مختصر الفقه الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران/ 102]. { ... يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء/1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب/70 - 71]. أما بعد: فإن خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرُ الهُدَى هُدَى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرُّ الأمورِ مُحْدثَاتُها، وكلُّ مُحْدَثة بِدْعةٌ، وكلُّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ في النَّارِ. أخي المسلم الكريم: لا ريب أن الفقه في الدين أفضل الأعمال وأزكاها وأشرفها وأعظمهاوأجلها، فهو معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة دينه وشرعه، ومعرفة أنبيائه ورسله، والعمل بموجب ذلك إيماناً واعتقاداً .. قولاً وعملاً ..

(1/5)


قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ» متفق عليه (1). وحيث أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولتفشي الشرك والجهل، وانتشار البدع والمعاصي وغيرها مما عمَّ وطمَّ، وقياماً بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتذكرةً لنفسي وإخواني، طالباً مرضاة ربي أولاً، وعسى أن يتفقه طالب، ويتعلم جاهل، ويتذكر ناس، ويتوب عاص، ويهتدي ضال، ويلين قاس، لذا رأيت من واجبي وشكراً لنعمة الله عليَّ مشاركة إخواني في نشر هذا الدين، والدعوة إليه. فيسَّر الله لي بمنِّه وفضله، وتوفيقه وعونه، وضع هذا الكتاب وإعداده، وجمعه وترتيبه من كتب متعددة، ومراجع متنوعة في التوحيد والإيمان، والأخلاق والآداب، والأذكار والأدعية، والأحكام ... الخ. وقد جاء الكتابُ بفضل الله مزيناً ومتوجاً بالآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الصحيحة، وجعلته في الفروع على قول واحد، راجياً من الله أن يكون هو الصواب، وذلك ليسهل على المستفيد - وخاصة المبتدئ - تحصيل مطلوبه بيسر. وقد اختصرته وسهَّلت أسلوبه وعرضه لينتفع به العالمُ والمبتدئ، بقليل من الوقت، ويسير من الجهد. فجاء الكتابُ بفضل الله وحده مملؤاً بالعلم، خفيفاً في الحمل، وسطاً في الحجم. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (71)، ومسلم برقم (1037).

(1/6)


يستفيد منه العابد في عبادته، والواعظ في وعظه، والمفتي في فتواه، والمعلم في تدريسه، والقاضي في حكمه، والتاجر في معاملاته، والداعي في دعوته، والمسلم في سائر أحواله .. فللَّه الحمد والمنَّة، وهو المحمود أولاً وآخراً. وقد اخترت عامة أصوله ومسائله في الفروع من كتب الفقهاء المطولة والمختصرة وغيرها، إلى جانب فتاوى كبار علماء السلف في الماضي والحاضر، واعتمدت الراجح من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله وغيرهم من علماء الإسلام إذا ظهرت قوة دليله. وقد اجتهدت أن تكون مسائلُ الكتاب في أبواب التوحيد والإيمان والأحكام وغيرها مبنيةً على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة، أو من أحدهما. وما لم يرد فيه نص صريح صحيح اعتمدت فيه أقوال واختيارات الأئمة المجتهدين من سلف الأمة في الماضي والحاضر. وبسطت ذكر الأدلة الشرعية في أبواب التوحيد والإيمان، والعلم، والفضائل، والأخلاق، والآداب، والأذكار، والأدعية؛ لحاجة كل مسلم إلى ذلك. واكتفيت غالباً بالحكم عن الدليل والتعليل في جميع أبواب فقه الأحكام؛ لئلا يطول الكتاب، وتتشعب مسائله، ويخرج عن الهدف الذي كُتب من أجله. ومن أراد معرفة الأدلة الشرعية فليطلبها في كتب الفقه المطولة كالمغني، والفتاوى، والأم، والمبسوط، والمدونة وغيرها من كتب الفقه والحديث.

(1/7)


ومن أراد بسط مسائل أعمال القلوب بأدلتها من الكتاب والسنة فليرجع إلى كتابنا (موسوعة فقه القلوب) (4) مجلدات، ومن أراد بسط مسائل التوحيد والإيمان والأحكام الشرعية بأدلتها من الكتاب والسنة فليرجع إلى كتابنا المبسوط (موسوعة الفقه الإسلامي) (5) مجلدات. وأحياناً أذكر الدليل في مسائل الأحكام إما لأهمية المسألة، أو كثرة وقوعها، أو للترغيب بها، أو الترهيب منها. والمادة العلمية للكتاب تستند إلى أصلين عظيمين هما: القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة بفهم سلف الأمة. وقد وفقني الله فعزوت الآيات القرآنية الكريمة إلى مكانها بذكر اسم السورة ورقم الآية. أما الأحاديث النبوية: فقد اجتهدت ألّا أُثبت في الكتاب إلا ما كان حديثاً صحيحاً، أو حسناً، مع ذكر مصدره في كتب الحديث، والحكم عليه بالصحة أو الحسن كما يلي: 1 - تم نقل وضبط جميع الأحاديث الواردة في الكتاب من أصولها الصحيحة. 2 - إذا كان الحديث في صحيحي (البخاري ومسلم) ذكرت رقمه في كل منهما، وإن كان في أحدهما ذكرته مع رقمه فيه، وأحياناً أذكر مع أحدهما مَنْ أخرج الحديث في كتب السنة الأخرى لزيادة فائدة وأثبت لفظه. 3 - إذا كان الحديث في غير الصحيحين كالمسند، والسنن الأربع، والدارمي

(1/8)


وغيرها من كتب السنة الأخرى ذكرت له مصدرين، وأحياناً أقل، وأحياناً أكثر، مع ذكر رقمه في الأصل. 4 - اعتمدت في تخريج الأحاديث ذكر رقم الحديث من مصدره، وإذا لم يكن للمصدر ترقيم عام ذكرت رقم الجزء والصفحة. 5 - إذا كان الحديث في غير الصحيحين، فعند التخريج اعتمدت كتابة (صحيح أو حسن) أمام كل حديث للحكم بصحة الحديث أو حسنه، مستنداً في ذلك إلى أئمة هذا الشأن من المتقدمين والمتأخرين. 6 - إذا تكرر الحديث في موضع آخر كررت تخريجه معه غالباً، وأحياناً أُدرج الحديث الصحيح أو بعضه لبيان حكم، أو ترغيب، أو ترهيب. والكتاب الذي بين أيدينا تعريف عام بدين الإسلام، عقيدة وأحكاماً، وأخلاقاً وآداباً، جمعت فيه ما تفرق، وألّفت بين أبوابه ومسائله وأدلته. وسميته «مختصر الفقه الإسلامي» أوله التوحيد والإيمان، وأوسطه السنن والأحكام، وآخره الدعوة إلى الله. وقد جعلته في عشرة أبواب مرتبة على النحو التالي: 1 - الباب الأول: التوحيد والإيمان. 2 - الباب الثاني: فقه القرآن والسنة في الفضائل، والأخلاق، والآداب، ... والأذكار، والأدعية. 3 - الباب الثالث: العبادات.

(1/9)


4 - الباب الرابع: المعاملات. 5 - الباب الخامس: كتاب النكاح وتوابعه. 6 - الباب السادس: كتاب الفرائض. 7 - الباب السابع: كتاب القصاص والحدود. 8 - الباب الثامن: كتاب القضاء. 9 - الباب التاسع: كتاب الجهاد في سبيل الله. 10 - الباب العاشر: الدعوة إلى الله. وهذا الكتاب المقصود منه معرفة الرب المعبود، وبيان أحكام الدين، وترغيب الناس في لزوم الصراط المستقيم. وقد جاء هذا الوعاء الواسع للفقه بفضل الله وحده سهل المأخذ، داني القطوف، حسن الألفاظ، غزير المعاني، مختصر العبارة. يسعف الغني والمحتاج بطلبته .. ويعينه على بلوغ غايته .. دون عناء أو سأم أو ملل. محرك للقلوب إلى أجلِّ مطلوب. مشتمل على بدائع الفوائد .. ممتع للقارئ والسامع .. مثير ساكن العزمات إلى روضات الجنات. يلامس القلوب المؤمنة .. ويداوي الجراح المنفجرة .. ويسكن الأوجاع الملتهبة .. ويطرد كل بدعة وجهالة .. ويقمع كل جبار ومنافق ومعاند.

(1/10)


جمعته وألفته ليكون جليساً للمقيم، وزاداً للمسافر، وأنيساً للمستوحش، وروضة للأسرة، ومأدبة للأمة. وقد جاء هذا الغيث المنسجم بفضل الله جامعاً بين القرآن والسنة .. والمنقول والمعقول .. والترغيب والترهيب. يَسْبح في فلك التوحيد والشريعة، ويقرر الحق والسنة والفضيلة، ويحطم الشرك والبدع والرذيلة. أسأل الله عز وجل أن يجعله قرة لعيون الموحدين، ومصباحاً للمتعبدين، وزاداً للدعاة والمعلمين، ومناراً للتائهين، ونوراً للسائرين. وإليك أخي المسلم هذا الروض الذي تفتحت أزهاره، وطابت ثماره، وتفيأت ظلاله، وهو محض فضل الله عليّ ورحمته، ما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان. وأسأله سبحانه العفو عمّا زل به اللسان، أو وقع سهواً في غير محله، فكل مؤلِّف ومصنِّف مع الحرص والتأني، وإمعان النظر، ومواصلة البحث والتأليف، وكثرة المسائل والأبواب، والبسط والاختصار قلما ينفك عن زلة، أو خطأ غير مقصود، خاصة في هذا الزمان الذي قلَّما يصفو للمؤلف فيه الذهن؛ لكثرة المشاغل والطوارق، وهجوم المنغصات والمزعجات، وتتابع البلايا والهموم. وكل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، فنسأله المغفرة والرضوان.

(1/11)


والقلم كالمكلف يخطئ ويصيب، ويبدي ويعيد، وليس من زلة البنان والأذهان أمان. فرحم الله مسلماً شكر ما رآه فيه من صواب، وأرشدني إلى ما رأى فيه من خطأ، من ناصح أمين، وصادق حكيم، يعالج الجروح التي قلَّما يسلم منها أحد، ولا يكسر العظام، ويزرع الفتن بين الخاص والعام. وهذا الدين العظيم بلا ريب لمن عمل به، ودعا إليه، وذب عنه، وصبر عليه. وفي الختام أسأل الله الكريم أن ينفعني به والمسلمين، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأن يغفر لي، ويتجاوز عني، وعن والديَّ، وأهل بيتي، وعن كل من قرأه، أو سمعه، أو انتفع به، أو علّمه، أو أعان على نشره، وعن المسلمين أجمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. كتبه الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري المملكة العربية السعودية - بريدة جوال: 0508013222 - 0504953332 [email protected]

(1/12)


 الباب الأول التوحيد والإيمان

1 - التوحيد 2 - أقسام التوحيد 3 - العبادة 4 - الشرك 5 - أقسام الشرك 6 - الإسلام 7 - أركان الإسلام 8 - الإيمان 9 - من خصال الإيمان 10 - أركان الإيمان 11 - الإحسان 12 - كتاب العلم

(1/13)


 كتاب التوحيد والإيمان

1 - التوحيد - التوحيد: هو إفراد الله تعالى بما يختص به وما يجب له سبحانه. بأن يتيقن العبد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، والمدبر للكون كله وحده، وأنه سبحانه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال، منزه عن كل عيب ونقص، له الأسماء الحسنى والصفات العلا. قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)} [طه/8]. - فقه التوحيد: الله جل جلاله واحد لا شريك له، أحد لا مثيل له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، له الملك والخلق والأمر وحده لا شريك له. هو الملك وكل ما سواه مملوك له .. وهو الرب وكل ما سواه عبد له .. وهو الخالق وكل ما سواه مخلوق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا} [الإخلاص/1 - 4]. وهو سبحانه القوي وكل ماسواه ضعيف .. وهو القادر وكل ما سواه عاجز .. وهو الكبير وكل ما سواه صغير .. وهو الغني وكل ما سواه فقير إليه .. وهو

(1/15)


العزيز، وكل ماسواه ذليل .. وهو الحق وكل معبود سواه باطل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان/30]. وهو سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه .. العلي الذي لا اعلى منه .. الكبير الذي لا أكبرمنه .. الرحمن الذي لا أرحم منه. وهو سبحانه القوي الذي خلق القوة في كل قوي .. القادر الذي خلق القدرة في كل قادر .. الرحمن الذي خلق الرحمة في كل راحم .. العليم الذي علّم كل مخلوق .. الرزاق الذي الذي خلق جميع الأرزاق والمرزوقين: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام/102]. وهو سبحانه الإله الحق الذي يستحق العبادة وحده دون سواه، لذاته وجلاله وجماله وجميل إحسانه، وله وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/ 11]. وهو الحكيم العليم الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف/ 54]. وهو سبحانه الأول قبل كل شيء .. الآخر بعد كل شيء .. الظاهر فوق كل شيء .. الباطن دون كل شيء .. العليم بكل شيء وحده لا شريك له: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد/ 3].

(1/16)


2 - أقسام التوحيد - التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب نوعان: 1 - الأول: توحيد في المعرفة والإثبات، ويسمى توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وهو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، وتوحيد الله بأسمائه وصفاته وأفعاله. ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده هو الرب الخالق المالك المتصرف المدبر لهذا الكون، الكامل في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيء، بيده الملك وهو على كل شيء قدير. له وحده الأسماء الحسنى، والصفات العلا: { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/ 11]. 2 - الثاني: توحيد في القصد والطلب، ويسمى توحيد الألوهية والعبادة وهو إفراد الله بجميع أنواع العبادة كالدعاء والصلاة والخوف والرجاء ونحوها. ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده ذو الألوهية على خلقه أجمعين، وأنه سبحانه المستحق للعبادة وحده دون سواه، فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء والصلاة والاستعانة والتوكل والخوف والرجاء والذبح والنذر ونحوها إلا للهِ وحده دون سواه، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون/117]. - حكم الإقرار بالتوحيد: 1 - توحيد الألوهية والعبادة كَفَر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل إلى الناس، وأنزل عليهم الكتب، ليأمروهم بعبادة الله وحده، وتَرْك عبادة ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء/25].

(1/17)


2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. 2 - توحيد الربوبية يقر به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون، والإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله والنجاة من العذاب، فقد أقر به إبليس، وأقر به المشركون فلم ينفعهم لأنهم لم يقروا بتوحيد العبادة للهِ وحده. فمن أقر بتوحيد الربوبية فقط لم يكن موحداً ولا مسلماً، ولم يَحْرم دمه ولا ماله حتى يقر بتوحيد الألوهية، فيشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويقر بأن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. - توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان: 1 - توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فمن أقر بأن الله وحده هو الرب الخالق المالك الرازق لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده، فلا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا للهِ وحده دون سواه، وتوحيد الألوهية مستلزم لتوحيد الربوبية فكل من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً لا بد أن يكون قد اعتقد أن الله ربه وخالقه ومالكه. 2 - الربوبية والألوهية تارة يذكران معاً فيفترقان في المعنى فيكون معنى الرب المالك المتصرف ويكون معنى الإله المعبود بحق المستحق للعبادة وحده دون سواه كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس/1 - 3]. وتارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر فيجتمعان في المعنى كقوله سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام/164]. - حقيقة التوحيد ولبابه: أن يرى الإنسان الأمور كلها من الله تعالى رؤيةً تقطع الالتفات عن غيره من الأسباب والوسائط، فلا يرى الخير والشر، والنفع والضر ونحوهما إلا منه تعالى، وأن يعبده سبحانه عبادة يفرده بها ولا يعبد غيره معه.

(1/18)


- ثمرات حقيقة التوحيد: التوكل على الله وحده، وترك شكاية الخلق، وترك لومهم، والرضا عن الله تعالى، ومحبته، والتسليم لحكمه، وحسن عبادته، ولزوم طاعته. 3 - فضل التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام/82]. 2 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيْسَى عَبْدُاللهِ وَرَسُولُه وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه (1). - جزاء أهل التوحيد: 1 - قال اللهُ تعالى: { ... وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة/25]. 2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّار». أخرجه مسلم (2). - عظمة كلمة التوحيد: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ... أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لما حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لابنهِ: «إنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لا إلَهَ إلَّا الله) فَإنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435)، واللفظ له، ومسلم برقم (28). (2) أخرجه مسلم برقم (93).

(1/19)


وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجحَتْ بِهِنَّ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَلَو أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، وَالأرْضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإنَّهَا صَلاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ ... ». أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (1). - كمال التوحيد: التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب الطاغوت كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. - صفة الطاغوت: الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود كالأصنام، أو متبوع كالكهان وعلماء السوء، أو مطاع كالأمراء والرؤساء الخارجين عن طاعة الله. والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة: إبليس أعاذنا الله منه، ومن عُبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حَكَم بغير ما أنزل الله. قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة/257]. _________ (1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (558)، انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (134).

(1/20)


3 - العبادة - معنى العبادة: الذي يستحق العبادة هو الله وحده، والعبادة تطلق على شيئين: 1 - الأول: التعبد: وهو التذلل للهِ عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه محبة له وتعظيماً. 2 - الثاني: المتعبد به: ويشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالدعاء، والذكر، والصلاة، والمحبة ونحوها، فالصلاة مثلاً عبادة، وفعلها تعبد للهِ، فنعبد الله وحده بالتذلل له، محبة له وتعظيماً له، ولا نعبده إلا بما شرع. - حكمة خلق الجن والإنس: لم يخلق الله الثقلين -الجن والإنس- عبثاً أو سدى، لم يخلقهم ليأكلوا ويشربوا، ويلهوا ويلعبوا ويضحكوا. إنما خلقهم ربهم لأمر عظيم ليعبدوا الله عز وجل، ويوحدوه، ويعظموه، ويكبروه ويطيعوه: بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، وترك عبادة ما سواه، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات/56]. فإذا فعلوا ذلك سعدوا في الدنيا، وفازوا بالجنة والقرب من ربهم كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر/54 - 55]. - حكمة العبادة: امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه مبنيّ على الإيمان بالله عز وجل، وإدامة تصور عظمة الخالق ومالك الملك في القلوب، وذلك بكثرة ذكره، ولإدامة هذا التصور ورسوخه في القلب شرع الله لعباده مُذكِّراً مكرَّراً، وعملاً متجدداً، وهو

(1/21)


العبادة، وإذا زاد الإيمان وقوي زادت الأعمال وقويت، ثم صلحت الأحوال بالفوز بسعادة الدارين، والعكس بالعكس. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} ... [الأحزاب/41 - 42]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف/96]. - طريق العبودية: عبادة الله عز وجل مبنية على أصلين عظيمين: حب كامل للهِ عز وجل وذل تام له. وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين وهما: مشاهدة منة الله وفضله وإحسانه ورحمته التي توجب المحبة، ومطالعة عيب النفس والعمل الذي يورث الذل التام للهِ عز وجل. وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه، فلا يرى نفسه إلا مفلساً ولا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة يمن بها، بل يشهد ضرورته كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه خسر وهلك. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل/53]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر/15]. - أكمل الناس عبادة: أكمل الناس عبادة الأنبياء والرسل؛ لأنهم أكملهم معرفة بالله، وعلماً به، وتعظيماً له من غيرهم، ثم زادهم الله فضلاً بإرسالهم إلى الناس، فصار لهم فضل الرسالة، وفضل العبودية الخاصة.

(1/22)


ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم للهِ ولرسوله واستقاموا على أمره، ثم الشهداء، ثم الصالحون، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء/69]. - حق الله على العباد: حق الله على أهل السماوات وأهل الأرض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، بأن يطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ومن الذي لم يصدر منه خلاف ما خُلق له إما عجزاً وإما جهلاً، وإما تفريطاً وإما تقصيراً. لذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عفير قال: فقال: «يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال: قلت: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، قال: «فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال: قلتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا أبشرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوْا». متفق عليه (1). - كمال العبودية: 1 - كل عبد يتقلب بين ثلاث: نعم من الله تترادف عليه، فواجبه فيها الحمد والشكر، وذنوب اقترفها، فواجبه الاستغفار منها، ومصائب يبتليه الله بها، فواجبه فيها الصبر، ومن قام بواجب هذه الثلاث سعد في الدنيا والآخرة. 2 - الله عز وجل يبتلي عباده ليمتحن صبرهم وعبوديتهم لا ليهلكهم ويعذبهم، فلله على عبده عبودية في الضراء كما له عبودية في السراء، وله عبودية فيما يكره _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856)، ومسلم برقم (30)، واللفظ له.

(1/23)


كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الناس يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن إعطاء العبودية في المكاره، وهم متفاوتون في ذلك، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية، ونكاح زوجته الحسناء عبودية، والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية، وترك المعاصي التي ترغبها النفس من غير خوف الناس عبودية، والصبر على الجوع والأذى عبودية، ولكن فرق بين العبوديتين. فمن كان قائماً للهِ بالعبوديتين في حال السراء والضراء، وحال المكروه والمحبوب، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وليس لعدوه سلطان عليه فالله يحفظه، ولكن قد يغتاله الشيطان أحياناً، فإن العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب، ودخول الشيطان على العبد من هذه الأبواب الثلاثة. وقد سلط الله على كل عبد نفسه وهواه وشيطانه وابتلاه هل يطيعها أم يطيع ربه. والله عز وجل له على الإنسان أوامر، والنفس لها أوامر، والله يريد من الإنسان تكميل الإيمان والأعمال الصالحة، والنفس تريد تكميل الأموال والشهوات، والله عز وجل يريد منا العمل للآخرة، والنفس تريد العمل للدنيا، والإيمان هو سبيل النجاة والمصباح الذي يبصر به الحق من غيره وهذا محل الابتلاء. 1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت 2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يوسف/53]. - فقه العبودية: الأرض قابلة لما يُغرس فيها من حلو ومر، وأرض الفطرة رحبة قابلة لما يُغرس فيها فمن غرس شجرة الإيمان والتقوى جني حلاوة الأبد. ومن غرس شجرة الكفر والجهل والمعاصي جنى شقاوة الأبد. وأعظم المعارف أن تعرف ربك، وما يجب له.

(1/24)


فتقر له بالجهل في العلم .. والتقصير في العمل .. والعيب في النفس .. والتفريط في حق الله .. والظلم في معاملته. فهذا العارف حقاً: إن عمل حسنة رآها منة من الله عليه، فإنْ قَبِلها فمنَّة ثانية، فإن ضاعفها فمنَّة ثالثة، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به. وإن عمل سيئة رآها من تخلِّي ربه عنه، وإمساك عصمته عنه. إنْ أَخَذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن غفرها له فبمحض إحسانه وكرمه. وجميع ما في السماوات والأرض عبيد لله. وكل إنسان يجب أن يقر أنه عبداً لله كوناً وشرعاً: فأنت عبده كوناً؛ لأنه الخالق لك، والمالك لك، المدبر لأمرك، وأنت عبده إن شاء أعطاك، وإن شاء منعك، وإن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن شاء هداك، وإن شاء أضلك. يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته ورحمته. وأنت عبده شرعاً ً، يجب أن تعبده بما شرع، تفعل الأوامر، وتجتنب النواهي، وتؤمن بالله؛ لتسعد في الدنيا والآخرة. وجميع الخلق فقراء إلى الله، وفقرهم قسمان: 1 - فقر اضطراري، وهو فقر جميع المخلوقات إلى ربها في وجودها وحركتها وما يلزمها. 2 - وفقر اختياري، وهو ثمرة معرفتين: معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد نفسه. فمن عرف ربه بالغنى المطلق، عرف نفسه بالفقر المطلق، ولزم باب العبودية إلى أن يلقى ربه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر/15].

(1/25)


4 - الشرك - الشرك: هو جعل شريك للهِ تعالى في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. فإذا اعتقد الإنسان أن مع الله خالقاً أو معيناً فهو مشرك، ومن اعتقد أن أحداً سوى الله يستحق أن يعبد فهو مشرك، ومن اعتقد أن للهِ مثيلاً في أسمائه وصفاته فهو مشرك. - خطر الشرك: 1 - الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله تعالى الخاص به وهو التوحيد. فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم وأقبح القبيح؛ لأنه تَنقُّص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/48]. 2 - الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان/13]. 3 - الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال، وموجب للهلاك والخسران، وهو من أكبر الكبائر: 1 - قال الله تعالى: ... {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر/65]. 2 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاثاً، قاَلوُا: بلَىَ ياَ رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتّكِئاً «أَلا وَقُولُ الزُّوْرِ» قَال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (1). - قبائح الشرك: ذكر الله عز وجل للشرك أربع قبائح في أربع آيات وهي: _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654)، واللفظ له، ومسلم برقم (87).

(1/26)


1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء/48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء /116]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة /72]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} [الحج/31]. - عقوبة أهل الشرك: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} [النساء/150 - 151]. 2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدَّاً دَخَلَ النَّارَ». متفق عليه (1). - أساس الشرك: أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها هو التعلق بغير الله، ومن تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وعذبه به، وخذله من جهة ما تعلق به، وصار مذموماً لا حامد له، مخذولاً لا ناصر له كما قال سبحانه: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء /22]. - فقه الشرك: الإشراك بالله في أسمائه وصفاته .. والإشراك بالله في حكمه .. والإشراك بالله في عبادته .. كل هذه الأقسام شرك بالله. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4497)، واللفظ له، ومسلم برقم (92).

(1/27)


فالأول شرك في الربوبية، والثاني شرك في الطاعة، والثالث شرك في العبادة. والله عز وجل هو الرب العلي الكبير، وهو الخالق لكل شيء وحده. فله وحده حق التشريع، وله وحده حق العبادة. والشرك بالله في حكمه كالشرك بالله في عبادته، كلاهما شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام؛ لأن العبادة حق لله وحده لاشريك له كما قال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف/110]. والحكم حق لله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} [الكهف / 26]. وكل من اتبع تشريعاً سوى ما أنزل الله فهو مشرك كافر بالله، وربه ذلك التشريع الذي وضعه إبليس على ألسنة أوليائه من الكفرة كما قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة / 31]. وعبادة الشيطان هي اتباع نظامه وشرعه، الذي يجرُّ به الخلق إلى الشرك. وقد حذرنا الله من هذا العدو بقوله سبحانه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} [يس / 60 - 61]. والكفار الذين يسجدون للأصنام كفرة فجرة، فإذا غيروا حكم الله، واتبعوا تشريع الشيطان، كان ذلك كفراً جديداً زائداً على كفرهم الأول كما قال سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} [التوبة / 37].

(1/28)


5 - أقسام الشرك - الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر. 1 - فالشرك الأكبر مخرج من الملة، ومحبط لجميع الأعمال، وصاحبه حلال الدم والمال، ومخلد في النار إذا مات ولم يتب منه، وهو صرف العبادة أو بعضها لغير الله كدعاء غير الله، والذبح والنذر لغير الله من أهل القبور والجن والشياطين وغيرهم، وكدعاء غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال الغنى والشفاء، وطلب الحاجات ونزول الغيث من غير الله، ونحو ذلك مما يقوله الجاهلون عند قبور الأولياء والصالحين، أو عند الأصنام من أشجار وأحجار ونحوها. - من أنواع الشرك الأكبر: 1 - الشرك في الخوف: وهو أن يخاف غير الله من وثن أو صنم أو طاغوت أو ميت أو غائب من جن أو إنس أن يضره أو يصيبه بما يكره. وهذا الخوف من أعظم مقامات الدين وأجلِّها، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، قال الله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران/175]. 2 - الشرك في التوكل: التوكل على الله في جميع الأمور وفي جميع الأحوال من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها للهِ وحده، فمن توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالتوكل على الموتى والغائبين ونحوهم في دفع المضار، وتحصيل المنافع والأرزاق فقد أشرك بالله الشرك الأكبر. قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة/23]. 3 - الشرك في المحبة: محبة الله هي المحبة التي تستلزم كمال الذل وكمال الطاعة للهِ، وهذه المحبة خالصة للهِ، لا يجوز أن يشرك معه فيها أحد، فمن أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فقد اتخذ من دون الله أنداداً في الحب والتعظيم وهذا شرك.

(1/29)


قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/165]. 4 - الشرك في الطاعة: من الشرك في الطاعة: طاعة العلماء والأمراء والرؤساء والحكام في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، فمن أطاعهم في ذلك فقد اتخذهم شركاء للهِ في التشريع، والتحليل، والتحريم وهذا من الشرك الأكبر كما قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة /31]. - أقسام النفاق: 1 - النفاق الأكبر: وهو النفاق الاعتقادي: بأن يُظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر، وصاحبه كافر في الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء/145]. 2 - النفاق الأصغر: وهو النفاق في الأعمال ونحوها، وصاحبه لا يخرج من ملة الإسلام لكنه عاصٍ للهِ ورسوله. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (1). 2 - الشرك الأصغر: هو ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر، يُنقص التوحيد لكنه لا يخرج من الملة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين، ولا يحل دمه ولا ماله. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34)، واللفظ له، ومسلم برقم (58).

(1/30)


والشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال. أما الشرك الأصغر فيحبط العمل الذي قارنه، كأن يعمل عملاً للهِ يريد به ثناء الناس عليه، كأن يُحسِّن صلاته أو يتصدق أو يصوم أو يذكر الله لأجل أن يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، فهذا الرياء إذا خالط العمل أبطله. ولم يرِد لفظ الشرك في القرآن إلا ويراد به الأكبر، أما الأصغر فقد وردت به السنة المتواترة. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف/110]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (1). - ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله، وقول الإنسان: «ما شاء الله وشاء فلان، أو لولا الله وفلان، أو هذا من الله وفلان، أو مالي إلا الله وفلان ونحوها». والواجب أن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان وهكذا. 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (2). 2 - وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلانٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ مَا شَاءَ فُلان». أخرجه أحمد وأبو داود (3). - الشرك الأصغر قد يكون أكبر على حسب ما يكون في قلب صاحبه، فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً: الأكبر والأصغر، فالشرك ظلم عظيم _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2985). (2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3251)، وأخرجه الترمذي برقم (1535)، واللفظ له. (3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2354)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (137)، وأخرجه أبو داود برقم (4980)، واللفظ له.

(1/31)


كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان/13]. - أفعال وأقوال من الشرك أو من وسائله: هناك أفعال وأقوال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه، وهي تنافي التوحيد، أو تعكر صفاءه، وقد حذر الشرع منها، ومن ذلك: 1 - لبس الحلقة والخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك. 2 - تعليق التمائم على الأولاد سواء كانت من خرز، أو عظام، أو كتابة، وذلك اتقاء للعين، وذلك شرك. 3 - التطير: وهو التشاؤم بالطيور أو الأشخاص أو البقاع أو نحوها، وذلك شرك؛ لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل. 4 - التبرك بالأشجار والأحجار والآثار والقبور ونحوها، فطلب البركة ورجاؤها واعتقادها في تلك الأشياء شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة. 5 - السحر: وهو ما خفي ولطف سببه. وهو عبارة عن عزائم ورقى وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه، وهو عمل شيطاني. والسحر شرك؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء علم الغيب. ومن ضروب السحر: السِّيرْك، الذي يُعرَض في بعض المسارح والقنوات، فيحرم فعله ومشاهدته، وبذل المال من أجله، والتكسب به. قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة / 102].

(1/32)


6 - الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض استناداً إلى الشياطين، وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ? قال: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». أخرجه أحمد والحاكم (1). 7 - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وحدوث الأمراض والوفيات، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار ونحوها، وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك للهِ في التدبير، وفي علم الغيب. 8 - الاستسقاء بالنجوم: وهو عبارة عن نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو غروبه كأن يقول: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى الله، فهذا شرك؛ لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره. 9 - نسبة النعم إلى غير الله، فكل نعمة في الدنيا والآخرة فمن الله، فمن نسبها إلى غيره فقد كفر وأشرك بالله، كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى السائق والملاح والطيار، أو ينسب نعمة حصول النعم واندفاع النقم إلى جهود الحكومة أو الأفراد أو العَلَم ونحو ذلك. فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده وشكره عليها، وما يجري على يد بعض المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر، وقد لا تثمر، وقد تنفع، وقد لا تنفع. قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل /53]. _________ (1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536)، وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

(1/33)


- حكم التصوير: تصوير كل ذي روح محرم، بل هو من كبائر الذنوب. والتصوير بأنواعه له أثره البالغ المشين في إفساد الدين والخُلُق أولاً وآخراً. فأولاً التصوير هو: سبب أول كفر وقع في الأرض، وهو تصوير الصالحين من قوم نوح (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا) بقصد حسن، ليروهم ويتذكروا عبادتهم فينشطوا، ثم طال الزمن فعبدوهم من دون الله. فأول جناية شركية على التوحيد في الدنيا إنما كانت بسبب التصوير. وآخراً: أن التصوير الآن سَبَّب فساد الدين، وضياع الأخلاق، وانتشار الرذيلة، والقضاء على مكارم الأخلاق، بتصوير النساء عاريات متبرجات، وعَرْضهن أمام غرائز الشباب، ليفسدوا دينهم وأخلاقهم. وهذه أعظم جناية على الأخلاق. ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما أفضى إلى محرم فهو محرم، فكيف إذا كان هو محرم ثم أفضى إلى محرم.

(1/34)


6 - الإسلام - حاجة البشرية إلى الإسلام: لا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، وحاجتهم إليه أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والهواء، وكل إنسان مضطر الى الشرع، فهو بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره، والإسلام هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره. - دين الإسلام ثلاث مراتب وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان. - الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان: 1 - الإسلام والإيمان إذا قُرِن أحدهما بالآخر فالمقصود بالإسلام: الأعمال الظاهرة، وهي الأركان الخمسة، والمقصود بالإيمان: الأعمال الباطنة، وهي أركان الإيمان الستة، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه. 2 - دائرة الإحسان أعم من دائرة الإيمان، ودائرة الإيمان أعم من دائرة الإسلام، فالإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان، فلا يصل العبد إلى مرتبة الإحسان إلا إذا حقق الإيمان، والإحسان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإحسان طائفة من أهل الإيمان، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً. 3 - والإيمان أعم من الإسلام من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإسلام، فلا يصل العبد إلى مرتبة الإيمان إلا إذا حقق الإسلام، والإيمان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام ليسوا كلهم، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً. - الفرق بين الإسلام والكفر والشرك: الإسلام: هو الاستسلام للهِ بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. فمن استسلم للهِ وحده فهو مسلم، ومن استسلم للهِ ولغيره فهو مشرك، ومن لم

(1/35)


يستسلم للهِ فهو كافر مستكبر. والكفر: جحد للرب بالكلية. والشرك: تنقص رب العالمين بجعل غيره شريكاً له. والكفر أعظم من الشرك؛ لأن الشرك فيه إثبات للرب، وإثبات شريك له، والكفر جحد للرب، ويطلق كل واحد منهما على الآخر، وإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا شمل كل واحد معنى الآخر وحكمه. - النعمة الكبرى: الإسلام هو أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية. والقرآن الكريم أعظم كتاب أورثه الله من اصطفاه من خلقه كما قال سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر /32]. وقد قسَّم الله هذه الأمة التي أورثها هذا الكتاب العظيم إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات. فالظالم لنفسه: الذي يطيع ربه مرة، ويعصيه مرة، ويخلط العمل الصالح بالسيِّئ. وبدأ به في الآية لئلا يقنط، وإظهاراً لفضل الله عليه، ولأنهم أكثر أهل الجنة. والمقتصد: هو الذي يؤدي الواجبات، ويترك المحرمات. والسابق بالخيرات: هو الذي يؤدي الواجبات، ويترك المحرمات، ويتقرب إلى الله بالنوافل، وأخَّر ذكره في الآية لئلا يُعجب بعمله فيحبط، ولأنه أولى الناس بدخول الجنة التي ذكرها بعده، وأكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم، وأقلهم السابقون. ولما كان الظالمون لأنفسهم أكثر أهل الجنة بدأ بهم. وقد وعد الله جميع الأقسام الثلاثة بدخول الجنة كما قال سبحانه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}] فاطر/33].

(1/36)


7 - أركان الإسلام - أركان الإسلام خمسة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ». متفق عليه (1). - معنى شهادة أن (لا إله إلا الله): أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه أنه لا معبود بحق إلا الله عز وجل، وما سواه من المعبودات فألوهيتها باطلة وعبادتها باطلة. وهي مشتملة على نفي وإثبات، (لا إله) أي نفي جميع ما يُعبد من دون الله (إلا الله) إثبات العبادة للهِ وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه. - معنى شهادة أن (محمداً رسول الله): طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16) واللفظ له.

(1/37)


8 - الإيمان - الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. فالإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. - شُعب الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيْمَانِ». أخرجه مسلم (1). - درجات الإيمان: الإيمان له طعم، وله حلاوة، وله حقيقة. 1 - أما طعم الإيمان فبَيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «ذَاقَ طَعْمَ الإيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». أخرجه مسلم (2). 2 - وأما حلاوة الإيمان فبيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيْمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار». متفق عليه (3). 3 - وأما حقيقة الإيمان فتحصل لمن كان عنده كمال اليقين وحقيقة الدين، وقام بجهد الدين، عبادةً ودعوة، هجرة ونصرة، جهاداً وإنفاقاً. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (35). (2) أخرجه مسلم برقم (34). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).

(1/38)


يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال /2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال/74]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات /15]. - لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. - كمال الإيمان: المحبة التامة للهِ ولرسوله تستلزم وجود محبوباته ومحبتها، فإذا كان حبه للهِ وبغضه للهِ، وهما عمل قلبه، وعطاؤه للهِ، ومنعه للهِ، وهما عمل بدنه دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل. عَنْ أبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عنْ رسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قالَ: «مَنْ أحَبَّ للهِ وأبغَضَ للهِ وأعْطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ». أخرجه أبو داود (1). - أعلى درجات الإيمان: الإيمان له لفظ، وصورة، وحقيقة. وأعلى درجات الإيمان هو اليقين؛ لأنه إيمان لا شك معه ولا تردد، بأن تتيقن ما غاب عنك كما تشاهد ما حضر بين يديك على حد سواء، فإذا صار ما أخبر الله به من الغيب فيما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخربمنزلة المشاهَد، فهذا هو كمال اليقين، وحق اليقين، وبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة /24]. _________ (1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4681)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (380).

(1/39)


9 - من خصال الإيمان - حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». متفق عليه (1). - حب الأنصار: عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «آيَةُ الإيْمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». متفق عليه (2). - حب المؤمنين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوْا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (3). - حب أخيه المسلم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ ـ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ ـ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (4). - إكرام الجار والضيف، والصمت إلا عن خير: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74). (3) أخرجه مسلم برقم (54). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له.

(1/40)


وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق عليه (1). - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيْمَانِ». أخرجه مسلم (2). - النصيحة: عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (3). - الإيمان أفضل الأعمال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ» قِيْلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (4). - الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي: 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح/4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة/124]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (49). (3) أخرجه مسلم برقم (55). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).

(1/41)


وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (1). 4 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ»، وفي رواية: «مِنْ إيمَانٍ» مكان «مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (2). - حكم أعمال الكافر التي عملها قبل إسلامه: 1 - إذا أسلم الكافر ثم أحسن فالسيئات تُغفر له لقوله سبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال/38]. 2 - وأعمال الخير يثاب عليها؛ لما ثبت أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتَ أموراً كنتُ أَتَحَنَّثُ بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (3). 3 - ومن أسلم ثم أساء فيؤاخذ بالأول والآخر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الإسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (44)، واللفظ له، ومسلم برقم (193). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436)، ومسلم برقم (123)، واللفظ له. (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6921)، ومسلم برقم (120).

(1/42)


10 - أركان الإيمان أركان الإيمان ستة، وهي المذكورة في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان؟ فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». متفق عليه (1). - قوة رابطة الإيمان: رابطة الإيمان أعظم الروابط على الإطلاق، ولشدة قوتها ربطت بين الخالق والمخلوق، وربطت بين السماء والأرض، وربطت يبن الأمة ورسولها العظيم، وربطت بين بني آدم في الأرض، وربطت بين بني آدم والملائكة، وربطت بين بني آدم والجن، وربطت بين الدنيا والآخرة. ومن أجلها خلق الله السماوات والأرض وما فيهن، وخلق الجنة والنار. ومن أجلها كان الله ولي المؤمنين، ومن أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الجهاد في سبيل الله. قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة/257]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (50) , ومسلم برقم (8) واللفظ له.

(1/43)


1 - الإيمان بالله - الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور: 1 - الإيمان بوجود الله تعالى: - فقد فطر الله كل مخلوق على الإيمان بخالقه كما قال سبحانه وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم/30]. - ودَلَّ العقلُ على أن لهذا الكون خالقاً، فإن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أَوْجَدَها، وهي لا يمكن أن تُوْجِدَ نفسها بنفسها، ولا أن تُوْجَدَ صدفة، فتعيَّن أن يكون لها مُوجِد وهو الله رب العالمين كما قال سبحانه وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)} [الطور/35 - 36]. - ودَلَّ الحسُّ على وجود الله سبحانه، فإننا نرى تقليب الليل والنهار، ورزق الإنسان والحيوان، وتدبير أمور الخلائق، مما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} [النور/44]. - والله أيّد رسله وأنبياءه بآيات ومعجزات رآها الناس، أو سمعوا بها، وهي أمور خارجة عن قدرة البشر، ينصر الله بها رسله ويؤيدهم بها، وهذا برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله عز وجل، كما جعل الله النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وفلق البحر لموسى - صلى الله عليه وسلم -، وأحيا الموتى لعيسى - صلى الله عليه وسلم -، وشق القمر لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. - وكم أجاب الله من الداعين، وأعطى السائلين، وأغاث المكروبين، مما يدل بلا ريب على وجوده، وعلمه، وقدرته سبحانه. 1 - قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال /9].

(1/44)


2 - وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء/83 - 84]. - ودَلَّ الشرعُ على وجود الله سبحانه وتعالى، فالأحكام المتضمنة لمصالح الخلق، والتي أنزلها الله عز وجل في كتبه على أنبيائه ورسله دليل على أنها من رب حكيم قادر، عليم بمصالح عباده. 2 - الإيمان بأن الله هو الرب وحده لا شريك له: والرب من له الخلق والملك والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، والأمر كله للهِ وحده، الخلق خلقه، والملك ملكه، والأمر أمره، العزيز الرحيم، الغني الحميد، يرحم إذا استُرْحِم، ويغفر إذا اسْتُغْفِر، ويعطي إذا سُئل، ويجيب إذا دُعي، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. 1 - قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف/54]. 2 - وقال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)} [المائدة/ 120]. - فنعلم ونتيقن أن الله عز وجل خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات، وصوَّر الكائنات، وخلق الأرض والسماوات، خلق الشمس والقمر، وخلق الليل والنهار، والماء والنبات، والإنسان والحيوان، والجبال والبحار {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} [الفرقان/2]. - خلق الله كل شئ بقدرته، ليس له وزير ولا مشير ولا معين، سبحانه هو الواحد القهار، استوى على العرش بقدرته، ودحا الأرض بمشيئته، وخلق الخلائق بإرادته، وقهر العباد بقوته، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو الحي القيوم. - ونعلم ونتيقن أن الله سبحانه قدير على كل شيء، محيط بكل شيء، مالك لكل شيء، عليم بكل شيء، قاهر فوق كل شيء، خضعت الأعناق لعظمته،

(1/45)


وخشعت الأصوات لهيبته، وذل الأقوياء لقوته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/82]. - يعلم سبحانه ما في السماوات وما في الأرض، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، يعلم مثاقيل الجبال، ويعلم مكاييل البحار، ويعلم عدد قطر الأمطار، ويعلم عدد ورق الأشجار، وعدد ذرات الرمال، ويعلم ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام/59]. - ونعلم ونتيقن أن الله جل جلاله كل يوم هو في شأن، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يدبر الأمر، ويرسل الرياح، وينزل الغيث، ويحيي الأرض بعد موتها، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضع ويرفع {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد/3]. - ونعلم ونتيقن أن خزائن السماوات والأرض كلها للهِ، وكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله: خزائن المياه، خزائن النبات، خزائن الهواء، خزائن المعادن، خزائن الصحة، خزائن الأمن، خزائن النعيم، خزائن العذاب، خزائن الرحمة، خزائن الهداية، خزائن القوة، خزائن العزة، كل هذه الخزائن وغيرها عند الله وبيد الله وحده {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر/21]. - وإذا علمنا ذلك وتيقنا على قدرة الله، وعظمة الله، وقوة الله، وكبرياء الله، وعلم الله، وخزائن الله، ورحمة الله، ووحدانية الله أقبلت القلوب إليه، وانشرحت الصدور لعبادته، وانقادت الجوارح لطاعته، ولهجت الألسن بذكره تعظيماً وتكبيراً، وتسبيحاً وتحميداً، فلا تسأل إلا إياه، ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل

(1/46)


إلا عليه، ولا تخاف إلا منه، ولا تعبد إلا إياه {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام /102]. 3 - الإيمان بألوهيته سبحانه: - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الإله الحق لا شريك له. وأنه وحده المستحق للعبادة، فهو رب العالمين، وإله العالمين، ونعبده بما شرع، مع كمال الذل له، وكمال الحب، وكمال التعظيم. - ونعلم ونتيقن أن الله كما أنه واحد في ربوبيته لا شريك له، فكذلك هو واحد في ألوهيته لا شريك له، فنعبده وحده لا شريك له، ونجتنب عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة/163]. - والله هو الإله الحق، وكل معبود من دون الله فألوهيته باطلة، وعبادته باطلة {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج/62]. 4 - الإيمان بأسماء الله وصفاته: ومعناه: فهمها وحفظها والاعتراف بها، والتعبد للهِ بها، والعمل بمقتضاها، فمعرفة أوصاف العظمة للهِ والكبرياء والمجد والجلال تملأ قلوب العباد هيبة للهِ وتعظيماً له. ومعرفة أوصاف العزة والقدرة والجبروت تملأ القلوب ذلة وانكساراً وخضوعاً بين يدي ربها. ومعرفة أوصاف الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة وطمعاً في فضل الله وإحسانه وجوده. ومعرفة أوصاف العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في حركاته وسكناته. ومجموع هذه الصفات توجب للعبد محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، والتوكل عليه، والتقرب إليه بعبادته وحده لا شريك له.

(1/47)


- ونثبت للهِ سبحانه ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء والصفات، ونؤمن بها، وبما دلت عليه من المعاني والآثار. فنؤمن بأن الله (رحيم) ومعناه أنه ذو رحمة، ومن آثار هذا الاسم: أنه يرحم من يشاء، وهكذا القول في بقية الأسماء، ونثبت ذلك على ما يليق بجلاله سبحانه من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/11]. - ونعلم ونتيقن أن الله وحده له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وندعوه بها: 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف/180]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اسْماً، مِائَةً إلَّا وَاحِداً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ». متفق عليه (1). - أركان الإيمان بأسماء الله وصفاته: الإيمان بأسماء الله وصفاته يقوم على ثلاثة أصول: الأول: تنزيه خالق السماوات والأرض عن مشابهة المخلوقين في الذات والأسماء والصفات. الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله من الأسماء الصفات. الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية أسماء الله وصفاته، فكما لا نعلم كيفية ذاته كذلك لا نعلم كيفية أسمائه وصفاته كما قال سبحانه: { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/11]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677).

(1/48)


أسماء الله الحسنى أسماء الله عز وجل دالة على أوصاف كماله، وهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء، وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى. والعلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم، وأعظمها وأوجبها. ومن أسماء الله عز وجل: الله: وهو المألوه المعبود الذي تأْلَهه الخلائق وتحبه، وتعظمه، وتخضع له، وتفزع إليه في الحوائج. وهو الرحمن الرحيم: الذي وسعت رحمته كل شيء، ووصلت رحمته إلى كل مخلوق. وهو الملك: الذي ملك الخلائق كلها، المالك: الذي ملك الممالك والملوك والعبيد، المليك: النافذ أمره في ملكه، بيده الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء. وهو القدوس: المنزه عن النقائص والعيوب، الموصوف بصفات الكمال. وهو السلام: الذي سلم من كل عيب وآفة ونقص. وهو المؤمن: الذي أَمِنَ خلقه من أن يظلمهم، خلق الأمن ومنَّ به على من شاء من عباده. وهو المهيمن: الشاهد على خلقه بما يصدر منهم، لا يغيب عنه شيء. وهو العزيز: الذي له العزة كلها، فهو العزيز الذي لا يرام جنابه، والقاهر الذي لا يُغلب، والقوي الشديد الذي خضعت له المخلوقات. وهو الجبار: العالي على خلقه، القاهر لهم على ما أراد، ذو الجبروت والعظمة الذي يجبر عباده ويصلح أحوالهم. وهو المتكبر: الذي تكبر عن صفات الخلق فلا شيء مثله، الذي تكبر عن كل سوء وظلم.

(1/49)


وهو الكبير: الذي كل شيء دونه صغير، وله الكبرياء في السماوات والأرض. وهو الخالق: المبدع للخلق على غير مثال سبق. الخلاق: الذي خلق ويخلق كل شيء بقدرته. وهو البارئ: الذي برأ الخلق فأوجدهم بقدرته، وميز بعض خلقه عن بعض، وجعلهم أبرياء. وهو المصور: الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، من الطول والقصر، والكبر والصغر. وهو الوهاب: الذي يجود بالعطاء والنعم على الدوام. وهو الرزاق: الذي وسع الخلق كلهم رزقه. الرازق: الذي خلق الأرزاق وأوصلها الى خلقه. وهو الغفور الغفار: المعروف بالغفران والعفو والصفح. الغافر: الساتر لذنوب عباده. وهو القاهر: العالي والقاهر فوق عباده، الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة. وهو القهار: الذي قهر الخلائق كلها على ما أراد، فهو القاهر وما سواه مقهور. وهو الفتاح: الذي يحكم بين عباده بالحق والعدل، ويفتح لهم أبواب الرحمة والرزق، الناصر لعباده المؤمنين، المتفرد بعلم مفاتح الغيب. وهو العليم: الذي لا يخفى عليه شيء، العالم بالسر والخفيات، والظواهر والبواطن، والأقوال والأفعال، والغيب والشهادة، علام الغيوب. وهو المجيد: الذي تمجَّد بأفعاله، ومجَّده خلقه لعظمته، فهو المحمود على مجده، وعظمته، وإحسانه. وهو الرب: المالك المتصرف، رب الأرباب، ومالك الخلائق، الذي يربي خلقه ويقوم بأمورهم في الدنيا والآخرة، لا إله غيره، ولا رب سواه. وهو العظيم: ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه.

(1/50)


وهو الواسع: الذي وسعت رحمته كل شيء، ووسع رزقه الخلق أجمعين، واسع العظمة والملك والسلطان، واسع الفضل والإحسان. وهو الكريم: الذي له قدر عظيم، الكثير الخير دائمه، المنزه عن النقائص والآفات، الأكرم: الذي عمَّ الجميع بعطائه وفضله. وهو الودود: المحب لمن أطاعه وأناب إليه، المثني عليهم، المحسن إليهم وإلى غيرهم. وهو المقيت: الحافظ لكل شيء، القائم على كل شيء، المعطي لأقوات الخلق. وهو الشكور: الذي يضاعف الحسنات، ويمحو السيئات. الشاكر: الذي يشكر اليسير من الطاعة، فيعطي الثواب الجزيل، ويعطي الكثير من النعم، ويرضى باليسير من الشكر. وهو اللطيف: الذي لا يخفى عليه شيء، البَرُّ بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، لطيف لا تدركه الأبصار. وهو الحليم: الذي لا يَعْجَل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم، بل يمهلهم ليتوبوا. وهو الخبير: الذي لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه، من متحرك وساكن، وناطق وصامت، وصغير وكبير. وهو الحفيظ: الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بكل شيء. الحافظ: الذي حفظ أعمال العباد، وحفظ أولياءه من الوقوع في الذنوب، الذي لا يغيب عما يحفظه. وهو السميع: الذي يسمع جميع الأصوات، وسع سمعه الأصوات، لا يشغله سمع عن سمع مع اختلاف الألسنة واللغات والحاجات، يستوي عنده السر والعلانية، والقريب والبعيد. وهو البصير: الذي يبصر كل شيء، العليم بحاجات وأعمال العباد، ومن يستحق

(1/51)


الهداية، ومن يستحق الضلالة، لا يعزب عنه شيء، ولا يغيب عنه شيء. وهو العلي الأعلى المتعال: ذو العلو والارتفاع، الذي كل شيء تحت قهره وسلطانه، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي لا أكبر منه. وهو الحكيم: الذي يضع الأشياء في محلها بحكمته وعدله، الحكيم في أقواله وأفعاله. الحكم الحاكم: الذي سلم له الحكم فلا يجور ولا يظلم أحداً. وهو القيوم: القائم بنفسه فلا يحتاج الى أحد، المقيم لغيره، القائم بتدبير الخلائق كلها لا تأخذه سنة ولا نوم. وهو الواحد الأحد: الذي توحَّد بجميع الكمالات لا يشاركه فيها أحد. وهو الحي: الباقي الذي لا يجوز عليه الموت ولا الفناء. وهو الحاسب الحسيب: الكافي لعباده الذي لا غنى لهم عنه أبداً، المحاسب لعباده. وهو الشهيد: المطَّلع على جميع الأشياء، الذي أحاط علمه بكل شيء، والذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه. وهو القوي المتين: التام القوة، الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، الشديد القوي الذي لا تنقطع قوته. وهو الولي: مالك التدبير، المولى: المحب الناصر المعين لعباده المؤمنين. وهو الحميد: الذي يستحق الحمد، المحمود على أسمائه وصفاته، وأفعاله وأقواله، وإحسانه، وشرعه وقدره. وهو الصمد: الذي بلغ الكمال في سؤدده وعظمته وجوده، الذي يُصمد إليه في الحوائج. وهو القدير القادر المقتدر: كامل القدرة، لا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء، الذي

(1/52)


له القدرة التامة الدائمة الشاملة. وهو الوكيل: القائم بأمر الخلائق كلها. وهو الكفيل: الحفيظ لكل شيء، القائم على كل نفس، المتكفل بأرزاق الخلائق، ورعاية مصالحهم. وهو الغني: الذي استغنى عن الخلق، ولا حاجة له إلى أحد أصلاً. وهو الحق المبين: الذي لا شك ولا ريب في وجوده، الذي لا يخفى على خلقه، المبين: الذي أوضح لخلقه سبل النجاة في الدنيا والآخرة. وهو النور: الذي أنار السماوات والأرض، ونوَّر قلوب المؤمنين بمعرفته والإيمان به. وهو ذو الجلال والإكرام: الذي يستحق أن يُهاب ويُثنى عليه وحده، ذو العظمة والكبرياء، وذو الرحمة والإحسان. وهو البَرُّ: الرحيم بعباده، العطوف عليهم، المحسن إليهم. وهو التواب: الذي يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين، خلق التوبة وقَبِلها من عباده. وهو العفو: الذي وسع عفوه ما يصدر من ذنوب عباده لا سيما مع التوبة والاستغفار. وهو الرؤوف: ذو الرأفة، والرأفة: شدة الرحمة وأعلاها. وهو الأول: الذي ليس قبله شيء، والآخر: الذي ليس بعده شيء. والظاهر: الذي ليس فوقه شيء، والباطن: الذي ليس دونه شيء. وهو الوارث: الباقي بعد فناء خلقه، وإليه مرجع كل شيء ومصيره، الحي الذي لا يموت. وهو المحيط: الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، فلا يقدرون على فوته، أو الفرار منه، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.

(1/53)


وهو القريب من كل أحد، القريب من الداعي، والمتقرَّب إليه بأنواع الطاعة والإحسان. وهو الهادي: الذي هدى سائر الخلق إلى مصالحهم، الهادي عباده، المبين لهم طريق الحق من الباطل. وهو البديع: الذي لا مثيل له ولا شبيه، الذي فطر المخلوقات على غير مثال سبق. وهو الفاطر: الذي خلق المخلوقات، وفطر السماوات والأرض وقد كانتا عدماً. وهو الكافي: الذي كفى عباده جميع ما يحتاجون إليه ويضطرون إليه. وهو الغالب: القاهر أبداً، الغالب لكل طالب، لا يملك أحد أن يرد ما قضى، أو يمنع ما أمضى، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. وهو الناصر النصير: الذي ينصر رسله وأتباعهم على أعدائهم، بيده النصر وحده لا شريك له. وهو المستعان: الذي لا يَطلب العون، بل يُطلب منه العون، يسأله أولياؤه وأعداؤه، ويمد هؤلاء وهؤلاء. وهو ذو المعارج: الذي تعرج إليه الملائكة والروح، وتصعد إليه الأعمال والأقوال الصالحة والطيبة. وهو ذو الطَّول: الذي بسط الفضل والنعم والمنن على خلقه. وهو ذو الفضل: الذي يملك كل شيء، ويتفضل على عباده بأنواع النعم. وهو الرفيق: الذي يحب الرفق وأهله، رؤوف بالعباد، رحيم بهم. وهو الجميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. وهو الطيب: المنزه عن النقائص والعيوب. وهو الشافي لكل آفة وعاهة ومرض وحده لا شريك له. وهو السبوح: المنزه عن كل عيب ونقص، الذي تسبح له السماوات السبع

(1/54)


والأرض ومن فيهن، ويسبح بحمده كل شيء. وهو الوتر: الذي لا شريك له ولا مثيل ولا نظير، وتر يحب الوتر من الأعمال والطاعات. وهو الديان: الذي يحاسب العباد ويجازيهم، ويحكم بينهم يوم المعاد. وهو المقدِّم والمؤخِّر: يقدم من يشاء، ويؤخر من يشاء، ويرفع من شاء، ويضع من شاء. وهو المَنَّان: الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، كثير العطاء، يمن على عباده بأنواع الإحسان والإنعام والأرزاق والعطايا. وهو القابض: الذي يطوي بره ومعروفه عمن يريد. الباسط: الذي ينشر فضله، ويوسع رزقه على من شاء من عباده. وهو الحيي السِّتِّير: الذي يحب أهل الحياء والستر من عباده، ويستر على عباده الكثير من الذنوب والعيوب. وهو السيد: الذي كمل في سؤدده وعظمته وقوته وسائر صفاته. وهو المحسن: الذي غمر الخلق جميعاً بإحسانه وفضله.

(1/55)


زيادة الإيمان - أساس الدين هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته وعلى أسمائه وصفاته، وأفعاله وخزائنه، ووعده ووعيده، وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم، وإذا ضعف هذا الإيمان ونقص ضعفت الأعمال والعبادات فساءت الأحوال. وحتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور: الأول: أن نعلم ونتيقن أن خالق كل شيء هو الله ظاهراً كان أو باطناً، صغيراً كان أو كبيراً، فخالق السماء هو الله، وخالق الأرض هو الله، وخالق العرش هو الله، وخالق الملائكة هو الله، وخالق النجوم هو الله، وخالق البحار والجبال هو الله، وخالق الإنسان والحيوان والنبات والجماد هو الله، وخالق الجنة هو الله، وخالق النار هو الله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر/62]. نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية والآيات القرآنية نظر اعتبار وتفكر حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، وقد أمرنا الله بذلك. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس/101]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد/24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة/124]. الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله خلق المخلوقات وخلق فيها الأثر، فخلق العين وخلق فيها الأثر: وهو البصر، وخلق الأذن وخلق فيها الأثر: وهو السمع، وخلق اللسان وخلق فيه الأثر: وهو الكلام، وخلق الشمس وخلق فيها الأثر: وهو النور، وخلق النار وخلق فيها الأثر: وهو الإحراق، وخلق الشجر وخلق فيه

(1/56)


الأثر: وهو الثمر وهكذا. الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الذي يملك جميع المخلوقات، ويتصرف فيها، ويدبرها هو الله وحده لا شريك له، فكل ما في السماء والأرض من المخلوقات كبيرهم وصغيرهم كلهم عبيد فقراء إلى الله، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا نصراً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فالله مالكهم، وهم محتاجون إليه، وهو غني عنهم. وهو سبحانه الذي يصرف الكون ويدبر أمور جميع خلقه، فالذي يتصرف في السماء والأرض، وفي المياه والبحار، وفي النار والرياح، وفي الأنفس والنباتات، وفي الكواكب والجمادات، وفي الرؤساء والوزراء، وفي الأغنياء والفقراء، وفي الأقوياء والضعفاء وغيرهم هو الله وحده لا شريك له. فالله عز وجل يتصرف بقدرته وحكمته وعلمه كيف يشاء، فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والبحر ولا يغرق، والنار ولا تحرق، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء، لا إله إلا هو الواحد القهار وهو على كل شيء قدير. - وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء سبحانه، والواجب أن نصل بهذا العلم وبهذا النظر من المخلوق إلى الخالق الذي خلقه وصوره، فنعبده وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس/31 - 32]. الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن جميع الأشياء عند الله وحده لا عند غيره، فكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله، خزائن الطعام والشراب، والحبوب والثمار،

(1/57)


والمياه والرياح، والأموال والبحار، والجبال وغيرها كلها عند الله، فكل ما نحتاجه نطلبه من الله ونسأله إياه، ونكثر من العبادات والطاعات، فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، هو خير المسؤولين، وخير المعطين، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} ... [الحجر/21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون/7]. - قدرة الله عز وجل: الله عز وجل له القدرة المطلقة: 1 - أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب كما جعل الماء سبباً للإنبات، ووطء المرأة سبباً للإنجاب، ونحن في دار الأسباب فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله. 2 - وأحياناً يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر. 3 - وأحياناً يستعمل قدرته سبحانه بضد الأسباب كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكما نجى موسى - صلى الله عليه وسلم - وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نجى يونس - صلى الله عليه وسلم - في ظلمة بطن الحوت والبحر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/82]. هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال: 1 - فنعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده من الغنى والفقر .. والصحة والمرض .. والفرح والحزن .. والضحك والبكاء .. والعزة والذلة .. والحياة والموت .. والأمن والخوف .. والبرد والحر .. والهداية والضلالة .. والسعادة

(1/58)


والشقاوة .. فهذه وغيرها من الأحوال خلقها الله سبحانه. 2 - أن نعلم ونتيقن أن الذي يدبر الأمر ويُصَرِّف هذه الأحوال هو الله وحده، فلا يتبدل الفقر بالغنى إلا بأمر الله، ولا المرض بالصحة إلا بأمر الله، ولا تتغير الذلة بالعزة إلا بأمر الله، ولا الضحك بالبكاء إلا بأمر الله، ولا يموت حي إلا بإذن الله، ولا يتغير البرد بالحر إلا بأمر الله، ولا تتبدل الضلالة بالهداية إلا بأمر الله وهكذا. فتأتي الأحوال بأمره سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتبقى بأمره، وتنتهي بأمره، فعلينا أن نطلب تغيير الأحوال ممن يملكها بالتقرب إليه وحده بما شرع: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران/26]. 3 - أن نعلم ونتيقن أن خزائن جميع الأحوال السابقة وغيرها عند الله وحده لا شريك له، فلو أعطى الله سبحانه الصحة أو الغنى أو غيرهما كل الناس لم ينقص ما في خزائنه سبحانه إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، لا إله إلا هو الغني الحميد. عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي! إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ لَنْ تبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ

(1/59)


وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ. يَا عِبَادِي! إنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ». أخرجه مسلم (1). - فالذي يؤمن بالله، ويمتثل أوامر الله على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالله عز وجل يرضى عنه، ويعطيه من خزائنه - غنياً كان أو فقيراً -، ويؤيده وينصره، ويدخله الجنة، ويحفظه ويعزه بالإيمان، سواء كانت عنده أسباب العزة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، أو لم تكن عنده أسباب العزة كبلال وعمار وسلمان رضي الله عنهم وغيرهم. ومن لم يؤمن بالله: فإن كانت عنده أسباب العزة من الملك والمال أذله الله بها كما أذل فرعون وقارون وهامان، وغيرهم. وإن كانت عنده أسباب الذلة أذله الله بها كفقراء المشركين. - والله خلق الإنسان للإيمان والأعمال الصالحة، وعبادة ربه وحده لا شريك له، ولم يخلقه ليستكثر من الأموال والأشياء والشهوات، فإن شغل نفسه بهذه الأشياء عن عبادة ربه سلطها الله عليه، وجعلها سبباً في شقائه وهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة/55]. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2577).

(1/60)


- أسباب الفوز والفلاح: أعطى الله عز وجل كل إنسان أسباب الفوز والفلاح أياً كان غنياً أو فقيراً، والأسباب التي ليس فيها فوز ولا فلاح كالمال والجاه أعطى منها بعض الناس دون بعض، فالإيمان والأعمال الصالحة هي السبب الوحيد للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي حق مبذول لكل أحد، وكذلك مكان الإيمان وهي القلوب موجودة عند كل أحد، ومكان الأعمال وهي الجوارح مملوكة لكل أحد، فمن في قلبه الإيمان وصدرت من جوارحه الأعمال الصالحة فاز في الدنيا والآخرة وما سواه فهو من الخاسرين. 1 - يحصل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة فقط بالإيمان والأعمال الصالحة، وقيمة الإنسان عند الله بقدر ما فيه من الإيمان، وما يقوم به من الأعمال الصالحة، لا بما يملك من الأموال والأشياء والمناصب. وقد اعتقد قوم أن الفوز والفلاح في الملك والدولة كنمرود وفرعون، واعتقد آخرون أنه في القوة كقوم عاد، واعتقد آخرون أنه في التجارة كقوم شعيب، واعتقد آخرون أنه في الزراعة كقوم سبأ، واعتقد آخرون أنه في الصناعة كقوم ثمود، واعتقد آخرون أنه في المال كقارون. وقد أرسل الله عز وجل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لهؤلاء الأقوام يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويبينون لهم أن الفوز والفلاح ليس في هذه الأشياء بل بالإيمان والأعمال الصالحة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)} [النور/52]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ} [البقرة/3 - 5]. 2 - وهؤلاء الأقوام لما كذبوا الرسل، واستمروا على كفرهم، واغتروا بما عندهم

(1/61)


دَمَّرهم الله وأنجى أنبياءه ورسله وأتباعهم، ونصرهم على أعدائهم. 1 - قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت/40]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)} [هود/66 - 67]. - فقه تزكية النفوس: التزكية: طهارة الظاهر والباطن من كل درن ونجاسة. والتزكية لها ثلاث متعلقات: 1 - في حق الله: يتزكى الإنسان ويتطهر من الشرك والنفاق والرياء، فيعبد الله مخلصاً له الدين. 2 - في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يتزكى ويتطهر من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة الله ورسوله. 3 - في حق الناس: يزكي نفسه ويطهرها من الأخلاق السيئة كالغل والحسد والكذب والغيبة والإعتداء على الخلق. ومن رُزِق هذا فقد نال الدرجات العالية في الإيمان والعلم والعمل والخُلُق. قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [الشمس/9 - 10] والفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.

(1/62)


- تفاضل أهل الإيمان: 1 - إيمان الخلق درجات متفاوتة: 1 - فإيمان الملائكة ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات. 2 - وإيمان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يزيد ولا ينقص؛ لكمال معرفتهم بالله، وهم درجات. 3 - وإيمان سائر المسلمين يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهم درجات في الإيمان، والإيمان درجات: فأول درجات الإيمان تجعل المسلم يؤدي العبادة للهِ عز وجل ويتلذذ بها ويحافظ عليها، ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من الناس يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لنفسه ولغيره، ولحسن المعاشرة لمن دونه من الخلق كالحاكم مع رعيته، والرجل مع أهله يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه، وكلما زاد الإيمان زاد اليقين وزاد العمل الصالح، وصار العبد يؤدي حق الله وحقوق عباده، فهو حسن الخُلق مع الخالق ومع المخلوق، فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة. 2 - كل عبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما الى أسفل، وإما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة. فكل عبد ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف ألبتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء، فمن لم يتقدم إلى الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة فهو متأخر إلى النار بالكفر والأعمال السيئة. قال الله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} [المدثر/36 - 37].

(1/63)


3 - أهل الإيمان متفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً، فإيمان الأنبياء والرسل ليس كإيمان غيرهم، وإيمان الصحابة رضي الله عنهم ليس كإيمان غيرهم، وإيمان المؤمنين الصالحين ليس كإيمان الفاسقين. وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وما شرعه لعباده، وخشية الله وتقواه، وتفاوت نور (لا إله إلا الله) في قلوب أهلها لا يحصيه إلا الله تعالى. 4 - أعرف الخلق بالله أشدهم حبّاً له، ولهذا كانت الرسل أعظم الناس حباً للهِ، وتعظيماً له. ومحبة الله لذاته وإحسانه وجماله وجلاله أصل العبادة، وكلما قويت المحبة كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، والسرور والأنس بالله أكمل.

(1/64)


وعد الله على الإيمان - وعد الله عز وجل المؤمنين بموعودات كثيرة في الدنيا والآخرة. أ- موعودات المؤمنين في الدنيا منها: 1 - الفلاح كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون/1]. 2 - الهداية كما قال سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} [الحج/54]. 3 - النصر كما قال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم/47]. 4 - العزة كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ... [المنافقون/8]. 5 - الخلافة والتمكين في الأرض كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور/55]. 6 - الدفاع عنهم كما قال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج/38]. 7 - الأمن كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام/82]. 8 - النجاة كما قال سبحانه {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)} [يونس/103]. 9 - الحياة الطيبة كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل/97]. 10 - عدم تسليط الكفار عليهم كما قال سبحانه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء/141].

(1/65)


11 - حصول البركات كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف/96]. 12 - معية الله الخاصة كما قال سبحانه: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} [الأنفال/19]. ب - أما الموعودات في الآخرة فمنها: 1 - دخول المؤمنين الجنة والخلود فيها، والرضوان من الله تعالى كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة/72]. 2 - رؤية الله عز وجل والقرب منه كما قال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة/22 - 23]. - الصفات الموعودة في الدنيا غير موجودة في حياة كثير من المسلمين اليوم، مما يدل على ضعف إيمانهم، ولا سبيل للحصول عليها أو رؤيتها إلا بتقوية الإيمان الموجود بالإيمان المطلوب؛ لنحصل على موعودات الله المذكورة في الدنيا على الإيمان، بأن يكون إيماننا وأعمالنا كإيمان الأنبياء والصحابة وأعمالهم. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} [البقرة/137]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء/136]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة/208].

(1/66)


2 - الإيمان بالملائكة - الإيمان بالملائكة: هو التصديق الجازم بأن للهِ ملائكةً موجودين، نؤمن بمن سمى الله منهم كجبريل - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم نعلم اسمه منهم فنؤمن بهم إجمالاً، ونؤمن بما علمنا من صفاتهم وأعمالهم. - وهم من حيث الرتبة: عباد مكرمون، عابدون للهِ تعالى، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، وهم عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور. - وهم من حيث العمل: يعبدون الله ويسبحونه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء/19 - 20]. - وهم من حيث الطاعة للهِ: منحهم الله عز وجل الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه، وهم مجبولون على الطاعة: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} ... [التحريم/6]. - عدد الملائكة: الملائكة عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى، منهم حملة العرش، وخزنة الجنة، وخزنة النار، والحفظة، والكتبة وغيرهم، يُصلي منهم كل يوم في البيت المعمور سبعون ألف ملك، فإذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم. ففي قصة المعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى السماء السابعة قال: « ... فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيهِمْ». متفق عليه (1). - أسماء وأعمال الملائكة: الملائكة عباد مكرمون، خلقهم الله لطاعته وعبادته، ولا يعلم عددهم إلا الله، منهم من أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم، ومنهم من اختص الله بعلمهم، وقد _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162).

(1/67)


وَكَّلهم الله بأعمال، ومنهم: 1 - جبريل عليه الصلاة والسلام: وهو الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل. 2 - ميكائيل عليه الصلاة والسلام: وهو الموكل بالقطر والنبات. 3 - إسرافيل عليه الصلاة والسلام: وهو الموكل بالنفخ في الصور. وهؤلاء أعظم الملائكة، وهم موكلون بأسباب الحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض بعد موتها، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الأجساد بعد موتها. 4 - مالك خازن النار: وهو الموكل بالنار. 5 - رضوان خازن الجنة: وهو الموكل بالجنة. ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومنهم حملة العرش، وخزنة الجنة، وخزنة النار. ومنهم الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم، وحفظ أعمالهم وكتابتها لكل شخص، ومنهم الموكل بالعبد دائماً، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ومنهم ملائكة يتبعون مجالس الذكر. ومنهم الملائكة الموكلون بالأجنة في الأرحام يكتبون رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد بأمر الله. ومنهم الملائكة الموكلون بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه. وغيرهم كثير مما لا يحصيه إلا الله الذي أحصى كل شيء عدداً. - وظيفة الكرام الكاتبين: خلق الله الملائكة الكرام الكاتبين، وجعلهم علينا حافظين، يكتبون الأقوال والأعمال والنيات، مع كل إنسان ملكان: صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد

(1/68)


من ورائه، وواحد من أمامه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار/10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق/17 - 18]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد/ 11]. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقولُ اللهُ: إذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا له بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ». متفق عليه (1). - عظمة خلق الملائكة: 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (2). 2 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ إنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ». أخرجه أبو داود (3). - ثمرات الإيمان بالملائكة: 1 - العلم بعظمة الله تعالى، وقدرته، وقوته، وحكمته، فقد خلق الملائكة الذين لا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7501)، واللفظ له، ومسلم برقم (128). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174). (3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4727)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (151).

(1/69)


يعلم عددهم إلا الله، وجعل منهم حملة العرش الواحد منهم ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة، فكيف بعظمة العرش؟ وكيف عظمة من فوق العرش؟ فسبحان من له الملك: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية/37]. 2 - حَمْد الله وشكره على عنايته ببني آدم حيث وكَّل من الملائكة من يقوم بحفظهم، ونصرتهم، وكتابة أعمالهم. 3 - محبة الملائكة على ما يقومون به من عبادة الله تعالى، والدعاء، والاستغفار للمؤمنين كما قال الله عز وجل عن حملة العرش ومن حوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر/7 - 9].

(1/70)


3 - الإيمان بالكتب - الإيمان بالكتب: هو التصديق الجازم بأن الله تعالى أنزل كتباً على أنبيائه ورسله هداية لعباده، وهي من كلامه حقيقة، وأن ما تضمنته حق لا ريب فيه، منها ما سمى الله في كتابه، ومنها ما لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله عزوجل. - عدد الكتب السماوية المذكورة في القرآن: بَيَّن الله عز وجل في القرآن أنه أنزل الكتب الآتية: 1 - «صحف إبراهيم» - صلى الله عليه وسلم -. 2 - «التوراة»: وهي الكتاب الذي أنزله الله على موسى - صلى الله عليه وسلم -. 3 - «الزبور»: وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود - صلى الله عليه وسلم -. 4 - «الإنجيل»: وهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى - صلى الله عليه وسلم -. 5 - «القرآن»: وهو الكتاب الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة. - حكم الإيمان والعمل بالكتب السماوية السابقة: نؤمن بأن الله عز وجل أنزل هذه الكتب، ونصدق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة، ونعمل بأحكام ما لم ينسخ منها مع الرضا والتسليم، وما لم نعلم اسمه من الكتب السماوية نؤمن به إجمالاً. - جميع الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها منسوخة بالقرآن العظيم كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة/48].

(1/71)


- حكم ما في أيدي أهل الكتاب من الكتب: ما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة والإنجيل لا تصح نسبته كله إلى أنبياء الله ورسله، فقد وقع فيهما التحريف والتبديل، كنسبتهم الولد إلى الله، وتأليه النصارى لعيسى بن مريم عليه السلام، ووصف الخالق بما لا يليق بجلاله، واتهام الأنبياء ونحو ذلك، فيجب رد ذلك كله، وعدم الإيمان إلا بما جاء في القرآن أو السنة تصديقه. - إذا حدثنا أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم، ونقول: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم، وإن كان ما قالوه باطلاً لم نصدقهم. - حكم الإيمان والعمل بالقرآن الكريم: القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل على خاتم الأنبياء وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هو آخر الكتب السماوية، وأعظمها، وأكملها، وأحكمها، أنزله الله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين. فهو أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة وهو جبريل، على أفضل الخلق وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، على أفضل أمة أخرجت للناس، بأفضل الألسنة وأفصحها وهو اللسان العربي المبين، فيجب على كل أحد الإيمان به، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه، ولا يقبل الله العمل بغيره بعد نزوله، تكفل الله بحفظه، فسلم من التحريف والتبديل، ومن الزيادة والنقصان. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر/9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء/192 - 195].

(1/72)


- دلالة آيات القرآن: آيات القرآن فيها تبيان كل شيء، وهي إما خبر أو طلب: والخبر قسمان: 1 - إما خبر عن الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله وهو الله عز وجل. 2 - وإما خبر عن المخلوق كالسماء والأرض، والعرش والكرسي، والإنسان والحيوان، والجماد والنبات، والجنة والنار، وأخبار الأنبياء والرسل وأتباعهم وأعدائهم، وجزاء كل فريق ونحو ذلك. والطلب قسمان: 1 - إما أَمْر بعبادة الله وحده، وطاعة الله ورسوله، وفِعْل ما أمر الله به كالصلاة والصيام وغير ذلك من أوامر الله. 2 - وإما نهي عن الشرك بالله، وتحذير مما حرم الله كالربا والفواحش وغير ذلك مما نهى الله عنه. - فلله الحمد والشكر، وله المنة والفضل، حيث أرسل إلينا أفضل رسله، وأنزل علينا أفضل كتبه، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزمر/23]. 2 - وقال الله تعالى: {شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [آل عمران/164].

(1/73)


4 - الإيمان بالرسل - الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأن الله عز وجل بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون، وقد بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم مَنْ أعلمنا الله باسمه، ومنهم مَنْ استأثر الله بعلمه. - تربية الأنبياء وأتباعهم: الله عز وجل يربي الأنبياء وأتباعهم ليجتهدوا أولاً على أنفسهم للحصول على الإيمان بالعبادة والتزكية والنظر والتفكر، والصبر والتضحية بكل شيء من أجل الدين، والبذل والترك من أجل إعلاء كلمة الله حتى يكمل الإيمان في حياتهم، ويأتي اليقين في قلوبهم على أن الله خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وأنه المستحق للعبادة وحده، ثم يجتهدون على حفظ الإيمان بالبيئات الصالحة كالمساجد المعمورة بالإيمان والأعمال الصالحة. ثم يجتهدون لقضاء حاجات الدين وحاجاتهم على الاستفادة من الإيمان، فيرون أن الله معهم حيثما كانوا ينصرهم ويرزقهم ويؤيدهم كما حصل من النصر للمسلمين في بدر وفتح مكة وحنين وغيرها، يتوكلون عليه سبحانه، ولا يتوكلون على أحد سواه، ثم يجتهدون على نشر الإيمان بين أقوامهم ومن أُرسلوا إليه؛ ليعبدوا الله وحده لا شريك له، ويعلمونهم أحكامه، ويتلون عليهم آيات ربهم. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة/ 2 - 4]. - الرسول: هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه إلى من لا يعلمه، أو يعلمه ولكنه خالفه.

(1/74)


- النبي: هو من أوحى الله إليه بشرع سابق، ليُعْلِم مَنْ حوله مِنْ أصحاب ذلك الشرع ويجدده، فكل رسول نبي ولا عكس. - بعث الأنبياء والرسل: لم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحي إليه بشريعة مَنْ قبله ليجددها. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة/44]. - عدد الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرون. 1 - منهم مَنْ بَيَّنَ الله أسماءهم في القرآن وقص علينا أخبارهم، وهم خمسة وعشرون. 1 - آدم - صلى الله عليه وسلم - {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} [طه/115]. 2 - 19 قال الله تعالى ذاكراً بعض أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام/83 - 89].

(1/75)


20 - إدريس - صلى الله عليه وسلم - {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)} [مريم/56]. 21 - هود - صلى الله عليه وسلم - {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)} [الشعراء/123 - 125]. 22 - صالح - صلى الله عليه وسلم - {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)} [الشعراء/141 - 143]. 23 - شعيب - صلى الله عليه وسلم - {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)} [الشعراء/176 - 178]. 24 - ذو الكفل - صلى الله عليه وسلم - {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} [ص/48]. 25 - محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب/40]. 2 - ومن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من لم نعلم أسماءهم ولم يقص الله علينا خبرهم فنؤمن بهم إجمالاً. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر/78]. 2 - وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمًّا غَفِيرًا». أخرجه أحمد والطبراني (1). - أولو العزم من الرسل: أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكرهم الله بقوله سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى/13]. _________ (1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22644)، وأخرجه الطبراني في الكبير (8/ 217).

(1/76)


- أول الرسل: الأنبياء والرسل دينهم واحد، وشرائعهم مختلفة، أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به، وآخرهم يصدق بأولهم ويؤمن به. وأول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض نوح - صلى الله عليه وسلم -، أرسله الله لقوم كافرين، ليدعوهم إلى الله، ويأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن الشرك. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران/81]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء/163]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه - مرفوعاً - في حديث الشفاعة، وفيه أن آدم - صلى الله عليه وسلم - قال: «اذْهَبُوا إلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوْحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسلِ إلَى أَهْلِ الأرْضِ». متفق عليه (1). - آخر الرسل: آخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب/40]. - إلى مَنْ بعث الله الأنبياء والرسل: 1 - بعث الله الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى أقوامهم خاصة كما قال سبحانه: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد/7]. 2 - وبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، فهو سيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، أرسله الله رحمة للعالمين. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340)، واللفظ له، ومسلم برقم (194).

(1/77)


1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ/28]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء/107]. - الحكمة من بعثة الأنبياء والرسل: 1 - دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. 2 - بيان الطريق الموصل إلى الله. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة/2]. 3 - بيان حال الناس بعد الوصول إلى ربهم يوم القيامة. قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} [الحج/49 - 51]. 4 - إقامة الحجة على الناس. كما قال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء/165]. 5 - الرحمة. كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء/107]. - صفات الأنبياء والرسل: 1 - جميع الأنبياء والرسل رجال من البشر، اختارهم الله عز وجل، واصطفاهم واجتباهم من بين سائر عباده، فَضَّلهم بالنبوة والرسالة، وأيَّدهم بالمعجزات،

(1/78)


أكرمهم الله بالرسالة وكلفهم بها، وأمرهم بإبلاغها إلى الناس ليعبدوا الله وحده ويتركوا عبادة ما سواه، ووعدهم على ذلك الجنة، وقد صدقوا وبلَّغوا عليهم الصلاة والسلام. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل/43]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران/33]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36]. 2 - أمر الله جميع الأنبياء والمرسلين بالدعوة إلى الله، وعبادته وحده لا شريك له، وشرع لكل قوم من الشرائع ما يناسب أحوالهم كما قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة/48]. 3 - أن الله تعالى لما اصطفى الأنبياء والرسل وصفهم بالعبودية له في أعلى مقاماتهم كما قال عن محمد - صلى الله عليه وسلم - في مقام التنزيل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان/1]. وقال في عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -: { ... إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} [الزخرف/59]. 4 - أن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بشر مخلوقون يأكلون ويشربون، وينسون، وينامون، ويصيبهم المرض والموت، وهم كغيرهم لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه. قال الله سبحانه لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ

(1/79)


يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف/188]. - خصائص الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً، وأذكاهم عقولاً، وأصدقهم إيماناً، وأحسنهم أخلاقاً، وأكملهم ديناً، وأقواهم عبودية، وأكملهم أجساماً، وأحسنهم صورة، وقد خصهم الله بخصائص أهمها: 1 - أن الله اصطفاهم بالوحي والرسالة. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج/75]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف/110]. 2 - أنهم معصومون فيما يبلغونه للناس من العقيدة والأحكام، ولو أخطؤا فالله عز وجل يردهم إلى الحق والصواب. قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم/1 - 5]. 3 - أنهم لا يورثون بعد موتهم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقةً». متفق عليه (1). 4 - أنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. عن أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء -وفيه- فقال أنس: وَالنَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمَةٌ عَينَاهُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. أخرجه البخاري (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6730)، واللفظ له، ومسلم برقم (1757). (2) أخرجه البخاري برقم (3570).

(1/80)


5 - أنهم يخيرون عند الموت بين الدنيا والآخرة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إلا خُيِّرَ بَينَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». متفق عليه (1). 6 - أنهم يقبرون حيث ماتوا. عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَنْ يُقْبَرَ نَبِيٌّ إلا حَيْثُ يَمُوتُ». أخرجه أحمد (2). 7 - أنهم أحياء في قبورهم يصلون. 1 - عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِم يُصَلُّونَ». أخرجه أبو يعلى (3). 2 - عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الكثيبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ». أخرجه مسلم (4). 8 - أن أزواجهم لا تُنكح من بعدهم. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} ... [الأحزاب/53]. - حكم الإيمان بالأنبياء والرسل: يجب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، ومَنْ كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعاً، ويجب تصديق ما صح عنهم من أخبارهم، والاقتداء بهم في صدق الإيمان، وكمال التوحيد وحسن الخلق، والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم وهو خاتمهم وأفضلهم، المرسل إلى الناس كافة وإلى العالم قاطبة، محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4586)، واللفظ له، ومسلم برقم (2444). (2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27). (3) جيد/ أخرجه أبو يعلى برقم (3425)، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (621). (4) أخرجه مسلم برقم (2375).

(1/81)


رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء/136]. - تفاضل الأنبياء والرسل: الأنبياء سواء من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما يكون التفاضل بين الأنبياء والرسل في زيادة الأحوال، والخصائص، والآيات، والمعجزات، والألطاف. ولهذا منهم رسل، ومنهم أنبياء، ومنهم أولو عزم، ومنهم من اتخذه الله خليلاً، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات ونحو ذلك من الفضائل. وأفضلهم في ذلك كله سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة/253]. 2 - قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)} [الإسراء/55]. 3 - قال الله تعالى: { ... وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء/125]. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ». أخرجه مسلم (1). 5 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الْأُولَى». متفق عليه (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (523). (2) متفق عليه/ أخرجه البخاري برقم (2412)، واللفظ له، ومسلم برقم (2374).

(1/82)


- ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل: معرفة رحمة الله عز وجل بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يهدونهم إلى عبادة ربهم، وكيف يعبدونه. ومنها: حمد الله وشكره على هذه النعمة. ومنها: محبة الرسل والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله، قاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده.

(1/83)


أفضل الأنبياء والرسل محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - نسبه ونشأته - صلى الله عليه وسلم -: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه (آمنة بنت وهب). ولد - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفيل الموافق لعام (570م)، مات والده (عبد الله) وهو حمل في بطن أمه، ولما ولد كفله جده (عبد المطلب) وماتت والدته آمنة وهو ابن ست سنين، ولما مات جده كفله عمه (أبو طالب). وعاش - صلى الله عليه وسلم - عظيم الأخلاق، طيب الشمايل، حتى لقبه قومه (بالأمين)، وعلى رأس الأربعين من عمره نبئ محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاءه الحق وهو بغار حراء. ثم بدأ - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإيمان بالله ورسوله، وعبادة الله وحده، فلقي صنوفاً من الأذى، فصبر حتى أظهر الله دينه، وهاجر إلى المدينة، فشُرعت الأحكام، وعز الإسلام، وكَمُل الدين. ثم مات - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، ولحق بالرفيق الأعلى بعدما بَلَّغ البلاغ المبين، ودَلَّ الأمة على كل خير، وحذرها من كل شر، فصلوات الله وسلامه عليه. - خصائصه - صلى الله عليه وسلم -: من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسالته عامة للثقلين، أرسله الله رحمة للعالمين، وأُسري به إلى بيت المقدس، وعُرج به إلى السماء، وناداه الله بوصف النبوة والرسالة. وقد خصه الله دون الأنبياء بخمس. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ

(1/84)


يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (1). ومما يخصه - صلى الله عليه وسلم - دون أمته: الوصال في الصيام، والزواج بلا مهر، ونكاح أكثر من أربع نساء، وعدم أكل الصدقة، وأنه يسمع ما لا يسمع الناس، ويرى ما لا يرون كما رأى جبريل - صلى الله عليه وسلم - على صورته التي خلقه الله عليها، وأنه لا يورث. - بدء الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلَى أهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قال: «مَا أنَا بِقَارِئٍ». قال: «فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قلت: «مَا أنَا بِقَارِئٍ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقلت: «مَا أنَا بِقَارِئٍ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335)، واللفظ له، ومسلم برقم (521).

(1/85)


اللهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أسَدِ ابْنِ عَبْدِالعُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَءاً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً، لَيْتَنِي أكُونُ حيّاً إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ». قال: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وَإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّراً. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ. متفق عليه (1). - أفعاله - صلى الله عليه وسلم -: حكم أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أقسام: الأول: الفعل الجبلِّي المحض، الذي تقتضيه الطبيعة البشرية كالقيام والقعود، والأكل والشرب، والنوم والسهر، فهذا لم يفعله - صلى الله عليه وسلم - للتشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أقوم وأقعد تقرباً إلى الله، واقتداء بنبيه - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: الفعل التشريعي المحض كأفعال الصلاة، وأفعال الحج ونحو ذلك من أحكام الشريعة، فهذا وأمثاله فَعَله النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل التأسي به فنفعله. الثالث: الفعل المحتمل للتشريعي والجبلِّي. وضابطه: أن تكون الجبلَّة البشرية تقتضيه، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة أو في _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3)، واللفظ له، ومسلم برقم (160).

(1/86)


وسيلتها كالركوب في الحج، وجلسة الاستراحة في الصلاة، والرجوع من صلاة العيد من طريق أخرى، والضجعة على الشق الأيمن بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، والنزول بالمحصَّب بعد النفر من منى ونحو ذلك. فهذا وأمثاله محتمل للأمرين، ولمن شاء فِعْله أو تَرْكه. - أزواجه - صلى الله عليه وسلم -: أمهات المؤمنين هن زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وكلهن مسلمات، طيبات، طاهرات، نقيات، مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن، وهن: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وسَودة بنت زَمْعة، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث رضي الله عنهن أجمعين. مات قبله منهن خديجة، وزينب بنت خزيمة، وتوفيت الباقيات بعده. وأفضل أزواجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة وعائشة رضي الله عنهن أجمعين. - أولاد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 1 - ولد للرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبناء: (القاسم)، و (عبد الله)، من خديجة، و (إبراهيم) من سُرِّيَّته مارية القبطية، وجميعهم ماتوا صغاراً. 2 - أما البنات: فولد له عليه الصلاة والسلام أربع بنات (زينب) و (رقية) و (أم كلثوم) و (فاطمة) وكلهن وُلدن من خديجة، وتزوجن ومتن قبله إلا فاطمة، فماتت بعده، وجميعهن مسلمات طيبات طاهرات رضي الله عنهن أجمعين. - أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم خير القرون، ولهم فضل عظيم على جميع الأمة،

(1/87)


اختارهم الله لصحبة نبيه، فآمنوا بالله ورسوله، وقاموا بنصرة الله ورسوله، وهاجروا من أجل الدين، وآووا ونصروا من أجل الدين، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأفضلهم المهاجرون ثم الأنصار. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِيْنَهُ، وَيَمِيْنُهُ شَهَادَتَهُ». متفق عليه (1). - محبة أصحابه - صلى الله عليه وسلم -: من علامات الإيمان: محبتهم جميعاً بالقلب، والثناء عليهم باللسان، والترضي عنهم، والاستغفار لهم، والكف عما شجر بينهم، وعدم شتمهم؛ وذلك لما لهم من المحاسن والفضائل، والمعروف والإحسان، ونصرة الله ورسوله بالطاعة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إليه، والهجرة والنصرة، وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله، فرضي الله عنهم أجمعين. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة/100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال/74]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ». متفق عليه (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2652)، واللفظ له، ومسلم برقم (2533). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2540)، واللفظ له.

(1/88)


5 - الإيمان باليوم الآخر - اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلائق للحساب والجزاء، سمي بذلك: لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. - أشهر أسماء اليوم الآخر: يوم القيامة، يوم البعث، يوم الفصل، يوم الخروج، يوم الدين، يوم الخلود، يوم الحساب، يوم الوعيد، يوم الجمع، يوم التغابن، يوم التلاق، يوم التناد، يوم الحسرة، الصاخة، الطامة الكبرى، الغاشية، الواقعة، الحاقة، القارعة. وكثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى. - الإيمان باليوم الآخر: هو التصديق الجازم بكل ما أخبر الله ورسوله به مما يكون في ذلك اليوم العظيم من البعث، والحشر، والحساب، والصراط، والميزان، والجنة، والنار وغير ذلك مما يجري في عرصات القيامة. ويلحق بذلك ما يكون قبل الموت من علامات الساعة وأشراطها، وما يكون بعد الموت من فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه. - عظمة اليوم الآخر: الإيمان بالله واليوم الآخر أعظم أركان الإيمان، وعليهما مع بقية أركان الإيمان مدار استقامة الإنسان وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة. ولأهمية هذين الركنين يقرن الله بينهما كثيراً في آيات القرآن. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الطلاق/2]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء/87].

(1/89)


3 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء/59]. - فتنة القبر: 1 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة .. ... -وفيه- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِيْنُكَ؟ فَيَقُولُ: دِيْنِيَ الإسْلامُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيْكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ... ». أخرجه أحمد وأبو داود (1). 2 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقَولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً». وَأَمَّا الكَافِرُ أَوِ المنَافِقُ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيْدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيْهِ إلا الثَّقَلَيْنِ». متفق عليه (2). - أنواع عذاب القبر: عذاب القبر نوعان: 1 - عذاب دائم لا ينقطع إلى قيام الساعة، وهو عذاب الكفار والمنافقين كما قال سبحانه عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر/46]. _________ (1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18733)، وأخرجه أبو داود برقم (4753)، وهذا لفظه. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338)، واللفظ له، ومسلم برقم (2870).

(1/90)


2 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْل الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ الله إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». متفق عليه (1). 2 - عذاب له أمد ثم ينقطع، وهو عذاب عصاة الموحدين فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه العذاب، أو ينقطع بسبب رحمة الله، أو حصول مكفرات للذنوب من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ونحو ذلك. 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إلَيه يَومَ القِيَامَةِ». متفق عليه (2). 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا». متفق عليه (3). - نعيم القبر: نعيم القبر للمؤمنين الصادقين. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [فصلت/30]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1375)، ومسلم برقم (2866)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1379)، واللفظ له، ومسلم برقم (2866). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (216)، واللفظ له، ومسلم برقم (292).

(1/91)


2 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: « ... فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إلَى الجَنَّةِ، قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيْبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود (1). - وينجي المؤمن من أهوال القبر وفتنته وعذابه أمور كالشهادة في سبيل الله، والرباط، ومن قتله بطنه ونحو ذلك. - مستقر الأرواح بعد الموت إلى قيام الساعة: الأرواح في البرزخ متفاوتة تفاوتاً عظيماً: فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم متفاوتون في منازلهم. ومنها أرواح في صورة طير يعلق في شجر الجنة، وهي أرواح المؤمنين. ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وهي أرواح الشهداء. ومنها أرواح محبوسة في القبر كالغالِّ من الغنيمة، ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنة بسبب دين عليه، ومنها ما يكون محبوساً في الأرض بسبب روحه السفلية. ومنها أرواح في تنور الزناة والزواني. ومنها أرواح تسبح في نهر الدم وتُلقم الحجارة، وهم أكلة الربا ... الخ. عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ فَقَالَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا _________ (1) صحيح، أخرجه أحمد برقم (18733)،وهذا لفظه، وأخرجه أبوداود برقم (4753).

(1/92)


أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (1). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2867).

(1/93)


أشراط الساعة - علم الساعة: العلم بوقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب/63]. - علامات الساعة: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمارات وعلامات تدل على قرب قيام الساعة، وهي: علامات صغرى، وعلامات كبرى. 1 - أشراط الساعة الصغرى - علامات الساعة الصغرى ثلاثة أقسام: 1 - علامات وقعت وانتهت، ومنها: بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وموته .. وانشقاق القمر آية له - صلى الله عليه وسلم - .. وفتح بيت المقدس .. وخروج نار من أرض الحجاز. عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اعْدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ، مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ ... ». أخرجه البخاري (1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضيءُ أَعْنَاقَ الإبِلِ بِبُصْرَى». متفق عليه (2). 2 - علامات ظهرت وما زالت مستمرة، ومنها: ظهور الفتن .. ظهور مدعي النبوة .. انتشار الأمن .. قبض علم الشرع .. ظهور الجهل .. كثرة الشُّرَط وأعوان الظلمة .. ظهور المعازف واستحلالها .. ظهور _________ (1) أخرجه البخاري برقم (3176). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7118)، ومسلم برقم (2902).

(1/94)


الزنى .. كثرة شرب الخمر واستحلالها .. تطاول الحفاة العراة رعاة الشاة في البنيان .. تباهي الناس في المساجد وزخرفتها .. كثرة الهرج وهو القتل .. تقارب الزمان .. إسناد الأمر إلى غير أهله .. أن تُرفع الأشرار .. وتُوضع الأخيار .. ويُفتح القول .. ويُخزن العمل .. تقارب الأسواق .. ظهور الشرك في هذه الأمة .. كثرة الشح .. كثرة الكذب .. كثرة المال .. فشو التجارة .. كثرة الزلازل .. تخوين الأمين، وائتمان الخائن .. ظهور الفحش .. وقطيعة الرحم .. وسوء الجوار .. ارتفاع الأسافل .. بيع الحكم .. تسليم الخاصة .. التماس العلم عند الأصاغر .. ظهور القلم .. ظهور الكاسيات العاريات .. كثرة شهادة الزور .. كثرة موت الفجأة .. عدم تحري الرزق الحلال .. عَوْد أرض العرب مروجاً وأنهاراً .. تكليم السباع للإنس .. تكليم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بما حَدَّث أهله بعده .. أن تُحاصَر العراقُ ويُمنع عنها الطعام والدرهم .. ثم تُحاصَر الشامُ ويُمنع عنها الطعام والدينار .. ثم تكون هدنة بين المسلمين والروم .. ثم يغدر الروم بالمسلمين. عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مستقبلُ المشرقِ يقولُ: «أَلا إنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، أَلا إنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». متفق عليه (1). 3 - علامات لم تظهر وستقع بلا شك كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب .. فتح القسطنطينية بدون سلاح .. قتال الترك .. قتال اليهود ونصر المسلمين عليهم .. خروج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ويدينون له بالطاعة .. قلة الرجال وكثرة النساء حتى يكون خمسين امرأة قَيِّم واحد .. نفي المدينة لشرارها ثم خرابها .. ومنها: هدم الكعبة على يد رجل من الحبشة يقال له ذو السويقتين ثم لا تعمر بعده، وذلك آخر الزمان. والله أعلم. - جميع ما ذكرنا من العلامات السابقة ثبتت بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7093)، ومسلم برقم (2905)، واللفظ له.

(1/95)


2 - أشراط الساعة الكبرى - عن حذيفة بن أَسيد الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر فقال: «مَا تَذَاكَرُوْنَ؟» قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنَّهَا لَنْ تَقُوْمَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فذكر الدخانَ، والدجالَ، والدابةَ، وطلوعَ الشمس من مغربها، ونزولَ عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -، ويأجوجَ ومأجوج، وثلاثةَ خسوفٍ، خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. أخرجه مسلم (1). 1 - خروج الدجال: الدجال رجل من بني آدم، يظهر في آخر الزمان ويدعي الربوبية، يخرج من المشرق من خراسان، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله إلا مسجد المقدس والطور ومكة والمدينة فلا يستطيع دخولها؛ لأن الملائكة تحرسها، ينزل بالسبخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق. - عن عبدِاللهِ بنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كُنَّا قُعُوداً عندَ رسُول اللهِ فَذَكرَ الفتَنَ فأكثرَ في ذِكرهَا حَتَّى ذَكرَ فتْنةَ الأحلاسِ فَقالَ قائلٌ: يا رسُولَ اللهِ وما فتنةُ الأحلاسِ؟ قالَ: «هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّراء دَخَنُها من تحتِ قَدَمَي رَجُلٍ من أهلِ بيتي يَزعُمُ أنَّهُ مني وَلَيْس مِني وإنَّمَا أوليائي المُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصطَلحُ النَّاسُ على رجلٍ كَوَرِكٍ على ضِلَعٍ. ثمَّ فِتنةُ الدُّهَيْماء لا تَدَعُ أحداً من هذِهِ الأمة إلا لَطَمَتْهُ لطمَة، فإذا قيلَ انقضَتْ تَمادتْ يُصبحُ الرَّجُلُ فيها مؤمِناً ويُمْسي كافِراً حتى يَصيرَ النَّاسُ إلى فُسطاطَينِ، فُسْطاطِ إيمانٍ لا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إيمانَ فيهِ، فإذا كانَ ذَاكُمْ فانتظرُوا _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2901).

(1/96)


الدَّجّال من يومِهِ أو منْ غَدِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود (1). - فتنة الدجال: خروج الدجال فتنة عظيمة بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، فقد ثبت أن معه جنةً وناراً، ناره جنة، وجنته نار، وأن معه جبال الخبز، وأنهار الماء، يأمرُ السماء فتمطر، ويأمرُ الأرض فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كالغيث إذا استدبرته الريح. يمكث في الأرض أربعين يوماً يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، ثم يقتله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - عند باب لُدّ بفلسطين. - صفات الدجال: حذرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الدجال أو تصديقه، وبين لنا صفاته لنحذر منه، فبيّن أنه رجل شاب أحمر أعور لا يولد له، مكتوب بين عينيه «كافر» يقرؤه كل مسلم. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مَسِيْحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيْرٌ، أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ، مَطْمُوسُ العَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا جَحْرَاءَ، فَإنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ». أخرجه أحمد وأبو داود (2). - مكان خروج الدجال: عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجالَ وفيه: « ... إنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ فَعَاثَ يميناً وَعَاثَ شِمَالاً». أخرجه مسلم (3). - الأماكن التي لا يدخلها الدجال: 1 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ _________ (1) صحيح / أخرجه أحمد برقم (6168)، وأخرجه أبو داود برقم (4242) وهذا لفظه. (2) صحيح / أخرجه أحمد برقم (23144)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (4320). (3) أخرجه مسلم برقم (2937).

(1/97)


إلَّا مَكَّةَ وَالمدِيْنَةَ». متفق عليه (1). 2 - وعن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدّجّال -وفيه- قال: «وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ، مَسْجِدَ الحَرَامِ، وَمَسْجِدَ المَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الأَقْصَى». أخرجه أحمد (2). - أتباع الدجال: أكثر أتباع الدجال من اليهود، والعجم، والترك، وأخلاط من الناس غالبهم من الأعراب والنساء. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم (3). - الوقاية من فتنة الدجال: تكون بالإيمان بالله عز وجل، والتعوذ من فتنة الدجال خاصة في الصلاة، والفرار منه و «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»، وفي لفظ: «فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ». أخرجه مسلم (4). 2 - نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -: بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض يبعث الله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - فينزل إلى الأرض عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين فيقتل الدجال، ويحكم بالإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتذهب الشحناء، يمكث سبع سنين ليس بين اثنين _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881)، ومسلم برقم (2943). (2) صحيح / أخرجه أحمد برقم (24085) انظر السلسلة الصحيحة رقم (2934). (3) أخرجه مسلم برقم (2944). (4) أخرجه مسلم برقم (809) ورقم (2937).

(1/98)


عداوة، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون. ثم يرسل الله ريحاً باردة طيبة من قِبَل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، يتهارجون تهارج الحمر، ثم يأمرهم الشيطان بعبادة الأوثان، وعليهم تقوم الساعة. - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوْشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصّلِيبَ، وَيْقْتُلَ الخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْراً مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا». ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرؤا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. متفق عليه (1). 3 - خروج يأجوج ومأجوج: يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم، وهم رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم، وخروجهم من أشراط الساعة الكبرى، يفسدون في الأرض، ثم يدعو عليهم عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيموتون. 1 - قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} [الأنبياء /96]. 2 - وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال وأن عيسى يقتله بباب لد ... -وفيه- «إذْ أَوْحَى اللهُ إلَى عِيْسَى: إنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلَى الطُّوْرِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيْهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذَهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيْسَى وَأَصْحَابُهُ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3448)، واللفظ له، ومسلم برقم (155).

(1/99)


حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةِ دِيْنَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيْسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيْسَى وَأَصْحَابُهُ إلَى الأرْضِ ... ». أخرجه مسلم (1). - بعد نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى الأرض يدعو الله، فيرسل الله عز وجل طيوراً تحمل يأجوج ومأجوج وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً يغسل الأرض، ثم تنزل البركة في الأرض، وتظهر البقول والثمار، وتحل البركة في النبات والحيوان. 4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة: الخسوفات الثلاثة من أشراط الساعة الكبرى، وهي خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وهي لم تقع بعد. 7 - الدخان: ظهور الدخان في آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى. 1 - قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان/10 - 11]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتاً: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَو الدُّخَانَ، أَو الدَّجَّالَ، أَو الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ العَامَّةِ». أخرجه مسلم (2). 8 - طلوع الشمس من مغربها: طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى، وهي أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، ومن أدلة خروجها: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2937). (2) أخرجه مسلم برقم (2947).

(1/100)


كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام/158]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فيومئذ: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}». متفق عليه (1). 3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجاً طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحَىً، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إثْرِهَا قَرِيباً». أخرجه مسلم (2). 9 - خروج الدابة: خروج دابة الأرض في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة، فتخرج فتسم الناس على خراطيمهم، تخطم أنف الكافر، وتجلو وجه المؤمن، ومن أدلة خروجها: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} [النمل/82]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثٌ إذَا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيْمَانِهَا خَيراً: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ». أخرجه مسلم (3). 10 - خروج النار التي تحشر الناس: وهي نار عظيمة تخرج من المشرق من اليمن من قعر عدن، وهي آخر أشراط الساعة الكبرى، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فتخرج من اليمن ثم تنتشر _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4635)، ومسلم برقم (157)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2941). (3) أخرجه مسلم برقم (158).

(1/101)


في الأرض وتسوق الناس إلى أرض المحشر في الشام. - كيفية حشر النار للناس: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ، وَرَاهِبينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، ثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، أَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، عَشْرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، يَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالوُا، وَتَبيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا». متفق عليه (1). - أول أشراط الساعة: عن أنس رضي الله عنه أن عبد الله بن سلام لما أسلم سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسائل، ومنها: ما أول أشراط الساعة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلَى المَغْرِبِ». أخرجه البخاري (2). - تتابع الآيات وتغير الأحوال: 1 - إذا ظهر أول أشراط الساعة الكبرى تتابعت بعدها الآيات يتلو بعضها بعضاً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأمَارَات خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ، فَإذا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضاً». أخرجه الحاكم (3). 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالَ فِي الأَرْضِ اللهُ اللهُ». أخرجه مسلم (4). 3 - وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ». أخرجه الترمذي (5). _________ (1) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (6522)، واللفظ له، ومسلم برقم (2861). (2) أخرجه البخاري برقم (3329). (3) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8639)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1762). (4) أخرجه مسلم برقم (148). (5) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2209).

(1/102)


النفخ في الصور - الصور قرن كالبوق، يأمر الله عز وجل إسرافيل - صلى الله عليه وسلم - أن ينفخ في الصور النفخة الأولى وهي نفخة الصعق، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يأمره أن ينفخ النفخة الثانية وهي نفخة البعث. - أحوال الخلائق عند النفخ في الصور: 1 - قال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر/6 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر/68]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)} [النمل/87]. - مقدار ما بين النفختين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَينِ أَرْبَعُونَ» قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيتُ، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيتُ، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيتُ. متفق عليه (1). - متى تقوم الساعة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ العَرْشِ، مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ». أخرجه الحاكم (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935)، ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (2) صحيح /أخرجه الحاكم برقم (8676)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1078).

(1/103)


2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَومِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (1). البعث والحشر - الدور التي يمر بها العبد: الدور ثلاث: دار الدنيا، ثم دار البرزخ، ثم دار القرار في الجنة أو النار، وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وَرَكَّبَ هذا الإنسان من بدن وروح، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعاً لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعاً لها، وجعل أحكام يوم القيامة من النعيم والعذاب على الأبدان والأرواح معاً. - البعث: هو إحياء الموتى حين يُنفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين حفاةً عراةً غرلاً غير مختونين، ويُبعث كل عبد على ما مات عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} [يس/ 51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} [المؤمنون/15 - 16]. - صفة البعث: يُنزل الله من السماء ماءً فينبت الناس كما يَنبت البقل. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (854).

(1/104)


سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف/57]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَينِ أَرْبَعُونَ» قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيتُ، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيتُ، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيتُ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ، وَلَيْسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيْءٌ إلَّا يَبْلَى إلَّا عَظْماً وَاحِداً وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيَامَةِ». متفق عليه (1). - أول مَنْ ينشق عنه القبر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (2). - مَنْ يُحشر يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)} [الواقعة/49 - 50]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم/93 - 95]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف/47]. - صفة أرض المحشر: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [ابراهيم/48]. 2 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935)، ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2278).

(1/105)


القِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيْهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ». متفق عليه (1). - صفة حشر الخلق يوم القيامة: للحشر حالتان: الأولى: حشر من القبور إلى محل القضاء، وهذا يكون بحشر الناس مشاة حفاة عراة غُرلاً. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرلاً» قلت: يا رسول الله النساء والرجال جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ». متفق عليه (2). الثانية: حشر من محل القضاء إلى الجنة والنار كما يلي: 1 - يُحشر المؤمنون وفداً مكرمين كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم/85]. 2 - ويُحشر الكافرون على وجوههم عمياً، وبكماً، وصماً، عطاشاً، زرقاً، يحبس أولهم على آخرهم فيساقون إلى النار مجتمعين. 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} [الإسراء/97 - 98]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} [مريم/86]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)} [طه/102]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} [فصلت/19]. 5 - وقال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6521)، ومسلم برقم (2790)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6527)، ومسلم برقم (2859)، واللفظ له.

(1/106)


إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} [الصافات/22 - 23]. 6 - وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «ألَيْسَ الَّذِي أمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟». متفق عليه (1). يَحشرُ الله يوم القيامة الدواب، والبهائم، والوحوش، والطيور، ثم يحصل القصاص بين الدواب، فيقتص للشاة الجمَّاء من القرناء نطحتها، فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها: كوني تراباً. قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام/38]. - لقاء الله في الآخرة: كل إنسان سوف يلاقي ربه يوم القيامة بما عمل من خير أو شر، المؤمن والكافر، والبر والفاجر. 1 - قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب/44]. 2 - وقال الله تعالى: { ... وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة/223]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)} [الانشقاق /6]. 4 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ الله لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ». متفق عليه (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4760)، ومسلم برقم (2806) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6507)، واللفظ له، ومسلم برقم (2683).

(1/107)


أهوال يوم القيامة - يوم القيامة يوم عظيم أمره، شديد هَوْلُه، يصاب فيه العباد بالرعب والفزع، وتشخص فيه أبصار الظلمة، جعله الله عز وجل على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر، وعلى الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، ومن أهواله: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)} [الحاقة/13 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير/1 - 6]. 3 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)} [الانفطار/1 - 4]. 4 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)} [الانشقاق/1 - 5]. 5 - وقال الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} [الواقعة/1 - 6]. 6 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى يَومِ القِيَامَةِ كَأنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. أخرجه أحمد والترمذي (1). - تبديل الأرض والسماء يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم/48]. _________ (1) صحيح / أخرجه أحمد برقم (4806)، وأخرجه الترمذي برقم (3333)، وهذا لفظه.

(1/108)


2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} [الأنبياء/104]. - أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات: عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت قائماً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء حَبرٌ من أَحبار اليهود .. - وفيه- فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ»، وفي رواية: «عَلَى الصِّرَاطِ». أخرجه مسلم (1). - شدة الحرارة في الموقف وهوله: يجمع الله الخلائق بعد بعثهم في ساحة واحدة في عرصات القيامة؛ وذلك لفصل القضاء حفاة عراة غرلاً، فتدنو الشمس في ذلك اليوم، ويذهب العرق سبعين ذراعاً، ويعرق الناس على قدر أعمالهم. 1 - عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَاماً» قال: وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه. أخرجه مسلم (2). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقْبِضُ اللهُ الأرضَ يَومَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ؟». متفق عليه (3). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (315)، ورقم (2791) عن عائشة رضي الله عنها. (2) أخرجه مسلم برقم (2864). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7382)، ومسلم برقم (2787).

(1/109)


- من يظلهم الله في الموقف: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ؛ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (1). 2 - وعَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ». أخرجه أحمد وابن خزيمة (2). - مجيء الله لفصل القضاء: يَجيء الله عز وجل يوم القيامة لفصل القضاء، فتشرق الأرض بنوره، وتصعق الخلائق لهيبته وعظمته وجلاله. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر/21 - 22]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاتُخَيِّرُوْنِي عَلَى مُوسَى، فَإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَومَ القِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيْمَنْ صَعِقَ فأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّن اسْتَثْنَى اللهُ». متفق عليه (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17333) وهذا لفظه، وابن خزيمة برقم (2431). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2411)، واللفظ له، ومسلم برقم (2373).

(1/110)


فصل القضاء - إذا حُشر الناس إلى ربهم يوم القيامة، وبَلغ العناء منهم مبلغاً عظيماً لشدة الهول وصعوبة الموقف، يرغبون إلى ربهم في أن يحكم فيهم، ويفصل بينهم، فإذا طال موقفهم وعظم كربهم، ذهبوا إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم ليفصل بينهم. 1 - قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)} ... [المرسلات/35 - 39]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُم الدَّاعِيُ، وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيْهِ؟ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ؟ فيَقَوُلُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوْحِهِ، وَأَمَرَ الملائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلا تَرَى إلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟. فَيَقُولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَومَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي» فيأتون نوحاً، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، فيعتذر كل واحدٍ، وكلهم يقولون: «إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَومَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَه مِثْلَه، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَه مِثْلَه ... نَفْسِي نَفْسِي». ثم يقول عيسى: «اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا

(1/111)


تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيْمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَينِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (1). - ثم يفصل الله بين الناس، فتُعطى الكتب، وتُوضع الموازين، ويُحاسب الناس، فآخذ كتابه بيمينه إلى الجنة، وآخذ كتابه بشماله إلى النار: 1 - قال الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)} ... [الزمر/75]. 2 - وعن أبِي سَعِيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إذَا كَانَتْ صَحْوًا». قُلْنَا: لا. قال: «فَإنَّكُمْ لا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا». ثُمَّ قال: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأصْحَابُ الأوْثَانِ مَعَ أوْثَانِهِمْ، وَأصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ. ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712)، ومسلم برقم (194)، واللفظ له.

(1/112)


ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ. حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أحْوَجُ مِنَّا إلَيْهِ اليَوْمَ، وَإنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. قال: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنَا، فَلا يُكَلِّمُهُ إلا الأنْبِيَاءُ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا. ثُمَّ يُؤْتَى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قال: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عَقِيفة، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أنْتُمْ بِأشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مَنْ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ. وَإذَا رَأوْا أنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ. فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إلَى قَدَمِهِ، وَإلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا.

(1/113)


ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». قال أبُو سَعِيدٍ: فَإنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}. «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأيْتُمُوهَا إلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إلَى الظِّلِّ كَانَ أبْيَضَ. فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». متفق عليه (1). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439)، واللفظ له، ومسلم برقم (183).

(1/114)


الحساب والميزان - الحساب: هو أن يوقف الله عباده بين يديه ويعرفهم بأعمالهم التي عملوها، ثم يجازيهم حسب أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها. - كيفية أخذ الكتب: يعطى كل واحد من أهل الموقف كتابه، مكتوب فيه ما عمل من خير أو شر، فمنهم مَنْ يعطى كتابه بيمينه وهم السعداء، ومنهم مَنْ يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره وهم الأشقياء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)} [الانشقاق/6 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)} [الحاقة/25 - 27]. - نصب الموازين: توضع الموازين يوم القيامة لحساب الخلائق، ويتقدم الناس واحداً واحداً للحساب، فيحاسبهم ربهم، ويسألهم عن أعمالهم، فإذا تم الحساب كان بعده وزن الأعمال، وهو ميزان حقيقي له كفتان. 1 - قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء/ 47]. 2 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة/6 - 11].

(1/115)


3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ: فَإنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ، فَيُعْطَى صَحِيْفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالمنَافِقُونَ فَيُنَادِي بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ». متفق عليه (1). - ما يُسأل عنه الناس يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء/36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)} [القصص/ 62]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص/65]. 4 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر 92 - 93]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} [الإسراء/34]. 6 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر/8]. 7 - وقال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} [الأعراف/6 - 7]. 8 - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاهُ». أخرجه الترمذي والدارمي (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441)، ومسلم برقم (2768)، واللفظ له. (2) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (2417)، وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (543).

(1/116)


- كيفية الحساب: المحاسبون يوم القيامة صنفان: 1 - منهم من يُحاسب حساباً يسيراً وهو العرض. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَومَ القِيَامَةِ إلَّا هَلَكَ»، فقلت: يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا ذَلِكَ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسابَ يَومَ القِيَامَةِ إلَّا عُذِّبَ». متفق عليه (1). 2 - ومنهم من يُحاسب حساباً عسيراً، ويُسأل عن كل صغيرة وكبيرة، فإن صدق حوسب بما أقرّ به، وإن حاول الكذب أو الكتمان فإنه يُختم على فمه، وتستنطق جوارحه كما قال سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس/65]. - المحاسبون من الأمم: 1 - الحساب يوم القيامة عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم سبعون ألفاً من هذه الأمة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. 2 - الكفار يحاسبون وتعرض عليهم أعمالهم يوم القيامة توبيخاً لهم، وهم متفاوتون في العذاب، فعقاب من كثرت سيئاته أعظم من عقاب من قلَّت سيئاته، ومن له حسنات يخفف عنه العذاب لكنه لا يدخل الجنة. 3 - أول مَنْ يحاسب من الأمم يوم القيامة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأول ما يحاسب عليه المسلم يوم القيامة من الأعمال الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، وأول ما يُقضى بين الناس في الدماء. - كيفية الوزن: توزن أعمال العباد يوم القيامة من حسنات أو سيئات، فمن رجحت حسناته _________ (1) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (6537)، واللفظ له، ومسلم برقم (2876).

(1/117)


فاز، ومن رجحت سيئاته هلك، يوزن العامل وعمله وصحيفة عمله؛ إظهاراً لعدله سبحانه بين جميع عباده، وأثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حُسن الخلق. 1 - قال الله تعالى: { ... وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف 8 - 9]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وقال: اقْرَؤُوا إن شئتم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}». متفق عليه (1). - حكم أعمال الكفار في الآخرة: الكفار والمنافقون لا تقبل قُرَبُهُم وطاعاتهم؛ لفقدها شرطها وهو الإيمان، وأعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وينادى بهم على رؤوس الخلائق يوم القيامة: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)} [هود/18]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} ... [إبراهيم/ 18]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان/22 - 23]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4729)، واللفظ له، ومسلم برقم (2785).

(1/118)


- رؤية الأعمال: تعرض أعمال العباد عليهم يوم القيامة، ويَرى المرءُ عمَلَه وهو يباشره صغيراً كان أو كبيراً، خيراً كان أو شراً كما قال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة/6 - 8]. - جزاء الأعمال في الدنيا والآخرة: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». أخرجه مسلم (1). - حكم الأطفال يوم القيامة: أطفال المؤمنين يدخلون الجنة كما يدخلها الكبار على صورة أبيهم آدم - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أطفال المشركين، ويتزوجون كما يتزوج الكبار، ومن مات ولم يتزوج من النساء أو الرجال فإنه يتزوج في الآخرة فليس في الجنة أعزب. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2808).

(1/119)


الحوض - خلق الله عز وجل لكل نبي حوضاً، وحوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعظمها، وأحلاها، وأكثرها وارداً يوم القيامة. - صفة حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حَوْضِي مَسِيْرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيْحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أَبَداً». متفق عليه (1). وفي لفظ: «عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ». أخرجه مسلم (2). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ قَدْرَ حَوضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ اليَمَنِ، وَإنَّ فِيْهِ مِنَ الأَبَارِيق كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ». متفق عليه (3). - مَنْ يُطرد عن الحوض: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَرِدُ عَلَيَّ يَومَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُجْلَونَ عَنِ الحَوضِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُم ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى». متفق عليه (4). والرهط: من ثلاثة إلى عشرة. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6579)، واللفظ له، ومسلم برقم (2292). (2) أخرجه مسلم برقم (2300). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6580)، واللفظ له، ومسلم برقم (2303). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6585)، واللفظ له، ومسلم برقم (2290)، (2291).

(1/120)


الصراط - الصراط: هو الجسر المنصوب على ظهر جهنم يعبر المسلمون عليه إلى الجنة. - مَنْ يمر على الصراط: الذين يمرون على الصراط هم المسلمون، أما الكفار والمشركون فتتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا من الأصنام والشياطين ونحوهما من الآلهة الباطلة، فترد النار مع معبودها أولاً. ثم يبقى بعد ذلك من كان يعبد الله وحده في الظاهر سواء كان صادقاً أم منافقاً، وهؤلاء الذين ينصب لهم الصراط. ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود، والنور الذي يعم للمؤمنين، فيعود المنافقون إلى الوراء إلى النار، ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة. ويكون المرور على الصراط بعد الحساب ووزن الأعمال والفراغ منها. ثم يضطر الناس إلى المرور على الصراط كما قال سبحانه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم/71 - 72]. - صفة الصراط والمرور عليه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الرؤية وصفة الصراط ... -وفيه- قيل يا رسول الله: وما الجسر؟ قال: «دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فِيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلالِيبُ، وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ، فِيْهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ العَينِ، وَكَالبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيْدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ

(1/121)


مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». متفق عليه (1). - أول مَنْ يعبر الصراط: أول من يَعبُر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، ولا يَعبُر الصراط إلا المؤمنون، فيعطون نورهم على قدر إيمانهم وأعمالهم، ثم يمرون على الصراط بحسب ذلك. وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث الرؤية: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ». متفق عليه (2). - ماذا يكون للمؤمنين بعد عبور الصراط: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَخْلُصُ المؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتّى إذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيِا». أخرجه البخاري (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , ومسلم برقم (183)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806)، ومسلم برقم (182)، واللفظ له. (3) أخرجه البخاري برقم (6535).

(1/122)


الشفاعة - الشفاعة: هي طلب العون للغير. - أقسام الشفاعة: الشفاعة يوم القيامة قسمان: 1 - شفاعة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أنواع: 1 - فأعظمها شفاعته - صلى الله عليه وسلم - العظمى في أهل الموقف ليُقضى بينهم، فيشفع فيهم، ويقضي الله بينهم، وهي المقام المحمود له. 2 - ومنها شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أناسٍ من أمته، فيدخلون الجنة بغير حساب، وهم السبعون ألفاً، حيث يقول الله له: أَدْخِل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن كما سبق. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة. 4 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في رفع درجات من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. 5 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه. 6 - ومنها شفاعته - صلى الله عليه وسلم - أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة. 2 - شفاعة عامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين، وهي الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً». متفق عليه (1). 2 - وقال الله تعالى عن الملائكة: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6304)، ومسلم برقم (199)، واللفظ له.

(1/123)


مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم/26]. 3 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُشفَّعُ الشَّهِيْدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ». أخرجه أبو داود (1). - ويشترط لهذه الشفاعة شرطان: 1 - إذن الله في الشفاعة كما قال سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة/255]. 2 - رضا الله عن الشافع والمشفوع له كما قال سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم/26]. - الكافر لا شفاعة له فهو مخلد في النار لا يدخل الجنة، ولو فُرض أن أحداً شفع له لم تنفعه الشفاعة كما قال سبحانه عن المجرمين: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر/48]. - طلب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أراد شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فليطلبها من الله عز وجل كأن يقول: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، ويُتْبِع ذلك بالعمل الصالح الموجب لها كإخلاص العبادة للهِ وحده، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسؤال الوسيلة له. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إلَهَ إلَّا اللهُ خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (2). _________ (1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (2522). (2) أخرجه البخاري برقم (99).

(1/124)


- مراحل حياة الإنسان: الإنسان يركب طبقاً بعد طبق، وينتقل من محل إلى محل، خلقه الله أولاً من التراب، ثم انتقل من أصل التراب إلى أصل النطفة، ثم إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم إلى العظام، ثم كسا الله العظام لحماً، ثم أنشأه الله خلقاً آخر، ثم أخرجه إلى الدنيا، ثم ينتقل إلى القبر، ثم إلى المحشر، ثم إلى دار القرار في الجنة أو النار. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون /12 - 14]. 2 - وقال الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق/19]. - دار القرار: الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء، لكن لا ينقطع العمل والسؤال إلا بعد دخول دار القرار (في الجنة أو النار) أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع ذلك، كسؤال الملكين الميت في قبره، ودعوة الخلائق إلى السجود للهِ يوم القيامة، وامتحان المجانين، ومن مات في الفترة، ثم يحكم الله بين العباد حسب إيمانهم وأعمالهم، فريق في الجنة وفريق في السعير. 1 - قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} ... [الشورى/7]. 2 - وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} [الحج/56 - 57]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم/14 - 16].

(1/125)


صفة الجنة - الجنة: هي دار السلام التي أعدها الله للمؤمنين والمؤمنات في الآخرة. - سيكون الحديث عن الجنة إن شاء الله تعالى من كتاب من خلقها وخلق نعيمها وخلق أهلها وهو الله سبحانه، ومن أخبار من دخلها ووطئت أقدامه أرضها، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة. - أشهر أسماء الجنة: الجنة واحدة في الذات، متعددة الصفات، ومن أشهر أسمائها: 1 - الجنة: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء/13]. 2 - جنات الفردوس: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف/107]. 3 - جنة عدن: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص/49 - 50]. 4 - جنة الخلد: قال الله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)} [الفرقان/15]. 5 - جنات النعيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)} [لقمان/8]. 6 - جنة المأوى: قال الله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)} [السجدة/19]. 7 - دار السلام: قال الله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} [الأنعام/127].

(1/126)


- مكان الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات/22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم/13 - 15]. 3 - وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قال: «إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإذَا سَألْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (1). 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المُؤْمِنَ إذَا حَضَرَهُ المَوْتُ حَضَرَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، فَإذَا قُبِضَتْ نَفْسُهُ جُعِلَتْ في حَرِيرةٍ بَيْضَاءَ فَيُنْطَلَقُ بِهَا إلَى بَابِ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ مَا وَجَدْنَا رِيْحاً أَطْيَبَ مِنْ هَذِهِ .. ». أخرجه الحاكم وابن حبان (2). - أسماء أبواب الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَينِ فِي سَبِيْلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ. يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابَ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». _________ (1) أخرجه البخاري برقم (7423). (2) صحيح / أخرجه الحاكم برقم (1304)، وأخرجه ابن حبان برقم (3013).

(1/127)


فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على مَنْ دُعِيَ من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نَعَمْ؛ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (1). - سعة أبواب الجنة: 1 - عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيْرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيْظٌ مِنَ الزِّحَامِ. أخرجه مسلم (2). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً بلحم ... - وفي آخره قال-: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إَنَّ مَا بَيْنَ المصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ لكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (3). - عدد أبواب الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر/73]. 2 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (4). - أبواب الجنة مفتحة لأهلها: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص/49 - 50]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1897)، واللفظ له، ومسلم برقم (1027). (2) أخرجه مسلم برقم (2967). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712)، ومسلم برقم (194)، واللفظ له. (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257)، واللفظ له، ومسلم برقم (1152).

(1/128)


- الأوقات التي تفتح فيها أبواب الجنة في الدنيا: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيْسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً إلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا -ثَلاثاً-». أخرجه مسلم (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (2). 3 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ (أَوْ فيُسْبِغُ) الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (3). - أول من يدخل الجنة: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آتِي بَابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟، فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ». أخرجه مسلم (4). - أول أمة تدخل الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ». متفق عليه (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2565). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277)، واللفظ له، ومسلم برقم (1079). (3) أخرجه مسلم برقم (234). (4) أخرجه مسلم برقم (197). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (876)، ومسلم برقم (855)، واللفظ له.

(1/129)


- أول زمرة يدخلون الجنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً، لا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيْهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (1). 2 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُون أَلْفاً أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». متفق عليه (2). 3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِيْنَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَومَ القِيَامَةِ إلَى الجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً». أخرجه مسلم (3). - سن أهل الجنة: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثِينَ، أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً». أخرجه أحمد والترمذي (4). - صفة وجوه أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)} [المطففين/22 - 24]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327)، واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6543)، ومسلم برقم (219)، واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (2979). (4) حسن / أخرجه أحمد برقم (7920)، وأخرجه الترمذي برقم (2545)، وهذا لفظه.

(1/130)


2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة/22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)} [الغاشية/8 - 10]. 4 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)} [عبس/38 - 39]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} [آل عمران/107]. 6 - وقال الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)} [الإنسان /11]. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بَينَهُمْ وَلا تَحَاسُدَ». متفق عليه (1). - صفة استقبال أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر/73]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد/23 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} [الأنبياء/103]. - مَنْ يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَجِدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْريلُ، _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3254)، واللفظ له، ومسلم برقم (2834).

(1/131)


هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لا، وَلَكِن انْظُرْ إلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإذَا سَوادٌ كَثِيرٌ. قَالَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لا يَكْتَوونَ، ولا يَسْتَرْقونَ، وَلا يَتَطَيَّرُون، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه (1). 2 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وَعَدَنِي رَبِّي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً، وَثَلاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2). - صفة أرض الجنة وبنائها: 1 - عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عُرج به إلى السماء قال: « ... ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بِي السِّدْرَةَ المنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإذَا فِيْهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإذَا تُرَابُها المِسْكُ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله ... الجنة ما بناؤها؟ قال: «لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلاطُهَا المسْكُ الأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلا يَبْأَسُ، وَيُخَلَّدُ وَلا يَمُوتُ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُمْ». أخرجه الترمذي والدارمي (4). 3 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن ابن صياد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة؟ فقال: «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ». أخرجه مسلم (5). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6541)، واللفظ له، ومسلم برقم (220). (2) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (2437)، وأخرجه ابن ماجه برقم (4286)، وهذا لفظه. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3342)، واللفظ له، ومسلم برقم (163). (4) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (2526)، وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (2717). (5) أخرجه مسلم برقم (2928).

(1/132)


- صفة خيام أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن/72]. 2 - وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المؤْمِنُ، فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متفق عليه (1). - سوق الجنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ ِفي الجَنَّةِ لَسُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً». أخرجه مسلم (2). - قصور الجنة: خلق الله عز وجل داخل مساكن وقصور الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة/72]. - تفاضل أهل الجنة في القصور: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)} [الإنسان/20]. 2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المشْرِقِ أَوِ المغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ»، قالوا يا رسول الله: تلك منازل _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4879)، ومسلم برقم (2838)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2833).

(1/133)


الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (1). - صفة غرف أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)} [العنكبوت/58]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزمر/20]. 3 - وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفاً تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَى للهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ». أخرجه أحمد والترمذي (2). - صفة فُرش أهل الجنة: قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن/54]. - صفة البسط والنمارق: 1 - قال الله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)} [الغاشية/15 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن/76]. «النمارق» الوسائد، «الزرابي» البسط. - أرائك الجنة: وهي الأسرة عليها الكلل، أو الكراسي ذات الوسائد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)} [المطففين/22 - 23]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256)، ومسلم برقم (2831)، واللفظ له. (2) حسن / أخرجه أحمد برقم (1338)، وأخرجه الترمذي برقم (1984).

(1/134)


2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)} [الإنسان/13]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس/55 - 56]. - صفة سُرر أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} [الحجر/47]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)} [الطور/ 20]. 3 - وقال الله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)} [الواقعة/15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)} [الغاشية/13]. - صفة أواني أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة/17 - 18]. 2 - وقال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)} [الزخرف/71]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} [الإنسان/15 - 16]. 4 - وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَومِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى رَبِّهِمْ إلا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». متفق عليه (1). - صفة حلي أهل الجنة ولباسهم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7444)، ومسلم برقم (180).

(1/135)


تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)} [الحج/23]. 2 - وقال الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} [الكهف/31]. 3 - وقال الله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} [الإنسان/21]. - أول من يُكسى في الجنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... وإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَومَ القِيَامَةِ إبْرَاهِيْمُ الخَلِيْلُ». أخرجه البخاري (1). - صفة خدم أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة/17 - 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان/ 19]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} [الطور/24]. - أول طعام يأكله أهل الجنة: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ فقال: «زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ». أخرجه البخاري (2). 2 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: كنت قائماً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء حَبر من أحبار اليهود ... -وفيه-: فقال اليهودي .. فَمَنْ أول الناس إجازة؟ قال: «فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ» قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: «زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ» فقال فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَورُ الجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ _________ (1) أخرجه البخاري برقم (6526). (2) أخرجه البخاري برقم (3329).

(1/136)


مِنْ أَطْرَافِهَا» قال: فما شرابهم عليه قال: «مِنْ عَيْنٍ فِيْهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً». أخرجه مسلم (1). - صفة طعام أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (70)} [الزخرف/70 - 71]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد/35]. 3 - وقال الله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} [الواقعة/ 20 - 21]. 4 - وقال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة/24]. 5 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَكُونُ الأَرْضُ يَومَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الجبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَكْفَؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ». -وفيه- فأتى رجل من اليهود ... فقال: أَلا أُخْبِرُكَ بِإدَامِهِمْ؟ قال: إدَامُهُمْ بَالامٌ وَنُونٌ، قالوا: ومَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفاً. متفق عليه (2). 6 - وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيْهَا، وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ، وَلا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَمْتَخِطُون» قالوا: فما بال الطعام؟ قال: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ المسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيْحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (3). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (315). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6520)، واللفظ له، ومسلم برقم (2792). (3) أخرجه مسلم برقم (2835).

(1/137)


7 - وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أسمعك تذكر شجرة في الجنة لا أعلم في الدنيا شجرة أكثر شوكاً منها -يعني الطلح- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَإنَّ اللهَ يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِثْلَ خِصْيَةِ التَّيْسِ المَلْبُودِ -يعني المخصي- فِيهَا سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ لا يُشْبِهُ لَوْنُهُ لَوْنَ الآخَرِ». أخرجه الطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين (1). - صفة شراب أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)} [الإنسان/5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)} [الإنسان/17]. 3 - وقال الله تعالى: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} [المطففين/25 - 28]. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ، حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ».أخرجه الترمذي وابن ماجه (2). - صفة أشجار الجنة وثمارها: 1 - قال الله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان/14]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)} [المرسلات 41 - 42]. 3 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)} [ص/51]. _________ (1) صحيح / أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 130) وفي مسند الشاميين (1/ 282)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2734). (2) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (3361)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4334).

(1/138)


4 - وقال الله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [محمد/15]. 5 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)} [النبأ/31 - 32]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)} ... {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن/52، 68]. 7 - وقال الله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)} [الدخان/55]. 8 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة/27 - 33]. 9 - وقال الله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة/22 - 24]. 10 - وعن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما في قصة المعراج - وفيه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المنْتَهَى فَإذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلالُ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَألْتُ جِبْريلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالفُرَاتُ». متفق عليه (1). 11 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيْرُ الرَّاكِبُ الجَوادَ أَو المضَمَّرَ السَّريعَ مائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا». متفق عليه (2). 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ». أخرجه الترمذي (3). - صفة أنهار الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6553)، واللفظ له، ومسلم برقم (2828). (3) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (2525).

(1/139)


الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} [البروج/11]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد/15]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر/54 - 55]. 4 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَمَا أَنَا أَسيرُ فِي الجَنَّةِ إذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإذَا طيبُهُ، أَوْ طينُهُ مِسْكٌ أذْفَرُ». أخرجه البخاري (1). 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الجَنّةِ». أخرجه مسلم (2). - صفة عيون الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)} [الحجر/45]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان/5 - 6]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} [المطففين/ 27 - 28]. 4 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)}، {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)} [الرحمن 50، 66]. 5 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان/17 - 18]. _________ (1) أخرجه البخاري برقم (6581). (2) أخرجه مسلم برقم (2839).

(1/140)


- صفة نساء أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران/ 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} [الواقعة/35 - 40]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} [الصافات/ 48 - 49]. 4 - وقال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)} [الواقعة/22 - 24]. 5 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن/56 - 58]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن/70 - 72]. 7 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أَوْ مَوْضِعُ قِيْدٍ -يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلملأَتْهُ رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (1). 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلىَ صُورَةِ القْمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَمَا فِي الجَنَّةِ أعْزَبٌ». متفق عليه (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2796)، واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3246)، ومسلم برقم (2834)، واللفظ له.

(1/141)


- عطور وروائح الجنة: وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وتفاوت منازلهم، ودرجاتهم. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً، لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ -الألَنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ- وَأزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (1). 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (2). 3 - وفي لفظٍ: «وَإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (3). - غناء أزواج أهل الجنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطّ، إنّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ خَيرُ الحِسَانِ، أَزْوَاجُ قَومٍ كِرَامٍ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانِ. وَإنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ، نَحْنُ المقيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّهْ». أخرجه الطبراني في الأوسط (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327) واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (2) أخرجه البخاري برقم (3166). (3) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (1403)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2687). (4) صحيح / أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4917)، انظر صحيح الجامع رقم (1561).

(1/142)


- جماع أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس/55 - 56]. 2 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالجِمَاعِ»، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ، فَإذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمِرَ». أخرجه الطبراني والدارمي (1). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي اليَوْمِ إلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ». أخرجه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في صفة الجنة (2). - الولد في الجنة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الوَلَدَ فِي الجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي». أخرجه أحمد والترمذي (3). - دوام نعيم أهل الجنة: إذا دخل أهل الجنة الجنة تلقتهم الملائكة، وبشرتهم بما في الجنة من النعيم والخلود بشرىً لم يسمعوا بمثلها قط. _________ (1) صحيح / أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 178)، وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (2721)، وانظر صحيح الجامع رقم (1627). (2) صحيح / أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (5263)، وأخرجه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (373)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (367). (3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11079)، وأخرجه الترمذي برقم (2563).

(1/143)


1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد/35]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُنَادِي مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإنّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أَبَداً، وَإنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَداً» فذلك قوله عزوجل: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أخرجه مسلم (1). 3 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: هل ينام أهل الجنة؟ قال: «لا، النَّوْمُ أَخُو المَوْتِ». أخرجه البزار (2). - درجات الجنة: 1 - قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء/21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} [طه/75 - 76]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} [الواقعة/10 - 14]. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا» فقالوا يا رسول الله: أفلا نبشر الناس؟. قال: «إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَينِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوسَ فَإنَّهُ أَوْسَطُ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2837). (2) صحيح / أخرجه البزار -كشف الأستار- برقم (3517)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1087).

(1/144)


الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ»، أراه قال: «وَفَوقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (1). - رفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور/21]. - صفة ظل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)} ... [النساء/ 57]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة/27 - 30]. 3 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} ... [الإنسان/13 - 14]. 4 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد/35]. - علو الجنة وسعتها: 1 - قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)} [الغاشية/8 - 11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران/133]. _________ (1) أخرجه البخاري برقم (2790).

(1/145)


3 - وقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد/21]. - أعلى منزلة في الجنة: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذَا سَمِعْتُمُ المؤذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (1). - أعلى أهل الجنة منزلة، وأدناهم منزلة: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيْتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيْتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أَوْلَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُّ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. أخرجه مسلم (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (384). (2) أخرجه مسلم برقم (189).

(1/146)


وفي لفظ في بيان أدنى أهل الجنة: «فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا». متفق عليه (1). - أعظم نعيم أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} ... [التوبة/ 72]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة/22 - 23]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟». قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُوْنَهَا سَحَابٌ؟». قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ». متفق عليه (2). 4 - وعن صهيب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيْدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6571)، ومسلم برقم (186) عن ابن مسعود رضي الله عته. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806)، ومسلم برقم (182)، واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (181).

(1/147)


وصف نعيم الجنة - هذه صور من أوصاف الجنة، وما فيها من النعيم المقيم، جعلنا الله وإياكم والمسلمين من أهلها إنه جواد كريم. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)} [الزخرف/69 - 73]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} [الدخان/51 - 56]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان/12 - 22]. 4 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة/10 - 26].

(1/148)


5 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} [الواقعة/27 - 40]. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَالَ اللهُ عَزّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُّ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». مصداق ذلك في كتاب الله {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. متفق عليه (1). - ذِكْرُ وكلام أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} [الزمر/74]. 2 - وقال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [يونس/10]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة/ 25 - 26]. 4 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ قَالُوا فَمَا بَالُ الطَّعَامِ قَالَ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (2). - سلام الرب على أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب/44]. 2 - وقال الله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس/58]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3244)، ومسلم برقم (2824)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2835).

(1/149)


- لقاء الرضوان: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ، يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً». متفق عليه (1). اللهم ارض عنا، وعن والدينا، وأهلينا، والمسلمين أجمعين، وأدخلنا برحمتك في جنات النعيم. - مقدار أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الجنة: أكرم الله تعالى هذه الأمة بأن جعلها شطر أهل الجنة، ثم تفضل عليهم بالزيادة إلى الثلثين. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قُبَّةٍ فقال: «أَتَرْضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟» قلنا نعم قال: «أَتَرْضَونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟» قلنا نعم، قال: «أَتَرْضَونَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟» قلنا: نعم، قال: «إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إلَّا كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّورِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ». متفق عليه (2). - صفوف أهل الجنة: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6549)، ومسلم برقم (2829)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6528)، واللفظ له، ومسلم برقم (221). (3) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (2546)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4289).

(1/150)


- أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)} [البقرة/82]. 2 - وعن عياض بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « .. وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيْمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ .. ». أخرجه مسلم (1). 3 - وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟» قالوا: بَلَى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَو أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ... ». متفق عليه (2). - أكثر أهل الجنة: عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». متفق عليه (3). - آخر من يدخل الجنة: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ: رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ، الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلَّ ذَلِكَ يُعيدُ عَلَيهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه (4). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2865). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري (4918)، ومسلم برقم (2853)، واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3241)، واللفظ له، ومسلم برقم (2737). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7511)، واللفظ له، ومسلم برقم (186).

(1/151)


صفة النار - النار: هي دار العذاب التي أعدها الله للكافرين والمنافقين والعصاة في الآخرة. - سنتحدث هنا إن شاء الله تعالى عن النار دار البوار، وما فيها من ألوان العذاب؛ ليكون ذلك باعثاً على الرهبة والفرار من النار، وإنما يحصل الفوز بالجنة، والنجاة من النار، بالإيمان والأعمال الصالحة، واجتناب الشرك والمعاصي، نسأل الله الفوز بالجنة، والنجاة من النار، وسيكون الحديث عن النار على ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة. - أشهر أسماء النار: النار واحدة في الذات، متعددة الصفات، ومن أشهر أسمائها: 1 - النار: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء/14]. 2 - جهنم: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء/140]. 3 - الجحيم: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة/10]. 4 - السعير: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} [الأحزاب/ 64]. 5 - سقر: قال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر/ 48]. 6 - الحطمة: قال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)} [الهمزة/4 - 6]. 7 - لظى: قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} [المعارج/15 - 17].

(1/152)


8 - دار البوار: قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم/28 - 29]. - مكان النار: 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)} [المطففين/7]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... وَأَمَّا الكَافِرُ فَإذَا قُبِضَتْ نَفْسُهُ وَذُهِبَ بِهَا إلَى بَابِ الأَرْضِ يَقُولُ خَزَنَةُ الأَرْضِ: مَا وَجَدْنَا رِيحاً أَنْتَنَ مِنْ هَذِهِ، فَتَبْلُغُ بِهَا إلى الأَرْضِ السُّفْلَى». أخرجه الحاكم وابن حبان (1). - خلود أهل النار: الكفار والمشركون والمنافقون مخلدون في النار، وأما عصاة الموحدين فهم تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة/68]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/ 48]. - صفة وجوه أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)} [الزمر/60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس/40 - 42]. 3 - وقال الله تعالى: ... {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} [القيامة/24 - 25]. 4 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)} [الغاشية/2 - 4]. _________ (1) صحيح /أخرجه الحاكم برقم (1304)، وأخرجه ابن حبان برقم (3013).

(1/153)


5 - وقال الله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون/104]. - عدد أبواب النار: قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} [الحجر/43 - 44]. - أبواب النار مغلقة على أهلها: قال الله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة/8 - 9]. - مجيء النار في عرصات القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)} [الشعراء/91]. 2 - وقال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)} [الفجر/21 - 23]. 3 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». أخرجه مسلم (1). - ورود النار وأول من يعبر الصراط: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم/71 - 72]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ... -وفيه- فقال: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجيزُ». متفق عليه (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2842). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806)، ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

(1/154)


- قعر النار: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وَجْبَةً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إلَى قَعْرِهَا». أخرجه مسلم (1). 2 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إلَى عُنُقِهِ». أخرجه مسلم (2). - عَظمة خَلق أهل النار: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الكَافِرِ أَوْ نَابُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ». أخرجه مسلم (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَي الكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ المُسْرعِ». متفق عليه (4). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ضِرْسُ الَكَافِرِ يَومَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَعَضُدُه مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرقَانٍ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَينَ الرَّبَذَةِ». أخرجه أحمد والحاكم (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2844). (2) أخرجه مسلم برقم (2845). (3) أخرجه مسلم برقم (2851). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6551)، ومسلم برقم (52)، واللفظ له. (5) صحيح / أخرجه أحمد برقم (8327) وأخرجه الحاكم برقم (8759)، وهذا لفظه، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1105).

(1/155)


- قوة حرارة النار: 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} [الإسراء/ 97 - 98]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: «فَإنّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتّينَ جُزْءاً كُلُّها مِثْلُ حَرِّهَا». متفق عليه (1). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَينِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». متفق عليه (2). - وقود النار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم/6]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} [البقرة/24]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء/98]. - دركات النار: النار دركات بعضها أسفل من بعض، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؛ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3265)، ومسلم برقم (2843)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3260)، واللفظ له، ومسلم برقم (617).

(1/156)


لغلظ كفرهم، وتمكنهم من أذى المؤمنين كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء/145]. - صفة ظل النار: 1 - قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)} [الواقعة/41 - 43]. 2 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزمر/16]. 3 - وقال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات/30 - 31]. - خزنة النار: 1 - قال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر/26 - 31]. 2 - ومالك خازن النار، كما قال سبحانه: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} [الزخرف/77]. - بعث النار: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَه يَشِيبُ الصَّغِيرُ {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَإنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً، وَمِنْ

(1/157)


يَأْجُوجَ وَمَأجُوجَ أَلْفٌ». متفق عليه (1). - كيفية دخول أهل النار النار: 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر/ 71 - 72]. 2 - وقال الله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)} [الرحمن/41]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان/11 - 14]. 4 - وقال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)} ... ] الهمزة/4 - 6 [. 5 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} [الطور/13 - 14]. 6 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)} [إبراهيم/49 - 50]. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ، لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: إنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إلَهاً آخَرَ، وَبِالمصَوِّرِينَ». أخرجه أحمد والترمذي (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3348) واللفظ له، ومسلم برقم (222). (2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8411)، وأخرجه الترمذي برقم (2574) وهذا لفظه.

(1/158)


- أول مَنْ تُسَعَّر بهم النار: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهَ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟، قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (1). - أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة/39]. 2 - وعن عياض بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « .. وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيْكُمْ تَبَعاً لا يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلا مَالاً، وَالخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإنْ دَقَّ إلا خَانَهُ، وَرَجٌل لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِي إلا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ» وذكر البخل أو الكذب «والشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ». أخرجه مسلم (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (1905). (2) أخرجه مسلم برقم (2865).

(1/159)


- أكثر أهل النار: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أُرِيْتُ النَّارَ، فَإذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ» قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟، قَالَ: «يَكْفُرنَ العَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيراً قَطُّ». متفق عليه (1). - أشد أهل النار عذاباً: 1 - قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق/24 - 26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} ... [غافر/45 - 46]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل/88]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء/145]. 5 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم/68 - 70]. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ، لَهَا عَينَانِ تُبْصِرانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: إنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إلَهاً آخَرَ، وَبِالمصَوِّرِينَ». أخرجه أحمد والترمذي (2). 7 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29) واللفظ له، ومسلم برقم (907). (2) صحيح /أخرجه أحمد برقم (8411)، وأخرجه الترمذي برقم (2574)، وهذا لفظه.

(1/160)


عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ المصَوِّرُونَ». متفق عليه (1). 8 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيّاً، وَإمَامُ ضَلالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ المُمَثِّلِينَ». أخرجه أحمد والطبراني (2). - أهون أهل النار عذاباً: 1 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ بِالقُمْقُمِ». متفق عليه (3). 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَينِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ». أخرجه مسلم (4). 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وَذُكِرَ عنده عمه أبوطالب فقال-: «لَعَّلَهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَومَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ». متفق عليه (5). - ما يقال لأهون أهل النار عذاباً: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)} [المائدة/ 36]. 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950)، ومسلم برقم (2109)، واللفظ له. (2) جيد/ أخرجه أحمد برقم (3868) وهذا لفظه، وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 260). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6562)، واللفظ له، ومسلم برقم (213). (4) أخرجه مسلم برقم (212). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6564)، واللفظ له، ومسلم برقم (210).

(1/161)


بِي شَيْئاً، فَأَبَيْتَ إلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِيْ». متفق عليه (1). - سلاسل جهنم وأغلالها: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} ... [الإنسان/4]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} [غافر/70 - 72]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزمل/12 - 13]. 4 - وقال الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} [الحاقة/30 - 34]. - صفة طعام أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان/43 - 46]. 2 - وقال الله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} [الصافات/62 - 68]. 3 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} [الغاشية/6 - 7]. 4 - وقال الله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} [الحاقة/35 - 37]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6557)، واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

(1/162)


- صفة شراب أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} [إبراهيم/15 - 17]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد/15]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف/29]. 4 - وقال الله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} [ص/55 - 58]. - صفة ثياب أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)} [الحج/19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)} [إبراهيم/49 - 50]. - فُرش أهل النار: قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} [الأعراف/41]. - حسرة أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} [البقرة/167]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلُ أَحَدٌ الجَنَّةَ إلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْراً، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ

(1/163)


الجَنَّةِ لَو أَحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيهِ حَسْرَةً». أخرجه البخاري (1). 3 - وعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يَقُولُ لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قال: نَعَمْ، قال: فَقَدْ سَألْتُكَ مَا هُوَ أهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إلَّا الشِّرْكَ». متفق عليه (2). - كلام أهل النار: 1 - قال الله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)} [الأعراف 38 - 39]. 2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت/ 25]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان/ 14]. _________ (1) أخرجه البخاري برقم (6569). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3334)، واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

(1/164)


صور من أصناف المعذبين في النار 1 - الكفار والمنافقون: قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة/68]. 2 - قاتل النفس المعصومة عمدا: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء/93]. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعينَ عَاماً». أخرجه البخاري (1). 3 - الزناة والزواني: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ من رُؤْيَا؟» -وفيه- أنه قال ذات غداة: «إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإنَّهُمَا ابْتَعثَانِي وَإنَّهُمَا قَالا لِي انْطَلِقْ ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإذَا فِيْهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيْهِ، فَإذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإذَا أَتَاهُمْ ذَلِكُ اللهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ؟ ... -وَفِيهِ- فَقَالا: وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ... ». أخرجه البخاري (2). 4 - آكلو الربا: في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه السابق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلَقْنَا حَتَّى _________ (1) أخرجه البخاري برقم (3166). (2) أخرجه البخاري برقم (7047).

(1/165)


أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهْر وعلى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيْهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ ... قَالَ والَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا». أخرجه البخاري (1). 5 - المصورون: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْساً فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ». أخرجه مسلم (2). 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سَتَرْتُ سَهْوَةً لي بِقِرَامٍ فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلوَّن وجهه وقال: «يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ» قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. متفق عليه (3). 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَومَ القِيَامَةِ وَلَيسَ بِنَافِخٍ». متفق عليه (4). 6 - آكل مال اليتيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء/10]. _________ (1) أخرجه البخاري برقم (1386). (2) أخرجه مسلم برقم (2110). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5954)، ومسلم برقم (2107)، واللفظ له. (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7042)، ومسلم برقم (2110)، واللفظ له.

(1/166)


7 - أهل الكذب والغيبة والنميمة: 1 - قال الله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)} [الواقعة/92 - 94]. 2 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر -وفيه- فقلت يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (1). 8 - الذين يكتمون ما أنزل الله: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة/174]. - تخاصم أهل النار: حينما يرى الكفار ما أعد الله لهم من العذاب، ويعانون تلك الأهوال، يمقتون أنفسهم، ويمقتون أحبابهم وخلانهم في الدنيا، وتنقلب كل محبة بينهم إلى عداوة، وعند ذلك يخاصم أهل النار بعضهم بعضاً، ويحاج بعضهم بعضاً على اختلاف طبقاتهم. 1 - مخاصمة العابدين لمعبوديهم: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)} [الشعراء/ 96 - 99]. 2 - مخاصمة الضعفاء للسادة المستكبرين: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا _________ (1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2616)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3973).

(1/167)


مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} [غافر/47 - 48]. 3 - تخاصم الأتباع مع قادة الضلال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)} [الصافات/27 - 33]. 4 - تخاصم الكافر وقرينه الشيطان: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق/27 - 29]. 5 - ويبلغ الأمر أشده عندما يخاصم الإنسان أعضاءه: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)} [فصلت/19 - 21]. - طلب أهل النار من ربهم رؤية مَنْ أضلوهم وتضعيف العذاب عليهم: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} [فصلت/29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب/66 - 68]. - خطبة إبليس في أهل النار: إذا قضى الله الأمر، وفصل بين العباد، خطب إبليس في أهل النار؛ ليزيد من كربهم وندامتهم وحسرتهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ

(1/168)


وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)} [إبراهيم/22]. - طلب النار المزيد: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق/30]. 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيْهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلا يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». متفق عليه (1). صور من أحوال أهل النار - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء/56]. - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)} [الزخرف/74 - 76]. - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)} [الأحزاب/64 - 66]. - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر/36]. - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4848)، ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

(1/169)


مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود/106 - 107]. - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم/68 - 70]. - وقال الله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26)} [النبأ /21 - 26]. - وقال الله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)} [الملك/6 - 9]. - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر/47 - 48]. - وقال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة/4 - 9]. - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ مَا شَأنُكَ؟ أَلَيسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالمعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المنْكَرِ وآتِيْهِ». متفق عليه (1). - بكاء أهل النار وصراخهم: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3267) واللفظ له، ومسلم برقم (2989).

(1/170)


فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة/81 - 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر/37]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} [الأنبياء/100]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان/13 - 14]. 5 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان/27]. 6 - وقال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} [البقرة/167]. - دعاء أهل النار: إذا دخل أهل النار فيها وأصابهم العذاب الشديد استغاثوا ونادوا لعلهم يجدون من يغيثهم ويجيبهم، فينادون أهل الجنة، وخزنة النار، ومالك خازن النار، وينادون ربهم، فلا يجابون إلا بما يزيد حسرتهم، ثم يفقدون الأمل ويأخذون في الزفير والشهيق. 1 - قال الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} [الأعراف/50]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر/49 - 50]. 3 - وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزخرف/77 - 78].

(1/171)


4 - وقال الله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون/106 - 108]. 5 - فإذا فقد أهل النار الأمل في الخروج من النار ويئسوا من أي خير أخذوا في الزفير والشهيق كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود/106 - 107]. عياذاً بالله من غضب الله وسخطه وعقوبته، اللهم ارزقنا الجنة .. وأجرنا من النار .. أنت مولانا .. فنعم المولى .. ونعم النصير. - ميراث أهل الجنة منازل أهل النار: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا لَهُ مَنْزِلانِ: مَنْزِلٌ فِي الجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَولُه تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}. أخرجه ابن ماجه (1). - خروج عصاة الموحدين من النار: 1 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذَّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوحِيدِ فِي النَّارِ حَتّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَماً، ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ، فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوابِ الجَنّةِ» قال: «فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ المَاءَ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثَاءُ فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ». أخرجه أحمد والترمذي (2). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيْرَةً، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا _________ (1) صحيح / أخرجه ابن ماجه برقم (4341). (2) صحيح / أخرجه أحمد برقم (15268)، وأخرجه الترمذي برقم (2597)، وهذا لفظه.

(1/172)


إلَهَ إلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً». متفق عليه (1). - أشد عذاب أهل النار: 1 - أفضل نعيم في الجنة فرح المؤمنين وسرورهم برؤية ربهم جل وعلا، ورضاه عنهم كما قال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة/22 - 23]. وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة/ 72]. 2 - وأشد عذاب في النار حجاب أهل النار عن رؤية ربهم جل وعلا كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطففين/ 15 - 16]. - خلود أهل الجنة والنار: 1 - قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود/106 - 108]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة/36 - 37]. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا صَارَ أَهْلُ الجَنَّةِ إلَى الجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إلَى النَّارِ جِيءَ بِالموتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَينَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحاً _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (44)، ومسلم برقم (193)، واللفظ له.

(1/173)


إلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً إلَى حُزْنِهِمْ». متفق عليه (1). - أكثر أهل الجنة والنار: الرجال في الجنة أكثر من النساء، والنساء في النار أكثر من الرجال، والحور أكثر من الرجال في الجنة. 1 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الجَنَّةِ النِّسَاءُ». أخرجه مسلم (2). 2 - وعن عمران رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». متفق عليه (3). 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ» قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (4). 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ الْأَلَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (5). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6548)، واللفظ له، ومسلم برقم (2850). (2) أخرجه مسلم برقم (2738). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3241)، واللفظ له، ومسلم برقم (2737). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29)، واللفظ له، ومسلم برقم (907). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327)، واللفظ له، ومسلم برقم (2834).

(1/174)


- حجاب الجنة والنار: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ». متفق عليه (1). - قرب الجنة والنار: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ». أخرجه البخاري (2). - احتجاج الجنة والنار وحكم الله بينهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالجَنَّةُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: فَمَالِي لا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ، فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكَ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا .. ». متفق عليه (3). - اتقاء النار وطلب الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران/131 - 132]. 2 - وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». متفق عليه (4). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6487) واللفظ له، ومسلم برقم (2823). (2) أخرجه البخاري برقم (6488). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4850)، ومسلم برقم (2846)، واللفظ له. (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6563)، واللفظ له، ومسلم برقم (1016).

(1/175)


مَنْ أَبَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». متفق عليه (1). - اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7280)، واللفظ له، ومسلم برقم (1835).

(1/176)


6 - الإيمان بالقدر - القدر: هو علم الله تعالى بكل شيء، وبكل ما أراد إيجاده أو وقوعه من الخلائق، والعوالم، والأحداث، والأشياء، وتقدير ذلك وكتابته في اللوح المحفوظ. والقدر سر الله في خلقه، لم يَطَّلع عليه مَلَك مقرب، ولا نبي مرسل. - الإيمان بالقدر: هو التصديق الجازم بأن كل ما يقع من الخير والشر وكل شيء فهو بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر/49]. - أركان الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور: 1 - الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً: سواء كان مما يتعلق بفعله سبحانه كالخلق، والتدبير، والإحياء، والإماتة ونحو ذلك، أو مما يتعلق بفعل المخلوقين كأقوال الإنسان وأفعاله وأحواله، وكأحوال الحيوان والنبات والجماد، وكل شيء فالله به عليم كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق/12]. 2 - الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ من المخلوقات، والأحوال، والأرزاق: كتب كميته، وكيفيته، وزمانه، ومكانه، فلا يتغير ولا يتبدل، ولا يزيد ولا ينقص إلا بأمره سبحانه. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)} [الحج/70].

(1/177)


2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ». أخرجه مسلم (1). 3 - الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله وإرادته. فكل شيء واقع بمشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن سواء كان مما يتعلق بفعله سبحانه كالخلق والتدبير، والإحياء، والإماتة ونحو ذلك، أو مما يتعلق بأفعال المخلوقين من الأفعال والأقوال والأحوال. 1 - قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص/68]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} [إبراهيم/27]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام/112]. 4 - وقال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} [التكوير/28 - 29]. 4 - الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، خلق جميع الكائنات بذواتها وصفاتها وحركاتها، لا خالق غيره، ولا رب سواه. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر/62]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر/49]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات/96]. - سر القدر: ما يفعله الله ويقضيه ويقدره على خلقه فيه مصالح وحِكم عظيمة: فما يفعله سبحانه من المعروف والإحسان دالٌّ على رحمته، وما يفعله من البطش والانتقام دالٌّ على غضبه، وما يفعله من اللطف والإكرام دالٌّ على _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2653).

(1/178)


محبته، وما يفعله من الإهانة والخذلان دالٌّ على بغضه ومقته، وما يفعله بمخلوقاته من النقص ثم الكمال دالٌّ على وقوع المعاد. - فقه القدر: أقدار الرب عز وجل نوعان: الأول: ما يجريه الله في الكون من الخلق والرزق، والحياة والموت، والتصريف والتدبير ونحو ذلك من الأوامر الكونية. فهذه الأقدار العظيمة يجريها الله أمامنا ولنعلم بها عظمة الله، وعظمة ملكه وقدرته، وإحاطة علمه بكل شيء، فإذا عرفنا ذلك آمنا بالله سبحانه، وأطعناه وعبدناه كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق/12]. الثاني: ما يجريه الله على الإنسان من خير أو شر، فهذا يكون بحسب عمله: فمن آمن وعمل صالحاً أسعده الله في الدنيا، ثم زاد سعادته عند الموت، ثم زاد سعادته في القبر، ثم تبلغ سعادته كمالها في الجنة كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل/97]. ومن كفر وعصى الله شقي في الدنيا، ثم زاد شقاؤه عند الموت، ثم زاد عذابه في القبر، ثم ينال كامل العذاب في النار كما قال سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء/123]. فيجري قدر الله على الإنسان بحسب ما يصدر من الإنسان من خير أو شر، أو

(1/179)


طاعة أو معصية، وأكثر الناس لا يعلمون سر هذه الأقدار، ولهذا تتراكم المصائب على العصاة، فيتوجهون إلى المخلوق في حلها، فلا ترتفع بل تزداد. والحقيقة أن حلها بأيديهم، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غيروا الكفر بالإيمان، والمعصية بالطاعة، والإساءة بالإحسان، أصلح الله أحوالهم فوراً، وإن غيروا الخير بالشر عذبهم بذنوبهم كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)} [الأنفال/53].

(1/180)


الاحتجاج بالقدر - ما قدَّره الله وقضاه بالنسبة للإنسان نوعان: 1 - ما قضاه الله وقدره من أعمال وأحوال خارج إرادة الإنسان: سواء كانت فيه كطوله وقصره، أو حسنه وقبحه، أو حياته وموته، أو وقعت عليه بغير اختياره كالمصائب، والأمراض، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وغيرها من المصائب التي تارة تكون عقوبة للعبد، وتارة تكون امتحاناً له، وتارةً رفعةً لدرجاته. وهذه الأعمال التي تجري فيه أو تقع عليه دون إرادة منه لا يُسأل عنها الإنسان ولا يحاسب عليها، ويجب عليه الإيمان أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، وعليه الصبر والرضا والتسليم، فما من حادثة في الكون إلا وللعليم الخبير فيها حكمة. 1 - قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} [الحديد/22]. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: «يَا غُلامُ إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قَدَ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». أخرجه أحمد والترمذي (1). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِيْنِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». متفق عليه (2). _________ (1) صحيح / أخرجه أحمد برقم (2669)، وأخرجه الترمذي برقم (2516)، وهذا لفظه. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4826)، ومسلم برقم (2246).

(1/181)


2 - ما قضاه الله وقدره من الأفعال التي يقدر عليها الإنسان ويفعلها بما وهبه الله من العقل، والقدرة، والاختيار كالإيمان والكفر .. والطاعات والمعاصي .. والإحسان والإساءة. فهذه وأمثالها: يحاسب عليها الإنسان، وبحسبها يكون الثواب والعقاب؛ لأن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيَّن الحق من الباطل، ورَغَّب في الإيمان والطاعات، وحَذَّر من الكفر والمعاصي، وزوَّد الإنسان بالعقل، وأعطاه القدرة على الاختيار، فيسلك ما شاء بمحض اختياره، وأي الطريقين اختار فهو داخل تحت مشيئة الله وقدرته، إذ لا يقع في ملك الله شيء بدون علمه ومشيئته. 1 - قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف/ 29]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فصلت/46]. 3 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)} [الروم/44]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} [التكوير/27 - 29]. - متى يجوز الاحتجاج بالقدر: 1 - يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المصائب كما في القسم الأول، فإذا مرض الإنسان، أو مات، أو ابتلي بمصائب بغير اختياره فله أن يحتج بقدر الله فيقول: قَدَّرَ الله وما شاء فعل، وعليه أن يصبر، ويرضى إن استطاع؛ لينال الثواب كما قال سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة/155 - 157].

(1/182)


2 - لا يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المعاصي فيترك الواجبات، أو يفعل المحرمات؛ لأن الله أمر بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وأمر بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر. ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود ونحوهم، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين. ومن رأى القدر حجة لأهل المعاصي يرفع عنهم الذم والعقاب فعليه ألّا يذم أحداً ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه، ولا يفرِّق بين من يفعل معه خيراً أو شراً، وهذا باطل. - حكم فعل الأسباب: ما قدَّره الله للعبد من خير أو شر قدَّره مربوطاً بأسبابه، فللخير أسبابه وهي الإيمان والطاعات، وللشر أسبابه وهي الكفر والمعاصي. والإنسان يعمل بمحض الإرادة التي قدرها الله له، والاختيار الذي منحه الله له، ولا يصل العبد إلى ما كتب الله عليه وقدره له من سعادة أو شقاء إلا بواسطة تلك الأسباب التي يفعلها باختياره الذي منحه الله إياه، فلدخول الجنة أسباب يجب فعلها، ولدخول النار أسباب يجب تركها. 1 - قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} [الأنعام/ 148]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران/132]. 3 - وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)

(1/183)


فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} متفق عليه (1). - يشرع دفع القدر بالقدر فيما يأتي: 1 - دفع القدر الذي قد انعقدت أسبابه ولَمّا يقع بأسباب أخرى من القدر تقابله، كدفع العدو بقتاله، ودفع الحر والبرد ونحو ذلك. 2 - دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله، كدفع قدر المرض بقدر التداوي، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان، وهكذا. - مشيئة الله عامة لكل شيء: فعل الخير والشر من العبد لا ينافي نسبتهما إلى الله خلقاً وإيجاداً، فالله خالق كل شيء، ومن ذلك خلق الإنسان وأفعاله، ولكن ليست مشيئة الله عز وجل دليلاً على رضاه. فالكفر والمعاصي والفساد كائنة بمشيئة الله ولكن الله لا يحبها، ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها وينهى عنها، وكون الشيء مبغوضاً مكروهاً لا يخرجه عن مشيئة الله المتضمنة لخلق كل شيء، فلكل شيء خلقه الله حكمة مقصودة واقعة على أساس تدبيره لملكه وخلقه سبحانه. - أفضل الناس: أكمل الناس وأفضلهم الذين يحبون ما أحبه الله ورسوله، ويبغضون ما أبغض الله ورسوله، وليس عندهم حب ولا بغض لغير ذلك، فيأمرون بما أمر الله ورسوله به، ولا يأمرون بغير ذلك وهكذا. فالمسلم في الدنيا يتقلب بين خمسة أمور: أمر من أوامر الله يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، ونعم يشكر ربه عليها، وذنوب يستغفر ربه منها. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4945)، ومسلم برقم (2647)، واللفظ له.

(1/184)


- حكم الرضا بالقدر: الرضا بالقدر ثلاثة أقسام: 1 - الرضا بالطاعات، وهذا واجب. 2 - الرضا بالمصائب، وهذا مستحب. 3 - الكفر والفسوق والعصيان فهذا لا يؤمر بالرضا به، بل يؤمر ببغضه وسخطه فإن الله لا يحبه ولا يرضاه، وهو وإن خلقه وهو لا يحبه فإنه يفضي إلى ما يحبه كما خلق الشياطين، فنحن نرضى بما خلق الله، أما نفس الفعل المذموم وفاعله فلا نرضى به ولا نحبه. فالأمر الواحد يُحَبّ من وجه ويُبْغض من وجه كالدواء الكريه، فهو مكروه لكنه يفضي إلى محبوب، والطريق إلى الله أن نرضيه، بأن نفعل ما يحبه ويرضاه، ليس أن نرضى بكل ما يحدث ويكون، ولسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضاه وقدره، ولكننا مأمورون أن نرضى بما أمرنا الله ورسوله أن نرضى به. - قضاء الله خيراً أو شراً له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به العبد، فقضاء الله كله خير وعدل وحكمة. الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فهذا منه ما يُرضى به كالإيمان والطاعات، ومنه ما لا يُرضى به كالكفر والمعاصي، وكذلك الله لا يرضاها ولا يحبها ولا يأمر بها. 1 - قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)} [القصص/68]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر/7]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات/96].

(1/185)


- أفعال العباد مخلوقة: الله عز وجل خلق العبد، وخلق أفعاله، وعلم ذلك، وكتبه قبل وقوعه، فإذا فعل العبد خيراً أو شراً انكشف لنا ما علمه الله وخلقه وكتبه، وَعِلْم الله بفعل العبد عِلْم إحاطة، فالله قد أحاط بكل شيء علماً، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات/96]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام/59]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس/61]. 4 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوماً، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ، إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». متفق عليه (1). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3208)، ومسلم برقم (2643)، واللفظ له.

(1/186)


- العدل والإحسان: أفعال الله عز وجل دائرة بين العدل والإحسان، لا يمكن أن يظلم أحداً، إما أن يعامل عباده بالعدل، وإما أن يعاملهم بالإحسان، فالمسيء يعامله بالعدل، كما قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى/40]. والمحسن يعامله بالفضل والإحسان كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ... [الأنعام/160]. - الأوامر الشرعية والكونية: للهِ عز وجل نوعان من الأوامر: أوامر كونية، وأوامر شرعية. والأوامر الكونية ثلاثة أنواع: 1 - أمر الخلق والإيجاد، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر/62]. 2 - أمر البقاء، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالبقاء. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر/41]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الروم/25]. 3 - أمر النفع والضر والحركة والسكون والحياة والموت ... الخ، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف/188]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ

(1/187)


الشَّاكِرِينَ (22)} [يونس/22]. 3 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} [غافر/68]. أما الأوامر الشرعية الإلهية فهي موجهة من الله للثقلين الإنس والجن فقط وهي الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل كتبه. وهي تشمل التوحيد والإيمان، والعبادات، والمعاملات، والمعاشرات، والأخلاق، وبمقدار قوة اليقين، على أسماء الله وصفاته وأفعاله وأوامره الكونية يأتي عند العباد الشوق والرغبة والتلذذ بامتثال أوامر الله الشرعية. وأسعد الناس بذلك أعظمهم معرفة بربهم، وهم الأنبياء ثم من سار على هديهم، وبامتثال أوامر الله الشرعية يفتح الله لنا بركات السماوات والأرض في الدنيا، ويدخلنا الجنة في الآخرة. - أوامر الله عز وجل نوعان: 1 - أوامر شرعية قد تقع، وقد يخالفها العبد بإذن الله، ومنها: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء/23]. 2 - أوامر كونية لابد من وقوعها، ولا يمكن للإنسان مخالفتها، وهي نوعان: 1 - أمر رباني مباشر لازم الوقوع، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/82]. 2 - أوامر ربانية كونية، وهي السنن الكونية التي تتكون من أسباب ونتائج يتفاعل بعضها مع بعض، ولكل سبب كوني نتيجة، ومن السنن الكونية: 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال/53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} [الإسراء/16].

(1/188)


وهذه السنة الكونية يمكن لإبليس وأتباعه محاولة تسخيرها لتكون سبباً في هلاك بعض الناس، وقد شرع الله لنا الدعاء والاستغفار للنجاة من ذلك، والدعاء لجوء إلى الله الذي خلق السنن الكونية كلها، فهو القادر على إبطال مفعولها أو تغيير نتيجتها في أي وقت شاء، وكيف شاء كما أبطل مفعول النار على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} ... [الأنبياء/69]. - أقسام الحسنات والسيئات: الحسنات قسمان: 1 - حسنة سببها الإيمان والعمل الصالح، وهي الطاعة للهِ عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - حسنة سببها الإنعام الإلهي على الإنسان بما يؤتيه الله من مال، وصحة، ونصر، وعزة ونحو ذلك. والسيئات قسمان: 1 - سيئة سببها الشرك والمعاصي، وهي ما يصدر من الإنسان من شرك ومعصية. 2 - سيئة سببها الابتلاء، أو الانتقام الإلهي كأمراض الجسم، وضياع المال، والهزيمة ونحو ذلك. - فالحسنة بمعنى الطاعة لا تنسب إلا إلى الله، فهو الذي شرعها للعبد، وعلَّمه إياها، وأمره بفعلها، وأعانه عليها. - والسيئة بمعنى المعصية للهِ ورسوله إذا فعلها العبد بإرادته واختياره مُؤْثِراً المعصية على الطاعة، فهذه السيئة تنسب للعبد فاعلها، ولا تنسب إلى الله؛ لأن الله لم يشرعها، ولم يأمر بها، بل حَرَّمها وتوعَّد عليها، كما قال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} [النساء/79]. - أما الحسنة بمعنى النعمة كالمال، والولد، والصحة، والنصر، والعزة، والسيئة بمعنى النقمة، والابتلاء كالنقص في المال، والأنفس، والثمرات، والهزيمة

(1/189)


وأمثالها، فهاتان الحسنة والسيئة بهذا المعنى من عند الله؛ لأنه عز وجل يبلو عباده ابتلاء وانتقاماً، ورفعة؛ تربية لعباده كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء/78]. - دفع عقوبة السيئات: إذا عمل المؤمن سيئة فعقوبتها تندفع عنه بما يلي: إما أن يتوب إلى الله فيتوب الله عليه .. أو يستغفر فيغفر الله له .. أو يعمل حسنات تمحوها .. أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفروا له .. أو يهدوا له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به .. أو يبتليه الله في الدنيا بمصائب تكفِّر عنه .. أو يبتليه في البرزخ بمصائب فيكفِّر بها عنه .. أو يبتليه في عرصات القيامة بما يكفِّر عنه .. أو يشفع فيه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - .. أو يرحمه أرحم الراحمين، والله غفور رحيم. - الطاعات والمعاصي: الطاعة تُولِّد المنفعة، وتثمر الأخلاق الحسنة، والمعصية تُولِّد المضرة، وتثمر الأخلاق السيئة، فالشمس والقمر، والنبات والحيوان، والبر والبحر أطاعت ربها فخرج منها منافع كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى، والأنبياء لما أطاعوا الله خرج منهم من الخير ما لا يحصيه إلا الله تعالى. وإبليس لما عصى ربه وأبى واستكبر خرج بسببه من الشرور والفساد في الأرض ما لا يحصيه إلا الله تعالى. وهكذا الإنسان إذا أطاع ربه خرج منه من الخير والمنافع له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وإذا عصى ربه خرج منه من الشر والمضار له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تعالى. - آثار الطاعات والمعاصي: جعل الله عز وجل للطاعات والحسنات آثاراً لذيذة طيبة محبوبة، لذّتها فوق لذة

(1/190)


المعصية بأضعاف مضاعفة، وجعل سبحانه للمعاصي والسيئات آثاراً وآلاماً مكروهة تورث الحسرة والندم، وتُرْبي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة، وما حصل لعبد حال مكروهة قط إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر. والذنوب مضرة بالقلوب مثل السموم مضرة بالأبدان، والله خلق الإنسان على الفطرة حسناً جميلاً، فإن تلوَّث بالذنوب والخطايا نُزِع منه حسنه وجماله، وإذا تاب إلى الله عاد إليه حسنه وجماله، وبلغ كماله في الجنة. - الهداية والإضلال: الله عز وجل له الخلق والأمر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فالملك ملكه، والخلق خلقه، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ومن رحمته سبحانه أن أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأوضح السبل، وأزاح العلل، ومَكَّن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول، وبعد ذلك: 1 - فَمَنْ آثر الهداية، ورغب فيها، وطلبها، وعمل بأسبابها، وجاهد في سبيل تحصيلها هداه الله إليها، وأعانه على تحصيلها وتكميلها، وهذا من رحمة الله بعباده، وفضله عليهم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت/69]. 2 - وَمَنْ آثر الضلالة، ورغب فيها، وطلبها، وعمل بأسبابها تمَّت له، وولَّاه الله ما تولى، ولم يجد من الله صارفاً عنها، وهذا عدل الله. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء/115]. - ثمرات الإيمان بالقدر: الإيمان بالقضاء والقدر مصدر الراحة والطمأنينة والسعادة لكل مسلم، فيعلم أن

(1/191)


كل شيء بقدر الله، فلا يُعجب بنفسه عند حصول مراده، ولا يقلق بفوات محبوب، أو حصول مكروه؛ لأنه يعلم أن ذلك كله بقدر الله، وهو كائن لا محالة. 1 - قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد/22 - 23]. 2 - وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأَمْرِ المؤمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إَنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ». أخرجه مسلم (1). 3 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إنْ أَصَابَهُ خَيرٌ حَمِدَ اللهَ وشَكَرَ، وَإنْ أَصَابَتْهُ مُصِيْبَةٌ حَمِدَ اللهَ وصَبَرَ، فالمؤمنُ يُؤجرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ، حَتَّى يُؤجَرَ فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إلى فِي امْرَأَتِهِ». أخرجه أحمد وعبد الرزاق (2). - وبهذا تمت بفضل الله أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وكل ركن منها يثمر للمؤمن ثمرات نافعة. - ثمرات أركان الإيمان: 1 - الإيمان بالله عز وجل: يُثمر محبة الله، وتعظيمه، وشكره، وعبادته، وطاعته وخشيته، وامتثال أوامره. 2 - والإيمان بالملائكة: يُثمر محبتهم، والاستحياء منهم، والاعتبار بطاعتهم. 3 - 4 والإيمان بالكتب والرسل: يُثمر قوة الإيمان بالله ومحبته، ومعرفة شرائع الله، وما يحبه الله، وما يكرهه الله، ومعرفة أحوال الدار الآخرة، ومحبة رسل الله وطاعتهم. 5 - والإيمان باليوم الآخر: يُثمر الرغبة في فعل الطاعات والخيرات، والنفرة من المعاصي والمنكرات. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2999). (2) حسن /أخرجه أحمد برقم (1492)، وهذا لفظه، وأخرجه عبد الرزاق برقم (20310).

(1/192)


6 - والإيمان بالقدر: يُثمر طمأنينة النفس، وسكونها، ورضاها بما قدر الله، وإذا تحقق ذلك في حياة المسلم كان مؤهلاً لدخول الجنة، وذلك لا يتم إلا بطاعة الله ورسوله، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء/13].

(1/193)


11 - الإحسان - الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل/128]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} [الشعراء/ 217 - 220]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس/61]. - مراتب دين الإسلام: دين الإسلام ثلاث مراتب بعضها فوق بعض وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان وهو أعلاها، وكل مرتبة لها أركان. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينَا رَجُلٌ شَدِيدُ بِيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيهِ سَبيلاً». قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَومِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ؟

(1/194)


قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ» قَال: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بَأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ» قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (1). - فقه الإحسان: الحكمة التي خلق الله من أجلها السماوات والأرض، وخلق من أجلها المخلوقات، وخلق من أجلها الحياة والموت: هي الابتلاء بحسن العمل. والطريق إلى إحسان العمل هو معرفة خالق السماوات والأرض، ومراقبة الله في كل عمل، والعلم بأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد، لا يعزب عنه مثقال ذرة. وهذا أعظم واعظ في القرآن يدعو المسلم إلى إحسان العمل لربه، فيؤديه لله بالمحبة والتعظيم كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه. فليحسن العبد عمله لله؛ ليفوز برضاه، وينجو من عقابه، ومَنْ أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} [هود/7]. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (8).

(1/195)


2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف/7]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك/2]. - مراتب الإحسان: الإحسان مرتبتان: المرتبة الأولى: أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه عبادة طلب، وشوق، ورغبة ومحبة، فهو يطلب مَنْ يحب وهو الله عز وجل، ويقصده ويعبده كأنه يراه، وهذه أعلى المرتبتين «أن تعبد الله كأنك تراه». المرتبة الثانية: إذا لم تعبد الله كأنك تراه وتطلبه، فاعبده كأنه هو الذي يراك عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، متذلل له «فإن لم تكن تراه فإنه يراك». - كمال العبودية: عبادة الله تعالى مبنية على أمرين: غاية الحب للهِ، وغاية التعظيم والذل له، ويحصل ذلك بمعرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله. فالحب يُولِّد الشوق والطلب، والتعظيم والذل له يُولِّد الخوف والهرب، وهذا هو الإحسان في عبادة الله سبحانه، والله يحب المحسنين. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء/125]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان/22].

(1/196)


3 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة/112]. - التجارة الرابحة: في القرآن الكريم تجارتان: تجارة المؤمنين .. وتجارة المنافقين: 1 - فتجارة المؤمنين رابحة، تحقق السعادة في الدنيا والآخرة وهي الدين كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف/10 - 13]. 2 - وتجارة المنافقين خاسرة، تسبب الشقاء في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه عن المنافقين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة/ 14 - 16].

(1/197)


12 - كتاب العلم - فضل العلم: 1 - قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة/11]. 2 - وعَنْ عُثْمَانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (1). - فضل طلب العلم وأنه قبل القول والعمل: 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد/19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه/114]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « .. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيْهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (2). - فضل من دعا إلى هدى: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ دَعَا إلَى هُدَىً كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (3). - وجوب إبلاغ العلم: 1 - قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم/52]. _________ (1) أخرجه البخاري برقم (5027). (2) أخرجه مسلم برقم (2699). (3) أخرجه مسلم برقم (2674).

(1/198)


2 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه -في حجة الوداع -وفيه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (1). 3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ... ». أخرجه البخاري (2). - عقوبة مَنْ كتم العلم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة/159 - 160]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَومَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (3). - عقوبة مَنْ طلب العلم لغير الله: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « .. إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.». أخرجه مسلم (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) واللفظ له، ومسلم برقم (1679). (2) أخرجه البخاري برقم (3461). (3) حسن صحيح / أخرجه أبوداود برقم (3658) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). (4) أخرجه مسلم برقم (1905).

(1/199)


- عقوبة الكذب على الله ورسوله: 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} [الأنعام/144]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل/ 116 - 117]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (1). - فضل من عَلِم وعَلَّم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} ... [آل عمران/79]. 2 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا، وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه (2). 3 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهِا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (110)، ومسلم برقم (3) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (79) واللفظ له، ومسلم برقم (2282). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73) واللفظ له، ومسلم برقم (816).

(1/200)


- رفع العلم وكيف يُقبض: 1 - عن أنس رضي الله عنه قال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحدثكم أحد بعدي سمعه منه: «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَاُل، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ». متفق عليه (1). 2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». متفق عليه (2). - فضل الفقه في الدين: 1 - عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المعْطِي، وَأَنَا القَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». متفق عليه (3). 2 - وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (4). - فضل مجالس الذكر: في الدنيا روضتان من رياض الجنة: إحداهما ثابتة، والأخرى متجددة في الزمان والمكان. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (81)، ومسلم برقم (2671) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (100) واللفظ له، ومسلم برقم (2673). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3116) واللفظ له، ومسلم برقم (1037). (4) أخرجه البخاري برقم (5027).

(1/201)


1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». متفق عليه (1). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قال: «حِلَقُ الذِّكْر». أخرجه أحمد والترمذي (2). 3 - وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا حَفَّتْهُمُ الملائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196)، ومسلم برقم (1391). (2) حسن / أخرجه أحمد برقم (12551)، وأخرجه الترمذي برقم (3510). (3) أخرجه مسلم برقم (2700).

(1/202)


آداب طلب العلم - العلم عبادة، والعبادة لها شرطان: الإخلاص للهِ تعالى، والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعلماء ورثة الأنبياء، والعلوم أقسام: أعلاها وأشرفها وأزكاها ما جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، من العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ودينه، وشرعه. قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد/19]. - وللعلم آداب، منها ما يتعلق بالمعلم، ومنها ما يتعلق بالمتعلم، وهذه إشارة إلى بعضها.

(1/203)


1 - آداب المعلم - التواضع وخفض الجناح: قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء/215]. - التحلي بالأخلاق الحسنة: 1 - قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم/4]. 2 - وقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف/199]. - أن يَتَخوَّل المعلم الناس بالموعظة والعلم لئلا يسأموا فينفروا: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بِالموْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. متفق عليه (1). - أن يرفع صوته بالعلم، ويعيده مرتين أو ثلاثاً ليفهم عنه: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافرناها، فَأَدْرَكَنا وقد أَرْهَقَتْنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: «وَيْلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مرتين أو ثلاثاً. متفق عليه (2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ، وإذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً. أخرجه البخاري (3). - الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى أو سمع ما يكره: عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله، لا أكاد _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (68) واللفظ له، ومسلم برقم (2821). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (60) واللفظ له، ومسلم برقم (241). (3) أخرجه البخاري برقم (95).

(1/204)


أُدرك الصلاة مما يُطوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشدَّ غضباً من يومئذ، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإنَّ فِيْهِمُ المرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ». متفق عليه (1). - إجابة السائل أحياناً بأكثر مما سأل: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَينِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ الزَّعْفَرانُ وَلا الوَرْسُ» متفق عليه (2). - طرح المعلم المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبْدُاللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ». متفق عليه (3). - عدم ذكر المتشابه عند العامة، وأن يخص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا: 1 - عَن أَنَسِ بنِ مَالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذُ بنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعاذُ» قالَ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعاذُ» قالَ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعاذُ» قالَ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قال: «مَا مِنْ عَبِدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللهُ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (90) واللفظ له، ومسلم برقم (466). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1542)، ومسلم برقم (1177) واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (61) واللفظ له، ومسلم برقم (2811).

(1/205)


عَلَى النَّارِ».قالَ: يا رَسُولَ الله، أَفَلا أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إذاً يَتَّكِلُوا» قَأَخْبَرَ بِها مُعاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأثُّماً. متفق عليه (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَو بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ. أخرجه البخاري (2). - ترك تغيير المنكر إذا خشي الوقوع في أشد منه: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «يَا عَائِشَةُ لَولا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابينِ، بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَرْبِيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ». متفق عليه (3). - بذل العلم للرجال والنساء إذا كُنَّ على حِدَة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم -: غَلَبَنَا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إلَّا كَانَ لَهَا حِجَاباً مِنَ النَّارِ» فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: وَاثْنينِ؟ فَقَاَل: «وَاثْنَينِ». متفق عليه (4). - وعظ العالم الناس، وتعليمهم في الليل أو النهار، على الأرض، أو على ظهر الراحلة: 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقال: «سُبْحَانَ اللهِ. مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». أخرجه البخاري (5). 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء في آخر حياته، فلما _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (128)، ومسلم برقم (32) واللفظ له. (2) أخرجه البخاري برقم (120). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586) واللفظ له، ومسلم برقم (1333). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (101) واللفظ له، ومسلم برقم (2633). (5) أخرجه البخاري برقم (115).

(1/206)


سَلَّم قام فقال: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أَحَدٌ». متفق عليه (1). 3 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عُفيرٌ قال: فقال: «يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلَّ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيئاً». قال قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال «لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا». متفق عليه (2). - ما يقوله في ختام المجلس من الدعاء والذكر: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: «اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَينَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيْبَتَنَا فِي دِيْنِنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا». أخرجه الترمذي (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيْهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (116) واللفظ له، ومسلم برقم (2537). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856)، ومسلم برقم (30) واللفظ له. (3) حسن / أخرجه الترمذي برقم (3502)، انظر صحيح الجامع رقم (1268). (4) صحيح / أخرجه أحمد برقم (10420).

(1/207)


2 - آداب طالب العلم - هيئة الجلوس لطلب العلم: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ... متفق عليه (1). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي» فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإسْلامِ دِيْناً، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نَبِيّاً فَسَكَتَ. أخرجه البخاري (2). - الاهتمام بحضور حلق العلم والذكر في المسجد، وأين يجلس إذا دخل والناس في الحلقة: عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟: أَمَّا أَحَدُهُمْ فَآوَى إلَى اللهِ فَآوَاهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (50)، ومسلم برقم (8) واللفظ له. (2) أخرجه البخاري برقم (93). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (66) واللفظ له، ومسلم برقم (2176).

(1/208)


- الجلوس حلقاً في مجالس الذكر والعلم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «حِلَقُ الذِّكْر». أخرجه أحمد والترمذي (1). - توقير العلماء والكبار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحجرات/ 2]. 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء شيخ يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا». أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد (2). - الإنصات للعلماء: عن جرير رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع: «اسْتَنْصِتِ النَّاْسَ»، فقال: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق عليه (3). - إذا سمع شيئاً لم يعرفه راجع العالم حتى يعرفه: عن ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجَعَتْ فيه حتى تعرفه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت: أَوَلَيْسَ يقول الله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} قالت: فَقَالَ: «إنَّمَا ذَلِكَ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ». متفق عليه (4). _________ (1) حسن / أخرجه أحمد برقم (12551)، وأخرجه الترمذي برقم (3510). (2) صحيح /أخرجه الترمذي برقم (1919) وهذا لفظه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (363)، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (2196). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (121) واللفظ له، ومسلم برقم (65). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (103) واللفظ له، ومسلم برقم (2876).

(1/209)


- تعاهد المحفوظات من القرآن وغيره: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَعَاهَدُوا القُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَصِّياً مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا». متفق عليه (1). - حضور القلب وحسن الاستماع: قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق/37]. - الخروج في طلب العلم، وتحمل المشقة في طلبه، والاستكثار منه، ولزوم التواضع في كل حال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لا، فَأَوْحَى اللهُ إلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيْلَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً. وَقِيلَ لَهُ: إذَا فَقَدْتَ الحُوتَ، فَارْجِعْ فَإنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَان يَتَّبِعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ فَإنِّي نَسِيْتُ الحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيْهُ إلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَه، قَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِراً فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ». متفق عليه (2). - الحرص على تحصيل العلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَاهُرَيرةَ أَنْ لا يَسْأَلَنِي _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5033) واللفظ له، ومسلم برقم (791). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (74) واللفظ له، ومسلم برقم (2380).

(1/210)


عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَومَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (1). - كتابة العلم: 1 - عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لا، إلَّا كِتَابُ اللهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيْفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكاكُ الأَسيرِ، وَلا يُقْتَلُ مسْلِمٌ بِكَافِرٍ. أخرجه البخاري (2). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثاً عَنْهُ مِنِّي إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرو، فَإنَّه كَانَ يَكْتُبُ وَلا أَكْتُبُ. أخرجه البخاري (3). - إذا استحيا من السؤال أمر غيره أن يسأل: عن علي رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، وَكُنْتُ أَسْتَحِيي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمْرتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ». متفق عليه (4). - اغتنام فرصة وجود العالم بسؤاله: عن ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: قال: رفعت امرأة صبيا لها. فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: «نعم. ولك أجر». أخرجه مسلم (5). _________ (1) أخرجه البخاري برقم (99). (2) أخرجه البخاري برقم (111). (3) أخرجه البخاري برقم (113). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (269)، ومسلم برقم (303) واللفظ له. (5) أخرجه مسلم برقم (1336) ..

(1/211)


- الدنو من الإمام عند الموعظة: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنَ الإمَامِ، فَإنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الجَنَّةِ وَإنْ دَخَلَهَا». أخرجه أبو داود (1). - التأدب بآداب المجلس المشروعة، ومنها: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة/11]. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيْهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا». متفق عليه (2). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». أخرجه مسلم (3). 4 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي. أخرجه أبو داود والترمذي (4). 5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُجْلَسْ بَيْنَ رَجُلَينِ إلَّا بِإذْنِهِمَا». أخرجه أبو داود (5). 6 - وعن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مَرّ بِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ اليُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي، فَقَالَ: _________ (1) حسن/ أخرجه أبوداود برقم (1108). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6270)، ومسلم برقم (2177) واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (2179). (4) صحيح / أخرجه أبوداود برقم (4825)، وأخرجه الترمذي برقم (2725). (5) حسن / أخرجه أبوداود برقم (4844).

(1/212)


«أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (1). 7 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» متفق عليه (2). - مشاورة العلماء في أمور الدين والدنيا: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رَجُلٌ إلى اِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحَيٌّ وَالِدَاكْ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». متفق عليه (3). 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (4). _________ (1) صحيح / أخرجه أحمد برقم (19683)، وأخرجه أبوداود برقم (4848). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6290)، ومسلم برقم (2184) واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3004)، واللفظ له، ومسلم برقم (2549). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772)، واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

(1/213)


 الباب الثاني فقه القرآن والسنة

ويشتمل على ما يلي: 1 - كتاب الفضائل 2 - كتاب الأخلاق 3 - كتاب الآداب 4 - كتاب الأذكار 5 - كتاب الأدعية

(1/215)


1 - كتاب الفضائل ويشتمل على ما يلي: 1 - فضائل التوحيد 2 - فضائل الإيمان 3 - فضائل العبادات: وتشمل: 1 - فضائل الوضوء 2 - فضائل الأذان 3 - فضائل الصلاة 4 - فضائل الزكاة 5 - فضائل الصيام 6 - فضائل الحج والعمرة 7 - فضائل الجهاد 8 - فضائل الذكر 9 - فضائل الدعاء 4 - فضائل المعاملات 5 - فضائل المعاشرات 6 - فضائل الأخلاق 7 - فضائل القرآن الكريم 8 - فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - 9 - فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

(1/217)


 كتاب الفضائل

· أوردت في هذا الكتاب بعض الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل الأعمال التي تُقرب إلى الله، وتكون سبباً للرغبة في العمل، وإحسانه، والحرص عليه، والإكثار منه، والتنافس فيه، والتلذذ به. فَذِكْرُ كل عمل مع بيان فضيلته يُولِّد في النفس الرغبة والشوق للعمل، ويبعث النشاط في الروح والبدن، ويطرد العجز والكسل، ويحرك الجوارح للطاعة والعبادة. قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة/ 25]. · فضل الإخلاص وحسن النية: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة/5]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت/30 - 32]. 3 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه (1). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6689) واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(1/219)


4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». أخرجه مسلم (1). · فضل مَنْ هَمَّ بحسنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، قال: «إنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله سَيِّئَةً وَاحِدَةً». متفق عليه (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2564). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6491)، ومسلم برقم (131) واللفظ له.

(1/220)


1 - فضائل التوحيد 1 - قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء/83 - 84]. 2 - قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء/87 - 88]. 3 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت/30 - 32]. 4 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ». متفق عليه (1). 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: َ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435)، واللفظ له، ومسلم برقم (28). (2) أخرجه البخاري برقم (6570).

(1/221)


2 - فضائل الإيمان 1 - قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} ... [الحديد/21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة/72]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف/107]. 4 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام/82]. 5 - وقال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)} [التغابن/11]. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيْمَانٌ بِالله وَرَسُولِهِ» قِيْلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌ مَبْرُورٌ». متفق عليه (1). 7 - وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّه لا إلَهَ إلَّا الله دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) واللفظ له، ومسلم برقم (83). (2) أخرجه مسلم برقم (26).

(1/222)


3 - فضائل العبادات 1 - فضائل الوضوء - فضل الوضوء: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ». أخرجه مسلم (1). - فضل التيمُّن في الوضوء وغيره: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (2). - فضل الصلاة بعد الوضوء: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». أخرجه مسلم (3). - فضل الذكر بعد الوضوء: عن عمررضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ (أَوْ فَيُسْبِغُ) الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مَحمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (4). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (245). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) واللفظ له، ومسلم برقم (268). (3) أخرجه مسلم برقم (234). (4) أخرجه مسلم برقم (234).

(1/223)


2 - فضائل الأذان - فضل الأذان: 1 - عن عبد الله بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري قال له: إنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلاةِ فَارْفَعْ صَوتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ «لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إنْسٌ وَلا شَيْءٌ إلا شَهِدَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا .. ». متفق عليه (2). 3 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَومَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (3). - فضل إجابة المؤذن: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (4). _________ (1) أخرجه البخاري برقم (609). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) واللفظ له، ومسلم برقم (437). (3) أخرجه مسلم برقم (387). (4) أخرجه مسلم برقم (384).

(1/224)


3 - فضائل الصلاة - فضل المشي إلى الصلاة، وصلاة الجماعة في المسجد: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ الله بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الملائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيْهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». متفق عليه (1). 2 - وعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (2). - فضل من غدا إلى المسجد وراح: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ الله لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». متفق عليه (3). - فضل إتيان الصلاة بوقار وسكينة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَونَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِيْنَةَ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَإنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (477) واللفظ له، ومسلم برقم (649). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) واللفظ له، ومسلم برقم (650). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) واللفظ له، ومسلم برقم (669). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (636)، ومسلم برقم (602) واللفظ له.

(1/225)


- فضل التأمين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ، وَقَالَتِ الملائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمينَ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (1). - فضل الصلاة على وقتها: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَينِ» قَالَ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولَوِ اسْتَزَدْتُّهُ لَزَادَنِي. متفق عليه (2). - فضل صلاة الفجر والعصر: 1 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي بَصرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بالمخمَّص فقال: «إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوها، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ .. ». أخرجه مسلم (4). - فضل صلاة العشاء والصبح: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (781) واللفظ له، ومسلم برقم (410). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) واللفظ له، ومسلم برقم (85). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (574) واللفظ له، ومسلم برقم (635). (4) أخرجه مسلم برقم (830).

(1/226)


فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم (1). - فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهَ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». أخرجه مسلم (2). - فضل الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح: عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيراً، كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ. أخرجه مسلم (3). - فضل يوم الجمعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَومِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (4). - فضل من اغتسل واستمع لخطبة الجمعة وصلى: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ». أخرجه مسلم (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (656). (2) أخرجه مسلم برقم (251). (3) أخرجه مسلم برقم (670). (4) أخرجه مسلم برقم (854). (5) أخرجه مسلم برقم (857).

(1/227)


- فضل الساعة التي في يوم الجمعة وهي بعد العصر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: «فِيْهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ الله شَيْئاً إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» زاد قتيبة في روايته: وأشار بيده يقللها. متفق عليه (1). - فضل السنن الراتبة: عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً غَيْرَ فَرِيضَةٍ إلَّا بَنَى الله لَه بَيْتاً فِي الجَنَّةِ، أَوْ إلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ» قالت أم حبيبة: فما بَرِحْتُ أُصَلِّيهنَّ بَعْدُ. أخرجه مسلم (2). - فضل قيام الليل: 1 - قال الله تعالى في صفة المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة/16 - 17]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (3). - فضل الوتر آخر الليل: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوْتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوْتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإنَّ صَلاةَ آخِرِ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (935)، ومسلم برقم (852) واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (728). (3) أخرجه مسلم برقم (1163).

(1/228)


اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ». أخرجه مسلم (1). - فضل الصلاة والدعاء آخر الليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (2). - فضل الدعاء في الليل: عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ فِي اللَّيلِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله خَيراً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». أخرجه مسلم (3). - فضل صلاة الضحى، وأفضل وقتها: 1 - عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». أخرجه مسلم (4). 2 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِيْنَ تَرْمَضُ الفِصَالُ». أخرجه مسلم (5). - فضل كثرة السجود: 1 - عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - _________ (1) أخرجه مسلم برقم (755). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) واللفظ له، ومسلم برقم (758). (3) أخرجه مسلم برقم (757). (4) أخرجه مسلم برقم (720). (5) أخرجه مسلم برقم (748).

(1/229)


فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (1). 2 - وعن ثوبان رَضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إلا رَفَعَكَ الله بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (2). - فضل صلاة النوافل في البيت: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإنَّ خَيْرَ صَلاةِ المرءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الصَّلاةَ المكْتُوبَةَ». متفق عليه (3). - فضل أداء الفرائض والنوافل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيهِ. وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَّرَبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ، فَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المؤمِنِ يَكْرَهُ الموتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (4). - فضل الأذكار بعد السلام من الصلاة المكتوبة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَبَّحَ الله فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (489). (2) أخرجه مسلم برقم (488). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731)، ومسلم برقم (781) واللفظ له. (4) أخرجه البخاري برقم (6502).

(1/230)


ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ الله ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ الله ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ المِائَةِ: لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». أخرجه مسلم (1). - فضل الصلاة على الجنازة واتباعها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَينِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (2). - فضل من صلى عليه المسلمون: 1 - عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ المسْلِمينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَه إلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (3). 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْركُونَ بِالله شَيئاً إلَّا شَفَّعَهُمُ الله فِيهِ». أخرجه مسلم (4). - فضل من مات صفيُّه واحتسبه عند الله عز وجل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ الله تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الجَنَّةَ». أخرجه البخاري (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (597). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) واللفظ له، ومسلم برقم (945). (3) أخرجه مسلم برقم (947). (4) أخرجه مسلم برقم (948). (5) أخرجه البخاري برقم (6424).

(1/231)


- فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (1). 2 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (2). - فضل الصلاة في بيت المقدس: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تَذاكَرْنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّهما أفضل: مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أم مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذا أفْضَلُ مِنْ أرْبَعِ صَلَواتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ المُصَلَّى .. ». أخرجه الحاكم (3). - فضل الصلاة في مسجد قباء: عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَصَلَّى فِيهِ صَلاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) واللفظ له، ومسلم برقم (1394). (2) صحيح / أخرجه أحمد برقم (14750)، وأخرجه ابن ماجه برقم (1406) وهذا لفظه. (3) صحيح /أخرجه الحاكم برقم (8553) انظر السلسلة الصحيحة رقم (2902). (4) صحيح / أخرجه النسائي برقم (699)، وأخرجه ابن ماجه برقم (1412) وهذا لفظه.

(1/232)


4 - فضائل الزكاة - فضل أداء الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [البقرة/277]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} ... [الروم/39]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة/274]. 4 - وقال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة/103]. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلَّني على عمل إذا عملتُه دخلتُ الجنة. قال: «تَعْبُدُ الله لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ» قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولَّى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا». متفق عليه (1). - فضل الصدقة من الكسب الطيب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ الله إلَّا الطَّيِّبَ، وَإنَّ الله يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1397) واللفظ له، ومسلم برقم (14). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) واللفظ له، ومسلم برقم (1014).

(1/233)


5 - فضائل الصيام - فضل شهر رمضان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ شهر رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». وفي رواية: «فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ». متفق عليه (1). - فضل الصيام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفق عليه (2). - فضل أهل الصيام: عن سهل رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (3). - فضل من صام رمضان إيماناً واحتساباً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَام رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1899) و (1898) واللفظ له، ومسلم برقم (1079). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1904) واللفظ له، ومسلم برقم (1151). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (38) واللفظ له، ومسلم برقم (760).

(1/234)


- فضل من قام رمضان إيماناً واحتساباً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (1). - فضل من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (2). - فضل من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (3). - فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما -وفيه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «وصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (37) واللفظ له، ومسلم برقم (759). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901) واللفظ له، ومسلم برقم (760). (3) أخرجه مسلم برقم (1164). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1976) واللفظ له، ومسلم برقم (1159).

(1/235)


6 - فضائل الحج والعمرة - فضل عشر ذي الحجة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: وَلا الجِهَادُ؟ قال: «وَلا الجِهَادُ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (1). - فضل الحج المبرور: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه (2). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِالله وَرَسُولِهِ» قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ» قيل ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (3). - أفضل جهاد النساء: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: يَا رَسُولَ الله نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلُ العَمَلِ، قَالَ: «لَكُنَّ أَفْضَلُ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». أخرجه البخاري (4). - فضل العمرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «العُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لما بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلا الجَنَّةُ». متفق عليه (5). _________ (1) أخرجه البخاري برقم (969). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) واللفظ له، ومسلم برقم (1350). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1519) واللفظ له، ومسلم برقم (83). (4) أخرجه البخاري برقم (1520). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) واللفظ له، ومسلم برقم (1349).

(1/236)


7 - فضائل الجهاد في سبيل الله - فضل الجهاد في سبيل الله: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة/111]. - فضل الغدوة والروحة في سبيل الله: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيِا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (1). 2 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيْلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ». أخرجه مسلم (2). - فضل من خرج إلى الجهاد في سبيل الله ثم مات أو قُتل: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء/100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} [آل عمران/157 - 158]. - فضل من أراد الجهاد فحبسه مرض أو عذر: عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزاة فقال: «إنَّ أَقْوَاماً بِالمدينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2792) واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (2) أخرجه مسلم برقم (1883). (3) أخرجه البخاري برقم (2839).

(1/237)


- فضل من جهز غازياً في سبيل الله: عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ الله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». متفق عليه (1). - فضل من بذل نفسه وماله في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة/120 - 121]. 2 - وعن أبي عبس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ الله حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ». أخرجه البخاري (2). - فضل النفقة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة/ 261]. 2 - وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ». أخرجه مسلم (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2843) واللفظ له، ومسلم برقم (1895). (2) أخرجه البخاري برقم (907). (3) أخرجه مسلم برقم (1892).

(1/238)


- فضل من قُتل في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران/169 - 171]. 2 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إلَّا الدَّيْنَ، فَإنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لي ذَلِكَ». أخرجه مسلم (1). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (1885).

(1/239)


8 - فضائل الذكر - فضل الذكر: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد/28]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي، فَإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُه فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيهِ ذِرَاعاً، وَإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إلَيهِ بَاعاً، وَإنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». متفق عليه (1). 3 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ». أخرجه البخاري (2). - فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات: عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه -وفيه-: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا ذَاكَ؟»، قلت يا رسول الله نكون عندك تُذَكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عَافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات فنسينا كثيراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إَنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثلاث مرات. أخرجه مسلم (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405) واللفظ له، ومسلم برقم (2675). (2) أخرجه البخاري برقم (6407). (3) أخرجه مسلم برقم (2750).

(1/240)


9 - فضائل الدعاء - فضل الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة/186]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر/60]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِي». متفق عليه (1). - فضل الدعاء بمغفرة الذنوب والثبات والنصر على الأعداء: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)} [آل عمران/147 - 148]. 2 - وعن طارق بن أشيم رضي الله عنه أنه سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي» وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلَّا الْإِبْهَامَ «فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ». أخرجه مسلم (2). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405)، ومسلم برقم (2675) واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2697).

(1/241)


4 - فضائل المعاملات - فضل الدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت/33]. 2 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلَى الإسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ، فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». متفق عليه (1). - فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران/104]. 2 - وقال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران/110]. 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ». أخرجه مسلم (2). - فضل النصيحة: عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ، وَلِكِتَابِه، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2942)، ومسلم برقم (2406) واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (49). (3) أخرجه مسلم برقم (55).

(1/242)


- فضل التواصي بالحق: 1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر/1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة/71]. - فضل مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « .. مَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». أخرجه مسلم (1). - فضل الإصلاح بين الناس: 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء/114]. 2 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا بَلَى، قَالَ: «إصْلاحُ ذَاتِ البَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ الحَالِقَةُ». أخرجه أبو داود والترمذي (2). - فضل تعاون المؤمنين: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة/2]. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (1017). (2) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4919) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2509).

(1/243)


2 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً» وشبك - صلى الله عليه وسلم - أصابعه. متفق عليه (1). - فضل مواساة المؤمنين بعضهم بعضاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ الله عَلَيهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالله فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيْهِ ... ». أخرجه مسلم (2). - فضل عيادة المريض: عن ثوبان رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ الله وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا».أخرجه مسلم (3). - فضل الصدقة: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)} [الحديد/18]. - فضل السماحة في البيع والشراء والاقتضاء: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إذَا بَاعَ، وَإذَا اشْتَرَى، وَإذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481)، واللفظ له، ومسلم برقم (2585). (2) أخرجه مسلم برقم (2699). (3) أخرجه مسلم برقم (2568). (4) أخرجه البخاري برقم (2076).

(1/244)


- فضل الجهاد والهجرة والنصرة في سبيل الله عزوجل: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء/95 - 96]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} ... [الأنفال/74]. - فضل الزيارة في الله: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأرْصَدَ الله لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عَلَيْهِ قال: أيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أرِيدُ أخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ فِي الله عَزَّ وَجَلَّ، قال: فَإنِّي رَسُولُ الله إلَيْكَ بِأنَّ الله قَدْ أحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (1). 2 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قَالَ الله تَبارَكَ وَتَعالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ». أخرجه مالك وأحمد (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2567). (2) صحيح / أخرجه مالك برقم (1779) وهذا لفظه، وأخرجه أحمد برقم (22380).

(1/245)


5 - فضائل المعاشرات - فضل بر الوالدين: 1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)} [الإسراء/23 - 25]. 2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَينِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (1). - فضل حسن صحبة الوالدين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ «ثُمَّ أَبُوكَ». متفق عليه (2). - فضل صلة الرحم: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) واللفظ له، ومسلم برقم (85). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971) واللفظ له، ومسلم برقم (2548). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5986)، واللفظ له، ومسلم برقم (2557). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5988) واللفظ له, ومسلم برقم (2554).

(1/246)


3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ الوَاصِلُ بالمكَافِئِ وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». أخرجه البخاري (1). - فضل حسن معاشرة الأولاد وتربيتهم: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيئاً، فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (2). 2 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني فَيُقْعِدُني على فَخذه، ويُقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمهما، ثم يقول: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإنِّي أَرْحَمُهُمَا». أخرجه البخاري (3). - فضل من يعول يتيماً: عن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً. متفق عليه (4). - فضل صلة أصدقاء الوالدين: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْد أَنْ يُوَلِّي». أخرجه مسلم (5). - فضل السعي على الأرملة والمسكين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ _________ (1) أخرجه البخاري رقم (5991). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5995)، واللفظ له، ومسلم برقم (2629). (3) أخرجه البخاري برقم (6003). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5304) واللفظ له، ومسلم برقم (2983). (5) أخرجه مسلم برقم (2552).

(1/247)


وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». متفق عليه (1). - فضل تربية البنات: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. أخرجه مسلم (2). - فضل صلة الجار: 1 - قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء/36]. 2 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوْصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه (3). 3 - وعن أبي شريح رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالله لا يُؤْمِنُ، وَالله لا يُؤْمِنُ، وَالله لا يُؤْمِنُ» قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». أخرجه البخاري (4). 4 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ قَاَل لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (5). - فضل رحمة الناس: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5353) واللفظ له، ومسلم برقم (2982). (2) أخرجه مسلم برقم (2631). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6014) واللفظ له، ومسلم برقم (2624). (4) أخرجه البخاري برقم (6016). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45) واللفظ له.

(1/248)


يَرْحَمُ النَّاسَ». متفق عليه (1). - فضل بر الأقارب المشركين إذا لم يحصل منهم أذى للمسلمين: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة/8]. 2 - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قَدِمَتْ عَليَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعْم، صِلِي أُمَّكِ». متفق عليه (2). - فضل رحمة المؤمنين والعطف عليهم: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَى المؤْمِنِينَ فَي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْواً تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (3). - فضل حسن الخلق والعشرة مع النساء والخدم: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَوصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، فَإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوصُوا بِالنِّسَاءِ». متفق عليه (4). 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلا أَلا صَنَعْتَ. متفق عليه (5). - فضل حسن الولاية وحسن المعاشرة: 1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كُلُّكُمْ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7376) واللفظ له، ومسلم برقم (2319). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) واللفظ له، ومسلم برقم (1003). (3) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (6011) واللفظ له, ومسلم برقم (2586). (4) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (3331) واللفظ له, ومسلم برقم (1468). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6038) واللفظ له، ومسلم برقم (2309).

(1/249)


رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمرأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفق عليه (1). 2 - وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (2). - فضل حسن معاشرة المسلم، وقضاء حاجته، وتفريج كربته، وستر زلته: 1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضْل. أخرجه مسلم (4). _________ (1) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (893) واللفظ له, ومسلم برقم (1829). (2) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (7150) , ومسلم برقم (142) واللفظ له. (3) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (2442) , ومسلم برقم (2580) واللفظ له. (4) أخرجه مسلم برقم (1728).

(1/250)


6 - فضائل الأخلاق - فضل حسن الخلق: 1 - قال الله تعالى مثنياً على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم/4]. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً، ولا متفحشاً، وكان يقول: «إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً». متفق عليه (1). - فضل العلم: 1 - قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة/11]. 2 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَالله يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ الله لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ». متفق عليه (2). - فضل الصبر: حث الإسلام على الصبر بأنواعه الثلاثة: 1 - الصبر على طاعة الله عز وجل حتى يؤديها. 2 - الصبر عن معصية الله حتى لا يقارفها. 3 - الصبر على أقدار الله المؤلمة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة/ 155 - 157]. 2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -وفيه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « ... _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (71) واللفظ له، ومسلم برقم (1037).

(1/251)


وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (1). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». متفق عليه (2). 4 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الله قَالَ: إذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيْبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ». يُرِيدُ عَيْنَيْهِ. أخرجه البخاري (3). - فضل الصدق: 1 - قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)} [المائدة/119]. 2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى البِرِّ، وَإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقاً، وَإيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وَإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً». متفق عليه (4). - فضل الاستغفار والتوبة: 1 - قال الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود/52]. 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الله أَفْرَحُ بِتَوبَةِ عَبْدِهِ مِنْ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) واللفظ له، ومسلم برقم (1053). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6114) واللفظ له، ومسلم برقم (2609). (3) أخرجه البخاري برقم (5653). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6094)، ومسلم برقم (2607)، واللفظ له.

(1/252)


أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاةٍ». متفق عليه (1). - فضل التقوى: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} [الأنفال/29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات/13]. - فضل اليقين والتوكل: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران/173 - 174]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق/2 - 3]. 3 - وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.». قال: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». أخرجه البخاري (2). - فضل المجاهدة: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت/69]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6309) واللفظ له، ومسلم برقم (2747). (2) أخرجه البخاري برقم (6306).

(1/253)


2 - وعن زياد قال: سمعت المغيرة رضي الله عنه يقول: إنْ كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ أَو لَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ: فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً». متفق عليه (1). - فضل خوف الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران/175]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن/46]. - فضل الرجاء: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر/53]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، وَلجَاءَ بَقَومٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ الله فَيَغْفِرُ لَهُمْ». أخرجه مسلم (2). - فضل الرحمة: 1 - قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح/29]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ». متفق عليه (3). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1130) واللفظ له، ومسلم برقم (2819). (2) أخرجه مسلم برقم (2749). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5997) واللفظ له، ومسلم برقم (2318).

(1/254)


- فضل سعة رحمة الله: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَمَّا قَضَى الله الخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ، إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي». متفق عليه (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ للهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ وَالإنْسِ وَالبَهَائِمِ وَالهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ الله تِسْعاً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (2). - فضل العفو والصفح والحلم: 1 - قال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور/22]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف/ 199]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} [الحجر/ 85]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} [التغابن/14]. - فضل الرفق: 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَا عَائِشَةُ إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» متفق عليه (3). 2 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ». أخرجه مسلم (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3194) واللفظ له، ومسلم برقم (2751). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6000)، ومسلم برقم (2752)، واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6927)، ومسلم برقم (2593) واللفظ له. (4) أخرجه مسلم برقم (2594).

(1/255)


- فضل الحياء: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ» متفق عليه (1). 2 - وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». أخرجه البخاري (2). - فضل الصمت وحفظ اللسان إلا من خير: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله: أَيُّ الإسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» متفق عليه (4). - فضل الاستقامة على أوامر الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت/30 - 32]. 2 - وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قُلتُ يَا رَسُولَ الله: قُلْ لِي فِي الإسْلامِ قَولاً لا أَسْألُ عَنْهُ أَحَداً بَعْدَكَ قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله فَاسْتَقِمْ». أخرجه مسلم (5). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (9) واللفظ له، ومسلم برقم (35). (2) أخرجه البخاري برقم (3484). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6475) واللفظ له، ومسلم برقم (47). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (11) واللفظ له، ومسلم برقم (42). (5) أخرجه مسلم برقم (38).

(1/256)


- فضل الورع: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلا وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلْبُ» متفق عليه (1). - فضل الإحسان: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)} [المرسلات/41 - 44]. 2 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة/112]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة/ 195]. - فضل الحب في الله: 1 - عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» متفق عليه (2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه (3). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ: _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13) واللفظ له، ومسلم برقم (45).

(1/257)


أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي، اليَومَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي». أخرجه مسلم (1). - فضل البكاء من خشية الله: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)} [المائدة 83 - 85]. 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً». قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَومٌ أَشَدُّ مِنْهُ، قَالَ: غَطَّوا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. متفق عليه (2). 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ». أخرجه الترمذي (3). - فضل طيب الكلام وطلاقة الوجه: 1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران/159]. 2 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». أخرجه مسلم (4). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2566). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4621)، ومسلم برقم (2359) واللفظ له. (3) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (1639). (4) أخرجه مسلم برقم (2626).

(1/258)


- فضل الزهد في الدنيا: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت/64]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» متفق عليه (1). 3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ البُرِّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعاً حَتَّى قُبِضَ. متفق عليه (2). - فضل الإنفاق في وجوه الخير: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} ... [البقرة/ 262]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (3). - فضل الصبر على البلاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمؤْمِنِ وَالمؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى الله وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». أخرجه الترمذي (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6460)، ومسلم برقم (1055) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5416) واللفظ له، ومسلم برقم (2970). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) واللفظ له، ومسلم برقم (1010). (4) حسن / أخرجه الترمذي برقم (2399)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2280).

(1/259)


- فضل الإكثار من أعمال البر: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ اليَومَ صَائِماً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ اليَومَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. قَالَ: «فَمَن أَطْعَمَ مِنْكُمُ اليَومَ مِسْكِيناً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. قَالَ: «فَمَن عَادَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مَرِيضاً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (1). 2 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً للهِ بَنَى الله لَهُ فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ». متفق عليه (2). - فضل التواضع: 1 - قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} ... ] القصص/83 [. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ الله». أخرجه مسلم (3). - فضل العدل والإحسان: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل/90]. 2 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} ... ] البقرة/112 [. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (1028). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (450)، ومسلم برقم (533) واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (2588).

(1/260)


3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (1). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (1827).

(1/261)


7 - فضائل القرآن الكريم - فضل القرآن الكريم: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزمر/23]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} [الإسراء/9]. - فضل قارئ القرآن العامل به: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف/170]. 2 - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالمُؤْمِنُ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِه كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ وَرِيحُهَا مُرٌّ». متفق عليه (1). - فضل تعلُّم القرآن وتعليمه: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران/79]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5059) واللفظ له، ومسلم برقم (797).

(1/262)


2 - وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (1). - فضل الماهر بالقرآن: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكَِرامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ». متفق عليه (2). - فضل الاجتماع على تلاوة القرآن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه-: « ... وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله، يَتْلُونَ كِتَابَ الله، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الملائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ الله فِيْمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُه، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». أخرجه مسلم (3). - فضل تعاهد القرآن: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَعَاهَدُوا القُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا». متفق عليه (4). - أثر التفكر في آيات الله: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ يَا رَسُولَ الله آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالتَفَتُّ إلَيهِ فَإذَا _________ (1) أخرجه البخاري برقم (5027). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4937)، ومسلم برقم (798) واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (2699). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5033) واللفظ له، ومسلم برقم (791).

(1/263)


عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفق عليه (1). - فضل مَنْ يقوم بالقرآن: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَينِ: رَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالاً، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». متفق عليه (2). - فضل تحسين الصوت بالقرآن: عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ». متفق عليه (3). - فضل سورة الفاتحة: عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه ... قلت يا رسول الله إنك قلت: «أَلا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي القُرآنِ» قَالَ: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ المثَانِي، وَالقُرآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (4). - فضل سورة الإخلاص: عن أبي سعيد رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». أخرجه البخاري (5). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5050) واللفظ له، ومسلم برقم (800). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5025)، ومسلم برقم (815) واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5024)، ومسلم برقم (792) واللفظ له. (4) أخرجه البخاري برقم (5006). (5) أخرجه البخاري برقم (5013).

(1/264)


- فضل المعوذات: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ». أخرجه مسلم (1). - فضل سورة البقرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ». أخرجه مسلم (2). - فضل الوصية بالقرآن: عن طلحة قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: آوْصَى النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: لا، فَقُلْتُ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوْصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. متفق عليه (3). - فضل قراءة القرآن: 1 - عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ، فَإنَّهُ يِأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَومَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ». أخرجه مسلم (4). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟» قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ: «فَثَلاثُ آيَاتٍ _________ (1) أخرجه مسلم برقم (814). (2) أخرجه البخاري برقم (780). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5022) واللفظ له، ومسلم برقم (1634). (4) أخرجه مسلم برقم (804).

(1/265)


يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». أخرجه مسلم (1). 3 - وعَنْ عبدِالله بنِ عَمْروٍ رَضِيَ الله عَنْهُما قالَ: قالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرآنِ اقْرَأ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (2). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (802). (2) حسن صحيح / أخرجه أبو داود برقم (1464) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2914).

(1/266)


8 - فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - - فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الله اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». أخرجه مسلم (1). - أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ لِيْ أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو الله بِيَ الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا العَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ». وفي لفظ: «وَنَبِيُّ التَّوبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ». متفق عليه (2). - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوْراً وَمَسْجِداً، وَأُرْسِلْتُ إلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ». أخرجه مسلم (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَاناً فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ». متفق عليه (4). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2276). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4896)، ومسلم برقم (2354) (2355)، واللفظ له. (3) أخرجه مسلم برقم (523). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3535)، ومسلم برقم (2286) واللفظ له.

(1/267)


- فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس: 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة/2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة/128]. 3 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)} [الفتح/28]. - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلائق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (1). - الإسراء والمعراج بالنبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء/1]. 2 - وعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُتِيتُ بِالبُرَاقِ (وَهُوَ دَابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمَارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) قال: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، قال، فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. قال: ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ. فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم -: اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ. _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2278).

(1/268)


ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أنْتَ؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإذَا أنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقِيلَ: مَنْ أنْتَ؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإذَا أنَا بِابْنَيِ الخَالَةِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى ابْنِ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أنْتَ؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإذَا أنَا بِيُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم -، إذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قال: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا. فَإذَا أنَا بِإدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا. فَإذَا أنَا بِهَارُونَ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإذَا أنَا بِمُوسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ. قال: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ،

(1/269)


فَفُتِحَ لَنَا، فَإذَا أنَا بِإبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم -، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى البَيْتِ المَعْمُورِ، وَإذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ. ثُمَّ ذَهَبَ بِي إلَى السِّدْرَةِ المُنْتَهَى، وَإذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الفِيَلَةِ، وَإذَا ثَمَرُهَا كَالقِلالِ، قال، فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أمْرِ الله مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأوْحَى الله إلَيَّ مَا أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَنَزَلْتُ إلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قال: ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَاسْألْهُ التَّخْفِيفَ، فَإنَّ أمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قال: فَرَجَعْتُ إلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا. فَرَجَعْتُ إلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قال: إنَّ أمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْألْهُ التَّخْفِيفَ. قال: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قال: يَا مُحَمَّدُ! إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قال: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ». متفق عليه (1). - فضل الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7517)، ومسلم برقم (162) واللفظ له.

(1/270)


عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب/56]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيهِ عَشْراً». أخرجه مسلم (1). 3 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ للهِ مَلائِكَةً سَيّاحِينَ فِي الأرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ». أخرجه أحمد والنسائي (2). - أكمل كيفية للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (3). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (408). (2) صحيح /أخرجه أحمد برقم (3666)، وأخرجه النسائي برقم (1282). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) واللفظ له، ومسلم برقم (406).

(1/271)


9 - فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - - فضل الصحابة: 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة/100]. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ». متفق عليه (1). - فضل آل البيت: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ: «{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}». أخرجه مسلم (2). 2 - وعن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (3). 3 - وعن سعد قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2540)، واللفظ له. (2) أخرجه مسلم برقم (2424). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6357)، واللفظ له، ومسلم برقم (406).

(1/272)


التُّرَابِ، فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ الله خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا»، فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران/ 61]، دَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» متفق عليه (1). 4 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي»، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. متفق عليه (2). - فضل المهاجرين والأنصار: 1 - قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3706)، ومسلم برقم (2404)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3623)، ومسلم برقم (2450).

(1/273)


مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر/8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الانفال/74]. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءاً مِنَ الأْنصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِياً أَوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ وَادِي الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ». متفق عليه (1). - فضل الخلفاء الراشدين: 1 - عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائطاً وَأمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإذَا أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ» فَإذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. متفق عليه (2). 2 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خَلَّفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: «أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟». متفق عليه (3). 2 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ». أخرجه مسلم (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7244)، واللفظ له، ومسلم برقم (1059). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3695)، واللفظ له، ومسلم برقم (2403). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4416، ومسلم برقم (2404))، واللفظ له. (4) أخرجه مسلم برقم (2417).

(1/274)


2 - كتاب الأخلاق

ويشتمل على ما يلي: 1 - فضل حسن الخلق 2 - حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - 3 - كرمه - صلى الله عليه وسلم - 4 - حياؤه - صلى الله عليه وسلم - 5 - تواضعه - صلى الله عليه وسلم - 6 - شجاعته - صلى الله عليه وسلم - 7 - رفقه - صلى الله عليه وسلم - 8 - عفوه - صلى الله عليه وسلم - 9 - رحمته - صلى الله عليه وسلم - 10 - ضحكه - صلى الله عليه وسلم - 11 - بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - 12 - غضبه - صلى الله عليه وسلم - 13 - شفقته - صلى الله عليه وسلم - 14 - زهده - صلى الله عليه وسلم - 15 - عدله - صلى الله عليه وسلم - 16 - حلمه - صلى الله عليه وسلم - 17 - صبره - صلى الله عليه وسلم - 18 - نصحه - صلى الله عليه وسلم - 19 - شمايله - صلى الله عليه وسلم -

(1/275)


 كتاب الأخلاق

- فضل حسن الخلق: 1 - قال الله تعالى مثنياً على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم/4]. 2 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي المِيْزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ». أخرجه أبو داود والترمذي (1). 3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ القَومُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثاً، قَالَ القَومُ: نَعَم يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً». أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (2). - أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، ويدرك المؤمن بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وخيار الناس أحاسنهم أخلاقاً، وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً، ومن هنا كان اكتساب الأخلاق الفاضلة خيراً من اكتساب الذهب والفضة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلامِ إذَا فَقُهُوا، وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». متفق عليه (3). _________ (1) صحيح /أخرجه أبو داود برقم (4799)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2002). (2) صحيح/أخرجه أحمد برقم (6735)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (275). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3493) و (3336)، ومسلم برقم (2638) واللفظ له.

(1/277)


- أحسن الناس أخلاقاً: أفضل الطرق وأسهلها وأيسرها للتحلي بالأخلاق الحسنة هو الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خُلقه القرآن، وكان أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً، يُعطي مَنْ حَرَمَه، ويعفو عمَّن ظلمه، ويصل مَنْ قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، وهذه أصول الأخلاق، فعلينا الاقتداء به في سائر أحواله، إلا ما خصه الله به، فذلك خاص به لا يشاركه فيه غيره كالنبوة، والوحي، ونكاح أكثر من أربع زوجات، وحرمة نكاح نسائه بعده، وحرمة الأكل من الصدقة، وعدم إرثه ونحو ذلك مما هو معلوم. - أوردت في هذا الباب أهم الأخلاق التي دعا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتخلّق بها، والشمايل التي كان يتحلى بها؛ لتكون قدوة لكل مسلم يتحلى بها، ويتجمل بها، ويُوطِّن نفسه على اكتسابها. 1 - قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب/21]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف/ 199].

(1/278)


- حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ... [القلم/4]. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً، ولا مُتفحِّشاً، وكان يقول: «إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقاً». متفق عليه (1). 3 - وعن أنس رضي الله عنه قال: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلا لِمَ صَنَعْتَ، وَلا أَلَا صَنَعْتَ. متفق عليه (2). - كرمه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن جابر رضي الله عنه قال: مَا سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لا. متفق عليه (3). 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرآنَ فَلَرَسُولُ الله أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيْحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (4). 3 - وعن أنس رضي الله عنه قال: مَا سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإسْلامِ شَيْئاً إلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ، فَرَجَعَ إلَى قَومِهِ فَقَالَ: يَا قَومِ أَسْلِمُوا فَإنَّ مُحَمَّداً يُعْطِي عَطاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ. أخرجه مسلم (5). - حياؤه - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6038) واللفظ له، ومسلم برقم (2309). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6034) واللفظ له، ومسلم برقم (2311). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (5) أخرجه مسلم برقم (2312).

(1/279)


فِي خِدْرِهَا، فَإذَا رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. متفق عليه (1). - تواضعه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقَولُ: «لا تُطْرُوْنِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ». أخرجه البخاري (2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله: إنَّ لِي إلَيكَ حَاجَةً، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. أخرجه مسلم (3). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ دُعِيتُ إلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ». أخرجه البخاري (4). - شجاعته - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ ناسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعاً، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إلَى الصَّوتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْراً، أَوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ» قَالَ: وَكَانَ فَرَساً يُبطَّأُ. متفق عليه (5). 2 - وعن علي رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَومَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلوذُ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6102) واللفظ له، ومسلم برقم (2320). (2) أخرجه البخاري برقم (3445). (3) أخرجه مسلم برقم (2326). (4) أخرجه البخاري برقم (2568). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2908)، ومسلم برقم (2307) واللفظ له.

(1/280)


أَقْرَبُنَا إلَى العَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَومَئِذٍ بَأساً. أخرجه أحمد (1). - رفقه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرينَ» متفق عليه (2). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا». متفق عليه (3). 3 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَا عَائِشَةُ إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». متفق عليه (4). - عفوه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} [المائدة/13 [. 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا خُيِّرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَينَ أَمْرَينِ إلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْماً، فَإنْ كَانَ إثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِه، إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا. متفق عليه (5). - رحمته - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي العَاصِ _________ (1) صحيح / أخرجه أحمد برقم (654). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6128) واللفظ له، ومسلم برقم (284). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6125)، ومسلم برقم (1734). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6927)، ومسلم برقم (2593) واللفظ له. (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3560) واللفظ له، ومسلم برقم (2327).

(1/281)


عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى، فَإذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإذَا رَفَعَ رَفَعَهَا. متفق عليه (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ». متفق عليه (2). 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالكَبِيرَ، وَإذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». متفق عليه (3). 4 - ومن رحمته بالخدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». متفق عليه (4). 5 - ومن رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالأعداء: عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَال لَهُ: «أَسْلِمْ» فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (5). - ضحكه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5996) واللفظ له، ومسلم برقم (543). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5997) واللفظ له، ومسلم برقم (2318). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (703) واللفظ له، ومسلم برقم (467). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30)، ومسلم برقم (1661) واللفظ له. (5) أخرجه البخاري برقم (1356).

(1/282)


أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. متفق عليه (1). 2 - وعن جرير رضي الله عنه قال: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلا رآنِي إلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. متفق عليه (2). - بكاؤه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قال: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إلَى هَذِهِ الآيةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قال: «حَسْبُكَ الآنَ»، فَالتَفَتُّ إلَيهِ فَإذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفق عليه (3). 2 - وعن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: رأيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ البُكَاءِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والنسائي (4). وفي رواية للنسائي: «كأزيزِ المِرْجَلِ». - غضبه - صلى الله عليه وسلم - لأمر الله: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عَلَيَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قِرَام فيه صور، فتلوَّن وجهه ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ». متفق عليه (5). 2 - وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لأتأخر عَنْ صلاة الغداة من أجل فلان مما يُطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط أشدَّ غضباً في موعظةٍ منه يومئذ، قال: فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنكُم _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6092) واللفظ له، ومسلم برقم (899). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6089) واللفظ له، ومسلم برقم (2475). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5050) واللفظ له، ومسلم برقم (800). (4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (904)، وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (1214). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6109) واللفظ له، ومسلم برقم (2107).

(1/283)


مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيَتَجَوَّزْ فَإنَّ فِيهِمُ المريضَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ». متفق عليه (1). - شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته: 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة/128]. 2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الجَنَادِبُ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيْهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي». أخرجه مسلم (2). - انبساطه - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ «يَا أَبَا عُمَيرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ». متفق عليه (3). - زهده - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتاً». متفق عليه (4). 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ المدِيْنَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعاً حَتَّى قُبِضَ. متفق عليه (5). 3 - وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: وَالله يَا ابْنَ أُخْتِي إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلَى الهِلالِ ثُمَّ الهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَينِ، وَمَا أُوْقِدَ فِي _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6110) واللفظ له، ومسلم برقم (466). (2) أخرجه مسلم برقم (2285). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6129) واللفظ له، ومسلم برقم (2150). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6460) واللفظ له، ومسلم برقم (1055). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5416)، ومسلم برقم (2970) واللفظ له.

(1/284)


أَبْيَاتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاءُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جِيرانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ. متفق عليه (1). 4 - وعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ قال: مَا تَرَكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَلا عَبْدًا وَلا أمَةً، إلا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاحَهُ، وَأرْضًا جَعَلَهَا لابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. أخرجه البخاري (2). - عدله - صلى الله عليه وسلم -: عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت .. -وفيه-: فكلَّمه أسامة بن زيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ اللهِ؟» ثُمَّ قَام فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: «إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيْهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيهِ الحَدَّ، وَأيْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه (3). - حلمه - صلى الله عليه وسلم -: عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَومِكِ وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُّ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيْهَا جِبْرِيلُ. فَنَادَانِي فَقَالَ: إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوْا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ: قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2567)، ومسلم برقم (2972) واللفظ له. (2) أخرجه البخاري برقم (4461). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3475) واللفظ له، ومسلم برقم (1688).

(1/285)


عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيهِمُ الأَخْشَبَينِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». متفق عليه (1). - صبره - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسَسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ: إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَديداً. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ إنِّي أُوْعَكُ كَمَا يُوْعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ» قَالَ فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - «أَجَلْ» متفق عليه (2). 2 - وعن خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: شَكَونَا إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟، أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيْهَا، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَارِ فَيُوْضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَينِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مِن دُونِ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيْنِهِ، وَالله لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إلَّا الله وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». أخرجه البخاري (3). - نصحه - صلى الله عليه وسلم -: - كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً». متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231)، ومسلم برقم (1795) واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5667)، ومسلم برقم (2571) واللفظ له. (3) أخرجه البخاري برقم (6943). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4621) واللفظ له، ومسلم برقم (2359).

(1/286)


- وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ». أخرجه الترمذي والنسائي (1). - وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ ليَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ». متفق عليه (2). - وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إخْوَاناً». متفق عليه (3). - وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَومَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (4). - وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « ... مِنْ شِرَارِ النَّاِس ذَا الوَجْهَينِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (5). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (6). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ». أخرجه مسلم (7). _________ (1) حسن صحيح/أخرجه الترمذي برقم (2307)، وأخرجه النسائي برقم (1824). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6237)، ومسلم برقم (2560) واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6066) واللفظ له، ومسلم برقم (2563). (4) أخرجه مسلم برقم (2598). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6058)، ومسلم برقم (2526) واللفظ له. (6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2442) واللفظ له، ومسلم برقم (2580). (7) أخرجه مسلم برقم (2578).

(1/287)


- وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذَا رَأيْتُمُ المَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ». أخرجه مسلم (1). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ الله أعْلَمُ بِأهْلِ البِرِّ مِنْكُمْ». أخرجه مسلم (2). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (3). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يَنْفَعَ أخَاهُ فَلْيَفْعَلْ». أخرجه مسلم (4). - وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق عليه (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (3002). (2) أخرجه مسلم برقم (2142). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351) واللفظ له، ومسلم برقم (2680) (4) أخرجه مسلم برقم (2199). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6475) واللفظ له، ومسلم برقم (47).

(1/288)


شمايله - صلى الله عليه وسلم - - «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً، وَأحْسَنَهُ خَلْقاً، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ وَلا بِالقَصِيرِ». متفق عليه (1). - و «كان - صلى الله عليه وسلم - إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ، وَإذَا أَتَى عَلَى قَومٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّم عَلَيهِمْ ثَلاثاً». أخرجه البخاري (2). - وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا رَاعَهُ شيء قال: «هُوَ الله رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيئاً». أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (3). - و «كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوهُ لِيْفٌ». متفق عليه (4). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً، وَكَانَ لا يَأْتِيهِ أَحَدٌ إلَّا وَعَدَهُ وَأَنْجَزَ لَهُ إنْ كَانَ عِنْدَه». أخرجه البخاري في الأدب المفرد (5). - و «كَانَ كَلامُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَلاماً فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ». أخرجه أبو داود (6). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يُسْأَلُ شَيْئاً إلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ». أخرجه الحاكم (7). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَنَامُ إلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ فَإذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ». أخرجه أحمد (8). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3549) واللفظ له، ومسلم برقم (2337). (2) أخرجه البخاري برقم (95). (3) صحيح/أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (657)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2070). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6456)، ومسلم برقم (2082) واللفظ له. (5) حسن/ أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (281) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2094). (6) حسن/ أخرجه أبوداود برقم (4839). (7) صحيح /أخرجه الحاكم برقم (2591)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2109). (8) حسن/ أخرجه أحمد برقم (5979)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2111).

(1/289)


- و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ فِي المَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وَيُرْدِفُ، وَيَدْعُوْ لَهُمْ». أخرجه أبو داود (1). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاةِ، وَإذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاةِ». أخرجه البخاري (2). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ». متفق عليه (3). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ». متفق عليه (4). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اكْتَحَلَ اكْتَحَلَ وِتْراً وَإذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ وِتْراً». أخرجه أحمد (5). - و «كان - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الريح الطيبة». أخرجه أحمد وأبو داود (6). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ». أخرجه مسلم (7). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ». أخرجه مسلم (8). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَعَا لأحَدٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود (9). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ». متفق عليه (10). _________ (1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2639). (2) أخرجه البخاري برقم (906). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4439)، ومسلم برقم (2192) واللفظ له. (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6102)، ومسلم برقم (2320) واللفظ له. (5) صحيح/أخرجه أحمد برقم (17562)، انظر صحيح الجامع رقم (4680). (6) صحيح / أخرجه أحمد برقم (26364)، وأخرجه أبو داود برقم (4074). (7) أخرجه مسلم برقم (867). (8) أخرجه مسلم برقم (253). (9) صحيح/أخرجه أحمد برقم (21126) وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (3984). (10) صحيح/أخرجه أحمد برقم (21126) وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (3984).

(1/290)


- و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ». أخرجه مسلم (1). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيْحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ». أخرجه مسلم (2). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوِّذَاتِ». أخرجه مسلم (3). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوقَ الإزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ». متفق عليه (4). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صَومَ الإثْنَينِ وَالخَمِيسِ». أخرجه الترمذي والنسائي (5). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ». متفق عليه (6). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ». أخرجه مسلم (7). - وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: لقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الخَمِيسِ. أخرجه البخاري (8). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإذَا أَرَادَ الفَرِيْضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ». أخرجه البخاري (9). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2531). (2) أخرجه مسلم برقم (772). (3) أخرجه مسلم برقم (2192). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (303)، ومسلم برقم (294) واللفظ له. (5) صحيح /أخرجه الترمذي برقم (745) وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2361). (6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) واللفظ له، ومسلم برقم (268). (7) أخرجه مسلم برقم (373). (8) أخرجه البخاري برقم (2949). (9) أخرجه البخاري برقم (400).

(1/291)


- و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبِهِ». متفق عليه (1). - و «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إلَّا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً». متفق عليه (2). - و «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ العَسَلَ وَالحَلْوَاءَ، وَكَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إحْدَاهُنَّ». متفق عليه (3). - و «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - القَمِيْصُ». أخرجه أبو داود والترمذي (4). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ الحَاجَةَ أَبْعَدَ». أخرجه أحمد والنسائي (5). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً سَهْلاً». أخرجه مسلم (6). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نَهَاراً فِي الضُّحَى، فَإذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالمسْجِدِ، فَصَلَّى فِيْهِ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ». متفق عليه (7). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ». أخرجه أبو داود والنسائي (8). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُوجِزُ فِي الصَّلاةِ وَيُتِمُّ». أخرجه مسلم (9). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَو الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ». أخرجه مسلم (10). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) واللفظ له، ومسلم برقم (1106). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1800) واللفظ له، ومسلم برقم (1928). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5268) واللفظ له، ومسلم برقم (1474). (4) صحيح /أخرجه أبو داود برقم (4025)، وأخرجه الترمذي برقم (1762). (5) صحيح/أخرجه أحمد برقم (15746)، وأخرجه النسائي برقم (16). (6) أخرجه مسلم برقم (1213). (7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3088)، ومسلم برقم (716) واللفظ له. (8) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (4210)، وأخرجه النسائي برقم (5244). (9) أخرجه مسلم برقم (469). (10) أخرجه مسلم برقم (670).

(1/292)


- و «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرْبُوعاً، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ». متفق عليه (1). - و «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجِلاً، لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلا الجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ». متفق عليه (2). - و «كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاتِمُ فِضَّةٍ يَتَخَتَّمُ بِهِ فِي يَمِينِهِ». أخرجه النسائي (3). - و «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الغُسْلِ». أخرجه الترمذي والنسائي (4). - و «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً رَفِيقاً». أخرجه البخاري (5). - و «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ». أخرجه أبو داود والنسائي (6). - و «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الإثْنَينِ والخَمِيسَ مِنْ هَذِهِ الجُمُعَةِ والإثْنينِ مِنَ المُقْبِلَةِ». أخرجه أبو داود والنسائي (7). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ». متفق عليه (8). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَبِيْتُ اللَّيَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً، وَأَهْلُهُ لا يَجِدُوْنَ عَشَاءً، وَكَانَ عَامَّةُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيْرِ». أخرجه أحمد والترمذي (9). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً رَقِيقاً». أخرجه مسلم (10). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3551) واللفظ له، ومسلم برقم (2337). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5905)، واللفظ له، ومسلم برقم (2338). (3) صحيح/أخرجه النسائي برقم (5197). (4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (107)، وأخرجه النسائي برقم (430) وهذا لفظه. (5) أخرجه البخاري برقم (631). (6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (92)، وأخرجه النسائي برقم (347) وهذا لفظه. (7) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (2451)، وأخرجه النسائي برقم (2365) وهذا لفظه. (8) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1146)، ومسلم برقم (739) واللفظ له. (9) صحيح/أخرجه أحمد برقم (2303)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2360). (10) أخرجه مسلم برقم (1641).

(1/293)


- و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ». متفق عليه (1). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ». متفق عليه (2). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ». أخرجه البخاري (3). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - ِإذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ». أخرجه أبوداود والترمذي (4). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاة، َ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالمسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الحَاجَةَ». أخرجه النسائي (5). - و «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا لَيْسَ فِيهِ كَسَلٌ». أخرجه أحمد والبزار (6). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (428)، واللفظ له، وأخرجه مسلم برقم (524). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4439)،وأخرجه مسلم برقم (2192))، واللفظ له. (3) أخرجه البخاري برقم (214). (4) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (5029)،وأخرجه الترمذي برقم (2745)، وهذا لفظه. (5) صحيح / أخرجه النسائي برقم (1414). (6) صحيح / أخرجه أحمد برقم (3033)،وأخرجه البزار برقم (2391) - كشف الأستار-.

(1/294)


3 - كتاب الآداب ويشتمل على ما يلي: 1 - آداب السلام 2 - آداب الأكل والشرب 3 - آداب الطريق والسوق 4 - آداب السفر 5 - آداب النوم والاستيقاظ 6 - آداب الرؤيا 7 - آداب الاستئذان 8 - آداب العطاس 9 - آداب عيادة المريض 10 - آداب اللباس

(1/295)


 كتاب الآداب

الأدب: استعمال ما يُحمد من الأقوال، والأفعال، ومكارم الأخلاق. - الآداب الإسلامية: الإسلام دين كامل، نظم حياة الإنسان في جميع أحواله: فأمره بحسن العبادة مع ربه، وحسن الأدب مع خلقه، وحسن المعاملة مع غيره. ودعاه إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق. وجمَّل ظاهره وباطنه، وحَفِظ لسانه وجوارحه، وضَبَط سمعه وبصره. وأمره بما ينفعه في دنياه وآخرته، ونهاه عمّا يضره في دنياه وآخرته. وشرع له آداباً مع نفسه، وآداباً مع غيره، وعند أكله وشربه، وعند نومه ويقظته، وفي حضره وسفره، وفي حال صحته ومرضه، وفي سائر أحواله. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة/2]. 2 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)} [المائدة/3]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}] الأحزاب/21]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر/7]. 5 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل/90]. ومن هذه الآداب الواردة في القرآن وصحيح السنة ما يلي:

(1/297)


1 - آداب السلام - فضل السلام: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسلام خير؟ فقال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (2). 3 - وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلامٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (3). - صفة السلام: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء/86]. 2 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَشْرٌ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، فَرَدَّ عَلَيهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ»، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ثَلاثُونَ». أخرجه أبو داود والترمذي (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (12) واللفظ له، ومسلم برقم (39). (2) أخرجه مسلم برقم (54). (3) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (2485) وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1334). (4) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (5195)، وأخرجه الترمذي برقم (2689).

(1/298)


- فضل مَنْ بدأ بالسلام: 1 - عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ». متفق عليه (1). 2 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالله مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ». أخرجه أبو داود والترمذي (2). - الأَوْلى بالسلام: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثيرِ». متفق عليه (3). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثير». متفق عليه (4). - السلام على النساء والصبيان: 1 - عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: مَرَّ عَلَينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. أخرجه أبو داود وابن ماجه (5). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. متفق عليه (6). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6077)، ومسلم برقم (2560)، واللفظ له. (2) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (5197) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2694). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6321) ومسلم برقم (2160). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6232) ومسلم برقم (2160). (5) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (5204)، وأخرجه ابن ماجه برقم (3701). (6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6247) واللفظ له، ومسلم برقم (2168).

(1/299)


- تسليم النساء على الرجال عند أَمْنِ الفتنة: عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئ». متفق عليه (1). - السلام عند دخول البيت: 1 - قال الله تعالى: { ... فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} [النور/61]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} [النور/ 27]. - عدم السلام على أهل الذمة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ».أخرجه مسلم (2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا سَلَّم عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيكُمْ». متفق عليه (3). - مَنْ مَرَّ بمجلس فيه مسلمون وكفار سلَّم وقصد المسلمين: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد سعد بن عبادة .. -وفيه-: حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، .. فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف، فنزل، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن. متفق عليه (4). _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6158) واللفظ له، ومسلم برقم (336). (2) أخرجه مسلم برقم (2167). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6258) واللفظ له، ومسلم برقم (2163). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5663)، ومسلم برقم (1798) واللفظ له.

(1/300)


- السلام عند الدخول وعند الخروج: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (1). - عدم الانحناء عند اللقاء: عنْ أنسِ بنِ مَالكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قالَ: قالَ رَجُلٌ يا رسُولَ الله الرَّجلُ منَّا يَلقى أخاهُ أو صَديقهُ أينحنِي لَهُ؟ قالَ: «لا» قالَ: أفيلتزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قالَ: «لا» قالَ: فيأخُذُ بيدهِ ويُصافِحه؟ قالَ: «نعمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2). - فضل المصافحة: عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمَينِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا». أخرجه أبو داود والترمذي (3). - متى تكون المصافحة والمعانقة: عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا تَلاقَوْا تَصَافَحُوا، وَإذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا. أخرجه الطبراني في الأوسط (4). - صفة رد السلام على الغائب: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ _________ (1) حسن/أخرجه أخرجه أبو داود برقم (5208)، وأخرجه الترمذي برقم (2706). (2) حسن/أخرجه الترمذي برقم (2728) وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3702). (3) حسن/ أخرجه أبوداود برقم (5212)، وأخرجه الترمذي برقم (2727). (4) جيد/أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (97)، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (2647).

(1/301)


عَلَيكِ السَّلامَ» فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لا أَرَى. متفق عليه (1). - ما جاء في القيام للقادم إكراماً له: 1 - عن أبي سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه فجاء فقال: «قُوْمُوْا إلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ قَالَ خَيرِكُمْ». متفق عليه (2). 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ سَمْتاً وَهَدْياً وَدَلاًّ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَاطِمَة كَرَّمَ الله وَجْهَهَا، كَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَيهِ قَامَ إلَيْهَا، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيهَا قَامَتْ إلَيهِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ، فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا. أخرجه أبو داود والترمذي (3). - عقوبة من سره أن يتمثل له الرجال قياماً: عن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه أبو داود والترمذي (4). - التسليم ثلاثاً إذا لم يُسمع سلامه: عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَمَ، وَإذَا أَتَى عَلَى قَومٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً. أخرجه البخاري (5). - عدم السلام والرد أثناء قضاء الحاجة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً مَرَّ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَبُولُ فَسَلَّم، فَلَمْ _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3217) واللفظ له، ومسلم برقم (2447). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6262) واللفظ له، ومسلم برقم (1768). (3) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (5217) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3872). (4) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (5229)، وأخرجه الترمذي برقم (2755) وهذا لفظه. (5) أخرجه البخاري برقم (95).

(1/302)


يَرُدَّ عَلَيهِ. أخرجه مسلم (1). 2 - وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يَبُولُ فَسَلَّم عليه فَلَمْ يَرُدَّ عَليهِ حتَّى تَوَضَّأَ ثمَّ اعْتَذَرَ إليهِ فقال: «إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أذكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا عَلَى طُهْرٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (2). - استحباب تأنيس القادم، وسؤال الغريب عن نفسه لِيُعرف فَيُنزل منزلته: عن أبي جمرة قال: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَينَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَينَ النَّاسِ فَقَالَ: إنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنِ الوَفْدُ؟ أَوْ مَنِ القَومُ؟» قَالُوا: رَبِيْعَةُ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِالقَومِ أَوْ بِالوَفْدِ غَيرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى». متفق عليه (3). - كراهية الابتداء بـ (عليك السلام): عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى». أخرجه أبو داود والترمذي (4). - ما يقول من التحايا بعد السلام ورده: عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. متفق عليه (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (370). (2) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (17) وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (38). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (87) واللفظ له، ومسلم برقم (17). (4) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (5209) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2722). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (357) واللفظ له، ومسلم برقم (336).

(1/303)


2 - آداب الأكل والشرب - السنة أن يبدأ الكبير والفاضل بالأكل قبل الناس: 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعَ يَدَهُ. أخرجه مسلم (1). - الأكل من الطعام الطيب الحلال: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة/172]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ... } [الأعراف/157]. - التسمية على الطعام والأكل مما يليه: 1 - عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يِدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَال لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (2). 2 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ الله فِي أوَّلِ طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ حِينَ يَذْكُرُ: بِاسْمِ الله فِي أوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَإنَّهُ يَسْتَقْبِلُ طَعَامَهُ جَدِيداً، وَيَمْنَعُ الخَبِيثَ مَا كَانَ يُصِيبُ مِنْهُ».أخرجه ابن حبان وابن السني (3). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2017). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) واللفظ له، ومسلم برقم (2022). (3) صحيح/أخرجه ابن حبان برقم (5213)، وابن السني برقم (461)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (198).

(1/304)


- الأكل والشرب باليمين: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِه، وَإذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ». أخرجه مسلم (1). - التنفس عند الشرب خارج الإناء: عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثاً، وَيَقُولُ: «إنَّهُ أَرْوَى، وَأَبْرَأ، وَأَمْرَأ». متفق عليه (2). - كيف يسقي غيره: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ وَقَالَ: «الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ». متفق عليه (3). - السنة الشرب جالساً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِماً. أخرجه مسلم (4). - جواز الشرب قائماً: عَنْ النَّزَّالِ قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِمًا فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ. أخرجه البخاري (5). _________ (1) أخرجه مسلم برقم (2020). (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5631)، ومسلم برقم (2028) واللفظ له. (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2352)، ومسلم برقم (2029) واللفظ له. (4) أخرجه مسلم برقم (2025). (5) أخرجه البخاري برقم (5615).

(1/305)


- عدم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة: عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (1). - كيف يأكل الطعام: 1 - عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ بِثَلاثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. أخرجه مسلم (2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ، قَالَ: وقالَ: «إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ». وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ قَالَ: «فَإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِيْ أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». أخرجه مسلم (3). 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. متفق عليه (4). 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ». أخرجه ابن ماجه (5). - مقدار ما يأكل: 1 - قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف/ 31]. _________ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) واللفظ له، ومسلم برقم (2067). (2) أخرجه مسلم برقم (2032). (3) أخرجه مسلم برقم (2034). (4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2455)، ومسلم برقم (2045) واللفظ له. (5) صحيح/أخرجه ابن ماجه برقم (3266)، وانظر السلسلة الصحيحة رقم (1236).

(1/306)


2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعاً حَتَّى قُبِضَ. متفق عليه (1). - عدم عيب الطعام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً قَطُّ، إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. متفق عليه (2). - عدم الإكثار من الأكل: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَىً وَاحِدٍ». متفق عليه (3). - فضل الإطعام والمواساة فيه: 1 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الإثْنَينِ، وَطَعَامُ الإثْنَينِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيةَ». أخرجه مسلم (4). 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (5). 3 - وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتِيَ بِطَعَامٍ أكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إلَيَّ. أخرجه مسلم (6). _________ (1) متفق عليه/أخرجه البخاري برقم (5416)، ومسلم برقم (2970)، واللفظ له. (2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5409) واللفظ له، ومسلم برقم (2064). (3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5393)، ومسلم برقم (2060) واللفظ له. (4) أخرجه مسلم برقم (2059). (5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6236) واللفظ له، ومسلم برقم (39). (6) أخرجه مسلم برقم (2053).

(1/307)


- مدح الآكل الطعام الذي يأكل منه: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأُدم فقالوا: ما عندنا إلا خَلٌّ، فدعا به، فجعل يأكل به ويقول: «نِعْمَ الأُدُمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدُمُ الخَلُّ». أخرجه مسلم (1). - عدم النفخ في الشراب: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ القَدَحِ، وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ. أخرجه أبو داود والترمذي (2). - الساقي آخر القوم شرباً: عن أبي قتادة رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره- قال: «إنَّ سَاقِيَ القَومِ آخِرُهُمْ شُرْباً». أخرجه مسلم (3). - إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات/24 - 27]. 2 - وعن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَومٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ _____