الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بَعد: فإنَّ الدِّينَ الحنيفَ الذي نتشرف بالانتساب إليه مبني على دعائم وقواعد وثوابت لا قيام له بدونها، ولا مندوحة لمسلم عنها؛ فقد جاء في الصحيحين، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»([1])، وفي رواية: «صيام رمضان وحج البيت»([2]).
فالركن الأول -وهو: الشهادتان- لا يتم الدخول في هذا الدين إلا بعد النطق بهما، كما دل على هذا الحديثُ الصحيح: «أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»([3])، فإذا تم ذلك، فلا بد من إقامة الدعائم الأربع العملية، فإذا كان لا يدخُلُ في الدين إلا إذا نطق بالشهادة، فإن الركن الذي يليها هو الصلاة، وقد جاء تعظيم شأنها في النصوص الكثيرة الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها:
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([4]).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها، فقد كفر»([5]).
وجاء عن عبد الله بن شقيق: أن الصحابة ╚ كانوا لا يرون شيئًا من الأعمال تَرْكُهُ كفرٌ إلا الصلاة([6]).
أما باقي الأركان -وهي: الزكاة، والحج، والصوم- فتكفير تاركها تكاسلًا مع الإقرار بوجوبها أمر مختلف فيه بين أهل العلم؛ فذهب بعضهم: إلى القول بكفر تارك أحد هذه الأركان، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد([7])، لكن المرجَّح أنه لا يكفر، لكنه انتهك أمرًا عظيمًا، وركب خطرًا جسيمًا، يُخشَى عليه من أن يفضي به إلى الكفر.
أما الصلاة، فقد سبق ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في شأنها، وما قاله عبد الله بن شَقِيق التابعي الجليل مِن نقل إجماع الصحابة على كفر تاركها؛ ولذا المفتَى به: أن تارك الصلاة -ولو أقرَّ بوجوبها- كافر([8])؛ نسأل الله السلامة والعافية.
فإذا عرفنا عظم شأن الصلاة، فكيف نصلي؟
لقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»([9])؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - القدوة والأسوة ، ولا طريق لنا لمعرفة ما جاء عن الله - عز وجل - إلا بواسطته، ومن طريقه.
فعلى طالب العلم أن يُعنَى بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يقتفي أثره؛ فقد نُقِلَتْ صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - بطرق تثبُتُ بها الحجة، ويَلْزَم المسلمَ اتباعُهُ واقتفاؤه - صلى الله عليه وسلم - ، ابتداءً من شروط الصلاة، ثم الشروع فيها، إلى الفراغ منها، وما بعد ذلك.
* * *
جدير بنا أن نعرف شروط الصلاة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بها، وإن كانت خارجة عن ماهيتها، وهذه الشروط قد بيَّنها أهل العلم، وهي:
الأول: الإسلام؛ فلا تصح الصلاة من كافر، ولو صلَّى، لا تُقبَلُ منه.
الثاني: العقل؛ فلا تصح من زائل العقل، كالمجنون.
الثالث: التمييز؛ وضابط المميز: أن يَفْهمَ الخطابَ، ويرُدَّ الجواب المطابق، فلا تصح الصلاة من صبي لا يميِّز([10]).
الرابع: الطهارة من الحدث؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»([11])، وقوله: «لا تُقبل صلاةٌ بغير طَهور»([12]).
الخامس: الطهارة من النجاسة، ويدل لهذا حديثُ أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه-؛ حيث قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القومُ، ألقَوْا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟»، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن جبريل S أتاني فأخبرني أن فيهما قَذَرًا»، وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر، فإن رأى في نعليه قَذَرًا أو أذىً، فليمسحه، وليصلِّ فيهما»([13]).
السادس: سَتْر العورة، وهي بالنسبة للرَّجُل: من السُّرَّة إلى الرُّكْبة.
ويجب عليه سَتْر المنكبين أو أحدهما؛ لحديث: «لا يصلِّي أحدُكم في الثَّوبِ الواحدِ ليس على عاتِقِهِ منه شيءٌ»([14])، وفي لفظٍ: «ليس على منْكِبَيْه منه شيء»([15])؛ ولو تركه صحَّتْ صلاتُه، لكنْ مع الإثم، بخلاف العورة فسَتْرها شرطٌ لو تركه بطلت صلاته.
أما عورة المرأة في الصلاة، فجميع بدنِها إلا الوجهَ؛ إذا لم يكنْ ثمَّةَ رجالٌ أجانبُ، أما إذا كانت تصلِّي بحضرة رجالٍ أجانبَ، فيجب عليها سَتر وجهِها كذلك.
وقال بعضهم: إن الكفَّيْن لهما حكمُ الوجه؛ فلو كشفتْ كفَّيْها، فلا بأس حينئذٍ([16]).
وألحق بعضُهم القدمَيْن، وهو مذهبُ الحنفيَّة([17])، ومال إليه شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة - رحمه الله - ([18])، فلو صلَّتْ وقدماها أو بطونُ قدمَيْها ظاهرتان، فيُتَسامَحُ في ذلك، لكنَّ الأحوطَ أن تسْتُرَ جميعَ بدنها، بحيثُ لا يخْرج منه شيءٌ.
وعلى كل حال: فإنَّ الأمرَ بالنسبة لليدين والقدمين أخفُّ، أما ما عدا ذلك، فلا بدَّ من سَتره.
السابع: استقبال القبلة. المقصود باستقبال القبلة: استقبال جِهَةِ الكعبة، لا عَيْنَها، وإنْ قال بعض أهل العلم: إن المطلوب استقبال عين الكعبة([19])، وهذا فيه مشقَّةٌ شديدة، وأما استقبال الجهة، فهو كافٍ؛ لحديث: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»([20])؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الاختلاف اليسير أمره يسير - إن شاء الله تعالى -.
أما بالنسبة للمريض: فإن لم يمكنه استقبال القبلة؛ فلا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.
الثامن: دخول الوقت؛ فلا تصح الصلاة قبل وقتها إلا المجموعة مع ما قبلها، كجمع صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم.
التاسع: النية؛ فلا تصحُّ الصلاة إلا بنيَّة، كما أنه لا يصحُّ سائر الأعمال المشروعة إلا بنيَّة؛ لحديث عمر -رضي الله عنه- في الصحيحين وغيرهما: «إنما الأعمال بالنِّيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى، فمَن كانتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»([21]).
* * *
أول أعمال الصلاة هو القيام للقادر، فلا تصح الصلاةُ قاعدًا مِن قادرٍ على القيام؛ ففي حديث عمران بن حُصَين -رضي الله عنه-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب»([22])، وهذا في الفريضة. أما النافلة، فتصح من قعود، ولو كان قادرًا مستطيعًا، لكن الأجر فيها على النصف من أجر القائم؛ فقد جاء في الحديث: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم»([23]).
وقد يقول قائل: هذا الحديث عام؛ لم يفرِّق بين فرض ونفل؛ فلم لا تكون الفريضة قاعدًا على النصف من أجر القائم؟
الجواب: أن عمومه مُعارَضٌ بحديث عمران بن حُصَيْن الدال على أنه لا تصحُّ صلاةُ قاعدٍ إلا مع عدم الاستطاعة، ثم إنَّ هذا الحديث دل سبب وروده على أن المراد به صلاة النافلة، ودليل ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ المدينة وهي مُحَمَّةٌ -أي: كثيرة الحمَّى-، فحُمَّ الناس، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد، والناس قعود يصلون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صلاة القاعد نصف صلاة القائم، فتجشَّم الناس الصلاة قيامًا»([24]). ولو كانت فريضةً، ما صلوا قبل حضوره - صلى الله عليه وسلم - ، كما أنه يدل أيضًا على أنهم كانوا قادرين على أن يصلوا من قيام؛ ولهذا تجشَّموا وتكلفوا القيام وهم مرضى، فهنا قَصَرْنا الحديث على سببه.
وقد يناقش بأن: العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
والجواب عن هذا: أنه صحيح، وهذه القاعدة متفق عليها بين الأئمة الأربعة، بل نُقِلَ الإجماع عليها([25])، لكن العمل بالعموم إنما يكون إذا لم يُعارَضْ بما هو أخصُّ منه، فإذا عُورِضَ هذا العموم بما هو أخص منه، قصرنا الخبر على سببه.
فلا تصح صلاة الفريضة من قعود للقادر على القيام، أما النافلة، فتصح من قعود ولو كان قادرًا، وله نصف أجر القائم، وأما العاجز، فتصح صلاته قاعدًا فرضًا ونفلًا، وأجره كاملٌ بإذن الله تعالى.
إذا قام المصلي بين يدي ربه، فليُقْبِلْ على صلاته متشوِّقًا إليها، مرتاحًا بها، مفرغًا قلبه من هموم الدنيا، وهكذا كانت حال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بخلاف حال الكثيرين منَّا؛ إذ يأتي الواحد وذهنه مشغول بأمور الدنيا: فأحيانًا يدخل في صلاته وينصرف منها وما عقل منها شيئًا؛ وحينئذ لا يكون له من أجر الصلاة شيء، فليس له من صلاته إلا ما عقل منها([26]).
وأحيانًا قد يأتي بعضهم للصلاة وهو مستثقِلٌ لها؛ يتربص الانتهاء والراحة منها، بخلاف حال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي يرتاح بها من هموم دنياه؛ لأنه يستحضِرُ بقلبه وقالبه أنه ماثِلٌ بين يدي ربه -جلا وعلا-([27]) لكنا انشغلنا بأمور دنيانا، فعُوقبنا بانصراف القلوب عن هذه العبادة العظيمة، ولو استحضرنا مثولَنا بين يدي الله -جلا وعلا- لما صارت حالنا في الصلاة هكذا، ننصرف عنها لأدنى شاغل.
ولو كان انشغالنا فيها بأمور الآخرة؛ كانشغال عمر -رضي الله عنه- بتجييش الجيوش وهو يصلي([28])، لهان الخطب؛ إذ هو يصلي وينشغل بعبادة أخرى، وإن كان الأولى والأكمل أن يتَّجه إلى ما هو بصدده من العبادة التي كُلِّفَ بها وأُمِرَ بها.
وسبب ضعف الخشوع -الذي هو لُبُّ الصلاة- يتمثَّل في أمرين:
الأول: التشبُّثُ بأمور الدنيا، والإعراضُ عن الآخرة.
الثاني: الران الذي غطَّى القلوبَ بسبب المكاسب المدخولة التي لم يَسْلَمْ منها إلا القليل النادر، ونحن نعرف حال التجار، ومعاملاتهم، ونعرف أحوال الموظَّفين من عدم إيفاء الوظيفة حقها، والله المستعان.
فعلى المسلم أن يُقْبِلَ إلى صلاته فرحًا بها مرتاحًا بها، لا مستعجِلًا فيها يتمنَّى التخلُّص منها، أو منشغِلًا فيها ينتهي منها ولا يدري كم صلى.
* * *
إذا مَثَل المصلي بين يدي ربِّه -جلا وعلا- قال: «الله أكبر»، ورفع يديه مع هذا التكبير، كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي حُمَيد، وغيره([29])، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسيء في صلاته بهذه التكبيرة، فقال له: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبِّر»([30])، وهذه التكبيرة هي تكبيرة الإحرام، وهي ركنٌ من أركان الصلاة عند جمهور أهل العلم([31]).
وذهب الحنفية إلى أنها شرط من شروط الصلاة، وليست ركنًا([32]).
والفرق بين القولين: أن الشروط تكون خارج ماهية الصلاة، والأركان داخلها، فإذا قلنا: إن تكبيرة الإحرام شرط، قلنا: إنها خارج الصلاة، وإذا قلنا: إنها ركن، صارت داخل الصلاة.
وليس معنى هذا أن الحنفية يجيزون لمن يريد الصلاة أن يكبِّرَ تكبيرة الإحرام في بيته، ويأتي المسجد، فيصلي، كما هو الحال فيمن يتوضَّأ في بيته، ثم يخرُجُ إلى المسجد، ليس المراد ذلك؛ لأنهم يقولون: إنها شرطٌ مقارنٌ لأول جزء من الصلاة بدون فاصل([33]).
وثمرة هذا الخلاف تظهر في مسائل، منها:
1- لو كبر وهو حامل نجاسة، ووضعها مع نهاية التكبير، فصلاته صحيحة عند الحنفية، وباطلة عند الجمهور؛ لأنه حمل النجاسة عند الحنفية خارج الصلاة، وحملها عند الجمهور داخل الصلاة، وهذا متصوَّر؛ فقد يكون بيد الإنسان شيء، ويكون عالمًا بنجاسته، أو يتبيَّن له ذلك لاحقًا، ثم مع نهاية التكبير يضعه.
2- لو قلب المتنفِّل صلاته إلى فرض مع نهاية التكبير، كانت صحيحة عند الحنفية، وباطلة عند الجمهور([34]).
لا يُشرَع للمصلي أن يقول قبل تكبيرة الإحرام أي شيء، يقول ابن القيم: «ولم يقل شيئًا قبلها، ولا تلفَّظ بالنية ألبتة، ولا قال: أصلِّي صلاةَ كذا، مستقبلًا القبلة، أربع ركعات، إمامًا أو مأمومًا، ولا قال: أداءً ولا قضاءً ولا فرضَ الوقتِ»([35]).
والتلفُّظ بالنِّية موجود في كثير من بلدان المسلمين، وهو بدعة، لم يثبت شيء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن صحابته الكرام، ولا عن التابعين لهم بإحسان، إنما يُذكَر عن الإمام الشافعي ما لا يدل على هذا المراد من أن الفرق بين الصلاة والصيام: كونُ الصلاة في أولها نطقٌ لا يوجد في الصيام؛ فزعم من زعم أن هذا النطق هو الجهر بالنية([36]).
والنية شرط لجميع العبادات؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى»([37])؛ فلا تصح عبادة بدون نية.
النية: هي مجرد القصد إلى الفعل([38])؛ فأنت إذا أردْتَ الوضوء، فبمجرد ما تذهب إلى دورة المياه، وتفتح الصنبور لتتوضأ، تكون قد نويت، ولا شيء أكثر من ذلك، وبمجرد أن تقف بين يدي ربك في الصف، وتقول: الله أكبر، تكون قد أتيت بنية الصلاة؛ لأنك قصدتَ الصلاة.
وكثير من الناس يعرف أن هذه النية شرط، ويعرف أن العبادة كلَّها لا تصح إلا بهذا الشرط، فيحتاط ويتشدَّد في هذا الباب؛ فيستحضر النية؛ لئلا تشرد، ثم بعد ذلك يؤكدها، ثم يجهر بها، ثم يُبتَلى بالوسواس.
وأسئلة من ابْتُلِيَ بهذا الوسواس لا تنتهي، وما يُحكَى عن الموسوسين كثير، وقد يصل الأمر إلى حد ميؤوس من علاجه، إلا أن يتداركه الله -جلا وعلا- برحمته، يقول بعضهم: «إن كل مفصل من مفاصل الأصابع له نية تخصه في الوضوء»، ويحاول الوضوء ساعات، ثم إذا جاء إلى الصلاة، فلها نصيبها الأكبر من النية عنده؛ فيبذل في سبيلها الوقت الطويل، حتى إن يُ أحدهم بقي من وقت صلاة العشاء إلى ضحى اليوم الثاني، يحاول صلاة العشاء وما استطاع؛ لشدة الوسوسة!
فعلى الشخص أن يقطع الطريق على الشيطان؛ لأن الشيطان يريد أن يلبِّس على المسلم دينَه، ويبذل ما يستطيع من وساوس، وشواغل وصوارف؛ ليصرفه عن دينه، ويُلْهِيه عن عبادته؛ ولهذا بعض الموسوسين تقرُبُ حالهم مِن أن تسقط عنهم الصلاة؛ إذ يمكث في الوضوء ثماني ساعات - مثلًا - كي يتوضأ، وكذلك يصعب عليه الإتيان بالنية في الوضوء والصلاة، ومثل هذا يقال له: توضَّأ وصلِّ على أي حال ولو بلا نية.
فينبغي أن ننتبه لهذا الأمر، ونُعنى به، ونأتي بالعبادات على الوجه المأمور به؛ من غير إفراط ولا تفريط، ولا نزيد في العدد على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غَسْل الأعضاء؛ لئلا نُبتَلى بالوسوسة؛ فبعض الناس قد يزيد من باب الاحتياط، وهذه بدعة. والاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور، أو ترك مأمور، فالاحتياط ترك هذا الاحتياط، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-([39]).
وإذا شك المتوضئ هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا؟ فمعلوم أنه إذا تردَّد هل صلى ركعتين أو ثلاثًا، يبني على الأقل؛ ليؤدي الصلاة بيقين، لكن إذا تردَّد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا؛ يقال له: اجعلها ثلاثًا، ولا يبني على الأقل في مثل هذا؛ لأنه إذا كان الواقع ثلاثًا، ثم زاد، خرَجَ إلى حد الإساءة والبدعة، وإن كان الواقع اثنتين، واقتصر عليهما، فقد وافق سنة أيضًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرةً مرة([40])، ومرتين مرتين([41])، وثلاثًا وثلاثًا([42])، فالاقتصار على الأقل في الوضوء في حيِّز المسنون، ولا يقال مثل هذا في الصلاة؛ لأن نقصان عدد ركعات الصلاة لا يوافق سنة ولا شرعًا أبدًا، لكنْ مَنِ ابتلي بالوسواس في الصلاة، واستمرَّ معه ذلك، وصار في كل صلاة يتردَّد: هل صلى اثنتين أو ثلاثًا؟ فنقول له: اعتبِرْها ثلاثًا، إلى أن تتعافى من هذا الوسواس؛ لأنه إذا قيل له: ابن على الأقل؛ بنى على الأقل، ثم إذا صلى ثالثة، نسي هل صلى اثنتين أو ثلاثًا، وهكذا.
والوسواس لا يقتصر على الوضوء أو الصلاة، بل يكون في أفعال كثيرة، فبعض الموسوسين لأدنى ملابسة يُخَيَّلُ إليه أنه طلَّق زوجته، وهذا من الشيطان.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يكثر من الاستعاذة من الشيطان([43])، وأن يكثر من الذكر وتلاوة القرآن، وأن يلجأ إلى الله -جلا وعلا- داعيًا إياه أن يعصمه من الشيطان؛ وإلا فهذه وظيفة الشيطان: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:٨٢].
إلا أنه إذا أُذِّنَ للصلاة، أدْبَرَ وله حُصَاصٌ، أي: ضُراطٌ([44])، ثم إذا فرغ الأذان، جاء ليوسوس، فإذا ثُوِّبَ للصلاة، وأُقيمت الصلاة، هرب، ثم إذا انتهت الإقامة، رجع ليوسوس للمصلين: اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، إلى أن يخرج الإنسان من صلاته وليس معه من أجرها شيء([45]).
فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر، ونحتاط له؛ لأن الإنسان قد يُؤتى من شدة الحرص مع الجهل، فيزيد على المشروع فيُبتلى.
وقد كان دأبه - صلى الله عليه وسلم - في إحرامه لصلاته أن يقول: «الله أكبر»([46])، بهذا اللفظ لا غيرُ؛ فلا يتم الدخول في الصلاة إلا بهذا اللفظ «الله أكبر»؛ لأنه لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره، فلا يجزئ: «الله الأعز»، أو: «الله الأكرم»، أو: «الله الكبير»، كما يقول بعض أهل العلم([47]).
* * *
الرفع لليدين عند تكبيرة الإحرام مستحب عند جميع الأئمة([48])، ولم يوجبه أحد، إلا ما يُذكَر عن داود الظاهري، والأوزاعي، والحُمَيدي شيخ البخاري؛ من أنهم أوجبوا الرفع مع تكبيرة الإحرام([49])؛ لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد روي من طريق خمسين صحابيًّا، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة، فثبوت الرفع في هذا الموضع قطعي([50]). أما الرفع في المواضع الباقية، ففي استحبابها خلاف.
وعدد المواضع التي يُستحَبُّ فيها رفع اليدين في الصلاة أربعة مواضع هي:
الأول: مع تكبيرة الإحرام.
الثاني: مع تكبيرة الركوع.
الثالث: مع الرفع من الركوع.
الرابع: بعد القيام من الركعتين.
والجمهور يقولون باستحباب المواضع الثلاثة الأولى، دون الموضع الرابع، لكنَّ دليله ثابت من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في صحيح البخاري: «إذا قام من الركعتين، رفع يدَيْه»([51])، ولم يثبته الإمام أحمد، ولذا فليس مشتهرًا في كتب الحنابلة؛ لأن الإمام أحمد كان يرى أنه موقوفٌ على ابن عمر -رضي الله عنهما-([52])، والبخاري يرجِّح الرفع.
جاء في حديث أبي حُمَيْد، وابن عمر -رضي الله عنهم-، وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كبَّر للإحرام([53])، أي: يرفع يديه مقابل منكبيه، والمَنْكِبُ: هو مجتمع رأس العضد مع الكتف([54])، وفي حديث وائل بن حُجْر: «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين دخل في الصلاة»([55])، وقال البراء: «قريبًا من أذنيه»([56])، وجاء في بعض الألفاظ: «إلى فروع أذنيه»([57]).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام، لكنَّ أهل العلم اختلفوا إلى أي حد:
فمنهم من قال: هذا المنقول من خلاف التنوع؛ فأحيانًا يرفع إلى منكبيه، وأحيانًا يرفع إلى أذنيه، وهكذا.
ومنهم من قال: نجمع بين الروايات بأن تُجعَل رواية: «حذو المنكب» لأصل الكفين، ورواية: «فروع الأذنين» لأطراف الأصابع، وقد دل على هذا الجمع حديث وائل بن حُجْر -رضي الله عنه- عند أبي داود([58]).
ويكون ابتداء الرفع لليدين مع ابتداء التكبير، وانتهاء الرفع مع انتهائه؛ لأن الرفع للتكبير ومن أجله؛ فكان معه، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر»([59]).
وبعض الناس يتصرف تصرفًا أشبه ما يكون بالعبث؛ فتراه إذا كبَّر، حرَّك يديه ولو كانتا عند سُرَّتِه، يظن أنه بذلك الفعل يعد مطبقًا للسنة، وهذا لا يكفي، بل لا بد من الرفع، وأقل ما جاء فيه: أن يكون إلى حذو المنكبين.
إذا كبَّر المصلي تكبيرة الإحرام، وانتهى من رفع يديه، وضع يده اليمنى على ظهر اليسرى؛ فقد أخرج ابن خزيمة، من حديث وائل بن حُجْر -رضي الله عنه-، قال: «صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره»([60])، والحديث صحيح بشواهده([61])، وهو أقوى من حديث علي -رضي الله عنه-: «من السنة: وضع الكف على الكف تحت السرة»([62])، بل حديثُ عليٍّ ضعيف([63]).
الأَولى أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده، وهو قول جمهور العلماء، ومنهم من يقول: ينظر تجاه وجهه، كما قال الإمام مالك([64]) -رحمه الله-، مستدلًّا بقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة:144]، ولا شك أن النظر إلى موضع السجود أجمع للقلب، وأعون على الخشوع.
وإن كان نظره إلى موضع السجود يشوش عليه؛ لكون هذا الموضع فيه زخارف ونقوش، ففي هذه الحال يفعل الأصلح له في الخشوع وحضور القلب.
وأما بالنسبة للنظر يمينًا وشمالًا بما لا يقتضي الالتفات، فهذا لا ينافي الخشوع؛ ولذا لم يذكرْه العلماء من مكروهات الصلاة، وإنما ذكروا من مكروهات الصلاة: الالتفات، وهو: اختلاس([65])، لكنْ يبقى أن الأكمل للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده.
* * *
بعد تكبيرة الاحرام يقرأ دعاء الاستفتاح؛ ففي الصحيحين، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسكُتُ بين التكبير وبين القراءة إسْكاتةً، فقلت -وهو معروف بالحرص على الخير-: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من الخطايا، كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرَد»([66]).
فقال هنا: «اللهم باعِدْ بيني» بالإفراد، وخصَّ النفس بالدعاء، ولم يقل: «باعد بيننا»، و في الحديث الآخر الوعيد الشديد على مَن أَمَّ الناس في الصلاة وخصَّ نفسه بالدعاء دونهم: «لا يَؤُمُّ رجلٌ قومًا؛ فيخُصَّ نفسه بالدعاء دونهم»([67])، وابن خزيمة لما رأى المعارِضَ والمعارَضَ بينهما بَوْنٌ في الثبوت؛ فهذا في الصحيحين، وذاك حديث حسن، حكم على الحديث الآخر بالوضع؛ لمخالفته لما ثبت في الصحيحين، لكنْ إذا كان الإسناد لا بأس به، وأمكن الجمع، فلا مسوِّغ للحكم بالوضع؛ لأن النظر في المعارَضةِ يأتي بعد تعذُّر الجمع، والجمع هنا ممكن.
وقد جمع شيخ الإسلام بين الحديثين: بأن تخصيصَ النفس بالدعاء -الممنوع منه- المراد به الدعاء الذي يُؤمَّنُ عليه؛ كدعاء القنوت. أما دعاء الإمام الذي لا يُؤمِّنُ عليه المأموم، كدعاء الاستفتاح، فلا مانع من أن يخُصَّ نفسه فيه، ولا مانع أن يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، ويدعو لنفسه في السجود، ويدعو بين السجدتين بـ«اللهم اغفر لي»([68])، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ([69]).
وجزم السخاوي وآخرون من أهل العلم: بأن الدعاء الذي لا يجوز تخصيص الإمام نفسه فيه؛ هو الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم في الصلاة، كالدعاء المطلق في السجود، أو بعد أن يستعيذ بالله من أربع، ويتخير من المسألة ما شاء، فهذا لا يجوز له أن يخصَّ نفسه بالدعاء فيه([70]).
وجمع شيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح.
وورَدَ دعاء استفتاح آخر أيضًا، هو: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك»، ودعاء الاستفتاح هذا روي مرفوعًا عند أحمد، وأصحاب السنن([71])، وصحَّ عن عمر -رضي الله عنه- عند مسلم([72])، أنه كان يستفتح به في مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - - أي: خليفةً -، ويعلِّمه الناس؛ فهذا الدعاء مأثور عن الخليفة الراشد، وجهر به بين الصحابة في أمر توقيفي وهي عبادة الصلاة، فالمظنون به أنه تلقاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فإن استفتح المصلي بهذا الدعاء، فهو حسن؛ لثبوته عن عمر -رضي الله عنه-، والإمام أحمدُ -رحمه الله- يرجِّح هذا الاستفتاح، من وجوهٍ ذكرها ابن القيم -رحمه الله-([73])، لكنْ إذا ثبت المرفوع في الصحيحين -كما تقدم- فلا شك أنه أرجح.
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء الاستفتاح ألفاظ كثيرة، منها المختصر، ومنها المطوَّل، وغالبها وجلها في صلاة الليل كقوله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم رب جبرائيل وميكائيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»([74]).
وعلى المسلم -لا سيما من ينتسب إلى العلم- أن يحفظ هذه الأدعية، ويأتي بها على التعاقب، ولا يجمع بينها، بل يستفتح أحيانًا بهذا، وأحيانًا بهذا، وفي صلاة الليل: يستفتح أحيانًا بصيغة، وأحيانًا بأخرى، وهكذا؛ لأن الاختلاف بينها ليس اختلافَ تضادٍّ؛ فنرجِّح بعضها على بعض، ونقتصِرُ عليه، وإنما هو اختلافُ تنوُّعٍ، وكلها ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد؛ إذ يقول: «أما أنا، فأذهب إلى ما روي عن عمر -رضي الله عنه-، ولو أن رجلًا استفتح ببعض ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاستفتاح، كان حسنًا»([75]).
* * *
ثم بعد الاستفتاح يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقول بعد التكبير والاستفتاح: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه»، كما ورد في المسند والسنن، من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- ([76])؛ فإن قال ذلك في الصلاة لا سيما في صلاة الليل، فحسنٌ، والحديث لا يَسْلَمُ من مقال([77])، لكن له شواهد يثبت بها([78]).
ثم يقول بعد ذلك: «بسم الله الرحمن الرحيم».
ويُسِرُّ المصلي بـ«بسم الله الرحمن الرحيم» مطلقًا في السرية والجهرية، وإنْ جهر بها أحيانًا، فلا بأس؛ فقد ثبت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([79]) [الفاتحة:2]؛ ففهم منه بعض أهل العلم أنه لا يشرع دعاء الاستفتاح، والاستعاذة، والبسملة، وهذا معروف عن المالكية([80])، وجاء في رواية هذا الحديث: «صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون القراءة بـ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، لا يذكرون: «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول القراءة، ولا في آخرها»([81])، لكنْ لا يلزم من كونهم يستفتحون القراءة بـ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ألا يقولوا: «بسم الله الرحمن الرحيم» سرًّا؛ بحيث لم يسمعها الراوي؛ ولذا حمل الحافظ ابن حجر نفي الذكر على نفي الجهر، وصحَّح الرواية السابقة التي في صحيح مسلم([82])، ومنهم من أعلَّها وضعَّفها؛ لأنها مخالفة لما جاء في أحاديث أخرى، ومُثِّلَ بها لعلة المتن، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وعِلَّةُ الَمتْنِ كَنَفْيِ البَسْمَلَهْ | إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَهَا فَنَقَلَهْ([83]) |
فالراوي لم يسمعها، فظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقلها مطلقًا، فنَقَلَ ذلك، لكنْ إذا أمكن حمل الخبر الذي جاء بإسناد صحيح على محمل صحيح؛ بحيث يتفق ويتسق مع النصوص الأخرى، تعيَّن ذلك، لا سيما وأن الخبر في صحيح مسلم، فإذا حملنا عدم الذكر على عدم الجهر، انتهى الإشكال.
ومن أهل العلم مَنْ يرى استحباب الجهر بالبسملة مطلقًا؛ قالوا: لأنها آية من الفاتحة؛ فهي كغيرها من آيات الفاتحة، يقرأ بها، وحملوا حديث: يستفتحون القراءة بـ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، على أن المقصود الفاتحة؛ فهي تسمى سورة الحمد([84])، والجمهور على أنها يُسَرُّ بها؛ لحديث: «قسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين...» الحديثَ([85]) فبدأ بـ«الحمد لله» ولم يذكر البسملة؛ فدل على أنها ليست بآية من الفاتحة، وكونُ البسملة آية من الفاتحة أو ليست بآية منها، مسألةٌ طويلة الذيول، والخلاف فيها كبير بين أهل العلم؛ على أنهم يتفقون على أنها ليست بآية من سورة براءة، وعلى أنها بعض آية من سورة النمل([86])، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرجِّح أنها آية واحدة جاءت للفصل بين السور([87])؛ فعلى هذا يكون الإسرار بها أفضل، وإن جَهَرَ بها أحيانًا، فلا بأس.
وهذه الثلاثة: دعاء الاستفتاح، والاستعاذة، والبسملة: سُنَنٌ على الصحيح.
* * *
ثم بعد ذلك يقرأ الفاتحةَ، والفاتحةُ ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها؛ ففي حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»([88])، فدل على ركنيتها في الصلاة، لكنِ اختلف أهل العلم في لزومها لكل مصلٍّ على أقوال:
القول الأول: تلزم الإمامَ والمنفردَ والمأمومَ في الجهرية والسرية؛ لحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- السابق([89]).
القول الثاني: تلزم الإمامَ والمنفردَ، دون المأموم في الصلاة السرية والجهرية؛ لأن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه([90])؛ وهذا مذهب الحنفية([91]).
القول الثالث: تلزم الإمامَ والمنفردَ، أما المأموم، فلا تلزمه فيما يجهر به الإمام([92])، وتلزمه في السرية؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف:٢٠٤]، وحديثِ: «وإذا قرأ فأنصتوا»([93])؛ جمعًا بين النصوص في هذا الباب، وهذا قول كثير من أهل العلم([94]).
والراجح: أن الفاتحة تلزم الإمام والمأموم والمنفرد، سواءٌ جهَرَ الإمام أو أسر؛ لأن حديث عبادة بن الصامت صحيح صريح، ونفيٌ للصلاة بانتفاء الفاتحة، والصلاة المنفية هي الصلاة الشرعية المجزئة، أي: لا صلاةَ صحيحةٌ إلا بفاتحة الكتاب؛ فعلى هذا: على الإنسان أن يُعنَى بها، ويهتم بها، ولا يتساهل بشأنها.
لكنْ هناك نوعٌ من الناس لا يستطيع أن يقرأ عند قراءة الإمام، ومثل هذا حكمه حكم العاجز عن القراءة.
وقد يقول قائل: أنا أصلي مع إمام يستعجِلُ في قراءته، فلا أتمكَّن من قراءة الفاتحة خلفه، فهذا حكمه حكم المسبوق، وصلاته صحيحة.
وكذا اختَلَف العلماء في لزومها في حق المسبوق على قولين:
القول الأول: أنها تلزمه، وهو قول أبي هريرة -رضي الله عنه-، والبخاري، والشوكاني -رحمهما الله-؛ فعلى هذا: لو جاء والإمام راكع، لم تحسب له الركعة؛ لفوات ركنها: الفاتحة([95]).
القول الثاني: أنها لا تلزم المسبوقَ؛ فالذي دخل والإمامُ راكع، فأدرك الركوع، فإن قراءة الفاتحة تسقُطُ عنه؛ بدليل حديث أبي بَكْرة -رضي الله عنه-([96])، وهذا قول الإمام الشافعي([97])، وهو المرجَّح.
كانت قراءته - صلى الله عليه وسلم - مَدًّا، يقف عند كل آية؛ ففي البخاري، عن قتادة، قال: سُئِلَ أنس -رضي الله عنه-، قال: كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم؛ يمدُّ بـ«باسم الله»، ويمُدُّ بـ«الرحمن»، ويمُدُّ بـ«الرحيم»([98]) .
لكنه - صلى الله عليه وسلم - يمدُّ المدَّ المعتدل، وبعض الناس يبالغ في المد، فيخرج بالقراءة عن حقيقتها، ويترتَّب على قراءته زيادة حروف، فالقراءة في الصلاة -لا سيما الفاتحة التي هي ركن من أركانها- لا بد أن يتقنها المسلم، فلو أخلَّ بشيء منها ولو بحرف من حروفها، أو بشَدَّة من شدَّاتها، فقد تبطل صلاته، وهذا إذا لحن فيها لحنًا يحيل المعنى، فعلى المسلم أن يُعنَى بالفاتحة؛ لأن صلاته لا تصح إلا بها.
إذا فرغ المصلي من الفاتحة، قال: «آمين»، يجْهَرُ بها إذا جهر بالقراءة، ويجهر بها من خلفه إذا كان إمامًا، جاء ذلك في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الدارقطني، والحاكم وصحَّحه([99])، ولأبي داود والترمذي من حديث وائل بن حُجْر -رضي الله عنه- نحوه([100])، وفي الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمَّن الإمام، فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه»([101])، فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب، ومثله ما جاء في الحديث الصحيح: «إذا كبَّر، فكبِّروا، وإذا رَكَعَ، فاركعوا»([102])، وكذلك في حديث: «إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد»([103])؛ فالإمام إذا كبَّر للإحرامِ أو غيرِهِ، فكبِّروا، وإذا أمَّن، فأمِّنوا، وإذا ركع، فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ ففي هذه الأحاديث: ترتيب أعمال المأموم على أعمال الإمام بالفاء التي تدُلُّ على الترتيب والتعقيب، أي: أن تكون أعمال المأموم عَقِبَ أعمال إمامه، من غير مُهْلةٍ وتراخٍ.
وهنا فائدة يجدُرُ التنبيه عليها، وهي أن الأصل في التعبير بالفعل الماضي: أن الحدث قد مضى وانقضى؛ فقولك: «جاء زيد»، يعني: أن المجيء قد وقع في الزمن الماضي.
ولو أخذنا هذه القاعدة ونظَرْنا إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا كبَّر، فكبِّروا» يكون المعنى: إذا فَرَغَ الإمام من التكبير، فكبِّروا؛ لأن موافقة الإمام في مثل هذا ممنوعة، لكنْ في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا ركع فاركعوا» لا نقول: إذا فرغ الإمام من الركوع، فاركعوا، بمعنى: أن المأمومَ ينتظِرُ الإمامَ حتى ينتهي من الركوع، فيركع([104])، وإنما نقول: إذا شرع في الركوع واستقر راكعًا، فاركعوا؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به أحد أمور ثلاثة:
الأول: الفراغ من الفعل -وهو الأصل-، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا كبَّر، فكبِّروا».
الثاني: الشروع في الفعل، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا ركع، فاركعوا».
الثالث: إرادة الفعل، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:٩٨]، أي: إذا أردتَ القراءةَ.
ولو فهمنا الفعل الماضي على ظاهره، فستكون الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة.
ومن هذا: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:٦]، أي: إذا أردتم القيام، ولو أجرينا الفعل على ظاهره، فسيكون المعنى: إذا فرغتم من القيام إلى الصلاة، فتوضَّؤوا، أي: أنه سيكون مع كل واحد إداوةُ الوضوء وهو في الصف، فإذا قام ليُكبِّرَ، توضأ.
ومن هذا الإطلاق: قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا أمَّن الإمامُ، فأمنوا»([105])؛ لأننا لو حملناه على الإطلاق الأول، فسيكون المعنى: إذا فرغ الإمام من التأمين، فأمنِّوا، وإنما المعنى: إذا أراد التأمين، فأمِّنوا معه في وقتٍ واحدٍ؛ بحيث يكون صوت المأموم مع صوت الإمام؛ لأنه مَنْ وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وبدليل حديث: «وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين»([106])، وهذا النص مفسِّر للذي قبله، بمعنى أننا نقول: «آمين» مع الإمام.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من وافق تأمينه تأمينَ الملائكة»، وليس المراد بالموافقة في الكيفية؛ بحيث يكون مدُّه مثل مد الملائكة في ابتدائه وانتهائه؛ لأن هذا أمر غيبي يوفِّق الله -جلا وعلا- له من شاء، والذي علينا هو الحرصُ على اتِّباعِ السنة، والانتظارُ حتى يقول الإمام: «ولا الضالين»، فإذا انقطع صوته، قلنا: «آمين»، ولن نخيب بعد ذلك؛ فعلى الإنسان أن يحرص، ويحضر قلبه؛ لأن هذا دعاء، فمعنى «آمين»: اللهمَّ استجب، والله -جلا وعلا- لا يقبل الدعاء من قلب غافل([107]).
ذكر ابن القيم - رحمه الله - أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكتتان:
الأولى: سكتة بين التكبير والقراءة، وهي السكتة التي سأل عنها أبو هريرة -رضي الله عنه- بقوله: «أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغْسِلْني من خطاياي بالثلج والماء والبَرَد»، وهو في الصحيحين([108]).
الثانية: مختلَفٌ فيها؛ لأنه جاء ما يدل على أنها بعد الفراغ من القراءة؛ فمن أهل العلم من جعلها بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة؛ ليتمكَّن المأموم من قراءتها.
ومنهم من جعلها بعد الفراغ من قراءة السورة بعد الفاتحة؛ ليترادَّ نَفَسُ الإمام إليه قبل الركوع.
ومنهم من قال: هي ثلاث سكتات؛ الأولى: عقب تكبيرة الإحرام، والثانية: عقب الفاتحة، فإذا قال: «آمين»، انتظر قليلًا، والثالثة: بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف([109]).
يقول ابن القيم: «والظاهر: أنما هي اثنتان فقطْ، وأما الثالثة، فلطيفةٌ لأجل ترادِّ النَّفَس، ولم يكن يَصِلُ القراءة بالركوع، بخلاف السكتة الأولى؛ فإنه يجعلها بعد الاستفتاح، والثانية قد قيل: إنها لأجل قراءة المأموم؛ فعلى هذا: ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة؛ ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، وأما الثالثة: فللراحةِ والنَّفَسِ فقط، وهي سكتة لطيفة، فمن لم يذكرها، فلقصرها، ومن اعتبرها، جعلها سكتة ثالثة؛ فلا اختلاف بين الروايتين»([110]).
أما الحديث الوارد في السكتات، فهو ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم من حديث الحسن البصري، عن سَمُرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أنه كان يسكُتُ سكتتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها»([111])، وفي رواية: «سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧]»([112]).
فمجموع الروايات تدل على أن السكتات ثلاث؛ لكنْ هل يثبت مثل هذا الحكم بمثل هذا الإسناد، فسماع الحسن من سَمُرة مسألة خلافية بين أهل العلم([113])، أما سماع الحسن من سمرة حديثَ العقيقة، فهذا في صحيح البخاري، فعن حَبِيب بن الشَّهيد: قال لي محمد بن سيرين: سَلِ الحسَنَ عمن سمعت حديثَ العقيقةِ؟ فقال: عن سَمُرة([114])؛ فهذا نص على أن الحسن سمع من سَمُرة حديث العقيقة، ويبقى الخلاف في غير حديث العقيقة، فيبقى كلٌّ على مذهبه؛ فمن يثبت سماع الحسن من سَمُرة مطلقًا يقول: الحديث صحيح، ومن لا يثبته يقول: الحديث فيه انقطاع([115]).
فبعد قراءة الفاتحة يسكت الإمام، ولو لم يكن بقدر قراءة الفاتحة للمأموم، والمقصود أنه يفصل بين القراءتين، وإذا أنهى القراءة يسكت ليتراد النَّفَس، وبهذا نكون قد جمعنا بين الروايات كلها.
بعض الناس لا يحسن القراءة، لا سيما من كبار السن ممن لم يلتفت إلى الحفظ إلا بعد أن طعن في السن؛ فقد يكون حافظًا للفاتحة، لكنْ حفظه غير مجزئ؛ لأنه غير صحيح، فبعضهم يقرأ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر:٨] هكذا: «ثم لا تُسْألُنَّ يومئذ عن النعيم»، وهذه القراءة قلبت المعنى تمامًا، فبدلًا من أن كانت اللام للتأكيد، أصبحت «لا» النافية، وكم سمعنا من كبار السن العوامِّ قراءات فيها تصحيف وتحريف ولحن يحيل المعنى، والواجب على المسلم أن يعتني بصحة الفاتحة؛ فهي ركن من أركان الصلاة.
والحمد لله تيسَّرت الأمور الآن؛ فَحِلَقُ القرآن في كل مكان، والبيوت مملوءة بمن يقرأ القرآن من الذكور والإناث؛ فما الذي يمنع كبير السن من رجل أو امرأة أن يطلب من ولده أو ابنته أو غيرهما أن يحفِّظه الفاتحة، ويتعلَّم قراءتها قراءة صحيحة، ويبذُلَ في ذلك جهده؟! فإنْ صعب عليه الحفظ، واستغلقت حافظته، وعجَزَ عن ذلك، اكتفى بالتحميد، والتكبير، والتهليل؛ فعن رفاعة بن رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علَّم رجلًا الصلاة، فقال: «إذا كان معك قرآن، فاقرأ، وإلا، فاحمد الله، وكبِّره، وهلِّلْه، ثم اركع»([116]).
وفي حكم من لم يستطع تعلُّم الفاتحة: حديثُ العهد بالإسلام، فإذا أسلم شخص ونطق بالشهادة، وبعد أن عُلِّم الوضوء وتوضأ وجاء إلى الصلاة، لا يُنتَظَرُ به إلى أن يحفظ الفاتحة، إذا كان حِفْظُها يحتاج إلى وقت طويل، لا سيما إذا كان كبير سن، بل يقال له: «احمد، وكبِّر، وهلِّل»، ويحفظ بعد ذلك.
إذا فرغ المصلي من قراءة الفاتحة، قرأ سورتين في الركعتين الأوليين؛ ففي الصحيحين، عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب، ويسمعنا الآية أحيانًا، ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح»([117])، ورواه أبو داود كذلك وزاد: قال: «فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى»([118]).
قوله: «ويُسْمِعُنا الآية أحيانًا»، أي: في الصلاة السرية؛ لأن هذه كانت صلاة الظهر؛ فعلى الأئمة أن يفعلوا مثل هذا؛ اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - .
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قَدْرَ ثلاثين آية، وفي الأخريين قَدْرَ قراءة خمسَ عشرةَ آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدرَ خمسَ عشْرةَ آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك»؛ رواه مسلم، وأحمد([119])؛ فعلى هذا: القراءة تطول في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، وتكون الركعة الأولى أطول من الثانية، وفي الركعتين الأخريين: إن شاء اقتصر على الفاتحة، وإن قرأ معها سورة أخرى، فلا بأس؛ وهو ثابت.
يقول ابن القيم: «فإذا فَرَغَ [أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - ] من الفاتحة، أخذ في سورة غيرها، وكان يطيلها تارَةً، ويخفِّفها لعارض من سفر، أو غيره، ويتوسَّط فيها غالبًا، وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلَّاها بسورة ق، وصلاها بالروم، وصلاها بـ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾، وصلَّاها بـ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ في الركعتين كلتيهما، وصلاها بالمعوِّذتين وكان في السفر، وصلَّاها فافتتح سورة المؤمنون، حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ([120])، فركع، وكان يصليها يوم الجمعة بـ﴿الـم (1) تَنْزِيلُ﴾، وسورة ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ كاملتين»([121]).
وقرأ في المغرب بالأعراف، وفرَّقها في الركعتين([122])، وصلاها مرةً بالطور؛ ففي حديث جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- في الصحيح: «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب بالطُّور»، يقول: «وذلك أول ما وَقَرَ الإيمان في قلبه»([123])، وكان قد جاء في فداء أسرى بدر قبل أن يُسْلِم، وقرأ مرةً بالمرسَلات([124]).وقرأ بـ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾([125])، وكان يقرأ فيها بقصار السور من المفصَّل([126])، وأرشد معاذًا إلى أن يقرأ بـ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ وغيرها([127])، قال ابن عبد البر: «وهي كلها صحاح مشهورة»([128])، لكنْ لم يكن يداوم - صلى الله عليه وسلم - على قصار المفصَّل([129]).
إذا عرفنا أنه قرأ بالأعراف، وهي سورة طويلة، وقرأ بالمرسَلات، وقرأ أيضًا بالطور، وقرأ بالقصار، فعلى الإمام ألَّا يشق على المأمومين، وليأخذ بهذه القاعدة العامة: «إذا أمَّ أحدكم الناس، فليُخفِّفْ؛ فإن فيهم الصغيرَ، والكبيرَ، والضعيفَ، والمريضَ»([130])؛ فعلى الإمام أن يلاحظ أحوال المأمومين، ويفعل السنة، فيأتي بالطوال أحيانًا، وبغيرها أحيانًا أخرى، ولا يشق على الناس، حتى لا يستثقلوا الصلاة ويَمَلُّوها.
وثبت في الموطأ، عن أبي بكر -رضي الله عنه-، أنه كان يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثالثة من المغرب قوله -جلا وعلا-: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8]([131]).
ويرون أن هذا بمثابة القنوت؛ لأنها آية تتضمَّن دعاءً، والمغربُ ثبَتَ أنها وِتْرُ النهار([132])، وهذا عمل الخليفة الراشد المسدَّد الذي أُمِرْنا بالاقتداء به([133])، فلو فُعِلَ هذا اقتداءً بهذا الخليفة الراشد، فلا بأس، ولو تُرِكَت باعتبارها لا يثبت فيها شيء مرفوع، فالأمر فيه سَعَة.
وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها - صلى الله عليه وسلم - بـ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾([134])، ووقَّت لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- بـ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، و﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾، ونحوها، وأنكر عليه قراءةَ البقرة، وقال له: «أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟!»([135])؛ لأنه قرأ سورة البقرة في صلاة العشاء، وتأخَّر على الناس، حيث كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يأتي فيصلي بالناس، فشكاه أحد المأمومين بعد أن انصرف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنهاه عن ذلك، ووقَّت له هذه السور([136]).
وأما الجمعة، فكان يقرأ فيها بسورتي الجمعة والمنافقين كاملتَيْن([137])، وسورتَيْ سَبِّحْ والغاشية([138]).
* * *
بعد أن يتم المصلي قراءة السورة، يكبِّر رافعًا يديه ويركع -وهذا هو الموضع الثاني من مواضع رفع اليدين- ويُمْكِن يديه من ركبتيه كأنه قابضهما، كما في حديث أبي حميد واصفًا صلاته - صلى الله عليه وسلم - : «وإذا ركع، أَمْكَن يديه من ركبتيه، ثم هَصَرَ ظهره»([139])، وهناك صفة أخرى لوضع اليدين تُسمى التطبيق، وهو: وضع اليدين بين الركبتين؛ وهذا كان في أول الأمر، ثم نُسِخ([140]).
وقول أبي حميد: «ثم هَصَرَ ظهره»، أي: ثنى ظهره، وجاء في رواية: «ووتَّر يديه»([141])، أي: جعل يديه إذا قبض بهما ركبتيه كالوتر، بمعنى: أنهما مستقيمتان، منحنيتان عن جنبيه، وبَسَطَ ظهره ومدَّه وعدَّله، وجاء في وصف حاله - صلى الله عليه وسلم - أثناء الركوع: أنه - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا ركع سوَّى ظهره، حتى لو صُبَّ عليه الماءُ، لاستقرَّ»([142])، والماء يستقر إذا لم يكن هناك مَيَلانٌ ولا انحناء.
وجاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: «كان إذا ركع، لم يُشْخِصْ رأسَه، ولم يصوِّبه، ولكنْ بين ذلك»([143])، وقولها: «لم يُشْخِصْ رأسه»، أي: لم يرفعه، فالإشخاص الرفع، يقال: شَخَصَ البَصَر شُخوصًا، أي: ارتفع([144])؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم:42].
وقول عائشة -رضي الله عنها-: «ولم يصوِّبه»، تعني: لم يخفض رأسه؛ فالتصويبُ هو الخفض؛ ولذا جاء في المطر: «اللهم اجعله صيِّبًا نافعًا»([145])؛ فالصيِّب الذي يَنـزِل([146]).
وورد في حديث الواهبة التي وهَبَتْ نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - : «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعَّد النَّظَرَ إليها، وصوَّبه»([147])، يعني: رفع بصره وأنزله؛ لينظُرَ إليها هل تصلح له أو لا، والمقصود: أن رأسه - صلى الله عليه وسلم - في الركوع يكون بين الخفض والرفع.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم»؛ وذلك أنه بعدما نَزَلَ قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة:74]، قال: «اجعلوها في ركوعكم»، ولما نَزَل قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1]، قال: «اجعلوها في سجودكم»([148])، فالركوع والسجود هما موضعان للتسبيح، وهو التنزيهُ؛ ولذا تحرُمُ قراءة القرآن في الركوع والسجود؛ لثبوت النهي الصحيح الصريح في ذلك؛ فقد ثبت في السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود، فأكثروا فيه من الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم»([149])، ولا يقتضي هذا نفْيَ الدعاء في الركوع، وإنما المقصود: أن يكون تعظيم الله سبحانه هو أكثر الذكر في الركوع؛ ودليل ذلك: ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الركوع: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»([150])؛ وهذا دعاء، لكن ينبغي أن يكون الدعاء في السجود أكثر، ويكون التعظيم في الركوع أكثر.
وكان ركوعه - صلى الله عليه وسلم - المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك([151])، وكان يقول في ركوعه أيضًا: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والروح»([152])، وتارةً يقول: «اللهم لك ركعْتُ، وبك آمنْتُ، ولك أسلمْتُ، خشع لك سمعي وبصري ومُخِّي وعَظْمي وعصَبي»([153])، لكن قال ابن القيم: «وهذا إنما حُفِظَ عنه في قيامِ الليل»([154]).
ثم يرفع رأسه من الركوع رافعًا يديه -وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع اليدين- قائلًا: «سمع الله لمن حمده»، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : «سمع الله لمن حمده»: هو ذكرُ الانتقال؛ فهو كالتكبير، وإذا استوى قائمًا من ركوعه، قال: «ربنا ولك الحمد».
وفي: «ربَّنا ولك الحمد» عدة صيغ: الأولى: هذه([155])، الثانية: «ربَّنا لك الحمد» بدون واو([156])، الثالثة: «اللهمَّ ربَّنا لك الحمد»، بـ«اللهمَّ» دون الواو([157])، والرابعة بالجمع بينهما: «اللهمَّ ربَّنا ولك الحمد»([158])؛ فهذه أربع صيغ، كلها ثابتة، وإن زعم ابن القيم -رحمه الله- أن الصيغة الرابعة، وهي الجمع بين «اللهم» والواو لم تصح([159])، لكنها صحيحة ثابتة في صحيح البخاري، ونعلم أن ابن القيم -رحمه الله- إنما ألَّف كتابه: «زاد المعاد» في حال السفر، فلم يكن عنده مراجع ولا كتب، لكنه إمام حافظ، ومن يعرو من الخطأ والنسيان والذهول؟!
ويجمعُ الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد؛ فيقول كل من الإمام والمنفرد: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد»؛ اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، مِلْءَ السموات ومِلْءَ الأرض ومِلْءَ ما شئت من شيء بعدُ»([160]).
أما المأموم، فذهب الإمام الشافعي: إلى أنه يجمع بينهما؛ لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سمع الله لمن حمده»، ويقول: «ربنا ولك الحمد»، والمأموم مطالَبٌ بالاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والائتساء به([161]).
وذهب آخرون: إلى أن المأموم لا يَجْمَعُ بينهما، بل يقول: «ربنا ولك الحمد» عَقِبَ قول الإمام: «سمع الله لمن حمده»([162])؛ لما جاء في الحديث الصحيح: «فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد»([163])؛ فهذه وظيفة الإمام، وتلك وظيفة المأموم.
أما الاحتجاج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما، وهو قدوة لنا، فيقال: هو قدوة لمن كان في مِثْلِ حاله، وهي: الإمامةُ هنا، أما المأمومُ، فلا يدخل في الاقتداء في هذه الحالة؛ لأنه قد خرج بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد»، ففي قوله: «فقولوا» قد عَطَفَ الأمر بقول: «ربنا ولك الحمد» بالفاء التي تقتضي الترتيب مع التعقيب، أي: بمجرَّد ما يقول الإمام: «سمع الله لمن حمده»، يقول المأموم عقبه: «ربنا ولك الحمد»، كما مضى نظيره في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين»، أي: يقول: «آمين» بعد انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة مباشرة.
وأخرج مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قال: «سمع الله لمن حمده»، قام حتى نقول: قد أَوْهَمَ، ثم يسجُدُ، ثم يقعُدُ بين السجدتين حتى نقول: قد أوهَمَ»([164])، أي: أنه كان يطيل الركن، وبهذا يظهر الخلل الكبير عند بعض الناس في هذين الركنين: ركن القيام من الركوع، والقيام من السجود؛ حيث ينْقُرُونهما نقرًا.
ومما جاء في صفة القيام من الركوع: ما رواه أبو حميد الساعدي -رضي الله عنه-، قال: «فإذا رفع رأسه، استوى حتى يعود كل فَقَارٍ إلى مكانه»([165])، وقد اختلف أهل العلم في المراد بـ«يعود كلُّ فقارٍ إلى مكانه» على قولين:
القول الأول: يعود كل فقار إلى موضعه قبل الدخول في الصلاة، يعني: إرسال اليدين.
القول الثاني: يعود كل فقار إلى موضعه قبل الركوع.
ويترتَّب على هذا: أننا إذا قلنا بالقول الأول، فإن اليدين قبل الدخول في الصلاة كانتا مرسلتين، وهذا يعني: أنهما تكونان كذلك عقب الاعتدال من الركوع.
وإذا قلنا بالقول الثاني، فإن اليدين كانتا على الصدر قبل الركوع، كما في حديث وائل بن حُجْر([166])، فيعودان إلى حالتهما عند الاعتدال، وبهذا يقول الأكثر، وهو الظاهر. وزعم بعضهم أن الضم بعد الركوع بدعة؛ وليس كما قال.
* * *
ثم يَهْوِي للسُّجود دون رفع لليدين، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا هوى للسُّجود، كما جاء في وصف صلاته - صلى الله عليه وسلم - ([167])، وأما حديث: «كان يرفع مع كل خفض ورفع»، فقد قرَّر الحُفَّاظ أنه وهم من الراوي، وصوابه: «يكبِّر مع كل خفض ورفع»([168])([169])، وقال بعضهم باستحباب ذلك أحيانًا([170]).
وهنا مسألة في غاية الأهمية، وقد كثر فيها الكلام، وهي: أيهما يُقدِّمُ: يديه أو ركبتيه عند الهُوِيِّ للسجود؟
جاء في حديث وائل بن حجر: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه»، والحديث مخرج في السنن([171])، وصحَّحه بعض أهل العلم([172])؛ وعلى هذا: إذا سجد المصلي، يضع ركبتيه، ثم بعد ذلك يضع يديه؛ وهذا مرجَّح عند جمع من أهل العلم، وانتصر له ابن القيم([173]).
لكنْ روى أبو داود، والنسائي، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا سجد أحدكم، فلا يبْرُكْ كما يبْرُكُ البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»([174])، وهذا عكس حديث وائل، يقول الحافظ ابن حجر: «وهو أقوى من حديث وائل([175]): «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه»؛ أخرجه الأربعة، فإن للأول شاهدًا من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- صحَّحه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلَّقًا موقوفًا»([176]).
فالذي يرجِّح تقديم الركبتين، يحكم على الحديث الثاني -حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-- بالضعف، وأنه مقلوب، والذي يرجِّح تقديم اليدين على الركبتين، يحكم على الآخر -حديث وائل -رضي الله عنه-- بالضعف؛ لأن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أقوى من حيث الصناعة، وله شواهد.
وممن يرجِّح تقديم الركبتين ابن القيم -رحمه الله-، وقد ذهب إلى أن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مقلوب، فقال: «فالحديث -والله أعلم- قد وقع فيه وهم من بعض الرواة؛ فإن أوله يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه؛ فقد بَرَكَ كما يبْرُكُ البعير؛ فإن البعير إنما يضع يديه أولًا»([177])، وقال: «كان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله، ولعله: «وليضع ركبتيه قبل يديه»([178])، هكذا قرَّر ابن القيم، وأطال -رحمه الله- في تقرير القلب في هذا الحديث، وأجلب في هذه المسألة بكل ما أوتي من قوة استدلال، ونصاعة بيان، وسعة اطلاع.
وبعض العلماء يناقش ابن القيم بما ذكره أهل اللغة مِن أن رُكْبَتَيْ كلِّ ذي أربع، كالبعير في يديه([179])، ولو سلمنا بذلك، فإن هذا لا يحل الإشكال؛ لأنه إذا قدم يديه، أشبه بروك البعير في الصورة.
أما شيخ الإسلام -رحمه الله- فيرى أن الصورتَيْن كلتيهما صحيحتان وجائزتان، وسواءٌ قدَّم يديه أو قدَّم ركبتيه، فلا فرق، فإحداهما ثابتة من فعله - صلى الله عليه وسلم - ، والثانية ثابتة من قوله - صلى الله عليه وسلم - ([180]).
أما كون حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مقلوبًا، فلا أراه صوابًا؛ لأنه لم ينتقد أحد من الأئمة متن الحديث؛ فقد كان انتقادهم منصبًّا على السند دون المتن، ولا أظن أنه توجد في المتن علة، وتخفى على الأئمة الكبار، خاصَّةً أن ما ذكره ابن القيم من كون البعير يبرك على قائمتيه الأماميتين مما يدركه آحاد الناس؛ فكل إنسان -بما فيهم أئمة الحديث- يرى البعير يقدِّم يديه قبل ركبتيه.
وحل الإشكال يكون بفهم معنى البروك، فإذا فهمنا معنى البروك زال الإشكال، والبروك هو النزول على الأرض بقوة؛ بحيث يثور الغبار ويتفرَّق الحصى، فإذا نزل المصلي للسجود بقوة، وأثار الغبارَ، وفرَّق الحصى لو كان هناك حصى مثلًا؛ فيكون قد بَرَكَ كما يبرك البعير، ثم جاء التوجيه النبوي: «وليضع يديه قبل ركبتيه»، وبناءً على ما سبق يبقى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- سليمًا من القلب فيه؛ فلا يكون هناك تعارض بين أول الحديث ولا آخره، فنحن نفرق بين البروك بقوة ومجرد وضع اليدين قبل الركبتين؛ فالنزول بقوة هو البروك، وفيه مشابهة للحيوان -وقد نهينا عن مشابهة الحيوانات([181])- بخلاف مجرد وضع اليدين قبل الركبتين، تمامًا كما نفرِّق بين وضع المصحف على الأرض -وهذا جائز عند أهل العلم- وبين رميه على الأرض، وهذا خطر عظيم، وبعض أهل العلم يفتي بكفر فاعله، إذا فعله استخفافًا؛ فهنا فرق بين الأمرين([182]).
والراجح: أنه لا تعارض ولا تناقض بين حديث وائل وأبي هريرة -رضي الله عنهما-؛ إذا قلنا بأن المنهي عنه هو البروك، وهو النزول بقوة؛ سواءٌ كان بتقديم اليدين أو الركبتين؛ وعلى هذا لا حاجة إلى أن نقول: إن في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قلبًا أو وهمًا، بل إن آخر الحديث يوافق أوله؛ لأن مَنْ نَزَلَ على الأرض بقوة، قلنا: برك، وهذا بخلاف من وضع يديه قبل ركبتيه، فلا نقول فيه: برك؛ لأن التشبيه يأتي في النصوص ولا يراد به المطابقة من كل وجه، بل إذا وُجِدَتِ المشابهة ولو من وجه، صح التشبيه، وإلا لقلنا: إن تشبيه رؤية الباري -جلا وعلا- برؤية القمر ليلة البدر([183]) يلزم منه لوازم فاسدة، ولصار الحديث مضادًّا لقوله -جلا وعلا-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]؛ لكن التشبيه من وجه دون وجه، وهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، والتشبيه هنا: في النزول على الأرض بقوة؛ فالإنسان إذا فعل ذلك أشبه البعير؛ ولذا يرى بعضهم التخيير بين الفعلين: بين تقديم اليدين، وتقديم الركبتين.
ثم إن السجود يكونُ على الأعضاء السبعة؛ امتثالًا للأمر الوارد من الله -جلا وعلا- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «أُمِرْتُ أن أسجُدَ على سبعة أعظم»([184])، والآمر هنا هو الله -جلا وعلا-؛ لأنه لا يُتصوَّرُ أن ثمة آمرًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الله، فإذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أُمِرْتُ» -كما هنا-، أو: «نُهيتُ عن قتل المصلِّين»([185])، فالآمر والناهي هو الله -جلا وعلا-، بخلاف ما لو قال ذلك الصحابي: «أُمِرْنا» أو «نُهِيْنا» فالمتجه هنا أن الآمر والناهي هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول الجمهور، وهو مفصَّلٌ في موضعه([186]).
وأعضاء السجود السبعة التي جاء ذكرها في الحديث؛ إذا فصَّلناها صارت ثمانية، وهي: الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فالأنف والجبهة بمنزلة العضو الواحد، إلا أن الأصل هو الجبهة، وأما الأنف، فتابعٌ لها؛ لما جاء في الحديث: «الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه»([187])، فإذا سجد المصلي على الأنف فقطْ، لم يُجزه هذا السجود، لكن إذا سجد على الجبهة فقطْ، وترك التابع، وهو: الأنف، فالمسألة خلافية بين أهل العلم([188])، والحديث يدل على أن السجود على الأنف مأمور به؛ لأن الإشارة بيان للواجب، وبيان الواجب واجب.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الأرض مباشرةً، وهو الأصل: «جُعِلَتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا»([189])، وقد سجد على الماء والطين، كما ثبت هذا في حديث ليلة القَدْر، وكانت ليلة إحدى وعشرين([190]).
وثبت أنه سجد على الخُمْرة([191]) المتَّخَذة من خُوص([192]) النخل([193]) وعلى الحصير المتَّخَذ منه، وصلى عليه كما في حديث أنس -رضي الله عنه- ([194])، وعلى الفَرْوة المدبوغة([195]).
فهذه أمور لا بأس بالسجود عليها؛ إذا كانت منفصلة عن المصلي.
وأما إن كانت متصلة به، فيقول ابن القيم: «ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - السجودُ على كُورِ العمامةِ من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبد الرزاق في المصنف، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجُدُ على كُورِ العمامة([196])، وهو من رواية عبد الله بن محرَّر، وهو متروك([197])، وذكره أبو أحمد الزُّبيري من حديث جابر -رضي الله عنه-، ولكنه من رواية عمر بن شِمْر، عن جابر الجعفي، وهو متروك، عن متروك»([198]).
ولا يمكن القول: إن حديث جابر -رضي الله عنه-([199]) يشهد لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ فيكون الحديث حسنًا لغيره؛ لأن هذا شأن الحديث الضعيف مع مثله، أما هذا الحديث، ففي إسناده متروك؛ فهو شديد الضعف، وكذلك الحديث الشاهد له؛ فلا يرتقي هذا بهذا، ولا ينجبر أحدهما بالآخر.
ومما يتعلَّق بهذه المسألة: السجودُ على التربة التي يتَّخذها بعض المبتدعة، وهي التربة التي يزعمون أنها مأخوذة من تراب كربلاء، ولا يصحِّحون الصلاة إلا بالسجود عليها، أو ما يقوم مقامها من الأرض؛ فتراهم لا يسجدون على الفرش والسجاد، وإنما يسجدون على الأرض مباشرة، أو يضعون شيئًا يجعلونه بمثابة هذه التربة من قرطاس، أو خُوص، أو ما أشبه ذلك، وهذه بدعة لم يقل بها أحد من أهل العلم ممن يعتدُّ بقوله، وأيضًا: التشبث بها، وأنها من تربة طاهرة مثل كربلاء أو ما أشبهها هو بدعة كذلك؛ فكربلاء ليس فيها ما يخصها من نص صحيح، بل تمسَّك بها بعض من زاغ في دينه، وحاد عن الصراط المستقيم، والله المستعان.
أما اليدان، فالمراد بهما بطون الكفين، وبطن الكف يشمل الراحة وبطون الأصابع، فيضم الأصابع إلى بعضها ويوجِّهها نحو القبلة، ففي صحيح ابن حبان: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجَدَ، ضمَّ أصابعه»([200])؛ لأنها تكون إذا ضُمَّتْ، مستقبلة القبلة، وإذا فُرِّجَتْ، اتجهت إلى جهات متعدِّدة؛ فالمطلوب ضمها ليستقبل بها القبلة.
ويلاحَظ أن بعض المصلين يسجد ببطون الأصابع دون الراحة، وهذا لا يجزئ؛ لأن الأصل في الكف الراحة، كذلك السجود على ظهر الكف لا يجزئ؛ كسجود بعضهم على هيئة العاجن؛ وهذا موجود لاسيما عند الصغار.
وكثيرًا ما يكون الخلل في السجود برفع الأنف عن الأرض، أو عدم تمكين اليدين من الأرض، كذلك يتطرق الخلل إلى السجود برفع أطراف القدمين عن الأرض، وهما من الأعضاء السبعة التي أُمِرْنا بالسجود عليها؛ ولهذا لا بد من السجود على أطراف القدمَيْن ليتم المأمور به؛ لأن الأمر متجه إلى سبعة أعظم؛ فلا يتم امتثال الأمر إلا باجتماعها.
وقد يحتاج بعض الناس إلى رفع إحدى القدمَيْن لِيَحُكَّ بها الأخرى مثلًا، فإذا استمر هذا الرفع بحيث استوعب السجود كله، ففي صحة سجوده نظر، فبعض أهل العلم يبطل السجود بمثل هذا([201])، لكنْ إن حكَّها وأعادها، فلا بأس؛ لأنها حركة يسيرة معفو عنها إن شاء الله تعالى.
وتكون أصابع القدمين إلى جهة القبلة إن أمكن ذلك، وإلا فبعض كبار السن يحصل عندهم تصلُّب في الأصابع؛ فلا يتمكنون من استقبال القبلة بها.
وهل تُلصَق القدمان إحداهما بالأخرى حال السجود، أو من تمام المجافاة المشروعة أن يفرَّق بينهما؟ قولان لأهل العلم: فمن يقول بعموم المجافاة، يقول: يشمل الرجلين، أي: أن المصلي يجافى يديه عن جنبيه، ويرفع ظهره، ويجافي قدميه أيضًا([202]).
ومنهم من يقول: المستحب إلصاق القدم بالقدم، وجاء ما يدل على ذلك في صحيح ابن خزيمة([203])، وجاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها-: «فوقعت يدي على بطن قدمَيْه»([204])، فاستدل به على أن القدمين تلزقان.
كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد، مكَّن جبهته وأَكُفَّهُ من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، وجافى بهما حتى يُرَى بياض إبطيه ولو شاءت بَهْمَة -وهي: الشاة الصغيرة- أن تمر تحتهما، لَمَرَّتْ([205])، فكان - صلى الله عليه وسلم - يبالغ في المجافاة، وفي صحيح مسلم، عن البراء -رضي الله عنه-، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سجدْتَ، فضَعْ كَفَّيْك، وارفع مرفقَيْك»([206]).
كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى» ثلاث مرات، وربما كرَّرها أكثر من ذلك، وأمر بها، وقال: «اجعلوها في سجودكم»([207])، وحثَّ - صلى الله عليه وسلم - على كثرة الدعاء في السجود، فقال: «وأما السجود، فأكثروا فيه من الدعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم»([208])، أي: حَرِيٌّ وجديرٌ أن يستجاب لكم؛ لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد([209]).
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - في السجود قوله: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»([210]).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»([211]).
وكان يقول: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشقَّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين»([212]).
وكان يقول: «اللهم اغفر ذنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره»([213]).
وغير ذلك من الأدعية التي ثبتت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الركن، ومن أراد المزيد، فعليه بمراجعة كتب السنة.
واختلف أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام وطول السجود على قولين:
القول الأول: تفضيل تطويل القيام على تطويل السجود؛ واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:238]، والقيام من القنوت، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام حتى تفطَّرت قَدَماه([214])، وكذلك استدلوا بأن الصلاة تُسمَّى قيامًا، فيقال: قيام الليل، أي: صلاة الليل، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - عن يوم الجمعة: «فيه ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه»([215])، فعبَّر بالقيام عن الصلاة؛ لأهميته فيها.
القول الثاني: تفضيل تطويل السجود على تطويل القيام؛ واستدلوا بالأحاديث الدالة على فضل السجود.
وثمرة هذا الخلاف: أن من أراد الصلاة لمدة ساعة مثلًا، فإن كان يقول بتفضيل طول القيام، فسيشغل معظم الوقت بالقيام، فيكثر من القراءة، ويخفِّف من أذكار السجود، وإن كان يذهب إلى تفضيل السجود، فسيخفِّفُ القراءة، ويطيل السجود، فينطرح وينكسر بين يدي ربه، ويطرق بابه متلذِّذًا بمناجاته حال ما يكون إليه أقرب، وهو: السجود.
لكن الذي حرَّره جمع من أهل العلم: أن القيامَ أفضلُ بذِكْره، والسجودَ أفضلُ بهيئته؛ فالأمر عائد لما يميل إليه المصلي ويرتاح فيه أكثر؛ فبعض الناس يتلذَّذ بطول القراءة، ويُحْضِر عندها قلبه أكثر من حضوره حال السجود؛ فيقال لمثل هذا: أطِلِ القيام، وبعضهم إذا قرأ وأطال القيامَ، شرَدَ ذهنُه، وغَفَلَ قلبُه، ولو سجد أكثر من الذكر والدعاء، وحضر قلبه، وخشعت جوارحه، فيقال لمثل هذا: أَطِلِ السجود؛ ولهذا على الإنسان أن يفعل ما هو أنفع لقلبه، والإنسان قد يُفتَح له باب يقرِّبه من الله -جلا وعلا- ويجد نفسه في الأبواب الأخرى دون ذلك؛ فعليه أن يستغل هذا الباب الذي فُتِح له فيه([216]).
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سجَدَ، لا يفترش ذراعيه، بل كان يجافيهما كما سبق، بل نهى عن ذلك؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «ولا يَفْتَرِش أحدكم ذراعيه افتراشَ الكَلْب»([217])، وفي رواية: «افتراش السَّبُعِ»([218]). وبعض الناس يفترش ذراعيه عند سجوده عندما يكون مُرْهَقًا؛ ليريح يديه بذلك، وهذا يدخل في النهي كذلك، فإن احتاج المصلي إلى ما يسند يديه إليه، فليضع أطرافهما على ركبتيه، وجاء في ذلك ما يدل على مشروعيته عند الحاجة ([219]).
واستحباب المجافاة إنما هو للإمام والمنفرد؛ لأنهما لا يضيِّقان على أحد، أما المأموم، فمأمور بالتراصِّ في الصف، فيصعب عليه المجافاة، لكن إن أمكنه فِعْلُهَا، فليفعَلَ.
ثم يرفع من السجود مكبِّرًا، وثبت هذا التكبير من فعله - صلى الله عليه وسلم - ([220])، وأمر بذلك المسيءَ في صلاته([221])، وهذا التكبير مع بقية التكبيرات - عدا تكبيرة الإحرام - يُسمَّى: تكبير الانتقال، وهو واجبٌ عند الحنابلة([222])، وسُنَّةٌ عند غيرهم([223]).
والرفعُ من السجود كالهُوِيِّ إليه ليس من مواضع رفع اليدين، وأما حديث: «كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع»، فقد تقدم أن من أهل العلم من حكم عليه بأنه وَهْمٌ غير محفوظ، والمحفوظ: أنه كان يكبِّر مع كل خفض ورفع، واستحب بعضهم رفع اليدين أحيانًا مع كل خفض، ولا يداوم على ذلك؛ لأن أكثر من وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذا الرفع، بل صرَّحوا بعدمه، وقالوا: كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود([224])([225]).
* * *
ثم إذا رفع، استوى جالسًا من سجوده، فيفرش رجله اليسرى، ويقعُدُ عليها، وينصب رجله اليمنى ويستقبل بأصابعها القبلة، وربما نصب قدميه وقعد على عقبيه، كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند مسلم وغيره([226])، وهو غير الإقعاء الذي جاء النهي عنه([227])، بل صرَّح ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه السنة، فلو فُعِلَ هذا أحيانًا عملًا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، كان أولى، أما الإقعاء المنهي عنه، فهو أن يجلس على إليتيه، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض([228]).
وكان - صلى الله عليه وسلم - يضع يديه على فخذيه، ويجعلُ مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، وكان يطمئنُّ في هذه الجلسة، بل كان يطيلها حتى تكون قريبًا من سجدته، بل قد يمكث أحيانًا حتى يقول القائل: قد نَسِيَ([229])، كل هذا ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - .
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه ويحلِّق حلقة ثم يرفع إصبعه، يدعو بها ويحرِّكها»؛ هكذا قال وائل بن حجر عنه([230]).
وأما حديث أبي داود، عن عبد الله بن الزبير: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحرِّكها»([231]) -يعني: يرفعها فقط- فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث -حديث ابن الزبير- بطوله في صحيحه، عنه، ولم يذكر هذه الزيادة، بل قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قَعَدَ في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرَشَ قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه([232]).
وأيضًا: فليس في حديث أبي داود عنه: أن هذا كان في الصلاة.
وأيضًا: لو كان في الصلاة، لكان نافيًا، وحديث وائل بن حُجْر مثبت، وهو مقدَّم، وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه([233])»([234]).
على كل حال: العلماء اختلفوا في زيادة التحريك: فمنهم من يقول: إنها زيادةٌ من ثقةٍ مُثبِتٍ، وغيرُه نافٍ؛ والمثبِتُ مقدَّمٌ على النافي، ومنهم: من يحكم بأنها زيادةٌ غيرُ محفوظة.
هذه الجلسة للدعاء، وقد جاء فيها أدعيةٌ محفوظةٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله: «ربِّ اغفرْ لي، وارحمني، واجْبُرْني، واهدني، وعافني، وارزقني»([235])، وربما كرَّر: «ربِّ اغفرْ لي، ربِّ اغفِرْ لي»([236]).
فيجلس مفترشًا رجله اليسرى، مُقبِلًا بصدر اليمنى على القبلة، أي: يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، فيكون ظهرها إلى القبلة. وهذه الجلسة فيما بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وجاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أنه نصب رجليه، وقال: هي السنة»([237])، لكن السنة ليست محصورة في هذا؛ لما جاء في الأدلة الأخرى من الافتراش.
* * *
ثم يكبِّر ويسجد السجدة الثانية، ويصنع في هذه السجدة مثلَ ما صنَعَ في الأولى، ثم يرفع رأسه مكبِّرًا، وجاء الأمر بالتكبير في هذين الموضعين في حديث المسيءِ صلاتَهُ، وهيئةُ السجدة الثانية وأذكارها كالأولى.
لكن هل هي مثل طول الأولى أو أقصر منها؟ وهل كل سجود دون الذي قبله أو مثله؟
قبل الجواب عن هذا السؤال ينبغي أن نعلم أن قاعدة الصلاة: أن كل فعل من أفعالها هو دون الذي قبله؛ فالركعة الأولى أطول من الركعة الثانية، والثانية أطول من الثالثة، وهكذا، لكنْ هل التخفيف والتطويل إنما هو في القراءة كما نُصَّ على ذلك في بعض الأحاديث([238])، أو أن الركعة الثانية بكاملها أقصَرُ من الأولى، والثالثة أقصر من الثانية؟
وأقرب ما يكون في الجواب عن هذا السؤال: ما جاء في حديث صلاة الكُسُوفِ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - : «قام قيامًا طويلًا، ثم ركَعَ ركوعًا طويلًا، ثم رفَعَ، فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأوَّل، ثم ركَعَ ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأوَّل، ثم رفَعَ، فسجَدَ سجودًا طويلًا، ثم قام، فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركَعَ ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم سجَدَ وهو دون السجود الأول، ثم انصرَفَ»([239]).
ففي صلاة الكسوف أربعة قيامات، وأربعة ركوعات، وأربع سَجَدات؛ هذا المتفق عليه في الصحيحين -وإن جاء في صحيح مسلم ثلاثة ركوعات([240])، وأربعة([241])، وجاء في غيره خمسة([242])-، فقول عائشة -رضي الله عنها-: «وهو دون القيام الأول» يحتَمِلُ أن يكون المراد بالأول: الأوَّليَّة المطلَقة، وهو أول قيام، فيكون ما عداه من القيامات الثلاثة دون القيام الأول؛ وعليه لا يلزم أن يكون كل قيام دون الذي قبله، وكذلك الحال في الركوع والسجود. فإذا قرأ في قيام الأول البقرة، فليقرأ في الثاني آل عمران مثلًا، وفي الثالث النساء؛ لأن سورة النساء دون سورة البقرة؛ فيكون القيام الثالث دون القيام الأول، ويقرأ مثلًا في الرابع بالأعراف؛ فالقيام في الثلاث الركعات متقارِبٌ، لكنْ يفوقه القيام الأوَّل طُولًا.
لكنْ إذا قلنا: المراد بالأوَّل: الأوَّليَّةُ النسبيَّة، أي: أن كل ركوع أوَّلٌ بالنسبة للذي يليه، فالركوع الثاني أول بالنسبة للثالث، والركوع الثالث أول بالنسبة للرابع، وهكذا، فالصلاة صارت متدرِّجة.
وعلى هذا الاحتمال -وهو الأولية النسبية- إذا قرأ في الثاني آل عمران فيقرأ في القيام الثالث سورة يونس -مثلًا-، ثم في القيام الرابع يقرأ سورة يس مثلًا؛ لتكون الصلاة متدرِّجة، ويكون كل قيام دون الذي قبله.
فحديث صلاة الكسوف يقرِّب لنا الحال في الصلوات الأخرى؛ لأن بعض الناس يلاحَظ عليه إطالة آخر سجدة في الصلاة، ولاحظنا من الشيوخ الكبار الذين أدركناهم من يفعل ذلك؛ فهل نقول: إن هذا خلاف السنة؛ لأن الأصل أن السجدة الأخيرة دون التي قبلها، والتي قبلها دون التي قبلها، وهكذا، أو نقول: تتميز الركعة الأولى، فيكون ما عداها دونها؟ وكأنَّ مَلْحَظَ من يطيل السجدة الأخيرة: أنها آخِرُ سجدةٍ وقربٍ من الله؛ فتكون سجدةَ الوداع، ويستدرك فيها المصلي ما فاته وغفل عنه في السجدات السابقة، لكنَّ العبرةَ بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن العبادات توقيفية، فإذا لم يكن السجود الرابع أقل من الثالث، فأقل الأحوال أن يكون مثله.
إذا انتهى المصلِّي من السجدة الثانية، وأراد القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة، يكبِّر غير رافع يديه، ويجلس جلسة خفيفة؛ فقد جاء في الصحيح، عن أبي قلابة؛ أنه قال: جاءنا مالك بن الحُوَيْرِث في مسجدنا هذا، فقال: «إني لأصلِّي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي»، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل شيخنا هذا -يعني: عمرو بن سَلِمَةَ الجَرْمي-، قال: وكان شيخًا، يجلس إذا رفع رأسه من السجود، قبل أن ينهض في الركعة الأولى([243]).
وفي رواية: «وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية، جَلَسَ واعتمَدَ على الأرض، ثم قام»([244]).
وفي رواية عنه -أي: عن مالك بن الحويرث- أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعدًا([245])، وقوله: «في وتر من صلاته»، أي: في الركعة الأولى أو الثالثة.
وهذه الجلسة يسمِّيها الفقهاء: جلسةَ الاستراحة([246])، ولا خلاف بينهم في ثبوتها، لكنهم اختلفوا في حكمها.
فذهب الشافعي، وأحمد في رواية عنه، وطائفة من أصحاب الحديث: إلى استحبابها([247]).
وذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة في المشهور عندهم: إلى عدم الاستحباب، وعلَّلوا بأن هذه الجلسة إنما حُفِظَتْ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته لمَّا ثَقُلَ، ولذا لم يذكرها كل من وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا مالك بن الحويرث، فحملوا الحديث على الحاجة، وبسبب هذا الملحظ سمَّاها بعضهم جلسة الاستراحة([248]).
وإذا كان هذا بالنسبة للإمام، فالمأموم كذلك؛ لأنه يقتدي بالإمام؛ لحديث: «إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به؛ فلا تختلفوا عليه»([249]).
وقالوا: إن مما يدل على عدم استحبابها: أنه لم يُشرَع فيها ذِكْر، ولا يخلو فعل من أفعال الصلاة من ذكر مشروع، وهذا يدل على أنها ليست مشروعة([250])، وقد أطال ابن القيم -رحمه الله- في تقرير ذلك، وتوصَّل إلى أنها إنما تُفعَلُ عند الحاجة([251]).
لكن يُجاب عن هذا بما يلي:
أولًا: بالنسبة لتسميتها جلسة الاستراحة، وأنها تُفعَلُ عند الحاجة إليها، أقول: هذا لا يطَّرد؛ فقد تكون الحاجة إلى تركها، وهذا شيء مجرَّب، فكبار السن والمصابون بالروماتيزم([252]) ونحوهم يصعب عليهم الجلوس عقب السجود ثم القيام، والأيسر لهم أن ينهضوا إلى القيام مباشرة.
ثانيًا: كون جلسة الاستراحة لم تُنقَلْ إلا من طريق مالك بن الحويرث غيرُ مسلَّم؛ فقد بيَّن ابن القيم وابن حجر أنها جاءت في بعض طرق حديث أبي حُمَيْد الذي وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بحضرة عشرة من الصحابة([253])، وكذلك نصَّ ابن حجر في التلخيص على أنها جاءت في بعض طرق حديث المسيء([254]).
ثالثًا: هي جلسة خفيفة؛ ولهذا لا يُشرع فيها ذكر، وعدم مشروعية الذكر فيها لا يعني عدم مشروعيتها؛ لأن العبرةَ بالدليل.
وكذلك المأموم الذي يقتدي بمن لا يرى مشروعيتها له أن يفعلها، ولا يتم الاحتجاج بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه»([255])؛ حيث إنه إذا ترك الإمام أمرًا مشروعًا لا يُقتدى به، فلا يُقتدى بالحنفي لو كان لا يرفع يديه عند الركوع، أو عند الرفع منه، أو كان حنبليًّا لا يرفع يديه بعد القيام من الركعتين؛ فالإمام إنما يُتابَعُ فيما وافق الشرع، وهنا لو ترك جلسة الاستراحة، وقلنا باستحبابها، فيكون قد ترك مستحَبًّا؛ فيأتي به المأموم.
قد يقول قائل: هذا فعل زائد يترتَّب عليه التأخَّر عن الإمام، وتفوته القراءة، فيُجاب: بأنه لا يترتَّب عليه شيء، وهذا مجرَّب؛ فكم مِن الناس مَن يفعلها ولا يفوته شيء، وإن فاته، فيفوته بمقدار آية، أي: بمقدار أن يقول الإمام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وهنا سؤال: إذا جلس الإمام للاستراحة، فمتى يكبِّر؛ إذْ لو كبَّر مع رفع رأسه، فسيسبقه بعض المأمومين؟
والجواب: أن الأصل في التكبير أنه للانتقال، والانتقال يكون من حين يرفع المصلي رأسه من السجود إلى أن يستتم قائمًا؛ ففي مثل هذه الصورة يكون تكبيره أثناء قيامه؛ لأن هذا هو الانتقال إلى الركن الذي يليه؛ إذْ لو كبَّر قبل ذلك، فسينهض قبله المأمومون الذين لا يجلسون هذه الجلسة.
أما تسمية هذه الجلسة بجلسة الاستراحة، فغير ظاهرة؛ فكون الفقهاء سمَّوها جلسة استراحة، وليس في النصوص ما يدل على هذه التسمية، إنما دفعهم لذلك تصوُّرُهم أن فيها استراحة، وأنه إنما يفعلها من يحتاج إليها ليرتاح ويسهل عليه الانتقال إلى القيام، والصواب: أنها ليست كذلك، فهي جلسة خفيفة، ليست طويلة بحيث يرتاح فيها المصلي، والظاهر أن الأسهل للمصلي إذا أراد القيام من السجود أن يقوم مباشرة، لا أن يجلس ثم يقوم؛ ولهذا كان القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها لكونه ثَقُلَ، أو أنه يجوز فعلها لحاجة، غيرَ ظاهر؛ إذ الأيسر لمن كانت حاله هكذا -بأن كان يعاني ثقلًا في بدنه، أو ألمًا في ركبتيه- أن ينهض مباشرة، لا أن يجلس ثم يقوم؛ لأن جلوسه زيادة عبء، فالرِّجْلُ في السجود لا تكون منثنية تمامًا؛ ولذا يكون النهوض مباشرة أسهل، وهذا بخلاف أن تكون منثنية في الجلوس ثم تفرد عند القيام.
الخلاف في كيفية النهوض كالخلاف في كيفية الهُوِيِّ للسجود؛ فالذي يقول بتقديم اليدين على الركبتين يقول برفع الركبتين قبل اليدين، والذي يقول بتقديم الركبتين على اليدين يقول برفع اليدين قبل الركبتين، فالخلاف هنا فرع عن الخلاف السابق.
والذي ثبَتَ في البخاري هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية، جلس واعتمد على الأرض، ثم قام([256])، والمتبادِرُ من الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض معتمِدًا على يديه بأن يضعها على الأرض وينهض؛ لأن الاعتماد إنما يكون بما يحصل به الدفع الذي هو وسيلة الانتقال، والدفع إنما يكون باليدين، وإن كان كل ما يسندك فأنت معتمد عليه، فلو أسندت ظهرك إلى الجدار، صرْتَ معتمدًا عليه، ولو جعلت ركبتيك على الأرض، وأنت جالس، كنت معتمدًا على ركبتيك، لكنَّ الذي يظهر في النهوض: أن الاعتماد يكون على اليدين.
وأما حديث: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم كهيئة العاجن»، وفي بعض الألفاظ: «العاجز»، فهذا الحديث رواه أبو إسحاق الحَرْبي([257])، ومعناه عند البيهقي([258]) بسند قوَّاه وأثبته واعتمد عليه بعضهم، والأكثر على عدم ثبوته([259])، والظاهر أنه إذا قام على يديه على القول بتقديم اليدين على الركبتين في السجود، سواءٌ جمعهما كالعاجن، أو بسطهما للاعتماد عليهما، فلا فرق اللهم، إلا إن صحَّت رواية الحربي.
* * *
ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، إلا أنها أقصر منها، فإذا فرغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية، جلس للتشهد، فإن كانت الصلاة ثنائية، جلس مفترِشًا كما يجلس بين السجدتين، ومثله التشهد الأول من الثلاثية والرباعية؛ ففي حديث عائشة -رضي الله عنها-: «وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى»([260]).
يقول ابن القيم -رحمه الله-: «فإذا جلَسَ للتشهد، وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة، وكان لا ينصبها نصبًا ولا يُنِيمها، بل يَحْنِيها شيئًا ويحرِّكها شيئًا، كما تقدم في حديث وائل بن حجر يحرِّكها يدعو بها، وكان يقبض إصبعين، هما: الخنصر والبنصر، ويحلِّق حلقة بالوسطى مع الإبهام، ويرفع السبابة يدعو بها، ويرمي ببصره إليها، ويبسط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى ويتحامل عليها»([261]).
وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو بإصبعيه اليمنى واليسرى، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : «أَحِّدْ أَحِّدْ»، وأشار بالسبَّابة([262])، يعني: أَشِرْ بواحدة؛ لأنها إشارة إلى الوحدانية؛ ولذا ترفعها في التشهد عند قولك: «أشهد أن لا إله إلا الله»، والحديث رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم وابن أبي شيبة، وسنده لا بأس به.
ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قام عن هذا التشهد الأول نسيانًا، وجبره بسجود السهو، كما في حديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ في الصحيحين: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناسُ تسليمَه، كبَّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلِّم، ثم سلَّم»([263])، فعلى وجوب التشهد الأول تدل مداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وعلى كونه ليس بركن يدل قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه مع عدم رجوعه إليه، ولو كان ركنًا، لرجع إليه، فالركن لا بد من وجوده، ولا يصح جبره بسجود السهو، وكذلك لو كان سنة، لما احتيج في تركه إلى سجود السهو؛ فدلَّ هذا على وجوبه([264]).
ورد التشهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ متعدِّدة، وهي:
1- تشهُّد ابن مسعود -رضي الله عنه-؛ وهو في الصحيحين وغيرهما([265]).
2- تشهّد ابن عباس -رضي الله عنهما-، رواه مسلم([266]).
3- تشهد أبي موسى -رضي الله عنه-، رواه مسلم([267]).
4- تشهد ابن عمر -رضي الله عنهما-، رواه أبو داود([268]).
5- تشهد عمر -رضي الله عنه-، رواه مالك، والبيهقي([269]).
6- تشهد عائشة -رضي الله عنها-، رواه مالك، والبيهقي([270]).
وكل واحد من الأئمة رجَّح تشهدًا منها، ولا شك أن أقوى هذه الصيغ من حيثُ الثبوتُ هو تشهد ابن مسعود، وهو ما اختاره الإمام أحمد([271])، وهو التشهد الذي يحفظه عامة الناس في هذه البلاد.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الاختلاف بين هذه الصيغ اختلافُ تنوُّع، وليس اختلاف تضادٍّ، وعلى هذا: يراوَحُ بينها؛ فمرة يتشهد المصلي بتشهد ابن مسعود، ومرة بتشهد ابن عباس، ومرة بتشهد ابن عمر، ومرة بتشهد أبي موسى -رضي الله عنهم-، وهكذا. كما قيل في دعاء الاستفتاح؛ لأن دعاء الاستفتاح ورد على صيغ متعدِّدة، فاختلف أهل العلم في التفضيل بينها، وذهب آخرون إلى أن اختلافها اختلاف تنوُّع، فيُؤتى بصيغة أحيانًا، وبأخرى أحيانًا، ويُؤتى بصيغة في نافلة، وبأخرى في فريضة، وبغيرهما في قيام الليل، وهذا الفعل يجعل المسلم يحفظُ ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُحضِرُ قلبه حينما يقرأ دعاء الاستفتاح أو التشهد؛ لأنه حين يستمر على دعاء بعينه يصير له عادة، فلا يحضر قلبه في كثير من الأحيان؛ فالإنسان إذا اعتاد شيئًا، أتى به دون استحضار قلب، وكذلك في التشهد، لكنْ إذا كان يراوِحُ بين الأذكار، فإنه في الغالب يحضر قلبه، ويستشعر معنى ما يقول.
اختلف أهل العلم فيما إذا أتى المصلي بالتشهد الأول؛ هل يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو لا يصلي عليه؟
فمنهم: من رأى استحباب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع([272]).
ومنهم: من رأى أن التشهد الأول مبناه على التخفيف([273])؛ واستدل بما رواه أبو عُبَيْدة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرَّضْفِ([274])، وهي: الحجارة المُحْمَاة([275])، يعني: كان يخفِّف هذا التشهد بقدر الإمكان، والحديث في ثبوته كلام لأهل العلم([276])، فإذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول لاسيما إذا كان مأمومًا، وأطال الإمام، فلا بأس؛ فالأمر فيه سَعَة.
إذا انتهى المصلي من التشهد الأول، نهَضَ مكبِّرًا رافعًا يديه، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند البخاري([277])، أي: أن الرفع مقارِنٌ للتكبير والتكبيرُ مقارن للانتقال، هذا هو الأصل؛ لأن الرفع للدلالة على التكبير، والتكبير للدلالة على الانتقال، فتكون الثلاثة مقترنة، ويذكر بعضهم أن حكمة مشروعية رفع اليدين أن يعرف الأصمُّ انتقال الإمام([278])، ويختار بعض أهل العلم: أن يرفع المصلي يديه وهو جالس قبل أن ينتقل، لكنْ إذا عرفنا أن الرفع في تكبيرات الانتقال مثل الرفع في تكبيرة الإحرام من حيث المقارَنةُ، فيكون الرفع مقارنًا لتكبيرة الانتقال كذلك.
ورفع اليدين في هذا الموضع: هو مذهب الشافعية([279])، وذهب الحنابلة: إلى عدم الرفع([280])، وبعضهم: يَعْتِبُ عليهم عدم القول بهذه السنة رغم ثبوت حديثها في البخاري، وقد يظن بعضهم أن هذا الحديث خَفِيَ على الإمام أحمد، وليس كذلك، والسبب في عدم قول الإمام أحمد بموجبه: هو أنه كان يرجِّح وقف الحديث على ابن عمر -رضي الله عنهما-، خلافًا للبخاري([281])، ولا يمكن أن نجعل البخاري حجة على أحمد؛ فكلاهما إمامان مجتهدان مأجوران على كل حال، لكنْ مَنْ عرف مثل هذا النص في كتاب اشترطت صحته، وتلقَّته الأمة بالقبول، فلا مندوحة له عن العمل به، ولو صحَّح الإمام أحمد خلاف ذلك، حتى لو صحَّح الإمام البخاري نفسه خارج الصحيح عدم الرفع، لَمَا اعتبرنا قوله؛ لأن الاتفاق على تقديم صحيحه على غيره ليس بسبب قوَّة أسانيده فقطْ، وإنما لكون الأمة تلقته بالقبول، والإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: «وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر»([282])؛ ولهذا: فمن يسمع هذا الحديث، ويعلم أنه في صحيح البخاري، فلا مندوحة له عن العمل به، إلا إذا كان مقلِّدًا فالواجب عليه سؤال أهل العلم، كما قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل:43، الأنبياء:7]، فلا يُكلَّفُ البحثَ في الكتب، والنظَرَ في الراجح والمرجوح؛ فهذا مما لا يطيقه، ولو صحَّ منه، لما وجد عوامُّ قطُّ، ولكان الناس جميعًا علماء أو طلاب علم؛ وعليه: فإن العامي الذي يقلِّد الإمام أحمد، تبرأ ذمته بذلك، ولا يلزمه تقليد غيره، لكنْ لو قيل له من باب المشورة: إن الإمام البخاري خرَّج الحديث فهو أيضًا من مواضع الرفع، فلو رفعت لكان أحوط لك، فلا بأس، فإن أجابك بأن الإمام لم يترجَّح هذا عنده، فلا نلزمه بقول إمام آخر.
وبعد أن يقوم المصلي للركعة الثالثة والرابعة يصليهما كما صلى الأولى والثانية، إلا في القراءة؛ فيقتصر فيهما على سورة الفاتحة، وقد جاء ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد على الفاتحة في صلاتي الظهر والعصر في الركعة الثالثة والرابعة([283]).
وعند قيامه للرابعة يكبِّر غير رافع يديه، ويجلس الجلسة التي يسمونها جلسة الاستراحة؛ لحديث مالك بن الحويرث السابق.
بعد أن ينتهي المصلي من الركعة الثالثة في الثلاثية، أو الرابعة في الرباعية؛ يجلس للتشهد الأخير، وهو ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، ويُستحبُّ أن يتورَّك بأن يُدخِلَ رجله اليسرى تحت ساقه اليمنى، وينصب اليمنى، ويجلس على مقعدته، والتورُّك ثابت في الصحيحين وغيرهما([284])؛ فالمصلي يفترش في التشهد الأول، ويتورَّك في الثاني؛ وبهذا قال الإمام الشافعي، والإمام أحمد -رحمهما الله-([285]).
وذهب الإمام أبو حنيفة: إلى القول بالافتراش في التشهدين، ولم يرَ التورك([286]).
وذهب الإمام مالك: إلى القول بالتورُّك في التشهدين، ولم يرَ الافتراش فيهما([287])، واستحباب التورك في التشهد الأخير فقط هو الراجح، وهو الذي دلَّت عليه النصوص.
لكنْ بين مذهب الشافعي ومذهب أحمد اتفاق وافتراق؛ فالشافعي -رحمه الله- يذهب إلى استحباب التورُّك في كل تشهد يعقبه سلام، وأما التشهد الذي لا يعقبه سلام، فلا يستحب التورُّك فيه، وهذا بخلاف مذهب أحمد الذي يستحب التورُّك في التشهد الأخير في الصلاة ذات التشهدين فقطْ، دون اعتبار كون السلام يعقب التشهد أو لا؛ ولهذا يستحب الشافعي التورك في تشهد صلاة الفجر خلافًا لأحمد، ولو كان المصلي سيسجد للسهو في الرباعية مثلًا لم يتورَّك عند الشافعي؛ لأن التشهد لا يعقبه سلام، خلافًا لأحمد، فالمذهبان يتفقان في استحباب التورُّك في التشهد الثاني، ويفترقان في كون الشافعية يستحبونه في التشهد الذي يعقُبُهُ سلام، والحنابلة يستحبونه في الصلاة ذات التشهدين.
وعند الجلوس يأتي المصلي بالتشهد كما سبق بيانه، ثم بعد ذلك يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصيغة الواردة: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» جاءت بعض الروايات بهذا([288])، وبعضها اقتُصِرَ فيها على الآل: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم»([289])، وإبراهيم يدخل ضمن الآل؛ فالشخص يدخل في آلِهِ دخولًا أوليًّا، كما في قوله -جلا وعلا-: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر:46]؛ فليس المعنى: أن آل فرعون يدخلون أشد العذاب، دون فرعون! وكذلك النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - داخل في آل إبراهيم.
فلا يقال: إن الأصل أن يكون المشبَّه وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - أضعَفَ من والمشبَّه به وهو إبراهيم وآل إبراهيم.
هذه الصيغة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع هي الواردة، وهي التي لا يجوز التغيير فيها؛ لأننا متعبَّدون بها؛ فلا تجوز الزيادة عليها؛ فلا تقول مثلا: «اللهم صلِّ على سيدنا محمد»، أو تزيد الصحب؛ فتقول: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وصحبه»، لكنْ خارج الصلاة يجوز النقصان والزيادة؛ فتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - دون آله، أو تضيف الصحب؛ لأن الله -سبحانه- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56]، وامتثال هذا الأمر يتم بأي فرد من أفراد الصلاة، فيتم مثلًا بقولنا: «صلى الله عليه وسلم».
أما الاحتجاج بحديث كعب بن عُجْرة -رضي الله عنه-: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلِّم عليك؛ فكيف نصلِّي عليك؟ قال: «فقولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»([290]).
فيجاب: بأن هذا الحديث نص على بعض أفراد العام؛ فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لها صيغ متعدِّدة، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على بعض الصيغ، لا يعني لزومها؛ فتفسير العام ببعض أفراده لا يقتضي التخصيص، وإلا للزمنا أنه كلما ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي عليه الصلاة الواردة في التشهد كاملة، وليس الأمر كذلك، ونظير هذا تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - القوَّة بالرَّمْي في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:60]، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «ألَا إنَّ القوَّة الرَّمْي»([291])، فليس معنى هذا: أننا لا نستعد للعدو إلا بالرمي، ونترك الوسائل الأخرى، وإنما هو تفسير للعام ببعض أفراده؛ فلا يقتضي التخصيص.
والآل لهم حقٌّ عظيمٌ على الأمة؛ فهم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحق الصحب عظيم كذلك، كحقِّ الآل؛ فهم الذين حفظ الله بهم الدين، وهم الذين نشروه؛ فبواسطتهم وصل إلينا، فإذا صلينا على النبي - صلى الله عليه وسلم - خارج الصلاة، فلنا أن نعطف الآل والصحب، رغم أن أصل امتثال الآية يتم بدونهما، لكنْ لِمَا لهما من الحقِّ نصلِّي عليهما جميعًا، ولا ينبغي -خارجَ الصلاة- أن نقتصِرَ على الآل؛ لأن هذا صار شعارًا لطائفة من المبتدعة، كما أنا لا نقتصر على الصحب؛ لأنه صار شعارًا لمبتدِعةٍ آخرين، بل نجمع بينهما؛ وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة: تولِّي مَن تولَّاه الله -جلا وعلا- من خيار هذه الأمة من آل النبي - صلى الله عليه وسلم - المتَّبِعين له الطيبين الطاهرين، ومِن صحابتِهِ الكرامِ الغُرِّ الميامين.
ثم بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ المصلي بالله من أربع، كما ورد في السنة؛ فقد جاء من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا فرَغَ أحدُكم من التشهد الآخر، فليتعوَّذْ بالله من أربع: من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال»([292]).
والجمهورُ على أن هذه الاستعاذة سنة([293])، وأما طاووس بن كَيسان، فيُوجِبها، وأمر ابنه بإعادة الصلاة؛ لمَّا ترك هذه الاستعاذة؛ كما في صحيح مسلم([294])، وأوجبها بعض أهل العلم([295])؛ لأن اللام في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فليتعوَّذْ» لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، والصواب أنها سنة مؤكدة، ينبغي المحافظة والمداومة عليها.
ثم بعد ذلك يتخيَّر من المسألة ما شاء من أمور الدين والدنيا، وعلَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يقول: «اللهم إني ظَلَمْتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم»([296]).
وهل يقول المصلِّي ما ورد في حديث معاذ -رضي الله عنه-؛ حيث قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «يا معاذُ إني أحبك؛ فلا تَدَعْ أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْنِ عبادتك»([297]) في هذا الموضع، أو يقولُ هذا الذكر بعد السلام؟ ومثله الأذكار التي تقال أدبار الصلوات؛ كالتسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، والختم بلا إله إلا الله([298])، إلخ، ذلك أن لفظ: «دُبُرَ» في الحديث يشمل ما كان متصلًا بالشيء؛ كدُبُرِ الدَّابَّة، وما كان منْفصِلًا، فيحتمل الوجهين؛ ولهذا إن أطال الإمام، فلا بأس أن يقول المصلي: «اللهمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادتك»، وإن أخَّره إلى ما بعد السلام، فلا بأس أيضًا، والمسألة فيها سَعَةٌ، أما القاعدة التي قعَّدها شيخ الإسلام، وهي أن الأدعية محلُّها داخل الصلاة، والأذكار خارجها([299])، فمنتقَضةٌ؛ لأن الصلاة مملوءة بالأذكار، كما أن هناك أدعية بعد السلام، فمما حُفِظَ عنه - صلى الله عليه وسلم - بعد انصرافه من صلاته: «رَبِّ قِنِي عذابَك، يوم تبعث عبادك»([300]).
* * *
ثم بعد ذلك: التسليمُ الذي هو تحليلُ الصلاة، وهو ركنٌ مِن أركانها عند جمهور أهل العلم([301])، خلافًا لأبي حنيفة([302])، فيسلِّم المصلي عن يمينه قائلًا: «السلام عليكم ورحمة الله»، حتى يُرَى بياض خَدِّه الأيمن، كما كان يفعل - صلى الله عليه وسلم - ([303])، ثم يسلِّم عن يساره قائلًا: «السلام عليكم ورحمة الله»، حتى يُرَى بياض خَدِّه الأيسر.
وأما زيادة: «وبركاته» في التسليمة الأولى، فرواها أبو داود([304])، وصحَّحها بعضهم([305])، وحكم آخرون بشذوذها، بل نكارتها، وأنها لا تثبُتُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ([306])، وبعضهم يجيز فعلها أحيانًا عملًا بهذه الرواية([307]).
* * *
هذا ما تيسَّر ذكره، ومسائل الصلاة كثيرة، والحاجة إلى بسطها داعية لعموم طلاب العلم وعامة المسلمين؛ لأن كل مسلم مطالَبٌ بأن يصلي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «صلُّوا كما رأيتموني أصلي»([308]).
والله أعلم، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
([1]) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (21).
([2]) أخرجها مسلم (22).
([3]) أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
([4]) أخرجه مسلم (82)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
([5]) أخرجه الترمذي (2621)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، والنسائي (462)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22937)، من حديث بريدة -رضي الله عنه-، وصحَّحه ابن حبان (1454)، والحاكم (11)، وقال: «صحيح الإسناد، لا تعرف له علة بوجه من الوجوه».
([6]) أخرجه الترمذي (2622)، وصحَّح إسناده النووي في خلاصة الأحكام (660).
([7]) ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/249)، المبدع في شرح المقنع (7/ 480)، مجموع الفتاوى (7/302).
([8]) ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (2/43)، فتوى رقم (5703).
([9]) أخرجه البخاري (631)، من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-.
([10]) والتمييز لا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام. ينظر: الإنصاف (1/281).
([11]) أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([12]) أخرجه مسلم (224)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
([13]) أخرجه أبو داود (650)، وأحمد (11877)، وصحَّحه ابن خزيمة (1017)، وابن حبان (2185)، والحاكم (486).
([14]) أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516)، من حديث أبي هريرة ◙.
([15]) أخرجه أبو داود (626)، من حديث أبي هريرة ◙.
([16]) ينظر: تحفة المحتاج 2/112.
([17]) ينظر: تبيين الحقائق 1/96.
([18]) قال شيخ الإسلام: «قد ثبت بالنصِّ والإجماع: أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها، إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجتْ؛ وحينئذ: فتصلِّي في بيتها وإن رُئِيَ وجهُها، ويداها، وقدماها، كما كُنَّ يمشين أوَّلا قَبْلَ الأمر بإدناء الجلابيب عليهن؛ فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر؛ لا طردًا ولا عكسًا». مجموع الفتاوى 22/115.
([19]) ينظر: المغني 1/317، 318، المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص: 116).
([20]) أخرجه الترمذي (344)، وقال: «حديث حسن صحيح»، والنسائي (2243)، وابن ماجه (1011)، من حديث أبي هريرة ◙.
([21]) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
([22]) أخرجه البخاري (1117).
([23]) أخرجه أحمد بهذا اللفظ (13236)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال ابن حجر في الفتح (2/585): «رجاله ثقات»، وفي البخاري (1115)، عن عمران بن حصين مرفوعًا: «ومن صلى قاعدًا، فله نصف أجر القائم»، وقال ابن قدامة في المغني (2/105): «لا نعلم خلافًا في إباحة التطوُّع جالسًا، وأنه في القيام أفضل».
([24]) سبق تخريجه (ص: 8).
([25]) ينظر: نفائس الأصول (5/2131)، وإرشاد الفحول (1/332).
([26]) إشارة إلى الأثر المروي عن سفيان الثوري: «يُكتَب للرجل من صلاته ما عَقَلَ منها». أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/61)، ويدل له حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عُشْرُ صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها». أخرجه أبو داود (796)، وأحمد (18894)، وصححه ابن حبان (1889)، وغيره. ونسب ابن تيمية قوله: «ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها» لابن عباس -رضي الله عنهما-، كما في مجموع الفتاوى في مواطن كثيرة، منها: (7/31)، (22/612)، وكذا ابن القيم في المدارج (1/132، 521).
([27]) ومما يدل على هذا: ما رواه أحد الصحابة أنه سمع النبي ﷺ يقول: «يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها». أخرجه أبو داود (4985) بإسناد صحيح، كما قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (1/63).
([28]) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (2/67)، فقال: «باب يُفْكِرُ الرجلُ الشيءَ في الصلاة، وقال عمر -رضي الله عنه-: إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة». ونقل الحافظ في الفتح (3/90): «قال ابن التِّين: إنما هذا فيما يقل فيه التفكُّر، كأن يقول: أجهِّز فلانًا، أقدِّم فلانًا، أُخْرِجُ من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة، فأما أن يتابع التفكُّر ويكثر حتى لا يدري كم صلى، فهذا اللاهي في صلاته؛ فيجب عليه الإعادة».
([29]) أخرج البخاري (735)، عن ابن عمر ¶: «أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة»، و(828)، عن أبي حُميد الساعدي-رضي الله عنه- ، أنه قال: «رأيته إذا كبَّر، جعل يديه حذاء منكبيه...».
([30]) أخرجه البخاري (6251)، ومسلم (397)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([31]) ينظر: الفواكه الدواني (1/176)، المجموع (3/289)، الكافي في فقه الإمام أحمد (1/242).
([32]) ينظر: البحر الرائق (1/307).
([33]) ينظر: البناية شرح الهداية (2/138).
([34]) ينظر: البحر الرائق (1/307)، الشرح الكبير للشيخ الدردير (1/236)، المجموع شرح المهذب (3/286)، الكافي في فقه الإمام أحمد (1/242).
([35]) زاد المعاد (1/201).
([36]) ينظر: المجموع (3/277)، مجموع الفتاوى (18/262)، زاد المعاد (1/201).
([37]) تقدم تخريجه (ص: 7).
([38]) ينظر: مطالب أولي النهى (1/394).
([39]) ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (5/41).
([40]) أخرجه البخاري (157)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([41]) أخرجه البخاري (158)، من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-.
([42]) أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226)، من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه.
([43]) يدل لهذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله ﷺ قال: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله، ولينته». أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).
([44]) ينظر: العين (3/14)، وتهذيب اللغة (3/257).
([45]) إشارة إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله ﷺ قال: «إذا نودي للصلاة، أدبَرَ الشيطان، وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداءُ أقبَلَ، حتى إذا ثُوِّب بالصلاة، أدبر، حتى إذا قضي التثويب، أقبل، حتى يخْطُرَ بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذْكُرُ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى». أخرجه البخاري (608)، ومسلم (398).
([46]) إشارة إلى حديث أبي حميد السابق، وجاء في رواية أخرجها ابن ماجه (803)، بلفظ: «كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبر»، قال ابن عساكر في معجمه (2/943): «هذا حديث حسن صحيح».
([47]) ينظر: المبسوط للسرخسي (1/35)، الهداية في شرح بداية المبتدي (1/48).
([48]) قال ابن المنذر في الإجماع (ص: 29): «وأجمعوا على أن النبي ﷺ كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة».
([49]) ينظر: الاستذكار (1/409)، فتح الباري (2/220).
([50]) ينظر: فتح الباري (2/220).
([51]) أخرجه البخاري (739)، وكذلك في حديث أبي حميد الساعدي، ووافقه جمع من الصحابة عليه، أخرجه أبو داود (730)، والترمذي (304)، أحمد (23599)، وغيرهم، وفيه: «حتى إذا قام من السجدتَين، كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه».
([52]) ينظر: سنن أبي داود (1/197).
([53]) تقدم تخريج حديث أبي حميد (ص: 12)، أما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، فلفظه: «رأيت رسول الله ﷺ إذا قام في الصلاة، رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود». أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390).
([54]) ينظر: تهذيب اللغة (10/158).
([55]) أخرجه مسلم (401).
([56]) أخرجه أحمد (18702).
([57]) أخرجه مسلم (391)، من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-.
([58]) ولفظه: «أنه أبصر النبي ﷺ حين قام إلى الصلاة رَفَعَ يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه، ثم كبر». أخرجه أبو داود (724).
([59]) تقدم تخريجه (ص: 19)، وجاء أيضًا ما يدل على أن التكبير قبل الرفع؛ ففي مسلم (391) عن مالك بن الحويرث: «كان إذا صلى، كبر، ثم رفع يديه»، وحدَّث: «أن رسول الله ﷺ كان يفعل هكذا».
وجاء ما يدل على أن التكبير يكون بعد الرفع؛ ففي مسلم (390) أن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قام للصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر»، ويقال فيها مثلما قيل في الاختلاف في مبلغ اليدين من المَنْكب والأُذُن: إما الجمع، أو حملها على أنها سنن متعددة.
([60]) صحيح ابن خزيمة (489)، وأصله في مسلم (401): «أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى».
([61]) ينظر: التلخيص الحبير (1/549).
([62]) أخرجه أبو داود (756).
([63]) ينظر: التلخيص الحبير (1/650).
([64]) ينظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/549).
([65]) إشارة إلى حديث عائشة ▲، قالت: سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». أخرجه البخاري (751).
([66]) أخرجه البخاري (744)، ومسلم (598).
([67]) أخرجه أبو داود (90)، واللفظ له، والترمذي (357) وحسَّنه، وابن ماجه (923)، من حديث ثوبان -رضي الله عنه-، وأحمد (22241)، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.
([68]) إشارة إلى ما أخرجه أبو داود (850)، والترمذي (284)، والنسائي (1131)، وابن ماجه (898)، وأحمد (2895)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([69]) ينظر: مجموع الفتاوى (23/118)، وبمثله قال العراقي في طرح التثريب (2/137).
([70]) ينظر: الأجوبة المرْضِيَّة فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (3/1048).
([71]) أخرجه أبو داود (776)، والترمذي (243)، والنسائي (1131)، وابن ماجه (806)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وجاء عند أحمد (11473)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
([72]) صحيح مسلم (399).
([73]) ينظر: زاد المعاد (1/198-199).
([74]) أخرجه مسلم (770)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([75]) الكافي (1/244)، وينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق (2/510).
([76]) أخرجه أبو داود (775)، والترمذي (242)، وأحمد (11473)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
([77]) قال الترمذي: «وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث». سنن الترمذي (1/ 324)
([78]) وقد صححه ابن خزيمة (467)، وابن حبان (1779).
([79]) إشارة إلى حديث عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «كان رسول الله ﷺ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين». أخرجه مسلم (498).
([80]) ينظر: البيان والتحصيل (1/365)، الذخيرة (2/177)، منح الجليل (1/256).
([81]) أخرجه مسلم (399)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
([82]) ينظر: فتح الباري (2/228).
([83]) ألفية العراقي (202).
([84]) ينظر: شرح النووي على مسلم (4/111).
([85]) أخرجه مسلم (395)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([86]) ينظر: طرح التثريب (4/189)، عمدة القاري (1/12).
([87]) ينظر: مجموع الفتاوى (22/276).
([88]) أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).
([89]) هذا الصحيح من مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد. ينظر: المجموع شرح المهذب (3/364)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/248)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/228).
([90]) إشارة إلى حديث جابر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: «من كان له إمام، فإن قراءة الإمام له قراءة». أخرجه ابن ماجه (850)، وأحمد (14643)، وضعَّفه الحافظ في التلخيص (1/569).
([91]) ينظر: العناية شرح الهداية (1/338)، البناية شرح الهداية (2/313)، وهو كذلك مذهب المالكية، ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي (1/269)، والشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (1/237)، والمذهب عند الحنابلة تسن قراءتها في السرية، ينظر: كشاف القناع عن متن الإقناع (1/463)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/228).
([92]) هي رواية عن الإمام أحمد. ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/228).
([93]) أخرجه مسلم (404)، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
([94]) ينظر: نيل الأوطار (2/250).
([95]) ينظر: القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 37)، نيل الأوطار (2/253)، الروضة الندية (1/126).
([96]) إشارة إلى حديث عن أبي بكرة -رضي الله عنه-، أنه انتهى إلى النبي ﷺ وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فقال: «زادك الله حرصًا ولا تَعُدْ». أخرجه البخاري (783).
([97]) ينظر: روضة الطالبين (1/242).
([98]) أخرجه البخاري (5046).
([99]) ولفظه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: ترَكَ الناس التأمين، وكان رسول الله ﷺ إذا قال: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: آمين، حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتجُّ بها المسجد. أخرجه أبو داود (934)، وابن ماجه (853)، والدارقطني (1/335)، وصحَّحه ابن خزيمة (571)، وابن حبان (1806)، والحاكم (812).
([100]) ولفظه عن وائل بن حُجْر: كان رسول الله ﷺ إذا قرأ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾، قال: «آمين»، ورفع بها صوته. أخرجه أبو داود (932)، والترمذي (248) وحسَّنه، والنسائي (879)، وابن ماجه (855)، وصححه الحاكم (2913).
([101]) أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).
([102]) أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه.
([103]) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
([104]) ينظر: نيل الأوطار (3/167).
([105]) تقدم تخريجه (ص: 32).
([106]) أخرجه مسلم (404)، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
([107]) ينظر: جامع العلوم والحكم (3/1157).
([108]) أخرجه البخاري (744)، ومسلم (598).
([109]) ينظر: زاد المعاد (1/208).
([110]) السابق.
([111]) أخرج أبو داود (778)، والترمذي (251) وحسَّنه، وابن ماجه (845)، وأحمد (20228)، وصحَّحه ابن خزيمة (1578)، وابن حبان (1807)، والحاكم (780).
([112]) أخرجها أبو داود (777)، وأحمد (20245).
([113]) ينظر: تدريب الراوي (1/201).
([114]) صحيح البخاري (7/85).
([115]) لأن الحسن -رحمه الله- راوي هذا الحديث عن سَمُرة معروف بالإرسال، والتدليس. ينظر: طبقات المدلسين (ص: 29).
([116]) أخرجه أبو داود (861)، والترمذي (302)، وقال: «حديث حسن»، وصححه ابن خزيمة (545).
([117]) أخرجه البخاري (788)، ومسلم (451).
([118]) برقم (800).
([119]) أخرجه مسلم (452)، وأحمد (10986).
([120]) السَّعلة - بفتح السين وضمها - من السُّعال. ينظر: إكمال المعلم (2/377).
([121]) زاد المعاد (1/209).
([122]) إشارة إلى حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أن رسول الله ﷺ قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرَّقها في ركعتين». أخرجه بهذا اللفظ النسائي (991)، وحسَّنه النووي في الخلاصة (1214)، وأخرجه أحمد (23544)، من حديث زيد بن ثابت، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2699): «رجال أحمد رجال الصحيح»، وأصله في البخاري (764) دون قوله: «في ركعتين».
([123]) أخرجه البخاري (4023)، ومسلم (463).
([124]) إشارة إلى حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه قال: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا﴾، فقالت: «يا بني، والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسول الله ﷺ يقرأ بها في المغرب». أخرجه البخاري (763)، ومسلم (462).
([125]) إشارة إلى حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-؛ أنه قال: «صليت خلف النبي ﷺ المغرب، فقرأ بالتين والزيتون». أخرجه أحمد (18528).
([126]) إشارة إلى حديث سليمان بن يَسَار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله ﷺ من فلان»، قال سليمان: «كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفِّف الأخريين، ويخفِّف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطول المفصَّل». أخرجه النسائي (982)، وأحمد (7991)، وصححه ابن خزيمة (520)، وابن حبان (1837).
([127]) إشارة إلى حديث جابر؛ أن معاذًا صلى بقومه، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل، فسلم، ثم صلى وحده، ثم ذهب، فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا». وفي رواية: «اقْرَأْ و﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، ﴿وَالضُّحَى﴾، و﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾، و﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، ونحوهما». أخرجه مسلم (465).
([128]) التمهيد (9/145).
([129]) ينظر: نيل الأوطار (2/273).
([130]) أخرجه البخاري (703)، ومسلم (467)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([131]) أخرجه مالك في الموطأ (173).
([132]) إشارة إلى حديث ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: «صلاةُ المغرب وتْر النهار؛ فأوتروا صلاة الليل». أخرجه أحمد (4847)، وصحَّحه ابن خزيمة (1245)، وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- وصحَّحه ابن حبان (2738).
([133]) إشارة إلى حديث العِرْباض بن سَارِيَة -رضي الله عنه- مرفوعًا، وفيه: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ». أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (42)، وصحَّحه ابن حبان (5)، والحاكم (329).
([134]) إشارة إلى حديث البراء -رضي الله عنه-، أنه قال: «سمعتُ النبي ﷺ يقرأ: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ في العشاء، وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو قراءة». أخرجه البخاري (769)، ومسلم (464).
([135]) تقدم تخريجه (ص: 40).
([136]) أخرجه البخاري (6106)، ومسلم (465)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
([137]) إشارة إلى حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بـ﴿الـم (1) تَنْزِيلُ﴾، و﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾، وأن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين». أخرجه مسلم (879).
([138]) إشارة إلى حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، قال: «كان رسول الله ﷺ يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾». أخرجه مسلم (878).
([139]) أخرجه البخاري (828).
([140]) ينظر: فتح الباري (2/273).
([141]) أخرجها أبو داود (734)، وغيره.
([142]) أخرجه ابن ماجه (872)، من حديث وابصة بن مَعْبَد -رضي الله عنه-، وضعَّفه الحافظ في التلخيص (361)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (325).
([143]) أخرجه مسلم (498).
([144]) ينظر: مطالع الأنوار (6/20)، والمصباح المنير، مادة: (ش خ ص).
([145]) أخرجه البخاري (1032)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([146]) ينظر: مشارق الأنوار (2/51).
([147]) أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425)، من حديث سهل بن سعد-رضي الله عنه-.
([148]) أخرجه أبو داود (869)، وابن ماجه (887)، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، وصحَّحه ابن خزيمة (600)، والحاكم (818).
([149]) أخرجه مسلم (479)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([150]) أخرجه البخاري (794)، ومسلم (484)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([151]) إشارة إلى حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، حيث قال: «ما صليت وراء أحد بعد رسول الله ﷺ أشبه صلاة برسول الله ﷺ من هذا الفتى- يعني: عمر بن عبد العزيز- قال: فحَزَرْنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات». أخرجه أبو داود (888)، والنسائي (1135)، وحسَّن إسناده النووي في خلاصة الأحكام (1331)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/67).
([152]) أخرجه مسلم (487)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([153]) أخرجه مسلم (771)، من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
([154]) زاد المعاد (1/218).
([155]) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (77)، من حديث أنس -رضي الله عنه-، وجاء من حديث أبي هريرة، وابن عمر، ورفاعة بن رافع الزُّرَقي، وعائشة -رضي الله عنهم-.
([156]) أخرجه البخاري (722)، من حديث أبي هريرة، وجاء من حديث أنس -رضي الله عنه-.
([157]) أخرجه البخاري (796)، ومسلم (409)، من حديث أبي هريرة، وجاء من حديث علي بن أبي طالب، وأبي موسى، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهم-.
([158]) أخرجه البخاري (7346)، من حديث ابن عمر، وجاء من حديث أبي هريرة -رضي الله عنهم-.
([159]) ينظر: زاد المعاد (1/220)، فتح الباري (2/238).
([160]) أخرجه مسلم (476)، وأبو داود (846)، وابن ماجه (878)، وأحمد (19104)، من حديث ابن أبي أوفى -رضي الله عنه-.
([161]) ينظر: تحفة المحتاج (2/63).
([162]) وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة. ينظر: البناية شرح الهداية (2/227)، الرسالة للقيرواني (ص: 27)، المغني (1/367).
([163]) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
([164]) أخرجه مسلم (473).
([165]) أخرجه البخاري (828).
([166]) ولفظه: «صليت مع النبي ﷺ، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره». صحَّحه ابن خزيمة (489).
([167]) إشارة إلى حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبَّر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رَفَعَهُما كذلك أيضًا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود». أخرجه البخاري (735).
([168]) أخرجه الترمذي (253)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وقال: «حسن صحيح».
([169]) ينظر: شرح مشكل الآثار (15/46)، العلل للدارقطني (9/283)، العلل المتناهية (1/429)، زاد المعاد (1/223)، فتح الباري لابن رجب (6/354)، فتح الباري (2/223).
([170]) ينظر: فتح الباري لابن رجب (6/354)، حاشية السندي على النسائي (1088).
([171]) أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (1089)، وابن ماجه (882).
([172]) ممن صحَّحه ابن خزيمة (626)، وابن حبان (1912).
([173]) ينظر: المغني (1/370)، زاد المعاد (1/223).
([174]) أخرجه أبو داود (840)، والنسائي (1091)، وجوَّد النووي إسناده في الخلاصة (1284).
([175]) ينظر: الهداية في تخريج البداية (3/147)، بلوغ المرام من أدلة الأحكام (ص: 91).
([176]) بلوغ المرام (ص:148).
([177]) زاد المعاد (1/223).
([178]) السابق (1/226).
([179]) ينظر: تاج العروس (2/527)، ومن شواهده: حديثُ الهجرة وقصة سُرَاقة، ففيه: «فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين». أخرجه الحاكم (4269) بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين وغيرهما.
([180]) ينظر: مجموع الفتاوى (22/449).
([181]) إشارة إلى حديث عبد الرحمن بن شبل -رضي الله عنه-، وما في معناه، قال: «نهى رسول الله ﷺ عن نَقْرَةِ الغراب، وافتراش السبع، وأن يُوطِنَ الرجلُ المكانَ في المسجد، كما يُوطِنُ البعيرُ». أخرجه أبو داود (862)، والنسائي (1112)، وابن ماجه (1429)، وصحَّحه ابن خزيمة (662)، وابن حبان (2277)، والحاكم (833).
([182]) ينظر: منح الجليل (9/206).
([183]) إشارة إلى حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «إنكم سَتَرَوْنَ ربَّكم، كما ترون هذا القمر، لا تُضَامون في رؤيته...». أخرجه البخاري (554)، ومسلم (633).
([184]) أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([185]) أخرجه أبو داود (4928)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وسنده ضعيف، كما قال النووي في الخلاصة (ص: 247)، ولكنْ له شاهد أخرجه أحمد (2367)، عن عُبَيْد الله بن عدي بن الخِيَار، وصحَّحه العراقي في طرح التثريب (2/145).
([186]) ينظر: الغاية في شرح الهداية (ص:160).
([187]) أخرجه مسلم (490)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([188]) ينظر: المجموع (3/425).
([189]) أخرجه البخاري (335)، ومسلم (523)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
([190]) إشارة إلى حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، حيث قال: اعتكفنا مع النبي ﷺ العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال: «إني أُرِيتُ ليلة القدر، ثم أنسيتها -أو نسيتها- فالْتَمِسُوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله ﷺ، فليرجع»، فرجعنا وما نرى في السماء قَزَعَةً، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله ﷺ يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته. أخرجه البخاري (2016)، ومسلم (1167).
([191]) الخمرة -بضم الخاء وإسكان الميم-: هي السجادة، وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده. ينظر: المعلم بفوائد مسلم (1/369)، شرح النووي على مسلم (3/209).
([192]) الخُوص: الواحدة خوصَةٌ، وهي: ورق النخلِ والمُقْلِ والنّارجِيلِ ونحوه. ينظر: العين (4/285) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/1038).
([193]) إشارة إلى حديث ميمونة -رضي الله عنها-، قالت: «كان النبي ﷺ يصلي على الخُمْرة». أخرجه البخاري (381)، ومسلم (513).
([194]) إشارة إلى حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن جدَّتَه مُلَيْكَة دَعَتْ رسول الله ﷺ لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: «قوموا فلْأُصَلِّ لكم»، قال أنس: فقمت إلى حصيرٍ لنا، قد اسْودَّ مِن طول ما لُبِسَ، فنضحته بماء، فقام رسول الله ﷺ، وصَفَفْتُ واليتيمُ وراءه، والعجوزُ مِن ورائنا، فصلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين، ثم انصرف. أخرجه البخاري (380) ومسلم (658).
([195]) إشارة إلى حديث المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله ﷺ يصلي على الحصير والفروة المدبوغة. أخرجه أبو داود (659)، وصحَّحه ابن خزيمة (1006)، والحاكم (950) وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، وقال الذهبي: «على شرط مسلم».
([196]) ينظر: المصنف لعبد الرزاق (1564).
([197]) ينظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/198).
([198]) زاد المعاد (1/231)، قال البيهقي في الكبرى (2497): «أما ما روي عن النبي ﷺ من السجود على كُورِ العمامة، فلا يثبت شيء من ذلك، وأصح ما روي في ذلك: قولُ الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي ﷺ».
([199]) أخرجه أبو داود (399)، وابن حبان (2276)، والحاكم (701)، عن جابر -رضي الله عنه-، قال: «كنتُ أُصلِّي الظُّهرَ مع رسولِ الله ﷺ فآخُذُ قَبْضةً من الحصى لِتَبرُدَ في كَفِّي أضَعُها لِجَبهَتي أسجُدُ عليها لشِدَّةِ الحَرِّ».
([200]) أخرجه ابن خزيمة (642)، وابن حبان (1920)، والحاكم (826)، من حديث وائل بن حجر -رضي الله عنه-.
([201]) ينظر: النجم الوهاج (2/146).
([202]) ينظر: النجم الوهاج (2/151)، نيل الأوطار (2/297).
([203]) برقم (654)، وهو حديث عائشة -رضي الله عنها- ولفظه: «فوجدته ساجدًا راصًّا عقبيه»، وبوَّب ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: «بابُ ضمِّ العقبين في السجود».
([204]) أخرجه مسلم (486).
([205]) إشارة إلى حديث ميمونة -رضي الله عنها-، قالت: «كان النبي ﷺ إذا سجَدَ لو شاءت بَهْمَةٌ أنْ تَمُرَّ بيْن يديه، لَمَرَّتْ». أخرجه مسلم (496).
([206]) برقم (494).
([207]) تقدم تخريجه (ص: 44).
([208]) تقدم تخريجه (ص: 45).
([209]) إشارة إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله ﷺ قال: «أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء». أخرجه مسلم (482).
([210]) أخرجه البخاري (794)، ومسلم (484)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([211]) أخرجه مسلم (486)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([212]) أخرجه مسلم (771)، من حديث علي -رضي الله عنه-.
([213]) أخرجه مسلم (483)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([214]) أخرجه البخاري (1130)، ومسلم (2819)، عن المغيرة -رضي الله عنه-، والبخاري (4837)، ومسلم (2820)، عن عائشة -رضي الله عنها-.
([215]) أخرجه البخاري (935)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([216]) ينظر: مجموع الفتاوى (14/6)، (22/273)، (23/69).
([217]) أخرجه أبو داود (897)، والنسائي (1103)، من حديث أنس -رضي الله عنه-، وصححه ابن حبان (1926).
([218]) تقدم تخريجه (ص: 53).
([219]) إشارة إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: اشتكى أصحاب النبي إلى النبي ﷺ مشقَّةَ السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: «استعينوا بالرُّكَبِ». أخرجه أبو داود (902)، والترمذي (286)، وصححه ابن حبان (1918)، والحاكم (834)، وحسَّن إسناده النووي في الخلاصة (1321).
([220]) ثبت هذا من عدة أحاديث، منها: حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه كان: «يصلي بهم، فيكبر كلَّما خفض، ورفع»، فإذا انصرف، قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ. أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392).
([221]) تقدم تخريجه (ص: 12).
([222]) ينظر: المغني لابن قدامة (1/362).
([223]) ينظر: المبسوط للسرخسي (1/220)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 309)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 250).
([224]) كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في البخاري (735): «وكان لا يفعل ذلك في السجود».
([225]) ينظر: فتح الباري لابن رجب (6/354)، حاشية السِّنْدي على النسائي (1088).
([226]) إشارة إلى حديث طاووس، أنه قال: قلنا لابن عبَّاس في الإقعاء على القدمين، فقال: هي السنة، فقلنا له: إنا لنراه جفاءً بالرجل، فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيك ﷺ. أخرجه مسلم (536).
([227]) إشارة إلى حديث عائشة -رضي الله عنها-، وفيه: «وكان إذا رَفَعَ رأسَه من السجدة، لم يسجُدْ حتى يستوي جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقْبَةِ الشيطان، وينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم»، وفي رواية: «عَقِبِ الشيطان». أخرجه مسلم (498).
([228]) ينظر: نيل الأوطار (1/319-320).
([229]) إشارة إلى حديثِ ثابتٍ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أنه قال: إني لا آلو أن أصلي بكم، كما رأيت النبي ﷺ يصلي بنا - قال ثابت: كان أنس بن مالك يصنع شيئًا لم أركم تصنعونه - كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي». أخرجه البخاري (821)، ومسلم (472).
([230]) أخرجه النسائي (889).
([231]) سنن أبي داود (989).
([232]) مسلم (579).
([233]) الحديث صحَّحه ابن خزيمة (714)، وابن حبان (1860).
([234]) زاد المعاد (1/231).
([235]) أخرجه مسلم (2697)، من حديث طارق الأشجعي، دون قوله: «واجبرني»، وأخرجه الترمذي (284) وابن ماجه (898)، من حديث ابن عباس دون قوله: «وعافني».
([236]) أخرجه النسائي (1145)، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
([237]) إشارة إلى ما أخرجه مسلم (536)، عن طاووس، أنه قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟ فقال: «هي السنة»، فقلنا: إنَّا لَنَراه جَفاءً بالرِّجْل، فقال: «بل هي سنة نبيك ﷺ».
([238]) ففي البخاري (779)، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: «أن النبي ﷺ كان يطوِّل في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصِّر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح».
([239]) أخرجه البخاري (1055)، ومسلم (903)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([240]) أي: في كل ركعة. أخرجه مسلم (904)، من حديث جابر -رضي الله عنه-، وأخرجه أيضًا (901)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
([241]) أي: في كل ركعة. أخرجه مسلم (908)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
([242]) أخرجه أبو داود (1182)، من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1237)، وقال: «رواته صادقون».
([243]) أخرجه البخاري (677).
([244]) أخرجها البخاري (824)
([245]) أخرجها البخاري (823).
([246]) ينظر: نهاية المطْلَب (2/170)، روضة الطالبين (1/260)، زاد المعاد (1/240).
([247]) ينظر: روضة الطالبين (1/260)، الإنصاف (2/53).
([248]) ينظر: البحر الرائق (1/340)، الفواكه الدواني (1/184)، الإنصاف (2/53).
([249]) أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
([250]) ينظر: فتح الباري (2/302).
([251]) ينظر: زاد المعاد (1/241 وما بعدها).
([252]) هو: ألم يحدث في مفاصل الجسم. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (1/780).
([253]) ينظر: زاد المعاد (1/241)، فتح الباري (2/302)، التلخيص الحبير (1/625).
([254]) التلخيص الحبير (1/625).
([255]) تقدم تخريجه (ص: 72).
([256]) صحيح البخاري (824)، من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-.
([257]) غريب الحديث للحَرْبي (2/525).
([258]) أخرجه البيهقي في الكبرى (2632)، عن الأزرق بن قيس، قال: «رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين، اعتمد على الأرض بيديه، فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر، قالوا: لا، ولكن هذا -كذا، ولعله: هكذا- يكون».
([259]) ينظر: التلخيص الحبير (1/625).
([260]) أخرجه مسلم (48).
([261]) زاد المعاد (1/242).
([262]) أخرجه أبو داود (1499)، والنسائي (1273)، وابن أبي شيبة (8512)، من حديث سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه-، وجاء من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وصحَّحه الحاكم (1965).
([263]) أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570).
([264]) ينظر: المبدع في شرح المقنع (1/444).
([265]) وصيغته: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». أخرجه البخاري (1202)، ومسلم (402).
([266]) وصيغته: «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله». أخرجه مسلم (403).
([267]) وصيغته: «التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». أخرجه مسلم (404).
([268]) وصيغته: «التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». أخرجه أبو داود (975)، وصحَّحه الدارقطني في سننه (1/351).
([269]) وصيغته: «التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». أخرجه مالك في الموطأ (53)، والبيهقي في الكبرى (2662)، وصحَّحه الحاكم (979).
([270]) وصيغته: «التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين». أخرجه مالك في الموطأ (205)، والبيهقي في الكبرى (2664)، وجوَّد ابن الملقِّن إسناده في البدر المنير (4/32).
([271]) ينظر: الإنصاف (2/57).
([272]) وهذا قول الشافعية، واستحبوا سجود السهو عند تركها. ينظر: روضة الطالبين (1/223)، المجموع (4/125).
([273]) وبهذا قال الجمهور. ينظر: المبسوط (1/29)، منح الجليل (1/543)، المجموع (4/125)، كشاف القناع (1/358).
([274]) أخرجه أبو داود (995)، والترمذي (366)، والنسائي (1176)، وأحمد (2656)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
([275]) وواحدتها: رَضْفَة؛ مثل: تمرٍ وتمرة. ينظر: غريب الحديث لابن سلام (4/125)، والمصباح المنير، مادة: (ر ض ف).
([276]) ينظر: البدر المنير (4/19)، التلخيص الحبير (1/632)، وهو من رواية أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، وقيل: «إنه لم يسمع من أبيه»، ورجَّح شيخ الإسلام، وابن رجب: أن حديث أبي عبيدة عن أبيه مسنَدٌ، يحتج به. ينظر: مجموع الفتاوى (6/404)، فتح الباري لابن رجب (7/342)، ونقله عن ابن المَدِيني، وغيره.
([277]) صحيح البخاري (739).
([278]) ينظر: نيل الأوطار (2/214).
([279]) ينظر: النجم الوهاج (2/154).
([280]) ينظر: زاد المستقنع (ص:46).
([281]) ينظر: فتح الباري لابن رجب (6/341 وما بعدها).
([282]) نزهة النظر (ص:60).
([283]) إشارة إلى حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «أن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك». أخرجه مسلم (452).
([284]) إشارة إلى حديث أبي حُمَيد الساعدي، في صفة صلاة النبي ﷺ، وفيه: «وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدَّم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعَدَ على مقْعَدَته». أخرجه البخاري (828)، وأخرج مسلم (579)، وأبو داود (964): نحوه، من حديث الزُّبَير بن العوَّام -رضي الله عنه-.
([285]) ينظر: أسنى المطالب (1/164)، المغني (1/386).
([286]) ينظر: الهداية (1/53).
([287]) ينظر: البيان والتحصيل (1/257).
([288]) أخرجها البخاري (3370)، من حديث كَعْب بن عُجْرة -رضي الله عنه-.
([289]) أخرجها مسلم (405)، من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.
([290]) أخرجه البخاري (4797).
([291]) أخرجه مسلم (1917)، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
([292]) أخرجه مسلم (588).
([293]) ينظر: طرح التثريب (3/107).
([294]) صحيح مسلم (1/413).
([295]) ينظر: مجموع الفتاوى (22/518)، نيل الأوطار (2/338).
([296]) أخرجه البخاري (834)، من حديث أبي بكر -رضي الله عنه-.
([297]) أخرجه أبو داود (1522)، والنسائي (1303)، من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وصحَّحه ابن خزيمة (751)، وابن حبان (2020)، والحافظ في بلوغ المرام (325).
([298]) إشارة إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله ﷺ: «من سبَّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - غُفِرتْ خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر». أخرجه مسلم (597).
([299]) ونص كلامه كما في مجموع الفتاوى (22/519): «أما دعاء الإمام والمأمومين جميعًا عَقِيبَ الصلاة، فهو بدعةٌ لم يكن على عهد النبي ﷺ، بل إنما كان دعاؤه في صلب الصلاة، فإن المصلي يناجي ربَّه، فإذا دعا حال مناجاته له، كان مناسبًا. وأما الدعاء بعد انصرافه من مناجاته وخطابه، فغير مناسب، وإنما المسنون عَقِبَ الصلاة هو الذكر المأثور عن النبي ﷺ من التهليل والتحميد والتكبير».
([300]) أخرجه مسلم (709)، من حديث البراء -رضي الله عنه-.
([301]) ينظر: المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 225)، المجموع شرح المهذب (3/ 473)، المغني (1/395).
([302]) هو عندهم واجب. ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/194)، الهداية في شرح بداية المبتدي (1/54).
([303]) إشارة إلى حديث عامر بن سعد، عن أبيه، قال: «كنتُ أرى رسول الله ﷺ يسلِّم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خَدِّه». أخرجه مسلم (582).
([304]) إشارة إلى حديث وائل بن حُجْر -رضي الله عنه-، قال: «صلَّيْتُ مع النبي ﷺ، فكان يسلِّم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله». أخرجه أبو داود (997).
([305]) منهم: النووي في المجموع (3/479)، والحافظ في بلوغ المرام (320).
([306]) ينظر: التلخيص الحبير (1/646).
([307]) ينظر: فتح الباري لابن رجب (7/375).
([308]) تقدم تخريجه (ص: 4).