قام الإِمام من السجود بدون حاجة، وهذا مكروه كراهة شديدة.

وبالجملة فالصلاة مشتملة على أَقوال وأَفعال عبودية شرعية توقيفية، والمسلم مأَمور بأَدائها كما وردت عن النبي ﷺ‬، فلا يجوز له الإِخلال بها، أَو الزيادة عن المشروع. بل يلزمه أَن يؤديها كما وردت. كما بينه وفصَّله العلماء في أَحكام الصلاة في مواضعه. والصلاة هي أُم العبادات كما أَن الخمر أُم المحرمات. فمنزلة الإِنسان في الإِسلام على قدر منزلة الصلاة في قلبه. كما ورد في بعض الآثار «من حافظ على الصلاة فهو لما سواها من دينه أَحفظ ومن ضيعها كان لما سواها من دينه أَضيع» وليس بعد إِضاعة الصلاة دين كما ورد في الكتاب والسنّة واتفق عليه جملة الصحابة والسّلف الصالح. قال عبدالله بن شقيق التابعي t «أَدركت أَربعين رجلاً من أَصحاب النبي ﷺ‬، كلهم لا يعدون شيئاً من الشرائع تركه كفر إِلا الصلاة»([70]).

فعلى هذا إِذا حكم بكفره فإِن نكاحه يكون سفاحاً، وتطلق زوجته في الحال لكونه والعياذ بالله ارتد عن دينه، وإِذا مات فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين، بل ينبذ كنبذ الجيفة، ولا يرث ولا يورث، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك. فمن عرف بترك الصلاة أَو التهاون بها فإِنه لا يجوز ولا يحل لولي المرأَة أَن يزوجه موليته، بل إن العقد باطل إِذا عقد له ويجب منع الولي من ذلك سواء من القريب أَو البعيد من عشيرته أَو الحاكم. فيا أَيها المسلمون اتقوا الله في صلاتكم خصوصاً، وفي شرائع الإِسلام عموماً، وقوموا على من تحت أَيديكم بإِلزامهم بطاعة الله، والمحافظة على أَوامره، واجتناب نواهيه.


 الإِمام أَحمد يوصي

 الأَئمة والمأَمومين بالعناية بصلاتهم

وعدم مسابقة الإِمام فيها(*)

قال رحمه الله تعالى:

أَي قوم، إِني صليت معكم. فرأَيت من أَهل مسجدكم من سبق الإِمام في الركوع والسجود، والرفع والخفض. وليس لمن يسابق الإِمام صلاة. بذلك جاءت الأَحاديث عن النبي ﷺ‬ وعن أصحابه رضوان الله عليهم جاء الحديث عن النبي ﷺ‬ أَنه قال: «أًَما يخاف الذي يرفع رأَْسه قبل الإِمام أَن يُحَوَّل الله رأْسه رأْس حمار»([71])، وفي رواية «صورة كلب»([72])وذلك لإِساءته صلاته. لأَنه لا صلاة له. ولو كانت له صلاة لرُجي له الثواب، ولم يُخف عليه العقاب: أَن يحول الله رأْسه رأْس حمار. وجاء عنه ﷺ‬ أَنه قال: «الإِمام يركع قبلكم، ويسجد قبلكم، ويرفع قبلكم»([73]). وجاء عن البراء بن عازب قال: «كنا خلف النبي ﷺ‬ فكان إِذا انحط من قيامه للسجود: لا يحني أَحد منا ظهره حتى يضع رسول الله ﷺ‬ جبهته على الأَرض. وكان أَصحاب رسول الله ﷺ‬ يلبثون خلفه قياماً حتى ينحط النَّبيُّ ﷺ‬ ويكبر، ويضع جبهته على الأَرض، وهم قيام، ثم يتبعونه»([74]).

وجاء الحديث عن أصحاب النَّبيَّ ﷺ‬ أَنهم قالوا: «لقد كان رسول الله ﷺ‬ يستوي قائماً. وإِنا لسجود بعد». وجاء الحديث عن ابن مسعود «أَنه نظر إِلى من سبق الإِمام. فقال: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت» والذي لم يصل وحده ولم يقتد بإِمامه: فذلك لا صلاة له. وجاء الحديث عن ابن عمر: «أَنه نظر إِلى من سبق الإِمام. فقال له: لا صليت وحدك، ولاصليت مع الإِمام. ثم ضربه، وأمره أن يعيد الصلاة»([75]) ولو كان له صلاة عند عبدالله بن عمر ما أَوجب عليه الإِعادة.

وجاء عن حطَّان بن عبدالله الرَّقاشي أَنه قال: «صلى بنا أَبو موسى الأَشعري صلاة. فلما كان عند القَعْدة، قال رجل من القوم: أُقِرَّت الصلاةُ بالبرَّ والزكاة، فلما قضى أَبو موسى الصلاة وسلم، انصرف. فقال أَيكم القائل هذه الكلمات؟ فَأَرَمَّ القوم([76]). ثم سأَلهم فأَرموا. فقال: لعلك يا حِطَّان قلتها؟ قال: قلت: والله ما قلتها. ولقد خفت أَن تَبْكَعَنِي بها([77]). فقال رجل من القوم: أَنا قلتها، ولم أُرِدْ بها إِلا خيرًا. فقال أَبو موسى الأَشعري: أَما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إِن رسول الله ﷺ‬ خطبنا، فبيَّن لنا سنَّتنا وما نقول فيها. قال رسول الله ﷺ‬: إِذا صليتم فأَقيموا صفوفكم. ثم لِيَؤُمَّكم أَحدُكم. فإِذا كبر الإِمام فكبروا. وإِذا قرأَ فأَنصتوا. وإِذا قال: }غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ{ فقولوا: آمين يجبكم الله. وإِذا كبر وركع فكبروا واركعوا. فإِن الإِمام يركع قبلكم. ويرفع قبلكم. فقال رسول الله ﷺ‬: فتلك بتلك. وإِذا رفع رأْسه فقال: سمع الله لمن حمده، فارفعوا رؤوسكم وقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم. وإِذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا. وإِذا رفع رأْسه وكبر، فارفعوا رؤوسكم وكبروا -قال رسول الله ﷺ‬: فتلك بتلك- وإِِذا كان في القعدة فليكن من أَول قول أَحدكم: التحيات لله والصلوات والطيبات حتى تفرغوا من التشهد».

قول النبي ﷺ‬ «إِذا كبر فكبروا» معناه: أَن تنتظروا الإِمام حتى يكبر، ويفرغ من تكبيره، وينقطع صوته. ثم تكبرون بعده. والناس يغلطون في هذه الأَحاديث ويجهلونها مع ما عليه عامتهم من الاستخفاف بالصلاة، والاستهانة بها. فساعة يأْخذ الإِمام في التكبير يأْخذون معه في التكبير. وهذا خطأ لا ينبغي لهم أَن يأْخذوا في التكبير حتى يكبر الإِمام، ويفرغ من تكبيره، وينقطع صوته. وهكذا قال النبي ﷺ‬ «إِذا كبر الإِمام فكبروا» والإِمام لا يكون مكبراً حتى يقول «الله أَكبر» لأَن الإِمام لو قال «الله» ثم سكت: لم يكن مكبراً، حتى يقول «الله أَكبر» فيكبر الناس بعد قوله «الله أَكبر» وأَخذهم في التكبير مع الإِمام: خطأ، وترك لقول النبي ﷺ‬. لأَنك لو قلت: إِذا صلى فلان فكلمه، معناه أَن تنتظره حتى إِذا صلى وفرغ من صلاته: كَلَّمْه. وليس معناه: أَن تكلمه وهو يصلي. فكذلك معنى قول النَّبَّي ﷺ‬ «إِذا كبر الإِمام فكبروا» وربما طول الإِمام في التكبير، إِذا لم يكن له فقه. والذي يكبر معه: ربما جَزَم التكبير([78])، ففرغ من التكبير قبل أن يفرغ الإِمام. فقد صار هذا مكبراً قبل الإِمام. ومن كبر قبل الإِمام: فليست له صلاة. لأَنه دخل في الصلاة قبل الإِمام، وكبر قبل الإِمام. فلا صلاة له.

وقول النبي ﷺ‬ «فإِذا رفع رأْسه، وقال سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم، وقولوا: اللهم ربنا لك الحمد» معناه: أَن ينتظروا الإِمام ويثبتوا رُكعاً، حتى يرفع الإِمام رأْسه، ويقول «سمع الله لمن حمده» وينقطع صوته، وهم ركع، ثم يتبعونه، فيرفعون رؤوسهم ويقولون «اللهم ربنا لك الحمد». وقوله: «إِذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا» معناه أَن يكونوا قياماً حتى يكبر وينحط للسجود ويضع جبهته على الأرض، وهم قيام. ثم يتبعونه. وكذلك جاء عن البراء بن عازب. وهذا كله موافق لقول النَّبيَّ ﷺ‬ «الإِمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم».

وقول النَّبيَّ ﷺ‬ «وإِذا رفع رأْسه وكبر، فارفعوا رؤوسكم وكبروا» معناه: أَن يثبتوا سجوداً حتى يرفع الإِمام رأْسه، فيكبر وينقطع صوته، وهم سجود: اتبعوه، فرفعوا رؤوسهم.

وقول النَّببيَّ ﷺ‬ «فتلك بتلك» يعني انتظارَكم إِياه قياماً، حتى يكبر ويرفع وأَنتم قيام، ثم تتبعونه. وانتظاركم إِياه ركوعاً حتى يرفع رأْسه، ويقول «سمع الله لمن حمده» وانقطع صوته، وأَنتم ركوع: اتبعتموه، فرفعتم رؤوسكم، وقلتم «اللهم ربنا لك الحمد» وقوله «فتلك بتلك» في كل رفع وخفض. وهذا تمام الصلاة. فاعقلوه وأَبصروه، وأَحكموه. واعلموا أَن أَكثر الناس اليوم ما يكون لهم صلاة لسبقهم الإِمام بالركوع والسجود، والرفع والخفض. وقد جاء الحديث قال: «يأْتي الناس زمان يصلون ولا يصلون» وقد تخوفت أَن يكون هذا الزمان. لو صليت في مائة مسجد ما رأَيت أَهل مسجد واحد يقيمون الصلاة على ما جاء عن النَّبيَّ ﷺ‬، وعن أَصحابه رحمة الله عليهم. فاتقوا الله، وانظروا في صلاتكم وصلاة من يصلي معكم.

وجاء الحديث «أَنها آخر وصية كلَّ نبيًّ لأُمَّته، وآخر عهده إِليهم عند خروجه من الدنيا» وجاء في حديث آخر عن النَّبيَّ ﷺ‬ «أَنه كان يجود بنفسه ويقول: الصلاة، الصلاة، الصلاة»([79]).

فالصلاة: أَول فريضة فرضت عليهم، وهي آخر ما أَوصى به أُمَّته. وآخر ما يذهب من الإِسلام. وهي أَول ما يُسأَل عنه العبدُ من عمله يوم القيامة. وهي عمود الإِسلام. وليس بعد ذهابها دين. ولا إِسلام. فالله الله في أُموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة. فتمسكوا بها، واحذروا تضييعها، والاستخفاف بها، ومسابقة الإِمام فيها، وخداع الشيطان أَحدكم عنها، وإِخراجه إِياكم منها. فإِنها آخر دينكم. ومن ذهب آخر دينه: فقد ذهب دينه كله. فتمسكوا بآخر دينكم.

وأْمُرْ يا عبدالله الإِمامَ: أَن يهتم بصلاته، ويُعْنَى بها ويتمكن، ليتمكنوا، إِذا ركع وسجد. فإِني صليت يومئذ. فما استمكنت من ثلاث تسبيحات في الركوع ولا ثلاث في السجود. وذلك لعجلته، لم يمكن ولم يستمكن. وعجل. فأَعْلمْه أَن الإِمام إِذا أَحسن الصلاة كان له أَجر صلاته، ومثل أَجر من يصلي خلفه. وإِذا أَساء كان عليه وزر إِساءته، ووزر من يصلي خلفه. وجاء الحديث عن الحسن البصري أَنه قال: «التسبيح التام: سبع، والوسط من ذلك: خمس. وأَدناه ثلاث تسبيحات»، وأَدني ما يسبح الإِمام في الركوع «سبحان ربيّ العظيم» ثلاث مرات، وفي السجود «سبحان ربيّ الأَعلى» ثلاث مرات، وإِذا سبح في الركوع والسجود ثلاثاً ثلاثاً. فينبغي له أَن لا يعجل بالتسبيح، ولا يسرع فيه، ولا يبادر، وليكن بتمام من كلامه ولسانه وتَمَكُّنِ. فإِنه إِذا عجل بالتسبيح وبادر به لم يدرك من خلفه التسبيح. وصاروا مبادرين إِذا بادر، وسابقوه، ففسدت صلاتهم. فكان عليه مثل وزرهم جميعاً. وإِذا لم يبادر الإِمام وتمكن، وأَتم صلاته وتسبيحه: أَدرك من خلفه، ولم يبادروا. فيكون الإِمام قد قضى ما عليه وليس عليه إِثم ولا وزر.

 وأْمُره إِذا رفع رأْسه من الركوع، فقال «سمع الله لمن حمده» أَن يثبت قائماً معتدلاً حتى يقول: «ربنا ولك الحمد» وهو قائم معتدل، من غير عجلة في كلامه ولا مبادرة. وإِن زاد على ذلك فقال: «ربنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأَرض» كان أَحب إِليّ. لأَنه جاء عن النَّبيَّ ﷺ‬: «أَنه رفع رأْسه فقال: «ربنا ولك الحمد، ملء السموات، وملء الأَرض، وملء ما شئت من شيء بعد، لا مانع لما أَعطيت، ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد»([80]). وهذا لا يكاد يطمع فيه اليوم من الناس. وجاء عن أَنس قال: «كان رسول الله ﷺ‬ إِذا رفع رأْسه من الركوع: يقوم، حتى يقال: قد نسي»([81]) وما في هذا مطمع من الناس اليوم.

ولكن ينبغي للإِمام أَن لا يبادر إِذا رفع رأْسه من الركوع، ولا يعجل بقوله «ربنا ولك الحمد»، وليكن ذلك بتمام من كلامه، وتمكن وتأَنًّ من غير عجلة ولا مبادرة، حتى يدرك الناسُ معه. وإِذا سجد ورفع رأْسه من السجود فليعتدل جالساً، وليثبت بين السجدتين شيئاً، بقدر ما يقول: «رب اغفر لي» من غير عجلة، حتى يدركه الناس قبل أن يسجد الثانية، ولا يبادر، فساعة يرفع رأْسه من السجدة الأُولى: يعود ساجداً، فيبادر الناس لمبادرته، ويقعون في المسابقة. فتذهب صلاتهم. ويلزم الإِمام وزر ذلك وإِثمه. فإِن الناس إِذا علموا أَنه يثبت ثبتوا، ولم يبادروا.

وقد جاء الحديث «أَن كلَّ مصلًّ راع، ومسؤول عن رعيته»([82]). وقد قيل: إِن الإِمام راع لمن يصلي بهم. فما أَولى الإِمام بالنصيحة لمن يصلي خلفه، وأَن ينهاهم عن المسابقة في الركوع والسجود، وأَن لا يركعوا ويسجدوا مع الإِمام، بل يأَمرهم بأَن يكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم وخفضهم بعده، وأَن يحسن أَدبهم وتعليمهم. إِذ كان راعياً عليهم. وكان غداً مسئولاً عنهم. وما أَولى بالإِمام أَن يحسن صلاته، ويتمها ويحكمها. وتشتد عنايته بها، إِذ كان له مثل أَجر من يصلي خلفه إِذا أَحسن. وعليه مثل وزرهم إِذا أَساء.

ومن الحق الواجب على المسلمين: أَن يقدموا خيارهم، وأَهل الدين والفضل منهم، وأَهل العلم بالله تعالى، الذين يخافون الله عزَّ وجلَّ ويراقبونه. وقد جاء الحديث: «إِذا أَمَّ بالقوم رجل، وخلفه من هو أَفضل منه: لم يزالوا في سفال»([83]) وجاء الحديث: «اجعلوا أَمر دينكم إِلى فقهائكم، وأَئمتكم قراؤكم»([84]) وإِنما معناه الفقهاء والقراء، أَهل الدين والفضل والعلم بالله، والخوف من الله عزَّ وجلَّ، الذين يُعْنون بصلاتهم وصلاة من خلفهم. ويتّقون ما يلزمهم من وزر أَنفسهم ووزر من خلفهم، إِن أَساءوا في صلاتهم. ومعنى القراء: ليس على الحفظ للقرآن. فقد يحفظ القرآن من لا يعمل به. ولا يعبأ بدينه، ولا بإِقامة حدود القرآن، وما فرض الله عزَّ وجلَّ عليه فيه. وقد جاء الحديث «إِن أَحق الناس بهذا القرآن: من كان يعمل به، وإِن كان لا يقرأ»([85]) [فالإِمام بالناس، المقدم بين أَيديهم في الصلاة بهم]([86]) أَعلمهم بالله وأَخوفهم له: ذلك واجب عليهم، ولازم لهم. فتزكو صلاتهم. وإِن تركوا ذلك لم يزالوا في سفال وإِدبار، وانتقاص من دينهم، وبُعد من الله ومن رضوانه ومن جنَّته.

فرحم الله قوماً عُنوا بصلاتهم، وعنوا بدينهم، فقدموا خيارهم، واتبعوا في ذلك سنّة نبيهم ﷺ‬، وطلبوا بذلك القربة إِلى ربّهم عزَّ وجلَّ.

وأْمُرْ يا عبد الله الإِمام أَن لا يكبر – أَول ما يقوم مقامه للصلاة – حتى يلتفت يميناً وشمالاً. فإِن رأَى الصف معوجاً، والمناكب مختلفة: أَمرهم أَن يسووا صفوفهم، وأَن يحاذوا مناكبهم. فإن رأَى بين كل رجلين فُرجة: أَمرهم أَن يدنو بعضهم من بعض، حتى تتماس مناكبهم.

واعلم أَن اعوجاج الصفوف، اختلاف المناكب: ينقص من الصلاة. وأَن الفرجة التي تكون بين كل رجلين تنقص من الصلاة. فاحذروا ذلك. وقد جاء النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «رصوا الصفوف، وحاذوا المناكب، وسُدُّوا الخَلَل، لا يقوم بينكم مثل الحذف يعني أَولاد الغنم الصغار -من الشياطين([87])». وقد جاء الحديث عن النبَّيَّ ﷺ‬: «أَنه كان إِذا قام مقامه للصلاة لم يكبر حتى يلتفت يميناً وشمالاً فيأْمرهم بتسوية مناكبهم ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»([88]). وقد جاء عنه ﷺ‬ «أَنه التفت يوماً. فرأَى رجلاً قد خرج صدره من الصف فقال: لَتُسَوُّنَّ مناكبكم، أَو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم»([89]). فتسوية الصفوف، ودنو الرجال بعضهم من بعض: من تمام الصلاة. وترك ذلك. نقص في الصلاة. وجاء الحديث عن عمر «أَنه كان يقوم مقام الإِمام، ثم لا يكبر حتى يأْتيه رجل قد وكله بإِقامة الصفوف، فيخبره: أَنهم قد استووا، فيكبر»([90]). وجاء عن عمر بن عبدالعزيز مثل ذلك. وروي «أَن بلالاً كان يسوي الصفوف، ويضرب عراقيبهم بالدَّرَّة، حتى يستووا».

وخصلة، قد غلب عليها الناس في صلاتهم، إِلا من شاء الله من غير علّة. وقد يفعلها شبابهم من أَهل القوة والجلَد من منهم: ينحط أَحدهم من قيامه للسجود، ويضع يديه على الأَرض قبل ركبتيه. وإِذا نهض من سجوده، أَو بعدما يفرغ من التشهد؛ يرفع ركبتيه من الأَرض قبل يديه، وهذا خطأ، وخلاف ما جاء عن الفقهاء. وإِنما ينبغي له، إِذا انحط من قيامه للسجود: أَن يضع ركبتيه على الأَرض، ثم يديه، ثم جبهته. وإِذا نهض: رفع رأْسه، ثم يديه، ثم ركبتيه. بذلك جاء الأَثر عن النَّبيَّ ﷺ‬([91]).

فأَمروا بذلك، وانهوا عنه مَنْ رأَيتم يفعل خلاف ذلك، وأْمروه أَن ينهض – إِذا نهض- على صدور قدميه، ولا يقدم إِحدى رجليه، فإِن ذلك مكروه. وقد جاء عن عبدالله بن عباس وغيره: أَن تقديم إِحدى الرجلين إِذا نهض: يقطع الصلاة.

ويستحب للمصلي: أَن يكون بصره إِلى موضع سجوده، ولا يرفع بصره إِلى السماء ولا يلتفت. فاحذروا الالتفات، فإِنه مكروه. وقد قيل: يقطع الصلاة. وإِذا سجد يضع أَصابع يديه حتى يحاذي بهما أُذنيه وهو ساجد، ويضم أَصابعه، ويوجهها نحو القبلة، ويبدي مرفقيه وساعديه، ولا يلزقهما بجنبيه. جاء الحديث عن النَّبيَّ ﷺ‬: «أَنه كان إِذا سجد لو مرت بَهْمَةٌ تحت ذراعيه لنفذت»([92])، وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وضِبْعَيه. وجاء عن أَصحاب النَّبيَّ ﷺ‬ أَنهم قالوا: «كان رسول الله ﷺ‬ إِذا سجد جافى بين ضبعيه»([93]). فأَحسنوا السجود -رحمنا الله وإِياكم- ولا تضيعوا شيئاً. فقد جاء في الحديث: «إِن العبد يسجد على سبعة أَعضاء»([94])، فأَي عضو منها ضيعه لم يزل ذلك العضو يلعنه.

وينبغي له إِذا ركع أَن يُلقِم راحتيه ركبتيه، ويفرق بين أصابعه، ويعتمد على ضِبْعَيه وساعديه، ويسوي ظهره، ولا يرفع رأَسه ولا يُنَكَّسه، فقد جاء عن النَّبيَّ ﷺ‬ «أَنه كان إِذا ركع لو كان قدح من ماء على ظهره ما تحرك من موضعه»([95])، وذلك لاستواء ظهره، ومبالغته في ركوعه ﷺ‬.

فأَحسنوا صلاتكم رحمكم الله، وأَتمُّوا ركوعها وسجودها وحدودها. فإِنه جاء الحديث «إِن العبد إِذا صلى فأَحسن الصلاة صعدت ولها نور. فإِذا انتهت إِلى أَبواب السماء، فتحت لها أَبواب السماء، وتشفع لصاحبها، وتقول: حفظك الله كما حفظتني. وإِذا أَساء في صلاته، فلم يتم ركوعها وسجودها وحدودها: صعدت ولها ظلمة. فتقول: ضيعك الله كما ضيعتني. فإِذا انتهت إِلى أَبواب السماء غلقت أَبواب السماء دونها، ثم لُفَّت كما يُلف الثوب الخَلق، فيضرب بها وجه صاحبها»([96]).

وينبغي الرجل إِذا جلس للتشهد: أَن يفترش رجله اليسرى، فيجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويوجه أَصابعها نحو القبلة. ويضع يده اليمنى على فخده اليمنى، ويشير بأصبعه التي تلي الإِبهام، ويُحَلق الإِبهام والوسطى، ويعقد الباقين. فإِذا صلى إِلى سترة فليدن منها، فإِن ذلك مستحب. ولا يمر أَحد عليها، فإِن ذلك يكره. جاء الحديث عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «من صلى إلى سترة فليدنُ منها. فإِن الشيطان يمر بينه وبينها»([97]).

ومما يتهاون به الناس في أَمر صلاتهم: تركهم المار بين يدي المصلي. وقد جاء الحديث عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «ادرأ المار. فإِن أَبى فادرأه. فإِن أَبي فالطمه. فإِنما هو الشيطان»([98]). فلو كان المار بين يدي المصلي رخصة لما أَمر النبي ﷺ‬ بلطمه.

فرحم الله من أَقبل على صلاته خاشعاً خاضعاً. ذليلاً لله عزَّ وجلَّ، خائفاً داعياً راغباً، وَجِلاً مشفقاً راجياً. وجعل أَكبر هَمَّه في صلاته لربّه تعالى، ومناجاته إِياه، وانتصابه قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، وفَرَّغ لذلك قلبه وثمرة فؤاده، واجتهد في أَداء فرائضه. فإنه لا يدري: هل يصلي صلاة بعد التي هو فيها، أَو يعاجَل قبل ذلك؟ . فقام بين يدي ربّه عزَّ وجلَّ محزوناً مشفقاً، يرجو قبولها، ويخاف ردّها. فإِن قبلها سَعِد. وإِن ردها شقي.

فما أَعظم خطرك يا أَخي في هذه الصلاة، وفي غيرها من عملك، وما أَولاك بآلهم والحزن، والخوف والوجل فيها، وفيما سواها مما افتراض الله عليك فإِنك لا تدري: هل يقبل منك صلاة قط، أَم لا؟ ولا تدري: هل يقبل منك حسنة قط، أَم لا؟ وهل غفر لك سيئة قط، أم لا؟ ثم أَنت – مع هذا – تضحك وتغفل، وينفعك العيش. وقد جاءك اليقين: أَنك وارد النار. ولم يأْتك اليقين: أَنك صادر عنها. فمن أَحَقُ بطول البكاء وطول الحزن منك، حتى يتقبل الله منك؟ ثم – مع هذا – لا تدري، لعلّك لا تصبح إِذا أَمسيت، ولا تمسي إِذا أَصبحت، فمبشرَّ بالجنة، أَو مُبَشَّر بالنار. وإِنما ذَكَّرتك ياأَخي لهذا الخطر العظيم، إِنك لمحقوق أَن لا تفرح بأَهل ولا مال ولا ولد، إِن العجب كل العجب من طول غفلتك، وطول سهوك ولهوك عن هذا الأَمر العظيم، وأَنت تساق سوقاً عنيفاً في كل يوم وليلة، وفي كل ساعة وطرفة عين. فتوقَّع ياأَخي أَجلك. ولا تغفل عن الخطر العظيم الذي أَظلَّك. فإِنك لابد ذائق الموت ولاقيه، ولعلّه ينزل بساحتك في صباحك أَو مسائك، أَشد ما تكون عليها إِقبالاً، وكأَنك قد أُخرجت من ملكك كله، فإِما إِلى الجنة وإِما إِلى النار. انقطعت الصفات، وقصرت الحكايات عن بلوغ صفتها ومعرفة قدرهما. والإِحاطة بغاية خبرهما. أَما سمعت يا أَخي قول العبد الصالح: عجبت للنار كيف نام هاربها؟ وعجبت للجنة كيف نام طالبها؟ فوالله لئن كنت خارجاً من الطلب والهرب، لقد هلكت وعظم شقاؤك، وطال حزنك وبكاؤك غداً مع الأَشقياء المعذبين.

فاتقوا الله عباد الله في أُموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة. وأَحكموها في أَنفسكم. وانصحوا فيها إِخوانكم. فإِنها آخر دينكم. فتمسكوا بآخر دينكم. وبما أَوصاكم به ربكم من بين الطاعات التي افترضها الله عامة، وتمسكوا بما عهد إِليكم نبيُّكم ﷺ‬ خاصة، من بين عهوده إِليكم فيما افترض عليكم ربُّكم عامة. وجاء الحديث عن النَّبيَّ ﷺ‬ «أَنه كان آخر وصيته لأُمته، وآخر عهده إِليهم، عند خروجه من الدنيا: أَن اتقوا الله في الصلاة، وفيما ملكت أَيمانكم»([99]). وجاء الحديث «أَنها آخر وصية كلَّ نبي لأُمته، وآخر عهده إِليهم عند خروجه من الدنيا» وهي آخر ما يذهب من الإِسلام. ليس بعد ذهابها إِسلام ولا دين، وهي أَول ما يسأَل عنه العبد يوم القيامة من عمله وهي عمود الإِسلام، وإِذا سقط العمود: سقط الفسطاط، فلا ينتفع بالطُّنُب والأَوتاد وكذلك الصلاة: إِذا ذهبت فقد ذهب الإِسلام.

وقد خصَّها الله بالذكر من بين الطاعات كلها، ونسب أهلها إلى الفضل. وأمر بالاستعانة بها، وبالصبر على جميع الطاعات، واجتناب جميع المعصية. فأْمُروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها، وعاتبوهم إِذا تخلفوا عنها. وأَنكروا عليها بإِيديكم؛ فإِن لم تستطيعوا فبأَلسنتكم. واعلموا أَنه لا يسعكم السكوت عنهم، لأَن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية. فقد جاء عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «لقد هممت أَن آمر بالصلاة فتقام. ثم أُخالف إِلى قومٍ في منازلهم لا يشهدون الصلاة في جماعة، فأحرقها عليهم»([100]) فتهددهم النَّبيُّ ﷺ‬ بحرق منازلهم. فلولا أن تخلفهم عن الصلاة معصية كبيرة عظيمة: لما تهددهم النبي ﷺ‬ بحرق منازلهم، وجاء الحديث: «لا صلاة لجار المسجد إِلا في المسجد»([101]) وجار المسجد: الذي بينه وبين المسجد أَربعون داراً([102])

فالصلاة أَول فريضة فرضت على النَّبيَّ ﷺ‬، وهي آخر ما أَوصى به أُمَّته عند خروجه من الدنيا، وهي آخر ما يذهب من الإِسلام، ليس بعد ذهابها إِسلام ولا دين.

جاء الحديث قال: «من سمع المؤذن فلم يجبه. فلا صلاة له إِلا من عذر»([103]).

وجاء عن عمر بن الخطاب t «أَنه فقد رجلاً في الصلاة. فأَتى منزله فصوت به. فخرج الرجل. فقال: ما حبسك عن الصلاة؟ قال عِلّة يا أَمير المؤمنين، ولولا إَني سمعت صوتك ما خرجت – أَو قال: ما استطعت أَن أَخرج – فقال عمر: لقد تركت دعوة من هو أَوجب عليك إِجابة مني: منادي الله إِلى الصلاة» وجاء عن عمر «أَنه فقد أَقواماً في الصلاة: فقال: ما بال أَقوام يتخلفون عن الصلاة فيتخلف لتخلفهم آخرون؟ ليحضُرُونَّ المسجد أَو لأَبعثنَّ إِليهم من يَجَأ في رقابهم([104] ثم يقول: احضروا الصلاة، احضروا الصلاة».

وجاء الحديث عن عبدالله ابن أًم مكتوم: أَنه قال: «يا رسول الله، إِني شيخ ضرير البصر، ضعيف البدن، شاسع الدّار، بيني وبين المسجد نخل وواد، فهل لي من رخصةٍ إِن صليت في منزلي؟ فقال له النَّبيُّ ﷺ‬ أَتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أَجب»([105]). فلم يرخص رسول الله ﷺ‬ لرجل ضرير البصر، ضعيف البدن، شاسع الدّار، بينه وبين المسجد نخل وواد في التخلف عن الصلاة. فلو كان لأَحد عذر في التخلف؛ لرخص رسول الله ﷺ‬ لشيخ ضعيف البدن، ضرير البصر، شاسع الدار، بينه وبين المسجد نخل وواد. فأنكروا على المتخلفين الصلاة، فإِن ذنوبهم في تخلفهم عظيمة. وأَنتم شركاؤهم في عظيم تلك الذنوب، إِن تركتم نصيحتهم والإِنكار عليهم. وأنتم تقدرون على ذلك.

وجاء عن أَبي الدرداء عن ابن مسعود: «إِن الله تبارك وتعالى سَن لكل نبي سنّة وسَنَّ لنبيَّكم، فمن سنّة نبيكم: هذه الصلوات الخمس في جماعة وقد علمت أَن لكل رجل منكم مسجداً في بيته، ولو صليتم في بيوتكم لتركتم سنّة نبيكم، ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم»([106]).

فاتقوا الله وأْمُروا بالصلاة في جماعة مَنْ تَخَلَفَ عنها، وإِن لم تفعلوا تكونوا آثمين، ومن أَوزارهم غير سالمين؛ لوجوب النصيحة لإِخوانكم عليكم؛ ولوجوب إِنكار المنكر عليهم بأَيديكم. فإِن لم تستطيعوا فبألسنتكم.

وقد جاء الحديث «يجيء الرجل يوم القيامة متعلقاً بجاره، فيقول: يا ربّ هذا خانني، فيقول: يا ربّ، وعزتك ماخُنْتُه في أَهل ولا مال، فيقول: صدق يا ربّ، ولكنه رآني على معصية فلم ينهني عنها»([107]).

والمتخلف عن الصلاة عظيم المعصية. فاحذر تعلقه بك غداً، وخصومته إِياك بين يدي الجبار. ولا تدع نصيحته اليومَ، إِن شتمك وآذاك وعاداك، فإِن معاداته لك اليوم أهون من تعلقه بك غداً، وخصومته إِياك بين يدي الجبّار: ودَحْضَه حجتك في ذلك المقام العظيم. فاحتمل الشتمة اليوم لله، وفي الله. لعلك تفوز غداً مع النبين والتَّابعين لهم في الدَّين.


 (تنبيه وتذكير)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أَما بعد:

فينبغي لكل إِمام ومنفرد وكل مصلًّ أَن يراعي هدي رسول الله ﷺ‬ في صلاته القائل: «صلوا كما رأَيتموني أُصلي» متفق عليه. وقال ﷺ‬: «إِن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة (علامة) من فقهه فأَطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة» رواه مسلم. وأَما قوله ﷺ‬: «إِذا صلى أَحدكم بالناس فليخفف» متفق عليه. فقال ابن القيّم التخفيف أَمر نسبي إِضافي راجع إِلى السنّة لا إِلى شهوة الإِمام والمأَمومين.

فكان ﷺ‬ يصلي صلاة تامة متناسبة، كان إِذا أَطال القيام أَطال الركوع والسجود والاعتدال بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، وإِذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وما بينهما.

وكان يقرأ في صلاة الفجر من ستين آية إِلى مائة آية، وكان يقرأَ فيها بسورة }ق{ ونحوها من السور، وكان يقرأَ في كل ركعة من الركعتين الأُوليين من صلاة الظهر بقدر ثلاثين آية، وفي الأَخيرتين على النصف من ذلك. وكان يقرأَ في الأُوليين من صلاة العصر في كل ركعة قدر خمس عشرة آية كالأَخيرتين من الظهر وفي الأخيرتين على النصف من ذلك.

وأَحياناً كان يقتصر في الركعتين الأَخيرتين من الظهر والعصر على الفاتحة، وكان يقرأ في صلاة المغرب أَحياناً من قصار المفصل، وأَحياناً من طواله. وطوال المفصل من سورة }ق{ إِلى سورة }النبأ{، وأَوساطه من سورة }النبأ{ إِلى سورة }والضحى{، وقصاره من }والضحى{ إِلى آخر القرآن. ووقَّت عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل بالقراءة في صلاة العشاء بـ }سبح اسم ربك الأَعلى{، }والشمس وضحاها{، }والليل إِذا يغشى{ ونحوها من السور من أَوساط المفصل.

وكان مقدار تسبيحات الرسول ﷺ‬ في الركوع والسجود عشر تسبيحات، وكان الرسول ﷺ‬ يطيل القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، فكان إِذا رفع رأْسه من الركوع مكث قائماً حتى يقول القائل قد نسي، وإِذا رفع رأْسه من السجود مكث جالساً حتى يقول القائل قد نسي.

ويلاحظ على بعض الأَئمة عدم تطبيق السنّة في ذلك وفي إِطالة القراءة في صلاة الفجر والركعتين الأُوليين من صلاة الظهر، كما يلاحظ على الكثير منهم أَنهم يطيلون القراءة في قيام رمضان، ويخففون الركوع والسجود، وكذلك في صلاة الكسوف، كما يخففون القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، وهو خلاف السنّة، والخير كله في هدي النَّبيِّ ﷺ‬ والاقتداء به صلوات الله وسلامه عليه.

* انظر مقدار صلاة رسول الله ﷺ‬ في كتاب «الصلاة» لابن القيم فيما يلي:

مقدار صلاة رسول الله ﷺ‬([108])

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى:

وأَما مقدار صلاة رسول الله ﷺ‬: فهي من أَجلّ المسائل وأَهمها. وحاجة الناس إِلى معرفتها أَعظم من حاجتهم إِلى الطعام والشراب. وقد ضيعها الناس من عهد أَنس بن مالك t.

ففي «صحيح البخاري» من حديث الزهري قال: «دخلت على أَنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أَعرف شيئاً مما أَدركت إِلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت». وقال موسى بن إِسماعيل: حدثنا مهدي عن غيلان عن أَنس قال: «ما أَعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله ﷺ‬. قيل: الصلاة؟ قال أَليس قد صنعتم ما صنعتم فيها» أَخرجه البخاري عن موسى وأَنس t تأخر حتى شاهد من إِضاعة أَركان الصلاة وأَوقاتها وتسبيحها في الركوع والسجود وإِتمام تكبيرات الانتقال فيها ما أَنكره، وأَخبر أَن هدي رسول الله ﷺ‬ كان بخلافه كما ستقف عليه مفصلاً إِن شاء الله.

ففي "الصحيحين" من حديث أنس t قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يوجز الصلاة ويكملها». وفي "الصحيحين" عنه أيضاً قال: «ما صليت وراء إمامٍ قطّ أَخف صلاة ولا أتم من صلاة النَّبَّي ﷺ‬». زاد البخاري: «وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أَّن تفتن أَُمَّه». فوصف صلاته ﷺ‬ بالإيجاز والتمام، والإيجاز هو الذي كان يفعله، لا الإيجاز الذي كان يظنه من لم يقف على مقدار صلاته، فإن الإيجاز أَمر نسبي إضافي راجع إلى السنّة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه، فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى ستمائة إلى أَلف، ولما قرأَ في المغرب بالأعراف كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى البقرة، ويدل على هذا أَّن أَنساً نفسه قال في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي من حديث عبدالله بن إبراهيم بن كيسان حدثني أبي عن وهب بن مأنوس سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: «ما صليت وراء أحد بعد رسول الله ﷺ‬ أَشبه صلاة برسول الله ﷺ‬ من هذا الفتى – يعني عمر بن عبدالعزيز -، فحزرْنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات»([109]). وأنس أَيضاً هو القائل في الحديث المتفق عليه: «إني لا آلو أن أُصلي بكم كما كان رسول الله ﷺ‬ يصلي بنا». قال ثابت: «كان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي». وأنس هو القائل هذا، وهو القائل: «ما صليت وراء إمام أَخف صلاة ولا أتم من صلاة النَّبيَّ ﷺ‬»، وحديثه لا يكذب بعضه بعضاً.

ومما يبين ما ذكرناه ما رواه أبو داود في "سننه" من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك قال: «ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله ﷺ‬ في تمام، وكان رسول الله ﷺ‬ إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم، ثم يكبر ثم يسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم، هذا سياق حديثه، فجمع أنس t في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجازه ﷺ‬ الصلاة وإتمامها، وبيّن فيه أن من إتمامها الذى أخبر به إطالة الاعتدالين حتى يظن الظانّ أنه قد أوهم أو نسى من شدة الطول، فجمع بين الأمرين في الحديث، وهو القائل: ما رأيت أوجز من صلاة رسول الله ﷺ‬ ولا أتم»، فيشبه أن يكون عاد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود والإعتدالين بينهما، لأن القيام لا يكاد يفعل إلا تاماًّ، فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام بخلاف الركوع والسجود والإعتدالين. وسر ذلك أنه بإيجاز القيام وإطالة الركوع والسجود والاعتدال ينتصير لبصلاة تامة لاعتدالها وتقاربها، فيصدق قوله: «ما رأيت أوجز ولا أتم من صلاة رسول الله ﷺ‬». وهذا هو الذي كان يعتمده صلوات الله عليه وسلامه في صلاته، فإنه كان يعدلها حيث يعتدل قيامها وركوعها وسجودها واعتدالها.

ففي "الصحيحين" عن البراء بن عازب قال: «رمقت الصلاة مع محمد ﷺ‬ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء». وفي لفظ لهما: «كانت صلاة رسول الله ﷺ‬ قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء». ولا يناقض هذا ما رواه البخاري في هذا الحديث: «كان ركوع النَّبيَّ ﷺ‬ وسجوده وما بين السجدتين وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء». فإن البراء هو القائل هذا وهذا، فإنه في السياق الأول أَدخل في ذلك قيام القراءة وجلوس التشهد، وليس مراده أَنهما بقدر ركوعه وسجوده، وإلا ناقض السياق الأول الثاني، وإنما المراد أن طولهما كان مناسباً لطول الركوع والسجود والإعتدالين بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا، كما يفعله كثير ممن لا علم عنده بالسنّة يطيل القيام جدًا ويخفف الركوع والسجود، وكثيراً ما يفعلون هذا في التراويح، وهذا هو الذي أنكره أنس بقوله: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله ﷺ‬»، فإن كثيراً من الأمراء في زمانه كان يطيل القيام جداً فيثقل على الماْمومين، ويخفف الركوع والسجود والإعتدالين فلا يكمل الصلاة. فالأمران اللذان وصف بهما أنس رسول الله ﷺ‬ هما اللذان كان الأمراء يخالفونهما، وصار ذلك – أعني تقصير الإعتدالين – شعاراً حتى استحبه بعض الفقهاء وكره إطالتهما، ولهذا قال ثابت: «وكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل قد نسي».

فهذا الذي فعله أَنس هو الذي كان رسول الله ﷺ‬ يفعله وإِن كرهه من كرهه، فسّنة رسول الله ﷺ‬ أَولى وأَحق بالاتباع. وقول البراء في السياق الآخر: «ما خلا القيام والقعود» بيان أَن ركن القراءة والتشهد أَطول من غيرهما. وقد ظنَّ طائفة أَن مراده بذلك قيام الاعتدال من الركوع وقعود الفصل بين السجدتين، وجعلوا الاستثناء عائداً إِلى تقصيرهما، وبنوا على ذلك أَن السنّة تقصيرهما، وأَبطل من غلا منهم الصلاة بتطويلهما وهذا غلط، فإِن لفظ الحديث وسياقه يبطل قول هؤلاء. فإِن لفظ البراء: «كان ركوعه وسجوده وجلوسه بين السجدتين وإِذا رفع رأَسه ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء»، فكيف يقول وإِذا رفع رأْسه من الركوع ما خلا رفع رأْسه من الركوع؟ هذا باطل قطعاً.

وأَما فعل النبيَّ ﷺ‬ فقد تقدم حديث أَنس أَنه صلى بهم صلاة النَّبيَّ ﷺ‬ فكان يقوم بعد الركوع حتى يقول القائل قد نسي، وكان يقول بعد رفع رأْسه من الركوع «سمع الله لمن حمده» اللهم ربّنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأَرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أَهل الثناء والمجد، أَحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد: اللهم لا مانع لما أَعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه مسلم من حديث أَبي سعيد، ورواه من حديث ابن أَبي أَوفي وزاد فيه بعد قوله «من شيء بعد: اللهم طهرني بالثلج والبرد، والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، كما نقي الثوب الأَبيض من الدنس». وكذلك كان هديه في صلاة الليل، يركع قريباً من قيامه، ويرفع رأْسه بقدر ركوعه، ويسجد بقدر ذلك، ويمكث بين السجدتين بقدر ذلك. وكذلك فعل في صلاة الكسوف، أَطال ركن الاعتدال قريباً من القراءة، فهذا هديه الذي كأَنك تشاهده وهو يفعله. وهكذا فعل الخلفاء الراشدون من بعده. قال زيد بن أَسلم: كان عمر يخفف القيام والقعود ويتم الركوع والسجود. فأَحاديث أَنس t كلها تدل على أَن النَّبيَّ ﷺ‬ كان يطيل الركوع والسجود والاعتدالين زيادة على ما يفعله أَكثر الأَئمة بل كلهم إِلا النادر، فأَنس أَنكر تطويل القيام على ما كان رسول الله ﷺ‬ يفعله وقال: «كانت صلاة رسول الله ﷺ‬ متقاربة، يقرب بعضها من بعض». وهذا موافق لرواية البراء بن عازب أَنها كانت قريباً من السواء. فأَحاديث الصحابة في هذا الباب يصدق بعضها بعضاً.

(فصل): وأَما قدر قيامه للقراءة فقال أَبو برزة الأَسلمي: كان النَّبيُّ ﷺ‬ يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أَو إِحداهما ما بين الستين إِلى المائة» متفق عليه.

وفي «صحيح مسلم» عن عبدالله بن السائب قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ‬ الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنون حتى إِذا جاء ذكر موسى وهارون أَو ذكر عيسى أَخَذَت النَّبيَّ ﷺ‬ سعلة فركع».

وفي "صحيح مسلم" عن قطبة بن مالك أنه سمع النبي ﷺ‬ يقرأ في الفجر: }وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ{ وربما قال }ق{ وفي "صحيح مسلم" أيضاً عن جابر بن سمرة «أن النبي ﷺ‬ كان يقرأ في الفجر بـ}ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ{، وكانت صلاته بعد تخفيفاً». فقوله وكانت صلاته تخفيفاً: أي بعد صلاة الصبح أخف من قراءتها. ولم يرد أنه كان بعد ذلك يخفف قراءة الفجر عن }ق{، يدل عليه ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي ﷺ‬ يقرأ في الظهر بـ}وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى{، وفي العصر بنحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك».

وفي "صحيح مسلم" عن زهير عن سماك بن حرب قال: سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي ﷺ‬ فقال: «كان يخفف الصلاة، ولا يصلي صلاة هؤلاء». قال وأنبأني «أن رسول الله ﷺ‬ كان يقرأ في الفجر بـ}ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ{ ونحوها» فأخبر أن هذا كان تخفيفه. وهذ مما يبيّن أن قوله: وكانت صلاته بعد تخفيفاً – أي بعد الفجر -، فإنه جمع بين وصف صلاة رسول الله ﷺ‬ بالتخفيف وبين قراءته فيها بـ}قّ{ ونحوها. وقد ثبت في "الصحيح" عن أم سلمة «أنها سمعت النبي ﷺ‬ يقرأ في الفجر بـ}الطور{ في حجة الوداع إلا قليلاً»، والطور قريب من }قّ{. وفي "الصحيح" عن ابن عباس أنه قال: «أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ }وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا{ فقالت: يا بُني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، فإنها لآخر ما سمعت من النبي ﷺ‬ يقرأ بها في المغرب». فقد أخبرت أم الفضل أن ذلك آخر ما سمعته يقرأ بها في المغرب، وأم الفضل لم تكن من المهاجرين، بل هي من المستضعفين، كما قال ابن عباس: «كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين عذر الله». فهذا السماع كان متأخراً بعد فتح مكة قطعاً.

وفي صحيح "البخاري" أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت: «ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت رسول الله ﷺ‬ يقرأ فيها بطولى الطوليين؟ » وسأل ابن مليكة أحد رواته: «ما طولى الطوليين؟ فقال من قبل نفسه: المائدة والأَعراف». ويدل على صحة تفسيره حديث عائشة أُم المؤمنين t «أَن رسول الله ﷺ‬ قرأَ في صلاة المغرب بسورة الأَعراف، فرقها في الركعتين». رواه النسائي. وروى النسائيُّ أَيضاً من حديث ابن مسعود «أَن رسول الله ﷺ‬ قرأَ في المغرب بـ}الدخان{». وفي "الصحيحين "عن جبير بن المطعم قال: «سمعت رسول الله ﷺ‬ يقرأَ بـ}الطور{ في المغرب».

فأما العشاء: البراء بن عازب: «سمعت رسول الله ﷺ‬ يقرأَ في العشاء }واّلتَّينِ وَالزَّيْتُونِ{ وما سمعت أَحداً أَحسن صوتاً منه» متفق عليه.

وفي "الصحيحين" أَيضاً عن أَبي رافع قال: «صليت مع أَبي هريرة العتمة فقرأ }إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت{ فسجد، فقلت له فقال: سجدت بها خلف أَبي القاسم، فلا أَزل أَسجد بها حتى أَلقاه».

وفي "المسند" و"الترمذي" من حديث بريدة قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يقرأ في العشاء الآخرة بـ }والشمس وضحاها{ ونحوها من السور». قال الترمذي: حديث حسن. وقال لمعاذ: «في صلاة العشاء الآخرة اقرأ بـ}والشمس وضحاها{، و}سبح اسم ربك الأَعلىّ{، و}إِقرأَ باسم ربَّك{، و}الليل إِذا يغشى{» متفق عليه.

وأَما الظهر والعصر: ففي"صحيح مسلم"من حديث أَبي سعيد الخدري قال: «كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أَحدنا إِلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأَتي أَهله فيتوضأَ، ثم يرجع إِلى المسجد ورسول الله ﷺ‬ في الركعة الأَولى». وعن أَبي قتادة t قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يصلي بنا فيقرأَ في الظهر والعصر في الركعتين الأُوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أَحياناً وكان يطول الركعة الأُولى من الظهر ويقصر الثانية ويقرأ في الركعتين الأُخريين بفاتحة الكتاب» متفق عليه ولفظه لمسلم. وفي رواية البخاري: «وكان يطول الأُولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية». وفي رواية لأَبي داود قال: «فظننا أَنه يريد أَن يدرك الناس الركعة الأولى». وفي "مسند" الإِمام أَحمد عن عبدالله بن أَبي أَوفى أَن النبيَّ ﷺ‬: «كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم». وقال سعد بن أَبي وقاص لعمر: «أًما أنا فأًمد في الأُوليين، وأُخفف في الأُخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله ﷺ‬. فقال له عمر: ذاك ظني فيك» رواه البخاري ومسلم.

وقال أبي سعيد الخدري: «كنا نحزر قيام رسول الله ﷺ‬ في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر }الم، تنزيل{ السجدة، وحزرنا قيامه في الأُخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأُليين من العصر على النصف من ذلك». وفي رواية بدل قوله تنزيل السجدة: «قدر ثلاثين آية، وفي الأُخريين قدر خمس عشرة آية، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة، وفي الأُخريين قدر نصف ذلك». هذه الألفاظ كلها في "صحيح مسلم".

وقد احتج به من استحب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأُخريين، وهو ظاهر الدلالة لو لم يجئ حديث أبي قتادة المتفق على صحته "أَنه كان يقرأ في الأُوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الأُخريين بفاتحة الكتاب". يدل على اختصاص كل ركعتين بما ذكر من قراءتهما. وحديث سعد يحتمل لما قال أبو قتادة ولما قال أبو سعيد. وحديث أبي سعيد ليس صريحاً في قراءة السورة في الأُخريين، فإنما هو حزر وتخمين، وقال جابر بن سمرة: «كان النَّبيُّ ﷺ‬ في الظهر }والليل إذا يغشى{ وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك» رواه مسلم. وعنه «أن النَّبيَّ ﷺ‬ كان يقرأ في الظهر }سبح اسم ربّك الأَعلى{، وفي الصبح بأطول من ذلك». رواه مسلم أيضاً. وعنه «أن رسول الله ﷺ‬ كان يقرأ في الظهر والعصر }والسماء ذات الَبروج{، }والسماء والطارق{ ونحوهما من السور» رواه أحمد وأهل السنن. وفي سنن النسائي عن البراء قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة (لقمان) و(الذاريات)» وفي "السنن" من حديث ابن عمر «أَن رسول الله ﷺ‬ سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأَينا أَنه قرأَ تنزيل السجدة». وفي دليل على أنه لا يكره قراءة السجدة في صلاة السر وأَن الإمام إذا قرأها سجد ولا يخير المؤمومون بين اتباعه وتركه، بل يجب عليهم متابعته. وقال أنس: «صليت مع النَّبيِّ ﷺ‬ صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين }سبح اسم ربّك الأعلى{، و}هل أتاك حديث الغاشية{» رواه النسائي والصحابة t أنكروا على من كان يبالغ في تطويل القيام، وعلى من كان يخفف الأَركان، ولا سيما ركني الاعتدال، وعلى من كان لا يتم التكبير، وعلى من كان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وعلى من كان يتخلف عن جماعتها وأخبروا عن صلاة رسول الله ﷺ‬ التي ما زال يصليها حتى مات ولم يذكر أحد منهم أصلاً أنه نقص من صلاته في آخر حياته ﷺ‬ ولا أن تلك الصلاة التي كان يصليها منسوخة، بل استمر خلفاءه الراشدون على منهاجه في الصلاة، كما استمروا على منهاجه في غيرها، فصَّلي الصدَّيق صلاة الصبح فقرأَ فيها بالبقرة كلها فلما انصرف منها قالوا يا خليفة رسول الله ﷺ‬ كادت الشمس تطلع. قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وكان عمر يصلي الصبح بـ}النحل{ و}يونس{ و}هود{و }يوسف{ ونحوها من السور.


 ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

عَن أَنَسٍ t أَنَّ النَّبيَّ ﷺ‬ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ «كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالحَمْدُ لله رَبَّ الْعَاَلمِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ مَسْلِمٌ «لاَ يَذْكُرُونَ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلاَ فِي آخِرِهَا»، وفي أُخْرَى لابْنِ خُزَيْمَةَ: "كَانُوا يُسِرُّونَ" وَعَلَي هذَا يُحْمَلُ النَّفْيُ في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خِلاَفاً لِمَنْ أَعَلَّهَا.

الحديث دليل على مشروعية قراءة البسملة، وأنه لا يجهر بها في الصلاة([110]).

قال ابن دقيق العيد: يستبدل به من يرى عدم الجهر بالبسملة، في الصلاة. والعلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب:

أحدها: تركها سرًّا وجهراً، وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى.

الثاني: قراءتها سرًّا لا جهراً، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله.

الثالث: الجهر بها في الجهرية، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، والمتيقن من هذا الحديث عدم الجهر. انتهى([111]).

وقال ابن القيّم: إن النَّبيَّ ﷺ‬ كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفيها أَكثر مما جهر بها([112]).

وقال الشيخ([113]): المداومة على الجهر بها بدعة مخالفة للسنّة الصحيحةالصريحة عن رسول الله ﷺ‬ والسّلف. والأَحاديث الصريحة في الجهر بها كلها موضوعة.

وذكر الطحاوي أن ترك الجهر بالبسملة في الصلاة تواتر عن النَّبيّ ﷺ‬ وخلفائه([114]).


صفة صلاة النبي ﷺ‬([115])

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيّم "الصَّلاة" باختصار وتصرف بسيط قال رحمه الله تعالى:

 (فصل)

فهاك سياق صلاته ﷺ‬ من حين استقباله القبلة إلى حين سلامة كأنك تراها عياناً، ثم اختر لنفسك بعد ما شئت:

(1) القيام:

كان رسول الله ﷺ‬ إِذا قام إِلى الصلاة واستقبل القبلة ووقف في مصلاه رفع يديه إِلى فروع أُذنيه واستقبل بأصابعه القبلة ونشرها وقال (الله أكبر) ولم يكن يقول قبل ذلك (نويت أَن أُصلى كذا وكذا مستقبل القبلة أَربعّ ركعات....) ولا كلمة واحدة من ذلك في مجموع صلاته من أولها إلى آخرها. فقد نقل عنه أَصحابه حركاته وسكناته وهيئاته حتى اضطراب لحيته في الصلاة، ولعمر الله لو ثبت عنه من هذا كلمة واحدة لنقل عنه ذلك.

ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعها على صدره([116]) ثم يقول «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد»([117])، وأحيانا يقول غيره مما ورد. ثم يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وربما زاد «من نفخه ونفثه وهمزه»([118]). ثم يقرأ فاتحة فاتحة الكتاب فإن كانت الصلاة جهرية أسمعهم القراءة ولم يسمعهم "بسم الله الرحمن الرحيم"، فربّه أعلم هل كان يقرأها أم لا؟ .

وكان يقطع قراءته آية آية ثم يقف على }ربّ العالمين{ ثم يبتدئ: }الرحمن الرحيم{، ويقف ثم يبتدئ }مالك يوم الدين{ على ترسّل وتمهّل وترتيل يمد الرحمن ويمد الرحيم. وإذا ختم السورة قال "آمين" يجهر بها ويمد بها صوته ويجهر بها مَنْ خلفه حتى يرتج المسجد.

ثم يقرأ بعد ذلك سورة طويلة تارة وقصيرة تارة ومتوسطة تارة، وكان يقرأ بالسورة في الركعة كقول عائشة إِنه قرأ في المغرب بـ(الأَعراف) فرقها في الركعتين. وتارة يعيدها في الركعة الثانية كقراءته في الصبح }إِذا زلزلت{ في الركعتين كلتيهما، والحديثان في "السنن". وتارة يقرأ سورتين في الركعة كقول ابن مسعود: ولقد عرفت النظائر التي كان رسول الله ﷺ‬ يقرن بينها فذكر عشرين سورة من المفصل.. سورتين في ركعة وهذا في "الصحيحين". وكان يمد قراءة الفجر ويطيلها أَكثر من سائر الصلوات، وأَقصر ما حفظ عنه أَنه كان يقرأ فيها في الحضر سورة }ق{ ونحوها.

وربما كان يسمعهم الآية في قراءة السرَّ أَحياناً. وكان يقرأَ في فجر يوم الجمعة سورة }الم تنزيل{ السجدة، و}هل أَتى{ كاملتين، ولم يقتصر على إِحداهما ولا على بعض هذه وبعض هذه فقط. وكان يقرأَ في صلاة الجمعة بسورة}الجمعة{..و}المنافقين{ كاملتين ولم يقتصر على أَواخرهما وربما كان يقرأَ بـ}سبح{.. و}الغاشية{ وكان يقرأ في العيدين بـ }ق{ و}القمر{ كاملتين ولم يقتصر على أَواخرهما.

وكان يقرأَ في صلاة السرَّ بسورة فيها السجدة أَحياناً فيسجد لها ويسجد معه مَن خلفه، وكان يقرأ في الظهر قدر ثلاثين آية في كل ركعة، ومرة كان يقرأ فيها بـ}سبح{ و}الليل{ و}البروج{ و}الطارق{ ونحوها من السور، ومرة بـ}لقمان{.. و}الذاريات{. وكان يقوم في الركعة الأُولى منها حتى لا يسمع وقع قدم. وكذلك كان يطيل الركعة الأُولى من كل صلاة على الثانية. وكانت قراءته في العصر في الركعة الأُولى قدر خمس عشرة آية. وكان يقرأ في المغرب بـ}الأَعراف{ تارة، وبـ}الطور{ تارة وبـ}المرسلات{ تارة، وبـ}الدخان{ تارة. وكان إِذا فرغ من القراءة سكت هنيهة ليرجع إِليه نفسه.

(2) الُّركوع:

ثم يرفع يديه كما رفعهما في الاستفتاح، ويقول «الله أَكبر» ويخر راكعاً، ويضع يديه على ركبتيه فيمكنهما من ركبتيه، ويفرج بين أَصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ثم يعتدل ويجعل رأْسه حيال ظهره، ويمد ظهره ثم يقول «سبحان ربي العظيم»، وربما مكث قدر ما يقولها القائل "عشر مرات"، وربما يمكث فوق ذلك ودونه. وربما قال «سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي»([119])، وربما قال «سبوحٌ قدوسٌ ربّ الملائكة والروح»، وربما قال غير ذلك مما ورد. وكان ركوعه مناسباً لقيامه في التطويل والتخفيف، وهذا بيَّن في سائر الأَحاديث.

(3) القيام من الرُّكُوع:

ثم يرفع رأْسه قائلاً «سمع الله لمن حمده»، ويرفع يديه كما رفعهما عند الركوع، فإِذا اعتدل قائماً قال «ربّنا لك الحمد» وربما قال: اللهم ربّنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأَرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أَهل الثناء والمجد، أَحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد: اللهم لا مانع لما أَعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد»([120]) وربما زاد على ذلك غيره. وكان يطيل هذا الركن حتى يقول القائل قد نسي.

(4) السُّجود:

ثم يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه. وكان يسجد على جبهته وأَنفه ويديه وركبتيه وأَطراف قدميه، ويستقبل بأَصابع يديه ورجليه القبلة، ويرفع مرفقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يبدو بياض إِبطيه، ويرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويعتدل في سجوده، ويمكن وجهه من الأَرض غير ساجد على كور العمامة. وكان يقول في سجوده "سبحان ربي الأَعلى" ويكثر الدعاء فيه. وكان يجعل سجوده مناسباً لقيامه([121]).

(5) الجلسة بين السجدتين:

ثم يرفع رأْسه قائلاً "الله أَكبر" غير رافع يديه، ثم يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع يديه على فخديه – أَو على ركبتيه -، ثم يقول «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني»، وفي حديث حذيفة «رب اغفر لي». وكان يطيل هذه الجلسة حتى يقول القائل قد أَوهم أَو قد نسي.

(6) التًشهُّد:

فإِذا جلس في التشهد الأَول جلس مفترشاً كما يفعل بين السجدتين، ويشير بأُصبعه السبابة، ويضع إِبهامه على إِصبعه الوسطى كهيئة الحلقة، ويجعل بصره إِلى موضع إِشارته. وكان يرفع أُصبعه السبابة ويحنيها قليلاً يوحد بها ربّه عزَّ وجلَّ([122]). ثم كان يقول: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أَيها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أَشهد أَن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله»([123])، وكان يعلمه أَصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن. وهناك أَلفاظ أُخرى كلها جائزة. وكان يخفف هذه الجلسة حتى كأَنه جالس على الرضف – وهي الحجارة المحماة -. ثم يكبر وينهض فيصلي الثالثة والرابعة ويخففهما عن الأُوليين، وكان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، وربما زاد عليها أَحياناً([124]).

(7) الصلاة على النبي ﷺ‬:

وشرع لأُمَّته أَن يصلوا عليه في التشهد الأخير فيقولوا «اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد.. كما صليت على إِبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.. وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد.. كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»([125])، و«أمرهم أَن يتعوذوا بالله من أربع.. من عذاب النار، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجّال»([126]). وعلَّم بعض أصحابة أَن يقولوا «اللهم إِني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أَنت الغفور الرحيم»([127]). وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم «اللهم اغفر لى ما قدَّمت وما أخرت وما أسررت وما أَعلنت وما أَسرفت وما أنت أَعلم به مني أنت المقدم وأَنت المؤخر، لا إِله إِلا أَنت»([128])، ثم «كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله»([129]).


 وجوب آداء الصلاة في الجماعة

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه... آمين:

سلامَّ عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فقد بلغني أَن كثيراً من الناس قد يتهاونون بأَداء الصلاة في الجماعة، ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك، فوجب علىّ أَن أُبيّن عظيم هذا الأمر وخطورته، وأنه لا ينبغي للمسلم أَن يتهاون بأمرٍ عظَّم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظَّم شأْنه رسوله الكريم عليه من ربّه أَفضل الصلاة والتسليم. ولقد أَكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظَّم شأْنها، وأمر بالمحافظة عليها وأَدائها في الجماعة، وأَخبر أَن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين.

فقال تعالى في كتابه المبين: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ{([130]). وكيف تعرف محافظة العبد عليها وتعظيمه لها وقد تخلّف عن أَدائها مع إِخوانه وتهاون بشأْنها، وقال تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{([131])، وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في جماعة والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إِقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: }وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال تعالى: }وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ{([132])، فأوجب سبحانه أَداء الصلاة في الجماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟ ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة لكان المصافون للعدو المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك علم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا يجوز لأحد التخلف عن ذلك. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة t: عن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «لقد هممت أَن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً أَن يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم» الحديث.

وفي "صحيح مسلم" عن عبدالله بن مسعود t قال: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق علم نفاقه أو مريض. إِن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأَتي الصلاة، وقال إن رسول الله ﷺ‬ علَّمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه». وفيه أيضاً عنه قال: «من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهنَّ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنّة نبيكم ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأْيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف».

وفي "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي هريرة t أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أَن أُصلي في بيتي؟ فقال له النَّبيُّ ﷺ‬: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأَجب».

والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي إَذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كثيرة جدًّا، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به مع أَبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق الذين وصفهم الله بصفات ذميمة، من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{([133]). ولأن التخلف عن أدائها في الجماعة من أعظم أسباب تركها بالكلية، ومعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج من دائرة الإسلام لقول النَّبيَّ ﷺ‬: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر t. ولقوله ﷺ‬ «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»([134]). والآيات والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة ووجوب المحافظة عليها وإقامتها كثيرة جدًّا.

ومتى ظهر الحق واتضحت أدلته لم يجز لأحد أن يحيدَ عنه لقول فلان أو فلان لأن الله سبحانه يقول: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{([135] ويقول سبحانه: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{([136]).

ولا يخفى ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة والمصالح الجمَّة، ومن أوضح ذلك: التعارف والتعاون على البرَّ والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف، وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النَّفاق والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه وصلاح أمر الدنيا ولآخرة، وأَعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أَعمالنا، ومن مشابهة الكفّار والمنافقين، إنه جوادّ كريم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


 حكم مسابقة الإمام في الصلاة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد: فهذه كلمة موجزة عن حكم من يقوم بمسابقة الإِمام في الصلاة التي ابتُلي كثير من المصلين بها، ولا حول ولا قوة إِلا بالله، فنقول وبالله التوفيق: جاء عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «أَما يخاف الذي يرفع رأْسه قبل الإِمام أَن يحول الله رأْسه رأْسه حمار»([137]). قال الإِمام أَحمد وذلك لإِساءته في صلاته لأنه لا صلاة له.

عن البراء بن عازب قال: «كنا خلف النَّبيَّ ﷺ‬ فكان إِذا انحط من قيامة السجود لا يحني أَحد منا ظهره حتى يضع النَّبيَّ ﷺ‬ جبهته على الأَرض»([138]).

وفي "صحيح مسلم" أَن أَصحاب النَّبيَّ ﷺ‬ قالوا: «لقد كان النَّبيُّ ﷺ‬ يستوي قائماً وإنا لسجود بعد».

وفي "صحيح مسلم" أَن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «إِذا كبر الإِمام فكبروا، وإِذا قرأ فأَنصتوا». قال الإِمام أَحمد رحمة الله عليه([139]): «إِذا كبّر فكبروا»: أَن تنتظروا الإِمام حتى يكبر ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته ثم تكبرون بعده. اهـ.

فعلى هذا ينبغي أَن لا يكبر أَحدنا لركوع ولا لسجود ولا لخفض ولا لرفع حتى يكمل الإِمام صوته بأَن يقول (الله أَكبر)، ولكن بعض الناس هداهم الله لحظة ما يقول الإِمام الله أَكبر يهوي مع إِمامه، وهذا لا يجوز، بل لا بد أَن يكمل الإِمام التكبير ثم يكبر المأَموم بعده للأَحاديث الآمرة بالمتابعة والناهية عن المسابقة، فمسابقة الإِمام حرام لما سبق من الأَحاديث الصحيحة.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية([140]): أَما مسابقة الإِمام فحرام باتفاق الأَئمة، وقال: ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه كما رُوي عن ابن عمر «أَنه رأَى رجلاً يسابق الإِمام فضربه وقال: لا وحدك صليت ولا بإِمامك اقتديت». اهـ.

وقد قال([141]) العلماء: من كبَّر مع إِمامه للإِحرام -أَي: تكبيرة الإِحرام- لم تنعقد صلاته([142]). وذهب جماعة من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم إِلى أَن من ركع أَو سجد قبل إِمامه فعليه أَن يرفع ليأَتي به بعده، فإِنه لم يفعل عمداً بطلت صلاته.

فعلى كل مسلم -يحب الله ورسوله- أَن يمتثل ما أَمره به الله ورسوله في كل أُموره، وأَن ينتهي عن ما نهاه الله عنه ورسوله، والإِنسان يخرج إِلى الصلاة حينما يسمع الأَذان يبتغي بذلك وجه الله، لكن حينما يدخل في الصلاة يخدعه الشيطان ويبقى يسابق إِمامه.

فعليك أَخي المسلم، الاهتمام بصلاتك، والإِتيان بها على الوجه المطلوب فهي عمود الدين. فاتَّق الله واحذر كل الحذر من مسابقة الإِمام، فإِن مسابقة الإِمام فيها مخالفة لرسول الله ﷺ‬.

وعليك يا أَخي المسلم، أَن تنصح من تراه يقع في هذا العمل، وتحذره من ذلك، فإِن ذلك واجب عليك.

وأَنتم أَيها الأَئمة، عليكم بتقوى الله، وأَن تحاولوا بقدر استطاعتكم أَن لا يسابقكم المأْمومون من خلفكم، وعليكم أَن تذكروا جماعتكم وتنصحونهم وتعلمونهم بأَن هذه المسابقة مخالفة لأَمر الله ورسوله ﷺ‬، فإِن ذلك واجب عليكم، جاء في الحديث عن ابن مسعود t «من رأَى منكم من يسيء في صلاته فلم ينهه شاركه في وزرها وعارها فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم فإِنها آخر ما يفقد من دينكم وهي وصية نبيكم عند مفارقته للدنيا».

 وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد.


 وجوب الطمأنينة في صلاة التراويح

 وغيرها من الصلوات

من صالح بن أَحمد الخريصي إِلى من يراه ويسمعه من إِخواننا المسلمين وفقني الله وإِياهم لما يحبه ويرضاه..آمين.

السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

أَما بعد:

فاعلموا وفقني الله وإِياكم أَن التراويح من أَعلام الدين الظاهرة، وأَنها سنّة مؤكدة أَجمع المسلمون عليها، وفعل الصحابة لها مشهور، تلقته الأُمة عنهم خلفاً بعد سلف، وأَول من جمعهم على هذه الكيفية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t، كما روى مالك رحمه الله عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر t في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وهذا في مظنة الشهرة بحضرة من الصحابة، فكان إِجماعاً([143]).

مع أَنه ﷺ‬ صلى بأَصحابه ليالي ثم تركها خشية أَن تُفرض، كما في المتفق عليه من حديث عائشة t، ولم ينكرها إِلا أَهل البدع من الرافضة وغيرهم، ولهذا يذكرها أَهل السنّة والجماعة في عقائدهم. إِذا تقرر هذا فغير خاف ما وردت به السنّة من فضل قيام رمضان، والترغيب فيه، وما يترتب على ذلك من الأَجر والثواب، ولكن ينبغي أَن يعلم أَن الصلاة والقيام، بل وسائر الأَعمال حقيقية هي التي تقع على الوجه الشرعي الذي أَمر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ‬، وما سوى ذلك فإن العبد لا يثاب عليه بل قد يعاقب، وبعض الإِخوان وفقنا الله وإِياهم للصواب لا يحسن في هذه العبادة ويسرع فيها سرعة تخل بالمقصود، وهذا أمر لا يجوز، لأن العبد يطلب ثواب الله في هذه العبادة، والله تبارك وتعالى لا يتقرب إِليه إِلا بما يحب ويرضى، وقد قال عزَّ وجلَّ: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ{ الآية، وقال: }الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وقال: }وَأَقِمِ الصَّلاةَ وقال: }وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وقال الخليل عليه السلام: }رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ{ والآيات في هذه كثيرة، ولا تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل إِلا مقروناً بإِقامتها، وإِقامتها، هي الإِتيان بها قائمة تامة القيام، والركوع، والسجود، ووالأَذكار، وهذا لا يحصل مع هذه العجلة، وقد علق الله تبارك وتعالى الفلاح بخشوع المصلي في صلاته، ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر وكلما زادت العجلة قل خشوع المصلي، حتى تصير هذه العبادة بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع ولا إِقبال عليها.

أَفلا يتصور صاحب هذه الصلاة أَنها معروضة على الله عزَّ وجلَّ! فلا يأْمن أَن تلف كما يُلف الثوب الخَلق ويضرب بها وجهه، وربما ظن بعض الناس أَن التراويح تطوع ولا يلزم إِتمام الركوع والسجود والاعتدالين فيها، وهذا غلط ممن ظنه كما نبه عليه الإِمام أَحمد رحمه الله في الرسالة، لأَنه لما دخل في هذه العبادة وجب عليه إِتمامها، وإِكمالها، وإِحكامها، وقد نفي ﷺ‬ اسم الصلاة وحقيقتها عن المسيء في صلاته، حيث كانت خاليه من الطمأْنينة فقال: «ارجع فصل إِنك لم تصل»، وقد صلى صلاة ذات قيام وركوع وسجود، اعتدالين ولكن لما أَخلَّ بالطمأَنينة خاطبه النَّبيَّ ﷺ‬ بقوله: «فإِنك لم تصل».

فاحذر أَيها المصلي كصلاة المسيء أَن تكون كذلك، وقد سئل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد رحمهما الله عن العجلة في صلاة التراويح، فأَجاب رحمه الله، قولك إِن الإِمام إِذا استعجل صلى معه أَكثر الناس، وإِذا طول لم يصل معه إِلا القليل، فإِن الشيطان له غرض ويحرص على ترك العمل، فإِن عجز عن ذلك سعى فيما يبطل العمل، وكثير من الأَئمة في البلدان يفعل في التراويح فعل أَهل الجاهلية، يصلون صلاة ما يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع والسجود، والطمأنينة ركن لا تصح الصلاة إِلا بها والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله عزَّ وجلَّ واتعاظه بكلام الله إِذا تُلي عليه إِلى آخر كلامه رحمه الله([144]). وكلام الشيخ هذا هو الواقع في كثير من الأَئمة عصمنا الله وإِياهم.

فيا أَيها الإِخوان، انتبهوا لما أَشرت إِليه في هذه الكلمة، ولا يكن حظي القول وحظكم الاستماع فقط دون العمل، واعلموا أَن التراويح سميت بذلك لأَن السلف كانوا يتروحون بعد كل أَربع ركعات أَي يسترحون من طول القيام، وأَنهم كانوا يعتمدون على العصى من طول القيام، وهذا لا مطمع فيه، ولكن الذي ينبغي للعاقل اللبيب الناصح لنفسه الذي يريد نجاتها غداً أَن يتقي الله في أَموره عامة وفي هذه العبادة خاصة فرضها ونفلها، التي أَصبحت مضماراً لبعض الناس يحرص كل الحرص على أَن يسبق غيره في الخروج، وليس السابق في الحقيقة من خرج قبل الناس إِنما السابق من قام بما أُمر به وحصلت له مغفرة رّبه كما قال تعالى: }وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{([145]).

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله عند الانصراف من عرفة «ليس السابق من سبق به بعيره إِنما السابق من غفر له».

فاتقوا الله عباد الله: }وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ{([146]) و}وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([147]).

هذا وأَسأَل الله الكريم ربّ العرش العظيم أَن يهدينا وإِخواننا صراطه المستقيم إِنه جواد كريم رؤوف رحيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


 من الأَذكار

 المشروعة بعد السلام من الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله ﷺ‬: «الدعاء هو العبادة» أَخرجه الترمذي(*). وحرصاً منا على نشر السنّة، ولكون كثير من المصلين يأَتون ببعض الأَدعية على خلاف الثابت الصحيح عن رسّول الله ﷺ‬ فقد أَحببنا نشر هذه الأَذكار:

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إِلى جميع من يراه المسلمين: السُّنَّة أَن يأَتي بهذه الأَذكار بعد كل فريضة تأَسياً بالنَّبيَّ ﷺ‬.

(1) أَستغفر الله. (2) أَستغفر الله. (3) أَستغفر الله ([149]).

اللهم أَنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإِكرام([150])، لا إِله إِلا وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ([151]) لا حول ولا قوة إِلا بالله([152]) لا إِله إِلا الله ولا نعبد إِلا إِياه. له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إِله إِلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون([153])  اللهم لا مانع لما أَعطيت ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد([154]). معناها: (لا مانع لما أَعطى الله، ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الغنى غناه بل الكل فقراء إِلى الله عزَّ وجلَّ ثم بعد ذلك يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أَكبر ثلاثاً وثلاثين(*) ثم يقول تمام المائة لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ([156])  ثم يقرأ آية الكرسي([157])  }اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{ [سورة البقرة: آية 255].

ثم بعد ذلك يقرأ (قل هو الله أَحد والمعوذيتن بعد كل صلاة من الظهر والعصر والعشاء. وفي المغرب والفجر يكرر قل هو الله أَحد والمعوذتين ثلاث مرات هذا هو الأَفضل) ([158]).

وصلى الله على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وأَصحابه وأَتباعه بإِحسان إِلى يوم الدين.

قلت: ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب «لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» عشرات مرات للحديث الذي رواه الترمذي من حديث أَبي ذر وصححه([159]).


 مسائل في السهو في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين، وعلى آله وأَصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن كثيراً من الناس يجهلون كثيراً من أحكام سجود السهو. فمنهم من يترك السجود في موضعه، ومنهم من يسجد في غير موضع السجود.. ومهم من يسجد قبل السلام كلما سها وإن كان موضع السجود بعد السلام. حتى أصبح السجود للسهو بعد السلام أَمراً مستنكراً غريباً لدى أَكثر المصلين. ولهذا فإني أُقدم لإخواني بعضاً من أحكام هذا الباب راجياً من الله أَن يفتح بها وينفع بها عباده والله الموفق.

وقد جعلت الكلام في خمس مسائل يكثر وقوعها:

المسألة الأولى: إذا نسي فسلم قبل تمام صلاته ثم تذكر أَو ذكر. فإن كان ذلك بعد زمن قليل لا يتجاوزخمس أو أربع دقائق مثلاً فإنه يكمل صلاته ويسلم منها ثم يسجد للسهو بعد السلام سجدتين ويسلم بعدهما مرة ثانية. وإن لم يتذكر إلا بعد أَن طال الزمن فإنه يعيد الصلاة من جديد لتعذر بناء آخرها على أَولها. دليل ذلك:

ما ثبت في "الصحيحين" من حديث أَبي هريرة "أن النَّبيَّ ﷺ‬ صلى بهم الظهر أَو العصر فسلّم من ركعتين فخرج السرعان من أبواب المسجد يقولون قصرت الصلاة. وقام النَّبيُّ ﷺ‬ إلى خشبة في المسجد فاتكأ عليها كأَنه غضبان، فقام رجل فقال يا رسول الله، أَنست أَم قصرت الصلاة فقال النَّبيُّ ﷺ‬ لم أنس ولم تقصر، فقال الرجل: بلى قد نسيت، فقال النَّبيُّ ﷺ‬ للصحابة: أَحق ما يقول! قالوا: نعم. فتقدم النَّبيُّ ﷺ‬ فصلى ما بقي من صلاته ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم".

المسألة الثانية: إذا زاد في الصلاة قياماً أَو قعوداً أَو ركوعاً أَو سجوداً سهواً فإنه يسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك ما رواه عبدالله بن مسعود t "أن النَّبيَّ ﷺ‬ صلى الظهر خمساً فقيل له لمَّا سلَّم: أَزيد في الصلاة قال: وما ذاك قالوا: صليت خمساً فسجد سجدتين. وفي رواية " فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلّم".

وإذا قام المصلي إلى الركعة الزائدة فتذكر أَو ذكر وهو في أثنائها، فإنه لا يجوز له أَن يستمر فيها، بل يجب عليه أَن يجلس في الحال ويقرأ التشهد الأخير ثم يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم لأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد في صلاة على العدد المحدود شرعاً.

المسألة الثالثة: إذا نسى التشهد الأول ونهض حتى استتم قائماً، فإنه لا يرجع بل يستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل السلام. وإن تذكر أو ذكر بعد نهوضه وقبل أَن يستتم قائماً فإنه يرجع ويقرأ التشهد ثم يكمل صلاته. وإن تذكر أَو ذكر قبل أَن ينهض يعني أَنه رفع من السجود يريد القيام ولكنه تذكر أَو ذكر قبل أَن ينهض فخذيه عن ساقيه، فإنه يستقر في الجلوس وجوباً ويأتي بالتشهد، ثم يكمل صلاته ولا يسجد للسهو في هذه الحالة لأنه لم يأت بزيادة ولا نقص في صلاته.

ودليل السجود لترك التشهد الأول: ما رواه البخاري وغيره عن عبدالله بن بحينة t "أن النَّبيَّ ﷺ‬ صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أَن يسلم ثم سلم".

ومثل ذلك إذا نسي شيئاً من واجبات الصلاة، مثل أن ينسى قول سبحان ربّي العظيم في الركوع، أو قول ربّنا ولك الحمد في الرفع منه، أو قول سبحان ربّي الأعلى في السجود، فإنه يسجد للسهو قبل السلام جبراً لما نقص من صلاته بترك الواجب.

المسألة الرابعة: إذا نسي سجدة من إحدى الركعات حتى قام إلى الركعة التى تليها، فإنه يجب عليه أَن يرجع إلى الركعة السابقة ليأتي بالسجدة التي نسيها، ثم يكمل صلاته ويسجد للسهو قبل أَن يسلم، فإن لم يتذكر حتى وصل إلى موضعها من الركعة التي تليها، فإنه يلغي الركعة السابقة، وتقوم التي تليها مقامها، فيكمل عليها صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام.

مثال ذلك: إِنسان ترك السجدة الثانية من الركعة الأُولى سهواً، فلما قام إلى الركعة الثانية تذكر أو ذكر قبل أن يصل إلى محل السجود الثاني من الركعة الثانية، فإنه يرجع إلى الركعة الأولى، ويأتى بسجدتها التي نسيها، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ليتم صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام. وإن قام إلى الركعة الثانية ولم يتذكر إلا بعد السجدة الأولى منها، فإن الركعة الأولى تلغو وتقوم الركعة الثانية مقامها فتكون هي الأولى يكمل عليها صلاته ويسجد للسهو بعد السلام.

المسألة الخامسة: إذا شك في عدد الركعات، هل صلى ركعتين أَو ثلاثاً، فإن ترجح عنده أَحد الأمرين عمل بالراجح وأَتم عليه صلاته، ثم سلّم وسجد للسهو بعد السلام.

مثال ذلك: إِنسان يصلي الظهر، فلما كان في الركعة الثانية شك هل هي الركعة الثانية أَو الثالثة، وترجح عنده أَنها الثانية، فيجعلها الثانية وليأْت بركعتين ثم يسلم ثم يسجد للسهو بعد السلام ويسلّم له. وإِن ترجح عنده أَنها الثالثة جعلها الثالثة، وأَتى بركعة واحدة، ثم سلّم وسجد للسهو بعد السلام.

ودليل ذلك ما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن مسعود t أن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «إِذا شك أَحدكم في صلاته فليتحر الصواب». وفي رواية: «فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب فليتم عليه ثم يسلّم ثم ليسجد سجدتين وإن لم يترجح عنده شيء فإنه يعمل بالأقل فيتم عليه ويسجد سجدتين قبل أن يسلم».

مثاله: إِنسان يصلى الظهر، فلما كان في الركعة الثانية شك هل هي الثانية أو الثالثة، ولم يترجح أَحد الأمرين، فيجعلها الثانية وليأْت بركعتين، ثم يسجد للسهو قبل أَن يسلّم.

ودليل ذلك ما رواه أَبو سعيد الخدري t أن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلّم» رواه أحمد ومسلم.

واعلم أَنه إِذا حصل الشك بعد فراغ الصلاة والسلام منها، فإنه لا يلتفت إليه، والأصل وقوع الصلاة على الصواب، كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك إلا إذا تيقن أَن في الصلاة زيادة أو نقصاً فليعمل بمقتضى يقينه والله أعلم.


(فائدة)

علم مما سبق أن السجود للسهو كله قبل السلام إلا في موضعين:

أحدهما: إذا زاد في صلاته ومنه إذا سلّم قبل تمام صلاته ناسياً ثم ذكر قريباً وأتمها فإنه يسجد للسهو بعد السلام.

الثاني: إِذا شك في عدد الركعات وترجح عنده أَحد الأَمرين فإِنه يعمل بالراجح فيتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام. والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم.

قاله كاتبه: محمد الصالح العثيمين:

هذه أَبيات لإِبراهيم بن أَدهم رحمه الله في الحث على قيام الليل قال:

قم الليل يا هذا لعلك ترشد

إلى كم تنام الليل والعمر ينفذ

أراك بطول الليل ويحك نائماً

وغيرك في محرابه يتهجد

أَترقد يا مغرور والنار توقد

فلا حرّها يطفى ولا الجمر يخمد

ألا إنها نار يقال لها لظى

فتظلم أحياناً وحيناً توقد

فيا راكب العصيان ويحك خلها

ستحشر عطشاناً ووجهك أسود

ولو علم البطال ما نال زاهد

من الأجر والإحسان ما كان يرقد

فصام وقام الليل والناس نُوَّم

ويخلو بربًّ واحد يتعبد

بعزم وحوم واجتهاد ورغبة

ويعلم أن الله ذو العرش يُعبد

فلو كانت الدنيا تدوم لأهلها

لكان رسول الله حيًّا يخلد

فكم بين مشغول بطاعة ربّه

وآخر بالذنب الثقيل مقيد

فهذا سعيد في الجنان منعم

وذاك شقي في الجحيم مخلد

كأَني بنفسي في القيامة واقف

وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد

وقد نصب الميزان للفصل والقضا

وقد قام خير العالمين محمد  

إلى الله يرجو لطفه تحت عرشه

بكل دعاء صالح وهو ساجد  

ليشفع عند الله في أهل موقف

توالت على العاصين في الشدائد

فَصَلَّ إلهي كل يوم وليلة

على أحمد المختار ما حنَّ راعد

مع الآل والأصحاب ما قال قائل

قم الليل يا هذا لعلك ترشد


 (مواضع رفع اليدين في الصلاة)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ‬: «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وإِذَا كَبَّرَ لَلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» مُتَّفَق عَلَيْه.

وفي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ عند أَبي دَاوُدَ «يَرْفَعُ يَدَيْه حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مِنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبَّرُ ».

ولِمُسْلِم عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرَثِ نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ قَالَ «حَتَّى يُحاذِىَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ».

الحديث دليل على مشروعية رفع اليدين في هذه الثلاثة المواضع، ويشرع رفع اليدين أَيضاً إِذا قام من التشهد الأَول، قال البخاري: باب رفع اليدين إِذا قام من الركعتين وذكر الحديث عن نافع أَن ابن عمر "كان إِذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإِذا ركع رفع يديه وإِذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه وإِذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إِلى نبي الله ﷺ‬ والجمع بين قوله: «حتى يحاذي بهما منكبيه» وقوله «حتى يحاذي بهما فروع أُذنيه» أَنه يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأَطراف أَنامله الأُذنين([160]).


(فائدة)

 (المواضع التي كان النبي ﷺ‬ يدعو فيها في الصلاة، سبعة مواطن) (*)

أَحدُها: بعد تكبيرة الإِحرام في محل الاستفتاح.

الثاني: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر([162]) والقنوت العارض في الصبح قبل الركوع إِن صح ذلك، فإِن فيه نظراً.

الثالث: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث عبدالله بن أَبي أَوفي: كان رسول الله ﷺ‬ إِذا رفع رأْسه من الركوع قال: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، اللهم رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلءَ السَّمَاواتِ، وَمِلءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللهم طَهَّرْني بالثلج والبرد، والماء البارد، اللهم طهرني مِنَ الذُّنُّوبِ وَالخطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأُبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ»([163]).

الرابع: في ركوعه كان يقول: «سُبْحَانَكَ اللهم رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهم اغْفِرْ لِي»([164]).

الخامس: في سجوده، وكان فيه غالب دعائه.

السادس: بين السجدتين.

السابع: بعد التشهد وقبل السلام، وبذلك أَمر في حديث أَبي هريرة([165]). وحديث فَضَالة بن عبيد([166])، وأَمر أَيضاً بالدعاء في السجود.

وأَما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أَو المأْمومين، فلم يكن ذلك من هديه ﷺ‬ أَصلاً، ولا رُوي عنه بإِسناد صحيح، ولا حسن.

وأَما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أَحدٌ من خلفائه، ولا أَرشد إِليه أُمته، وإِنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنَّة بعدهما، والله أَعلم. وعامة الأَدعية المتعلقة بالصلاة إِنما فعَلَها فيها.

 1- مسؤولية الإِمام والمأْموم

إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إِليه، ونعوذ بالله من شرور أَنفسنا ومن سيئات أَعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأَشهد أَن لا إِله الله، وحده لا شريك له، وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابه ومن تبعهم بإِحسان وسلم تسليماً.

أَما بعد:

أَيها الناس، اتقوا الله تعالى وتعلَّموا حدود ما أَنزل الله على رسوله لتعبدوا ربكم على بصيرة وبرهان، فإِنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. لا يستوي من يعبد الله وهو يعلم كيف يعبده، ويعلم أَنه يعبده على شريعة الله تعالى وسنّة رسولهr، ومن يعبده وهو يجهل ذلك. ومتى علمتم حدود ما أَنزل الله فاتقوا الله في التزامها ما استطعتم، وطبقوها كما علمتم}وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{([167] ولا تأْخذكم في ذلك لومة لائم أَو انتقاد منتقد: }أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ [سورة التوبة: آية 13].

أَيها الناس، إِن من حدود ما أَنزال الله على رسوله حدود صلاة الجماعة.

حيث حدَّ للإِمام فيها والمأْموم ما لم يكن محدوداً في حالة الانفراد، وكل واحد منهما مسؤول عما يختص به.

فمن مسؤوليات الإِمام: أَن يحرص على إِكمال الصلاة، بحيث تكون مثل صلاة النَّبيَّ ﷺ‬ في أَصحابه رضي الله عنهم، فإِنها أَتم صلاة وأَخفها، كما قال أَنس بن مالك رضي الله عنه: «ما صليت وراء إِمام قط أَخف صلاة ولا أَتم صلاة من رسول الله ﷺ‬»([168])، فالإِمام لو صلى وحده لكان له الخيار بين أَن يقتصر على أَقل الواجب في الصلاة وبين أَن يفعل أَعلى مطلوب فيها، ولكنه إِذا صلى بالجماعة لم يكن مخيراً في ذلك، بل يجب عليه أَن يراعي من خلفه بحيث يتمكنون من فعل أَدنى الكمال في صلاتهم، لأَنه لا يصلي لنفسه فحسب، وإِنما يصلي لنفسه ولمن خلفه. فليتق الله فيهم، ولا يحرمهم من فعل أَدني الكمال خلفه، وإِن ترقى إِلى أَن تكون صلاته كصلاة النَّبيَﷺ‬ فهو أَكمل وأَطيب. ومن مسؤوليات الإِمام: أَن يحرص على إِقامة الصفوف وتسويتها بالقول وبالفعل إِذا لم يفد القول، فيأْمرهم بتسوية الصفوف، وإِقامتها، ويؤكد عليهم، ويتوعد هم على مخالفتها، ويسويها بيده إِن لم ينفع ذلك، كما كان نبينا وإِمامنا وقدوتنا يفعل ذلك. فعن أَنس بن مالك رضي الله عنه أَن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «سووا صفوفكم فإِن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه، وللبخاري «من إِِقامة الصلاة» ولأَبي داود «رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأَعناق »، وله من حديث ابن عمر أَن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «أَقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأَيدي إِخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان»- يعني الفضاء بين الرجلين فإِن الشيطان يدخل فيه من بين أَهل الصف -. قال ﷺ‬: «ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه ([169])  الله» .

وفي "الصحيحين" عن أَنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُقيمت الصلاة فأَقبل علينا رسول الله ﷺ‬ فقال: «أَقيموا صفوفكم وتراصوا»، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ‬ يسوي صفوفنا حتى كأَنما يسوي بها القداح حتى رآنا أَنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: «عباد الله لتسونَّ صفوفكم أَو ليخالفن بين وجوهكم» أَي بين قلوبكم كما في رواية لأَبي داود. وهذا وعيد شديد على من لا يسوون الصفوف، أَن يخالف الله بين قلوبهم، فتختلف وجهات نظرهم، وتضيع مصالحهم بسبب اختلافهم: وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يتخلل الصف من ناحية إِلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»([170]). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يسوي يعني صفوفنا إِذا قمن للصلاة فإِذا استوينا كبّر» رواهما أَبو داود([171]).

فانظروا قوله: «فإِذا استوينا كبّر»، هذه الجملة الشرطية تجدوها صريحة في أَنه ﷺ‬ لا يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف، ولقد أَدرك ذلك الخلفاء الراشدون والأَئمة المتبعون لرسول الله ﷺ‬، ففي «الموطأ» عن أَمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أَنه كان يأَمر بتسوية الصف فإِذا جاؤه فأَخبروه أَن قد استوت كبّر وكان قد وكل رجالاً بتسوية الصفوف". وقال مالك بن أَبي عامر: "كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأَنا أُكلمه – يعني في حاجة- حتى جاء رجال كان قد وكلهم بتسوية الصفوف فأَخبروه أَن الصفوف قد استوت فقال لي: استو في الصف ثم كبّر".

فهذا فعل رسول الله ﷺ‬ وخلفائه الراشدين لا يكبرون للصلاة حتى تستوي الصفوف، أَفليس من الجدير بنا أَن يكون لنا فيهم أُسوة أَن نأَمر بتسوية الصفوف وإِقامتها، وأَن ننتظر فلا نكبر للصلاة حتى نراهم قد استووا على الوجه المطلوب، وأن لا نخشى في ذلك لومة لائم أَو تضجر، لكن مع الأسف أَن كثيراً من الأئمة فتح الله علينا وعليهم لا يولي هذا الأمر عناية، وغاية ما عنده أن يقولها كلمة علي العادة استووا اعتدلوا، فلا يشعر نفسه بالمقصود منها، ولا يبال من خلفه بها ولا يأتمرون بها، تجده يقول ذلك وهم باقون علي اعوجاجهم وتباعد بعضهم عن بعض، ولو أن الإمام شعر بالمقصود، ونظر إلى الصفوف بعينه، وانتظر حتى يراهم قد استوا استواءً كاملاً، ثم كبّر لبرئت ذمَّته وخرج من المسؤولية.

هذه بعض من مسؤوليات الإمام في إمامته. أما المأموم فإنه لو كان يصلي وحده لكان مخيراً بين أَن يقتصر على أدنى واجب في صلاته، أو أن يطول فيها، ولكنه إذا كان مع الإمام؛ فقد ارتبطت صلاته بصلاة إمامه؛ فلا يجوز أَن يتقدم على الإمام بالتكبير، ولا القيام، ولا القعود، ولا الركوع، ولا السجود، ولا يأتي بذلك مع الإمام أيضاً، وإنما يأْتي بعده متابعاً له، فلا يتأخر عنه. قال النَّبيَّ ﷺ‬ «أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأْسه رأْس حمار أَو يجعل صورته صورة حمار»([172]). وقال أيضاً «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أَجمعون»([173]).

ومن مسؤوليات المأموم: المحافظة على تسوية الصفوف، وأَن يحذر من العقوبة على من لم يسوها، وأَن يحافظ على المراصة فيها، وسد خللها، والمقاربة بينهما، ووصلها بتكميل الأول فالأول، وأَن يحذر من عقوبة قطع الصفوف؛ فإن من قطع صفاً قطعه الله. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة t أَن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «لو يعلم الناس ما في النداء -يعني: الأذان- والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أَن يستهموا عليه -يعني يقترعوا عليه- لاستهموا»، وقال: «خير صفوف الرجال أَولها وشرها آخرها»([174] وقال ﷺ‬: «أَتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر» رواه أَبو داود([175]). ورأَى في أصحابة تأخراً، وفي لفظ رأى قوماً في مؤخر المسجد فقال: «تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله»([176]).

فهل ترضى أَيها المسلم لنفسك أَن تكون في شر الصفوف، وهو آخر الصفوف مع تمكنك من أولها؟ هل ترضى لنفسك أَن تعرضها للعقوبة بالتأَخر عن مقدم الصفوف حتى يؤخرك الله في جميع مواقف الخير؟ هل ترضى لنفسك أَن لا تصف بين يدي ربّك كما تصف الملائكة عند ربّها يتراصون في الصف ويكملون الصفوف المقدمة؟ ما من إنسان يرضى لنفسه بذلك إلا وقد رضي لها بالخسران.

قتقدموا أيها المسلمون إلى الصفوف، وأَكملوا الأول فالأول، وتراصوا فيها، وتساووا، ولينوا بأيدي إِخوانكم إذا جذبوكم لتسوية الصف، أَو التراص فيها؛ لتتموا صلاتكم؛ وتمتثلوا أمر نبيكم؛ وتقتفوا أثر سلفكم الصالح. ومن وجد الصف تاماً، ولم يجد له مكاناً فيه، فليصل خلفه ولا حرج عليه. ومن صلى وحده خلف الصف وهو يجد مكاناً فيها فلا صلاة له. وإذا اجتمع ثلاثة فصلى بهم أحدهم فليتقدم عليهم. وإذا كانوا يصلون على بساط ونحوه لا يتسع لتقدم الإمام عليهم؛ فليصلوا صفاً واحداً، ويكون الإمام بينهما مساوياً لهما، أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره. وإذا اجتمع اثنان وأَرادا الصلاة جماعة؛ صلى الإمام عن يسار المأموم، والمأْموم عن يمينه، مستويين لا يتقدم الإمام عن المأموم لا قليلاً ولا كثيراً.

فاتقوا الله لعلكم تفلحون: }وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{([177]). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. إلخ([178]).


من أحكام الإمامة والائتمام(*)

(1) شروط الإمام:

يشترط في الإمام أن يكون ذكراً عدلاً فقيهاً، فلا تصح إمامة المرأة للرجال، ولا تصح إمامة الفاسق المعروف بالفسق إلا أَن يكون سلطاناً يخاف منه، ولا إمامة الأُمَّي الجاهل إِلا لمثله، لقوله ﷺ‬: «لا تؤمنَّ امرأة رجلاً ولا فاجرٌ مؤمناً، إلا أَن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أَو سيفه» رواه ابن ماجة وهو ضعيف، غير أن الجمهور على العمل بمقتضاه. وما ورد من إمامة المرأة فهو مقيد بأهل بيتها من نساء وأولاد، كما أَن ما ورد من إمامة الفاسق مقيد بالأحوال الاضطرارية.

(2) الأولى بالإمامة:

أَولى الجماعة بالإمامة أَقرأهم لكتاب الله تعالى، ثم أفقههم في دين الله، ثم الأكثر تقوى، ثم الأكبر سنناً لقوله ﷺ‬: «يؤم القوم أَقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأَعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأَقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأَكبرهم([180]) سنناً»([181])، ما لم يكن الرجل سلطاناً أَو صاحب المنزل فيكون أَولى من غيره بالإمامة، لقوله ﷺ‬: «لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله ولا سلطانه إلا بإذنه». روى هذه الجملة مع الحديث السابق سعيد بن منصور رحمه الله تعالى.

(3) إمامة الصبي:

 تصح إِمامة الصبي في النافلة دون الفريضة؛ إِذ المفترض لا يصلي وراء المتنفل والصبي صلاته نافلة، فلا تصح إِمامته في الفرض، لقوله ﷺ‬: «لا تختلفوا على إِمامكم»([182]). ومن الاختلاف أَن يصلي مفترض وراء متنفل. وخالف الجمهور في هذه المسأَلة الإِمام الشافعي رحمه الله، فقال بجواز إِمامة الصبي في الفروض مستشهداً برواية عمرو بن سلمة، والتي جاء فيها أَن النَّبيَّ ﷺ‬ قال لقومه: «يؤمكم أَقرؤكم، قال: فكنت أَؤمهم وأَنا ابن سبع سنين»([183]).. غير أَن الجمهور ضعفوا الرواية، وقالوا: على فرض صحتها فإِنه من المحتمل أَن يكون النَّبي ﷺ‬ لم يطلع على إِمامة عمرو لهم، إِذ كانوا في صحراء بعيدين عن المدينة(*).

(4) إِمامة المرأة:

تصح إِمامة المرأة للنساء، وتقف وسطهَّن، إِذ أَذن الرسول ﷺ‬ لأَمَّ ورقة بنت نوفل في اتخاذ مؤذن لها في بيتها لتصلي بأَهل بيتها([185]).

(5) إِمامة الأَعمى:

تصح إِمامة الأَعمى، إِذ قد استخلف النَّبيُّ ﷺ‬ ابن أُمَّ مكتوم على المدينة مرتين، فكان يصلي بهم وهو رجل أَعمى، رضي الله عنه([186]).


(6) إِمامة المفضول:

تصح إِمامة المفضول مع وجود من هو أَفضل منه، إِذ صلى رسول الله ﷺ‬ وراء أَبي بكر، ووراء عبدالرحمن بن عوف، وهو ﷺ‬ أَفضل منهما ومن سائر الخلق([187]).

(7) إِمامة المتيمم:

تصح إِمامة المتيمم بالمتوضئ، إِذ صلى عمرو بن العاص بسريّة وهو متيمم، ومن معه متوضئون، وبلغ ذلك رسول الله ﷺ‬ فلم ينكره([188]).

(8) إِمامة المسافر:

تصح إِمامة المسافر، غير أَنه على المقيم إِذا صلى وراء المسافر أَن يتم صلاته بعد الإِمام، إِذ صلى رسول الله ﷺ‬ بأَهل مكة وهو مسافر وقال لهم: «يا أَهل مكة أَتمُّوا صلاتكم فإِنا قوم سفر([189])».

وإِن صلى مسافر وراء مقيم أَتمَّ معه، إِذ سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الإِتمام وراء المقيم؟ فقال: «سنّة أَبي القاسم»([190]).

(9) وقوف المأَموم مع الإِمام:

إِذا أَمَّ الرجل آخر وقف عن جنبه الأَيمن، وكذا المرأة إِذا أَمَّت أُخرى وقفت عن جنبها، ومن أَمَّ اثنين فأكثر وقفوا وراءه، وإِن اجتمع رجال ونساء وقف الرجال خلف الإِمام ووقف النساء وراءهم، وإِن كان رجل وامرأَة وقف الرجل ولو صبياً مميزاً إِلى جنب الإِمام، ووقفت المرأَة خلفهما، وذلك لقوله ﷺ‬: «خير صفوف الرجال أَولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أَولها»([191]).

ولفعله ﷺ‬: «فقد وقف مرة في غزوة يصلي فجاء جابر فوقف عن يساره فأَداره حتى أَقامه عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره، فأَخذهما ﷺ‬ بيديه جميعاً فأَقامهما خلفه»([192]). ولقول أَنس رضي الله عنه: «أَن النبيَّ ﷺ‬ صلى به وبأُمَّه، فأَقامني عن يمينه، وأَقام المرأَة خلفنا»([193]). وقوله أَيضاً: «صففت أَنا واليتيم وراء رسول الله والعجوز من ورائنا»([194]).

(10) سترة الإِمام سترة لمن خلفه:

إِذا صلى الإِمام إِلى سترة لم يحتج المأَموم إِلى سترة أُخرى، إِذ كانت تركز الحربة للنَّبيَّ ﷺ‬ فيصلي إِليها ولا يأَمر أَحدًا من خلفه بوضع سترة أُخرى([195]).

(11) وجوب متابعة الإِمام:

يجب على المأَموم أَن يتابع إِمامه، ويحرم عليه أَن يسبقه، ويكره له أَن يساويه فإِن سبقه في تكبيرة الإِحرام وجب عليه أَن يعيدها، وإِلا بطلت صلاته، وكذا تبطل صلاته إِن سلم قبله، وإِن سبقه في الركوع أَو السجود أَو في الرفع منهما، وجب عليه أَن يرجع ليركع أَو يسجد بعد إِمامه، وذلك لقولهr: «إِنما جعل الإِمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإِذا كبّر فكبروا، وإِذا ركع فاركعوا، وإِذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإِذا سجد فاسجدوا، وإِذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أَجمعون »([196]).

وقوله: «أَما يخشى أَحدكم إذا رفع رأسه قبل الإِمام أَن يحوِّل الله رأْسه رأْس حمار، أَو يحوِّل الله صورته صورة حمار»([197]).

(12) استخلاف الإِمام المأَموم لعذر:

إِن ذَكَرَ الإِمامُ أَثناء صلاته أَنه محدث، أَو طرأَ له الحدث، أَو رعف، أَونابه شيء لم يستطع الاستمرار معه في الصلاة، له أَن يستخلف ممن وراءه من المأمومين من يتم بهم صلاتهم وينصرف، فقد استخلف عمر رضي الله عنه عبدالرحمن بن عوف عندما طعن وهو في الصلاة ([198])  واستخلف علي رضي الله عنه من رعاف أصابه([199]).

(13) تخفيف الإِمام الصلاة:

يستحب للإِمام أَن لا يطيل في الصلاة إِلا قراءة الركعة الأُولى إِذا كان يرجو أَن يدركها من تخلف من الجماعة، فإِنه ﷺ‬ كان يطيلها، وذلك لقوله ﷺ‬: «إِذا صلى أَحدكم بالناس فليخفف فإِن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإِذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» ([200])(*)


(14) كراهية إِمامة من تكرهه الجماعة:

يكره للرجل أَن يؤم أُناسا هم له كارهون، إِذا كانت كراهتهم له بسبب ديني لقوله ﷺ‬: «ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً، رجل أَمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأَخوان متصارمان»([202]).

(15) من يلي الإِمام، وانحراف الإِمام بعد السلام:

يستحب أَن يلي الإِمام أَهل العلم والفضل لقوله ﷺ‬: «ليَلِني منكم أُولوا الأَحلام والنهى»([203]). كما يستحب للإِمام إِذا سلم أَن ينحرف عن مصلاه يميناً أَو شمالاً، ويستقبل الناس بوجهه، لفعل الرسول ﷺ‬ ذلك. روى هذا أَبو داود والترمذي وحسنه عن قبيصة بن هلب قال: «كان النَّبيَّ ﷺ‬ يؤمّنا فينصرف على جانبيه جميعاً، على يمينه وعلى شماله ».

(16) تسوية الصفوف:

يُسنُّ للإِمام والمأَمومين تسوية الصفوف وتقويمها حتى تستقيم، إِذ كان الرسول يقبل على الناس ويقول: «تراصوا واعتدلوا». ويقول: «سوُّوا صفوفكم، فإِن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»([204]). وقال: «لتسوونَّ صفوفكم أَو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم»([205]). وقال: «ما من خطوة أَعظم أَجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف سدها»([206]).

 المسبوق

(17) دخوله مع الإمام على أي حال:

إذا دخل المصلي المسجد ووجد الصلاة قائمة، وجب عليه أَن يدخل فوراً مع الإمام على أَيَّ حال وجده، راكعاً أَو ساجداً، أَو جالساً، أَو قائماً، لقوله ﷺ‬: «إذا أَتى أَحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام». رواه الترمذي وفي سنده ضعف، غير أن العمل عليه عند جماهير العلماء لما عضده من روايات أُخرى.

(18) إدراك الركعة بإدراك الركوع:

تُدرك الركعة للمأموم إِذا أَدرك الإمام راكعاً فركع معه قبل أَن يرفع الإمام من ركوعه، لقوله ﷺ‬: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدُّوها شيئاً، ومن أَدرك الركوع فقد أَدرك الركعة»([207]).

(19) قضاء ما فات بعد سلام الإمام:

إذا سلم الإمام يقوم المأموم لقضاء ما فاته من صلاته، وإن شاء جعل ما فاته هو آخر صلاته لقوله ﷺ‬: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأَتموا»([208]). فلو أَدرك ركعة من المغرب مثلاً، قام فأَتى باثنتين، الأُولى بالفاتحة والسورة، والثانية بالفاتحة فقط، ثم تشهَّد وسلم، وإن شاء جعل ما فاته أَول صلاته لقول الرسول في رواية أُخرى: «وما فاتكم فاقضوا»([209]). وعليه فإن فاتته ركعة من المغرب قام فأَتى بركعة بالفاتحة والسورة جهراً، كما فاتته ثم تشهد وسلّم. وقد ذهب بعض المحققين من أهل العلم إلى أَن كون ما يدركه يجعله أَول صلاته أَرجح(*).


(20) قراءة المأموم خلف الإمام:

لا تجب على المأموم القراءة إذا كان في صلاة جهرية، بل يسنُّ له الإنصات، وقراءة الإمام مجزية له لقوله ﷺ‬: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»([211]). وقوله: «ما لي أُنازع القرآن؟ ». فانتهى الناسُ أَن يقرأوا فيما يجهر عليه الصلاة والسلام([212]). وقوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأَ فأَنصتوا»([213]). غير أنه يُسنّ له أن يقرأَ فيما لا يجهر الإمام فيه، كما يستحب له أن يقرأَ الفاتحة في سكتات الإمام([214]).

(21) لا يجوز الدخول في النافلة إذا أُقيمت الفريضة:

لايجوز أَن يدخل في النافلة إِذا أُقيمت الفريضة، وإِن أُقيمت وهو فيها قطعها إِن لم تنعقد الركعة بالرفع من الركوع، وإلا أَتمها خفيفة، لقوله ﷺ‬: «إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إِلا المكتوبة» رواه مسلم.

(22) إطالة الإمام الركعة الأولى وانتظار من أَحس به داخلاً ليدرك الجماعة.

يشرع للإمام أَن يطول الركعة الأولى انتظاراً للداخل ليدرك فضيلة الجماعة، كما يستحب له انتظار من أحس به داخلاً وهو راكع، أو أثناء القعود الأخير. ففي حديث أبي قتادة أَن رسول الله ﷺ‬ كان يطول في الأولى. قال فظننا أَنه يريد بذلك أَن يدرك الناس الركعة الأُولى. وعن أَبي سعيد قال: «لقد كانت الصلاة تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ ثم يأَتي ورسول الله ﷺ‬ في الركعة الأولى مما يطولها». رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي([215]).

(23) إدراك الإمام:

من أدرك الإمام كبّر تكبيرة الإحرام قائماً ودخل معه على الحالة التي هو عليها، ولا يعتد بركعة حتى يدرك ركوعها، سواء أَدرك الركوع بتمامه مع الإمام، أَو انحنى فوصلت يداه إِلى ركبتيه قبل رفع الإمام؛ فعن أَبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدُّوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أَدرك الصلاة» رواه أَبو دواد وابن خزيمة في «صحيحه»، والحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح.

والمسبوق يصنع مثل ما يصنع الإمام فيقعد معه القعود الأخير، ويدعوا ولا يقوم حتى يسلم، ويكبر إذا قام لإتمام ما عليه([216]).

(24) جواز مفارقة الإمام لعذر:

يجوز لمن دخل في الصلاة مع الإمام أَن يخرج منها بنيّة المفارقة ويتمّها وحده إذا أَطال الإمام الصلاة. ويلحق بهذه الصورة حدوث مرض، أَو خوف ضياع مال، أَو تلفه، أَو فوات رفقة، أَو حصول غلبة نوم، ونحو ذلك. لما رواه الجماعة عن جابر قال: كان معاذّ يصلي مع رسول الله ﷺ‬ العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم؛ فأخر النبي ﷺ‬ العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، ولكن لآتينَّ رسوا الله ﷺ‬ فأُخبره: فأَتى النَّبيَّ ﷺ‬ فذكر له ذلك فقال: «أَفَتَّانٌ أَنت يا معاذ، أَفَتَّانٌ أَنت يا معاذ، اقرأ سورة كذا وكذا»([217]).

(25) مما ينبغي للإمام:

يتعين على كل إمام مسجد أَن يذكَّر جماعته من الرجال والنساء ويرشدهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم في معاشهم ومعادهم، فإن هذا من التعاون على البر والتَّقوى، والتواصي بالحق وبالصبر، فمن أهم المهمات وأهم الواجبات الصلوات الخمس، فيتعين الحث عليها، والأمر بالمحافظة عليها جماعة، وتفقد المتخلفين عنها. فالإمام مسؤول عن هذا، فعليه أن يؤدي ما يستطيعه من الأمر بها، وبيان فضلها، وما يتعلق بها من بيان أركانها، وواجباتها، وشروطها، وبيان ما يجب لها من شروط الوضوء، وشروطه، ونواقضه، ثم ما يستطيع بيانه من الزكاه، ومحلها من الشريعة، وأنها أَحد أَركان الإسلام ومبانيه، ثم ما يستطيعه من بيان الصوم، وأَن صوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام، وما يجب له، وما يستحب فيه، وما يحرم على الصائم، وما يكره في حقه على حسب استطاعته.

وكذلك ينبغي أَن يحث جماعته على المسارعة إِلى الخيرات، واستدراك الوقت قبل الفوات([218]).

تنبيهات:

 1- ينبغي للإمام إذا سلّم من صلاته أَن لا ينصرف عن القبلة إلى المأمومين حتى يستغفر الله ثلاثاً ويقول: «اللهم أَنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام» لحديث عائشة رواه مسلم.

2- إذا صلى النساء مع الرجال في المسجد مكث الرجال قليلاً حتى ينصرف النساء لحديث أُم سلمة رواه البخاري.

3-ينبغي للإمام أَن لا يطيل الجلوس في مصلاه لحديث أُم سلمة المتقدم ذكره أنه ﷺ‬ «كان يمكث في مكانه يسيراً قبل أَن يقوم» رواه البخاري.

(26) مسؤولية الإمام:

الإمام مسؤول وضامن، وعليه أن يتحرى إتمام الصلاة، وعدم إنقاص شيء منها، والإتيان بها على وجهها، فعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «من أَمَّ قوماً فإن أَتمَّ فله التمام ولهم التمام وإن لم يتمَّ فلهم التمام وعليه الإثم»([219]).

وفي «صحيح البخاري» عن أبي هريرة أَن رسول ﷺ‬ قال: «يصلون لكم فإن أَصابوا فلكم ولهم وإن أَخطؤوا فلكم وعليهم».

وقال رسول الله ﷺ‬: «ثلاثة على كثبان المسك: عبد أَدَّى حق الله وحق مواليه، ورجل أمَّ قوماً وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يومٍ وليلة»([220]).

فالإمام يجب أن يكون مرضيًّا عنه غير مكروه([221]). فعن ابن عباس عن النَّبيَّ ﷺ‬ قال: «ثلاثة لا تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أَمَّ قوماً وهم له كارهون وامرأَة باتت وزوجها عليها ساخط وأَخوان متصارمان»([222]).

والإمام مرشد وراع مسؤول عن رعيته، فهو الذي يتحرى الصلاة في الوقت، وهو الذي يتحرى القبلة واتجاهها، وهو الذي يسوي الصفوف عمليًّا ويرصها، وهو الذي يعهد إلى أولى الأحلام والنهي أَن يلوه في الصف ليحلوا محله إذا أصابه عذر، أو يفتحوا عليه إذا التبست عليه القراءة أو ينبهوه بالتسبيح إذا أَخطأ، وهو الذي يأمر بسدَّ الخلل في الصفوف وبتقاربها، وهو الذي يأمر بتأخر النساء وتقدم الرجال في الصفوف. ففي «صحيح مسلم»: «خير صفوف الرجال أَولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أَولها» وهو الذي يرقب حركات المصلَّين والمتوضئين ويصححها. والإمام هو القدوة في الصلاة فلا يطيلها كثيراً كي لا يفتن الناس، ولا يجعلها كنقر الديك([223])، بل يطمئن ويعتدل ويُسمع صوته في الصلاة الجهريّة، ويرتل القرآن ترتيلاً حسناً، ويقف على رؤوس الآي، فلا يصلها بما بعدها، ويحسن صوته بالقرآن([224])، ولا يتقعّر، ولا يجعله غناءً، أَو نواحاً، ولا يتخصر([225])، ولا يلتفت([226])، في صلاته، ولا يقف أعلى من المأمومين([227])، وينتظر إِن أَحس داخلاً ليدرك فريضة الجماعة. ويمكث قليلاً بعد الصلاة كي ينصرف النساء.

فالإمام الحق: هو الذب يقتدي برسول الله ﷺ‬، ويفعل كما يفعل ﷺ‬ حين كان يؤم الناس. فلقد روى ابن خزيمة في «صحيحه» عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله ﷺ‬ يأتي الصف من ناحية إلى ناحية فيمسح مناكبنا أو صدورنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم». وكان ﷺ‬ يقول: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلون الصفوف الأُولى». رواه أَبو داود.

وروى البخاري في «صحيحه» عن أنس قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله ﷺ‬ بوجهه فقال: «أَقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري». وفي رواية البخاري: «فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه»، وفي رواية عند أبي داود عن النعمان بن بشير: «فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه» وسنده صحيح.

ويشترط في الإمام -لا سيما إذا كان هو الخطيب أَيضاً- أَن يكون عالماً بالعقائد الصحيحة حتى لا يزيغ ويضلل الناس، وعالماً بالفروع كي يصحح العبادات ويجيب عن أسئلة المأمومين، وعالماً باللغة العربية كي يؤلف الكلام البليغ والموعظة الحسنة. وأن يكون نبيهاً، فطناً، وجيهاً تهابه القلوب، وتجلّه العيون، صالحاً، تقيًّا، مهذباً، ورعاً، قنوعاً، زاهداً، غير متجاهر بمعصية، يفعل ما يقول، فذلك أَدعى إلى قبول الموعظة منه والإرشاد([228]).

 من آداب الإمام([229])

وفيه مسائل:

1- قال التاج السبكي في "معيد النعم": من حق الإمام النصح للمؤتمين بأن يخلص في صلاته ويجأر في دعائه، ويتضرع في ابتهاله، ويحسن طهارته وقراءته، ويحضر إلى المسجد أول الوقت، فإن اجتمع الناس بادر بالصلاة، وإلا انتظر الجمع ما لم يفحش الانتظار. وبالجملة فينبغي أن يأتي بصلاته على أكمل ما يطيقه من الأحوال، انتهى.

2- قال الإمام ابن عاشر المالكي: شرط الإمام أن يكون قادراً على أدائها فإن عرض للإمام ما يمنعه القيام؛ استخلف ورجع إلى الصف مأموماً. وأن يكون عارفاً بحكم الصلاة، أي عالماً بما لا تصح الصلاة إلا به من القراءة والفقه، فلا يصح الاقتداء بمن لا يحفظ من القرآن شيئاً ولا يعرفه، والفقه هو معرفة كيفية الغسل والوضوء. وأن يكون غير فاسق، وأن يكون غير لحان. وأن لا يكرهه المؤتمون أو أكثرهم وأن لا يكون مجهول الحال ما لم يكن راتباً وألا يكون ضعيف العقل، ولا متهماً بارتكاب فاحشة تلغط الألسنة فيها، وألا يكون مجذوماً يتأذون به، ومثله من فيه مرض منفر، وألا يشترط أجرة وأما ما وقف فهو عطية لمن قام بتلك المؤونة.

3- إمام المسجد وساكن البيت أحق ممن حضر إلا من ذي سلطان والحر، والحضري، والمقيم، والبصير، والمختون، ومن عليه ثوبان، وساتر رأسه أولى من ضدهم "زاد المستنقع".

4- يلي الإمام من المأمومين الرجال ثم الصبيان ثم النساء "زاد المستنقع".#

5- يُسن للإمام التخفيف، مع الإتمام، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية.

6- إذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها، وبيتها أفضل لها لقوله: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تفلات»([230]) رواه الإمام أحمد وأبو داود؟ وتخرج غير مطيبة ولا لابسة ثياب زينة.

7- من ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرجع ليأتي به بعده لتحصل المتابعة الواجبة، ويحرم سبق الإمام عمداً للوعيد الشديد فيه "زاد المستنقع".

8- لو أحس الإمام في ركوعه أو التشهد الأخير بداخل يريد الاقتداء وإدراك الركن؛ استحب انتظاره، بشرط ألا يطوله وأن يقصد به التقرب على الله تعالى، ولم يفرق بين داخل وداخل. وأما إذا أقيمت الصلاة؛ فلا يحل الانتظار بلا خلاف (كذا في "روضة النووي").

9- المسجد الذي يكثر جمعه فالصلاة فيه أفضل إلا في مسألتين:

إحداهما: إذا تعطل المسجد القريب بغيبة جماعة فالصلاة فيه أفضل وإن قل جمعه.

الثانية: إذا كان إمام مسجد الأكثر مبتدعاً وجماعة غيره أقل فهو أفضل (كذا في "الاستغنا في الفرق والاستثنا في القاعدة 35")

10- يُسن للمصلي أن يديم نظره إلى موضع سجوده إلا في مسائل منها:

حالة التشهد فينظر إلى سبابته، ومنها: إذا كان بقرب الكعبة استحب له أن ينظر إليها([231]) في وجه، ومنها: إذا خشي الهلكة ممن يأتيه #  غفلة، ومنها عدم سماع مبلغ على وجه (كذا في الاستغنا في القاعدة 38").

11- قولهم تقبل الله منا ومنكم، وتقبيل اليد بعد الصلاة بدعة لا أصل لها من السنة (كذا في " عمدة المريد في البدع" لابن زروق).

12- تعمق الإمام في المحراب، وطول قيامه قبل الإحرام، ودخوله قبل استواء الصفوف، وقراءته بالثانية بأطول من الأولى كله بدعه (كذا في "عمدة المريد").#

آداب الأذان والإقامة([232])

يوجد في بعض المساجد إخلال بآداب الأذان والإقامة. ولا تخفى أهميتهما في الصلوات، وكونهما على قول كثير من الأئمة من فروض الكفايات؛ لذلك ينبغي تعرف آدابهما ودرسهما ليكون من يريد أن يندرج في سلك المؤذنين والمقيمين على بصيرة في التفقه بهما. وهاك ما جاء في "الإقناع" وشرحه، " والدر" وغيرهما:

فأما الآداب في الأذان:

1- يُسن أن يكون المؤذن صيتا -أي رفيع الصوت- لأنه أبلغ في الإعلام.

2- حسن الصوت لأنه أرق لسامعه.

3- أميناً -أي عدلاً- لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة.

4- عالماً بالوقت ليتحراه فيؤذن في أوله.

5- مرتلاً لألفاظ الأذان يقف على كل جملة منها بالسكون إذ لم ينقل عن السلف والخلف أنه نطق به إلا موقوفاً عدا التكبيرتين الأوليين كما قال ابن رشد.

6- قائماً على علو لأنه أبلغ في الإعلام([233]).

7- متطهراً من الحدثين الأصغر والأكبر فيكره أذان جنب وإقامة محدث.#

8- متطهراً من نجاسة بدنه وثوبه.

وأما الآداب في الإقامة:

1-  يسن أن يحدرها أي يسرع فيها.

2-  أن يقف على كل جملة كالأذان.

3-  أن يقيم من أذن([234]).

فروع في الأذان:

1-  يجزئ أذان من مميز.

2-  يحرم أن يؤذن غير المؤذن الراتب إلا بإذنه إلا أن يخاف خروج وقت التأذين كالإمام.

3-  لا يجوز التلحين بالأذان -أي التغني فيه- بزيادة حرف أو حركة أو مد أو غيرها في الأوائل والأواخر، وكذا بالتطريب وهو تقطيع الصوت وترعيده.

4-  يبطل الأذان والإقامة فصل كثير بسكوت أو كلام ولو مباحاً وقذف وشتم.

5-  لا يجزئ الأذان قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل.

6-  يُسن تمهل المؤذن يسيراً قبل الإقامة قدر ما يدرك المؤتمون، وفي "البحر" يمكث بين الأذان والإقامة قدر قراءة أربعين آية.

7-  يُسن إجابة المؤذن بمثل ما يقول إلا في الحيعلة. فيحوقل.

8-  يُسن قول المؤذن والسامع بعد الفراغ من الأذان "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته([235])#

9- يحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من مسجد بلا عذر أو نية رجوع.

10- قال البجيرمي في حواشي" الإقناع": ليحذر من أغلاط تبطل الأذان، بل يكفر متعمد بعضها، كمد باء أكبر وهمزته، وهمزة أشهد، وألف الله، ومن عدم النطق بهاء الصلاة وغير ذلك، ويحرم بلحنه إن أدَّى لتغير معنى أو إيهام محذور، اهـ.

وقال الإمام (ابن زروق) في كتابه: " عمدة المريد في البدع" في بحث أغلاط المؤذنين ومنها إسقاط الهاء من الصلاة، وكذا إسقاط حاء الفلاح، وما يدعوهم لهذا إلا الجهل وطلب التلحين والتطريب الذي يكاد صاحبه أن يكون به خارجاً عن الأذان في فعله، بل هو خارج عنه عند جماعة من العلماء.

11- من البدع وجود أذانين بين يدي الخطيب في بعض الجوامع. يقوم أحدهما أمام المنبر والثاني على السدة العليا، يلقن الأول الثاني ألفاظ الأذان، يأتي الأول بجملة جملة منه سراً، ثم يجهر بها الثاني، وإنما كانت بدعة لكون الأذان المشروع بين يدي الخطيب واحداً فإما أن يقف على السدة أو بين يديه أمام المنبر([236]).

12- لا ينادى على الجنازة. وأشد منه ما يفعل عند الصلاة على الجنازة من إنشاد الشعر وذكر الأوصاف التي قد يكون أكثرها كذباً، بل هو من النياحة. انتهى من "القناع".

13- التبليغ جماعة بدعة؛ قال الإمام ابن الحاج رضي الله عنه: فإنها جرَّت إلى وقع الخلل في الصلاة، فقد يبنون على بعضهم مع زعقاتهم التي تذهب الخشوع والحضور، وتذهب السكينة والوقار.

14- حديث مسح العينين بباطن أعلى السبابتين عند قول المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله، رواه الديلمي في "مسند الفردوس" عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعاً، قال ابن طاهر في "التذكرة": لا يصح. كذا في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"([237]).

 (حالات المأموم مع إمامه في صلاة الجماعة)

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذه كلمة في (بيان حالات المأموم مع إمامه في صلاة الجماعة).

(1) الحالة الأولى (المسابقة):

وهي أن يتقدمه في التكبير، أو الركوع، أو الرفع من الركوع، أو السجود، أو السلام، وهذا الفعل لا يجوز، وقد ورد فيه الوعيد الشديد، كقوله ﷺ‬: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار»، رواه الجماعة.

ولأن الإمام هو قدوة المأموم؛ فلا يجوز التقدم عليه وقد قال ﷺ‬ «الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم» رواه مسلم، وقال أيضاً: «لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف» رواه مسلم وأحمد.

ولا خلاف أن المسابقة عمداً تبطل الصلاة، وقد نقل الإمام أحمد رحمه الله في رسالته عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نظر إلى من سبق الإمام فقال: "لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال له: "لا صليت وحدك ولا صليت مع إمامك ثم ضربه فأمره أن يعيد الصلاة".

فإن كانت المسابقة سهواً بأن ركع قبل الإمام أو سجد قبله؛ فإن عليه أن يرجع ليأتي به بعده فإن لم يفعل عالماً عامداً بطلت صلاته، فإن كان جاهلاً أو ناسيًا فقد عذره الجمهور، وصححوا صلاته لعذر الجهل والغفلة، وألزموه بالمتابعة، ولكن الإمام أحمد في رسالته يرى بطلان صلاته حتى لو كان ساهياً لعموم الأحاديث.

(2) الحالة الثانية: (الموافقة):

وحقيقتها: أن تتوافق حركة الإمام والمأموم عند الانتقال من ركن إلى ركن كركوعهما وسجودهما سواء، وهذا أيضاً خطأ حيث لم يحصل الاقتداء الذي أمر به في قوله ﷺ‬: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر الإمام فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع...» الحديث رواه أحمد وأبو داود.

فإن كانت الموافقة في التحريمة بأن كبر للإحرام مع إمامه، أو قبل إتمام الإمام تكبيرته؛ فإنه لا تصح عمداً أو سهواً، فإن كانت في غير التحريمة (تكبيرة الإحرام) فإنها تنعقد مع الكراهة، والنقص في الاقتداء، والمسلم يبتعد عن كل ما ينقص صلاته أو يبطلها.

(3) الحالة الثالثة: (المتابعة):

وهي الأمر المطلوب من المأموم، ويحصل به الاقتداء المطلوب في الصلاة. وحقيقتها: أن تحصل أفعال المأموم عقب حركة إمامه، كما أمر النبي ﷺ‬ بذلك بقوله: " إذا كبر الإمام فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع رأسه وقال سمع الله لمن حمد فارفعوا وقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " رواه مسلم. ومعناه أن تنتظروا الإمام حتى يكبر ويفرغ من تكبيره ثم تكبرون بعده، وعلى الإمام أن لا يمد التكبير، فإن المأموم قد يسرع بالتكبير فيفرغ قبل إمامه فتبطل صلاته. وهكذا على المأموم أن يبقى قائماً حتى يركع الإمام وينقطع صوته بالتكبير، ثم ينحني للركوع ويبقى راكعاً حتى يتم رفع الإمام من التسميع (سمع الله لمن حمده)، ثم يرفع بعده ثم يبقى منتصباً حتى يكبر إمامه ويضع وجهه على الأرض، ثم ينحط بعده وكذا بقية أفعال الصلاة، كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه "كان النبي ﷺ‬ إذا انحط للسجود لا يحني أحد منا ظهره حتى يضع النبي ﷺ‬ جبهته على الأرض" رواه مسلم، وهكذا كأن يكون قائماً وهم سجود بعد ثم يتبعونه. فهذه حقيقة المتابعة التي تتم بها الصلاة.

(4) الحالة الرابعة: (المخالفة):

معناها أن يتأخر المأموم عن إمامه، وقد عد – اعتبر- العلماء هذه الحالة مثل المسابقة لما فيها من ترك الاقتداء المأمور به. فإن تأخر حتى ركع الإمام ورفع عمداً بطلت صلاته، فإن كان هناك عذر كنعاس أو غفلة أو عجلة الإمام؛ فإنه يركع بعده وتصح صلاته، فإن تأخر حتى ركع الإمام ورفع وسجد قبل ركوع المأموم عمداً بطلت صلاته فإن كان سهواً أو جهلاً فالصحيح أنه يعيد تلك الركعة التي فاته الاقتداء في معظمها.

فعلى المأموم أن يكون منتبهاً مقبلاً على صلاته حاضر القلب لما يقول ويفعل حتى يحصل منه الاقتداء الذي به تتم صلاته والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبها الفقير إلى عفو ربه

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين


 تنبيهات على بعض الأخطاء التي يفعلها بعض المصلين في صلاتهم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه.

وبعد: فنظراً لأهمية الصلاة وعظم أمرها، وحرصاً على إكمالها بما تبرأ به الذمة، ويحصل به الأجر المترتب على أداء هذه العبادة وحيث لوحظ أن الكثير من العامة يخالفون التعليمات الواردة في صفة الصلاة؛ استدعى ذلك التنبيه على بعض تلك المخالفات التي تنبه لها بعض الناصحين ولو كان أغلبها من سنن الصلاة ومكملاتها وهي كما يلي:

1- الإسراع الشديد في المسير إلى المسجد، أو السعي الشديد لإدراك الصلاة في المسجد، أو لإدراك الركوع؛ وذلك يفوت السكينة، واحترام الصلاة، ويشوش على المصلين، وقد ورد في الحديث " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة" متفق عليه.

2- استعمال ما يسبب الروائح المنتنة المستكرهة في مَشامِ الناس، كالدخان والنارجيلة (الشيشة) مما هو أقبح من الكراث والثوم والبصل الذي تتأذى منه الملائكة والمصلون، فعلى المصلي أن يأتي وهو طيب الرائحة بعيداً من تلك الخبائث.

3- ترك رفع اليدين عند التحريمة (تكبيرة الإحرام)، وعند الركوع، والرفع منه، وبعد القيام من التشهد الأول، وهو من سنن الصلاة، وكذا رفع اليدين في تكبيرات الصلاة على الميت والتكبيرات الزوائد في صلاة العيدين والاستسقاء.

4- كثير من الأئمة وغيرهم يتركون دعاء الاستفتاح للصلاة، والتعوذ والبسملة، أو بعض ذلك، أو التسمية (البسملة) في الركعة الثانية وما بعدها، وكل ذلك من مندوبات (مستحبات) الصلاة.

5- يكبر كثير من المسبوقين بعدما ينحني راكعاً إذا وجد الإمام في الركوع، والأصل أن التحريمة (تكبيرة الإحرام) تفعل من قيام، ثم يركع بعدها ولو استعجل فترك تكبيرة الركوع أجزأته صلاته واكتفى بالتحريمة (تكبيرة الإحرام).

6- رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة أو النظر إلى الإمام أو عن اليمين والشمال مما يسبب السهو وحديث النفس وقد ورد الأمر بخفض البصر والنظر إلى موضع السجود.

7- كثرة الحركة أثناء الصلاة كتشبيك الأصابع وتنظيف الأظافر والتحريك المستمر للقدمين وتسوية العمامة (الغترة) أو العقال والنظر في الساعة وربط الأزرار ونحو ذلك مما يبطل الصلاة أو ينقص الثواب.

8- مسابقة الإمام أو موافقته أو التأخر عنه في الركوع والسجود والرفع والخفض فيجب الانتباه لذلك.

9- القراءة في المصحف أو متابعة الإمام في المصحف في التراويح ونحوها لغير حاجة لما فيه من العبث، فإن كان فيه فائدة كالفتح على الإمام أو نحوه فلا مانع بقدر الحاجة.

10- التحديب في الركوع أو تدلية الرأس وقد ورد النهي عن تحديب الظهر (أي تقويسه)، فإن الراكع يسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يخفضه.

11- عدم التمكن من السجود ورفع بعض الأعضاء عن الأرض كمن يسجد على كور العمامة أي على مقدمة رأسه ولا تمس جبهته الأرض، أو يسجد على جبهته ويرفع أنفه، أو يرفع قدميه عن الأرض، فلا يكون ساجداً إلا على خمسة أعضاء مع أن أعضاء السجود سبعة معروفة كما في الحديث([238]).

12- ترك التجافي في السجود وصفة التجافي المطلوب أن يرفع بطنه عن فخذيه ويبعد عضديه عن جنبيه بقدر ما يمكنه، ولا يضايق من يليه، وأن يرفع ذراعيه عن الأرض، ويضع كفيه حذاء منكبيه لا حذاء ركبتيه، لكن لا يبالغ في التجافي كثيراً فيمد صلبه (ظهره) كهيئة المضطجع على بطنه، بحيث يصل رأسه إلى الصف الذي أمامه، ويكلف نفسه بهذا الامتداد.

13- تخفيف كثير من الأئمة لأركان الصلاة بحيث لا يتمكن المأموم من المتابعة، ولا من الإتيان بالذكر الواجب، وهو خلاف الطمأنينة الواردة في الحديث، فلا بد من المكوث في الركوع أو السجود بقدر ما يتمكن المأموم من التسبيح ثلاث مرات مع التؤدة وعدم العجلة.

14- فعل التورك في الثنائية كالفجر والجمعة والنافلة، أو تركه في الرباعية أو الثلاثية في التشهد الأخير منها، وإن كان فعله وتركه جائزاً، لكن العمل بالسنة أفضل، وهو أن يكون التورك في التشهد الأخير في الثلاثية أو الرباعية على أن لا يضايق من بجانبه من المصلين.

15- التحريك المستمر للسبابة أو غيرها من الأصابع أثناء التشهد، وهي إنما يشار بها مرة أو مرتين عند الشهادتين، أو عند ذكر اسم الله ونحوه.

16- تحريك الكفين عند الخروج من الصلاة من جهة اليمين أو من الجهتين عند الالتفات للسلام، وقد كان الصحابة يفعلونه فقال النبي ﷺ‬: "ما لي أراكم ترفعون أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، فتركوا الرفع واكتفوا بالالتفات" رواه أبو داود والنسائي.

17- كثير من الناس الذين لا يلبسون الثياب السابغة، وإنما يلبس أحدهم السراويل وفوقه جبة (قميص) على الصدر والظهر، فإذا ركع تقلصت الجبة وانحسرت السراويل فخرج بعض الظهر وبعض العجز مما هو عورة بحيث يراه من خلفه، وخروج بعض العورة يبطل الصلاة.

18- كثير من المصلين يمدون أيديهم لمصافحة من يليهم، وذلك بعد السلام من الفريضة مباشرة، ويدعون بقولهم: (تقبل الله أو حرماً) وهذا بدعة لم تنقل عن السلف.

19- القيام مباشرة بعد السلام وترك الأذكار المشروعة بعد الصلاة كالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوها، وللشيخ ابن باز رحمه الله رسالة في الأذكار الواردة بعد الصلوات المكتوبة فلتراجع([239]).

20- يعتاد بعض الناس رفع الأيدي للدعاء بعد السلام من المكتوبة مباشرة وترك الأذكار المشروعة، وهذا خلاف السنة وإنما يشرع الدعاء بعد الفراغ من الأذكار فهو من مظان إجابة الدعاء، وكذا الدعاء بعد النوافل، والله أعلم.

كتبها الفقير إلى عفو ربه

فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

ملحوظة: يرجى من أئمة المساجد قراءة هذه الرسالة وشرحها على المصلين إتماماً للفائدة.

طبعت هذه الرسالة بإذن طبع رقم 2352/5 تاريخ 22/12/1407هـ) صادر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.


 (ما جاء في قنوت الوتر)

عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله ﷺ‬ كلمات، أقولهن في قنوت الوتر " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت"([240]).

وعن علي بن أبي طالب t أن رسول الله ﷺ‬ كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"([241]).

ورواهما الخمسة. وإن كان الداعي في القنوت إماماً جمع الضمير فقال: اللهم اهدنا... إلخ.

ويقول بعد وتره: سبحان الملك القدوس، ثلاثاً ويمد بها صوته في الثالثة([242]).


 (1) نصيحة لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.

جارنا العزيز السلام عليك ورحمة الله وبركاته

أما بعد:

فنيابة عن جماعة المسجد؛ نرفع لك هذه الرسالة، نريد أن نشرح لك وجهة نظرنا عسى أن تلقى منك صدراً رحباً. وملخص القول أن هناك مجموعة من إخواننا -أنت من ضمنهم- لا يشهدون الجماعة في المسجد، وإنما يصلون في بيوتهم أو في مساجد أخرى، وبما أن ديننا يفرض علينا التناصح والتآخي كما قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{([243] وكما وصفهم الله تعالى بقوله: }يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ{([244] وامتثالا لأمر نبيه ﷺ‬ في قوله: "الدين النصيحة"([245] فإنا استجابة لأمر الله تبارك وتعالى ورسوله ﷺ‬ نقول:

يا أخي أعزك الله بدينه، أنت تعلم أن النعم في سائر جوانب الحياة قد تمت، فنحن مغبوطون عليها من كثير من الناس، وبما أن النعم لا بد لها من الشكر؛ فإن من أوجب الواجبات لتدوم النعم: امتثال الأوامر، واجتناب النواهي الإسلامية، وأعظم ذلك بعد الشهادتين، الصلاة التي هي عمود هذا الدين، وهي كما قال عمر t: "لا حظ في الإسلام لمن تركها".

وتركها كما تعلم مخرج عن الملة بقوله ﷺ‬: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»([246])، وبما أنك تترك فقط الجماعة فأنت بلا شك على الإسلام، وعلى فطرتك السوية بحمد الله.

ولكن مع ذلك فترك الجماعة في غاية الشناعة والخطورة، فقد ورد أنه ﷺ‬ أراد أن يجمع حطباً فيحرق على من لا يشهد الجماعة البيوت بالنار([247]). لماذا؟ السبب واضح لأن تركها معصية كبيرة، وعلامة لا تدل على الخير؛ لأن من يسمع المنادي يقول (حي على الفلاح) ويجلس في بيته وهو في صحة وعافية، لا يمنعه من الإجابة عائق شرعي، على خطر عظيم جداً، فقد يقوده هذا إلى التهاون بها، والجمع بين الصلوات بلا عذر والنهاية تركها كما حصل لكثير من الناس الذين كانت هذه بدايتهم، ونحن يا أخي نعيذك بالله من ذلك، ثم إن مما يدل على الشر الذي يترتب على ترك الجماعة أن ترى الجيران وأهل الحارة لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، والسبب أن كثيرين قابعون في بيوتهم لو ماتوا لما علم بهم إلا أهلهم، وكذلك لو مرضوا.

فيا أخي، لماذا نعرض أنفسنا لعقاب الله لا لشيء إلا لأنا متكاسلون متعاجزون، ولماذا نحرم من التشرف بمعرفة بعضنا بعضاً بسبب التواني عن صلاة الجماعة، إضافة إلى الإثم العظيم والعذاب الكبير الذي قد يتعرض له تارك الجماعة، والنبي ﷺ‬: لما سئل عن الفرقة الناجية من الثلاث والسبعين الهالكة: قال: "الجماعة الجماعة " أو كمـا قـال([248]).

هذا ما أردنا إيصاله لك، ولولا ثقتنا أنك مسلم تنتفع بقول الله وهدي رسوله ﷺ‬ لما كتبنا لك، ولكن الذي نعتقد أنك من أبناء الفطرة السوية إن شاء الله، وأنك موافق لنا في أنا أمرنا بمعروف لا بمنكر، وإذا كان الأمر كذلك فننصحك أن يكون موقفك من هذه الرسالة هو الموقف الذي حكاه الله عن المؤمنين، بقوله تعالى: }إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة النور: الآية 51].

نسأل الله أن يمن علينا وعليك بالتوفيق والهداية، وصلاح الدنيا والآخرة، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم... والسلام عليك.

المرسل

إخوانك من جماعة المسجد الذين يتشوقون إلى رؤيتك معهم في بيت الغني الجبار رب العالمين


 (2) نصيحة لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة

الجار العزيز:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإن التهاون بالصلاة مع الجماعة في المساجد في أوقاتها عظيمة، وكبيرة من الكبائر، ووسيلة إلى التهاون بها وتركها بالكلية، فقد ورد عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وفي رواية «لولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقتها عليهم»، متفق عليه.

وعن ابن أم مكتوم رضي الله عنه قال استأذنت رسول الله ﷺ‬: أن أصلي في بيتي فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ فقلت: نعم. قال: "أجب لا أجد لك رخصـة"([249]). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ‬: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر»([250]).

وأخرج الحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ‬: «ثلاثة لعنهم الله: من تقدم قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل سمع (حي على الصلاة حي على الفلاح) ثم لم يجب»([251]).

وحديث " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"([252]) روي مرفوعاً وموقوفًا.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله ﷺ‬: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر" قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى" رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وابن ماجه.

وعن معاذ بن أنس عن رسول الله ﷺ‬ أنه قال: " الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه" رواه أحمد والطبراني. وفي رواية للطبراني قال رسول الله ﷺ‬: "بحسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه"!!

وباسم جماعة المسجد؛ نرجو أن نراك تصلي مع المسلمين جماعة؛ لما في ذلك من عظيم الفوائد، وجزيل الثواب، ولعل من أبرزها معرفتك لجيرانك، ومعرفة جيرانك بك.. وفقك الله لما يحب ويرضى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المرسل

إخوانك من جماعة المسجد الذين يتشوقون إلى رؤيتك معهم في بيت الغني الجبار رب العالمين


  (3) نصيحة لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة

أخي المسلم، وفقك الله تعالى لطاعته.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

حيث إنه واجب على كل مسلم إبداء النصيحة لأخيه المسلم لما ورد في الحديث "الدين النصيحة"([253])؛ فإننا نوجه لكم هذه النصيحة ونحن لا نشك في تجاوبكم، فلا يخفى عليكم ما ورد في الكتاب والسنة بشأن الصلاة، ولا نظن المسلم يترك الصلاة، ولكن الواجب تأدية الصلاة مع الجماعة في المسجد حيث ينادى لها، وإجابة الداعي (حي على الصلاة، حي على الفلاح) واجبة. قال الله تعالى }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ{ الآية([254]). والمراد بالآية هو عمارة المساجد بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن وغير ذلك.

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ ﷺ‬: رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله ﷺ‬ أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال له: " هل تسمع النداء بالصلاة؟" قال: نعم قال: "أجب" رواه مسلم.

فلم يرخص له النبي ﷺ‬ مع حالته التي ذكرها فذلك يدل على وجوب حضور صلاة الجماعة في المسجد إلا لعذر من مرض أو خوف من عدو، وهذه الأعذار نادرة الوقوع في بلدنا والحمد لله.

وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم ﷺ‬ سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم"([255]). وفي رواية أخرى قال: "إن رسول الله ﷺ‬ علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه".

وإننا نود لكل مسلم ما نوده لأنفسنا، فيجب عليكم التعاون معنا والتجاوب لإقامة هذا الركن العظيم والدين القويم امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله حتى لا نكون من المتشبهين بالمنافقين في التخلف عن الصلاة وفي السكوت والرضا عمن لا يحضرها مع الجماعة.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المرسل:

إخوانك من جماعة المسجد الذين يتشوقون إلى رؤيتك معهم في بيت الغني الجبار رب العالمين


 عظم شأن الصلاة وأسباب حضور صلاة الفجر مع الجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فرض علينا الفرائض، وجعل الجنة داراً لمن حافظ عليها، والنار داراً لمن ضيعها، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من المعلوم أن للصلاة منزلة عظيمة في الإسلام، فهي عموده، والركن الثاني من أركانه، وأول عمل يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن قُبلت قُبل سائر عمله، وإن رُدت رُد عليه سائر عمله، وهي سبب لكل خير، وسبب لجلب الأرزاق، وانشراح الصدور، والمرء ينال بها سعادة الدنيا والآخرة، وهي نور في الوجه، ويقين في الفؤاد، فمن فعلها كفرت عنه سيئاته ما لم يفعل الكبائر، ولهذا قال النبي ﷺ‬: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"([256]) والله تعالى يقول: }حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى{ [سورة البقرة: آية 38].

وفضائل الصلاة وفوائدها كثيرة جدًّا، ولكن حسبك من ذلك ما ذكر، ومع هذا نرى كثيراً من الناس اليوم قد تهاون بالصلاة، واستخف بها؛ فتركها كلية ولم يلق لها بالاً. ومنهم من صلاها يوماً وتركها يوماً آخر، والبعض منهم يصليها في بيته. ومن هؤلاء أيضاً من يصليها في المسجد ويتخلف عن صلاة الفجر فإن صلاها فبعد خروج وقتها؛ فحال هذا كالذي يبني أول النهار فإذا أتى الليل هدم ما بنى، فإنا لله وإنا إليه راجعون، سئل النبي ﷺ‬ عن أحب الأعمال إلى الله فقال: "الصلاة على وقتها"([257]) وكذلك حث على تأديتها جماعة في المسجد حيث قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"([258] وقال مرغباً فيها: " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله"([259]) وقال أيضاً ﷺ‬: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"([260]).

وفي المقابل قال ﷺ‬ محذراً مَنْ تكاسل عن صلاة الفجر وأدَّاها في بيته: " من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه في نار جهنم"([261]). وقال ﷺ‬ كذلك فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" رواه البخاري ومسلم.

فهل بعد هذا الأجر أجر؟!!! وبعد هذا التحذير تحذير؟!!! ولكن الغفلة تنسي كل ذلك، إذ بعد كل هذا الترغيب والترهيب، هل يا ترى من مستجيب؟!!

فلتحافظ أخي المسلم على صلاتك، وخاصة صلاة الفجر، فلا تكن كالذي ينام عنها، فإذا حان وقت دوامه استيقظ كالشيطان، فإن كان ذاكراً للصلاة صلاها وهو على عجل وبهذا يحرم نفسه الأجر العظيم من الله ويرتكب الذنب الأعظم، ثم هل تقبل منه أو ترد عليه؟!

وأخيراً اعلم يا أخي أن هناك أسباباً تُعِين على حضور صلاة الفجر في جماعة منها:

1- النوم المبكر لأن السهر لأجل أمر مباح إذا كان يؤخر عن صلاة الفجر فهو حرام، فكيف إذا كان السهر لأجل أمر محرم!.

2- أن تفعل الأسباب التي تجعلك تستيقظ كالساعة المنبهة أو توصي أحداً ينبهك، ولكن الأمر المؤسف أنك ترى كثيراً من الناس يفعلون السبب الذي يجعلهم يستيقظون لأمر دنياهم وأما للصلاة فلا.

3- أن تعزم عزماً أكيداً وتعقد النية على أن تؤدي صلاة الفجر جماعة مع فعل السبب فإن النائم كالميت فلا تدري هل يستيقظ أو تقبض روحه وهو نائم، فإن كان لم ينو أن يصليها وقبضت روحه فبئس الموتة.

4- أن تستشعر أنك إذا حضرت الصلاة نلت الثواب الكبير الذي لا يحصى ولا يقدر بثمن وأنك إذا تخلفت عنها عرضت نفسك لعذاب الله.

فالله نسأل أن يقبل منا صالح الأعمال وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


بسم الله الرحمن الرحيم

 من فوائد أداء صلاة الفجر في الجماعة وأضرار التخلف عنها وعن غيرها من الصلوات

1- أن أداءها في وقتها مع الجماعة من صفات المؤمنين.

2- أن أداءها مع الجماعة مع صلاة العشاء يعدل قيام الليل الذي يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله".

3- أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله أي: في حفظ الله وكلاءته وسلامته كما في الحديث الذي رواه مسلم " من صلى الصبح فهو في ذمة الله".

4- البشارة له بالنور التام يوم القيامة قال ﷺ‬: " بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي.

5- أن المسلم إذا استيقظ من نومه فذكر الله وتوضأ وصلى أصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلانَ لحديث أبي هريرة متفق عليه.

6- يحصل للمصلي مع الجماعة مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات وتكفير السيئات.

7- أن أداءها في وقتها مع الجماعة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء صلاة العصر قال النبي ﷺ‬: " من صلى البردين دخل الجنة" متفق عليه. والبردان الصبح والعصر. وقال: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها" يعني الفجر والعصر، رواه مسلم.

8- حضور اجتماع الملائكة في صلاة الصبح وصلاة العصر الذين ينزلون بالرحمة والبركة قال ﷺ‬: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" متفق عليه.

9- أن صلاة الجماعة عموماً أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة للحديث المتفق عليه.

10- أن من خرج من بيته للصلاة مع الجماعة في المسجد فهو في صلاة ما دام في المسجد.

11- أن الملائكة تصلي على المسلم المصلي في المسجد قبل الصلاة وبعدها وتدعو له بالمغفرة والرحمة.

12- أن الماشي إلى المسجد أحد خطواته تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة، فكثرة الخطا إلى المساجد مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات لحديث أبي هريرة. رواه مسلم.

وأما أضرار التخلف عن أداء الفجر مع الجماعة فهي:

1- خسران الحسنات والأجر المرتب على حضورها مع الجماعة.

2- الاتصاف بصفات المنافقين: }وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى{[سورة التوبة: آية 54] قال ﷺ‬: "أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً" متفق عليه.

وتقدم أن من صلاهما مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله، وأن قيام الليل يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والمتخلف عنها يتصف بصفات المنافقين ويخسر هذا الثواب العظيم والأجر المترتب عليها.

3- أن النوم عن صلاة الفجر والتخلف عنها مع الجماعة من أسباب تأخيرها حتى يخرج وقتها بطلوع الشمس، وتعمد ذلك كفر متوعد عليه بالوعيد الشديد، قال الله تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{ [سورة الماعون: آية 4، 5]. وهم المؤخرون لها حتى يخرج وقتها توعدهم الله بويل وهو شدة العذاب، وقيل: واد في جهنم نعوذ بالله منه، وقال تعالى: }فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا{ [سورة مريم: آية 59] وليس معنى أضاعوها تركوها ولكن أخروها عن أوقاتها.

4- وذُكر للنبي ﷺ‬ رجل نام حتى أصبح قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه - أو قال في أذنه" متفق عليه.

5- وتقدم أن من نام حتى أصبح ولم يقم ولم يذكر الله ثم يتوضأ ويصلي أصبح خبيث النفس كسلانَ، وهذا شيء مشاهد بالتجربة.

6- أن المتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة يستولي عليه الشيطان فيكون من حزبه وينسيه ذكر الله, قال ﷺ‬: " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصيةَ" رواه أبو داود بإسناد حسن.

7- ومن ذلك عدم استطاعته السجود حينما يدعى إليه يوم القيامة لعدم إجابته المؤذن في الدنيا للصلاة وهو صحيح سالم من الموانع قال الله تعالى: }يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ{ [سورة القلم: آية 42، 43].

فيجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة عموماً، وعلى صلاة الفجر خصوصاً؛ ليفوز بالأجر المرتب على أدائها مع الجماعة، ويحصل على الفوائد المذكورة، ويسلم من الإثم والأضرار المرتبة على التخلف عنها مع الجماعة، وأن يعمل الوسائل والأسباب التي تجعله يستيقظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، ومنها: النوم المبكر. وأن يوصي من يوقظه. وأن يجعل عنده ساعة منبهة. وأن ينام وهو عازم على القيام رغبة في الثواب المرتب عليها، وخوفاً من العقاب المرتب على تضييعها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.

 فوائد تتعلق بالصلاة

1- يُسن التبكير إلى المسجد قبل الأذان فإن الخارج إلى الصلاة في المسجد يكون في صلاة وفي عبادة من حين يخرج من بيته إلى المسجد حتى يرجع، والملائكة تصلي عليه وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في المسجد قبل الصلاة وبعدها ما لم يؤذ أو يحدث.

2- إذا طال الوقت بين الإقامة والصلاة أعادها كما في «المجموع» للنووي.

3- يستحب للإمام وغيره الأمر بتسوية الصفوف بل يجب ذلك للأمر به "فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".

4- إدراك تكبيرة الإحرام فضيلة فينبغي المبادرة إليها مع الإمام.

5- العبادات التي فعلها النبي ﷺ‬ على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع من من غير كراهة لشيء منها، كأنواع الاستفتاح، وأنواع التشهد، وينبغي أن يفعل هذا تارة وهذا تارة أخرى ([262]).

6- إذا قارن المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته على الصحيح.

7- إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً فأحرم وأدركه في الركوع أدرك الركعة.

8- إذا قرأ الإمام الفاتحة وركع قبل أن يتم المأموم فاتحته ركع معه.

9- وكذلك إذا أحرم المأموم فركع الإمام عقب إحرامه ركع معه.

10- لا تدرك الركعة بإدراك الركوع الثاني من صلاة الكسوف.

11- يُسن للمأموم أن يُؤمن مع تأمين إمامه لقوله ﷺ‬: "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري وغيره.

12- ويُستحب مقارنة الإمام في التأمين فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه.

13- ويُستحب الجهر بالتأمين للرجال وتسر به المرأة.

14- ويُستحب للقارئ إماماً كان أو غيره في الصلاة وخارجها أن يسأل الله عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب، ويسبح عن آية التسبيح اقتداء بالنبي ﷺ‬.

15- إذا جاء المسبوق وإمامه في الركوع يجب عليه أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، ثم يكبر ويركع، وتجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، والإتيان بهما أفضل، فإن نوى تكبيرة الركوع فقط أو كبر للإحرام وهو يهوي لم تنعقد صلاته.

16- يُستحب للمأموم إذا غلط إمامه في القراءة أن يرد عليه.

17- يلزم المأموم متابعة إمامه في جميع الأركان والواجبات، وعدم التقدم عليه ومسابقته، أو التأخر عنه كثيراً أو موافقته، والأولى أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد شروع إمامه من غير تخلف.

18- إذا جاء المأموم وقد فاته بعض الصلاة تابع الإمام على أي حال كان.

19- لا يعتد بالركعة الزائدة مسبوقٌ ولا يدخل معه من علم أنها زائدة في قول الجمهور، واختار الشيخ ابن سعدي في فتاواه اعتداد المسبوق بالركعة الزائدة.

20- إذا شك المصلي في عدد الركعات بنى على اليقين وهو الأقل.

21- إذا تذكر الإمام أنه محدث لزمه الخروج من الصلاة ويقدم من يتمها بهم أو يتقدم أحدهم فيتمها على الصحيح.

22- يكره أن يؤم قوماً أكثرهم يكرهه لحق.

23- تدرك الصلاة والوقت والجماعة والجمعة بإدراك ركعة لقوله ﷺ‬: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة" متفق عليه.

24- لو سلّم ناسياً لركن من أركان الصلاة كركعة أو سجدة أو تشهد فإن ذكر قريباً أتى بما نسي وبما بعده وسجد للسهو وسلّم. وإن لم يتذكر حتى طالت المدة أعاد الصلاة كلها.

25- يُستحب للمأموم أن يبادر إلى الصف الأول لقوله ﷺ‬: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" رواه البخاري ومسلم([263]).

26- يُستحب التبكير إلى الجامع يوم الجمعة؛ ليحصل المبكر على الأجر العظيم، والثواب الجسيم المرتب على التبكير.

27- تحرم مسابقة الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع والسلام والتكبير وغير ذلك من أقوال الصلاة وأفعالها وأركانها وواجباتها.

28- يحمل الإمام عن المأموم ثمانية أشياء: قراءة الفاتحة، وسجود السهو، والسترة، ودعاء القنوت، وقول سمع الله لمن حمده، والقراءة، وسجود التلاوة، والتشهد الأول لمن سبق بركعة من أربع ركعات([264]).

29- لو دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين.

30- يستحب لزوم المساجد والجلوس فيها لطاعة الله تعالى، لما في ذلك من الأجر والثواب بانتظار الصلاة، وقد صح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" رواه مسلم.

وقال بعض السلف: جليس المسجد على ثلاث خصال: أخ مستفاد، أو كلمة محكمة، أو رحمة منتظرة.

31- أسباب سجود السهو ثلاثة: الزيادة والنقص والشك.

32- تُسن صلاة الإمام والمنفرد إلى سترة والدنو منها.

33- يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يصلِّ إلى سترة - المرأة والكلب الأسود والحمار لحديث أبي ذر. رواه مسلم.

34- يحرم على المسلم تخطي رقاب الناس يوم الجمعة، فقد رأى رسول الله ﷺ‬ رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: "اجلس فقد آذيت وآنيت" رواه أحمد وغيره. أي آذيت المصلين وتأخرت في المجيء إلى الجمعة.

35- كما يحرم الكلام والإمام يخطب إلا للإمام ومن يكلمه الإمام.

36- يكره في الصلاة التفاته، ورفع بصره إلى السماء وتغميض عينيه، وإقعاؤه في الجلوس، وافتراش ذراعيه في السجود، وفرقعة أصابعه وتشبيكها، واستقبال ما يلهيه من صور ونقوش ورسوم.

37- ويكره للمصلي استقبال نار أو مصابيح أو دفايات؛ لأنه تشبه بالمجوس في عبادتهم النيران.

38- إذا صلى الإمام وهو محدث أو عليه نجاسة ولم يعلم حتى فرغ منها صحت صلاة المأمومين ويعيد الإمام وحده.

39- يحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره.

40- ينبغي لإمام المسجد -وفقه الله- أن يلم بكيفية صلاة رسول الله ﷺ‬ ليقتدي به لقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" متفق عليه.


 أحكام تارك الصلاة في الشريعة الإسلامية

السؤال: ماذا يفعل الرجل إذا أمر أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه، هل يسكن معهم ويخالطهم أم يخرج من البيت؟

الجواب: إذا كان هؤلاء الأهل لا يصلون أبدًا فإنهم كفار، مرتدون، خارجون عن الإسلام، ولا يجوز أن يسكن معهم، ولكن يجب عليه أن يدعوهم ويلح ويكرر لعل الله يهديهم، لأن تارك الصلاة كافر والعياذ بالله، بدليل الكتاب والسنة، وقول الصحابة، والنظر الصحيح.

أما من القرآن الكريم: فقوله تعالى عن المشركين: }فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ{([265]) مفهوم الآية: أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فليسوا إخواناً لنا ولا تنتفي الأخوة بالمعاصي وإن عظمت ولكن تنتفي عند الخروج عن الإسلام.

أما السنة: فقول النبي ﷺ‬: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ثابت ذلك في صحيح مسلم. وقوله في حديث بريدة في السنن: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"([266]).

أما أقوال الصحابة: قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، والحظ: النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي فيكون عامًّا لا نصيب قليل ولا كثير.

وقال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب النبي ﷺ‬ لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".

أما من جهة النظر الصحيح فيقال: هل يعقل أن رجلاً في قلبه حبة خردل من إيمان يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها ثم يصرّ على تركها؟... هذا شيء لا يعقل، وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من يقول: إنه لا يكفر، فوجدتها لا تخرج من أقوال أربعة:

1- إما أنها لا دليل فيها أصلاً.

2- أو أنها قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.

3- أو أنها قيدت بحال يعذر فيها من ترك هذه الصلاة.

4- أو أنها عامة فتخصص بأحاديث كفر تارك الصلاة.

وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر؛ فإنه يترتب عليه أحكام:

أولاً: أنه لا يصح أن يزوج فإن عُقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل ولا تحل الزوجة له لقوله تعالى عن المهاجرات: }فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ{ [سورة الممتحنة: الآية 10]، وأنه إذا ترك الصلاة بعد أن عُقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة... للآية التي ذكرناها سابقاً.

ثانياً: أن هذا الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لا تُؤكل ذبيحته لماذا؟ لأنها حرام، ولو ذبح يهودي أو نصراني فذبيحته يحل لنا أن نأكلها، فتكون- والعياذ بالله- ذبيحته أخبث من ذبح اليهودي والنصراني.

ثالثاً: أنه لا يحل له أن يدخل مكة أو حدود حرمها لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا{([267]).

رابعاً: أنه لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث، فلو مات رجل عن ابن له لا يصلي، (الرجل مسلم يصلي والابن لا يصلي) وعن ابن عم له بعيد، من الذي يرثه؟ ابن عمه البعيد دون ابنه لقول النبي ﷺ‬ في حديث أسامة: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»([268]).

خامساً: أنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلي عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ماذا نصنع به؟ نخرج به إلى الصحراء ونحفر له وندفنه بثيابه لأنه لا حرمة له، وعلى هذا فلا يحل لأحد مات عنده ميت وهو يعلم أنه لا يصلي أن يقدمه للمسلمين يصلون عليه.

سادساً: أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، أئمة الكفر- والعياذ بالله- ولا يدخل الجنة ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كافر لا يستحقها.

فالمسألة يا إخوان خطيرة جداً.. ومع الأسف فإن بعض الناس يتهاونون في هذا الأمر، ويقرون في البيت من لا يصلي.. وهذا لا يجوز.

فضيلة الشيخ

محمد بن صالح بن عثيمين


 حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها  وحكم تزويج من لا يصلي

إذا كانت امرأة متزوجة وزوجها لا يصلي مع الجماعة ولا مع غير الجماعة؛ فإنه لا نكاح بينهما ولا تكون له زوجة لتركه للصلاة، ولا يجوز أن تمكنه من نفسها، وليس له الحق في أن يستبيح منها ما يستبيحه الرجل من زوجته؛ لأنها امرأة أجنبية منه، ويجب عليها بعد هذه الحال أن تتركه وتذهب إلى أهلها، وأن تحاول قدر ما تستطيع التخلص من هذا الرجل لأنه كافر لتركه الصلاة.

فعليه نقول ونرجو أن يعلم كافة المسلمين: أن أي امرأة زوجها لا يصلي لا يجوز لها أن تبقى معه حتى لو كان لها أولاد منه، فإن الأولاد في هذه الحال سيتبعونها ولا حق لأبيهم بحضانتهم؛ لأنه لا حضانة لكافر على مسلم، وعلى المسلم الذي يخاف الله أن يعلم أن من عقد زواجاً لابنته على رجل لا يصلي فإن العقد باطل وغير صحيح حتى ولو كان على يد مأذون شرعي فإن من الناس من يخفي الواقع على المأذون.

فاتقوا الله في نسائكم، ولا تعرضوهن للتجارب كما يفعل بعض الناس الآن يزوج ابنته على من لا يصلي ويقول: لعل الله يهديه، قال الله تعالى: }فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ{([269]). أما من تاب وأقام الصلاة فإنه يعقد له عقد جديد، والله الهادي إلى سواء السبيل.

إجابة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين


دعاء سجود التلاوة([270])

إذا مر القارئ بآية فيها سجدة – سواء في الصلاة أو خارجها- يُكبر يقول (الله أكبر) فيسجد في الأرض فيقول (سبحان ربي الأعلى) ثلاثا ثم يقول الذي ورد وهو: " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، وارزقني بها شكرًا، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود" عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

ثم يقوم بدون تكبير، فيقرأ إن كان في الصلاة فيما وقف عليه، وإن كان خارجها انصرف بدون تسليم- وإن سلم فلا بأس- ويجوز فعلها في أوقات النهي لكونها من ذوات الأسباب كصلاة الطواف.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 من الكتب التي تناسب  قراءتها على الجماعة في المساجد والمجالس وغيرها

1- "تفسير ابن كثير"، أو أحد مختصراته، وهو من التفاسير الصحيحة المعتمدة.

2- "تفسير ابن سعدي"، أو مختصره، وهو تفسير سلفي عصري، يعنى بالمعاني والأحكام.

3- "رياض الصالحين" للنووي، وهو كتاب عظيم لا يستغني عنه مسلم.

4- "مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزي، وأصلها للبغوي من أهم الكتب.

5- "الترغيب والترهيب" للمنذري، وهو مجهول القدر.

6- "المنتقى من أخبار المصطفى" لمجد الدين ابن تيمية في أحاديث الأحكام.

7- " كتاب الكبائر" للذهبي، يشتمل على سبعين كبيرة وقع فيها كثير من الناس.

8- "موارد الظمآن" لابن سلمان، وهو يعتبر موسوعة وعظية- أربعة أجزاء.

9- "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" لابن القيم، في آثار وأضرار الذنوب والمعاصي.

10- "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم، ويعتبر موسوعة علمية يشتمل على الأحكام، والسيرة النبوية، والطب النبوي.

11- "بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين" للمؤلف.

12- "الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة" للمؤلف.

13- "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لابن حجر العسقلاني في أحاديث الأحكام.

14- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب.

15- "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" لابن رجب.

16- "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة.

17- "موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" للقاسمي.

18- "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"" للشيخ محمد السفاريني، ذكر أنه جمعه من أكثر من ثلاثمائة كتاب.

19- "دواء القلوب الموصل لحضرة علام الغيوب" للشيخ محمد بن عباد.

20- "الآداب الشريعة" لابن مفلح.

21 - "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مختصر صحيح البخاري للزبيدي.

22- مختصر صحيح مسلم للمنذري.

23- "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" لعبد الباقي.

24- "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.

25- "إصلاح المجتمع" لمحمد بن سالم البيحاني، شرح مائة حديث من الجوامع بأسلوب رائع.

26- "معارج القبول شرح سلم الوصول" للشيخ حافظ الحكمي في التوحيد.

27- "بهجة قلوب الأبرار بشرح جوامع الأخبار" شرح لتسعة وتسعين حديثاً لابن سعدي.

28- "الرياض الناضرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.

29- "الكواكب النيرات في المنجيات والمهلكات" للمؤلف، في تفسير الآيات الجامعة في التوحيد، وفي أوصاف المؤمنين، وشرح لسبعة عشر حديثاً من الأحاديث الجوامع.


 صلاة الجمعة وخطبتها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

لقد شرع الله للمسلمين الاجتماع في يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة في المسجد الجامع. يجتمع فيه سكان الحي فيتعارفون، ويتآلفون، ويسلم بعضهم على بعض، وتتكون فيما بينهم أسباب المحبة والإخاء والمودة.

وجعل الله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، وشرع للإمام بهذا الاجتماع أن يخطب بهم خطبة تناسب الحال، وتعالج المشاكل الحادثة في أثناء الأسبوع الماضي.

لذا ينبغي للخطباء -وفقهم الله- أن يراعوا المناسبات في خطبهم ليكون لها وقع وفائدة ملموسة. وقد أوجب الله على المؤمنين الإنصات والاستماع للخطبة، وحرم الكلام والإمام يخطب ليتجه السمع والبصر والعقل والفكر إلى الخطبة؛ فيتأثر السامع بما يسمع من أمر ونهي، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب وحلال وحرام.

لهذا ينبغي للخطيب أن ينتهز الفرصة في الدعوة إلى الله، والحث على فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وأن يشيد بمحاسن الإسلام وشعب الإيمان، وحقوق المسلم على أخيه المسلم، وأن يذكر بأحكام العبادات والمعاملات ما يحل منها وما يحرم والعقائد والأخلاق والآداب الإسلامية وأن يعنى بالتحذير من المعاصي المتفشية بين الناس حتى استحلها أكثرهم، وخصوصاً كبائر الذنوب التي ورد فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو لعن فاعلها، أو ورد فيها وعيد بالنار، أو نفي إيمان كالزنا والسرقة وشرب الخمر والربا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين.

والجمعة تجمع أقواماً قد لا يحضرون الصلاة في المساجد إلا يوم الجمعة، فهي فرصة ثمينة للإمام والمأمومين، كما ينبغي للخطباء مراعاة هدي النبي ﷺ‬ في خطبه، وكان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول صبَّحكم ومسَّاكم.

قال ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد في هدي خير العباد" المجلد الأول: " وكان مدار خطبه ﷺ‬ على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله، ومحامده وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله وتبيين مواقع رضاه، وموارد غضبه. فعلى هذا كان مدار خطبه، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة الناس، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع وكان يقول "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة"([271]). وكان يُعلم أصحابه في خطبته شرائع الإسلام وقواعده ويأمرهم وينهاهم إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، وكان يفتتح خطبه بالحمد، ويختتمها بالاستغفار، وكان كثيراً ما يخطب بالقرآن([272]).

هذا، وبالنظر إلى أن أكثر الخطباء لا يستطيعون إنشاء الخطب؛ فإنني أقترح على وزارة الحج والأوقاف، ورئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد أن يكلفوا لجنة من ذوي الكفاءة والعلم والمعرفة والقدرة بتأليف خطب تناسب العصر الحاضر، ثم تطبع وتوزع على الخطباء عملاً بقول الله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{([273]).

والله ولي التوفيق.


 خصائص يوم الجمعة

كان من هدي النبي ﷺ‬ تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره منها:

1- أنه ﷺ‬ كان يقرأ في فجره بسورتي }الم تنزيل{ السجدة، و}هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ{.

2- استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي ﷺ‬.

3- صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام.

4- الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكد جداً.

5- التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.

6- السواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.

7- التبكير لصلاة الجمعة، وفيه فضل عظيم.

8- أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.

9- الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً.

10- قراءة سورة الكهف في يومها.

11- أنه لا يكره فعل الصلاة في يومها وقت الزوال.

12- قراءة سورتي (الجمعة) و(المنافقين) أو (سبح) و(الغاشية) في صلاة الجمعة.

13- أنه يوم عيد متكرر في كل أسبوع.

14- أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها.

15- أنه يستحب فيه تجمير المسجد- أي تطييبه بالبخور-.

16- أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة، بعد دخول وقتها.

17- أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، لحديث عبد الله بن عمرو قال المنذري رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وحديث أوس بن أوس بمعناه.

18- أن يوم الجمعة يوم تكفير السيئات ومغفرة الذنوب.

19- أن جهنم توقد كل يوم إلا يوم الجمعة.

20- أن فيه ساعة الإجابة التي لا يَسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، لحديث أبي هريرة وفيه "لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه" رواه البخاري ومسلم. وأحرى ما تكون ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة أو بعد العصر.

21- أن في يوم الجمعة صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضة بخصائص لا توجد في غيرها.

22- أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله تعالى وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، والوصية بتقوى الله تعالى.

23- أن يوم الجمعة يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة.

24- أنه في الأسبوع كالعيد في العام.

25- أن للصدقة فيه مزية على سائر الأيام.

26- أنه يوم يتجلى الله فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة.

27- أنه فسر (الشاهد) الذي أقسم الله به في كتابه العزيز بيوم الجمعة.

28- أنه اليوم الذي تفزع منه السموات والأرض والجبال والبحار والخلائق كلها إلا الإنس والجن.

29- أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم.

30- أنه خيرة الله من أيام الأسبوع كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام.

31- أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم.

32- أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم.

33- أن يوم الجمعة يوم تذكير الناس بالمبدأ والمعاد والثواب والعقاب، فهو يوم الاجتماع شرعاً في الدنيا وقدراً في الآخرة، وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكون أهل الجنة في منازلهم وأهل النار في منازلهم كما ثبت ذلك عن ابن مسعود من غير وجه ([274]).

 من مراجع خطب الجمعة والعيدين

1- "تفسير ابن كثير"، وهو من أحسن التفاسير وأجمعها وأهمها.

2- "تفسير ابن سعدي"، وهو تفسير سلفي عصري ممتاز.

3- "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن" لابن سعدي، وهو مختصر مفيد.

4- "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" لابن رجب. يرجع إليه في المناسبات كرمضان والحج والشتاء والصيف.

5- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب شرح خمسين حديثاً، كل حديث موضوع خطبة.

6- "كتاب الكبائر" للذهبي، وكل كبيرة منها موضوع خطبة، وهي سبعون كبيرة.

7- "مدارج السالكين" لابن القيم شرح منازل السائرين، وكل منزلة موضوع خطبة، وهي ست وستون منزلة.

8- "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" لابن القيم في آثار وأضرار الذنوب والمعاصي.

9- "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم ويعتبر موسوعة علمية.

10- "مختصر شعب الإيمان"، وكل شعبة منها موضوع خطبة، وهي سبع وسبعون شعبة.

11- "بهجة قلوب الأبرار لابن سعدي" شرح تسعة وتسعين حديثاً، كل حديث منها موضوع خطبة.

12- "الرياض الناضرة" لابن سعدي في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.

13- "إصلاح المجتمع" لمحمد البيحاني" شرح مائة حديث، كل حديث موضوع خطبة.

14- "موارد الظمآن" لابن سلمان- أربعة أجزاء، ويعتبر موسوعة وعظية.

15- "بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين" للمؤلف، يشتمل على كلمات تناسب الخطبة.

16- "الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة" للمؤلف كسابقه.

17- "هداية المرشدين إلى طريق الوعظ والخطابة" للشيخ علي محفوظ.

18- "إصلاح الوعظ الديني" لعبد العزيز الخولي.

19- "الأدب النبوي" لعبد العزيز الخولي.

20- "خطب" الشيخ ابن قعود.

21- "خطب" الشيخ ابن عثيمين.

22- "خطب" الشيخ صالح الفوزان.

23- "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم.

24- "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم.

25- "منهاج المسلم" لأبي بكر الجزائري، وفيه آداب وأخلاق تناسب الخطب.

26- "مفتاح الخطابة والوعظ" تأليف محمد بن أحمد العدوي.

 (نصيحة بمناسبة صلاة الاستسقاء)

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لفعل الخيرات وَمَنَّ عَلَيَّ وعليهم بالتوبة النصوح من جميع السيئات... آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فتعلمون -رحمني الله وإياكم- أن المسلمين قد عزموا على الاستغاثة لتأخر الغيث عن وقته في كثير من البلاد، ولشدة حاجة المسلمين. بل ضرورتهم إلى رحمة ربهم سبحانه وفضله وإحسانه، وقد أمرهم سبحانه أن يدعوه ويضرعوا إليه، ويرفعوا إليه حاجاتهم، وقد وعدوهم سبحانه بالإجابة حيث قال عز وجل: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{([275]) وقال عز وجل: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{([276] وقال سبحانه: }ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{([277]).

وكان النبي ﷺ‬ والمسلمون إذا اشتدت بهم الأمور لجؤوا إلى الله سبحانه واستغاثوا به فيغيثهم ويمدهم بإحسانه وجوده، كما قال عز وجل في قصة غزوة بدر: }إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ{([278])، ولما اشتد الجدب في المدينة وما حولها؛ طلب المسلمون من النبي ﷺ‬ أن يستغيث لهم، فرفع ﷺ‬ يديه في خطبة الجمعة، واستغاث ربه، وكرر الدعاء، وخرج بهم مرة أخرى إلى الصحراء فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد واستغاث ربه، ودعاه، ورفع يديه، وألح في الدعاء، وحول رداءه فأغاثهم الله ورحمهم، وأزال شدتهم، وأنزل عليهم الغيث الكثير، وقد قال الله عز وجل: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{([279]).

ومن أعظم أسباب الرحمة ونزول الغيث تقوى الله عز وجل، والتوبة إليه من جميع الذنوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، والتناصح في الله والتواصي بالحق والصبر عليه، ورحمة الفقراء والمساكين ومواساتهم والإحسان إليهم، كما قال عز وجل: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ{([280]).. الآية. وقال سبحانه: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ{([281] وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{([282] وقال عز وجل: }إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{([283] وقال سبحانه: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{([284]). فأبان سبحانه في هذه الآيات الكريمات أن التقوى والإحسان إلى عباد الله، والاستقامة على أمر الله من أسباب رحمته لعباده، وإحسانه إليهم، وإنزال الغيث عليهم، وإزالة المشقة عنهم.

فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إلى عباده، وتواصوا بالحق والصبر عليه، وتعاونوا على البرَّ والتقوى، وتامروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وتوبوا إليه من جميع الذنوب يرحمكم مولاكم سبحانه، ويمنَّ عليكم بالغيث المبارك، ويعطيكم ما تحبون، ويصرف عنكم ما تكرهون، كما قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([285]).

وقال النَّبيُّ ﷺ‬: «من لا يَرحم لا يُرحم»([286]). وقال ﷺ‬: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»([287]). والآيات والأحاديث الشريفة في الحث على التقوى والاستقامة ورحمة العباد والإحسان إليهم كثيرة معلومة.

وأسأل الله أَن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأَن يمنَّ عليهم بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، وأن يغيثهم من فضله، وأَن يجمع قلوبهم على التقوى والعمل الصالح، وأَن يعيذ الجميع من شرور النفس، وسيئات العمل ومن مضلات الفتن، وأَن ينصر دينه ويُعلي كلمته، وأَن يوفق ولات أَمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأَن يصلح لهم البطانة، ويعينهم على كل خير، إِنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية

والإفتاء والدعوة والإرشاد.


 أحكام الصلاة على الميت

* فضلها:

عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين» متفق عليه.

* حكمها:

فرض كفاية، إذا فعلها البعض سقط الإثم عن الباقين وتبقى في حق الباقين سنّة، وإن تركها الكل أَثموا.

* شروطها:

النية واستقبال القبلة، وستر العورة، وطهارة المصلي والمصلى عليه، واجتناب النجاسة، وإسلام المصلي والمصلى عليه، وحضور الجنازة إِن كان بالبلد، وكون المصلي مكلفاً.

* أركانها:

القيام فيها، والتكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة، والصلاة على النَّبيَّ ﷺ‬، والدعاء للميت، والترتيب، والتسليم.

* سننها:

رفع اليدين مع كل تكبيرة، والاستعاذة قبل القراءة، وأَن يدعوا لنفسه وللمسلمين، والإسرار بالقراءة، وأَن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقبل التسليم قليلاً، وأن يضع يده اليمنى على يده اليسرى، والالتفات على يمينه في التسليم.

* صفتها:

يقوم الإمام المنفرد عند صدر رجل ووسط امرأَة، ويقف المأمومون خلف الإمام، ويسن جعلهم ثلاثة صفوف، ثم يكبر للإحرام ويتعوذ بعدها مباشرة. فلا يستفتح ويسمي، ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي بعدها على النَّبيَّ ﷺ‬ مثل الصلاة عليه في تشهد الصلاة، ثم يكبر ويدعو بعدها للميت بما ورد ومنه «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنّة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما([288]). اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأَدخله الجنّة، وأَعذه من عذاب القبر، وأَفسح له في قبره، ونور له فيه([289])  – وإن كان المصلى عليه أُنثى قال اللهم اغفر لها – بتأْنيث الضمير، وإن كان المصلى عليه صغيراً قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً، وأجراً، وشفيعاً مجاباً. اللهم ثقل به موازينهما، أعظم به أُجورهما، وأَلحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم»([290])، ثم يكبر ويقف بعدها قليلاً، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه. - ومن فاته بعض الصلاة على الجنازة دخل مع الإمام فيما بقي، ثم إذا سلم الإمام قضى ما فاته على صفته، وإن خشي أن ترفع الجنازة تابع التكبيرات (أي بدون فصل بينها) ثم سلَّم - ومن فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه صلى على قبره.

ومن كان غائباً عن البلد الذي فيه الميت وعلم بوفاته فله أن يصلي عليه صلاة الغائب بالنيّة. وحمل المرأَة إذا سقط ميتاً وقد تم له أربعة أشهر فأكثر صلى عليه صلاة الجنازة، وإن كان دون أَربعة أَشهر لم يصل عليه – والله أَعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتبه الشيخ: صالح الفوزان


 الحث على تشجيع المكتبات الخيرية في المساجد

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إِلى من يراه من إخواننا طلبة العلم شرفهم الله به، وحملهم مسؤولية العمل به ونشره.. وإلى أصحاب الأموال الذين منَّ الله عليهم بها، وأمرهم بالإنفاق منها في طريق الخير.. وإلى الآباء الذين أكرمهم الله بالبنين، وأَمرهم بحسن تربيتهم.. وإلى شبابنا الراغبين في أسباب السلامة لإيمانهم وأَفكارهم وأَخلاقهم وسلوكهم.

إلى هؤلاء جميعاً أَقول أَن المكتبات الخيرية في بيوت الله وحولها من أَعظم أَسباب الهداية، والمحافظة على آداء الصلاة في الجماعة والسلامة من الاختلاط بقرناء السوء، والسلامة من الوقوع في المحرمات، والسلامة من ضياع الأوقات في الأسواق والطرقات.

ولذا أَدعو الجميع إلى المشاركة في إنشاء هذه المكتبات، كل بقدر الاستطاعة. فطلاب العلم بالتعليم والإشراف والمشاركة في الندوات.. والتُجار بالمال لما تحتاج إِليه من بناء ونفقات.. والآباء بتشجيع أَبنائهم للانضمام إليها والمشاركة فيها.. والشباب بالتعاون فيها..

والله أَسأَل أَن ينفع بها المسلمين وأَن يوفق المسلمين للتفقه في دينه والثبات عليه إِنه سميع قريب.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الرئيس العام

 لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.



 فتاوى حول الخسوف والكسوف وما يتعلق بهما

سماحة الشيخ: طالعتنا الصحف بخير مفاده:

أن القمر سوف يخسف خسوفاً كلياً بعد غروب الشمس بقليل. وذلك قبل خسوفة بثلاثة أيام، وقد شرح الكاتب أسباب الخسوف وبدايته ونهايته مما يثير في النفس عدة تساؤلات بعد الحقائق التالية:

1-                     أن خسوف القمر والشمس شيء طبيعي لأن أصحاب المراصد الفلكية أخبروا عنه قبل وقوعه بعدة أيام وحددوا قدره وبدايته ونهايته بكل دقة.

2-                     أن الرسول ﷺ‬ أمرنا فيما رواه مسلم عن عائشة أن نفزع في حالة الخسوف إلي الصلاة وقال: «فصلوا حتي يفرج الله عنكم».

3-                     وما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: «كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة» أي العتق.

4-                     ورد في فتح الباري «أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده».

فلماذا يفزع العباد والخسوف شيء طبيعي معلوم قبل حدوثه؟

ج: أولاً: ثبت عن النّبيَّ ﷺ‬ أنه أخبر أَن الكسوف والخسوف للشمس والقمر يقعان تخويفاً من الله لعباده، وحثًّا لهم على مراعاة هذه الآيات، والخوف من الله عزَّ وجلَّ والفزع إلى ذكره وطاعته. وأخبر ﷺ‬ أَنهما لا ينكسفان لموت أحد الناس ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وقال: «إذا رأيتم الخسوف فافزعوا إلى ذكره ودعائه». وقال أَيضاً ﷺ‬: «إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم»، وأمر في ذلك بالتكبير والعتاقة والصدقة.

كل هذا مشروع عند الكسوف: الصلاة، والذكر، والاستغفار، والصدقة، والعتق، والخوف من الله عزَّ وجلَّ والحذر. وكونها آية تعرف بالحساب لا يمنع كونها تخويفاً من الله جلَّ وعلا وأَنها تحذير منه سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي أَجرى الآيات، وهو الذي رتب أسبابها، كما تطلع الشمس وتغرب الشمس في أوقات معينة، وهكذا القمر، وهكذا النجوم، وكلها آيات من آيات الله سبحانه وتعالى. فكون الله جعل لها أسباباً كما ذكره الفلكيون يعرفون الخسوف بها لا يمنع من كونها تخويفاً وتحذيراً من الله عزَّ وجلَّ. كما أن آياته المشاهدة من شمس وقمر ونجوم، وحر وبرد كلها آيات فيها التخويف والتحذير من عصيان الله عزَّ وجلَّ الذي أنعم بها. فالواجب على المكلفين أَن يشكروا الله على هذه النعم، وأَن يحذروه، وأَن يخافوه، وأَن يخشوه سبحانه، حتى يستقيموا على أَمره، وحتى يَدَعُوا ما حرم عليهم.

فوجود الآيات في السماء من خسوف وكسوف وغير ذلك، وكون الفلكيين والحسّابين يعرفون أَسباب ذلك في الغالب لا يمنع كونها آيات. والحسَّاب قد يغلط، والفلكي قد يغلط في بعض الأَحيان وقد يصيب، ولكنه في الغالب إِذا كان متقناً للحساب يدرك هذا الشيء. وليس هو من علم الغيب لأَن له أسباباً معلومة يسيرها الحسّابون بتنقل الشمس والقمر، ويعرفون منازل الشمس والقمر، ويعرفون المنزلة التي فيها الخسوف والكسوف، وهذا لا ينافي ما أمر الله به على يد رسوله ﷺ‬ من الخوف من الله، أَو الصدقة، أَو غيره، هذا كله من مصلحة العباد. حتى يخافوا ويحذروا ويستقيموا.

وكونها تعرف بالحساب لا يمنع ذلك.

س: ألا يقلل نشر مثل هذه الأخبار من أهمية الخسوف؟

ج: لو ترك النشر لكان أَحسن وأَفضل حتى يفجأ الناس الخسوف، ويكون ذلك أَقرب إلى فزعهم وخوفهم واجتهادهم في طاعة الله سبحانه وتعالى. ولكن بعض الحسّابين يرى أَن في ذلك حثًّا للناس على التهيؤ والاستعداد وعدم الغفلة؛ لأنه قد يأتي غفلة وهم لا يشعرون ولا ينتبهون، فإذا نشر في الصحف انتبه الناس لهذا الشيء، وأعدوا له عدته في وقته. هذا مقصود من نشر ذلك في الأَعلب.

س: أَليس التنبؤ بمثل خسوف القمر والشمس من مسابقة الأحداث ومصادمة الأَدلة الشرعية والله يحفظكم ويرعاكم؟

ج: قال أَهل العلم إنه ليس من أُمور الغيب، وهذا مدرك بالحساب، كما قال هذا شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن القيّم وغيرهم من الأَولين. معروف عند أَهل الفلك والحسّابين لمنازل القمر والشمس يعرفون هذا بطرق سيرها ودروسوها وعرفوها وليس من علم الغيب.

مجلة الأَمن – العدد 24

الشيخ / عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

س: ما حكم وضع السترة أَمام المصلي داخل المسجد؟

ج: الصلاة إِلى سترة سنّة في الحضر والسفر، في الفريضة والنافلة، وفي المسجد وغيره، لعموم حديث «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها» رواه أبو دواد بسند جيد. ولما روى البخاري ومسلم من حديث أَبي جحيفة t: «أَن النَّبيَّ ﷺ‬ ركزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع». وروى مسلم من حديث طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله ﷺ‬: «إذا وضع أَحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال مَنْ مرَّ وراء ذلك».

ويسن له دنوه من سترته لما في الحديث. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون سواري المسجد ليصلوا إليها النافلة. وذلك في الحضر في المسجد، لكن لم يعرف عنهم أَنهم كانوا ينصبون أمامهم أَلواحاً من الخشب لتكون سترة في الصلاة بالمسجد، بل كانوا يصلون إلى جدار المسجد وسواريه. فينبغي عدم التكلف في ذلك فالشريعة سمحة، ولن يشاد الدين أَحدٌ إِلا غلبه، ولأن الأَمر بالسترة للاستحباب لا الوجوب، لما ثبت من أن النَّبيَّ ﷺ‬ صلى بالناس بمنى إِلى غير جدار، ولم يذكر في الحديث اتخاذه سترة، ولما روى الإمام أَخمد وأَبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «صلى رسول الله ﷺ‬ في فضاء وليس بين يديه شيء»([291]).

س: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل صلَّى بغير وضوء إماماً وهو لا يعلم، أو عليه نجاسة لا يعلم بها: فهل صلاته جائزة؟ أم لا؟ وإن كانت صلاته غير جائزة: فهل صلاة المأمومين خلفه تصح؟ أفتونا مأجورين.

ج: فأجاب: أَما المأموم إِذا لم يعلم بحدث الإمام أو النجاسة التي عليه حتى قضيت الصلاة فلا إِعادة عليه عند الشافعي، وكذلك عند مالك وأَحمد، إذا كان الإمام غير عالم، ويعيد وحده إِذا كان محدثاً. وبذلك مضت سنّة الخلفاء الراشدين، فإنهم صلوا بالناس ثم رأَوا الجنابة بعد الصلاة فأَعادوا، ولم يأْمروا الناس بالإعادة، والله أَعلم([292]).

س: وسُئل رحمه الله ما يقول سيدنا: فيمن يجهر بالقراءة، والناس يصلون في المسجد السنّة أَو التحية، فيحصل لهم بقراءته جهراً أَذى. فهل يكره جهر هذا بالقراءة أَم لا؟

ج: فأجاب: ليس لأَحد أَن يجهر بالقراءة لا في الصلاة، ولا في غير الصلاة، إذا كان غيره يصلى في المسجد، وهو يؤذيهم بجهره، بل قد خرج النَّبيُّ ﷺ‬ على الناس وهم يصلون في رمضان، ويجهرون بالقراءة. فقال: «أَيها الناس كلكم يناجي ربّه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة».

وأَجاب أيضاً -رحمه الله-: وليس لأَحد أَن يجهر بالقراءة، بحيث يؤذي غيره كالمصلين([293]).

 الصلاةُ بالسَاعات التي فيها صور

س: يوجد في بعض الساعات صور لبعض الحيوانات من داخلها فهل تجوز الصلاة بها؟ وكذلك هل تجوز الصلاة بالساعة التي فيها صليب أَم لا؟

ج: إِذا كانت الصور في الساعات مستورة لا ترى فلا حرج في ذلك.. أما إِذا كانت ترى في ظاهر الساعة، أَو في داخلها إِذا فتحها، لم يجز ذلك لما ثبت عنه ﷺ‬ من قوله لعليٍّ t: «لا تدع صورة إلا طمستها». وهكذا الصليب لا يجوز لبس الساعة التي تشتمل عليه إلا بعد حكه أَو طمسه بالبوية ونحوها لما ثبت عنه ﷺ‬: «أَنه كان لا يرى شيئاً فيه تصليب إلا نقضه»، وفي لفظٍ: «إلاَّ قضبه».

مجلة الدعوة – العدد 886

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 الصلاة بالثوب الشفَّاف

س: هل ثوب السلك الشبه شفاف يستر العورة أَم لا؟ وهل تصح الصلاة والمسلم لابسه؟

ج: إِذا كان الثوب المذكور لا يستر البشرة لكونه شفافاً أَو رقيقاً، فإنه لا تصح الصلاة فيه من الرجال إِلا أَن يكون تحته سراويل أَو إِزار يستر ما بين السرة والركبة... وأَما المرأَة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أَن يمون تحته ما يستر بدنها كله.. أَما السراويل القصيرة تحت الثوب المذكور فلا تكفي.. وينبغي للرجل إذا صلى في مثل هذا الثوب أَن تكون عليه فنيلة أَو شيء آخر يستر المنكبين أَو أَحدهما لقول النبي ﷺ‬: «لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» متفق على صحته.

مجلة الدعوة – العدد 886

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 كيفية الصلاة في الطائرة

س: كُلفت بمهمة وحان وقت الصلاة وأنا داخل الطائرة فصليت وأَنا جالس على كرسي الطائرة أُومئ برأسي، ولا أعلم إلى أي جهة أنا متجه، أرجو إفادتي عن صحة صلاتي، وإذا كانت ليست صحيحة، فهل لي أن أُؤخرها إلى أن أنزل من الطائرة؟

ج: الواجب على المسلم إذا كان في الطائرة، أو في الصحراء، أن يجتهد في معرفة القبلة بسؤال أَهل الخبرة، أَو بالنظر في علامات القبلة، حتى يصلي إِلى القبلة على بصيرة، فإن لم يتيسر العلم بذلك، اجتهد وتحرى جهة القبلة وصلي إليها، ويجزئه ذلك، ولو بان بعد ذلك أَنه أَخطأ القبلة لأَنه قد اجتهد واتق الله ما استطاع. ولا يجوز له أَن يصلي الفريضة في الطائرة، أَو في الصحراء بغير اجتهاد، فإن فعل فعليه إِعادة الصلاة لكونه لم يتق الله ما استطاع ولم يجتهد.

أَما كون السائل صلى جالساً، فلا حرج في ذلك، إِذا كان لم يستطع الصلاة قائماً، كالمصلي في السفينة والباخرة إذا عجز عن القيام، والحجة في ذلك قوله تعالى: }فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{، وإذا أَخر الصلاة حتى ينزل فلا بأس إذا كان الوقت واسعاً، وهذا كله في الفريضة. أَما النافلة فلا يجب فيها استقبال القبلة حالة كونه في الطائرة، أو السيارة، أَو على الدابة، لأنه ثبت عن الرسول ﷺ‬ أنه كان يصلي النافلة وهو على بعيره إلى جهة سيره، لكن يستحب له أَن يستقبل القبلة حال الإحرام، ثم يكمل صلاته إلى جهة سيره، لأنه ثبت من حديث أَنس ما يدل على ذلك والله ولي التوفيق.

مجلة الدعوة – العدد 923

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 المسبوق هل يقرأ  دعاء الاستفتاح والفاتحة؟

س: إذا دخل المأموم مع الإمام وهو في نهاية القراءة وقبل الركوع، فهل للمأموم أَن يستفتح الصلاة بدعاء الاستفتاح سبحانك اللهم وبحمدك..." إلخ، أم أنه يدخل مع الإمام ويسكت؟

ج: إذا جاء المأموم والإمام عند الركوع، فإنه يركع معه ولا يستفتح ولا يقرأ شيئاً بل يكبر ويركع، أَما إِن جاء في وقت واسع والإمام قائم فإنه يستفتح ويقرأ الفاتحة، هذا هو المشروع له: يستفتح أَولاً ثم يقرأ الفاتحة ولو في الجهرية إِن كان في سكوت الإمام قرأها في السكوت، وإن لم يكن هناك سكوت قرأها بينه وبين نفسه، ثم بعد ذلك ينصت لإمامه. أَما إِذا جاء متأخراً عند الركوع، فإنه يكبر ويركع، وتسقط عنه الفاتحة لأنه معذور.

مجلة الأمن – العدد 24

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 حكم التلثم والاستناد في الصلاة

س: هل يجوز التلثم في الصلاة، وكذلك الاستناد إلى جدار أو عمود ونحو ذلك؟

ج: يكره التلثم في الصلاة إِلا من علّة، ولا يجوز الاستناد في الصلاة -صلاة الفرض- إِلي جدار أَو عمود، لأَن الواجب على المستطيع الوقوف معتدلاً غير مستند. فأَما في النافلة فلا حرج في ذلك، لأَنه يجوز أَداؤها قاعداً، وأَداؤها قائماً مستنداً أَفضل من الجلوس.

مجلة الدعوة – العدد886

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 تحية المسجد في أَوقات النهي

س: كثر القول في تحية المسجد، منهم من قال أَنها لا تفعل في أَوقات النهي الواردة، مثل عند طلوع الشمس وعند غروبها، ومنهم من قال إِنها تجوز حيث أَنها من ذوات الأَسباب التي لا وقت لها، وتفعل حتى ولو كانت الشمس قد مضى نصفها في الغروب: أَرجو إِفادتي عن ذلك تفصيليًّا؟

ج: في هذه المسأَلة خلاف بين أَهل العلم، والصحيح أَن تحية المسجد مشروعة في جميع الأَوقات حتى بعدالفجر وبعد العصر لعموم قوله ﷺ‬: «إِذا دخل أَحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق على صحته.

ولأَنها من ذوات الأَسباب كصلاة الطواف وصلاة الخسوف. والصواب فيها كلها أَنها تفعل في أَوقات النهي كلها، كقضاء الفوائت من الفرائض لقول النَّبيِّ ﷺ‬ في صلاة الطواف: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أَية ساعة شاء من ليل أَو نهار» أَخرجه الإمام أَحمد وأَصحاب السنن بإسناد صحيح. ولقوله ﷺ‬: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم» متفق على صحته. وقوله ﷺ‬: «من نام عن الصلاة أَو نسيها فليصلها إِذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك»([294]).

وهذه الأحاديث تعم أَوقات النهي وغيرها، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيّم رحمة الله عليهما. والله ولي التوفيق.

مجلة الدعوة – العدد 888 – اللجنة الدائمة للإفتاء

س: هل تحية المسجد تجوز بعد صلاة العصر وصلاة الصبح في أي مسجد كان، أَو هي مخصوصة بالحرمين الشريفين في وقت النهي دون غيرها من المساجد، أَو هي ممنوعة في وقت النهي في جميع المساجد حتى الحرمين الشريفين؟

ج: الصحيح من قول العلماء أَن الإنسان إذا دخل المسجد ولو في وقت النهي صلى تحيته ولو في غير المساجد الثلاثة عملاً بعموم حديث «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»([295]). وحملاً لأَحاديث النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها، وعند استوائها، وبعد العصر، وعند الغروب على النفل المطلق دون الفرائض وذوات الأسباب من النوافل، كتحية المسجد، وركعتي الطواف فتصلي كل منهما بعد العصر، وبعد الصبح، وفي سائر أَوقات النهي.

مجلة الدعوة – العدد 778

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

س: ما حكم تحية المسجد عقب أَذان المغرب وقبل الصلاة – والوقت بين الأذان والإقامة قصير – وما حكم التنفل قبل صلاة المغرب أَيضاً غير تحية المسجد أَيضاً؟

ج: تحية المسجد سنّة مؤكدة في جميع الأوقات، حتى في وقت النهي في أصح قولي العلماء لعموم قول النَّبيَّ ﷺ‬: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه.

والصلاة بعد أَذان المغرب وقبل الإقامة سنّة لقول النبَّيَّ ﷺ‬: «صلوا قبل المغرب.. صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء» رواه البخاري. وكان أصحاب النَّبيَّ ﷺ‬ إذا أذن المغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة، والنَّبيَّ ﷺ‬ يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك، بل قد أَمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفاً .

س: هل يجوز لمن يبقى في المسجد بعد صلاة الفجر إلى الشروق أَن يصلي ركعتي الضحى عند الشروق. وما هو الوقت المشروع والمسنون لأدائها؟

ج: يدخل وقت صلاة الضحى من حين أَن ترتفع الشمس قيد رمح إلى وقوف الشمس قبيل وقت الظهر.. وأَفضل ذلك حين يشتد الضحى لقول النَّبيَّ ﷺ‬: «صلاة الأَوَّابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم في "صحيحه" ومعنى ترمض: أَن يشتد عليها حر الشمس، والفصال: هي أَولاد الإبل جمع فصيل.

مجلة الدعوة – العدد 932 – اللجنة الدائمة للإفتاء


 حكم مصاحبة  تارك الصلاة والمستهزئ بالدين

قارئ رمز لاسمه بـ (ف.ع.ع) من الرياض بعث إلينا مجموعة أَسئلة منها:

س1: هل يجوز للإنسان المسلم أَن يصاحب رجلاً آخر لا يصلى أحياناً بل أكثر الأوقات؟

س2: أرى كثيراً من الشباب إذا رأوا الشاب المحافظ على صلاته ودينه يستهزئون به، وأرى كذلك بعض الشباب هداهم الله يتكلمون عن الدين باستهتار وعدم مبالاه، فما القول في ذلك، وهل تجوز مجالستهم والمرح معهم في أوقات ليس فيها وقت الصلاة؟

ج: لا يجوز للمسلم أَن يصاحب مثل هذا الشخص الذي يترك الصلاة في بعض الأوقات، بل يجب عليه أَن ينصحه، وينكر عليه عمله السيئ، فإن تاب وإلا هجره، ولم يتخذه صاحباً، وأَبغضه في الله، حتى يتوب من عمله النكر، لأن ترك الصلاة كفر أكبر لقول النَّبيَّ ﷺ‬: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أَخرجة الإمام أَحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب t. وخرّج مسلم في "صحيحه" عن جابر t عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».

فالواجب على كل مسلم، أَن يحب في الله، ويبغض في الله، ويوالى في الله، ويعادي في الله، كما قال الله سبحانه: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ{([296]). ويجب الرفع عن مثل هذا إلى ولاة الأمور إذا كان في بلد يحكِّم الشريعة الإسلامية حتى يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، لأَن حد من ترك الصلاة ولم يتب هو القتل كما قال تعالى: }فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ{ ([297])  الآية. فدلت هذه الآية الكريمة على أَن من ترك الصلاة ولم يتب لا يخلى سبيله بل يقتل، والصحيح أَنه يقتل كافراً للحديثين السابقين وغيرهما ولقوله ﷺ‬: «إِني نهيت عن قتل المصلّين»([298])  فدل ذلك على أَن من لا يصلي لم ينه عن قتله، بل يجب قتله إِن لم يتب لما في ذلك من الردع عن هذه الجريمة العظيمة نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفقنا وإِياهم للثبات على دينه، إِنه سميع قريب.

ج: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر.. قال الله تعالى: }قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ الآية([299]). ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه يعتبر مستهزءًا بالدين، فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبته، بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه ومن صحبته. وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً، فلا تجوز صحبته ولا مجالسته بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه وحثه على التوبة النصوح، فإن تاب فالحمد لله وإلا وجب الرفع عنه إلى ولاة الأمور بعد إثبات أعماله السيئة بالشهود العدول حتى ينفذ فيه حكم الله من جهة المحاكم الشرعية وبكل حال فهذه المسائل مسائل خطيرة يجب على كل طالب علم، وعلى كل مسلم عرف دينه، أَن يحذرها، وأَن يحذر من يخوض في مسائل الدين بالسخرية واللعب، لأَن لا يصيبه ما أَصابه من فساد العقيدة والسخريه بالحق وأَهله. نسأَل الله للمسلمين جميعاً العافية من كل ما يخالف شرعه، كما نسأَله سبحانه أَن يعافي المسلمين جميعاً من شر أَعدائهم من الكفرة والمنافقين، وأَن يعينهم على التمسك بكتابه سبحانه وسنّة نبيه ﷺ‬ في جميع الأَحوال، إِنه جواد كريم.


 حكم القنوت في صلاة الفجر

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إِلى حضرة الأَخ المكرم معالي وزير الحج والأَوقاف وفقه الله.

سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

فأُشير إِلى كتاب معاليكم رقم 3651/207، وتاريخ 28/5/ 1407هـ، ومشفوعه بشأن استفساركم عن حكم القنوت في صلاة الفجر. وأُفيد معاليكم أَن الثابت عن رسول الله ﷺ‬ أَنه كان يقنت عند حدوث النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار، ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكفار. ثم يترك ذلك ولم يخص فرضاً دون فرض. لذلك فإِن القنوت في صلاة الصبح وفي غيرها من الصلوات الخمس غير مشروع، بل هو بدعة إِلا إِذا نزل بالمسلمين نازلة من عدو أَو غرق أَو وباء أَو نحوها، فإِنه يشرع القنوت لرفع ذلك كما كان يفعل ﷺ‬. ومما يدل على كونه بدعة في غير النوازل ما رواه الإِمام أَحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإِسناد صحيح عن سعد بن طارق الأَشجعي قال قلت لأَبي: يا أَبت إِنك قد صليت خلف رسول الله ﷺ‬ وخلف أَبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أَفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أَي بُني محدث.

وقد كتبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء بالرئاسة فتوى في ذلك، أَشفع لمعاليكم نسخة منها للإِحاطة والاستفادة، والله المسئول أَن يوفق الجميع لما يرضيه، وأَن يبارك في جهود معاليكم، ويمنحكم العون على كل خير، وبهذه المناسبة فإِني أَرى تعميم كتابي هذا مع الفتوى المرفقة لجميع الأَئمة للإِحاطة والعمل بموجبه.

والسلام عليكم ورحمته الله وبركاته.

الرئيس العام

لإِدارات البحوث العلمية والإِفتاء والدعوة والإِرشاد


فتوى في حكم

 القنوت في صلاة الفجر

سؤال وجواب من الفتوى رقم 2222وتاريخ 29/11/1398هـ

س: قراءة القنوت في صلاة الصبح، وقراءة القنوت في صلاة الوتر هل هو جائز أَم لا؟

ج: أَما القنوت في الوتر فمستحب لحديث الحسن بن على رضي الله عنهما قال علمني رسول الله ﷺ‬ كلمات أَقولهن في قنوت الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لى فيما أَعطيت، وقني شر ما قضيت، فإِنك تقضي ولا يقضى عليك، وإِنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت» رواه الخمسة.

أَما القنوت في الصبح وفي غيرها من الصلوات الخمس فلا يشرع، بل هو بدعة إِلا إِذا نزل بالمسلمين نازلة من عدو أَو غرق أَو وباء أَو نحوها، فإِنه يشرع القنوت لرفع ذلك، لأَن الرسول ﷺ‬ قنت في الصلوات يدعو على أَحياء من العرب قتلوا بعض أَصحابه رضي الله عنهم، والأَكثر أَن ذلك كان منه ﷺ‬ في صلاة الفجر بعد الركوع من الركعة الثانية. أَما اتخاذه دائماً في الصبح فهو بدعة، وإِن قال به بعض أَهل العلم لأَن ذلك لم يحفظ عن النَّبيَّ ﷺ‬، وإِنما جاء في أَحاديث ضعيفة. وروى أَحمد وأَهل السنن بإِسناد جيد عن سعد بن طارق الأَشجعي قال قلت لأَبي إِنك قد صليت خلف رسول الله ﷺ‬ وخلف أَبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أَفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أَي بُني محدث.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة

 عضو        نائب رئيس اللجنة               الرئيس

عبدالله بن غديان          عبدالرازق عفيفي      عبدالعزيز بن عبدالله بن باز


 حكم إمامة من يشرب الدخان

س: يسأل أحد الإخوة عن حكم شرب الدخان، وحكم إمامة من يجاهر بذلك؟

ج: قد دلت الأدلة الشرعية على أَن شرب الدخان من الأَمور المحرمة شرعاً، وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً. أَما ما كان ضاراً لهم في دينهم أَو دنياهم أَو مغيراً لعقولهم، فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عزَّ وجلَّ أَرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأَفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئاً عبثاً، ولا يخلق شيئاً باطلاً، ولا يأمر بشيء ليس لعباد فيه فائدة، لأنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال سبحانه: }إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{([300] وقال عزَّ وجلَّ: }إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا{([301])، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ومن الدلائل القرآنية على تحريم الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: }يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ{([302] وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمدr: }يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{([303]) الآية. فأَوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أَنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات، وهي الأطعمة والأشربة النافعة. أَما الأَطعمة والأشربة الضارة، كالمسكرات، والمخدرات، وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين، أَو البدن، أَو العقل، فهي من الخبائث المحرمة. وقد أَجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأَضراره أَن الدخان من المشارب الضارة ضرراً كبيراً، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض، كالسرطان، وموت السكتة وغير ذلك. فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمة، ووجوب الحذر منه.

فلا ينبغي للعاقل أَن يغتر بكثرة من يشربه فقد قال الله تعالى في كتابه المبين: }وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ{([304] وقال عز وجل: }أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا{([305]).

أَما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة، فلا ينبغي أَن يتخذ مثله إماماً، بل المشروع أَن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين، المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن الإمامة شأنها عظيم، ولهذا قال النَّبيَّ ﷺ‬: «يؤم القوم أَقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة فإن كانوا في السنّة سواء فأَقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأَقدمهم سلماً» الحديث رواه مسلم في "صحيحه".

وفي "الصحيحين" عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال لمالك بن الحويرث وأَصحابه: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أَحدكم وليؤمكم أكبركم»، لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إِمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه لضعف دينه ونقص إيمانه. وقال آخرون من أَهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه، فتصح صلاة من خلفه، ولأن كثيراً من الصحابة صلوا خلف بعض الأُمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحَجَّاج وهو من أَظلم الناس، وهذا هو القول الراجح، وهو صحة إِمامته والصلاة خلفه؛ لكن لا ينبغي أَن يتخذ إِماماً مع القدرة على إِمامة غيره من أهل الخير والصلاح. وهذا جواب مختصر أردنا منه التنبيه على أصل الحكم في هاتين المسألتين، وبيان بعض الأَدلة على ذلك، وقد أَوضح العلماء حكم هاتين المسألتين فمن أَراد بسط ذلك وجده، والله المسؤول أَن يصلح أَحوال المسلمين، ويوفقهم جميعاً للاستقامة على دينه، والحذر مما يخالف شرعه إِنه جواد كريم.  وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

مجلة الدعوة – عدد 1078 – بتاريخ 11 / 6 / 1407 هـ

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز


 فتوى في إمامة لحليق للصلاة(*)

صادرة برقم 1640 وتاريخ 7/8/1397هـ عن رئاسة إِدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية وفيما يلي نص الفتوى:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبة وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من... إِلى سماحة الرئيس العام، والمحال إليها من الأمانة العامة برقم 257/2 وتاريخ 24/6/1397هـ

ونصه:

س: (رجل حالق لحيته خطيب في الجامع، هل ترون أَن نصلي وراءه؟ بينوا تؤجروا).

وقد أجابت اللجنة بما يلي:

ج: حلق اللحية حرام لما رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأَحفوا الشوارب».

ولما رواه أَحمد ومسلم عن أبي هريرة t عن النَّبيَّ ﷺ‬ أَنه قال: «جزوا الشوارب، وأَرخوا اللحى، خالفوا المجوس».

والإصرار على حلقها من الكبائر([307])، فيجب نصح حالقها، والإنكار عليه، ويتأكد ذلك إِذا كان في مركز قيادي ديني([308])، وعلى هذا إذا كان إماماً لمسجد ولم ينتصح وجب عزله ([309])  إِن تيسر ذلك، ولم تحدث فتنة، وإِلا وجبت الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك زجراً له وإِنكاراً عليه، إن لم يترتب على ذلك فتنة، وإن لم يتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه تحقيقاً لمصلحة الجماعة ([310]).

وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة – صلى وراءه درءاً للفتنة وارتكاباً لأخف الضررين – وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو                                               عضو

عبدالله بن قعود                               عبدالله بن غديان

نائب رئيس اللجنة                                 الرئيس

عبدالرزاق عفيفي                         عبدالعزيز بن عبدالله بن باز


 حكم رفع اليدين في الدعاء

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم وفقه الله لما فيه رضاه...آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعده يا محب:

كتابكم الكريم وصل – وصَلَكُم الله بهداه – وما تضمنه من السؤال حول موضوع حكم رفع اليدين في الدعاء بعد التسليم من صلاة الفريضة وغيرها...إلخ.

كان معلوماً وعليه نفيدكم بأن رفع اليدين في الدعاء سنّة ومن أسباب الإجابة لقول النَّبيَّ ﷺ‬: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إِذا رفع يديه إليه أَن يردهما صفراً». أَخرجه أَبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه. ولأحاديث كثيرة صحت في ذلك عن النَّبيَّ ﷺ‬، وإنما يمنع رفع اليدين في المواضع التي لم يرفع فيها النَّبيَّ ﷺ‬، كالرفع بعد صلاة الفريضة للإمام والمأموم والمنفرد، فلا يشرع لأحد منهم أَن يرفع يديه بعد الفريضة، لأن النَّبيَّ ﷺ‬ لم يرفعهما بعد سلامه من الفريضة.

أَما النوافل: فلا بأس بالرفع في الدعاء بعدها بين وقت وآخر لا بصفة دائمة، وهكذا لا يشرع رفع اليدين في خطبة الجمعة، وخطبة العيدين، ولا بين السجدتين، ولا بعد قراءة التحيات قبل أن يسلم، ونحو ذلك من المواضع التي لم يرفع فيها النَّبيُّ ﷺ‬. ويشرع الرفع في خطبة الاستسقاء، لأَن النَّبيَّ ﷺ‬ رفع يديه في خطبة صلاة الاستسقاء. وهكذا رفع يديه لما استسقى في خطبة الجمعة، ورفع الناس أَيديهم. وبما ذكرنا تجتمع الأَحاديث الواردة في ذلك. وقد نص جمع من أهل العلم على ما ذكرنا. ونسأل الله أَن يوفقنا وإياكم للفقه في دينه، والثبات عليه إنه سبحانه خير مسؤول.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

 (1) التحذير من البدع (*)

تحدث في المسجد الحرام بدع تختلف من وقت إلى آخر، وهذه إشارة لبعض منها:

الأولى: بدعة ترنم المؤذنين الذين يبلَّغون خلف الإمام ترنماً يميل إلى الطرب وهو بدعة لأمرين:

أحدهما: عدم الحاجة إليه مع كل إمام، وحال وجود مكبرات الصوت.

والثاني: تمطيط الصوت ومده مدًّا زائداً ينتظر معه الإمام فراغ المبلغ لينتقل الإمام إلى ركن آخر؛ وحينئذ قد ينقلب الإمام مأموماً.

الثانية: التصوير: وهو بدعة لكونة محرماً في الشريعة([312]). ولما فيه من الفتنة؛ وذلك بإشغال من في الحرم بنظر آلة التصوير ومتابعتها، لعلها تظهر صورته، وربما تقرب إليها في مجلسه، وربما – والعياذ بالله – أبطل صلاته بعبثه لأجل التصوير. وهذا ما يحصل من بعض المسلمين ذوي الثقافة الإسلامية الضعيفة.

الثالثة: اختلاط النساء المتعطرات المتجملات الكاشفات لوجوههن بالرجال ([313])، ومزاحمتهن لهم، وإيذائهن المسلمين، ومصافتهن الرجال في الصلاة.

الرابعة: تخصيص مطوفين جهلة مبتدعين لأدعية في الطواف غير مشروعة، وتخصيصهم ليطوفوا بالناس بغية أكلهم لأموال الناس بالباطل، فيجب تعليمهم وتثقيفهم ومراقبتهم أَو منعهم.

الخامسة: جلوس بعض السفلة لتلاوة القرآن، وأَخذهم نقوداً من الناس، فهم يتلون كتاب الله ليشحذوا الناس ويسألوهم من أموالهم لهذه التلاوة، وفعلهم هذا حرام، ومعينهم على ذلك آثم. وطائفة أُخرى منهم يقرأُون القرآن للأموات بالأجرة، وهذا مكروه ([314]). ومثله طواف بعض المعوقين لسؤال الناس، ومن الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.

 (2) التحذير من البدع (*)

المسجد النبوي هو أفضل مسجد في الأرض بعد المسجد الحرام، فلا يحل لمسلم إهانتة بالأقذار والبدع، ونشر الخرافات، وسوء الأَدب، ولقد حرصت هذه الدولة – وفقها الله – على أمن هذا المسجد، والعناية به. ولكون القبر في المسجد النبوي، فإنه يحصل بسببه بدع. وهذه بعض البدع التي تحصل في المسجد النبوي عموماً:

الأُولى: وهي أعظم البدع، وأَشدها شناعة، والتي ربما تؤدي إلى الكفر بالله – نسأل الله السلامة – أَلا وهي: طواف بعض طواف بعض الناس حول القبر النبوي، وتمسحهم به، والتوسل برسول الله ﷺ‬، والإستغاثة به، وهو ميت، ودعاؤه مع الله، ولا يخفى ما في هذا من الشرك بالله، والمنافي لتوحيد الله تعالى ([316]).

الثانية: بدعة رفع الصوت بالمسجد النبوي. وهذه محرمة. والدليل على ذلك: عن عمر بن الخطَّاب t أنه قال لرجلين من أهل الطائف حين رفعا صوتيهما بالمسجد النبوي: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أَصواتكما في مسجد رسول الله ﷺ‬؟!». رواه البخاري ([317]). ولأن للنَّبيَّ ﷺ‬ حرمته حيًّا وميتاً، فلابد من الأدب عنده([318]).

الثالثة: توجه لعض النساء لزيارة القبر النبوي. ومن المعلوم أَن القبر معه قبران، فهي مقبرة. وقد قال ابن عباس: «لعن رسول الله ﷺ‬ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». رواه أبو داود وأحمد في "مسنده"([319]).

ومن البدع في المسجد النبوي: ترك الدخول بالنعلين، وهما طاهرتان نظيفتان وهذا مخالفة للسنّة.

ومن البدع: القبة الخضراء فوق القبر، ولم توضع في العهد السعودي وإنما وضعت في عهد مضى.

ومن البدع: أَن يعتقد بعض الناس أَن الحجرة النبوية أَفضل من الكعبة خلا النَّبي ﷺ‬ فهو أَفضل الخلق ([320])  وبالله التوفيق.


 اقتراحــات

وبعد أن وفق الله ويسر جمع هذه الرسالة بهذه الصورة المشرفة، وله الحمد والشكر والثناء، فيحسن بنا أن نذكر بعض الاقتراحات حول المساجد ومرافقها، ونحن على ثقة بتجاوب المسؤولين عن المساجد في العالم الإسلامي وفقهم الله بمراعاتها وفق تعاليم الشريعة الإسلامية، وهذه الاقتراحات هي:

1-           بناء المساجد في المخططات السكنية، وتهيئتها وجعلها أَول بناء في المخطط.

2-           مراعاة البساطة وعدم التكلف في الزخرفة في البناء، ومنع الإسراف فيه.

3-           تخصيص وظيفة (إمام مسجد ومن يقوم عليه)، وإعطاؤهم من الحقوق المالية ما يمنع اشتغالهم بغير العناية بالمسجد وأَهله.

4-           تأهيل أَئمة المساجد تأهيلاً علميًّا، وتكليف طلبة العلم من ذوي المناصب في الدولة، ومن المتقاعدين بإمامة المساجد، وجعل أئمة يساعدونهم حين التخلف لسفر ونحوه.

5-           تحديد مسجد الجامع الكبير في الحي، ليكون مركزاً علميًّا تعتقد فيه الدروس الأسبوعية، وتأمين كافة احتياجات الحي فيه، من مكتبة علمية، وصندوق لاستقبال أَسئلة المستفتين، وشكاوي أهل الحي وطلباتهم وآرائهم، وبعثها عن طريق إِمام الجامع إلى الجهات المختصة. ووضع مغسلة للموتى في جامع واحد في الحي الكبير جدًّا، وتحديد أَسماء من يقومون بغسل الموتى من الرجال والنساء، وأَرقام هواتفهم، للاتصال بهم عن طريق إِمام الجامع، وجعل صندوق آخر لجمع للتبرعات، لرعاية الفقراء والأيتام من أهل الحي الذين يتعففون، ولا يسألون الناس إِلحافاً.

6-           غرس حب المساجد والارتباط بها في معظم شئون الحياة؛ وذلك بإحياء رسالتها، وعدم قصرها على أَداء الفرائض فقط.

7-           وأدعوا وبكل إلحاح إلى ربط مصالح الناس بالمساجد؛ وذلك بعقد المحاضرات وإصلاح أَوضاع الفقراء من أَهل الأحياء عن طريق المسجد؛ وذلك بجمع المساعدات، وتحصيل الزكوات. وكذلك عقد دروس يومية لتعليم عامة أهل الحي ما يهمهم في دينهم ودنياهم، والتركيز على الأحاديث التي تلقى على الجماعة بعد الصلوات، وانتقاء الأنفع على يد إمام المسجد الذي يكون معدًّا إِعداداً علميًّا، بعد التأكيد من سلامة عقيدتة وعدالته وصلاحيته ليكون قدوة، وعليه أَن يستشير طلبة العلم فيما يلقيه من أحاديث على جماعة المسجد(*).


 ما يجب على المسلم المصلى

يجب على المسلم المصلي، الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، والثواب لمن أطاع الله، والعقاب لمن عصاه، ويؤمن بالجنة دار النعيم والكرامة، التي أُعدت للمتقين، وهم المطيعون لله، ويؤمن بالنار دار الشقاء المعدة لمن كفر بالله وعصاه. ويجب عليه أَن يلتزم بتعاليم الإسلام الحنيف بالقول والاعتقاد والعمل، والحب والبغض، والفعل والترك، فلا يترك واجباً، ولا يعمل محرماً، ولا يخالف أمراً، ولا يرتكب نهياً، رغبة في ثواب الله، وخوفاً من عقابه.

وأن تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر قال تعالى: }اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{([322]). فأمر تعالى باتباع القرآن والعمل به، وبإِقامة الصلاة على الوجه المشروع، كما كان يؤديها رسول الله ﷺ‬ القائل: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» متفق عليه. وأَخبر أَن الصلاة تنهى عن الفحشاء: وهي ما أعظم قبحه من المعاصي كالمعاملات الربويّة، والزنا، واللواط، وشرب الخمر والمنكر: وهو كل ما نهى الله عنه ورسوله.

(ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أن العبد المقيم لها، المتمم لأَركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إِيمانه وتقوى رغبته في الخير، وتقل أَو تنعدم رغبته في الشر. فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهذا من أَعظم مقاصد الصلاة وثمراتها.

وفي الصلاة مقصود أَعظم من هذا وأَكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن. فإِن الله تعالى إِنما خلق العباد لعبادته، وأَعظم عبادة تقع منهم بعد الشهادتين الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها)([323]). ولهذا قال تعالى: }وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{ من خير وشر فيجازيهم على ذلك.

فيجب على المسلم المصلي أَن يحقق شهادة أَن لا إِله إِلاَّ الله وأَن محمداً رسول الله بمحبة الله ورسوله وامتثال ما أَمر الله به ورسوله والانتهاء عما نهى الله ورسوله، وبهذا تحقق السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: }وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{([324]). أَي حصل على كل مطلوب ونجا من كل مرهوب.

ويجب على المسلم المصلي أَن يؤدي الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، بخضوع لله وخشوع، ورغبة ورهبة، مستحضراً عظمة الله ووقوفه بين يديه، كأَنه يراه، فإِن لم يكن يراه، فإِن الله يراه ويسمعه ويعلم ما يكن في ضميره.

ويجب على المسلم المصلي أَن يؤدي الزكاة إِلى مستحقيها، وأَن يصوم رمضان، ويحفظ جوارحه عن الآثام في رمضان وغيره، وأَن يحج بيت الله الحرام إِن استطاع إِليه سبيلاً مرة واحدة في عمره.

ويجب على المسلم المصلي برّ الوالدين، وصلة الأَرحام والإِحسان في الجيران، وكما يجب عليه فعل الواجبات، كذلك يجب عليه اجتناب المحرمات التي نهى الله عنها ورسوله، ومن أَشنعها السبع المهلكات: وهي الشرك بالله والسحر، والشعوذة، وقتل المسلم بغير حق، والمعاملات الربويّة، وأكل مال الأَيتام، والفرار من الزحف – الإِدبار عن الكفّار وقت التحام القتال -، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (رميهنّ) بالزنا. كما يجب على المسلم المصلي الابتعاد عن كبائر الذنوب عموماً: وهي التي ورد فيها حد في الدنيا: كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر. أَو وعيد في الآخرة: بلعنة، أَو غضب، أَو نار، أَو نفي إِيمان، كعقوق الوالدين، وقطيعة الأَرحام، وتصوير ذوات الأَرواح من الآدميين والبهائم، وإِسبال الملابس، والكذب، والغيبة، والنميمة، واللعن إِلى غير ذلك([325]).

كما يجب على المسلم المصلي أَن يعفي لحيته، ويقص شاربه طاعة لله ورسوله، وأَن يقصر ملابسه فوق الكعبين، ليكون قدوة حسنة لغيره ومطيعاً لله ورسوله. وهنا قاعدة مهمة ينبغي مراعاتها: وهي أَن من عرف الحق واتبعه، والباطل فاجتنبه، هداه الله ووفقه، وتقبل منه أَعماله، بدليل قوله تعالى: }وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ{ [سورة محمد: آية 17]، وقوله تعالى: }وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى{ [سورة مريم: آية 76].فالجزاء من جنس العمل.

وقوله تعالى: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [سورة العنكبوت: آية 69]. ومن أعظم الجهاد جهاد النفس في طاعة الله، بامتثال أََوامره، واجتناب نواهيه، كما قال النَّبيُّ ﷺ‬: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» رواه البيهقي. فالمجاهد حقيقة من جاهد نفسه بامتثال المأْمور، واجتناب المحذور والصبر على المقدور.

وعلى عكس ما تقدم من عرف الباطل والحرام فارتكبه يكون بعيداً عن التوفيق بدليل قول الله تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ [سورة الصف: آية 5].

فلما عرفوا الحق وتركوه، والباطل فارتكبوه، عاقبهم الله بزيغ قلوبهم، وأَخبر أَنه لا يهدي من خرج عن طاعته بعد أَن عرفها، كما قال تعالى: }وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{ [سورة الأَنعام: آية 110]. فلما امتنعوا عن الإِيمان بعد ما تبين لهم، وفتح لهم الباب فلم يدخلوه، عاقبهم الله بتقليب قلوبهم، وتركهم في غيهم يعمهون. وهذا من عدل الله وحكمته: }فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ [سورة الروم: آية 9].

فليحذر المسلم من مخالفة أَمر الله وأَمر رسوله ﷺ‬ لئلا يغلق على نفسه أَبواب الهداية والتوفيق كما قال تعالى: }وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة الحشر: آية 19]. قال المفسرون: }نَسُوا اللهَ{ تركوا ذكره وطاعته، فأَنساهم العمل لصالح أَنفسهم، وأَن يقدموا لها خيراً، فالجزاء من جنس العمل. وقد يكون الإِنسان يصلي ويصوم ويزكي ويحج، وهو لا يدري هل قبلت صلاته وصومه وزكاته وحجه أَم لا، لأَن الله يقول: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ [سورة المائدة: آية 27]، و}إِنَّمَا{ للحصر: وهو إِثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، فلا يقبل الله إِلا من المتقين، وهم المطيعون لله بامتثال أَوامره، واجتناب نواهيه، فإِذا كان الإِنسان يفعل الواجبات، ثم يعمل المعاصي، فقد يبطل عمله قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ{ [سورة محمد: آية 23]. ومنطوق الآية يدل على أَن من أَطاع الله ورسوله قبلت أَعماله، ومفهومها أَن من عصى الله ورسوله، فقد أَبطل أعماله.

فيجب على كل مسلم ومسلمة أَن يتوب إِلى الله تعالى في جميع الأَوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأَن لا يصر على معصية، قال الله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر: آية 53]. وقال النَّبيُّ ﷺ‬ قال الله تعالى: }يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك{ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

ويجب على كل مسلمة مصلية أَن تطيع الله ورسوله، وأَن تطيع زوجها في غير معصية الله، وأَن تحافظ على التستر والحجاب والحياء، وأَن تقر في بيتها فلا تخرج منه لغير ضرورة، وأَن تجتنب التبرج والسفور وإِظهار الزينة والتطيب عند الخروج من بيتها، لقول الله تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى{ [سورة الأَحزاب: آية 33]، ولقوله ﷺ‬ «أَيما امرأَة أَصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء» رواه مسلم، وقوله ﷺ‬: «أَيما امرأَة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية» رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهم، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد.

ملاحظات هامة:

يلاحظ على بعض المسلمين المصلين أَنهم يتهاونون ببعض الواجبات ويفعلون بعض المحرمات، مثل حلق اللحى، وإِسبال الثياب، وتصوير ذوات الأَرواح، واستماع الأَغاني، وشرب الدخان، والغش في المعاملات ونحو ذلك، وبعضهم يستعمل السب، والشتم، واللعن والغيبة، والنميمة، والسخرية بالمسلمين والاستهزاء بهم، وهذه الأَشياء من كبائر الذنوب التي توجب العذاب وتحبط الحسنات إِن لم يتب صاحبها منها.

والإِسلام كلٌ لا يتجزأ، يحب الإِيمان به كله، والعمل بتعاليمه كلها، عملاً بقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً{ [سورة البقرة: آية 208]. والذي يترك الواجبات ويعمل المحرمات لم يحقق شهادة أَن لا إِله إِلا الله وأَن محمداً رسول الله، ويدل ذلك على ضعف إِيمانه. وأَن صلاته لم تنه عن الفحشاء والمنكر لعدم إِكمالها أَو لعدم قبولها. والذي يؤمن بالله واليوم الآخر، ويرجو الثواب، ويخاف العقاب ويحب الله ورسوله، ويرضي بالله رباً، وبالإِسلام ديناً، وبمحمدٍ ﷺ‬ نبيًّا ورسولاً، يطيع الله ورسوله بامتثال الأَوامر، واجتناب النواهي، رغبة في الثواب وخوفاً من العقاب.

أَسأل الله تعالى أَن يهدينا وسائر إِخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأَن يجعلنا وإِياهم هداة مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أَجمعين.

عبدالله بن جار الله الجار الله

 خاتمة

يتبن من العرض الذي حوته هذه الرسالة أَن من أَهم النتائج التي توصلت إِليها بعون الله تعالى وتوفيقه:

1- أَن تارك الصلاة جاحداً لوجوبها كافر، وتاركها تهاوناً وكسلاً كافر على الراجح من أَقوال العلماء، وبناء على ذلك يصبح مرتداً، لا يرث أَقاربه المسلمين ولا يرثونه ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين.

2- أَن صلاة الجماعة واجبة في أَرجح أَقوال العلماء.

3- أَن الأَذان أَفضل من الإِمامة في أَرجح أَقوال العلماء، وينبغي لطلبة العلم أَن يتولوا الأَذان والإِمامة، ولا يتخلون عنها لأَناس غير أَهل لها، وليكون ذلك احتساباً للأَجر من الله سبحانه وتعالى، فإِن الأَجر على قدر المشقة.

4- أَنه لا مانع من أَخذ مكافأَة من بيت المال لأَنه في حكم الرزق الذي صرح العلماء بجوازه.

5- أَنها تجوز الصلاة خلف الفاسق، والمخالف في الفروع، والصبي المميز، وولد الزنا، والجندي، والعاجز عن ركن فعلي، والعبد.

6- أَنه يقدم في الإِمامة عند التشاح الأَقرأ، ثم الأَفقه، ثم الأَقدم هجرة، ثم الأَقدم إِسلاماً، ثم الأَكبر سنًّا، ثم الأَتقى، ثم الأَشرف، ثم باختيار الجماعة، ثم القرعة..

7- أَن اختلاف النيّات بين الإِمام والمأَموم لا يؤثر، ومن ثم يجوز أَن يصلي مفترض خلف متنفل، ومن يؤدي الصلاة خلف من يقضيها على القول المختار.

8- أَن الاستخلاف جائز، ويكون الاستخلاف فيما إِذا خاف الإِمام تلف مال أَو نفس أَو عجز عن ركن قولي، وكذلك إِذا حصل مبطل من مبطلات صلاة الإِمام، وهو معذور في ذلك، بأَن سبقه الحدث أَو ذكر في أَثناء الصلاة أَنه محدث، وذلك على القول الراجح.

9- أَن موقف الواحد عن يمين الإِمام عند الأَئمة الأَربعة، وأَنه لو وقف عن يسار الإِمام ركعة فأكثر لم تصح صلاته على القول المختار، وأن الصلاة قدام الإمام لا تجوز إِلا مع العذر على القول الراجح.

10- أَن مصافة الصبي جائزة في الفرض والنفل على القول الراجح، وأَن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح إِلا مع العذر على القول الراجح.

11- أَن النساء إِذا صلين مع الرجال، يقفن خلفهم بلا خلاف بين أَهل العلم. وأَنه لو صلت المرأة بجانب الرجل أَو قدامه فصلاة الجميع صحيحة. وأَن المرأة إِذا وقفت منفردة عن صف النساء بدون عذر فصلاتها غير صحيحة على القول المختار. فينبغي علي أَئمة المساجد تنبيه النساء إِلى هذه المسأَلة، فإِن كثير منهن يصلين مع الإِمام في رمضان وفي غيره ويقفن منفردات، وإِعلامهنّ بأَنه ينبغي عليهن أَن يصففن كالرجال، وأَن صف النساء المؤخر هو الأَفضل، وأَن من صلت منهنّ منفردة بلا عذر فصلاتها باطلة.

12- أَن الجمعة والجماعة تدرك بإِدراك ركعة، وأَن المأَموم يعتد بركعة الإِمام الزائدة إِذا لم يعلم بها إِلا بعد الصلاة على القول الراجح.

13- أَنه إِذا صلى المأَموم خارج المسجد والإِمام داخله، فإِن كانت الصفوف متصلة فالصلاة صحيحة عند الأَئمة الأَربعة. وأَما إِذا كانت الصفوف غير متصلة فلابد من رؤية الإِمام أَو بعض المأْمومين، ولا يضر الفاصل من نهر أَو طريق. وعلى طلبة العلم أَن ينبهوا الناس إِلى هذه الناحية، فإِن كثير من الناس في مكة المكرمة وغيرها يصلّون مع الإِمام وهم لا يرونه ولا يرون بعض المأَمومين، والصفوف غير متصلة، فصلاتهم والحالة هذه غير صحيحة في أَرجح أَقوال العلماء.

14- أَن الأَقتداء بالإِمام خلف المذياع أَوالتلفاز غير جائز.

15- أَنه تجوز الصلاة في السفينة والباخرة والقطار والطائرة، ويفعل ما يستطيع عليه ولا يجوز له أَن يؤخر الصلاة عن وقتها المحدد، بل يصلي على حسب استطاعته.

16- أَنه لا يجوز للمأْموم أَن يسابق إِمامه، فإِن سابقه عمداً عالماً بالحكم، فصلاته باطلة، وإذا كان سهواً أو جاهلاً للحكم فصلاته صحيحة، وعليه أَن يرجع ليأْتي به بعد الإمام، ولكن إِذا كان السبق بركنين بطلت الركعة التي سابق فيها، وعليه إعادتها. وينبغي لأئمة المساجد تنبيه المصلين إلى هذه المسألة في كل مناسبة، لأَن كثيراً من المصلين يسابقون الإمام في الركوع والسجود، وإِعلامهم بأَنهم مرتكبون أَمراً محرماً، فإِن كان عمداً فصلاتهم باطلة، وإِن كان جهلاً أَو سهواً فصلاتهم صحيحة مع الإثم([326]).

وهذا آخر ما تيسر لي جمعه وكتابته في هذه الرسالة وبإعانة الله وتوفيقه، فرغت من تحريره وتنسيقه مع الإعتراف بالتقصير، فما كان فيه من ثواب فمن توفيق الله عليَّ سبحانه وتعالى، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


( تنبيه )

يسرني أن أتحف خطباء المساجد بفهارس خطب الشيخين الفاضلين والعالمين الجليلين الشيخ محمد الصالح العثيمين والشيخ صالح الفوزان لعلَّهم أن يستفيدوا منها ويحذو حذوها.


([1]) متفق عليه.

([2]) من كتاب «بهجة الناظرين» للمؤلف (ص119).

([3]) سورة النور: آية 36.

([4]) سورة التوبة: من آية 18.

([5]) سورة الجن: آية 18.

([6]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

([7]) رواه مسلم.

([8]) «أحاديث الجمعة»: (1/130) للشيخ عبد الله بن حسن القعود.

([9]) سورة الشورى: آية 38.

([10]) «إصلاح المجتمع»: (ص52).

([11]) «الترغيب والترهيب»: (جـ1/118).

([12]) تفسير القرطبي: (جـ12/267-269)، وتفسير ابن كثير: (ص292)، الطبعة الثالثة، الاستقامة: (جـ3).

([13]) رواه البزار والطبراني في «الصغير» وابن حبان في «صحيحه».

([14]) سورة الحج: آية 32.

([15]) سورة المزمل: آية 20.

([16]) انظر «تفسير القرطبي»: ج12، ص264، و«فقه السنة»: (جـ1/246).

([17]) ذكره القرطبي في «تفسيره»: (جـ12/274).

([18]) هذه رسالة قيمة صدرت عن رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإدارة العامة للتوعية والتوجيه في المملكة العربية السعودية بعنوان: «المسجد منطلق الدعوة».

([19]) رواه مسلم في «صحيحه»: (جـ1/464) كتاب المساجد، حديث رقم (671).

([20]) رواه البخاري ومسلم وهو قطعة من حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه وهو مطول عند البخاري: (جـ5/130) في كتاب المغازي، وعند مسلم مطول أيضًا: (جـ3/ حديث رقم 2769) في كتابه التوبة.

([21]) سورة النساء: آية 1.

([22]) سورة الحشر: آية 18.

([23]) رواه مسلم في «صحيحه»: (جـ1/704) كتاب الزكاة، حديث رقم (1017).

([24]) رواه البخاري: كتاب المساجد.

([25]) رواه البخاري: (جـ1/215) كتاب الجمعة، من حديث ابن عمر، ورواه مسلم: (جـ3/1459)، حديث رقم (1829)، (ط بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي).

([26]) رواه مسلم: كتاب الإيمان، حديث رقم (95)، ورواه أحمد: (جـ2/102) وأبو داود: (جـ4/286)، بتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، والنسائي: (جـ7/157) حديث رقم (4200) بتحقيق: عبد الفتاح أبو غدة.

([27]) رواه أبو داود في «سننه»: (جـ1/356) من حديث أبي هريرة، ورواه الترمذي: (جـ1/402) كتاب الصلاة، ورواه أحمد: (جـ2/232).

([28]) رواه مسلم: (جـ1/594)، كتاب الجمعة، حديث رقم (869).

([29]) رواه النسائي: (جـ3/108)، كتاب الجمعة.

([30]) رواه مسلم في «صحيحه»: (جـ1/592)، كتاب الجمعة، حديث رقم (867) من حديث جابر.

([31]) تقدم تخريجه (ص19).

([32]) رواه أحمد في «مسنده»: (جـ4/154).

([33]) رواه أحمد: (جـ4/145، 201)، ورواه أبو داود: (جـ1/389)، حديث رقم (580)، ورواه ابن ماجه: (983).

([34]) رواه البخاري: (جـ1/170) كتاب الأذان.

([35]) رواه أحمد في «مسنده»: (جـ2/26)، ورواه الترمذي: (جـ4/355) كتاب البر والصلة.

([36]) رواه ابن ماجه في «سننه»: (جـ1/311) كتاب إقامة الصلاة، حديث رقم (971)، وفي «الزوائد» إسناده صحيح ورجاله ثقات.

([37]) رواه أبو داود في «سننه»: (جـ1/533) كتاب الصلاة، ورواه الترمذي: (جـ2/51) وقال: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه: حديث رقم (870).

([38]) رواه أحمد: (جـ5/310)، والحاكم في «المستدرك»: (جـ1/229)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([39]) رواه مسلم: (جـ1/290)، كتاب الصلاة، حديث رقم (387)، من حديث معاوية.

([40]) رواه أبو داود في «سننه»: (جـ1/356) من حديث أبي هريرة، ورواه أحمد: (جـ2/232)، والترمذي: (جـ1/402).

([41]) رواه مسلم: (جـ2/1344)، كتاب الأقضية، حديث رقم (1718)، من حديث عائشة.

([42]) رواه مسلم: (جـ1/390) كتاب المساجد، حديث رقم (553) من حديث أبي ذر.

([43]) رواه مسلم: (جـ1/273) كتاب الطهارة، عن أنس بن مالك.

([44]) رواه البخاري: (جـ4/109) كتاب فضائل القرآن، عن عثمان رضي الله عنه.

([45]) رواه الترمذي: (جـ5/50)، وقال: حديث غريب.

([46]) رواه مسلم: (جـ1/495).

([47]) رواه مسلم: (جـ1/298), حديث رقم (397), ويعرف بحديث المسيء صلاته.

([48]) رواه أَبو داود في «سننه» (جـ1/120), حديث رقم (173), من حديث أَنس بن مالك.     

([49]) رواه مسلم: (جـ1/69), حديث رقم (78), عن أَبي سعيد.

([50]) من كتاب «الأَذكار » للإِمام النووي: (ص 27).

([51]) إِلا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إِلا بالله .

([52]) من قال حين يسمع النداء (الأَذان): «أَشهد أَن لا إِله إِلا الله وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله, رضيت بالله ربًّا وبالإِسلام ديناً وبمحمد نبياً غفر له ذنبه». رواه مسلم وغيره.

([53]) انظر كتاب «جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأَنام ﷺ‬»: (ص258-259).

(*) هذه توجيهات إِلى أَئمة المساجد والمؤذنين. صدرت عن وزارة الحج والأَوقاف في المملكة العربية السعودية.

([54]) المصدر السابق.

([55]) المصدر السابق.

([56]) من «الفواكه الشهية في الخطب المنبرية» للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: (ص127).

(*) وهو فعل ذوات الأَسباب في أَوقات النهي كتحية المسجد, وسنة الطواف في البيت الحرام, وصلاة الكسوف فإنه يجوز فعلها في أَوقات النهي وكذلك قضاء الفرائض.

([57]) من كتاب «إِصلاح المساجد من البدع والعوائد» للشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى: (ص263-276).

([58]) لا أَصل له بهذا اللفظ, كما في «المقاصد الحسنة» وغيره, ويغني عنه قوله ﷺ‬: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة» وهو حديث صحيح.

([59]) قلت: لم يصح في التحريم حديث, نعم ثبت أن الصحابة _رضي الله عنهم_ كانوا إِذا أَرادوا المكث فيه توضؤوا. (الشيخ: محمد ناصر الدين الأَلباني).

([60]) لا أعلم دليلاً على ذلك سوى الاستحسان! (للشيخ: محمد ناصر الدين الألباني).

([61]) للشيخ عبدالله المنصور الزامل رحمه الله تعالى.

([62]) ضعيف: والمعروف أَنه من قول سعيد بن المسيب انظر «فيض القدير »: (جـ5/319), وشرح السنّة: (جـ3/261).

([63]) رواه أَحمد والنسائي وسنده حسن, وصححه الحاكم. انظر «زاد المعاد» (جـ1/265) بتحقيق: الأَرنؤوط.

([64]) رواه أَحمد وأَبو داود وسنده صحيح. انظر المصدر السابق في نفس الجزء والصفحة.

([65]) رواه أَبو داود والنسائي وابن حبان في «صحيحه».

([66]) كما في الحديث الذي رواه مسلم .

([67]) رواه مسلم بلفظ: «بين وجوهكم».

([68]) في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وأحمد وإِسناده صحيح. انظر «زاد المعاد» لابن القيم (ج1/223)، بتحقيق: الأَرنؤوط.

([69]) سورة النحل: آية 98.

([70]) قال النووي: رواه الترمذي في كتاب الإِيمان بإِسناد صحيح.

([71]) متفق عليه من حديث أَبي هريرة.

([72]) رواه الطبراني موقوفاً على ابن مسعود. ورواه ابن حبان من حديث أَبي هريرة.

([73]) رواه مسلم من حديث أَبي موسى الأَشعري.

([74]) متفق عليه. ورواه البزّار من حديث النعمان بن بشير.

(*) من رسالة «الصلاة» للإِمام أَحمد رحمه الله: (ص164-241).انظر «طبقات الحنابلة» للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى المتوفى عام 526هـ: (جـ 1/ 348-380).

([75]) رواه مسلم وأَبو داود والنسائي.

([76]) «أُقرت» أَي قرنت بهما, كما جاء في رواية: «أُقرنت» وذلك لأَن الصلاة جاء ذكرها في كتاب الله مقروناً بعمل البر الذي هو جماع الخير والإِحسان, و«أَرم القوم» أَي سكتوا خوفاً ومهابة.

([77]) قال النووي في شرح «مسلم»: (ج4/119) هو بفتح التاء المثناة في أَوله وإِسكان الباء الموحدة: أَي تبكتني وتوبخني.

([78]) الجزم: القطع. ومعناه هنا: الإِسراع.

([79]) أَخرجه ابن جرير من حديث أُم سلمة.

([80]) أَخرجه مسلم والنسائي من حديث أَنس. و«الجد» بفتح الجيم: الحظ والجاه والغنى.

([81]) متفق عليه.

([82]) أخرج معناه الطبراني في «الأَوسط» والخطيب من حديث ابن عمر.

([83]) أخرجه العقيلي في «الضعفاء»من حديث ابن عمر. ورواه الطبراني في «الأَوسط». وفيه الهيثم بن عقاب الأَزدي: لا يعرف. وقال الهيثمي: ذكره ابن حبان في الثقات.

([84]) رواه الدارقطني من حديث ابن عباس. وقال شيخ الإِسلام في «الفتاوى»: في إِسناده مقال.اهـ. وفي إِسناده سلام سليمان. قال العقيلي: في حديثه مناكير.

([85]) لم أجده.

([86]) وقع في الأَصل هكذا: «فالإِمامة بالناس, المقدم بين أَيديهم في الصلاة بهم: على الفضل. فليس للناس أن يقدموا بين أَيديهم إِلا». والتصويب من نسخة طبعت مع مجموعة الحديث (ص 432).اهـ. الناشر.

([87]) رواه أَحمد في «المسند» عن أَبي أُمامة في حديث طويل: قال المنذري في «الترغيب»: بإِسناد لا بأْس به. ورواه البخاري بنحوه في تسوية الصفوف من حديث أَنس. ورواه أَبو داود بنحو ما هنا. وكذلك النسائي وابن خزيمة وابن حبان.

([88]) رواه أَبو داود عن أَبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: «أَقبل رسول الله ﷺ‬ على الناس بوجهه, فقال: أَقيموا الصفوف.. الحديث».

([89]) رواه مسلم والبخاري وأَبو داود من حديث النعمان بن بشير.

([90]) انظر «تاريخ الطبري»: (ج5/12)

([91]) رواه أَصحاب السنن من حديث وائل بن حجر.

([92]) رواه مسلم وأَبو داود من حديث ميمونة أُم المؤمنين.

([93]) رواه مسلم من حديث عبدالله بن بحينة, وأَبو داود من حديث الحسن البصري حدثنا أَحمر بن جزء قال المنذري: (ج1/426) قيل: لم يرو عنه غير الحسن. ولم يرو أَحمر عن النَّبيَّ ﷺ‬ إِلا هذا الحديث. والضبْع بالسكون: العضد.

([94]) رواه البخاري وأَبو داود من حديث ابن عباس وفيه: «على سبعة آراب» وهي الجبهة مع الأَنف واليدين والركبتين وأَطراف القدمين.

([95]) ذكر الهيثمي في «مجمع الزوائد» أَن عبدالله بن أَحمد قال: وجدته في كتاب أَبي: عن علي. وفيه رجل لم يسم، وسنان بن هارون اختلف فيه، وذكر أَن الطبراني رواه من حديث أَنس: وفيه محمد بن ثابت، وهو ضعيف.

([96]) قال في «مجمع الزوائد»: رواه الطبراني في «الكبير» والبزّار بنحوه, من حديث عبادة بن الصامت. وذكره المنذري في «الترغيب» من حديث النعمان بن قِرة, وقال: رواه الطبراني.

([97]) رواه البخاري ومسلم وأَبو داود والنسائي من حديث أَبي سعيد الخدري.

([98]) رواه أَبو داود من حديث أَبي سعيد.

([99]) أخرجه أَحمد في «المسند» وابن ماجه من حديث أُم سلمة. وأَخرجه أَحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أَنس. وأَخرجه الطبراني من حديث ابن عمر.

([100]) رواه البخاري ومسلم من حديث أَبي هريرة.

([101]) أَخرجه الدارقطني من حديث جابر وأَبي هريرة. وأَخرجه الحاكم في «المستدرك» من حديث أَبي هريرة.

([102]) إِلى هنا قد انتهت رسالة «الصلاة» في المخطوطتين. وقد كملناها من النسخ الأُخرى, لعظيم الفائدة فيها. ورحم الله الإِمام أَحمد وجزاه عن المسلمين خيراً. فلقد أَوفى في النصيحة للمسلمين في أَهم دينهم. وفق الله المسلمين للعمل بسنة رسولهم وإِقامة كل دينهم على هداه.

([103]) قال المنذري في الترهيب: من ترك حضور الجماعة, قال أَبو بكر بن المنذر: روينا عن غير واحد من أَصحاب رسول الله ﷺ‬ أَنهم قالوا: «من سمع النداء, ثم لم يجب من غير عذر, فلا صلاة له» منهم ابن مسعود وأَبو موسى الأَشعري, وقد روي ذلك عن النبي ﷺ‬.

([104]) وجأهُ في عنقه: لكزه بيده, أَو بعود, أَو نحوه.

([105]) متفق عليه.

([106]) أخرجه أحمد في «المسند» ومسلم وأبو داود.

([107]) ذكره المنذري في «الترغيب» في الأَمر بالمعروف عن أَبي هريرة قال: «كنا نسمع: أَن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة، وهو لا يعرفه، فيقول له: ما لك إليَّ؟ وما بيني وبينك معرفة. فيقول: كنت تراني على الخطأ وعلى المنكر، ولا تهاني» قال المنذري: ذكره رزين، ولم أره.

([108]) من كتاب «الصلاة» لابن القيم رحمه الله تعالى (ص 87-93).

([109]) حذرنا: قدَّرنا.

([110]) عن مختصر الكلام على «بلوغ المرام» ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن مبارك (ص 71).

([111]) «العدة على شرح العمدة في الحديث» لابن دقيق العيد: (جـ2/410).

([112]) «زاد الميعاد في هدي خير العباد» لابن القيم: (جـ1/206) بتحقيق: الأرنؤوط.

([113]) ابن تيمية.

([114]) «الإحكام شرح أصول الأحكام» للشيخ عبدالرحمن بن قاسم: (جـ1/211).

([115]) انظر كتاب «الصلاة» لابن القيم: (ص119-130).

([116]) ابن خزيمة.

([117]) البخاري: (جـ2/227) كتاب الأذان، باب: ما يقول بعد التكبير، ومسلم: (جـ1/419) كتاب المساجد.

([118]) نفخه الكبر وهمزه الموتة، وهي: الخنق، ونفثه الشعر. انظر «تفسير ابن كثير»: (جـ1 / 13).

([119]) انظر التفاصيل في كتاب «الصلاة» في «الصحيحين» وفي «زاد الميعاد» لابن القيم: (جـ1/201-273) بتحقيق: الأرنؤوط.

([120]) مسلم: (جـ1/347) كتاب الصلاة باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

([121]) انظر التفاصيل في حديث أبي حميد الساعدي رضى الله تعالى عنه في البخاري: (جـ2/305) كتاب الصلاة باب سنّة الجلوس في التشهد. وحديث عائشة في وصف صلاة النبي ﷺ‬ أخرجه مسلم: (جـ1/357-358) كتاب الصلاة باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به وما يختتم به وحديث حذيفة.

([122]) انظر حديث أبي حميد وعائشة وقد تقدمت الإشارة إليهما.

([123]) رواه البخاري ومسلم.

([124]) لحديث أبي سعيد رواه مسلم.

([125]) رواه البخاري ومسلم.

([126]) رواه البخاري ومسلم.

([127]) رواه البخاري ومسلم، وسببه أن أبا بكر الصديق t قال للنبي ﷺ‬ : يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به في صلاتي.

([128]) رواه مسلم.

([129]) رواه مسلم.

([130]) سورة البقرة: آية 238.

([131]) سور البقرة: آية 43.

([132]) سورة النساء: آية 102.

ملاحظة: انظر صفة صلاة النبي ﷺ‬ في الكتب الآتية:

1- كتاب «الصلاة» لابن القيم (ص 19- 131).

2- «زاد الميعاد في هدي خير العباد» لابن القيم بتحقيق الأرنؤوط: (ج1/201-258).

3- «كيفية صلاة النبي ﷺ‬» للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.

4- «صفة صلاة النبي ﷺ‬» للألباني.

وتجد هذه الكتب يكمل بعضها بعضًا.

([133]) سورة النساء آية 142 – 143.

([134]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

([135]) سورة النساء: آية 59.

([136]) سورة النور: آية 63.

([137]) متفق عليه.

([138]) متفق عليه.

([139]) رسالة «الصلاة» للإمام أَحمد.

([140]) مجموع «الفتاوى»: (جـ23/336), الطبعة الأُولى.

([141]) «حاشية المقنع»: (جـ1/195).

([142]) «المقنع مع الحاشية»: (جـ1/195).

([143]) وثبت أَنه ﷺ‬ ما زاد في رمضان ولا غيره على إِحدى عشرة ركعة وليس فيه حد محدود لكن الأَفضل كفعله ﷺ‬.

([144]) انظر «الدرر السنية في الأجوبة النجدية»: (جـ 4/ 186).

([145]) سورة الواقعة: آية 10- 12.

([146]) سورة البقرة: آية 281.

([147]) سورة النور: آية 31.

(*) وقال : حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح . وقال النووي: أسانيده صحيحة. انظر: «فيض القدير شرح الجامع الصغير»: (جـ 3/ 540)، ورواه أهل السنن الأربعة وغيرهم.

([149]) رواه مسلم وغيره.

([150]) رواه مسلم وغيره.

([151]) متفق عليه.

([152]) رواه مسلم وغيره.

([153]) رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

([154]) رواه البخاري ومسلم.

(*) يعني يقول: «سبحان الله والحمد لله والله أكبر» حتى يقولهن كلهن ثلاثًا وثلاثين مرة.

([156]) رواه مسلم وغيره.

([157]) رواه النسائي وصححه ابن حبان.

([158]) رواه أهل السنن الأربعة.

([159]) ورواه أحمد وغيره من حديث أبي أيوب وصححه ابن حبان.

([160]) مختصر الكلام على «بلوغ المرام» ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله: (ص 70).

(*) من «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن القيم، بتحقيق: الأرنؤوط: (جـ 1/ 256).

([162]) قال البيهقي: صح أنه ﷺ‬ قنت قبل الركوع أيضًا، لكن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ، فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم وأكثرها.

([163]) رواه مسلم (446)، وقد تقدم في فصل: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

([164]) تقدم ذكره من رواية البخاري ومسلم وغيرهما في فصل: ما يقوله في الركوع.

([165]) رواه مسلم (588) في المساجد ومواضع الصلاة: باب ما يستعاذ منه في الصلاة. وأبو داود (983) في الصلاة: باب ما يقول بعد التشهد، والنسائي (جـ 3/58) في السهو: باب التعوذ في الصلاة، وابن ماجه: (909) في الإقامة: باب ما يقال في التشهد، وأحمد في «المسند» (جـ 2/ 237).

([166]) رواه الترمذي (3475) في الدعوات: باب ادع تجب، وأبو داود (1481) في الصلاة باب الدعاء، والنسائي: (جـ 3/44) في السهو: باب التمجيد والصلاة على النبي ﷺ‬، وقال الترمذي: حديث صحيح، وصححه الحاكم (جـ 1/218)، ووافقه الذهبي.

([167]) سورة آل عمران: آية 132.

([168]) رواه البخاري ومسلم.

([169]) رواه أبو داود وإسناده صحيح.

([170]) رواه ابن خزيمة في «صحيحه».

([171]) وإسناده صحيح.

([172]) رواه البخاري ومسلم.

([173]) رواه البخاري ومسلم.

([174]) رواه مسلم.

([175]) بإسناد صحيح.

([176]) رواه مسلم وغيره.

([177]) سورة آل عمران: آية 132- 136.

([178]) من خطب الشيخ محمد الصالح العثيمين: (ص 407- 410).

(*) من كتاب «منهاج المسلم» لأبي بكر الجزائري، و«فقه السنة» لسيد سابق: (ص 241- 251).

([180]) وفي لفظ: فأقدمهم سلمًا، أي دخولاً في الإسلام.

([181]) رواه مسلم.

([182]) متفق عليه.

([183]) البخاري.

(*) والصحيح صحة إمامة الصبي وصحة صلاة المفترض خلف المتنفل لهذه الرواية الصحيحة، ولقصة معاذ بن جبل في «الصحيحين» أنه كان يصلي مع النبي ﷺ‬ العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فتكون له نافلة ولهم فريضة، وكيف يقال: أن النبي ﷺ‬ لم يطلع على إمامة عمرو وقد وقعت في زمن الوحي وبحضرة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم!!!

([185]) أبو داود وهو صحيح.

([186]) أبو داود وهو صحيح.

([187]) البخاري.

([188]) أبو داود وهو صحيح.

([189]) مالك.

([190]) أحمد وأصله في مسلم.

([191]) مسلم.

([192]) مسلم.

([193]) مسلم .

([194]) البخاري.

([195]) متفق عليه.

([196]) البخاري.

([197]) متفق عليه.

([198]) البخاري.

([199]) رواه سعيد بن منصور.

([200]) متفق عليه.

(*) قال ابن القيم رحمه الله: التخفيف أمر نسبي إضافي راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام والمأمومين، وقال بعض أهل العلم ليس في هذا حجة للنقارين.

([202]) ابن ماجه بإسناد حسن.

([203]) مسلم.

([204]) متفق عليهما.

([205]) الترمذي وحسنه.

([206]) البزار وهو حسن.

([207]) أبو داود.

([208]) مسلم.

([209]) البخاري.

(*) الصحيح أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته وما يقضيه آخرها وأكثر الروايات الصحيحة وردت بلفظ: «فأتموا». انظر «نيل الأوطار»: (جـ3/ 152- 153)، و«فتح الباري»: (جـ2/113).

([211]) أحمد وابن ماجه وصححه بعضهم.

([212]) الترمذي وحسنه.

([213]) مسلم.

([214]) والصحيح وجوب قراءة الفاتحة على كل مصل: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه.

([215]) «فقه السنة» لسيد سابق: (جـ1/231).

([216]) المصدر السابق: (جـ 1/ 234).

([217]) المصدر السابق: (جـ1/238).

([218]) من رسالة للشيخ صالح بن أحمد الخريصي.

([219]) رواه أحمد واللفظ له وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، ولفظهما: «من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم».

([220]) رواه أحمد والترمذي وحسنه.

([221]) هذا إذا كان المؤتمون صالحين متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ‬. أما إذا لم يكونوا كذلك فلا تضر كراهيتهم. ففي أزمنة الجهل لا يرضى العامة إلا عن المبتدع الجاهل.

([222]) رواه ابن ماجه وقال العراقي: إسناده حسن، وبنحوه رواه ابن حبان في «صحيحه».

([223]) عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود». رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان ، وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ‬: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله ، كيف يسرق من الصلاة؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال : لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في «صحيحه»، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

([224]) راجع كتاب «صفة صلاة النبي ﷺ‬» للألباني.

([225]) التخصر: وضع اليد على الخاصرة والسنة وضع اليدين على الصدر وقد نهى رسول الله ﷺ‬ أن يصلي الرجل متخصرًا كما في صحيح مسلم.

([226]) فقد سألت عائشة النبي ﷺ‬ عن التلفت في الصلاة فقال: «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» رواه البخاري وغيره.

([227]) فقد نهى رسول الله ﷺ‬ أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه يعني أسفل منه. رواه الدارقطني بإسناد حسن.

([228]) «المسجد في الإسلام» تأليف خير الدين وائلي: (ص 72).

([229]) من كتاب «إصلاح المساجد من البدع والعوائد» للقاسمي: (ص90-92).

([230]) حديث صحيح، وهو من حديث أبي هريرة، لكن ليس فيه: «وبيوتهن خير لهن»، وإنما هذا في حديث آخر من رواية ابن عمر، وهما مخرجان في «صحيح أبي داود» (574، 576).

([231]) لا دليل على هذا في السنن الصحيحة. (الشيخ محمد ناصر الدين الألباني).

([232]) المصدر السابق: (ص130-132).

([233]) قلت: بل لأنه السنة كما في حديث الأنصاري الذي رأي في المنام من علمه كلمات الأذان، وكيفيته، ومنها القيام على مكان مرتفع، فهو من تمام الأذان فاستغناء المؤذنين اليوم عنه بمكبرات الصوت خلاف السنة فينبغي عليهم أن يؤذنوا في مكان عالٍ تبدو منه أشخاصهم، اتباعاً للسنة، فإذا ضم إليه مكبر الصوت فلا مانع. (الشيخ محمد ناصر الدين الألباني).

([234]) قلت: لكن حديث: «من أذَّن فهو يقيم» ضعيف الإسناد كما بينته في «الضعيفة»: (35).

([235]) قلت: هكذا الحديث في البخاري وغيره، وأما زيادة: «الدرجة الرفيعة» فيه «وإنك لا تخلف» في آخره، فبدعة لم ترد. انظر في ذلك تخريجنا للحديث في «التوسل والوسيلة» طبعة المكتب الإسلامي (ص43). وكتاب «فضل الصلاة على النبي» طبعة المكتب الإسلامي (ص49).

([236]) قلت: بل هذا بدعة أيضاً، وإنما كان الأذان في عهد النبي ﷺ‬ على المسجد، أذاناً واحداً كما شرحته في «الأجوبة النافعة». (الشيخ محمد ناصر الدين الألباني).

([237]) وانظر «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة»: (73) (الشيخ محمد ناصر الدين الألباني).

([238]) وهي: الجبهة مع الأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين.

([239]) وهي موجودة فيما مضى من هذه الرسالة.

([240]) قال النووي في «المجموع» بعد إيراده بلفظ حديث الباب: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح، قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا يعرف عن النبي ﷺ‬ في القنوت شيء أحسن من هذا.

([241]) قال المنذري: قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة، قال أبو داود: هشام أقدم شيخ لحماد، وبلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال: لم يرو عنه غير حماد بن سلمه.وقال البخاري: قال أبو العباس: قيل لأبي جعفر الدارمي:

روى عن هذا الشيخ غير حماد؟ قال: لا أعلم وليس لحماد عنه إلا هذا حديث.

وقال أحمد بن حنبل: هشام بن عمرو الفزاري من الثقات. وقال أبو حاتم الرازي: شيخ قديم ثقة وقد أخرج مسلم في «صحيحه» عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ﷺ‬ من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك» إلخ، وقد أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي في الصلاة، وابن ماجة في الدعاء.اهـ.

([242]) رواه أبو داود وغيره بسند صحيح.

([243]) سورة الحجرات: آية 10.

([244]) سورة التوبة: آية 71.

([245]) رواه مسلم.

([246]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

([247]) كما في الحديث الصحيح المتفق عليه.

([248]) كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

([249]) رواه مسلم.

([250]) رواه ابن ماجه وابن حبان في «صحيحه» والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

([251]) رواه أبو داود وابن ماجة بلفظ «ثلاثة لا تقبل منهم صلاتهم».

([252]) رواه الدارقطني بإسناد ضعيف.

([253]) رواه مسلم.

([254]) سورة التوبة: آية 18.

([255]) رواه مسلم.

([256]) رواه مالك وأحمد وابن ماجة والدارمي والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

([257]) رواه البخاري ومسلم.

([258]) رواه البخاري ومسلم.

([259]) رواه مسلم.

([260]) رواه أبو داود والترمذي وقال المنذري: ورجال إسناده ثقات وصححه السيوطي والألباني.

([261]) رواه مسلم.

([262]) انظر رسالة «تنوع العبادات» لابن تيمية رحمه الله.

([263]) انظر كتاب «وبل الغمام في أحكام المأموم والإمام» للشيخ محمد بن عبد الرحمن الأهدل.

([264]) انظر حاشية «الروض المربع» للشيخ العنقري، (جـ1/240)، وحاشية «الروض المربع» لابن قاسم (جـ2/277)، و«شرح الإقناع»: (جـ1/463).

([265]) سورة التوبة: آية 11.

([266]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

([267]) سورة التوبة: آية 28.

([268]) رواه البخاري ومسلم.

([269]) سورة الممتحنة: آية 10.

([270]) من رسالة «مجموعة فوائد مهمة» للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل فريان. انظر حاشية «الروض المربع» لابن قاسم: (جـ2/240)، و«المنتقى من أخبار المصطفى»: (جـ1/577).

([271]) رواه أحمد ومسلم.

([272]) انظر هدي النبي ﷺ‬ في خطبه في «زاد المعاد» لابن القيم: (جـ1/186و 425).

([273]) ولعل في خطب كل من الشيخ محمد الصالح العثيمين، والدكتور صالح الفوزان بركة وكفاية فلعلها أن يعاد طبعها وتوزع على الخطباء. شكر الله للجميع وأثابهم وتقبل منهم.

([274]) انظر" زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم: (ج1/100_106).

([275]) سورة غافر: آية 60.

([276]) سورة البقرة: آية186.

([277]) سورة الأعراف: آية 55-56.

([278]) سورة الأنفال: آية 9.

([279]) سورة الأحزاب: آية 21.

([280])سورة الأعراف: آية 96.

([281])سورة الطلاق: آية 2-3.

([282]) سورة الطلاق: آية 4.

([283])سورة الأعراف: 56.

([284]) سورة التوبة: آية 71.

([285]) سورة النور:آية 31.

([286]) رواه البخاري ومسلم.

([287]) رواه احمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.

([288]) لحديث أبي هريرة "أن النبي rكان يقول ذلك إذا صلى على جنازة" رواه مسلم وأهل السنن الأربعة.

([289]) لحديث عوف بن مالك «أن النبي ﷺ‬ صلي علي جنازة فحفظ هذا من دعائه» رواه مسلم.

([290]) لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً «والسقط يصلي عليه ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة» رواه أحمد وأبو داود.

([291]) مجلة البحوث الإسلامية، العدد 18،( ص 93_94).

([292]) «مجموع فتاوى» شيخ الإسلام ابن تيمية: (جـ 23/ 369).

([293]) «مجموع فتاوى» شيخ الإسلام ابن تيمية: (جـ 23/64).

([294]) رواه البخاري ومسلم.

([295]) رواه البخاري ومسلم.

([296]) سورة الممتحنة: آية 4.

([297]) سورة التوبة: آية 5.

([298]) أخرجه أبو داود في الأدب. قال الأرنؤوط في حاشية «جامع الأصول»: (جـ 4/ 744)، وفي إسناده مجهولان.

([299]) سورة التوبة: الآيات: 65_ 66.

([300]) سورة الأنعام: آية 128.

([301]) سورة الأحزاب: آية 1.

([302]) سورة المائدة: آية 4.

([303]) سورة الأعراف: من آية 157.

([304]) سورة الأنعام : من آية 116.

([305]) سورة الفرقان: آية 44.

(*) من رسالة: «أدلة تحريم حلق اللحية» للشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل: (ص 94- 96 ).

([307]) لعل وجهه ما رواه ابن جرير والترمذي واللفظ له والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «إن العبد إذا أَذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه -أي جلي- وإن زاد زادت فذلك الران الذي قال الله تعالى : (كلَّا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)»، سورة المطففين : آية 14.

وقال الترمذي : حسن صحيح. وقال الحسن البصري: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت. وكذا قال مجاهد بن جبر وقتادة وابن زيد وغيرهم.

([308]) لأن الإمامة من الأمانة، ومرتكب معصية حلق اللحية المجاهر بها المصر عليها يدخل في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). وقد أطلق عليه بعض العلماء صفة الفسق لخروجه عن طاعة الله ورسوله ﷺ‬، ولا سيما إذا كان لا يبالي بهذه المعصية، بل ويستصوبها ويستحسنها ، ومن لا يتأدب بآداب الشريعة لا يهتم لأمر دينه كيف يؤتمن على أعظم شعائر الدين ؟ وفي تقديمه للإمامة تعظيم له وليس هو من أهل التعظيم، وتقديمه يحمل الناس على الاستهانة بالمعصية والمقصود أن الأولى بالإمامة - مع الشروط المنصوص عليها في السنة - الخيار المتصفون بالهيئة الشرعية ظاهرًا، والإمام المصر على هذه المعصية أحرى به أن يتنحى لمن هو أقوم بحدود الشريعة كيلا يقع تحت قوله ﷺ‬ : «ثلاثة لا يقل الله منهم صلاة من تقدم قومًا وهم له كارهون» الحديث رواه أبو داود.

والاعتبار بالكراهية الدينية الناشئة عن مذموم شرعي قام بالإمام.

وقال ﷺ‬:«ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم»، وذكر منهم: «وإمام قوم وهم له كارهون» أخرجه الترمذي.

([309]) ولعل دليله ما رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن السائب بن خلاد: أن رسول الله ﷺ‬ رأى رجلا أمَّ قومًا فبصق في القبلة، ورسول الله ﷺ‬، ينظر إليه ، فقال رسول الله ﷺ‬  حين فرغ: «لا يصلي لكم» فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله ﷺ‬ ، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ‬ ، فقال: «نعم ، إنك آذيت الله ورسوله» . انظر: «عون المعبود» : (جـ 2/ 149- 150).

([310]) لأن صلاة الجماعة من أعظم شعائر الإسلام، وضرر هجرة المساجد وتخريب بيوت الله أشد من ضرر الائتمام بمن هذا حاله قال شيخ الإسلام: (ليس لهم ترك الجمعة، ونحوها لأجل فسق الإمام، بل عليهم فعل ذلك خلف الإمام، وإن كان فاسقًا أو مبتدعًا ، وإن عطلوها لأجل فسق الإمام من أهل البدع) اهـ.

قال العلماء : والأصل عدم اشتراط العدالة، وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت إمامته لغيره، وقد تأيد ذلك بفعل الصحابة _رضي الله عنهم _ فقد أخرج البخاري في «التاريخ» عن عبد الكريم أنه قال : «أدركت عشرة من أصحاب محمد ﷺ‬ يصلون خلف أئمة الجور»، ومما يدل على ذلك أيضًا حديث مسلم وفيه إِذن النبي ﷺ‬ بالصلاة خلف من يؤخرون الصلاة نافلة بعد أن يصليها لوقتها، لأنهم يؤخرونها عن وقتها، وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأمورًا بصلاته خلفهم فريضة والله أعلم.

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: (واعلم أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له) ، وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك ، وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه ﷺ‬ : «إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» اهـ. من نيل الأوطار: (جـ 3/ 186- 187).

وهذا الحديث علق عليه الزيلعي في «نصب الراية» قائلاً: (رواه الحاكم في «المستدرك» في كتاب الفضائل: (جـ 3/222) عن يحيى بن يعلى به سندًا ومتنًا إلا أنه قال: «فليؤمكم خياركم» وسكت عنه، وروى الدارقطني ثم البيهقي في سننهما بسندهما إلى ابن عمر _رضي الله عنهما_ قال رسول الله ﷺ‬: «اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم»). اهـ.

قال البيهقي: (إسناده ضعيف). اهـ (جـ 2/ 26).

(*) عن كتاب «أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية» رسالة ماجستير للشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري: (ص 97).

([312]) انظر كتاب «التوحيد» للشيخ محمد بن عبد الوهاب:( ص 123)، و«الجواب المفيد في حكم التصوير» للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:( ص 21- 22)، الطبعة الثالثة.

([313]) انظر «حجاب المرأة ولباسها في الصلاة» لابن تيمية: (ص 6- 7 )تحقيق : الألباني، الطبعة الثالثة، الناشر: المكتب الإسلامي.

([314]) انظر: «إقامة الدليل والبرهان على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن» للشيخ محمد بن عبد العزيز المانع : (ص 21) ،الطبعة الرابعة. قوله وهذا مكروه أقول: بل هو محرم كما أشار إليه ابن مانع في رسالته الآنفة الذكر.

(*) انظر «الفتاوى» لابن تيمية: (جـ 1/ 229)، (جـ 26/ 97)، (جـ 4/ 521).

([316]) المصدر السابق:( ص 163).

([317]) البخاري : ب83، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد ، الحديث رقم 470. وانظر «فتح الباري» : (جـ1/ 560)، و«جامع الأصول» : (جـ 11/ 205).

([318]) «الفتاوى» لابن تيمية: (جـ 7/ 247)، (جـ 26/ 155)، (جـ1/231).

([319]) أبو داود: باب زيارة النساء للقبور، حديث رقم 3220، و«مسند أحمد»: (جـ1/229)، وإسناده صحيح. قال ابن القيم: وأخرج الترمذي عن أبي هريرة : «أن رسول الله ﷺ‬ لعن زائرات القبور»، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، وفي الباب عن عائشة وحسان اهـ. انظر شرح ابن القيم المطبوع مع «عون المعبود»: (جـ 9/ 57).

([320]) انظر «بدائع الفوائد» لابن القيم: (جـ 3/ 135)، وحاشية ابن قاسم على «الروض المربع» (جـ4/192)، و«الفتاوى» لابن تيمية : (جـ 27/ 325- 395).

(*) المصدر السابق:( ص 677).

([322]) سورة العنكبوت: آية 45.

([323]) تفسير ابن سعدي: (جـ6/91)، طبعة المؤسسة السعيدية.

([324]) سورة الأحزاب: من آية 71.

([325]) انظر كتاب «الكبائر» للإمام الذهبي و«الزواجر عن اقتراف الكبائر» للهيثمي.

([326]) هذه خاتمة كتاب «أحكام الإمامة والائتمام» في الصلاة للشيخ عبد المحسن بن محمد المنيف أثابه الله تعالى. أحببت أن أختم هذه الرسالة بها لأهميتها وعظيم فائدتها ولعلاقتها القوية بها، وأحيل القارئ الكريم إلى أصلها شاكرًا لمؤلفها سائلاً الله له التوفيق.