الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالكِ يوم الدِّين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى أعظم معلمٍ ومربٍّ الذِي لم يترك خيرًا إلا دلَّنا عليه ولا شرًّا إلا حذَّرنا منه. أما بعد:
فإن تقريب السنة النبوية إلى عموم النَّاس عملٌ من أجلِّ الأعمالِ وأفضلِ القربات، والنَّاس أحوج ما يكونون إلى تعلُّم دِينهم ومعرفةِ هديِ نبيِّهم ﷺ في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق؛ فينهلوا من علمه وهديه ويقتدوا به في جميع أحواله.
ومن هنا فقد بدأتُ منذُ ما يزيد عَلَى خمسِ سنواتٍ بإِرسال رسائلَ جماعيَّة يوميَّة عبر تطبيق (واتساب) لمجموعات من الأقرباء والأصدقاء؛ تتضمن أحاديث نبوية مختارة مع بيان معاني الكلمات التي تحتاج إلى توضيح وذكر بعض الفوائد من تلك الأحاديث، وقد لَاقت هذه الرسائل قبولًا حسنًا عند كثير منهم والحمد لله، واقترح عليَّ بعضهم جمعَها في كتابٍ بعد ترتبيها وتبويبها؛ ليستفاد منها في القِرَاءَة عَلَى المصلِّين في المَسَاجِد ومُدارستها مع الأسر في البيوت، وقد تردَّدت في ذلك في البداية ثم عزمت عَلَى تلبية طلبهم لعلَّ الله أن ينفع بها.
فقمت بجمع كلِّ ما أُرسلَ عبر هذه الرسائل، وكلفتُ أحد الباحثين – جزاه الله خيرا- بإعادة ترتيبها وتبويبها عَلَى أبواب صحيح البخاري ومراجعتها وتصويب ما فيها من أخطاء، فخرجت بهذه الصورة التي بين أيديكم بحمد الله وتوفيقه.
وتسهيلًا عَلَى القرَّاء في الوصول إلى الأحاديث، فقد وُضع فِهرسٌ الكتروني في بداية الكتاب يمكن من خلاله الوصول إلى الكتاب أو الباب من غير تقليب الصفحات، بل بالنقر عَلَى اسم الكتاب أو الباب فينتقل القارئ إلى الحديث مباشرة.
وهنا أودُّ أن أنبِّه إلى أنَّ جُلَّ الأحاديث في هذا الإصدار الأوَّل هي من الصحيحين أو أحدهما، وما ليس فيهما فقد اعتمدت في قبوله عَلَى تصحيح الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله أو تحسينه.
ولا شك أن كل كتاب ناقص وأن الكمال للكتاب الذي بدأ بـ (لا ريب)، فجزى الله خيرا من أهدى إلى عيوبي، وأبدى لي ملاحظاته وتنبيهاته على الكتاب وذلك على الإيميل التالي: ([email protected]).
وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم نافعًا لمن جمعه أو قرأه.
د. خالد بن محمد بابطين
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ، أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَالصَّلاة نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) رواه مسلم.
١- بيان بعض الأقوال والأعمال الإيمانية التي تعتق صاحبها من النار.
٢- تنبيه عَلَى أن الإِنسَان يؤخذ بجريرة عمله؛ فليعمل لنفسه ما أراد.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ) رواه مسلم.
كان عبد الله بن عامر بن كريز أميرًا عَلَى البصرة لعثمان بن عفان، فدخل عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعوده، أي: يزوره، وهو مريض، فقال ابن عامر لعبد الله بن عمر طالبًا منه الدعاء له: ألا تدعو الله لي؟ فقال ابن عمر: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا تقبل، أي: لا تصح، صلاة بغير طهور، أي: وضوء، ولا، أي: ولا يقبل الله تعالى، صدقة من غلول، أي: مما سرق وأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم، وكنت عَلَى البصرة، أي: واليًا عَلَى البصرة! ومراد كلام ابن عمر رضي الله عنه: فكما أن الله لا يقبل من العبادات إلا الطيب منها، والدعاء من العبادات، وإنك يا ابن عامر لم تسلم من ولايتك للبصرة من غل الأموال وتبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد؛ فكيف يقبل الله دعاءك؟! فقصد ابن عمر بهذا الحديث زجر ابن عامر وحثه عَلَى التوبة مما لحق به من ذنوب ومعاص.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. الخبث: -بضم الباء وإسكانها- جمع خبيث، الخبائث جمع خبيثة؛ يريد ذُكران الشياطين وإناثهم. وقيل: الخبْث -بسكون الباء- الشر والمكروه، والخبائث: الخطايا والأفعال المذمومة.
2. قال النووي: وهذا الأدب مجمع عَلَى استحبابه ولا فرق فيه بين البنيان والصحراء.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- "أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ-رضي الله عنها- دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: (قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ). قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ". متفق عليه.
1- إجابة الدعوة ولو لم تكن عرسًا، ولو كان الداعي امرأة؛ إذا أُمنت الفتنة.
2- صلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه ﷺ أراد تعليمهم أفعال الصَّلاة بالمشاهدة؛ لأجل المرأَة فإنها قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها.
3- تنظيف مكان المُصلَّى.
4- جَوَاز قيام الصبي مع الرجل صفًّا.
5- تأخير النِّساء عن صفوف الرِّجال.
6- جَوَاز قيام المرأَة صفًّا وحدها؛ إذا لم يكن معها امرأة غيرها.
7- صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاة، وَعُدِّلَتِ الصُّفوف، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ، قَالَ: (عَلَى مَكَانِكُمْ). فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ". متفق عليه.
1. ينطف: يقطر.
1- جَوَاز النِّسيان عَلَى الأنبياء في أمر العِبَادَة لأجل التشريع.
2- طهارة الماء المستعمل؛ لأنه خرج إليهم والماء يقطر منه.
3- جَوَاز الفصل اليسير بين الإقامة والصَّلاة، بشرط عدم خروج الوَقْت. ولا تعاد الإقامة.
4- جَوَاز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا). قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: "فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تعالى". متفق عليه.
1.(ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)، هذا خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم بحيث إذا شرَّق أو غرَّب لا يستقبل الكعبة ولا يستدبرها.
2.(فوجدنا مراحيض): هو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإِنسَان.
3.(فننحرف عنها): نحرص عَلَى اجتنابها بالميل عنها بحسب قدرتنا.
4.(ونستغفر الله): هذا استغفار من أبي أيوب رضي الله عنه لنفسه؛ حيث إنه لم يحصل منه ترك الاستقبال أو الاستدبار عَلَى التمام والكمال.
1.في الحديث دليل لمن قال بعدم جَوَاز استقبال القبلة أو استدبارها مطلقًا عند قضاء الحاجة، وهو مذهب الحنفية، وبه قال ابن تيمية (728) رحمه الله، أما قول الجمهور فهو التفريق بين البنيان والفضاء، أو إذا كان بينه وبين القبلة حاجز فجائز؛ لما ورد من فعله ﷺ في الحديث الآخر في استقبال القبلة في البنيان.
2.وفيه دليل عَلَى ورع أبي أيوب -رضي الله عنه- فقد اجتهد في الانحراف عن المراحيض الموجهة إلى القبلة -عَلَى القول الذِي كان يراه- ومع ذلك كان يستغفر الله تعالى.
عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها-: قَالَتْ "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ" متفق عليه.
1- صحة صلاة المصلي إلى المرأَة وهي في قبلته.
2- أن اللمس لغير اللذة لا ينقض الطهارة.
3- أن يسير العمل في الصَّلاة لا يبطلها.
4- جَوَاز الصَّلاة عَلَى الفراش.
5- بيان ما كانوا عليه من ضيق العيش؛ فلم تكن حجرة عَائِشَة -رضي الله عنها- تكفي ليكون فيها مكان للنوم وآخر للصَّلاة.
عَنْ حُمْرَانُ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: "سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ بِفِنَاءِ المَسْجِد، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، فَيُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاة الَّتِي تَلِيهَا) قَالَ عُرْوَةُ: الْآيَةُ {إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى قوله: {اللَّاعِنُونَ}. رواه مسلم.
الحثّ عَلَى الاعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه، والعمل بذلك والاحتياط فيه، والحرص عَلَى أن يتوضأ عَلَى الوجه الصحيح الكامل.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قوله: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ). قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ، فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا عُمَرُ قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا. قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ -أَوْ: فَيُسْبِغُ- الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) رواه مسلم.
1. فروحتها بعشي، أي: رددت الإبل إلى مراحها في آخر النهار.
2. رأيتك جئت آنفًا، أي: حضرت من قريب ولم تسمع كل ما قال النَّبي ﷺ.
3. يسبغ الوضوء، أي: يتمه ويعطي كل عضو حقه من الماء.
١- عظيم فضل الله تعالى عَلَى المؤمن بإعطائه الأجر الكبير عَلَى العمل اليسير.
٢- فضل الوضوء والذكر الوارد بعده، وفضل الركعتين بعد الوضوء بالصفة المذكورة، والحثّ عَلَى ذلك.
٣- حرص الصَّحابة عَلَى الخير من تعلم العلم ونشره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاْءً، ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) متفق عليه.
١- استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة.
٢- استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به إذا حصل الإفهام بها.
٣- استحباب غسل النَّجَاسة ثلاثا؛ لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى.
٤- أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته، وإن قلت ولم تغيره فإنها تنجسه أيضًا.
٥- كراهة غمس اليد في الإناء قبل غسلها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ الشَّيطان يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) متفق عليه.
يستنثر: الاستنثار إخراج ماء الاستنشاقِ والقَذَر اليابس المجتمع من المُخاط.
١- استحباب الاستنثار للقائم من النَّوم.
٢- إثبات الحكمة في ذلك، وهي: إزالة أثر بيتوتة الشَّيطان عَلَى أنفه، والله تعالى ورسوله ﷺ أعلم بحقيقة هذه البيتوتة، ونحن نؤمن بما قاله رسول الله ﷺ إيمانًا جازمًا، ونمتثل ما أمرنا به مع تسليمنا أنه ﷺ قد خصه الله تعالى بأمور تقصُرُ عن فهمها وإدراكها عقول عامة البشر.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ، تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا، وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ، وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ) متفق عليه.
١- أن من ترك شيئًا من أعضاء طهارته جاهلًا لم تصح طهارته.
٢- تعليم الجاهل والرفق به.
٣- أن الواجب في الرجلين الغسل دون المسح.
٤- الوعيد العظيم لمن لم يستكمل غسل الأعضاء في الوضوء.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "إنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (ارْجِعْ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ). فَرَجَعَ، ثُمَّ صَلَّى. رواه مسلم.
١- أن من ترك شيئًا من أعضاء طهارته جاهلًا لم تصح طهارته.
٢- تعليم الجاهل والرفق به.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ- أَوِ: الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ، نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رواه مسلم.
فضل الوضوء وأنه يكفر الذنوب.
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، قال: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيرَة يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمنى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ اليُسرى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمنى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُسرى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ: (أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ). فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ" متفق عليه.
1. أشرع في العضد: أدخله في الغسل وأوصل الماء إليه.
2. الغر: جمع أغرّ، وهو الذِي في وجهه بياض، والمراد: الذِين يأتون يوم القيامة وفي وجوههم بياض ونور.
3. المحجلون: الذِين تبيضّ منهم مواضع الوضوء.
فضل إسباغ الوضوء وإحسانه
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ، لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ، وَلَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ، وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ) رواه مسلم.
أيلة: بلدة في الشام عَلَى ساحل البحر.
١- إثبات الحوض للنبي ﷺ وسعته.
٢- فضل الوضوء.
٣- أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفًا.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ، وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ). قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي) فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ، فَيَقُولُ: "وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟" رواه مسلم.
وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟! أي: من الردة مثلما حدث أيام أبي بكر، أو أنهم كانوا منافقين ولم يرجعوا إلى الإسلام فاستحقوا الإبعاد عنك وعن صحبتك.
١- عظيم خطر الإحداث في الدين بعد النَّبي ﷺ.
٢- التهديد الشديد لكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله بأن يكون من المطرودين عن الحوض.
٣- إثبات الحوض للنبي ﷺ في الآخرة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: (السَّلام عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا). قَالُوا: أوَّلسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ). فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ، مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ؟). فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: (سُحْقًا سُحْقًا) رواه مسلم.
وإنا إن شاء الله بكم لاحقون: معنى التعليق بالمشيئة:
· قيل: للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}.
· وقيل: أنه عادة للمتكلم يحسن به كلامه.
· وقيل: أن الاستثناء عائد إلى اللحوق في هذا المكان.
2- سحقًا سحقًا: بُعدًا بُعدًا.
١-جَوَاز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفُضَلَاء وأهل الصلاح.
٢- خطورة الابتداع في الدين وتبديله، ويدخل في هذا: جميع أهل البدع، وكذلك أهل الظلم والجور؛ فكلهم محدث مبدل.
٣- زيارة المقبرة، وما يقال عندها.
٤- حب النَّبي ﷺ لأتباعه وشوقه إليهم.
٥- فضل الوضوء.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟). قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المَسَاجِد، وَانْتِظَارُ الصَّلاة بَعْدَ الصَّلاة، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) رواه مسلم.
1. إسباغ الوضوء: الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ.
2. فذلكم الرباط، أي: يكون صاحبها في منزلة من يرابط في سبيل الله تعالى، والمرابط في سبيل الله تعالى هو الذِي يلازم ثغور بلاد المسلمين مع بلاد الكفار لحراستها، وهذا من أعظم الأعمال عند الله عز وجل.
دل الحديث عَلَى فضل هذه الأعمال الصالحة المذكورة.
عن شريح بن هانئ، قال: سألتُ عَائِشَة - رضي الله عنها-: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبي ﷺ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. رواه مسلم.
١- عنايته ﷺ بالنظافة والطهارة، وحُسنِ رعايته لحق أهلِه وزوجاتِه.
٢- فَضِيلَة السواك في جميع الأوقات، وشدة الاهتمام به وتكراره.
٣- حرص التابعين عَلَى السُّؤال عن أحوال النَّبي ﷺ ليقتدوا بها.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبي ﷺ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ". رواه مسلم.
١- مَشرُوعيَّة السواك عَلَى اللسان وأنه لا يختص بالأسنان فقط.
٢- الحثّ عَلَى السواك والحرص عليه.
عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ" متفق عليه.
١- استحباب السواك عند القيام من النَّوم.
٢- استحباب السواك عند الصَّلاة وقِرَاءَة القرآن الكريم.
٣- أن السواك من السنن المؤكدة التي واظب عليها النَّبي ﷺ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ). قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) رواه مسلم.
1. اللعانين: الأمرين الجالبين للعن، وقيل: الفعلين اللذين يلعنهما الناس.
2. "يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم": يقضي حاجته من بول وغائط، في موضع يمر به الناس، أو يستظل به الناس من حر الشمس.
النَّهي قضاء الحاجة في المواضع التي ينتفع الناس بها كالظل والطريق ونحوهما.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ حَائِطًا، وَتَبِعَهُ غُلَامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ، هُوَ أَصْغَرُنَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ سِدْرَةٍ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ".
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ".
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ، فَيَتَغَسَّلُ بِهِ". متفق عليه.
1. مِيضَأَة: الإناء الذِي يتوضأ به كالإبريق وشبهه.
2. حائط: بستان.
3. عنزة: عصا طويلة في أسفلها زُجّ، ويقال: رمح قصير، وإنما كان يستصحبها النَّبي ﷺ؛ لأنه كان إذا توضأ صلى فيحتاج إلى نصبها بين يديه لتكون حائلًا يصلي إليه.
4. يتبرز: يأتي البَراز بفتح الباء، وهو المكان الواسع الظاهر من الأرض؛ ليخلو لحاجته ويستتر ويبعد عن أعين الناظرين.
5. فيغتسل به: يستنجي به ويغسل محل الاستنجاء.
١- استحباب التباعد لقضاء الحاجة عن الناس، والاستتار عن أعين الناظرين.
٢- جَوَاز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته.
٣- خدمة الصالحين وأهل الفضل.
٤- جَوَاز الاستنجاء بالماء واستحبابه ورجحانه عَلَى الاقتصار عَلَى الحجر.
عَنِ المغيرةَ بنِ شعبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ مَعَ النَّبي ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَسِيرٍ، فَقَالَ لِي: (أَمَعَكَ مَاءٌ؟). قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) متفق عليه.
١- استحباب التباعد لقضاء الحاجة عن الناس، والاستتار عن أعين الناظرين.
٢- جَوَاز الاستعانة في الوضوء.
٣- مَشرُوعيَّة المسح عَلَى الخفين.
٤- أن المسح عَلَى الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما عَلَى طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما.
عن المغيرةَ بنِ شعبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ: (أَمَعَكَ مَاءٌ)، فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ، وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلاة يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبي ﷺ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبي ﷺ وَقُمْتُ، فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا" رواه مسلم.
١- جَوَاز المسح عَلَى العمامة.
٢- جَوَاز اقتداء الفاضل بالمفضول.
٣- الأفضل تَقْدِيم الصَّلاة في أوَّل الوَقْت فإنهم فعلوها أوَّل الوَقْت ولم ينتظروا النَّبي ﷺ.
٤- أن الإِمَام إذا تأخر عن أوَّل الوَقْت استُحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلي بهم إذا وثقوا بحسن خلق الإِمَام، وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب عليه فتنة.
٥- أن من سبقه الإِمَام ببعض الصَّلاة أتى بما أدرك، فإذا سلم الإِمَام أتى بما بقي عليه، ولا يسقط ذلك عنه بخلاف قِرَاءَة الفاتحة فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الإِمَام راكعًا.
عن حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ مَعَ النَّبي ﷺ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: (ادْنُهْ)، فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. متفق عليه.
1. السباطة: الموضع الذِي يُرمى فيه التراب والأوساخ وما يُكنس من المنازل، وقيل: هي الكُناسة نفسها.
2. ادنه، أي: اقترِبْ، والهاء للسكت.
3. قال العلماء: إنما استدناه ﷺ ليستتر به عن أعين الناس وغيرهم من الناظرين؛ لكونها حالة يستخفى بها ويستحي منها في العادة، وكانت الحاجة التي يقضيها بولًا من قيام يؤمن معها خروج الحدث الآخر والرائحة الكريهة.
١- إثبات المسح عَلَى الخفين.
٢- جَوَاز المسح في الحضر.
٣- جَوَاز البول قائمًا.
٤- جَوَاز قرب الإِنسَان من البائل للحاجة.
٥- جَوَاز طلب البائل من صاحبه الذِي يدل عليه القرب منه ليستره.
٦- استحباب الستر.
عن شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ، قال: "أَتَيْتُ عَائِشَة أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَاهُ. فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ" رواه مسلم.
عَنْ بريدة بن الحصيب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شيئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. قَالَ: (عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ) رواه مسلم.
١- جَوَاز المسح عَلَى الخف.
٢- جَوَاز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد.
٣- أن النَّبي ﷺ كان يواظب عَلَى الوضوء لكل صلاة عملًا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانًا للجَوَاز.
٤- جَوَاز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة؛ لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد تكون تعمدًا لمعنى خفي عَلَى المفضول فيستفيده.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أوَّلاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم.
عن عبد الله بْنِ الْمُغَفَّلِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟). ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ. وَقَالَ: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) رواه مسلم.
ولغ: شرب بطرف لسانه.
١- نجاسة الكلب.
٢- وُجُوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات.
٣- أن حكم النَّجَاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعًا.
٤- تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة.
٥- تنجيس الإناء الذِي يتصل بالمائع.
٦- أن الماء القليل ينجس بوقوع النَّجَاسة فيه وإن لم يتغير؛ لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذِي في الإناء غالبا.
٧- الترخيص في اقتناء كلب الصيد وكلب الغنم للحاجة.
قال النووي- رحمه الله-: "يستحب جعل التراب في الأولى، فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى، فإن جعله في السابعة جاز، وقد جاء في روايات في الصحيح (سبع مرات)، وفي رواية: (سبع مرات أوَّلاهن بالتراب)، وفي رواية: (أخراهن بدل أوَّلاهن)، وفي رواية: (سبع مرات السابعة بتراب)، وفي رواية: (سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيه دليل عَلَى أن التقييد بالأولى وغيرها ليس للاشتراط، بل المراد إحداهن".
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) متفق عليه.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ). فَقيلَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيرَة؟ قَالَ: "يتناوله تناولا" رواه مسلم.
الماء الدائم: الراكد الساكن.
عَنْ عَائِشَة - رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبي ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَنِّكُهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ. متفق عليه.
1. فيبرك عليهم: يدعو لهم ويمسح عليهم، وأصل البركة: ثبوت الخير وكثرته.
2. فيحنكهم: التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير.
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ - رضي الله عنها- أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَام، فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ. فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ. متفق عليه.
١- استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل ليدعوا لهم ويحنكوهم.
٢- الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالصغار وغيرهم.
٣- أن بول الصبي الذِي لم يفطم يكفي فيه النضح. أما بول الجارية فلا بد فيه من الغسل لما ورد في الأحاديث الصحيحة.
عن عَائِشَة - رضي الله عنها- قالت فِي الْمَنِيِّ: "كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رواه مسلم.
عن عَمْرُو بْنُ ميْمُونٍ، قال: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ أَيَغْسِلُهُ أَمْ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاة فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ. متفق عليه.
طهارة المني وهو قول جمهور من العلماء.
عن عَائِشَة - رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ جُنُبًا، فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ للصَّلاة متفق عليه.
١- أن غسل الجنابة ليس واجبًا عَلَى الفور.
٢- استحباب الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ المرأَة تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ؟ فَقَالَ: (إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ فَلْتَغْتَسِلْ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
(إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل) معناه: إذا خرج منها المني؛ فلتغتسل كما أن الرجل إذا خرج منه المني اغتسل.
١- حسن العشرة ولطف الخطاب.
٢- استعمال اللفظ الجميل موضع اللفظ الذِي يستحيا منه في العادة.
٣- وُجُوب الغسل عَلَى المرأَة إذا احتلمت.
عن مُعَاذَةَ- رحمها الله- قالتْ: سَأَلْتُ عَائِشَة- رضي اللّه عنها-: "مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلاة؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاة" متفق عليه.
معاني الكلمات:
الحرورية: طائفة من الخوارج، شبهتها بهم لتشددهم في أمرهم وكثرة مسائلهم وتعنتهم بها.
1. أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصَّلاة ولا الصوم في الحال.
2. أنه لا يجب عليهما قضاء الصَّلاة.
3. أنه يجب عليهما قضاء الصوم.
4. قال العلماء: "والفرق بينهما أن الصَّلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها، بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة، وربما كان الحيض يوما أو يومين".
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المرأَة إِلَى عَوْرَةِ المرأَة، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي المرأَة إِلَى المرأَة فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأَة إلى عورة المرأَة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأَة والمرأَة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبه ﷺ بنظر الرجل إلى عورة الرجل عَلَى نظره إلى عورة المرأَة وذلك بالتحريم أولى.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ). قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبلِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِل). قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا. رواه مسلم.
١- وُجُوب الوضوء من أكل لحم الإبل خاصة دون بقية اللحوم.
٢- النَّهي عن الصَّلاة في مواطن بروك الإبل حول الماء، بخلاف أماكن الغنم فيجوز ذلك.
عن عبد الله بن زيد بن عاصم -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "شُكِيَ إِلَى النَّبي ﷺ: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاة. قَالَ: (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا) متفق عليه.
هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها عَلَى أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها.
عن أَنَسِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "وُقِّتَ لَنَا فِي: قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". رواه مسلم.
وُقِّت: عُين وحدد.
دل الحديث عَلَى استحباب الإتيان بسنن الفطرة هذه فيما لا يزيد عن أربعين يوما.
عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ). قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. زَادَ قُتَيْبَةُ: قَالَ وَكِيعٌ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ، يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ. رواه مسلم.
البراجم: هي العُقَد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
هذه الخصال يتعلق بها أمور دينية ودنيوية، مثل: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلًا، والاحتياط للطهارة، وحسن مخالطة الناس بكف ما يتأذى بريحه عنهم، ومخالفة شأن الكفار من المجوس واليهود والنصارى.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) متفق عليه.
١- النَّهي عن التشبه بالكفار في إطالة الشارب وحلق اللحى.
٢- عناية الشريعة بظاهر المسلم وباطنه.
عَنْ سَلْمَانَ الفارسيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ ﷺ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ. رواه مسلم.
1. الخراءة: القعود لقضاء الحاجة.
2. الرجيع: العَذِرة والروث.
١- بيان ما كان عليه النَّبي ﷺ من إرشاد أمته وتعليمها كل ما ينفعها حتى في أدق الأمور.
٢- بيان آداب قضاء الحاجة التي ينبغي لكل مسلم أن يحرص عليها.
عن جَابِرِ بن عبد الله - رضي اللّه عنهما- قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بِبَعْرٍ" رواه مسلم.
النَّهي أن يستنجي أحد بعد قضاء حاجته بعظام الحيوانات أو بروثها وفضلاتها، وهو "البعر"، وقد جاء في صحيح مسلم أن النَّبي ﷺ قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام؛ فإنه زاد إخوانكم من الجن".
عن أَبِي قَتَادَةَ-رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ) متفق عليه.
١- النَّهي عن التنفس في الإناء عند الشرب؛ لئلَّا يستقذره غيره، فتمتنع نفسه عن الشرب من هذا الإناء، وحتى لا يتغير الإناء بكثرة التنفس فيه.
٢- النَّهي عن التمسح باليمين وهو الاستنجاء.
٣- النَّهي عن مس الذكر باليمين؛ وذلك لأن اليمين يستحب أن تكون لفضائل الأعمال، وما سوى ذلك يكون لليسرى.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ" متفق عليه.
1- استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق، وهو من باب العِبَادَة والتزيين، واستدل به عَلَى استحباب الصَّلاة عن يمين الإِمَام وفي ميمنة المَسْجِد وفي الأكل والشرب باليمين.
2- قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر.
عَنْ حُذَيْفَةَ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ). وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. جعلت صفوفنا أي: وقوفنا في الصَّلاة.
2. كصفوف الملائكة قيل: في المعركة، وقيل: في الصَّلاة، وقيل: في الطاعة، وهي أنهم يتمون المقدم، ثم الذِي يليه من الصُّفوف، ثم يراصون الصُّفوف.
3. وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، أي: موضعًا للسُّجود، فلا يختص السُّجود منها بموضع دون موضع.
4. وجعلت تربتها لنا طهورا: تراب الأرض مطهرًا إذا لم نجد الماء.
5. وذكر خصلة أخرى: ظاهره أنه ذكر ثلاث خصال، وإنما هما اثنتان كما ذكر؛ لأن قضية الأرض كلها خصلة واحدة، والخصلة الثالثة غير مذكورة في هذا الحديث، لكنها جاءت في رواية ابن خزيمة والنسائي، وهي: (وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش)، يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان
بعض فضائل هذه الأمة عَلَى الأُممِ السّالفةِ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) رواه مسلم.
الكبائر: المقصود بها الذنوب العظيمة، وهي كل ذنب أطلق عليه- في القرآن، أو السنة الصحيحة، أو الإجماع- أنه كبيرة، أو أنه ذنب عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو كان فيه حد، أو شدد النكير عَلَى فاعله، أو ورد فيه لعن فاعله. وقيل: الكبائر هي كل فعل قبيح شدد الشرع في النَّهي عنه، وأعظم أمره.
بيان لسعة رحمة الله عز وجل وتفضله بالمغفرة وإعطاء الأجر العظيم عَلَى العمل القليل.
عن ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قال: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاة، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أوَّلا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا بِلَالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاة) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. يَتَحَيَّنُونَ الصَّلاة: يطلبون وقتها.
2. ناقوس: هو الذِي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم، وجمعه: نواقيس.
3. قرنًا: القرن هو البوق الذِي ينفخ فيه.
١- منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في إصابته الصواب.
٢- التشاور في الأمور، لا سيما المهمة.
٣-جَوَاز الاجتهاد له ﷺ.
٤- كراهة مشابهة اليهود والنصارى.
عن مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1- أطول الناس أعناقا: في معناه أقوال:
· أنهم أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله تعالى؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه: كثرة ما يرونه من الثواب.
· وقيل: إن معناه أنهم إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم؛ لئلَّا ينالهم ذلك الكرب والعرق.
· وقيل: معناه أنهم رؤساء الناس؛ لأن العرب تصف السادة بطول الأعناق.
فضل المؤذنين عَلَى سائر الناس، وتخصيصهم بهذه الصفة يوم القيامة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا نُودِيَ للصَّلاة أَدْبَرَ الشَّيطان وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاة أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. ثوب: أقيمت الصَّلاة.
2. يخطر: يروى (يخطِر) بكسر الطاء؛ أي: يوسوس، ويروى (يخطُر) بضم الطاء؛ أي: يمر بين المرء ونفسه ويحول بينه وبين ما يريده من إقباله عَلَى صلاته وإخلاصه فيها.
١- استحباب رفع الصوت بالأذان.
٢- بغض الشَّيطان للأذان لما فيه من إعلان التوحيد لله تعالى.
٣- حرص الشَّيطان عَلَى التلبيس عَلَى المصلي أثناء صلاته ليخلط عليه.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاة الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَة، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري.
1-فضل هذا الدعاء عند الأذان.
2-إثبات شفاعة ﷺ النَّبي للمؤمنين.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1- الوسيلة: أعَلَى منزلة في الجنة.
١- استحباب الترديد مع المؤذن.
٢- استحباب الصَّلاة عَلَى النَّبي ﷺ عقب ترديد الأذان.
٣- استحباب الدعاء للنبي ﷺ بأن ينال أعَلَى منزلة في الجنة.
٤- حصول شفاعة النَّبي ﷺ لمن سأل له الوسيلة.
عن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "سَأَلْتُ النَّبي ﷺ، أي: الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاة عَلَى وَقْتِهَا). قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ). قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. متفق عليه.
١-فضل تعظيم الوالدين.
٢-فضل المبادرة بالصَّلاة في أوَّل وقتها.
٣-فضل الجهاد في سبيل الله.
٤-أن أعمال البر يفضل بعضها عَلَى بعض.
٥-الرفق بالعالم، والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله.
٦-حرص الصَّحابة -رضي الله عنهم-عَلَى السُّؤال عن أحب الأعمال وأفضلها ليغنموا أجرها وثوابها، فالحرص عَلَى النوع أولى من الكم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) متفق عليه.
١- الإشَارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفة واحدة.
٢- الإشَارة إلى شرف الوَقْتين المذكورين.
٣- إعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبًّا ونتقرب إلى الله بذلك.
٤- إثبات صفة كلام الله تعالى مع ملائكته.
٥- أن الصَّلاة أعَلَى العبادات؛ لأنه عليها وقع السُّؤال والجواب.
عن أَبي قَتَادَةَ-رضي الله عنه- قال: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبي ﷺ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ؟) قَالُوا: "اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاة"، قَالَ: (فَلَا تَفْعَلُوا؛ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاة فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) متفق عليه.
جلبة رجال: أصواتهم حال حركتهم.
1- أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته.
2- الندب الأكيد إلى إتيان الصَّلاة بسكينة ووقار، والنَّهي عن إتيانها سعيًا.
3- حصول فَضِيلَة الجَمَاعَة بإدراك جزء من الصَّلاة.
4- استحباب الدخول مع الإِمَام في أي حالة وجد عليها.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبي ﷺ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبي ﷺ وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ" متفق عليه.
1. يبتدرون: يستبقون.
2. السواري: جمع سارية وهي العمود.
1- استحباب صلاة ركعتين خفيفتين قبل صلاة المغرب.
2- حرص الصَّحابة عَلَى أدائهما، جاء في رواية مسلم: (حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ المَسْجِد فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاة قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا).
3- قصر الوَقْت الفاصل بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب.
4- استحباب اتخاذ السترة في الصَّلاة، وقال بعض العلماء بوُجُوبه.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: صَلَّى النَّبي ﷺ فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي). متفق عليه.
1. (الخميصة): كساء مربع من صوف أو غيره به خطوط أو نقوش.
2. (الأنبجانية): كساء من الصوف له أهداب ولا رسم فيه.
1- مبادرة الرسول ﷺ إلى مصالح الصَّلاة، ونفي ما قد يكون خادشًا.
2- كراهية كل ما يشغل عن الصَّلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها.
3- قبول الهدية من الأصحاب والإرسال إليهم والطلب منهم.
4- أن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية فضلا عمن دونها.
5- أن الصَّلاة تصحّ وإن حصل فيها فكر من شاغل ونحوه مما ليس متعلقا بالصَّلاة.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبي ﷺ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجود" رواه البخاري.
1- جَوَاز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها.
2- الإشَارة إلى أن مباشرة الأرض عند السُّجود هو الأصل؛ لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة.
3- جَوَاز السُّجود عَلَى الثوب المتصل بالمصلي.
4- جَوَاز العمل القليل في الصَّلاة، ومراعاة الخُشُوع فيها.
5- أن قول الصحابي: "كنا نفعل كذا" من قبيل المرفوع إلى النَّبي ﷺ؛ لأن فعلهم لا يخفى عليه في صلاتهم، فلو لم يجز لنهاهم عنه. وقد جاء في سنن النسائي بسند صحيح عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقُولُ: "اسْتَوُوا اسْتَوُوا اسْتَوُوا، فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ".
عن أبي وائل عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- أنه رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ! قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. رواه البخاري.
1- وُجُوب الطمأنينة في أركان الصَّلاة.
2- أن الإخلال بها مبطل للصَّلاة.
3- استحباب إنكار المنكر وتعليم الجاهل.
4- أن من الحكمة في بعض المواقف إظهارَ شناعة الخطأ؛ ليرتدع صاحبه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِد، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاة، لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاة، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الذِي يُصَلِّي فِيهِ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ). وَقَالَ: (أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاة تَحْبِسُهُ) متفق عليه.
1. (ينهزه)، أي: يدفعه.
2. (ما لم يؤذ فيه)، أي: ما لم يحصل منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول.
3. (تحبسه)، أي: تمنعه من الخروج من المَسْجِد.
١- فَضِيلَة صلاة الجَمَاعَة.
٢- جَوَاز الصَّلاة في السوق والبيت.
٣- فَضِيلَة إحسان الوُضوء.
٤- فَضِيلَة المشي إلى الصَّلاة.
٥- تجريد النية في الخروج إلى المَسْجِد للصَّلاة دون لغيرها.
٦- فَضِيلَة المكث في المَسْجِد وانتظار الصَّلاة.
٧- كراهية الحدث في المَسْجِد لأن فيه أذى للملائكة، ويحرم به الشخص من دعائهم واستغفارهم له.
٨- ينبغي اجتناب حدث اليد واللسان؛ لأن الأذى منهما يكون أشد.
٩- أن منتظر الصَّلاة له ثوابها ما دام ينتظرها.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِد، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ" متفق عليه.
١- جَوَاز اللعب بالحراب في المَسْجِد، وهو نوع من التدريب عَلَى القتال.
٢- جَوَاز النظر إلى اللهو المباح.
٣-حسن خلقه ﷺ مع أهله وكرم معاشرته.
٤- فضل عَائِشَة رضي الله عنها وعظيم محلها عنده.
٥- الرفق بالمرأَة واستجلاب مودتها.
٦- جَوَاز اكتفاء المرأَة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء.
٧- جَوَاز نظر النِّساء إلى الرِّجال الأجانب إذا كان بغير شهوة وأمنت الفتنة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ - أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ - كَانَ يَقُمُّ المَسْجِد، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبي ﷺ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: (أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ) أَوْ قَالَ: (قَبْرِهَا). فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا. متفق عليه.
1. (يَقُمُّ): يجمع القمامة، وهي: الكناسة.
2. (آذنتموني): أعلمتوني.
١- فضل تنظيف المَسْجِد.
٢- الْمُكَافَأَة بِالدُّعَاءِ والترحم عَلَى من وقف نَفسه عَلَى نفع الْمُسلمين ومصالحهم.
٣- الترغيب في شهود جنائز أهل الخير.
٤- ندب الصَّلاة عَلَى الميت الحاضر عند قبره لمن لم يُصلٍّ عليه.
٥- مَشرُوعيَّة الإعلام بالموت.
٦- بيان ما كان عليه النَّبي ﷺ من كمال الأخلاق، وكمال الرأفة بأمته، وعنايته بالضعفاء والمساكين.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاة، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِد، حَتَّى تُصْبِحُوا، وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي). قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. متفق عليه.
1. (العفريت): وزنه فِعْلِيت، وهو العاتي المتمرِّد من الجن الخبيث المنكر النافذ في الأمر المبالغ فيه.
2. (تفلَّت علي) أي: تعرَّض لي بغتة.
١- أنه لا يخلو قلب عن أن يكون للشيطان فيه جَولانٌ بالوسوسة.
٢- جَوَاز ربط الأسير والغريم ومن عليه حقٌ شرعيٌّ في المَسْجِد.
٣- أن العمل اليسير لا يفسد الصَّلاة كدفع المصلي المار بين يديه والإشَارة والالتفات الخفيف والمشي الخفيف وقتل الحية والعقرب ونحو ذلك، وهذا كله إذا لم يقصد المصلي بذلك العبث في صلاته ولا التهاون بها.
4- أن المصلِّي لا تبطل صلاته بِخُطُور ما ليس من أفعالها بباله.
قال أَبو هُرَيرَة: "بَعَثَ النَّبي ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِد، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ). فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِد، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِد، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. متفق عليه.
١- جَوَاز ربطِ الأسير وحبسِه.
٢- جَوَاز إدخال الكافر المَسْجِد.
٣- مَشرُوعيَّة المنِّ عَلَى الأسير الكافر.
٤- الاغتسال عند الإسلام.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَعَثَ النَّبي ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِد، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟). فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ؛ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ. حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ؛ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ). فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِد، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِد، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبي ﷺ. متفق عليه.
ذا دم: أي: لدمه مكانة عظيمة فيشتفي قاتله بقتله، وقيل: مستحق القتل لدم عليه، وقيل: له من يأخذ بثأره.
١- تعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة-رضي الله عنه- انقلب بغضه حبًّا في ساعة واحدة لما أسداه النَّبي ﷺ إليه من العفو والمَنِّ بغير مقابل.
٢- أن الكافر إذا أراد عملَ خيرٍ ثم أسلم شُرع له أن يستمرَّ في عمل ذلك الخير.
٣- استحباب الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيَّما من يتبعه عَلَى إسلامه العدد الكثير من قومه.
٤- أثر الدعوة بالأفعال؛ فقد رأى ثمامة -رضي الله عنه- من خُلقِ النَّبي ﷺ وحسنِ تعامله وشاهدَ الصَّحابة عن قرب في المَسْجِد وما هم عليه من تطبيق حقيقي للإسلام مما جعله يقتنع به.
٥- مَشرُوعيَّة المقاطعة الاقتصادية للكفار المحاربين إذا كان ذلك فيه مصلحة للمسلمين.
٦- أن ذوي الشأن والمكانة عليهم من المسؤولية ما ليس عَلَى غيرهم، ويستطيع أحدهم فعل ما يعجز عنه الجَمَاعَة من الناس.
عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ-رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِد فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا؛ تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟" رواه البخاري.
(حَصَبَنِي)، أي: رماني بالحصباء، وهي الحجارة الصغار.
١- وُجُوب إنكار المنكر وتغييره لمن علم به بقدر استطاعته.
٢- الحذر من كثرة اللغط في المَسْجِد، ورفع الصوت فيه دون حاجة.
٣- جَوَاز قبول اعتذار الجاهل بالحكم إذا كان في شيء يخفى مثله.
٤- جَوَاز تأديب الإِمَام من يرفع صوته في المَسْجِد باللغط ونحو ذلك.
٥- حرمة رفع الصوت في مسجده ﷺ بعد وفاته كمثل الحال في حياته.
عن أَبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي المَسْجِد، فَأَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ؛ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ) رواه البخاري.
1.(فأوى إلى الله فآواه الله)، أي: لجأ إلى الله فجلس في الحلقة فتقرب إلى الله فقربه الله إليه، وأدخله في حيِّز مرضاته، فإذا كان يوم القيامة آواه الله إلى ظل عرشه.
2.(وأما الآخر فاستحيا من الله)، أي: لم يجد مكانًا في الحلقة "فجلس خلفهم"، قد منعه الحياء من الله عن مزاحمة غيره فجلس حيث ينتهي به المجلس.
3.(استحيا الله منه)؛ قَبِل عذره وأشركه مع أهل تلك الحلقة في فضلهم وثوابهم، لأنه تعالى حيي كريم لا يمنع فضلَه وجودَه عمّن منعه الحياء من الله تعالى عن مضايقة غيره مع حرصه عَلَى العلم ورياض جناته.
١- استحباب التَّحَلُّق في مجالس الذكر والعلم.
٢- أن من سبق إلى موضع منها كان أحقَّ به.
٣- جَوَاز التخطِّي لسدِّ الخلل ما لم يؤذ، فإن خشي استُحبَّ الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني.
٤- الثناء عَلَى من زاحم في طلب الخير.
٥- إثبات صفة الحياء لله تعالى.
٦- جَوَاز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها، وأن ذلك لا يعدُّ من الغيبة.
٧- فضل ملازمة حِلَقِ العلم والذكر وجلوس العالم والمذكر في المَسْجِد.
٨- الثناء عَلَى المستحيي بحق.
٩- استحباب القُرب من العالِم ليسمع كلامه سماعًا بينًا، ويتأدب بأدبه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- قال: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ" رواه البخاري.
1. (أتان): أنثى الحمار.
2.(ناهزت الاحتلام): قاربت سن البلوغ.
١- تَقْدِيم المصلحة الراجحة عَلَى المفسدة الخفيفة؛ لأن المرور مفسدة خفيفة، والدخول في الصَّلاة مصلحة راجحة.
٢- سترة الإِمَام سترة من خلفه.
٣- جَوَاز سماع الصغير، وضبطه السنن، والتحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنما يشترط عند الأداء.
٤- إجازة من علم الشيء صغيرًا وأدَّاه كبير.
٥- أنه إذا فُعل بين يدي النَّبي ﷺ شيءٌ ولم ينكره فهو حجة.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. متفق عليه.
١- جَوَاز إدخال الأطفال إلى المَسَاجِد.
٢- صحة صلاة من حمل آدميًّا.
٣- تواضعه ﷺ وشفقته عَلَى الأطفال، وإكرامه لهم جبرًا لهم ولوالديهم.
٤- جَوَاز القِرَاءَة من المصحف في الصَّلاة وحمله ووضعه عند الحاجة.
٥- طهارة ثياب الأطفال وأجسادهم حتى تثبت النَّجَاسة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟). قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شيئًا. قَالَ: (فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) متفق عليه.
درنه، أي: وسخه.
١- أن الصلواتِ الخمس كفاراتٌ لصغائر الذنوب.
٢- أن المعاصي والذنوب قذَرٌ معنويٌّ يصيبُ الإِنسَان، لكن تطهره الصلوات الخمس.
٣- أن ضرب المثل في التعليم زيادة في الإيضاح؛ إذ فيه تشبيه المعقول بالشيء المحسوس.
٤- حرص النَّبي ﷺ في تعليم أمته، وشدة رأفته بهم.
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجود، وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ) متفق عليه.
1. (اعتدلوا)، أي: كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض في السُّجود.
2. (يبسط ذراعيه كالكلب): هو أن يبسط ذراعيه في السُّجود ولا يرفعهما عن الأرض.
١- استحباب الاعتدال في السُّجود.
٢- كراهية الافتراش؛ لأنه من هيئات الكسالى.
٣- كراهية التشبه بالحيوانات حال الصَّلاة.
٤- وُجُوب التأدُّبِ مع اللهِ تعالى، ونهيُ المصلي عن البصاق أمامه وعن يمينه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ) متفق عليه.
1. (وتر أهله وماله): سُلِب ونُقِص أهله وماله فبقي بلا أهل ولا مال.
١- التغليظ عَلَى من تفوته صلاةُ العصرِ حتى يخرج وقتها عامدًا.
٢- عظم مكانة صلاة العصر.
٣- الإشَارة إلى تحقير الدُّنيا، وأن قليل العمل الصالح خير من كثير منها.
عَنْ أَبِي موسى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) متفق عليه.
1.البرْدَان: هما صلاتا الفجر والعصر؛ لأنهما تصليان في بردي النهار، أي طرفيه حين يطيب الهواءُ وتذهب سَوْرَة الحرِّ.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: "كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاة، لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ" رواه البخاري.
1.متلفعات، أي: متلففات متغطيات.
2.بمروطهن: جمع مِرط، وهو الكساء، ويكون من صوف، وربما كان من خَزٍّ أو غيره.
١- استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أوَّل الوَقْت.
٢- جَوَاز خروج النِّساء إلى المَسَاجِد لشهود الصَّلاة في الليل، ويؤخذ منه جَوَازه في النهار من باب أولى؛ لأن الليل مَظِنَّة الريبة أكثرَ من النهار، ومحلُّ ذلك إذا لم يُخشَ عليهنَّ أو بهنَّ فتنة.
قال الإِمَام العيني الحنفي أحد شراح البخاري (٨٥٥):
فيه دلالة عَلَى خروج النِّساء، وهو جائز بشرط أمن الفتنة عليهن أو بهن، وكرهه بعضهم للشواب، وعند أبي حنيفة تخرج العجائز لغير الظهر والعصر، وعندهما [أبو يوسف ومحمد بن الحسن - أشهر أصحاب أبي حنيفة]: يخرجن للجميع، واليوم يكره للجميع، للعجائز والشواب، لظهور الفساد وعموم الفتنة. والله أعلم.
٣- حرص الصحابيات عَلَى كمال الحجاب والستر مع كونهن يخرجن في ظلمة الليل التي لا تعرف فيها المرأَة.
عن أبي قتادة-رضي الله عنه- قال: "سِرْنَا مَعَ النَّبي ﷺ لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاة). قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبي ﷺ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: (يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟). قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاة). فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى" متفق عليه.
1.عَرَّسْتَ: التعريس نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل.
2.حاجب الشمس، أي: طرفها أو قرصها الذِي يبدو أوَّلا. وهو مستعار من حاجب الوجه.
3.ابياضَّت: صفَت.
١- مراعاة المصالح الدينية، والاحترازُ عما يحتملُ فواتُ العِبَادَة فيه عن وقتها بسببه.
٢- جَوَاز الاكتفاء في الأمور المهمة بالوَاحِد إذا كان أهلًا لذلك.
٣- قبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ، وعدم الإكثار عليه من التثريب.
٤- الردُّ عَلَى منكري القَدَر وأنه لا واقع في الكون إلا بقدر.
٥- مَشرُوعيَّة الأذان للفائتة.
٦- مَشرُوعيَّة الجَمَاعَة في الفوائت.
٧- جَوَاز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبي ﷺ: (وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا). فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ للصَّلاة وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. رواه البخاري.
1.بُطْحان: وادٍ بالمدينة.
١- وُجُوب ترتيب الفوائت مع الذكر لا مع النسيان، وهذا قول الجمهور.
٢- جَوَاز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضته مصلحةٌ من زيادة طمأنينة أو نفي توهُّم.
٣- كمال خلق النَّبي ﷺ وحسن تأنِّيه مع أصحابه وتألُّفهم.
٤- استحباب قضاء الفوائت جماعة.
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ-رضي الله عنه- أنه قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاة، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ " رواه البخاري.
١- استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به.
٢- أنَّ حبَّ الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح.
٣- جَوَاز التبدِّي ومساكنة الأعراب، ومشاركتهم في الأسباب بشرط أن ينال حظَّه من العلم، ويأمن من غلبة الجفاء.
٤- أن أذان الفرد مندوبٌ إليه ولو كان في قفر، ولو لم يرتجِ حضورَ مَنْ يصلي معه؛ لأنه إن فاته دعاء المصلين، لم يفته شهود من سمعه من غيرهم وشهادته له.
عن مَالِكِ بنِ الحويرث -رضي الله عنه- قال: "أَتَيْنَا إِلَى النَّبي ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا-أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا-سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: (ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ). وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاة فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) رواه البخاري.
1.شببة، أي: شُبّان.
2.متقاربون، أي: في السِّنِّ والقِرَاءَة والعلم.
١- حرص الصَّحابة عَلَى طلب العلم وملازمة الرسول ﷺ.
٢- شفقته ﷺ ورحمته بأصحابه، وتلمسه لما يحتاجونه.
٣- تعليم الإِنسَان أهله أحكام الشريعة وتربيتهم عليها.
٤- لا يشترط الترتيبُ في صفات المؤذن بخلاف الإِمَام.
٥- إذا استوى المتقدمون للإمامة في العلم أو القِرَاءَة فيُقدَّم الأكبر منهم سنًّا.
٦- التأسي في أداء الصَّلاة بصلاة النَّبي ﷺ.
٧- من السنة عند توديع المسافر وصيته بالتقوى والمحافظة عَلَى أوامر الشرع.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاة فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ) متفق عليه.
1.العَرْق: العظم إذا أخذ منه معظم اللحم، وبقيت عليه لحوم رقيقة طيبة.
2.المِرمَاة: ما بين ظلفي الشاة من اللحم.
١- وُجُوب صلاة الجَمَاعَة؛ إذ لا يمكن أن يعزم النَّبي ﷺ عَلَى هذه العقوبة الشديدة في أمر مستحبٍّ ليس بواجب.
٢- الإشَارة إلى ذمِّ المتخلفين عن الصَّلاة بوصفهم بالحرص عَلَى الشيء الحقير من مطعوم مع التفريط فيما يحصّل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامة.
٣- تَقْدِيم الوعيد والتهديد عَلَى العقوبة.
٤- جَوَاز أخذ أهل الجرائم عَلَى غرة؛ لأنه ﷺ همَّ بذلك في الوَقْت الذِي عُهد منه فيه الاشتغال بالصَّلاة بالجَمَاعَة.
٥- الرُّخصة للإمام أو نائبه في ترك الجَمَاعَة؛ لأجل إخراج مَنْ يستخفي في بيته ويتركها.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاة أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاة، حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَام، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ) متفق عليه.
ممشى، أي: مكانًا يمشي فيه، والمراد: أبعدهم مسافة إلى المَسْجِد؛ لكثرة الخُطى إليه المشتملة عَلَى المشقة.
١-فضل المَسْجِد البعيد؛ لأجل كثرة الخُطى.
٢-فضل انتظار الصَّلاة؛ لما فيه من المشقة.
٣-زيادة أجر المشي إلى الصَّلاة كلما ازداد بُعْدُ البيت عن المَسْجِد.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "إنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبي ﷺ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعْرُوا، فَقَالَ: (أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟) متفق عليه.
1.يعروا: من أَعْرى، أي: يجعلوا نواحي المدينة خالية.
١- أعمال البر إذا كانت خالصةً تُكتب آثارُها حسنات.
٢- استحباب السكنى بقرب المَسْجِد إلا لمن حصلت به منفعةٌ أخرى أو أراد تكثيرَ الأجر بكثرة المشي ما لم يشقَّ عَلَى نفسه.
٣- استحباب قصد المَسْجِد البعيد ولو كان بجنبه مسجد قريب، إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هَجْرُ القريب وإلا فإحياؤه بذكر الله أولى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) متفق عليه.
2.غدا: الغدوُّ هو الذهاب أوَّل النهار.
3.راح: الرَّواح هو الذهاب آخرَ النهار بعد الزوال.
والمراد بالغدوِّ هنا: مطلَقُ الذهاب للمسجد في أي وقت كان، وبالرَّواح الرجوع منه.
4.نُزُله: النُّزُل هو المكان الذِي يهيأ للنزول فيه، وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها.
والمعنى: كلما استمر غدوه ورواحه استمرَّ إعدادُ نزله في الجنة، فالغدوُّ والرَّواحُ في الحديث كالبكرة والعشيِّ في قوله تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيًا} يراد بها الديمومة لا الوَقْتان المعلومان.
١- فضل صلاة الجَمَاعَة وما يترتب عَلَى الذهاب إليها حيث ينال الذاهب إليها في كل مرة قصرًا في الجنة.
٢- فضل التردُّد عَلَى المَسَاجِد لأيِّ غرض شرعي ولو لغير الصَّلاة كدراسة العلم، وقِرَاءَة القرآن ونحوهما لعموم الحديث.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَام الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِد، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ؛ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) متفق عليه.
١- فضل الإخلاص لله في الأعمال.
٢- إذا قوي الدافع إلى المَعصِية -لكن تركها العبد خوفًا من الله- عظُم جزاؤه.
٣- فَضِيلَة الإِمَام العَادل.
٤- فَضِيلَة الشَّاب الذِي نشأ في عبادة ربه.
٥- فَضِيلَة من يلازم المَسْجِد للصَّلاة مع الجَمَاعَة.
٦- فَضِيلَة التحابِّ في الله تعالى.
٧- فَضِيلَة مَن يخاف الله تعالى بالغيب.
٨- فَضِيلَة المُخفي صدقته.
٩- فَضِيلَة ذكرِ الله فِي الخلوات مَعَ فيضان الدَّمع من عَيْنَيْهِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاة فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ). وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَام، وَتُقَامُ الصَّلاة فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَة الإِمَام. متفق عليه.
١- تَقْدِيم فَضِيلَة الخُشُوع في الصَّلاة عَلَى فَضِيلَة أوَّل الوَقْت.
٢- كراهة الصَّلاة بحضرة الطَّعَام الذِي يريد أكله؛ لِمَا فيه من ذهاب كمال الخُشُوع، ويلتحق به ما في معناه ممَّا يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوَقْت سعةٌ، فإن ضاق صلَّى عَلَى حاله محافظةً عَلَى حُرمة الوَقْت، ولا يجوز التَّأخير.
عن الأسودِ بنِ يزيد قال: سَأَلْتُ عَائِشَة -رضي الله عنها- مَا كَانَ النَّبي ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاة خَرَجَ إِلَى الصَّلاة. رواه البخاري.
١- أن الأَئِمَّة والفُضَلَاء يتولون أمورهم بأنفسهم، وأن ذلك من فعل الصالحين المتواضعين اتّباعًا لسيِّدهم محمد ﷺ.
٢- دأبه ﷺ عَلَى خدمته أهله في أكثر أَحيَانِه لقول عَائِشَة -رضي الله عنها- (كان يكون في...).
٣- أنه لا يمنع الإِنسَان من المبادرة إلى الصَّلاة هيئتُه التي هو عليها؛ إن كانت لا تؤثر في صحة الصَّلاة.
٤- وُجُوب العناية بشأن الصَّلاة وعدم الانشِغَال عنها بشواغل الأهل والأولاد.
عن أبي موسى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَرِضَ النَّبي ﷺ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ). قَالَتْ عَائِشَة -رضي الله عنها-: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ؛ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ). فَعَادَتْ، فَقَالَ: (مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ). فَأَتَاهُ الرَّسُولُ [أي: بِلَال] فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبي ﷺ" متفق عليه.
1.(فإنكن صواحب يوسف)، أي: في التظاهر عَلَى ما تردن، وكثرة إلحاحكن في طلب ما تردنه وتملن إليه. وقيل: في إخفاء غير ما تظهرنه؛ لأن عَائِشَة رضي الله عنها لم تُرد أن يصلي أبو بكر رضي الله عنه بالناس خشية أن يتشاءم به الناس فيقولون إنه لم يُر إمامًا إلا في حين مرض رسول الله ﷺ وحين موته، أو خشية استخلافه فيثقل حمله.
١- فضل أبي بكر -رضي الله عنه- عَلَى سائر الصَّحابة.
٢- جَوَاز مراجعة ولي الأمر عَلَى سبيل العرض والإشَارة بما يظن أنه مصلحة.
٣- جَوَاز البكاء في الصَّلاة، وأنه لا يبطلها.
٤- جَوَاز التعريض بالأمر، والملاطفة فيه بحجة صحيحة لغرض آخر.
٥- الإشَارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه له عليه الصَّلاة والسَّلام.
٦- جَوَاز تشبيه المسلم بالكافر إذا اشتركا في صفة ما.
عن أَبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ، إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَام أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ). أَوْ: (يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ) متفق عليه.
1.(أن يجعل الله رأسه رأس حمار...): اختلف في معنى الوعيد المذكور:
أ- فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنويٍّ، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل، بما يجب عليه من فرض الصَّلاة ومتابعة الإِمَام.
ب- ويحتمل أن يراد بالتحويل المسخُ أو تحويلُ الهيئة الحسيَّة أو المعنويَّة أو هما معا.
ت- وحمله آخرون عَلَى ظاهره؛ إذ لا مانع من جَوَاز وقوع ذلك، وقد ورد في بعض الأحاديث ذكر مسخ بعض هذه الأمة قردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة. وهذا ما رجحه ابن حجر رحمه الله.
2. في الحديث التغليظُ في تحريم مسابقة الإِمَام في الرفع من الركوع، ويدخل في النَّهي المسابقةُ في سائر أفعال الصَّلاة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاة، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
أو لا تَرجِع إليهم، أي: وإلا كان جزاء عدم الانتهاء عن رفع الأبصار في الصَّلاة إلى السماء ألا ترجع الأبصار إليهم، أي: يصابون بالعمى.
النَّهي الصريح عن رفع الأبصار إلى السماء في الصَّلاة؛ لأن فيه إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصَّلاة.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قالت: "بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبي ﷺ وَكَانَ النَّبي ﷺ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبي ﷺ الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: "نَامَ الْغُلَيِّمُ؟" أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاة" متفق عليه.
1. غطيطه: الغطيط: الصوت الذِي يخرج مع نَفَس النائم.
2. خطيطه: الخطيط: صوت النائم، وهو دون الغطيط.
١- جَوَاز الاقتداء في النوافل.
٢- أن العمل القليلَ في الصَّلاة للضَّرورة غير مكروه.
٣- أن الوَاحِد يقفُ عَلَى يمين الإِمَام.
٤- جَوَاز بيتوتة الأطفال عند المحارم، وإن كانت عند زوجها.
٥- الإشعار بقسمه ﷺ بين زوجاته.
٦- جَوَاز التصغير عَلَى وجه الشَّفقة، والذكر بالصفة حيث لم يقل: نام عبد الله.
٧- أن صلاة الصبي صحيحة.
٨- أن نومه ﷺ مضطجعًا غير ناقض للوضوء، لأن قلبه لا ينام بخلاف عينيه، وكذا سائر الأنبياء، عليهم الصَّلاة والسَّلام.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قال: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُصَلِّي مَعَ النَّبي ﷺ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأَنَّ مُعَاذًا تناول مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ). ثَلَاثَ مِرَارٍ، أَوْ قَالَ: (فَاتِنًا، فَاتِنًا، فَاتِنًا). وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ" متفق عليه.
فتان: الفتنة هاهنا أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصَّلاة وتكرههم الصَّلاة في الجَمَاعَة.
١- صحة اقتداء المفترض بالمتنفل؛ لأن معاذًا كان ينوي بالأولى الفرضَ وبالثانية النفلَ.
٢- استحباب تخفيف الصَّلاة مراعاةً لحال المأمومين.
٣- أن الحاجة من أمور الدُّنيا عذرٌ في تخفيف الصَّلاة.
٤- جَوَاز إعادة الصَّلاة الواحدة في اليوم الوَاحِد مرَّتيْن.
٥- جَوَاز خروج المأموم من الصَّلاة لعذر.
٦- الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام.
7- اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر.
8- جَوَاز الوقوع في حقِّ من وقع في محذورِ ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم عَلَى من فعل ذلك متأوِّلا.
9- أن التخلُّف عن الجَمَاعَة من صفة المنافق.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ- رضي الله عنهما- قال: "أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوِ النِّساء، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبي ﷺ فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟" أَوْ "أَفَاتِنٌ؟" - ثَلَاثَ مِرَارٍ - "فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
ناضح: ما يستعمل من الإبل في سقي النخل والزرع.
١- استحباب تخفيف الصَّلاة مراعاةً لحال المأمومين.
٢- أن الحاجة من أمور الدُّنيا عذر في تخفيف الصَّلاة.
٣- جَوَاز خروج المأموم من الصَّلاة لعذر.
٤- جَوَاز صلاة المنفرد في المَسْجِد الذِي يصلي فيه بالجَمَاعَة إذا كان بعذر.
٥- الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام.
٦- تعزير كل أحد بحسبه.
٧- جَوَاز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر، وإن كان له عذر باطن؛ للتنفير عن فعله.
٨- أن التخلُّف عن الجَمَاعَة من صفة المنافق.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ " رواه مسلم.
١- الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع، ومراعاة مصلحتهم، وألا يدخل عليهم ما يشق عليهم.
٢- أن صلاة النَّبي ﷺ أكمل صلاة، فليحرص المصلي عَلَى أن يجعل صلاته مثل صلاته؛ ليحظى بالاقتداء، ويفوز بعظيم الأجر.
عن أَبي مَسْعُودٍ البدري-رضي الله عنه- قال: إنَّ رَجُلًا قَالَ: "وَاللَّهِ - يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ) متفق عليه.
إني لأتأخر عن صلاة الغداة: أي: فلا أحضرها مع الجَمَاعَة لأجل التطويل.
١- يسن للإِمام تخفيف القيام والقِرَاءَة في الصَّلاة، ومراعاة ظروف المصلين وأحوالهم.
٢- جَوَاز التأخر عن صلاة الجَمَاعَة إذا علم من عادة الإِمَام التطويل الكثير.
٣- جَوَاز ذكر الإِنسَان بفلان ونحوه في معرض الشكوى.
٤- جَوَاز الغضب لما ينكر من أمور الدين.
٥- جَوَاز الإنكار عَلَى من ارتكب ما يُنهى عنه، وإن كان مكروهًا غير محرم.
٦- التعزير عَلَى إطالة الصَّلاة إذا لم يرض المأموم به وجَوَاز التعزير بالكلام.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ) متفق عليه.
حثُّ الأَئِمَّة على التخفيف في الصَّلاة مراعاةً لأحوال المأمومين.
عن أَنَسِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يُوجِزُ الصَّلاة وَيُكْمِلُهَا".
عن أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاة أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ).
عن أَنَسِ -رضي الله عنه-: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ، مِنَ النَّبي ﷺ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ" متفق عليه.
١- جَوَاز إدخال الصِّبيان إلى المَسَاجِد.
٢- جَوَاز صلاة النِّساء في الجَمَاعَة مع الرِّجال.
٣- شفقة النَّبي ﷺ عَلَى أصحابه، ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير.
٤- أنه لا يتعارض تمام الصَّلاة مع التجوُّز فيها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنِّي لَأَدْخُلُ الصَّلاة أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ، مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
الوجد: الحزن، يعني: من حزنها واشتغال قلبها به.
١-أن من قصد في الصَّلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به.
٢- الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع، ومراعاة مصلحتهم، وألا يدخل عليهم ما يشق عليهم وإن كان يسيرًا من غير ضرورة.
٣- جَوَاز صلاة النِّساء مع الرِّجال في المَسْجِد.
٤- أن الصبي يجوز إدخاله المَسْجِد، وإن كان الأولى تنزيه المَسْجِد عمَّن لا يؤمن منه حدث.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَقَطَ النَّبي ﷺ عَنْ فَرَسٍ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاة، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة، قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَام لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
فجُحش: خُدش.
١- جَوَاز الصَّلاة قاعدًا بلا مرض خلف من يصلي قاعدًا لمرض. وقال بعضهم بوُجُوبه للأمر به.
٢- وُجُوب ائتِمام المأموم بإمامه.
٣- مَشرُوعيَّة ركوب الخيل والتدرُّب عَلَى أخلاقها.
٤- أنه يجوز عليه ﷺ ما يجوز عَلَى البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قَدرُه رفعة، ومنصِبه جلالة.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها- قالت: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ لْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا. متفق عليه.
١- جَوَاز الصَّلاة قاعدًا بلا مرض خلف من يصلي قاعدا لمرض. وقال بعضهم بوُجُوبه للأمر به في الحديث.
٢- وُجُوب ائتمام المأموم بإمامه.
٣- جَوَاز الإشَارة والعمل القليل في الصَّلاة للحاجة.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدُ الله- رضي الله عنهما- قال: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا، فَقَعَدْنَا، فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: (إِنْ كِدْتُمُ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا. ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ، إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
اشتكى: مرض.
١- جَوَاز الصَّلاة قاعدًا بلا مرض، خلف من يصلي قاعدا لمرض. وقال بوُجُوبه للأمر به.
٢- ضرورةِ مخالفةِ غيرِ المُسلِمين في كلِّ أحوالِهم.
٣- النَّهي عن قيام الغلمان والتباع عَلَى رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة.
٤- تَنظيمُ الشَّرعِ لصَلاةِ الجَمَاعَة بما يَحفظُ خُشوعَها ونِظامَها.
عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ، اسْكُنُوا فِي الصَّلاة). قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟) قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: (يُتِمُّونَ الصُّفوف الْأوَّل، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. شُمْس: هي جمع شَموس، وهو النَّفُور من الدَّواب الذِي لا يستقر لشغبه وحِدّته.
2. عِزين: متفرقين.
3. يتمون الصُّفوف: أن يُتم الأوَّل ولا يشرع في الثاني حتى يُتم الأوَّل، ولا في الثالث حتى يُتم الثاني، ولا في الرابع حتى يُتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.
١- النَّهي عن التفرق والأمر بالاجتماع.
٢- الأمر بإتمام الصُّفوف الأوَّل والتراص في الصَّلاة.
٣- الأمر بالسكون في الصَّلاة والخُشُوع فيها والإقبال عليها.
٤- أن الملائكة يصلون، وأن صفوفهم عَلَى هذه الصفة المذكورة في الحديث.
عن أَبي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاة، وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أولو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ). قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا. رواه مسلم.
معاني الكلمات:
أولو الأحلام والنهى، أي: العقلاء، وقيل: البالغون.
١- تَقْدِيم الأفضل فالأفضل إلى الإِمَام؛ لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإِمَام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإِمَام عَلَى السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصَّلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءه.
٢- تسوية الصُّفوف واعتناء الإِمَام بها والحثّ عليها.
٣- أن عدم الاهتمام بتسوية الصُّفوف يؤدِّي إلى اختلاف القلوب.
عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ: يُوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال: تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهة لي، وتغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصُّفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.
وُجُوب إتمام الصُّفوف وتسويتها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ، وَالصَّفِّ الْأوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) متفق عليه.
1. يستهموا: والاستهام: الاقتراع، ومعناه: أنهم لو علموا فَضِيلَة الأذان وقدرها وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه به لضيق الوَقْت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله، ولو يعلمون ما في الصف الأوَّل من الفَضِيلَة نحو ما سبق، وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم، ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه.
2. التهجير: التبكير والمبادرة إلى أوَّل وقت الصَّلاة. وقيل: هو التبكير إلى الصَّلاة في الهاجرة -وهي شدة الحر نصف النهار- وذلك لا يكون إلا في صلاة الظهر أو الجمعة.
1- إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها.
2- الحثّ العظيم عَلَى حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقَّة عَلَى النفس من تنغيص أوَّل نومها وآخره؛ ولهذا كانتا أثقل الصَّلاة عَلَى المنافقين.
3- تسمية العشاء عتمة، وقد ثبت النَّهي عنه، وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذه التسمية بيان للجَوَاز، وأن ذلك النَّهي ليس للتحريم.
والثاني -وهو الأظهر-: أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة؛ لأن العرب كانت تستعمل لفظة العشاء في المغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها عَلَى المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها، وقواعد الشرع متظاهرة عَلَى احتمال أخفِّ المفسدتين لدفع أعظمهما.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: (تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ، أي: عن الصُّفوف الأُول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة، وعن العلم ونحو ذلك.
١- الحثّ عَلَى التبكير في الحضور إلى الصَّلاة.
٢-الحثّ عَلَى تسوية الصُّفوف وإتمامها.
٣- جَوَاز اعتماد المأموم في متابعة الإِمَام الذِي لا يراه ولا يسمعه عَلَى مبلغ عنه، أو صف قدَّامه يراه متابعًا للإمام.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجال أوَّلهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا. وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّساء آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلهَا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. خير صفوف النِّساء آخرها وشرها أوَّلها، أي: صفوف النِّساء اللواتي يصلين مع الرِّجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرِّجال فهن كالرِّجال؛ خير صفوفهن أوَّلها وشرها آخرها.
2. شر الصُّفوف في الرِّجال والنِّساء، أي: أقلها ثوابًا وفضلًا وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه.
١- أن كمال الطاعة مرتبط بأدائها بالضوابط الشرعية.
٢- حثُّ الرِّجال عَلَى المسارعة إلى الطاعات والصُّفوف الأولى في الصلوات، وهو محل الأفضلية لهم.
٣- حثُّ النِّساء عَلَى الوقوف في الصُّفوف الخلفية، أو بالاحتجاب عن الأعين، وهو محل الأفضلية لهن.
٤- فضل آخر صفوف النِّساء الحاضرات مع الرِّجال؛ لبعدهن من مخالطة الرِّجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقول: (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِد إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا). فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. قال الراوي: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. رواه مسلم.
١- الإذن للمرأَة بالصَّلاة في المَسْجِد، إذا أُمنت الفتنة.
٢- تعزير المعترض عَلَى السنة، والمعارض لها برأيه.
٣- تعزير الوالد ولده وإن كان كبيرًا.
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِد، فَلَا تَمَسَّ طِيبًا) رواه مسلم.
١- مَشرُوعيَّة خروج النِّساء للصَّلاة في المَسَاجِد إذا التزمن بالأدب الشرعي لذلك.
٢- أن كمال الطاعة مرتبط بأدائها بالضوابط الشرعية.
٤- نهيُ النِّساء عن التعطُّر عند الخروج إلى الصَّلاة.
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَة زَوْجَ النَّبي ﷺ تَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّساء لَمَنَعَهُنَّ المَسْجِد، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. متفق عليه.
في الحديث تحذير النِّساء من الخروج إلى المَسَاجِد بالزينة والطيب وحسن الثياب.
عن أَبي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأولى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأولى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ" متفق عليه.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَة الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ" رواه مسلم.
عَنْ أَبِي قتادة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رواه مسلم.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً - أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ - وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأوَّليَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَة خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. رواه مسلم.
معاني الكلمات:
نَحْزِرُ: نقدر
بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في الصَّلاة.
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ، فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى المَسْجِد وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الرَّكْعَةِ الأولى" رواه مسلم.
1- بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في الصَّلاة.
2- قال العلماء في الجمع بين هذه الروايات أنَّه وقع الجميع من النَّبي ﷺ وأنه كان يختلف باختلاف الأوقات والأشغال والنشاط والفتور والإقبال في الصَّلاة بالقلوب والإدبار، والله أعلم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرُوا مِنْ صَلَاتِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ لَهُ مَا عَابُوهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الصَّلاة، فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، إِنِّي لَأَرْكُدُ بِهِمْ فِي الْأوَّليَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ أَبَا إِسْحَاقَ". متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. أخرم عنها: أنقص عنها.
2. أركد: أطيل.
3. أحذف: أخفف.
من فوائد الحديث:
بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في الصَّلاة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ-رضي الله عنه- قال: "صَلَّى لَنَا النَّبي ﷺ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَوْ ذَكَرَ عِيسَى أَخَذَتِ النَّبي ﷺ سَعْلَةٌ، فَحَذَفَ فَرَكَعَ. رواه مسلم.
عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبي ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} رواه مسلم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا. رواه مسلم.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. سعلة: بفتح أوَّله من السعال ويجوز الضم، وهو صوت يكون من وجع الحلق واليبوسة فيه، والمعروف عندنا بالكُحَّة.
2. حذف: ترك القِرَاءَة.
بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في صلاة الصبح.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قال: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ، وَهُوَ يَقْرَأُ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. ثُمَّ مَا صَلَّى لنا بَعْدُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. متفق عليه.
عن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ}{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. متفق عليه.
١- بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في صلاة المغرب.
٢- قوة سلطان القرآن عَلَى قلوب من يسمعه.
عن الْبَرَاءِ بن عازب-رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ - أَوْ قِرَاءَة. متفق عليه.
بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في صلاة العشاء.
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما- كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاة كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ. متفق عليه.
عَنْ عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاة، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أيضًا، وَقَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ). وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجود. متفق عليه.
استحباب رفع اليدين عند التكبير في تلك المواضع وعدم رفعهما في السُّجود.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيرَة -رضي الله عنه- كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاة كُلَّمَا رَفَعَ وَوَضَعَ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيرَة، مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ متفق عليه.
١- استحباب التكبير في انتقال بين أفعال الصَّلاة.
٢- نشر السُّنة بين الناس قولًا وفعلًا وتربيتهم عليها.
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَبْلُغُ بِهِ النَّبي ﷺ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) متفق عليه.
١- وُجُوب قِرَاءَة الفاتحة في كل ركعة في الصَّلاة.
٢- أن قِرَاءَة الفاتحة واجبة عَلَى الإِمَام والمأموم والمنفرد.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ - ثَلَاثًا - غَيْرُ تَمَامٍ)، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيرَة: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَام، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاة بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ اللَّهُ تعالى: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ اللَّهُ تعالى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. خِدَاج: ناقصة غير تامة.
2. قسمت الصَّلاة: المراد بالصَّلاة: الفاتحة، سُمِّيت بذلك لأن الصَّلاة لا تصح إلا بها.
١- وُجُوب قِرَاءَة الفاتحة بعينها في الصَّلاة.
٢- أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأنها سبع آيات بالإجماع، فثلاث في أوَّلها ثناء، أوَّلها {الحمد لله}، وثلاث دعاء، أوَّلها {اهدنا الصراط المستقيم}، والسابعة متوسطة وهي {إياك نعبد وإياك نستعين}؛ ولأنه سبحانه وتعالى قال: "قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} فلم يذكر البسملة، ولو كانت منها لذكرها.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَة إِسْكَاتَةً، قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ" متفق عليه.
هُنَيَّة: الوَقْت اليسير.
١- استحباب الاستفتاح في الصَّلاة بهذا الدعاء.
٢- ما كان الصَّحابة عليه من المحافظة عَلَى تتبع أحوال النَّبي ﷺ في حركاته وسكناته، وإسراره وإعلانه، حتى حفظ الله بهم الدين.
٣- كمال عبودية النَّبي ﷺ بذكره لهذا الدعاء العظيم، وهو الذِي غَفَرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر.
عن عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما- قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَقَالَ: (أَيُّكُمْ قَرَأَ خَلْفِي بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعَلَى}؟" فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
خالجنيها: نازعني قراءتها.
١- النَّهي عن الجهر ورفع الصوت بالقِرَاءَة بحيث يسمع غيره.
٢- مَشرُوعيَّة قِرَاءَة السورة في الصَّلاة السرية بعد الفاتحة.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبي ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِــ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لَا يَذْكُرُونَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي أوَّل قِرَاءَة وَلَا فِي آخِرِهَا. متفق عليه.
١- أن البسملة ليست من الفاتحة.
٢- عدم الجهر بالبسملة وهذا الثابت كما في الحديث المذكور أعلاه، وقد جاء عن أبي هُرَيرَة ما يدلُّ عَلَى أنه قد يجهر بها؛ لأنَّ أبا هُرَيرَة جهر بالبسملة، فلما صلى قال: إني أشبهكم صلاة برسول الله ﷺ، فاحتج بهذا بعض الناس عَلَى أنه يجهر بها، ولكن ليس حديثًا صريحًا في ذلك، ولو ثبت التنصيص عَلَى ذلك فيحمل عَلَى أنه كان في بعض الأحيان والأكثر منه ﷺ أنه كان لا يجهر جمعًا بين الروايات، فالأفضل والأولى عدم الجهر إلا إذا فعله الإِنسَان بعض الأحيان ليعلم الناس أنها مشروعة.
عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: "بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي المَسْجِد إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ)، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}. ثُمَّ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟) فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ). متفق عليه.
١- البسملة في أوائل السور من القرآن.
٢- جَوَاز النَّوم في المَسْجِد.
٣- جَوَاز نوم الإِنسَان بحضرة أصحابه.
٤- أنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسمًا أو غيره مما يقتضي حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه.
٥- إثبات الحوض، والإيمان به واجب.
عن وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "رَأَيتُ النَّبي ﷺ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلاة حِيَالَ أُذُنَيْهِ فكَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ اليُمنى عَلَى اليُسرى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
١- أن العمل القليل في الصَّلاة لا يُبطلها.
٢- استحباب رفع يديه عند الدخول في الصَّلاة وعند الركوع وعند الرفع منه.
٣- استحباب كشف اليدين عند الرفع ووضعهما في السُّجود عَلَى الأرض حذو منكبيه.
٤- استحباب وضع اليُمنى عَلَى اليُسرى بعد تكبيرة الإحرام، ويجعلهما تحت صدره فوق سرته.
5- قال العلماء: الحكمة في وضع إحداهما عَلَى الأخرى أنه أقرب إلى الخُشُوع ومنعهما من العبث، والله أعلم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَام فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاة: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
١- استحباب التأمين عقب الفاتحة للإمام، والمأموم، والمنفرد، وأنه ينبغي أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإِمَام لا قبله ولا بعده.
٢- فضل موافقة تأمين المأموم لتأمين إمامه.
٣- فضل الإِمَام؛ فإن تأمينه موافقٌ لتأمين الملائكة؛ ولهذا شرعت موافقة المأمومين له فيه، بخلاف غيره.
٤- فضل الله تعالى، وكرمه؛ حيث جعل غفر الذنوب الصغائر مرتبًا عَلَى موافقة الإِمَام في التأمين.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ). فَاشْتَدَّ قوله: فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: (لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) متفق عليه.
١- تحريم رفع البصر عمدًا في أثناء الصَّلاة لغير حاجة؛ لأن هذا الوعيد لا يكون إلا عَلَى ارتكاب معصية.
٢- أن من آداب النصيحة في المجالس العامة عدم التعيينِ أو توجيهِ الخطاب المباشر؛ لما فيه من الاستفزاز المؤدي إلى عدم قبول النصيحة.
٣- أن من الحكمة في النصح التشديد في التحذير إذا تطلب الأمر ذلك.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاة، فَقَالَ: (هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيطان مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ) رواه البخاري.
اختلاس، أي: اختطاف بسرعة.
1.سمِّي اختلاسًا تصويرًا لقُبح تلك الفعلة بالمختلَس؛ لأن الشَّيطان يفوت عليه إقبال الله عليه في صلاته إذا التفت المصلي فيها.
2.كراهة الالتفات في الصَّلاة، أما إذا انصرف عن القبلة يمينًا أو شمالًا ببدنه فقد بطلت صلاته؛ لأنه أخلَّ بشرط استقبال القبلة.
عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاة مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بِـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبي ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: (يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟" فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري.
١- فضل سورة الإخلاص.
٢- جَوَاز قراءتها في كلِّ ركعة.
٣- استحباب تَقْدِيم الأقرإِ في الإِمَامة.
عنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا قَالَ الإِمَام سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قوله: قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا قَالَ الإِمَام سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قوله: قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
١- فضل قول: "اللهم ربنا لك الحمد"، وأنه سببٌ في الغفران.
٢- أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول، ويستغفرون له ويحضرون الدعاء والذكر.
3- أن الملائكة يحضرون الصَّلاة في الجماعات، ويدعون ويستغفرون للمصلين.
4- الإرشاد إلى متابعة الإِمَام في صلاة الجَمَاعَة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى كان النَّبي ﷺ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد: استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب وغيرها.
2. ماء البارد: هو من إضافة الموصوف إلى صفته كقوله تعالى: {بجانب الغربي}، وقولهم: مسجد الجامع.
3. كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ: اللهم طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ.
١- بيان دعاء النَّبي ﷺ بعد الرفع من الركوع.
٢- خشوع النَّبي ﷺ وتذلله لله تعالى، وطلبه المغفرة منه سبحانه.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ - اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. أحق ما قال العبد، فيه دليل ظاهر عَلَى فَضِيلَة هذا اللفظ؛ فقد أخبر النَّبي ﷺ الذِي لا ينطق عن الهوى أن هذا أحق ما قاله العبد، فينبغي أن يُحافظ عليه؛ لأننا كلنا عباد لله تعالى، ولا نهمله وإنما كان أحق ما قاله العبد لما فيه من التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الخير والشر منه، والحثّ عَلَى الزهادة في الدُّنيا والإقبال عَلَى الأعمال الصالحة.
2. الجَد: بالفتح وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان، أي: لا ينفع ذا الحظ في الدُّنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه، أي: لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح، كقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدُّنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك}.
بيان الهدي النبوي في الصَّلاة عند الرفع من الركوع.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". متفق عليه.
قوله: (فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ)، أي: نحّى كلَّ يد عن الجنب الذِي يليها، وقيل في الحكمة من استحباب هذه الهيئة في السُّجود:
أ- أنه يخفف بها اعتماده عَلَى وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذى بملاقاة الأرض.
ب- أنه أشبهُ بالتواضع وأبلغُ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان.
ت- أنه يظهر كل عضو بنفسه، ويتميز حتى يكون الإِنسَان الوَاحِد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد عَلَى غيره، وفي حديث ابن عمر بإسناد صحيح أن رسول الله ﷺ قال: (لا تفترش افتراش السَّبُع، وادَّعم عَلَى راحتيك وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كلُّ عضو منك).
عن مَيْمُونَةَ- رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
البهمة: الصغير من أولاد الغنم ذكرًا كان أو أنثى.
١- مباعدة اليدين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في حالة السُّجود.
٢- أن هذه الهيئات أقرب إلى الخُشُوع، وأمكن في التواضع.
٣-عناية أمهات المؤمنين بنقل صفة عبادة النَّبي ﷺ، وتبليغها للأمة.
عن مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبي ﷺ قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ- يَعْنِي جَنَّحَ- حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذِهِ اليُسرى" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. خَوَّى بِيَدَيْهِ: باعد عضديه عن جنبيه.
2. وضح إبطيه: بياضهما.
3. وإذا قعد اطمأن عَلَى فخذه اليُسرى يعني: إذا قعد بين السجدتين أو في التشهد الأوَّل، وأما القعود في التشهد الأخير فالسنة فيه التورك كما رواه البخاري وغيره من حديث أبي حميد الساعدي وغيره.
بيان الهدي النبوي في السُّجود والجلوس بين السجدتين والتشهد الأوَّل.
عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ- رضي الله عنهما- قال: رَمَقْتُ الصَّلاة مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ، وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ" متفق عليه.
وفي رواية البخاري قال: "كانَ رُكُوعُ النَّبي ﷺ وسُجُودُهُ وبيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ما خَلا القِيامَ والقُعُودَ قَرِيبًا مِنَ السَّواءِ"
معاني الكلمات:
1- قريبًا من السواء، أي: أن الزمن الذِي يستغرقه ﷺ في هذه الأركان متقارب يكاد يكون متساويًا، ما عدا القيام والقعود، أي: كان يطيلهما عن غيرهما؛ وإنما كان يطيل القيام للقِرَاءَة، والقعود للتشهد.
استحباب الطمأنينة والاعتدال في الركوع.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأوَّلهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
دقه وجله، أي: صغيره وكبيره.
١- توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه وإن أغنى بعضها عن بعض.
٢- استحباب قول هذا الدعاء في السُّجود.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي). يَتَأوَّل الْقُرْآنَ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. يتأوَّل القرآن: يفعل ما أمره الله به في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره).
2. وبحمدك، أي: وبحمدك سبحتك، أي: بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك لا بحولي وقوتي.
١- شُكر الله تعالى عَلَى نعمة التوفيق للطاعة والاعتراف بها، والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له.
٢- استحباب الإتيان بهذا الذكر في الركوع والسُّجود.
٣- إباحة الدعاء في الركوع وإباحة التسبيح في السُّجود.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ). قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقوله؟ قَالَ: (جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ})، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ رواه مسلم.
١- عظم عبوديته ﷺ وإذعانه وافتقاره إلى الله تعالى مع أنه مغفور له.
٢- استحباب قول هذا الدعاء في السُّجود.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها- قالت: "افْتَقَدْتُ النَّبي ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَتَحَسَّسْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ، يَقُولُ: (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ). فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنِّي لَفِي شَأْنٍ، وَإِنَّكَ لَفِي آخَرَ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
فتحسَّسْتُ، أي: جعلت تطلبه بيدها باحثة عنه؛ وذلك لأن الظلام يعم الحجرة.
١- بيان هدي النَّبي ﷺ واهتمامه بالقيام والصَّلاة لله في جوف الليل.
٢- حصول الغيرة بين الضرائر؛ حتى عند الفضليات الصالحات وأمهات المؤمنين.
عن عَائِشَة- رضي اللّه عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. سبوح: المبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية.
2. وقدوس: المطهر من كل ما لا يليق بالخالق.
3. الروح: مختلف في تفسيرها، فإنها تصدق عَلَى الروح التي بها قوام حياة الأحياء، والروح تصدق عَلَى جبريل عليه السَّلام، أو هي ملائكة معينة.
استحباب قول هذا الدعاء في الركوع والسُّجود.
عن مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجود لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً). قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ. رواه مسلم.
١- الحثّ عَلَى كثرة السُّجود، والترغيب فيه؛ وذلك بإطالة السُّجود وكثرة الصَّلاة.
٢- بيان حرص الصَّحابة والتابعين عَلَى السُّؤال عن معالي الأمور، وما يدخل الجنة.
عن رَبِيعَةَ بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قال: "كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: (سَلْ). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجود) رواه مسلم.
١- الحثّ عَلَى كثرة السُّجود، والترغيب فيه، وذلك بإطالة السُّجود وكثرة الصَّلاة.
٢- بيان حرص الصَّحابة عَلَى السُّؤال عن معالي الأمور وما يدخل الجنة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
نَكْفِتَ: الكفت هو الجمع والضم. والمراد ألا يضم شعره أو ثوبه عن الأرض.
١- أن أعضاء السُّجود سبعة، وأنه ينبغي للسَّاجد أن يسجد عليها كلها.
٢- أن الجبهة والأنف عضو واحد.
٣- كراهة كف الثوب والشعر عند السُّجود ليكون الجميع ساجدًا لله تعالى. ويقاس عليه عند بعض العلماء المشلح والشماغ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأْسِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
معقوص: عَقَص شعره: ضفره ولواه عَلَى رأسه.
١- كراهية جمع الشعر ولمِّه أثناء الصَّلاة ومثله الثياب.
٢- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأن ذلك لا يؤخر.
٣- أن المكروه ينكر كما ينكر المحرم.
٤- أن من رأى منكرًا وأمكنه تغييره بيده غيره بها.
٥- أن خبر الوَاحِد مقبول.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجود، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ) متفق عليه.
عَنِ الْبَرَاءِ بن عازب - رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. اعتدلوا: اجعلوا سجودكم في الصَّلاة في اعتدال بالاعتماد عَلَى الرجلين والركبتين واليدين والوجه.
2. ولا يبسط أحدكم: أي: لا يمد ذراعيه، أي: عَلَى الأرض عند السُّجود بمثل، انبساط الكلب، وهو: وضع الكفين مع المرفقين عَلَى الأرض.
1. كراهية بسط الكفين مع اليدين عَلَى الأرض حال السُّجود.
2. بيان كيفية السُّجود في الصَّلاة وكيفية وضع اليدين في السُّجود.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ اليُسرى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمنى. وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيطان، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ. وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاة بِالتَّسْلِيمِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. عقبة الشَّيطان: نصب القدمين والقعود عَلَى العقبين مع وضع اليدين عَلَى الأرض، وهو المسمى في بعض الأحاديث بإقعاء الكلب.
2. افتراش السبع: هو أن يبسط ذراعيه في السُّجود ولا يرفعهما عن الأرض.
١- أن السنة للراكع أن يسوي ظهره بحيث يستوي رأسه ومؤخره.
٢- وُجُوب الاعتدال إذا رفع من الركوع.
٣- وُجُوب الجلوس بين السجدتين.
٤- كراهية الإقعاء في الصَّلاة.
٥- وُجُوب التسليم في آخر الصَّلاة.
عن الْبَرَاءِ بن عازب - رضي الله عنهما- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ). لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَقَعَ النَّبي ﷺ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ" متفق عليه.
1- أن السنة ألا ينحني المأموم للسُّجود حتى يضع الإِمَام جبهته عَلَى الأرض إلا أن يعلم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإِمَام من السُّجود قبل سجوده
2- السنة للمأموم التأخر عن الإِمَام قليلًا بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: "كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجود فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. لم يَبْقَ مِن مبشِّرات النُّبوَّةِ أي: لم يَبقَ مِن بَعْد انقطاعِ الوحي بموتِ النَّبي ﷺ إلَّا الرُّؤيا، أي: ما يرى الإِنسَان في منامِه، يراها المسلِمُ أو تُرى له، أي: يُريها اللهُ لعبدِه رِفقًا به؛ وتكون واضحةً للعبدِ، وربَّما كان فيها بِشارةٌ أو تنبيهٌ عن غَفلةٍ، وما شابَه ذلك.
2. قَمِن أن يستجاب: حقيق وجدير أن يستجاب.
١- النَّهي عن قِرَاءَة القرآن في الركُّوع والسُّجود، وإنما وظيفة الركوع التسبيح، ووظيفة السُّجود التسبيح والدعاء.
٢- الحثّ عَلَى الدعاء في السُّجود، فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح.
٣- أن الرؤيا من المبشرات سواء رآها المسلم أو رآها غيره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الصَّلاة فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ. فَقَالَ: (أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟) متفق عليه.
١- جَوَاز الصَّلاة في ثوب واحد.
٢- الإشَارة إلى حال النَّبي ﷺ وأصحابه- رضي الله عنهم- من الفقر وقلة ذات اليد.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِد لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
لا: نافية، وهو خبر بمعنى النَّهي.
نهي من صلى في ثوب واحد عن أن يجرد عاتقيه بحيث لا يضع عليهما شيئًا يسترهما، والعاتق ما بين الكتف والعنق؛ وهذا النَّهي لأن العاتقين وإن لم يكونا عورة، إلا أن سترهما أمكن في ستر العورة؛ لأنه إذا ائتزر بالثوب ليس عَلَى عاتقيه شيء لم يأمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه عَلَى عاتقه، وهو أقرب إلى إجلال الله تعالى.
عن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أوَّل؟ قَالَ: (المَسْجِد الْحَرَامُ). قال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (المَسْجِد الْأَقْصَى). قال: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاة فَصَلِّ، فَهُوَ مَسْجِدٌ). وَفِي رواية: (ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاة فَصَلِّهْ، فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
فصله، أي: فصلِّ وبهاء ساكنة وهي هاء السكت.
١- جَوَاز الصَّلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع.
٢- الإشَارة إلى المحافظة عَلَى الصَّلاة في أوَّل وقتها.
عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ- رضي الله عنهما- قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي ﷺ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا صَلَّى النَّبي ﷺ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُمْ، فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ" متفق عليه.
١- شرف النَّبي ﷺ وكرامته عَلَى ربه؛ حيث يعطيه ما يحبه من غير سؤال.
٢- بيان ما كان من الصَّحابة في الحرص عَلَى دينهم، والشَّفقة عَلَى إخوانهم.
٣- قبول خبر الواحد.
عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها-: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ-رضي الله عنهما- ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ أوَّلئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أوَّلئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
١- جَوَاز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب.
٢- وُجُوب بيان حكم ذلك عَلَى العالم به.
٣- ذمُّ فاعل المحرمات.
٤- الإشَارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدًا.
عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ الذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). قَالَتْ: "فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا" متفق عليه.
١- ذم اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد.
٢- مَشرُوعيَّة سد الذرائع المفضية إلى المحرمات.
عن جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: (إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تعالى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. أبرأ: أمتنع من هذا وأنكره.
2. الخليل هو المنقطع إليه، وقيل: المختص بشيء دون غيره، قيل: هو مشتق من "الخلة" -بفتح الخاء -وهي الحاجة، وقيل من "الخلة" -بضم الخاء -وهي تخلل المودة في القلب، فنفى ﷺ أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى، وقيل: الخليل: من لا يتسع القلب لغيره.
١-إثبات الخلة لمحمد ﷺ، كما أنها ثابتة لإبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام.
٢-بيان ما كان عليه النَّبي ﷺ من شدة العناية في تحذير أمته من الوقوع في الشرك حتى في آخر لحظة من حياته.
٣- الإشادة بفضل الصِّدِّيق رضي الله عنه.
٤- التحذير من الغلو في الصالحين لإفضائه إلى الشرك.
عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال النَّبي ﷺ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. مثله، فيها قولان:
أحدهما: بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها؛ أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عَلَى قلب بشر.
الثاني: أن فضله عَلَى بيوت الجنة كفضل المَسْجِد عَلَى بيوت الدُّنيا.
بيانُ الفضل العظيم لبناء المَسَاجِد ابتغاءَ وجهِ الله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ "أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا متفق عليه".
معاني الكلمات:
مختصرًا: الاختصار هو: وضع اليد عَلَى الخاصرة وهي وسط الجسم في الصَّلاة.
النَّهي عن الهيئات المستقبحة والمنافية للخشوع في الصَّلاة.
عَنْ مُعَيْقِيبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: ذَكَرَ النَّبي ﷺ الْمَسْحَ فِي المَسْجِد -يَعْنِي: الْحَصَى- قَالَ: (إِنْ كُنْتَ لَابُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً) متفق عليه.
كراهة الإكثار من الحركة في الصَّلاة؛ لأنها تذهب الخُشُوع.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ المَسْجِد، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ؟ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ، فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا)، فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ أَبُو هُرَيرَة: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَرُدُّ ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ" متفق عليه.
١- تعظيم المَسَاجِد وتنزيهها عن الأقذار والنَّجَاسات وعما لا يليق.
٢- الإشَارة إلى حقيقة مقام الإحسان باستحضار العبد قرب الله تعالى منه، ومشاهدة الله إياه واطلاعه عليه.
٣- إكرام القبلة وتنزيهها.
٤- طهارة البزاق.
٥- فضل الميمنة عَلَى الميسرة.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي المَسْجِد لَا تُدْفَنُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
النخاعة: البُصاق من أقصى الفم.
١- الترغيب في تنظيف المَسَاجِد مما يحصل فيها من القمامات القليلة.
٢- أن الذم لا يختص بصاحب النخاعة- وإن كان إثمه أكثر- بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها، فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المَسْجِد، بل به وبتركها غير مدفونة.
٣- أنه لا يجوز أن يحتقر من البر شيء، ولا يستصغر من الإثم شيء وإن قل.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) متفق عليه.
عن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ) متفق عليه.
١- نهي من أكل ثومًا أن يقرب المَسَاجِد؛ لئلَّا يؤذي الملائكة والمصلين.
٢- يلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها.
٣- قاس العلماء عَلَى هذا مجامع الصَّلاة غير المَسْجِد، كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى زَرَّاعَةِ بَصَلٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَنَزَلَ نَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَكَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ آخَرُونَ، فَرُحْنَا إِلَيْهِ، فَدَعَا الذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا الْبَصَلَ، وَأَخَّرَ الْآخَرِينَ حَتَّى ذَهَبَ رِيحُهَا" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
زرّاعة: هي بفتح الزاي وتشديد الراء، وهي الأرض المزروعة.
١- كراهةُ أكل البصل لمن يحضر المَسَاجِد ومجامع الناس.
٢- أن الحكم يدور مع علَّته وجودًا وعدمًا؛ فعلةُ النَّهي هي الريح المؤذية؛ فإذا ذهبت الريح انتفى النَّهي.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِد فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ المَسَاجِد لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ينشد: يطلب ويعرِّف برفع الصوت.
2. الضالة: الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان وغيره.
النَّهي عن نشد الضَّالة في المَسْجِد، ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيطان، فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
لبس: خلط عليه أمر صلاته وشوش عليه.
التحذير من الشَّيطان ووسوسته؛ فإنه يترصد المؤمن عند الطاعات حتى يشغله عنها.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ-رضي الله عنه- قال: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ" متفق عليه.
أن المصلي إذا كان سهوه في الصَّلاة بسبب النقص يسجد سجدتين قبل السَّلام.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ليَبنِ عَلَى ما استيقَن أي: المتيقن به وهو الأقل؛ فالثلاث هو المتيقن، والشك والتردد، إنما هو في الزيادة، فيبني عَلَى المتيقن لا عَلَى الزائد الذِي يشك فيه، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.
2. فإن كان صلَّى خمسًا: فإن كان ما صلَّاه في الواقع أربعًا فصار خمسًا بإضافة ركعة أخرى إليه شفعن له، أي: للمصلي، يعني: شفعت الركعات الخمس صلاة أحدكم بالسجدتين.
3. وإن كان صلَّى إتماما لأربع: إن صلى ما شك فيه حال كونه متممًا للأربع، فيكون قد أدى ما عليه من غير زيادة ولا نقصان. وكانتا أي: السجدتان، ترغيمًا للشيطان أي: دحرًا له ورميًا له بالرغام وهو التراب؛ فإن الشَّيطان لبس عليه صلاته، وتعرض لإفسادها ونقصها، فجعل الله تعالى للمصلي طريقا إلى جبر صلاته، وتدارك ما لبسه عليه، وإرغام الشَّيطان، ورده خاسئًا مبعدا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم لما امتثل أمر الله تعالى الذِي عصى به إبليس، من امتناعه من السُّجود.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَادَ، أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاة شَيْءٌ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟). قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. فَقَالَ: (إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاة شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) متفق عليه.
١- اشتراط استقبال القبلة لسجود السهو كالصَّلاة.
٢- جَوَاز النسخ عند الصَّحابة، وأنهم كانوا يتوقعونه.
٣- وقوع السهو من الأنبياء، عليهم الصَّلاة والسَّلام، في الأفعال، وهذا غير مخل بمقام النبوة أو بشيء من الشريعة بل فيه تشريع لما يفعل في هذه الحالات.
٤- أن سجود السهو سجدتان.
٥- رجوع الإِمَام إلى قول المأمومين.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، إِمَّا الظُّهْرَ، وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ المَسْجِد، فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ: قُصِرَتِ الصَّلاة، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُصِرَتِ الصَّلاة أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبي ﷺ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ: (مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟) قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ. متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. العشي: ما بين زوال الشمس عن وسط السماء وغروبها، والمراد بصلاتي العشي: الظهر والعصر.
2. سَرَعَانُ النَّاسِ: هم أوائل الناس خروجًا من المَسْجِد، وهم أصحاب الحاجات غالبًا.
١- جَوَاز أن يأخذ الإِمَام إذا شك بقول الناس.
٢- أن اليقين لا يترك إلا باليقين؛ لأن ذا اليدين كان عَلَى يقين أن فرضهم الأربع، فلما اقتصر فيها عَلَى اثنتين سأل عن ذلك، ولم ينكر عليه سؤاله.
٣- أن الظن قد يصير يقينًا بخبر أهل الصدق، وهذا مبني عَلَى أنه ﷺ رجع لخبر الجَمَاعَة.
٤- جَوَاز التعريف باللقب إذا اشتهر به ولم يكن فيه ما يغضب صاحبه.
٥- جَوَاز النسيان في الأفعال والعبادات عَلَى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه.
٦- أن الوَاحِد إذا ادَّعى شيئًا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا عنه، ولا يعمل بقوله: من غير سؤال.
٧- إثبات سجود السهو، وأنه سجدتان، وأنه يكبر لكل واحدة منهما، وأنهما عَلَى هيئة سجود الصَّلاة.
٨- أنه يسلم من سجود السهو، وأنه لا تشهد له.
٩- أن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السَّلام.
١٠-أن كلام الناسي للصَّلاة والذِي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ متفق عليه.
استحباب سجود التلاوة لكل من سمع القارئ.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قرأ النَّبي ﷺ (وَالنَّجْمِ) فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ، غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. متفق عليه.
قرأ النَّبي ﷺ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد معه ﷺ، أي: من كان حاضرًا قراءته من المسلمين والمشركين والجن والإنس، فأخذ رجل من القوم الحاضرين كفًّا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فلقد رأيته، أي: الرجل المتكبر بعد قتل كافرًا.
١- مَشرُوعيَّة السُّجود سجدة واحدة عند قِرَاءَة أي آية من آيات السُّجود التي حددتها السنة.
٢- مَشرُوعيَّة السُّجود في (سورة النجم).
٤- أثر القرآن الكريم عَلَى المشركين وانبهارهم بجلاله وبلاغته وفصاحته.
عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَرَأْتُ عَلَى النَّبي ﷺ (وَالنَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا" متفق عليه.
عدم وُجُوب السُّجود للتلاوة وأنه يجوز تركه أحيانًا.
عن أَبو هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "سَجَدْنَا مَعَ النَّبي ﷺ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وَ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} متفق عليه.
مَشرُوعيَّة سجود التلاوة في سورتي الانشقاق والعلق.
1- عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلاة جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسرى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمنى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسرى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسرى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمنى عَلَى فَخِذِهِ اليُمنى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ. رواه مسلم.
٢- عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما – قال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ اليُسرى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسرى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمنى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمنى، وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. رواه مسلم.
٣- عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ اليُمنى عَلَى فَخِذِهِ اليُمنى، وَيَدَهُ اليُسرى عَلَى فَخِذِهِ اليُسرى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى، وَيُلْقِمُ كَفَّهُ اليُسرى رُكْبَتَهُ. رواه مسلم.
معاني الكلمات:
عَقَدَ ثَلَاثَة وَخَمْسِينَ: يقبض الوسطى والبنصر والخنصر، ويضع رأس إبهامه عَلَى حرف مفصل الوسطى الأوسط.
١- استحباب وضع اليدين عَلَى الركبتين حال الجلوس للتشهد.
٢- استحباب الإشَارة بالإصبع عند الدعاء في التشهد. ولها صفتان:
الأولى: أن يعقد الخنصر والبنصر، ويرسل السبابة، ويحلق الإبهام والوسطى. وقد وردت في حديث وائل بن حجر في سنن النسائي.
والثَّانية: أن يقبض جميع الأصابع إلا السبابة، ويجعل الإبهام عَلَى الوسطى. ويدل عليها هذه الأحاديث المذكورة.
عن سعد بن أبي وقاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ" رواه مسلم.
أن النَّبي ﷺ كان يبالغ في الالتفات وهو يسلم من الصَّلاة.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: "كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالتَّكْبِيرِ" متفق عليه.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قال: "إنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبي ﷺ وَكُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" متفق عليه.
يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وحمل بعضهم هذا الحديث عَلَى أنه جهر وقتًا يسيرًا حتى يعلمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا دائما.
عن ثَوْبَانَ-رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلام وَمِنْكَ السَّلام، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)". قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. رواه مسلم.
بيان الهدي النبوي في الأذكار بعد الصَّلاة، وفيه دليل عَلَى أن الاستغفار ليس من الذنوب فقط بل يكون جبرا للطاعة والتقصير فيها.
عن الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: كان رَسُولُ-اللَّهِ ﷺ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاة وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) متفق عليه.
الجد: الحظ والغنى، والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غناه.
1. بيان الهدي النبوي في الأذكار بعد الصَّلاة المكتوبة.
2. الدعاء الوارد في هذا الحديث اشتمل عَلَى توحيد الله، ونفى الشريك معه، وإثبات الملك المطلق، والحمد الكامل والقدرة التامة له سبحانه وتعالى، كما أن فيه توحده بالتصرف والقهر، وأن كل شيء بيده، فقد جمع توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات.
عن ابْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه – أنه كان يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ. رواه مسلم.
بيان الهدي النبوي في الأذكار بعد الصَّلاة المكتوبة.
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ-رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ-أَوْ فَاعِلُهُنَّ- دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً) رواه مسلم.
1. معقبات أي: كلمات تقال بعد الصَّلاة تأتي بعضها عقب بعض.
2. لا يخيب: لا يخسر ولا يندم ولا يحرم من ثواب هذه الكلمات.
فَضِيلَة الذكر المسنون بعد الصلوات المكتوبات.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ). فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ" متفق عليه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-عَنْ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ.
وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ؟ قَالَ: (يَأْتِي أَحَدَكُمْ -يَعْنِي: الشَّيطان -فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقوله، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقوله). رواه أبو داود وصححه الألباني.
بيان إحدى صيغ التسبيح بعد الصَّلاة المكتوبة.
عَنْ أَنَسٍ-رضي الله عنه-أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، فَدَخَلَ الصَّفَّ، وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاتَهُ، قَالَ: (أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟) فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: (أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ ). فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ، فَقُلْتُهَا. فَقَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا) رواه مسلم.
1. وقد حَفَزَه النفس: ضغطه لسرعته.
2. أرم: سكت.
١- فضل الذكر والثناء عَلَى الله عز وجل.
٢- استحباب الاستفتاح بهذه الصيغة في الصَّلاة.
عن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-قال: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟). قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ). قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ذَلِكَ" رواه مسلم.
١-أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضًا.
٢- استحباب الاستفتاح بهذه الصيغة في الصَّلاة.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: "دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. قَالَتْ: فَكَذَّبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.- فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. فَقَالَ: (صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ). قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. متفق عليه.
معاني الكلمات:
وَلَمْ أُنْعِمْ: لم تطب نفسي أن أصدقهما.
١- أن عذاب القبر حق، وأنه ليس بخاص بهذه الأمة.
٢- التحديث عن أهل الكتاب إذا وافق قول الرسول ﷺ.
٣- التوقف عن خبرهم حتى يعرف أصدق هو أم كذب.
٤- التعوذ من عذاب القبر عقيب الصَّلاة؛ لأنه وقت إجابة الدعوة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) متفق عليه.
استحباب الاستعاذة من هذه الأربع في الصَّلاة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلاة خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: السَّلام عَلَى اللَّهِ، السَّلام عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلام، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاة، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلام عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا قَالَهَا: أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) متفق عليه.
١- استحباب الدعاء في آخر الصَّلاة قبل السَّلام.
٢- أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدُّنيا ما لم يكن إثمًا.
٣- أن الألف واللام داخلتين عَلَى الجنس تقتضي الاستغراق والعموم ومنه قوله:
(عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا قَالَهَا: أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْض).
٤- غنى الله سبحانه وتعالى عن الحاجة لما يحتاجه المخلوق.
٥- استحباب البداءة بالنفس في الدعاء (السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ).
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلام عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ: قال النووي (676) رحمه الله: "تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت اختصارا وهو جائز معروف في اللغة".
١- عنايته ﷺ بتعليم أصحابه أمور دينهم.
٢- الإشَارة إلى وُجُوب التشهد في الصَّلاة.
٣- مَشرُوعيَّة هذه الصيغة في التشهد. قال النووي: اتفق العلماء عَلَى جَوَاز جميع التشهدات الثابتة من وجه صحيح.
عن أَبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ تعالى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلام كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
اللهم، أي: يا الله، والميم عوض عن حرف النداء.
والسَّلام كما قد علمتم: قد أمركم الله تعالى بالصَّلاة والسَّلام علي، فأما الصَّلاة فهذه صفتها، وأما السَّلام فكما علمتم في التشهد، وهو قولهم: السَّلام عليك أيها النَّبي ورحمة الله وبركاته.
١- وُجُوب الصَّلاة عليه ﷺ في الصَّلاة، قال البيهقي - رحمه الله- لما نزلت آية الأمر بالصَّلاة عَلَى النَّبي ﷺ وكان قد علمهم كيفية السَّلام عليه في التشهد، فسألوا عن كيفية الصَّلاة، فعلمهم، فدل عَلَى أن المراد بذلك إيقاع الصَّلاة عليه بعد الفراغ من التشهد الذِي تقدم تعليمه لهم.
٢- جَوَاز الصَّلاة عَلَى غير الأنبياء. ويدل عليه حديث: (اللهم صلِّ عَلَى آل أبي أوفى)، (وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم). وهو موافق لقول الله تعالى: {هو الذِي يصلي عليكم وملائكته}.
عن ابْنِ أَبِي لَيْلَى- رحمه الله- قال: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1- صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، أي: عظمه في الدُّنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود.
عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) متفق عليه.
١- أن المراد بآل محمد هم أزواجه وذريته.
٢- استدل به البيهقي عَلَى أن الأزواج من أهل البيت وأيده بقوله - تعالى -: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}.
٣- مَشرُوعيَّة التنويع في صيغ الصَّلاة عَلَى النَّبي ﷺ في الصَّلاة وخارجها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. مَن صلّى عليَّ واحدةً: الصَّلاة هنا إما أن تكون بمعنى الدعاء عَلَى أصل معناها اللغوي، أي: من دعا لي مرة واحدة بأن قال: اللهم صل عَلَى محمد، أو ما في معناها، أو تكون الصَّلاة عَلَى النَّبي ﷺ بمعنى طلب التعظيم له والتبجيل لجنابه ﷺ من الله.
2. صلّى اللهُ عليه عَشْرًا أي: ضاعف الله الجزاء للمصلي عَلَى النَّبي ﷺ عشر مرات، والصَّلاة من الله عَلَى عباده هي رحمته إياهم، والصَّلاة من الملائكة الاستغفار، فيحتمل أن يكون المعنى أن الله يرحمه رحمة مضاعفة، أو أن يذكر ربنا سبحانه وتعالى المصلي عَلَى النَّبي في الملأ الأعَلَى؛ تشريفا له وتكريما عَلَى صلاته ودعائه للنبي ﷺ، ويكون هذا من باب قول الله عز وجل في الحديث القدسي: "فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"، فتكون بذلك صلاة المسلم عَلَى النَّبي ﷺ أفضل من دعائه لنفسه؛ لأن الله سيصلي عَلَى عبده ويرحمه، أو تستغفر له الملائكة استغفارا مضاعفا، وقد ورد في رواية أخرى: "أن من صلى عَلَى النَّبي صلاة واحدة؛ صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات".
عن أَبي جُحَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شيئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شيئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبي ﷺ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّواب يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْعَنَزَةِ" متفق عليه.
1. العنزة: عصا أقصر من الرمح لها سنان مثل سنان الرمح.
1- طهارة الماء المستعمل.
2- أن سترة الإِمَام سترة من خلفه، وأن المرور وراءها لا بأس به.
3- تبرك الصَّحابة بآثاره ﷺ وهذا خاص به حال حياته فقط، وأما بعد وفاته فإذا ثبتت صحة نسبة الأثر إليه فلا بأس وقد ورد عن بعض الصَّحابة فعل ذلك، وهذا يمكن أن يتصور ثبوته مع قرب عهدهم به ﷺ أما في هذه الأزمان المتأخرة بعد مئات السنين فلا يمكن أن يثبت شيء مما ينسب إليه ﷺ من آثار خصوصًا مع فشو الكذب في القصص والأخبار المنسوبة إليه ﷺ.
أما غيره من الصالحين فلا يشرع التبرك بآثارهم لا في حياتهم ولا بعد وفاتهم، والصَّحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك مع خيارهم من السابقين الأوَّلين ولا غيرهم مع حرصهم عَلَى الخير.
4- جَوَاز لبس الأحمر من الثياب.
عن طلحة بن عبيد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1- مؤخرة الرحل: الرحل للبعير كالسرج للفرس، ومؤخرته: هي العود الذِي يجعل خلف الراكب يستند إليه.
١- الندب إلى السترة بين يدي المصلي.
٢- بيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ. متفق عليه.
١- الندب إلى السترة بين يدي المصلي.
٢- أن سترة الإِمَام سترة لمن خلفه.
٣- أن السترة تجزئُ بكل شيء ينصب أمام المصلي إذا كان بقدر الحربة، وقدرت بالذراع طولًا، أو ما يقرب من ذلك.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي اللّه عنهما- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي إِلَيْهَا متفق عليه.
معاني الكلمات:
يعرض راحلته: وهو بفتح الياء وكسر الراء، وروي بضم الياء وتشديد الراء، ومعناه: يجعلها معترضة بينه وبين القبلة.
١- جَوَاز التستر بما يستقر من الحيوان، ولا يعارضه النَّهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل؛ لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء وكراهة الصَّلاة حينئذ عندها إما لشدة نَتَنها وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها مستترين بها أو غير ذلك من العلل.
٢- استحباب اتخاذ السترة للمصلي.
عن أبي جحيفة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَتَيْتُ النَّبي ﷺ بِمَكَّةَ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ. فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ. فَخَرَجَ النَّبي ﷺ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ. فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يُمْنَعُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. الأبطح والبطحاء: مسيل الوادي، والمراد: بطحاء مكة.
2. فمن نائل وناضح معناه: فمنهم من ينال منه شيئًا، ومنهم من ينضح عليه غيره شيئًا مما ناله ويرش عليه بللا مما حصل له، وهو معنى ما جاء في الحديث الآخر: "فمن لم يصب أخذ من يد صاحب"
3. العَنَزة عصا أقصر من الرمح لها سنان مثل سنان الرمح.
4. يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع معناه: يمر الحمار والكلب وراء السترة وقدامها إلى القبلة كما قال في الحديث الآخر: "ورأيت الناس والدَّواب يمرون بين يدي العنزة" وغيره من الأحاديث.
١- أن الساق ليست بعورة.
٢- مَشرُوعيَّة الأذان في السفر.
٣- استحباب التفات المؤذن في الحيعلتين يمينا وشمالا برأسه وعنقه.
٤- أن الأفضل قصر الصَّلاة في السفر.
٥- أن المصلي لا يضره ما مرَّ أمام سترته.
عن أَبي جُهَيْمٍ-رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ؛ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ). قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. متفق عليه.
1- قوله: (بين يدي المصلي)، أي: أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين؛ لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك:
أ- فقيل: إذا مر بينه وبين مقدار سجوده.
ب- وقيل: بينه وبين قدر ثلاثة أذرع.
ت- وقيل غير ذلك.
2- قوله: (ماذا عليه)، أي: من الإثم.
3- قوله: (لكان أن يقف أربعين) يعني: أن المارَّ لو علم مقدارَ الإثم الذِي يلحقه من مروره بين يدي المصلِّي لاختار أن يقف المدة المذكورة؛ حتى لا يلحقه ذلك الإثم.
1- تحريم المرور بين يدي المصلي والوعيد الشديد في ذلك، وقد عدَّه بعض العلماء من الكبائر لورود الوعيد عليه.
2- جَوَاز استعمال "لو" في باب الوعيد، ولا يدخل في النَّهي الوارد عن هذه اللفظة؛ لأن محل النَّهي أن يشعر بما يعاند المقدور.
3- أهمية الخُشُوع في الصَّلاة وحضور القلب؛ لذلك نهي عن المرور بين يدي المصلي هذا النَّهي الشديد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. يَدْرَأ: يدفع
2. فلْيُقاتِلْه- أي: إنَّه يَرُدُّه ردًّا لطيفًا فإن لم يمتَنِعْ فإنه يدفَعُه بأشَدَّ منه وهكذا- إذ ليس معناه المقاتلةَ الحقيقية.
3. فإنما هو شيطان، أي: فعله فعل الشَّيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش عَلَى المصلي. وإطلاق الشَّيطان عَلَى المارد من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قولُه تعالى: {شياطين الإنس والجن}.
١- جَوَاز إطلاق لفظ الشَّيطان عَلَى من يفتن في الدين.
٢- أن الحكم للمعاني دون الأسماء، لاستحالة أن يصير المار شيطانا بمجرد مروره.
٣- جَوَاز الفعل اليسير في الصَّلاة للضَّرورة.
٤- النَّهي الشديد عن المرور بين يدي المصلي.
٥- مَشرُوعيَّة اتخاذ السترة للمصلي.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. فلْيُقاتِلْه- أي: إنَّه يرده ردًّا لطيفا فإن لم يمتنع فإنه يدفعه بأشد منه وهكذا فليس معناه المقاتلة الحقيقية.
2. فإن معه القرين، أي: الشَّيطان الحامل عَلَى هذا الفعل، فالشَّيطان حمله عَلَى فعله ذلك ورفضه من الرجوع، وقيل: إنه يفعل فعل الشَّيطان، فالشَّيطان بعيد من الخير والائتمار للسنة.
١- جَوَاز الفعل اليسير في الصَّلاة للضَّرورة.
٢- النَّهي الشديد عن المرور بين يدي المصلي.
٣- مَشرُوعيَّة اتخاذ السترة للمصلي.
٤- استحباب منعِ المصلِّي من يمر بين يديه ومنعه بما يستطيع.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه - قال: "كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
مصلى: موضع السُّجود.
أن السنة قرب المصلي من سترته.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالمرأَة وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ). فقيل: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: (الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. آخِرَةِ الرَّحْلِ: هي الخشبة التي يستند إليها راكب البعير.
2. يَقْطَعُ صَلَاتَهُ: اختَلَفَ العلماءُ في المقصود بقطع الصَّلاة هنا.
· فقال بعضُهم: يَقطعونَ الصَّلاة، مِن قَطْعِ اتِّصالِها وفَسادِها.
· ومنهم مَن قال: لا تَبطُلُ الصَّلاة بمرورِ شيءٍ من هؤلاءِ ولا من غيرِهم، وتأوَّل هؤلاءِ هذا الحديثَ عَلَى أنَّ المرادَ بالقَطْعِ نَقصُ الصَّلاة لشَغلِ القَلبِ بهذه الأَشْياءِ، وليس المرادُ إبطالَها؛ فإنَّ المرأَة تَفْتِنُ، والحمارَ يَنْهَقُ، وقد لا يُؤمَنُ أن يَفْجَأَه بنُهاقِه عند مُحاذاتِه إيّاه فيُزعِجَه وهو بين يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، والكلبُ يُرَوِّعُ فيَتَشوَّشُ المتفَكِّرُ في ذلك، ولنفورِ النَّفْسِ منه حتّى تنقطِعَ عليه الصَّلاة، فلمّا كانت هذه الأمورُ آيلةً إلى القَطْعِ جَعلَها قاطعةً.
3. الكلبُ الأسوَدُ شيطانٌ، في معناه أقوال منها:
· أي: بعيدٌ منَ الخيرِ والمنافعِ قَريبٌ منَ الضَّرِّ والأذى، وهذا شأنُ الشَّياطينِ منَ الإنسِ والجنِّ.
· وقيل: إنَّ الشَّيطان يتصوَّرُ بصورةِ الكلابِ السُّودِ.
· وقيل: لمّا كان الأسودُ أشدَّ ضررًا من غَيرِه وأشدَّ تَرويعًا كان المصلِّي إذا رآه أُشغِلَ عن صلاتِهِ؛ فانقطَعت عليه لذلك.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ" متفق عليه.
١- استدلت به عَائِشَة رضي الله عنها والعلماء بعدها عَلَى أن المرأَة لا تقطع صلاة الرجل.
٢- جَوَاز صلاة الرجل إلى المرأَة، وكره العلماء أو جماعة منهم الصَّلاة إليها لغير النَّبي ﷺ لخوف الفتنة بها وتذكرها، وإشغال القلب بها بالنظر إليها، وأما النَّبي ﷺ فمنزه عن هذا كله.
عن مَيْمُونَةَ -رضي الله عنها- زَوْجُ النَّبي ﷺ قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ" متفق عليه.
عن عَائِشَة - رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَنَا حَائِضٌ وَعَلَيَّ مِرْطٌ وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ إِلَى جَنْبِهِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
المِرْطُ: ثوب يلبسه الرِّجال والنِّساء مثل الإزار، ويكون رداء يصنع من الصوف أو من الحرير المخلوط بوبر.
١- أن وقوف المرأَة بجنب المصلي لا يبطل صلاته.
٢- أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعًا ترى عليه دمًا أو نجاسة أخرى.
٣- جَوَاز الصَّلاة بحضرة الحائض.
٤- جَوَاز الصَّلاة في ثوب بعضه عَلَى المصلي وبعضه عَلَى حائض أو غيرها.
٥- أن الحائض ليست بنجس.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلاة، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ المَسْجِد، فَقَالَ: (قَدْ أُرِيتُ الْآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاة الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قُبُلِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) متفق عليه.
1- ممثلتين، أي: مصورتين، أو: مثالهما.
١- الحثّ عَلَى مداومة العمل؛ لأن من مثل الجنة والنار بين عينيه كان ذلك باعثًا له عَلَى المواظبة عَلَى الطاعة، والانكفاف عن المَعصِية.
٢- أن الجنة والنار مخلوقتان.
عن أُمِّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّساء حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّساء قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. رواه البخاري
ينفذ النِّساء: يمضين ويتخلَّصن من مزاحمة الرِّجال.
١- جَوَاز خروج النِّساء إلى المَسَاجِد للصَّلاة.
٢- استحباب مكث الإِمَام ومن وراءه من الرِّجال قليلًا؛ حتى يخرجَ النِّساء؛ لأن الاختلاط بهن مظَّنةُ الفساد.
٣- أن الشريعة جاءت بسدِّ الذرائع إلى المعاصي.
٤- أن اختلاط الرِّجال بالنِّساء فسادٌ وشَرٌّ ولو كان عند المَسَاجِد؛ فكيف بغيرها؟
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْعَتَمَةِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّساء وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ). وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأوَّل. متفق عليه.
أَعْتَم: أَبْطَأَ بصلاة العشاء وأخّرها.
١- جَوَاز خروج النِّساء إلى المَسَاجِد في الليل.
٢- مَشرُوعيَّة تذكير الإِمَام.
٣- أن أجر العِبَادَة يزيد مع المشقة.
٤- إباحة تأخير العشاء إذا علم أن بالقوم قوةً عَلَى انتظارها.
٥- أن تسمية العشاء بالعتمة كان جائزًا في أوَّل الهجرة ثم نهي عنه.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ) متفق عليه.
1. (الآخرون السابقون): الآخرون زمانًا الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة -وإن تأخر وجودها في الدُّنيا عن الأمم الماضية-سابقة لهم في الآخرة؛ بأنهم أوَّل من يحشر، وأوَّل من يحاسب، وأوَّل من يقضى بينهم، وأوَّل من يدخل الجنة.
2. بيد: غير.
١- فضل يوم الجمعة.
٢- أن الهداية والإِضْلال من الله تعالى.
٣- أن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة.
٤- فضلُ هذه الأمة عَلَى الأمم السابقة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَام حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) متفق عليه.
1. (غسل الجنابة)، أي: غسلا كغسل الجنابة، وهو كقوله تعالى: {وهي تمر مر السحاب}.
١- الحضُّ عَلَى الاغتسال يوم الجمعة وفضله.
٢- فضل التَّبكير إلى الجمعة.
٣- أن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمع الاغتسال والتبكير.
٤- أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم.
٥- أن القليل من الصدقة غَيْرُ مُحْتَقَرٍ في الشرع.
٦- أن التبكير ينتهي بحضور الإِمَام.
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَام إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى) متفق عليه.
1. (يدهن من دهنه): يزيل شعث رأسه ولحيته.
2. (غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)، أي: الجمعة الماضية.
١- استحباب الاغتسال والتزين والتطيب يوم الجمعة.
2- كَراهة التخطي يوم الجمعة.
3- مَشرُوعيَّة النافلة قبل صلاة الجمعة.
4- وُجُوب الانصات للإمام عند الخطبة.
5- حصول مغفرة الصغائر لمن خرج إلى الجمعة وقد أتى بهذه الأفعال السبعة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ) متفق عليه.
١- أن الأصل في الأمر الوُجُوب.
٢- استحبابُ السواك لجميع الصلوات فرضا ونفلا.
٣- ما كان النَّبي ﷺ عليه من الشَّفقة عَلَى أمته.
٤- استحباب السواك للصائم بعد الزوال، لعموم قوله: "كل صلاة".
٥- جَوَاز الاجتهاد للنبي ﷺ فيما لم يرد فيه نصٌّ من الله تعالى.
عن عَائِشَة-رضي اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ فَقَصَمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَسْنِدٌ إِلَى صَدْرِي" متفق عليه.
1. يَستنّ، أي: ينظف أسنانه بالسواك، والاستنان: هو دلكُ الأسنان وحكُّها بما يجلوها.
2. قصمته: كسرته بأطراف أسناني فأزلت الموضع الذِي كان عبد الرحمن يستن به.
١- فضل السواك وحرص النَّبي ﷺ عليه حتى وهو في مرض موته.
٢- عدم كراهة الاستياك بسواك امرئٍ برضاه.
٣- طهارة الريق وإن كان من غير المستاك.
٤- العمل بما يفهم عند الإشَارة والحركات وقد أعملها الفقهاء في مسائل متعلقة بالأخرس ونحوه.
٥- فطنة عَائِشَة -رضي الله عنها- وذكاؤها.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ" متفق عليه.
١- استحباب جعل الوتر آخر الليل إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره.
٢- تأكد استحباب الوتر، وأنه فوق غيره من النوافل الليلية.
٣- استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصَّلاة.
٤- جَوَاز الصَّلاة خلف النَّائِم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي اللّه عنهما- أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاة. متفق عليه.
١- جَوَاز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن صلاة معاذ مع رسول الله ﷺ هي الفريضة، وإذا كان قد صلى فريضة فصلاته بقومه نافلة.
٢- جَوَاز إعادة صلاة في يوم مرَّتيْن إذا كان للإعادة سبب من الأسباب التي تعاد لها الصَّلاة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ -رضي الله عنه-قال: "ذُكِرَ عِنْدَ النَّبي ﷺ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نائمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إِلَى الصَّلاة، فَقَالَ: (بَالَ الشَّيطان فِي أُذُنِهِ) متفق عليه.
دل الحديث عَلَى أن النَّوم عن صلاة الصبح غالبًا ما يكون من الشَّيطان، حيث يبولُ حقيقةً في أذن العبد، فيرخي عليه النَّوم، وهذا غاية الإِذلال والإِهانة له أن يتخذه الشَّيطان له كنيفًا.
عن أَنسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "دَخَلَ النَّبي ﷺ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الْحَبْلُ؟). قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ. فَقَالَ النَّبي ﷺ: (لَا، حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) متفق عليه.
١- الحثّ عَلَى الاقتصاد في العِبَادَة، والنَّهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليها بنشاط.
٢- مراعاة طبيعة النفس وعدم تحميلها فوق طاقتها حتى لا تنقطع عن الطاعة.
٣- إزالة المنكر باليد واللسان.
٤- جَوَاز تَنَفُّلِ النِّساء في المَسْجِد.
عن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبي ﷺ: (صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ). قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لِمَنْ شَاءَ)؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً" رواه البخاري.
سنة: أي طريقة لازمة لا يجوز تركها، أو سنة راتبة يكره تركها، وليس المراد ما يقابل الوُجُوب.
١- استحباب هاتين الركعتين قبل المغرب.
٢- أن هاتين الركعتين ليستَا سنةً راتبةً مثل الرواتب التي يستحب المواظبة عليها وقضاؤها إذا فاتت.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبي ﷺ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ" متفق عليه.
١- جَوَاز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض؛ لاتقاء حرها وكذا بردها.
٢- جَوَاز العمل القليل في الصَّلاة ومراعاة الخُشُوع فيها؛ لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك؛ لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: السنة لمن نابه شيء في صلاته كإعلام من يستأذن عليه وتنبيه الإِمَام وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلًا فيقول: سبحان الله، وأن تصفق - وهو التصفيح - إن كانت امرأة، فتضرب بطنَ كفِّها الأيمن عَلَى ظهر كفّها الأيسر، ولا تضرب بطن كفٍّ عَلَى بطن كفِّ عَلَى وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا عَلَى جهة اللعب بطلت صلاتُها؛ لمنافاته الصَّلاة.
عن عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي ﷺ الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: (ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاة تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ) رواه البخاري.
تبر: الذهب الذِي لم يصفَّ ولم يضرب. وقيل: الذهب المكسور.
١- أن المكث بعد الصَّلاة ليس بواجب.
٢- أن التخطِّي للحاجة مباح.
٣- أن التفكُّر في الصَّلاة في أمر لا يتعلق بالصَّلاة لا يفسدها.
٤- أن إنشاء العزم في أثناء الصَّلاة عَلَى الأمور الجائزة لا يضرُّ.
٥- علو قدره ﷺ وبعده عن الدُّنيا.
عن جَابِرِ-رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّه ِﷺ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ" متفق عليه.
1-وُجُوب استقبال القبلة في الفريضة وهو محل إجماع، لكن رخص في تركه عند شدة الخوف.
2-جَوَاز صلاة التطوع عَلَى الراحلة للمسافر قِبَل جهة مقصده. وهو محل إجماع.
أما في الحضر فقول جمهور الفقهاء أنه لا تشرع صلاة النافلة عَلَى الراحلة.
3- جَوَاز القعود في صلاة النافلة وهو مما تستلزمه الصَّلاة عَلَى الراحلة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يُصَلِّي سُبْحَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ نَاقَتُهُ. متفق عليه.
عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ" متفق عليه.
1. يومئ: الإيماء: الإشَارة بالأعضاء كالرأس واليد والعين والحاجب، وإنما يريد به ههنا الرأس.
2. سبحته: أي صلاة النافلة.
١- أن الوتر ليس بفرض.
٢- أن الفريضة لا تصلى عَلَى الراحلة ولا إلى غير القبلة.
٣- جَوَاز صلاة الوتر والتنفل عَلَى الراحلة في السفر.
٤- جَوَاز صلاة النفل عَلَى الراحلة بالإيماء في السفر، حيث توجهت به دابته.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ. فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الْفَجْرَ، فَنَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أُسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ. متفق عليه.
أن السنة في السفر التنفل عَلَى الراحلة.
عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يُصَلِّي، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. وَفِيهِ نَزَلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} متفق عليه.
١-اقتداء الصَّحابة بالنَّبي صلى الله عليه وسلم.
٢-بيان التيسير في العبادات، وخاصة الصَّلاة.
٣-أن السنة في السفر التنفل عَلَى الراحلة ولو إلى غير القبلة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) متفق عليه.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: (يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ) متفق عليه.
(إني لأراكم): هذا الإبصار إدراكٌ حقيقيٌّ خاصٌ به ﷺ انخرقت له فيه العادة.
1- إحدى معجزاته ﷺ وهي رؤيته من وراء ظهره.
2- ينبغي للإمام أن ينبِّه الناس عَلَى ما يتعلق بأحوال الصَّلاة، ولاسيما إن رأى منهم ما يخالف الأولى.
3- الحثّ عَلَى الخُشُوع في الصَّلاة والمحافظة عَلَى إتمام أركانها وواجباتها.
4- جَوَاز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكن المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس.
عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟) قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبي ﷺ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ". متفق عليه.
1- مَشرُوعيَّة اتخاذ موضع معين للصَّلاة.
2- أنه لا تكره إمامة الزائر لصاحب الدار إذا كان الزائر هو الإِمَام الأعظم أو أذن له صاحب الدار.
3- جَوَاز صلاة النوافل جماعة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ أنه قال: (اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) متفق عليه.
1.(من صلاتكم)، أي: بعضها وهي النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا: (إذا قضى أحدكم الصَّلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته).
2.(ولا تتخذوها قبورًا)، يعني: بإخلائها عن الصلوات وقِرَاءَة القرآن فتكون كالقبور التي لا يصلى فيها.
1- كراهية الصَّلاة في المقابر.
2- الحثّ عَلَى أداء النوافل في البيت وهو أفضل؛ لورود الأمر بذلك في هذا الحديث. وقد ورد ذلك صريحًا في سنن أبي داود: (صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ).
3- قال النووي: وإنما حث عَلَى النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعدَ من الرياء، وليتبركَ البيتُ بذلك، وتنزلَ فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشَّيطان، وهو معنى قوله: ﷺ: (فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا).
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: (أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟). قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِنْسَانٍ: (انْظُرْ أَيْنَ هُوَ). فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي المَسْجِد رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: (قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ) متفق عليه.
يَقِل: القيلولة: الاستراحة في منتصف النهار.
١- جَوَاز النَّوم في المَسْجِد.
٢- الإصلاح بين الزوجين، وتذكير الزوجة بمكانة الزوج وقرابتَه إن وجدت؛ ليكون ذلك معينا عَلَى الصلح بينهما.
٣- خروج الزوج من بيته إذا اشتد الخلاف مع زوجه؛ حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه.
٤- ممازحة المغضَب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسُه.
٥- التكنية بغير الولد، وتكنية من له كنية، والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب.
٦- مداراة الصهر وتسكينه من غضبه.
٧- دخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه.
٨- لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصَّلاة.
٩- نسبة البيت إلى الزوجة.
١٠- عظيم خلقه ﷺ ورفقه وطيب معشره.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِد فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ). متفق عليه.
1. سبب ورود هذا الحديث ما جاء في رواية مسلم أن أبا قتادة دخل المَسْجِد فوجد النَّبي ﷺ جالسا بين أصحابه فجلس معهم، فقال له: (ما منعك أن تركع؟) قال: رأيتك جالسا والناسُ جلوسٌ. قال: (فإذا دخل أحدُكم المَسْجِد فلا يجلسْ حتى يركعَ ركعتين).
2. استحباب تحية المَسْجِد بركعتين، وهي سنة بالإجماع، وقال بعض العلماء بوُجُوبها.
3. هما مستحبتان في أي وقت عند جمع من العلماء؛ لأنها من ذوات الأسباب.
قال النووي: "النَّهي إنما هو عما لا سبب له؛ لأن النَّبي ﷺ صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر، فخصّ وقت النَّهي وصلى فيه ذات السبب، وأمر الذِي دخل المَسْجِد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصَّلاة في حال الخطبة ممنوعٌ منها إلا التحية، فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت في ذلك المقام، وقد قطع النَّبي ﷺ خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية، فدل ذلك كله عَلَى شدة الاهتمام بها في جميع الأوقات".
4. مع الجَوَاز فإن الأولى الانتظار في وقت شدة النَّهي؛ حتى يزول وهو وقت قصير (وقت طلوع الشمس ووقت غروبها وقبيل الزوال)، والله أعلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ) رواه البخاري.
1.(ذمة الله): أمانته وعهده.
2.(فلا تُخفروا): لا تغدروا.
3.(فلا تخفروا الله في ذمته)، أي: ولا رسوله ﷺ وحُذف لدلالة السياق عليه، أو لاستلزام المذكور المحذوف.
1- تعظيم شأن القبلة.
2- أن أمور الناس محمولة عَلَى الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك.
3- أن استقبال القبلة شرط للصَّلاة مطلقًا إلا في حالة الخوف ونحوه.
4- ردٌّ عَلَى المرجئة في قولهم: إن الإيمان غير مفتقر إلى الأعمال. وفيه تنبيه عَلَى أن الأعمال من الإيمان.
5- الإشَارة إلى شناعة الغدر بالمسلمين لكونه خيانة لله تعالى ورسوله ﷺ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ بِثَلَاثٍ؛ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ؛ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ" متفق عليه.
1. استحباب تَقْدِيم الوتر عَلَى النَّوم، في حق من لم يثق بالاستيقاظ.
2. فضل أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وحرصه عَلَى العمل بهذه الوصية لقوله: "لا أدعهن حتى أموت".
3. تمرين النفس عَلَى جنس الصَّلاة والصِّيام؛ ليدخل في الواجب منهما بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيطان عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
قافية: قفا الرأس.
١- أَن الذِّكر يطرد الشَّيطان، وَكَذَا الْوضُوء وَالصَّلاة.
٢- التحذير مما يفعله الشَّيطان من إرخاء النَّوم عَلَى المسلم، وحرمانه من صلاة الليل أو صلاة الصبح.
٣- أن صلاة الصبح في وقتها سبب للنشاط الجسمي والراحة النفسية، وكذلك صلاة الليل.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: (يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؟) قَالَ: "مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي؛ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ" متفق عليه.
1. (دف نعليك)، الدف: الحركة الخفيفة والسير اللين.
1. الحثّ عَلَى الصَّلاة عقب الوضوء؛ لئلَّا يبقى الوضوء خاليًا عن مقصوده.
2. أن الله يعظم المجازاة عَلَى ما يُسِرُّهُ العبد من عمله.
3. استحباب إدامة الطهارة.
عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبي-تعار من الليل ﷺ قَالَ: (مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى؛ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) رواه البخاري.
تعار، أي: استيقظ.
1. قال ابن بطال: وعد الله عَلَى لسان نبيه ﷺ أن من استيقظ من نومه فلهج لسانه بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه، يحمده عليها وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه، والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى.
2. فضل هذا الذكر المبارك ونفعه لمن قاله بيقين وإيمان بعد استيقاظه من نوم الليل فدعاؤه مستجاب وصلاته مقبولة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاة؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) متفق عليه.
1. أبردوا: أي أخروا إلى أن يبرد الوَقْت، يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة.
2. (فيح جهنم)، أي: من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذا كناية عن شدة استعارها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة.
استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوَقْت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجَمَاعَة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاة وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) متفق عليه.
١- الحثّ عَلَى التأني والسكينة حال الدخول إلى الصَّلاة مراعاة للأدب مع الله تعالى.
٢- حصول فَضِيلَة الجَمَاعَة بإدراك جزء من الصَّلاة.
٣- استحباب الدخول مع الإِمَام في أي حالة وجد عليها.
٤- أن ما أدركه المأموم مع الإِمَام هو أوَّل صلاته.
عن أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاة فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) متفق عليه.
١- أن المأمومين لا يقومون إلى الصَّلاة إلا إذا حضر الإِمَام.
٢- جَوَاز الإقامة والإِمَام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك.
3- سبب النَّهي في الحديث أنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصَّلاة ولو لم يخرج النَّبي ﷺ فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره.
عن أبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قال: "أُقِيمَتِ الصَّلاة، فَقُمْنَا، فَعَدَّلْنَا الصُّفوف قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: (مَكَانَكُمْ). فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا، وَقَدِ اغْتَسَلَ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ، فَصَلَّى بِنَا" متفق عليه.
ينطف: يقطر.
١- أن تعديل الصُّفوف سنة معهودة عند الصَّحابة رضي الله عنهم.
٢- أنه إذا حصل فصل بين الإقامة والصَّلاة ولم يطل لا تعاد الإقامة.
٣- جَوَاز النسيان في العبادات عَلَى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفي ذلك حكمة ليكون تشريعا لأتباعهم.
٤- طهارة الماء المستعمل.
٥- جَوَاز الفصل بين الإقامة والصَّلاة.
٦- جَوَاز الكلام بين الإقامة والصَّلاة.
٧- جَوَاز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أُقِيمَتِ الصَّلاة وَالنَّبي ﷺ يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ المَسْجِد، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاة حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ". رواه البخاري.
١- جَوَاز مناجاة الوَاحِد غيره بحضور الجَمَاعَة.
٢- جَوَاز الفصل بين الإقامة والصَّلاة إذا كان لحاجة.
٣- جَوَاز الكلام بين الإقامة والصَّلاة.
4- تَقْدِيم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها؛ فإنه ﷺ إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من أمور الدين مصلحته راجحة عَلَى تَقْدِيم الصَّلاة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاة، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاة) متفق عليه.
١- إذا أدرك من لا يجب عليه الصَّلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصَّلاة، وذلك في الصبي يبلغ، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والحائض والنفساء تطهران، والكافر يسلم، فمن أدرك من هؤلاء ركعة قبل خروج وقت الصَّلاة لزمته تلك الصَّلاة.
٢- إذا دخل في الصَّلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوَقْت كان مدركا لأدائها، ويكون كلها أداء.
٣- إذا أدرك المسبوق مع الإِمَام ركعة كان مدركا لفَضِيلَة الجَمَاعَة بلا خلاف.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي، فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. متفق عليه.
1. مرتفعة حية: صافية اللون قبل أن تصفر أو تتغير.
2. العوالي هي: البيوت المجتمعة حول المدينة، وبعضها تبعد أربعة أميال أو نحو ذلك -أي: ستة كيلو مترات تقريبا- عن المدينة.
التبكير بصلاة العصر فور دخول وقتها.
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ المَسْجِد، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ، فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيطان قَامَ، فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قليلًا) رواه مسلم.
1. بين قرني الشَّيطان: هو عَلَى حقيقته وظاهر لفظه، والمراد: أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له.
2. انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ: كانت هذه عادة في بعض أمراء بني أمية تأخير الظهر إلى قريبا من وقت العصر.
3. نَقَرَهَا، أي: أسرع في الحركات كنقر الطائر.
١- التبكير بصلاة العصر في أوَّل وقتها.
٢- التصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر.
٣- التصريح بذم من صلى مسرعًا بحيث لا يكمل الخُشُوع والطمأنينة والأذكار.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ). فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِّعَتْ، ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ" رواه مسلم.
١- المبالغة في التبكير بالعصر.
٢- إجابة الدعوة.
٣- أن الدعوة للطعام مستحبة في كل وقت سواء أوَّل النهار وآخره.
عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ، فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ" متفق عليه.
تعجيل صلاة العصر في أوَّل وقتها.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ متفق عليه.
الحجاب: الأفق والمراد: غروب الشمس واستتارها بالأفق.
التعجيل بصلاة المغرب في أوَّل وقتها.
عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ" متفق عليه.
وأنه ليبصر مواقع نبله: أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها.
المبادرة بالمغرب في أوَّل وقتها بحيث إن الفراغ منها يقع والضوء باق.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ. وَالصُّبْحَ كَانُوا -أَوْ قَالَ -: كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ متفق عليه.
1. الهاجرة: هي شدة الحر نصف النهار عقب الزوال، وسميت "هاجرة" من الهجر وهو الترك؛ لأن الناس يتركون التصرف حينئذ بشدة الحر ويقيلون.
2. والشمس نقية أي: صافية خالصة لم يدخلها بعد صفرة.
3. والمغرب إذا وجبت أي: غابت الشمس، والوُجُوب: السقوط.
4. الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
استحباب المبادرة بالصَّلاة في أوَّل الوَقْت.
عن أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ-رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَيَكْرَهُ النَّوم قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْمِائَةِ إِلَى السِّتِّينَ، وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ" متفق عليه.
١-استحباب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل.
٢-كراهة النَّوم قبل العشاء لئلَّا تفوت الصَّلاة.
٣-كراهة السهر بعد العشاء لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى النَّوم عن صلاة الفجر.
٤-استحباب الإطالة في القِرَاءَة في صلاة الفجر.
عن أَبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قال: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتِهَا). قُلْتُ: "فَمَا تَأْمُرُنِي؟ "قَالَ: (صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ) رواه مسلم.
يميتون الصَّلاة: يؤخرونها، فيجعلونها كالميت الذِي خرجت روحه.
١-دليل من دلائل النبوة، وقد وقع هذا في زمن بني أمية.
٢-الحثّ عَلَى الصَّلاة أوَّل الوَقْت.
٣-أن الإِمَام إذا أخرها عن أوَّل وقتها يستحب للمأموم أن يصليها في أوَّل الوَقْت منفردا، ثم يصليها مع الإِمَام فيجمع فضيلتي أوَّل الوَقْت والجَمَاعَة.
٤-الحثّ عَلَى موافقة الأمراء في غير معصية؛ لئلَّا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة.
٥-أن الصَّلاة التي يصليها مرَّتيْن تكون الأولى فريضة والثانية نفلا.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قال: أَتَى النَّبي ﷺ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِد، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاة). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَأَجِبْ) رواه مسلم.
١-الحثّ عَلَى المحافظة عَلَى أداء صلاة الجَمَاعَة في المَسَاجِد.
٢-أنه لا عذر ولا رخصة لترك صلاة الجَمَاعَة، وخاصة لمن يسمع نداء الصَّلاة إلا من عذر شرعي من مرض ونحوه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ المَسَاجِد إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رواه مسلم.
معاني الكلمات:
يهادى: يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما.
١-بيان حرص الصَّحابة عَلَى أداء الصلوات في الجَمَاعَة.
٢-تأكيد أمر صلاة الجَمَاعَة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها.
عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ المَسْجِد مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِد، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى المَسْجِد وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ) رواه مسلم.
١-حرص الصَّحابة -رضي الله عنهم-عَلَى شهود صلاة الجَمَاعَة، واحتسابهم خطواتهم إلى المَسْجِد.
٢-إثبات الثواب في الخطأ في الرجوع من الصَّلاة كما يثبت في الذهاب.
٣-عظيم فضل الله تعالى عَلَى عباده.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) متفق عليه.
أن المشي إلى الصَّلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات.
عن أَبي الشَّعْثَاءِ: "كُنَّا قُعُودًا فِي المَسْجِد مَعَ أَبِي هُرَيرَة، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ المَسْجِد يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيرَة بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ المَسْجِد، فَقَالَ أَبُو هُرَيرَة: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ رواه مسلم.
كراهة الخروج من المَسْجِد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر لأن فيه شبها بالمنافقين.
عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) رواه مسلم.
١-أن قيام الصبح أفضل من قيام العشاء؛ لأن الفجر أشق وأصعب عَلَى النفس، وأشد عَلَى الشَّيطان؛ فالذِي دخل في النَّوم ثم قام أصعب ممن أراد الدخول في النَّوم.
٢-اختصاص صلاتي الفجر والعشاء بفضل لا يشاركها فيه غيرها.
٣-سعة رحمة الله تعالى عَلَى العباد.
عن جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ). رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ذمة الله: أمانه وضمانه.
2. (فلا يَطلبنَّكُمُ الله من ذمَّتِهِ بشيءٍ): هنا يحتمل معنيين:
الأوَّل: أن من صلى الفجر فقد أخذ من الله أمانًا؛ فلا ينبغي لأحد أن يؤذيه أو يظلمه، فمن ظلمه أو آذاه فإن الله يطالبه بذمته.
الثاني: لا تتركوا صلاة الصبح، فينتقض بذلك العهد الذِي بينكم وبين ربكم فيطلبكم به؛ فمن فعل ذلك يدركه الله ويكبه في نار جهنم.
التحذير من ترك صلاة الصبح.
عَنْ جَابِرٍ بن عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ": (مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ). رواه مسلم.
معاني الكلمات:
غمر، أي: كثير الماء يغمر من دخله ويغطيه.
١-سهولة أداء هذه الصلوات؛ لأنه شبهها بنهر عَلَى باب الإِنسَان.
٢-أن المحافظة عَلَى الصلوات الخمس تكفر السيئات.
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رضي الله عنه-: "أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ" رواه مسلم.
١-استحباب الجلوس في المَسْجِد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس.
٢-تواضعه ﷺ وكريم خلقه.
٣-جَوَاز التحدث في المَسْجِد والضحك فيه بالقدر الذِي لا يغلب عَلَى القاعدين فيه.
٤-جَوَاز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
تطلع الشمس حسنًا: طلوعا حسنًا، أي: مرتفعة.
استحباب لزوم موضع صلاة الفجر والإقبال عَلَى الذكر والدعاء إلى وقت إباحة الصَّلاة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم.
١-أن المَسَاجِد أحب البلاد إلى الله عز وجل لأنها بيت الطاعة، ومخصوصة بالذكر.
٢-أن الأسواق أبغض البلاد إلى الله عز وجل؛ لكثرة الحلف الكاذب فيها، والغش والخداع، والغفلة عن ذكر الله -سبحانه وتعالى- وإخلاف الوعد، وسوء المعاملة، وغير ذلك مما في معناه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامةِ أَقْرَؤُهُمْ) رواه مسلم.
١-تَقْدِيم الأقرأ في الصَّلاة عَلَى غيره ولو كان أفقه.
٢-الإشَارة إلى جَوَاز إمامة المفضول لقوله: (فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ).
٣-فضل قارئ القرآن الكريم ومنزلته في الشرع.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ). وفِي رِوَايَة مَكَانَ سِلْمًا: سِنًّا. رواه مسلم.
معاني الكلمات:
التكرمة: الموضع الخاص لجلوس صاحب البيت مما يعد لإكرامه.
١-تَقْدِيم القارئ الأحفظ عَلَى الفقيه.
٢-أن صاحب البيت أولى بالإِمَامة من غيره.
٣-فَضِيلَة المهاجرين عَلَى غيرهم.
عن أبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قال: "عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيطان ". قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَفي رواية: ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاة، فَصَلَّى الْغَدَاةَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
عرسنا: التعريس هو النزول آخر الليل للنوم.
١- استحباب قضاء النافلة الراتبة.
٢- جَوَاز تسمية صلاة الصبح: الغداة، وأنه لا يكره ذلك.
٣- أنه ينبغي للإنسان أن يتحول عن المكان الذِي فاتته فيه الصَّلاة؛ لأنه حضر فيه شيطان إذا لم يكن هناك مشقة.
عن أبي قَتَادَةَ-رضي الله عنه-قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.
الحرص عَلَى الأخذ بالأسباب؛ لئلَّا يستغرق في النَّوم فتفوته الصَّلاة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ) متفق عليه.
أهمية الصَّلاة وعدم التهاون في أدائها، أو قضائها حال تذكرها بعد نسيان.
عن عَائِشَة زَوْجِ النَّبي ﷺ رضي الله عنها، قالت: "فُرِضَتِ الصَّلاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
فرضت: فرضت الصَّلاة ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان عَلَى سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر عَلَى جَوَاز الاقتصار.
١-مَشرُوعيَّة قصر الصَّلاة الرباعية في السفر إلى ركعتين.
٢-أن القصر هو سنة النَّبي ﷺ، وسنة خلفائه الراشدين في أسفارهم.
٣-أن القصر عام في جميع الاسفار.
٤-لطف المولى بخلقه، وسماحة هذه الشريعة المحمدية، حيث سهَّل عبادته عَلَى خلقه؛ فإنه لما كان السفر مظنة المشقة، رخّص لهم في نقص الصَّلاة.
٥-أن السفر في هذا الحديث مطلق، لم يقيد بالطويل، والأولى أن يبقى عَلَى إطلاقه فيترخص في كل ما سُمِّي سفراً، أما تقييده بمدة معينة، أو مسافة محدودة، فلم يثبت فيه شيء.
عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قال: "مَرِضْتُ مَرَضًا، فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي، وَسَأَلْتُهُ عَنِ السُّبْحَةِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي السَّفَرِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّحُ، وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. السبحة في السفر، أي: صلاة النافلة في السفر.
2. لو كنت مسبحًا لأتممت، أي: لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أربعًا أحب إلي، ولكني لا أرى واحدا منهما، بل السنة القصر وترك التنفل، ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات.
أما النوافل المطلقة وصلاة الليل والضحى وراتبة الفجر فهي مشروعة في السفر وثابتة في الأحاديث الصحيحة.
أن صلاة النافلة الراتبة غير مشروعة في السفر.
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ متفق عليه.
جَوَاز القصر من حين يخرج من البلد، فإنه حينئذ يسمى مسافرًا.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ، قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا" متفق عليه.
١-أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة.
٢-أن للمسافر القصر ما دام وصف السفر ينطبق عليه.
٣-إطلاق اسم البلد عَلَى ما جاورها، وقرب منها؛ لأن منى وعرفة ليسا من مكة، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعًا، وأما منى ففيها احتمال، والظاهر أنها ليست من مكة، إلا إن قلنا: إن اسم مكة يشمل الحرم.
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قال: "صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. فاسترجع: أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون! كارها فعل عثمان رضي الله عنه من إتمام الصَّلاة خلافا لفعل النَّبي ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
2. فليت حظي من أربع ركعات: ركعتان متقبلتان يعني: ليت نصيبي ركعتان متقبلتان بدل أربع ركعات، يشير بذلك إلى عثمان رضي الله عنه، فكأنه يقول: ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النَّبي ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلون، ومقصوده: كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله ﷺ وصاحباه.
حرص الصَّحابة عَلَى التمسك بهدي النَّبي ﷺ وسنته.
عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَام صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ" رواه مسلم.
1. سبب إتمام عثمان رضي الله عنه الصَّلاة بمنى:
اجتهاد منه؛ لأنه اعتقد أن النَّبي ﷺ قصر الصَّلاة لما خير بين القصر والإتمام؛ فاختار الأيسر من ذلك عَلَى أمته، فأخذ عثمان في نفسه بالشدة وترك الرخصة؛ إذ كان ذلك مباحا له في حكم التخيير فيما أذن الله تعالى فيه. وقيل -كما في رواية أخرى-: "إن عثمان بن عفان أتم الصَّلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا؛ ليعلمهم أن الصَّلاة أربع"، فأتم لأن الناس كثروا ويأخذون في الحج أمور الدين من الأَئِمَّة والعلماء، فخاف أن يتصور البعض أن الصَّلاة ركعتان فقط، فأتم الصَّلاة الرباعية؛ حتى يتعلمها الجهال والأعراب، وقيل غير ذلك.
2. فقه عبد الله بن عمر حين صلى خلف عثمان دون قصر لئلَّا يخالف الخليفة فيقع الشر والفتنة خصوصًا في وقت موسم الحج الذِي يحضره عوام المسلمين ممن لا يدرك الحكمة في فعل ابن عمر فيتفرق الناس.
عن نافع قال: "أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: "أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ" متفق عليه.
عن جَابِر -رضي الله عنه-قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: (لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ). رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ضجنان: جبل بين مكة والمدينة.
2. الرحال: الدور والمساكن والمنازل.
١- تخفيف أمر الجَمَاعَة في المطر ونحوه من الأعذار.
٢- أن الجَمَاعَة متأكدة إذا لم يكن عذر.
٣- أن الجَمَاعَة مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة.
٤- أن الجَمَاعَة مشروعة في السفر.
٥- أن الأذان مشروع في السفر.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-أنه قال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: "إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاة، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. عزمة: أي واجبة متحتمة.
2. الدحض: الزلق.
١- سقوط الجمعة بعذر المطر الشديد.
٢- من السنة في النداء للصَّلاة وقت شدة المطر قول: (صلوا في بيوتكم) بدل (حي عَلَى الصَّلاة).
٣- يسر الشريعة ورفع العنت والمشقة عَلَى المكلفين.
عن أَبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبي ﷺ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِد، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ ﷺ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) رواه البخاري.
عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ- رضي اللّه عنهما- قالت: "كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبي ﷺ ، فَفَزِعَ، فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتِي، ثُمَّ جِئْتُ وَدَخَلْتُ المَسْجِد، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَائِمًا فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ، ثُمَّ أَلْتَفِتُ إِلَى المرأَة الضَّعِيفَةِ، فَأَقُولُ: هَذِهِ أَضْعَفُ مِنِّي، فَأَقُومُ فَرَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ" رواه مسلم.
١- الحثّ عَلَى صلاة الكسوف والفزع إليها.
٢- أن السنة إطالة القيام جدا فيها.
٣- أن السنة الإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار حتى ينجلي الكسوف.
٤- من السنة عند حدوث الكسوف الإكثار من الصدقة كما في حديث عَائِشَة رضي الله عنها في البخاري.
عن أَنَسِ بن مالك-رضي الله عنه-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أوَّل وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا" متفق عليه.
عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ" متفق عليه.
جَوَاز الجمع في السفر خصوصا عند الحاجة.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا؛ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ" رواه مسلم.
جَوَاز الجمع في الحضر للحاجة حين يشق أداء كل صلاة في وقتها بشرط ألا يتخذه عادة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ-رضي الله عنه-قال: "لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ -يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءًا: أي إنه يجعل من عبادة نفسه حظا للشيطان باعتقاد ما ليس بواجب واجبا، وذلك عند الانصراف من الصَّلاة؛ فليس عليه أن يلزم نفسه بالانصراف من جهة اليمين، بل كان النَّبي ﷺ أكثر ما ينصرف بعد الصَّلاة من جهة شماله.
2. ينصرف: الانصراف من الصَّلاة هو التفات الإِمَام إلى المأمومين.
جَوَاز الانصراف من الصَّلاة من قبل اليمين أو الشمال.
عن أنسٍ -رضي الله عنه-أنه سئل: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ عَنْ يَمِينِي أَوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَالَ: "أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ -يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ" رواه مسلم
1. الجمع بين هذا الحديث وحديث ابن مسعود السابق: أن النَّبي ﷺ كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل عَلَى جَوَازهما، ولا كراهة في واحد منهما.
2. جَوَاز الانصراف من الصَّلاة من قبل اليمين أو الشمال.
عن البراءِ بنِ عازب-رضي الله عنهما-قال: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ، أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ" رواه مسلم.
١-بيان دعاء النَّبي ﷺ بعد الصَّلاة.
٢-بيان خوف النَّبي ﷺ من ربه، وإدامة دعائه إياه.
٣-حرص الصَّحابة عَلَى معرفة أدق التفاصيل من أقوال النَّبي ﷺ وأفعاله.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ) رواه مسلم.
النَّهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصَّلاة، سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر أو غيرها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ-رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ؟ قَالَ: قَالَ لِي: (يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا) رواه مسلم.
لا يجوز ابتداء صلاة النفل بعد إقامة الصَّلاة المفروضة؛ لأن الفرض مقدم عَلَى النفل، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإِمَام أولى من صلاة النفل.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ -رضي الله عنه- قال: "دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِد وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ المَسْجِد، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؛ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟) رواه مسلم.
لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصَّلاة مع الإِمَام.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ الساعدي-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِد فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ) رواه مسلم.
أن من دخل المَسْجِد فإنه يطلب القرب من الله، ويشتغل بما يقربه إلى ثوابه وجنته فناسب ذلك ذكر الرحمة، ومن خرج منه فإنه يطلب الرزق، فناسب ذلك ذكر الفضل.
عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قال: "خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ المَسْجِد، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِد. قَالَ: (الْآنَ حِينَ قَدِمْتَ). قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (فَدَعْ جَمَلَكَ، وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ). قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. متفق عليه.
معاني الكلمات:
أعيا: تعب وعجز عن المشي فلا يكاد يسير.
استحباب ركعتين للقادم من سفره في المَسْجِد أوَّل قدومه.
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى؛ فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالمَسْجِد فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ" متفق عليه.
١-استحباب ركعتين للقادم من سفره في المَسْجِد أوَّل قدومه.
٢-استحباب القدوم أوائل النهار.
٣-أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أوَّل قدومه قريبًا من داره في موضع بارز سهل عَلَى زائريه إما المَسْجِد وإما غيره.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ؛ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
سُلامى: السَّلامى في الأصل عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استُعمل في جميع عظام البدن ومفاصله.
١-عظم فضل صلاة الضحى.
٢-أنها تصح ركعتين.
عن أَبو هُرَيرَة-رضي الله عنه-قال: "أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُد" متفق عليه.
عن أَبي الدَّرْدَاءِ-رضي الله عنه-قال: "أَوْصَانِي حَبِيبِي ﷺ بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ" رواه مسلم.
١-الحثّ عَلَى الضحى وصحتها ركعتين.
٢-الحثّ عَلَى صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
٣-الحثّ عَلَى الوتر، وتَقْدِيمه عَلَى النَّوم لمن خاف ألا يستيقظ آخر الليل.
٤-حرص الصَّحابة عَلَى المداومة عَلَى العمل الصالح.
عن مُعَاذَةَ-رضي الله عنها-: سَأَلَتُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى؟ قَالَتْ: "أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ" رواه مسلم
١-مَشرُوعيَّة صلاة الضحى.
٢-أن لا حصر لعددها.
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ -رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي بَيْتِهَا عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ثوب: إزار أو رداء.
2. خالف بين طرفيه: أن يجعل طرف ثوبه الأيمن عَلَى عاتقه الأيسر، ويجعل طرف ثوبه الأيسر عَلَى عاتقه الأيمن، ثم يربط الطرفين عَلَى صدره، وهو ما يسمى بالاشتمال.
١-جَوَاز الصَّلاة في الثوب الواحد، والالتحاف به مخالفًا بين طرفيه.
٢-استحباب جعل الضحى ثمان ركعات.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبَدَا الصُّبْحُ؛ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاة. متفق عليه.
معاني الكلمات:
بدا: ظهر.
يسن تخفيف سنة الصبح، وأنهما ركعتان.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ، وَيُخَفِّفُهُمَا" متفق عليه.
١-أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر.
٢-استحباب تَقْدِيمها في أوَّل طلوع الفجر وتخفيفها.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟" متفق عليه.
أن السنة في راتبة الفجر تخفيفها.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبي ﷺ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ. متفق عليه.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ" رواه البخاري.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. رواه مسلم.
شدة مواظبته ﷺ مبادرته ﷺ بصلاة راتبة الفجر.
عَنْ عَائِشَة -رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: (لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيا جميعًا) رواه مسلم.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا) رواه مسلم.
الفضل العظيم لراتبة الفجر.
فضل راتبة الفجر والترغيب فيها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} رواه مسلم.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} رواه مسلم.
قالت أُمُّ حَبِيبَةَ-رضي الله عنها-: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم.
١-الحثّ عَلَى أداء صلاة التطوع، والمواظبة عَلَى هذا العدد المذكور كل يوم وليلة.
٢-جاء بيان هذه الركعات في الرواية الأخرى وهي أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.
عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ؛ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبي ﷺ فِي بَيْتِهِ" متفق عليه.
1- سجدتين: ركعتين. وهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله ﷺ (أعنِّي عَلَى نفسك بكثرة السُّجود) يعني: كثرة الصَّلاة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ-رضي الله عنه-قال: سَأَلْتُ عَائِشَة -رضي الله عنها-عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ تَطَوُّعِهِ. فَقَالَتْ: "كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَين".
عن عَائِشَة-رضي الله عنها-قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ، فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ" متفق عليه.
١-استحباب تطويل القيام في النافلة.
٢-جَوَاز الرَّكعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ-رضي الله عنه قال: قُلْتُ لِعَائِشَة-رضي الله عنها-: "هَلْ كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ بَعْدَمَا حَطَمَهُ النَّاسُ" رواه مسلم.
حطمه الناس: أي كبر وضعف بسبب ما حمله الناس من أعبائهم.
١-مَشرُوعيَّة الصَّلاة قاعدا عند الضَّرورة والعجز.
٢-الإشَارة إلى ما كان عليه ﷺ من القيام عَلَى مصالح الناس وإصلاح شؤونهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو-رضي الله عنهما-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاة). رواه مسلم.
قال النووي: معناه أن ثواب القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها، وهذا الحديث محمول عَلَى صلاة النفل قاعدًا مع القدرة عَلَى القيام فله نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائمًا، وأما الفرض فإن الصَّلاة قاعدًا مع قدرته عَلَى القيام لا تصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. متفق عليه.
١-أن أقل الوتر ركعة.
٢-أن الرَّكعة الفردة صلاة صحيحة.
٣-استحباب الاضطجاع بعد قيام الليل وقبل دخول وقت صلاة الفجر.
٤-استحباب الاضطجاع والنَّوم عَلَى الشق الأيمن، وحكمته أنه لا يستغرق في النَّوم؛ لأن القلب في جنبه اليسار، فيعلق حينئذ فلا يستغرق، وإذا نام عَلَى اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق.
٥-استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد.
٦-جَوَاز إعلام المؤذن الإِمَام بحضور الصَّلاة وإقامتها واستدعائه لها.
٧-تخفيف راتبة الفجر.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ، إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ؛ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ" متفق عليه.
١-استحباب السَّلام في كل ركعتين.
٢-أن أقل الوتر ركعة واحدة.
3-استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا" متفق عليه.
١-أنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة.
٢-أن الوتر يصح بركعة أو أكثر.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. فَقَالَتْ عَائِشَة: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: (يَا عَائِشَة، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) متفق عليه.
1. فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، أي: هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السُّؤال عنه والوصف.
2. أتنام قبل أن توتر: كأنه كان ينام بعد الأربع ثم يقوم فيصلي الثلاث، وكأنه كان قد تقرر عند عَائِشَة أن النَّوم ناقض فسألته ﷺ عن ذلك فأجابها بأن النَّوم لا ينقض وضوءه.
١-استحباب تطويل القِرَاءَة في صلاة الليل.
٢-بيان إحدى خصائصه ﷺ وهي عدم انتقاض وضوئه بالنَّوم.
٣-كراهة النَّوم قبل الوتر لاستفهام عَائِشَة عن ذلك؛ لأنه تقرر عندها منع ذلك فأجابها بأنه ﷺ ليس هو في ذلك كغيره.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ رسول الله ﷺ يَنَامُ أوَّل اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأوَّل، وَثَبَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ للصَّلاة، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ" متفق عليه.
الاهتمام بالعِبَادَة والإقبال عليها بنشاط.
عن عَائِشَة-رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ صَلَاتِهِ الْوِتْرُ" رواه مسلم.
أن السنة جعل آخر صلاة الليل وترا.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "مَا أَلْفَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ السَّحَرُ الْأَعَلَى فِي بَيْتِي أَوْ عِنْدِي إِلَّا نائمًا" متفق عليه.
ما ألْفى: ما وجَدَه السَّحَرُ-والسَّحَرُ هو آخر الليل-عندي إلا نائمًا، أي: مضطجعًا عَلَى جنبه، بعد القيام وقبل أن يأتيه المؤذن لصلاة الفجر.
بيان وقت نومه في الليل بعد القيام واستعداده بالراحة ليستقبل صلاة الفجر نشيطًا.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: (قُومِي؛ فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَة) رواه مسلم.
١-التأكيد عَلَى الوتر، والأمر به والمواظبة عليه.
٢-استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ" متفق عليه.
1. من كل الليل قد أوتر: أي توزعت صلاة النَّبي ﷺ للوتر في كل أجزاء الليل؛ فمرة في أوَّله، ومرة في وسطه، ومرة في آخره.
2. انتهى وتره إلى السحر أي: كان آخر أمره وما استقر عليه: هو أن يصلي الوتر عند وقت السحر وهو قبل طلوع الفجر.
١-أن صلاة الوتر مُمتدَّةُ الوَقْت إلى ما قبلَ الفجرِ.
٢-أن أفضل الوتر ما يكون في آخر الليل.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
بادروا الصبح بالوتر أي: أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح.
١-الحرص عَلَى صلاة الوتر.
٢-الإشَارة إلى أن صلاة الوتر تكون في آخر الليل.
عَن نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قَالَ: "مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ" متفق عليه.
أن الأفضل جعل الوتر آخر الليل إلا لمن يخشى ألا يقوم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) رواه مسلم.
١-صحة الإيتار بركعة.
٢-استحباب الوتر آخر الليل.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) رواه مسلم.
1- أن آخر وقت صلاة الوتر قبل صلاة الصبح.
عَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أوَّلهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ). وفي رواية: (مَحْضُورَةٌ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. مشهودة: تشهدها الملائكة.
2. محضورة: تحضرها الملائكة وتشهدها.
1- أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل وأن من لا يثق بذلك فالتَقْدِيم له أفضل.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاة مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً" رواه مسلم.
١-استحباب المحافظة عَلَى الأوراد، وأنها إذا فاتت تقضى.
٢-مَشرُوعيَّة قضاء صلاة الليل بالنهار.
٣-جعل صلاة النهار شفعًا.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ؛ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ" رواه مسلم.
١-أن من هديه ﷺ المحافظة عَلَى الأوراد.
٢-الرفق بالنفس، والاقتصاد في العِبَادَة، وترك التعمق فيها.
٣-اهتمامه ﷺ بصلاة الوتر.
عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-رضي الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
الحزب: الورد الذِي يجعله الإِنسَان عَلَى نفسه من قِرَاءَة أو صلاة.
١-الحثّ عَلَى قضاء النوافل، حتى لا يعتاد إسقاطها عند فواتها.
٢-لطف الله بعباده وتفضله عليهم.
٣-فضل حسن النية وصدقها في حصول الأجر والثواب.
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ-رضي الله عنه-قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقَالَ: (صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1- رمضت: مأخوذ من الرمضاء وهو الرمل الذِي اشتدت حرارته بالشمس. ورمضت أي احترقت أخفاف الفصال فبركت مِن أجلِ ذَلكَ. الفصال: صغار أولاد الإبل.
2- الأواب: المطيع، وقيل: الراجع إلى الطاعة.
١-فَضِيلَة الصَّلاة هذا الوَقْت، وهو أفضل وقت صلاة الضحى، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال.
٢-الإشَارة إلى اغتنام العِبَادَة والانشِغَال بالطاعة في أوقات الدعة والسكون والاستراحة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) متفق عليه.
١-أن الأفضل في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين.
٢-أن السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل.
٣-أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر.
عَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَفْضَلُ الصَّلاة طُولُ الْقُنُوتِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
القنوت: القيام.
أن تطويل القيام أفضل من كثرة الركوع والسُّجود.
عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنيا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) رواه مسلم.
١-إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة.
٢-الحثّ عَلَى الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأوَّل، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ؛ مَنْ ذَا الذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) متفق عليه.
١-إثبات النزول الإلهي في الليل كما يليق بجلال الله وعظمته.
٢-امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر.
٣-الحثّ عَلَى الدعاء والاستغفار في جميع الوَقْت المذكور إلى إضاءة الفجر.
٤-التنبيه عَلَى أن آخر الليل للصَّلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوَّله.
عنْ عَائِشَة- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي المَسْجِد ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ). وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ متفق عليه.
١- جَوَاز النافلة جماعة.
٢- جَوَاز النافلة في المَسْجِد وإن كان البيت أفضل.
٣- جَوَاز الاقتداء بمن لم ينو إمامته.
٤- إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما.
٥- أن الإِمَام وكبير القوم إذا فعل شيئًا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييبًا لقلوبهم وإصلاحًا لذات البين؛ لئلَّا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء.
عن عَائِشَة- رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِد، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِد مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِد عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَطَفِقَ رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصَّلاة، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) متفق عليه.
١-يسر الشريعة ورحمة الله بعباده بعدم تكليفهم بما يعجزون عنه.
٢-حرص الصَّحابة -رضي اللّه عنهم-عَلَى الخير والعمل الصالح.
٣-استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة.
٤-استحباب قول: أما بعد في الخطب.
٥-أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجَمَاعَة.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؛ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ".
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) رواهما مسلم.
استحباب بدء صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما.
عن أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَة أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ-رضي الله عنها-بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) رواه مسلم.
١-استحباب الاستفتاح بهذا الدعاء في صلاة الليل.
٢-مَشرُوعيَّة الدعاء بين التكبير والقِرَاءَة.
عَنْ حُذَيْفَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّساء فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا؛ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعَلَى)، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ،: وَفِي رواية أخرى فَقَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) رواه مسلم.
١- بيان صفة صلاة النَّبي ﷺ في قيام الليل من حيث طول الصَّلاة والقِرَاءَة، وتطويل الركوع والسُّجود والوقوف.
٢- التوقف مع معاني الآيات والدعاء بما ورد فيها في أثناء الصَّلاة.
٣- استحباب التسبيح لكل من قرأ في الصَّلاة بآية فيها تسبيح. وكذلك السُّؤال إذا مر بآية فيها سؤال، وكذلك التعوذ إذا مر بآية فيها تعوذ.
٤- استحباب تكرير "سبحان ربي العظيم" في الركوع و "سبحان ربي الأعَلَى" في السُّجود.
٥- جَوَاز تطويل الاعتدال عن الركوع.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رضي الله عنه-قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ. قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَأَدَعَهُ" متفق عليه.
١-أن هدي النَّبي ﷺ التطويل في صلاة الليل.
٢-أن مخالفة الإِمَام في أفعاله يُعَدُّ في العمل السيء.
٣-أنه ينبغي الأدب مع الأَئِمَّة والكبار، وألا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حراما.
٤-جَوَاز الاقتداء في غير المكتوبات.
عَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاة فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا) رواه مسلم.
استحباب صلاة النافلة في البيت.
عَنْ أَبِي مُوسَى-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَثَلُ الْبَيْتِ الذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) رواه مسلم.
١-الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت، وأنه لا يخلى من الذكر.
٢-أن طول العمر في الطاعة فَضِيلَة وإن كان الميت ينتقل إلى خير؛ لأن الحي يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات.
٣-استحباب صلاة النافلة في البيت.
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ-رضي الله عنه-قَالَ: "احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ. ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُمْ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاة فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلاة الْمَكْتُوبَةَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. احتجر، أي: حوَّط موضعا من المَسْجِد بحصير يستره ليصلي فيه.
2. حصبوا: رموا بالحصباء، وهي الحصى الصغار.
١-جَوَاز اتخاذ موضع خاص في المَسْجِد للصَّلاة إذا لم يكن فيه تضييق عَلَى المصلين ونحوهم، ولم يتخذه دائمًا.
٢-جَوَاز النافلة في المَسْجِد.
٣-جَوَاز الجَمَاعَة في غير المكتوبة.
٤-جَوَاز الاقتداء بمن لم يَنوِ الإِمَامة.
٥-ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك.
٦-بيان ما كان النَّبي ﷺ عليه من الشَّفقة عَلَى أمته ومراعاة مصالحهم.
٧-أن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنه- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. يحجره: أي يقصره عَلَى نفسه دون غيره.
2. يملَّ: أي: لا يقطع عنكم ثوابه حتى تتركوا العمل، والإفراط في العِبَادَة قد يؤدِّي إلى الملل وعدم المداومة. وقيل: المراد أن الله لا يمل أبدًا مللتم أو لم تملوا.
١-الإشَارة إلى ما كان عليه رسول الله ﷺ من الزهادة في الدُّنيا والإعراض عنها.
٢-الحثّ عَلَى الاقتصاد في العِبَادَة واجتناب التعمق.
٣-كمال شفقته ﷺ ورأفته بأمته.
٤-الحثّ عَلَى المداومة عَلَى العمل الصالح، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع.
عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنه- أَنَّ عَائِشَة زَوْجَ النَّبي ﷺ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا) متفق عليه.
١-كراهة قيام الليل كله.
٢-بيان شفقته ورأفته بأمته ﷺ.
٣-النَّهي عن التشدد في العِبَادَة وتكليف النفس ما لا تطيق.
٤-أن العبرة بصواب العمل لا بكثرته وما يقول عنه الناس.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاة فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوم؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ، فَيَسُبُّ نَفْسَهُ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
فيسب: بالنصب، ويجوز الرفع، والمعنى: يدعو عَلَى نفسه.
١-الحثّ عَلَى الإقبال عَلَى الصَّلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط.
٢-أمر الناعس بالنَّوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس ليصلي عَلَى حال تناسب الصَّلاة.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قال: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ؛ فَلْيَضْطَجِعْ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1- فاستعجم عليه القرآن، أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس كأنه صار به عجمة.
١-الحثّ عَلَى الإقبال عَلَى الصَّلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط.
٢-العناية بالصَّلاة من حيث معناها وحقيقتها.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّ النَّبي ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: (يَرْحَمُهُ اللَّهُ؛ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا) متفق عليه.
١-جَوَاز رفع الصوت بالقِرَاءَة في الليل وفي المَسْجِد، ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدًا، ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك.
٢-استحباب الدعاء لمن أصاب الإِنسَان من جهته خيرا وإن لم يقصده ذلك الإِنسَان.
٣-أن الاستماع للقِرَاءَة سنة.
٤-أنه يجوز عَلَى النَّبي ﷺ أن ينسى شيئًا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه.
عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلاة عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا؛ فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مرَّتيْن، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
الشاهد: هو النجم، وسمي شاهدًا لأنه يشهد بالليل ويحضر.
١-فَضِيلَة العصر وشدة الحثّ عليها.
٢- الحثّ عَلَى المحافظة عَلَى الصَّلاة.
٣- الحثّ عَلَى أداء الصلوات في أوقاتها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ" متفق عليه.
النَّهي عن الصَّلاة في هذين الوَقْتين إلا المفروضة وما له سبب من النوافل.
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ-رضي الله عنه-: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. قائم الظهيرة أي: حين تكون الشمس في وسط السماء، فلا يظهر للقائم ظل.
2. تَضَيَّفُ: تميل.
١- النَّهي عن الصَّلاة في هذه الأوقات.
٢- النَّهي عن دفن الميت في هذه الأوقات.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ)، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لِمَنْ شَاءَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. أذانين، أي: الأذان والإقامة من باب التغليب مثل قولهم: قمران للشمس والقمر، عشاءان للمغرب والعشاء. وهكذا.
١- استحباب التنفل بالصَّلاة بين الأذان والإقامة.
٢- أن الحثّ فيه ليس عَلَى سبيل التأكيد كالسنن الرواتب بل الأمر فيه عَلَى السعة.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ: (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةَ، وَ(هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) متفق عليه.
دل الحديث عَلَى استحباب قِرَاءَة هاتين السورتين في هذه الصَّلاة، لما يشعر به قوله: (كان) من مواظبته ﷺ عَلَى ذلك وإكثاره منه.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما- قال: "كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبي ﷺ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبي ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ" رواه البخاري.
عشار جمع عُشَراء وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرةُ أشهر.
١- عَلَمٌ عَظِيم من أَعْلَام نبوته ﷺ وَدَلِيل عَلَى صِحَة رسَالَته.
٢- أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لقول مَنْ يحمل: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} عَلَى ظاهره.
٣- استحباب الخطبة عَلَى الموضع المرتفع.
عن أنسٍ -رضي الله عنه-قال: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبي ﷺ فَبَيْنَا النَّبي ﷺ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ﷺ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ - أَوْ قَالَ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا). فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَة، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ". متفق عليه.
1. سنة: جدب وقحط.
2. قزعة: قطعة من الغيم.
3. الجوبة: الفُرْجَة في السحاب، والمراد أن السحاب تقطَّع عن المدينة وصار مستديرا حولها وهي خالية منه.
4. قناة: أرض ذات مزارع بناحية أحد.
5. الجَوْد: المطر الواسع الغزير.
١- جَوَاز مخاطبة الإِمَام أثناء الخطبة للحاجة.
٢- أن الخطبة لا تنقطع بالكلام ولا بالمطر.
٣- سؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك.
٤- إدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به عَلَى المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال.
٥- علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه -عليه الصَّلاة والسَّلام- ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشَارة.
٦- الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقًا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وبقاء النفع.
٧- أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة.
٨- أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل.
٩- جَوَاز الدعاء بالاستصحاء وهو توقُّف المطر إذا حصل منه ضرر.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) متفق عليه.
استحباب الاغتسال لصلاة الجمعة وقال بعض العلماء بوُجُوبه.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أيضًا؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ؛ فَلْيَغْتَسِلْ)؟ متفق عليه.
١- تفقد الإِمَام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم.
٢- الإنكار عَلَى مخالف السنة وإن كان كبير القدر.
٣-جَوَاز الإنكار عَلَى الكبار في مجمع من الناس.
٤- جَوَاز الكلام مع الخطيب في الخطبة عند سؤاله أحد المصلين.
٥- إباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء.
٦-الإشَارة إلى أنه إنما ترك الغسل لأنه يستحب، فرأى اشتغاله بقصد الجمعة أولى من أن يجلس للغسل بعد النداء، ولهذا لم يأمره عمر بالرجوع للغسل.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
محتلم: بالغ
هذا الحديث دليل لمن قال من العلماء بوُجُوب الغسل لصلاة الجمعة. وحمله من قال باستحبابه عَلَى تأكده في حقه، كما يقول الرجل لصاحبه: حقك واجب علي، أي: متأكد، لا أن المراد الواجب المحتم المعاقب عليه بالمصطلح الفقهي المعروف.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ، وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. ينتابون الجمعة: يقصدون صلاة الجمعة ويذهبون إليها. فيحضرونها نوبا، والانتياب افتعال من النوبة، وفي رواية "يتناوبون".
2. العباء: جمع عباءة.
١- تأكد استحباب الغسل لصلاة الجمعة للتنظف.
٢-رفق العالم بالمتعلم.
٣- استحباب التنظف لمجالسة أهل الخير.
٤- اجتناب أذى المسلم بكل طريق.
٥- حرص الصَّحابة عَلَى امتثال الأمر ولو شق عليهم.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ، فَكَانُوا يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: (لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. كفاة: هو بضم الكاف، جمع كاف، كقاض وقضاة، وهم الخدم الذِين يكفونهم العمل.
2. تفل: هو بتاء مثناة فوق ثم فاء مفتوحتين أي: رائحة كريهة.
ندب من أراد المَسْجِد أو مجالسة الناس أن يجتنب الريح الكريهة في بدنه وثوبه.
عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري - رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
يستن: أي ينظف أسنانه بالسواك.
١- استحباب الاتيان بهذه الأعمال يوم الجمعة.
٢- التيسير في أمر استعمال الطيب لقوله (يمس) لتحقيق طيب الريح.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ) متفق عليه.
١- التأكيد عَلَى استحباب الغُسلِ يَومَ الجُمُعةِ.
٢- الاهتمام بذِكرِ غسل الرَّأسِ وإنْ كانَ من الجَسَدِ لِلِاهْتِمامِ بِه.
عن أبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَام يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ)
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ. يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَام يَخْطُبُ فَقَدْ لَغِيتَ) قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيرَة، وَإِنَّمَا هُوَ: (فَقَدْ لَغَوْتَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
لغوت: اللغو هو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود، وقيل: معناه: قلت غير الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي.
1. النَّهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ). وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا. متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. يقللها يزهدها: يشير إلى أنها وقت قليل خفيف.
2. قائم يصلي: كيف يكون ذلك مع أن تلك الساعة لا يصلى فيها؟
وقد أجاب عبد الله بن سلام عن هذا –كما في حديث آخر- بقوله: "ألم يقل رسول الله ﷺ: من جلس مجلسا ينتظر الصَّلاة، فهو في صلاة حتى يصلي"؟! يعني: أن من جلس في المَسْجِد ينتظر الصَّلاة كأنه في حالة صلاة، ويكون أجر انتظارها بمثل الأجر الذِي يكون له عَلَى صلاته فعليا؛ فيكون المراد بـ"وهو قائم يصلي" هو الانشِغَال بالدعاء والذكر حال انتظار الصَّلاة في المَسْجِد في ذلك اليوم، وخاصة في آخر يوم الجمعة.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد من الصَّلاة: الدعاء، والمراد من القيام: الملازمة والمواظبة، لا حقيقة القيام، وعليه يكون معنى: "وهو قائم يصلي": وهو ملازم للدعاء.
بيان إحدى فضائل يوم الجمعة وهي ساعة الإجابة.
عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ-رضي الله عنه-يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ، يَقُولُ: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَام إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاة) رواه مسلم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً- لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شيئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
من فوائد الحديثين:
١- الحثّ عَلَى الْتِماسِ ساعةِ الإجابةِ في يوم الجُمُعةِ، والدُّعاءِ فيها بخَيريِ الدُّنيا والآخِرةِ.
٢- أن أرجح الأقوال لوقت هذه الساعة قولان:
الأوَّل: أنَّها مِن جُلوسِ الإِمَام عَلَى المنبرِ إلى انقِضاءِ صَلاةِ الجُمُعة،
القولُ الثاني: أنَّها بَعدَ العَصرِ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) رواه مسلم.
فَضِيلَة يوم الجمعة ومزيته عَلَى سائر الأيام.
عن أَبي هُرَيرَة- رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِد مَلَائِكَةٌ، يَكْتُبُونَ الْأوَّل فَالْأوَّل، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَام طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
المهجر: الذِي يأتي مبكرا لصلاة الجمعة.
فَضِيلَة التبكير إلى صلاة الجمعة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى؛ فَقَدْ لَغَا) رواهما مسلم.
معاني الكلمات:
معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام: أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذِي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها.
١- فَضِيلَة الغسل، وأنه ليس بواجب؛ للرواية الثانية.
٢-استحباب تحسين الوضوء.
٣- استحباب التنفل قبل خروج الإِمَام يوم الجمعة.
٤- وُجُوب الإنصات للخطبة.
٥- أن الكلام بعد الخطبة وقبل تكبيرة الإحرام لا بأس به.
٦- النَّهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة.
٧- الإشَارة إلى إقبال القلب والجوارح عَلَى الخطبة.
عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. نُجَمِّعُ: نصلي الجمعة.
2. الفيء: المكان الذِي كانت عليه الشمس فزالت وجاء ظل مكانه.
١- أن السنة أداء صلاة الجمعة في أوَّل الوَقْت.
٢- أن السنة تقصير الخطبة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رضي الله عنه-قَالَ: "كَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ" رواه مسلم.
بيان هدي النَّبي ﷺ في الخطبة قائمًا.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قَالَ: بَيْنَا النَّبي ﷺ قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} متفق عليه.
١- أن السنة في الخطبة أن يكون الخطيب قائمًا.
٢- النَّهي عن ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها.
٣- منقبة لجابر وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
٤- النَّهي عن الانشِغَال بالتجارة عن الصَّلاة وذكر الله تعالى.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبي هُرَيرَة-رضي الله عنهم-أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ودعهم: تركهم.
2. لَيَخْتِمَنَّ: ليطبعن عَلَى قلوبهم فلا يصل إليها الهدى.
١- استحباب اتخاذ المنبر وهو سنة مجمع عليها.
٢- أن الجمعة فرض عين.
٣- التحذير الشديد من ترك شهود الجمعة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رضي الله عنهما-قَالَ: "كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا" رواه مسلم.
معاني الكلمات:
قصدًا: القصد هو الاعتدال، وهو التوسط بين التقصير والإطالة.
أن السنة في صلاة الجمعة تخفيف الصَّلاة والخطبة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: (صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ)، وَيَقُولُ: (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ). وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: (أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). ثُمَّ يَقُولُ: (أَنَا أولى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
ضياعًا: أي: عيالًا محتاجين يضيعون إن تُركوا.
١- الحثّ عَلَى اتباع هدي النَّبي ﷺ في الخطبة.
٢- تنبيه الخطيب إلى التفاعل مع الخطبة للتأثير في الناس.
٣-البداية بالحمد والثناء عَلَى الله في الخطبة.
عن أَبي وَائِلٍ، قال: "خَطَبَنَا عَمَّارٌ، فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ. فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ- مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاة، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. تنفست: أي أطلت.
2. مئنة: علامة.
أن الهدي النبوي في خطبة الجمعة تخفيفها.
عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاحِدًا، سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ" رواه مسلم.
١- استحباب قِرَاءَة سورة ق في خطبة الجمعة أحيانا.
٢- أن السنة في خطبة الجمعة قصر وقتها.
٣- البساطة وقلة ذات اليد في حياة الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قَالَ: "جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: (يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا). ثُمَّ قَالَ: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَام يَخْطُبُ؛ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
تَجَوَّزْ فِيهِمَا: خففهما.
١- استحباب صلاة ركعتين تحية المَسْجِد للداخل يوم الجمعة والإِمَام يخطب.
٢- أنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة.
٣- جَوَاز الكلام في الخطبة لحاجة للخطيب وغيره.
٤- الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن.
٥- أن تحية المَسْجِد ركعتان.
٦- نوافل النهار ركعتان.
٧- أن تحية المَسْجِد لا تفوت بالجلوس.
عن أَبي رِفَاعَةَ-رضي الله عنه-قال: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبي ﷺ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ. فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا" رواه مسلم.
١- استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم.
٢- تواضع النَّبي ﷺ ورفقه بالمسلمين، وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم.
٣-المبادرة إلى جواب المستفتي وتَقْدِيم أهم الأمور فأهمها.
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَسْأَلُهُ: أَيَّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِوَى سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ {هَلْ أَتَاكَ} رواه مسلم.
استحباب قِرَاءَة هاتين السورتين في صلاة الجمعة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ، وَ(هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). وَأَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. رواه مسلم.
بيان الهدي النبوي في القِرَاءَة في فجر يوم الجمعة وصلاة الجمعة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا" رواه مسلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ ذَلِكَ. متفق عليه.
١- استحباب سنة الجمعة بعدها، والحثّ عليها.
٢- أن أقلها ركعتان، وأكملها أربع.
عن عبد الله بن زيد-رضي الله عنه-قَالَ: خَرَجَ النَّبي ﷺ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه.
١- أنه يستحب عند أوَّل المطر أن يكشف عن بعض جسده ليناله المطر.
٢- أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئًا لا يعرفه أن يسأله عنه ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره.
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَة زَوْجَ النَّبي ﷺ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَة: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي". وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: "رَحْمَةٌ" رواه مسلم.
١- ضرورة الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه.
٢- خوف النَّبي ﷺ من الله أشد الخوف مع ما له من الكرامة عليه.
٣- السرور عند زوال سبب الخوف.
عَنْ عَائِشَة زَوْجِ النَّبي - ﷺ ورضي عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ). قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: (لَعَلَّهُ يَا عَائِشَة، كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}) رواه مسلم.
1. إذا عصفت الريح، أي: اشتد هبوبها.
2. تخيلت السماء: من المخيلة - بفتح الميم - وهي سحابة فيها رعد وبرق، يخيل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالت، إذا تغيمت.
3. سُري عنه: أي أزيل ما به وكشف عنه.
١- الاعتبار بما وقع للأمم الخالية، والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم.
٢- شفقته ﷺ عَلَى أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى.
٣- استحباب الدعاء بما ورد في الحديث عند هبوب الريح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. الصبا: الريح الشرقية.
2. الدبور: الريح الغربية.
١- تفضيل بعض المخلوقات عَلَى بعض.
٢- إخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به عَلَى سبيل التحدث بالنعمة لا عَلَى سبيل الفخر.
٣- الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها.
عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبي ﷺ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكعة قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ). قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟) قَالَ: أَنَا، قَالَ: (رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أوَّل) متفق عليه.
١- فضل الذكر الوارد في الحديث بعد الركوع.
٢- أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة.
٣- جَوَاز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش عَلَى من يصلي معه.
عن أُمِّ الْعَلَاءِ-رضي الله عنها-قالت: " اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ". فَقَالَ النَّبي ﷺ: (وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟) فَقُلْتُ: "بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: (أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - مَا يُفْعَلُ بِي). قَالَتْ: "فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا" رواه البخاري.
1. (فطار لنا): خرج في القُرعة وكان من نصيبنا.
2. (ما أدري ما يفعل بي)، أي: في الدُّنيا من نفْعٍ وضُرٍّ، وإلا فاليقين القطعيُّ بأنه خيرُ البَرِيَّة يوم القيامة، وأكرمُ الخلق عَلَى الله تعالى، وقيل: إن ذلك منسوخ بما جاء في أوَّل سورة الفَتْح (ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فإنها مدنية نزلت بعد صلح الحديبية.
١- أنه لا يجزم لأحد بالجنة إلا ما نص عليه الشارع؛ كالعشرة المبشرة وأمثالهم.
٢- مواساة الفقراء الذِين ليس لهم مال ولا منزل ببذل المال وإباحة المنزل.
٣- إباحة الدخول عَلَى الميت بعد التكفين.
٤- جَوَاز القرعة.
٥- الدعاء للميت.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النِّساء قُلْنَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا. فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ). قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: (وَاثْنَانِ). رواهما البخاري
(الحنث): الإثم. والمراد: لم يبلغوا الحُلُم فتُكتَب عليهم الآثام.
١- حرص نساء الصَّحابة عَلَى تعلم أمر الدين.
٢- أن من كان مسلمًا ومات له ولدان أو أكثر وهم دون البلوغ حجب من النار.
٣- أن رحمة المسلم بأولاده الصغار سبب لدخول الجنة.
4- عظيم أجر من أصيب في فقد أولاده، وذلك إذا صبر ولم يقل قبيحًا.
5- أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن الله سبحانه إذا رحم الآباء وأدخلهم الجنة بفضل رحمتهم لأبنائهم؛ فالأبناء أولى بالرحمة وأحرى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ). قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} متفق عليه.
معاني الكلمات:
إلا تحلة القسم: لن يدخل النار، وإنما يمر عَلَى النار مرورا سريعا مقدار ما يبر الله تعالى به قسمه في قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها}.
١- أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن الله سبحانه إذا رحم الآباء وأدخلهم الجنة بفضل رحمتهم لأبنائهم؛ فالأبناء أولى بالرحمة وأحرى.
٢- أن المؤمن الذِي يموت له ثلاثة أولاد، فيَحْتَسِب ويصبر، ويرضى بقضاء الله وقدره لا تمسه النار، وأن وروده عَلَى الصراط لا يؤذيه لظاها إن كان من أهل السعادة وإنما يجتازها كلَمْحِ البَصَر.
عن أنسُ بنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَرَّ النَّبي ﷺ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَال: (اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي). قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبي ﷺ فَأَتَتْ بَابَ النَّبي ﷺ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولى) متفق عليه.
معاني الكلمات:
إليك عني: هو من أسماء الأفعال، ومعناها تنحَّ وابعد.
١- تواضعه ﷺ ورفقه بالجاهل، ومسامحته المصاب وقبول اعتذاره.
٢- ملازمته ﷺ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
٣- أن القاضي والحاكم لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس.
٤- أن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الآمر.
٥- أن الجزع من المنهيات؛ لأمره لها بالتقوى مقرونًا بالصبر.
٦- الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة.
٧- أن أعظم الصبر أجرا وأشدَّه عَلَى النفس ما يكون عند أوَّل المصيبة.
عن أُسَامَةَ بْنُ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "أَرْسَلَت ابْنَةُ النَّبي ﷺ إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلام، وَيَقُولُ: (إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ). فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا شَنٌّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ). رواه البخاري.
1. "إن ابنا لي قبض"، أي: قارب أن يقبض.
2. تتقعقع: القعقعة حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك.
3. شن: القربة اليابسة البالية.
١- جَوَاز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، وجَوَاز القسم عليهم لذلك.
٢-جَوَاز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة.
٣- استحباب إبرار القسم.
٤- أمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت؛ ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاومٌ للحزن بالصبر.
٥- عيادة المريض ولو كان مفضولًا أو صبيًّا صغيرًا.
٦- أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم.
٧- استفهام التابع من إمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره.
٨- الترغيب في الشَّفقة عَلَى خلق الله والرحمة لهم، والترهيب من قساوة القلب وجمود العين.
٩- جَوَاز البكاء من غير نَوْحٍ ونحوه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) متفق عليه.
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجال عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا الإِنسَان وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ) رواه البخاري.
١- أن الجنازة يحملها الرِّجال دون النِّساء.
٢- أن روح الميت تتكلم وهو فوق النَّعْش حقيقة، لكن لا يطيق الإِنسَان سماعها.
٣- أن روح الميت بعد موته ترى مصيرها.
٤- استحباب الإسراع بدفن الجنازة.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ). قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْن) متفق عليه.
١- الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض عَلَى الاجتماع له.
٢- التنبيه عَلَى عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته.
٣- أن تقدير الأعمال بنسبة الأوزان عَلَى حقيقته.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (وَجَبَتْ). ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: (وَجَبَتْ). فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَا وَجَبَتْ؟". قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) متفق عليه.
1. (وَجَبت) أَي: وجبت الجنة في الأوَّل، ووجبت النار في الثاني، والمراد بالوُجُوب الثبوت، أو هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، وحاصل المعنى: أن ثناءهم عليه بالخير يدل عَلَى أن أفعاله كانت خيرا فوجبت له الجنة، وثناءهم عليه بالشر يدل عَلَى أن أفعاله كانت شرا فوجبت له النار؛ وذلك لأن المؤمنين شهداء بعضهم عَلَى بعض، لما صرح في الحديث.
2. قال بعض الشراح: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة؛ لأنهم قد يثنون عَلَى من يكون مثلهم، ولا مَنْ بينه وبين الميت عداوة؛ لأن شهادة العدو لا تقبل.
١- فَضِيلَة هذه الأمة.
٢- إعمال الحكم بالظاهر.
٣- جَوَاز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة، ولا يكون ذلك من الغيبة.
٤- جَوَاز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ). قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) رواه مسلم.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبي ﷺ لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) متفق عليه.
١- فَضِيلَة عظيمة لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- لم تسمع لغيره من الشهداء في دار الدُّنيا.
٢-جَوَاز البكاء عَلَى الميت.
٣- نهي أهل الميت بعضهم بعضا عن البكاء للرفق بالباكي.
٤- فضل الشهادة في سبيل الله تعالى.
٥-النَّهي عن البكاء عَلَى من مات عَلَى خير عمله.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الذِي مَاتَ فِيهِ: خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا متفق عليه.
معاني الكلمات:
نعى النجاشي: أخبر الناس بموته.
١- مَشرُوعيَّة الصَّلاة عَلَى الميت وأجمع العلماء عَلَى أنها فرض كفاية.
٢- مَشرُوعيَّة الصَّلاة عَلَى الميت الغائب.
٣- معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذِي مات فيه.
٤- استحباب الإعلام بالميت من أجل الصَّلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: " أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ، وَمَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ -أَنَّهُمْ عِنْدَنَا". وَقَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ. رواه البخاري.
معاني الكلمات:
1. أصيب: قتل.
2. تذرفان: تدفعان الدموع لكثرتها.
١- جَوَاز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه الذِي كان في الجاهلية.
٢- أن من تعين لولاية وتعذرت مراجعة الإِمَام أن الولاية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما.
٣- جَوَاز الاجتهاد في حياة النَّبي ﷺ.
٤- علامة ظاهرة من علامات النبوة بإخباره ﷺ بما حصل بعيدًا عنه في حينه.
٥- فَضِيلَة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصَّحابة رضي الله عنهم.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ: "مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: (مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟). قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا - وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ - أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ. فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ" متفق عليه.
١- جَوَاز صلاة الجنازة عَلَى القبر.
٢-جَوَاز دفن الميت بالليل.
٣- تعجيل الجنازة، فإنهم ظنوا أن ذلك آكَد من إيذانه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْا- أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبي ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) متفق عليه.
1. وقصَه: كسر عنقه.
2. سدر: شجر النبق يُخلط ورقه مع الماء ويستعمل في التنظيف.
١- أن من شرع في عمل طاعة، ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجي له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل.
٢- استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأن إحرامه باق، وأنه لا يكفن في المخيط.
٣- جَوَاز التكفين في الثياب الملبوسة.
٤- استحباب دوام التلبية إلى أن ينتهي الإحرام.
٥- أن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه.
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه أُتِيَ بِطَعَامٍ، وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ. وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنيا مَا بُسِطَ - أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنيا مَا أُعْطِينَا -وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَام". رواه البخاري.
١- فضل الزهد.
٢- أن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدُّنيا لئلَّا تنقص حسناته.
٣- أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدُّنيا لتقل الرغبة فيها.
٤- تعظيم فضل من قتل في المشاهد الفاضلة مع النَّبي ﷺ.
عن خَبَّابٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: "هَاجَرْنَا مَعَ النَّبي ﷺ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شيئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبي ﷺ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. لم يأكل من أجره شيئًا: كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته، فليس مقصورا عَلَى أجر الآخر.
2. أينعت: نضجت.
3. يهدبها: يجتنيها.
4. الإذخر: حشيش طيب الرائحة.
١- بيان ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم.
٢- أن الصبر عَلَى مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار.
٣- أن الكفن ينبغي أن يكون ساترا لجميع البدن.
٤- أن هجرة الصَّحابة رضي الله عنهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وإنما كانت لله خالصة.
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا" متفق عليه.
معاني الكلمات:
ولم يعزم علينا: أي ولم يؤكد علينا في المنع، كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم.
كراهة اتباع النِّساء للجنائز وقال بعض العلماء بتحريمه؛ لأن النَّهي يقتضي التحريم وخشية من جزع النِّساء وقلة صبرهن في هذا الموقف.
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ- رضي الله عنه- مِنَ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً، لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ؛ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. نعي: النعي هو الإخبار بالموت.
2. أم حبيبة: هي أم المؤمنين زوج النَّبي ﷺ رملة بنت أبي سفيان.
3. صفرة: نوع من الطيب.
4. تحد: الإحداد: امتناع المرأَة عن الزينة والطيب.
١- تحريم الإحداد عَلَى غير الزوج أكثر من ثلاثة أيام.
٢- وُجُوب الإحداد أربعة أشهر وعشرة أيام عَلَى الزوج.
٣- الحرص عَلَى الامتثال للحكم الشرعي وتعليمه الناس.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: (هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟) فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: (فَانْزِلْ). فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا. رواه البخاري.
معاني الكلمات:
1. بنتا: هي أم كلثوم بنت النَّبي ﷺ وزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه.
2. لم يقارف، أي: لم يجامع أهله.
١- جَوَاز البكاء عَلَى الميت.
٢- إدخال الرِّجال المرأَة قبرها لكونهم أقوى عَلَى ذلك من النِّساء.
٣- إيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت - ولو كان امرأة - عَلَى الأب والزوج.
٤- جَوَاز الجلوس عَلَى شفير القبر عند الدفن.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. ليس منا: أي ليس من أهل طريقتنا وسنتنا وليس المراد إخراجه من الدين، ولكن عبر بهذا اللفظ ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الردع والزجر عن الوقوع في مثل ذلك.
2. شق الجيوب: جمع جيب وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط.
3. دعى بدعوى الجاهلية: أي النياحة وندب الميت والدعاء بالويل.
النَّهي الشديد عن هذه الأفعال الجاهلية عند نزول المصائب.
عن أَبي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شيئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. الصالقة: المولولة بالصوت الشديد عند المصيبة.
2. الحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
3. الشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة.
النَّهي الشديد عن هذه الأفعال الجاهلية عند نزول المصائب.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ النَّبي ﷺ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ - شَقِّ الْبَابِ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ -وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ- فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: (انْهَهُنَّ). فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: (فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ). فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْعَنَاءِ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. فاحْثُ في أَفواهِهنَّ التُّرابَ يعني: ألق عَلَى وجوههن التراب؛ زجرا لهن حتى يتوقفن عما هن فيه.
2. أرغم الله أنفك أي: ألصقه بالرغام وهو التراب إهانةً وذلًّا، لم لا تفعل ما أمرك رسول الله ﷺ وما تركته من العناء، فأنت قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار؛ لنقصك وتقصيرك، ولا تخبر النَّبي ﷺ بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء.
١- النَّهي الشديد عن رفع الصوت بالبكاء عَلَى الميت.
٢- جَوَاز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار.
٣- جَوَاز نظر النِّساء المحتجبات إلى الرِّجال الأجانب.
٤- تأديب من نهي عما لا ينبغي له فعله إذا لم ينته.
٥- جَوَاز اليمين لتأكيد الخبر.
عن أَنَس بن مَالك -رَضيَ اللهُ عَنهُ- قال: اشتَكَى ابنٌ لأَبي طَلحَةَ فَمَاتَ وَأَبُو طَلحَةَ خَارجٌ، فَلَما رَأَت امرَأَتُهُ أَنهُ قَد مَاتَ، هَيأَت شيئًا وَنَحتهُ في جَانب البَيت، فَلَما جَاءَ أَبُو طَلحَةَ قَالَ: كَيفَ الغُلَامُ؟ قَالَت: قَد هَدَأَت نَفسُهُ، وَأَرجُو أَن يَكُونَ قَد استَرَاحَ. وَظَن أَبُو طَلحَةَ أَنهَا صَادقَةٌ، فَبَاتَ فَلَما أَصبَحَ اغتَسَلَ، فَلَما أَرَادَ أَن يَخرُجَ أَعلَمَتهُ أَنهُ قَد مَاتَ، فَصَلى مَعَ النَّبي ﷺ ثُم أَخبَرَ النَّبي ﷺ بمَا كَانَ منهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (لَعَل اللهَ أَن يُبَاركَ لَكُمَا في لَيلَتكُمَا). قَالَ رَجُلٌ منَ الأَنصَار: فَرَأَيتُ لَهُمَا تسعَةَ أولاد كُلهُم قَد قَرَأَ القُرآنَ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. اشتكى: مرض.
2. هيأت شيئًا: غسلت الصبي وكفنته.
3. وأرجو أن يكون قد استراح: لم تجزم بذلك عَلَى سبيل الأدب، ويحتمل أنها لم تكن علمت أن الطفل لا عذاب عليه، ففوضت الأمر إلى الله تعالى، مع رجائها بأنه استراح من نكد الدُّنيا.
4. وظن أبو طلحة أنها صادقة: أي بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها، وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت.
١- جَوَاز الأخذ بالشدة، وترك الرخصة مع القدرة عليها.
٢- التسلية عن المصائب.
٣- تزين المرأَة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه.
٤- جَوَاز المعاريض الموهمة إذا دعت الضَّرورة إليها، بشرط ألَّا تبطل حقًّا لمسلم.
٥-إجابة دعوة النَّبي ﷺ.
٦- أن من ترك شيئًا عوضه الله خيرا منه.
٧- بيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم.
عَن أَنَس بن مَالك -رَضيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: دَخَلنَا مَعَ رَسُول الله ﷺ عَلَى أَبي سَيف القَين وَكَانَ ظئرًا لإبرَاهيمَ -عَلَيه السَّلام- فَأَخَذَ رَسُولُ الله ﷺ إبرَاهيمَ فَقَبلَهُ وَشَمَّهُ، ثُم دَخَلنَا عَلَيه بَعدَ ذَلكَ وَإبرَاهيمُ يَجُودُ بنَفسه، فَجَعَلَت عَينَا رَسُول الله ﷺ تَذرفَان، فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرحمَن بنُ عَوف -رَضيَ اللهُ عَنهُ-: وَأَنتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: (يَا ابنَ عَوف، إنهَا رَحمَةٌ). ثُم أَتبَعَهَا بأُخرَى فَقَالَ ﷺ: (إن العَينَ تَدمَعُ، وَالقَلبَ يَحزَنُ، وَلَا نَقُولُ إلا مَا يَرضَى رَبنَا، وَإنا بفرَاقكَ يَا إبرَاهيمُ لَمَحزُونُونَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. القين هو الحداد، ويطلق عَلَى كل صانع، يقال: قان الشيء إذا أصلحه.
2. ظئرا: الظئر هو زوج المرضعة.
3. يجود بنفسه: أي كان في النزع وسياق الموت.
4. إنها رحمة: أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب عَلَى الولد لا ما توهمت من الجزع.
١- بيان البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله.
٢- مَشرُوعيَّة تقبيل الولد وشمه.
٣- مَشرُوعيَّة الرضاع.
٤- عيادة المريض الصغير.
٥- الحضور عند المحتضر.
٦- جَوَاز الإخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى.
٧- جَوَاز الاعتراض عَلَى من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق
عَن عَامر بن رَبيعَةَ-رضي الله عنه- عَن النَّبي ﷺ قَالَ: (إذَا رَأَيتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا حَتى تُخَلفَكُم). وفي رواية (حَتى تُخَلفَكُم، أَو تُوضَعَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. حتى تخلفكم: أي تترككم وراءها.
١- احترام النفس الإِنسَانية.
٢- تقدير الموقف المَهيب الذِي تُودعُ فيه النفسُ الحياة الدُّنيا انتقالا إلى الحياة الآخرة.
٣- الاعتبار بالموت الذِي هو نهاية كل نفس تحيا فوق هذه الأرض.
عَن جَابر بن عَبد الله -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا-قَالَ: مَر بنَا جَنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبي ﷺ وَقُمنَا به، فَقُلنَا: يَا رَسُولَ الله، إنهَا جنَازَةُ يَهُودي. قَالَ: (إذَا رَأَيتُمُ الجنَازَةَ فَقُومُوا) متفق عليه.
عَن سَهل بن حُنَيف، وَقَيس بن سَعد أنهما كانا قَاعدَين بالقَادسية فَمَروا عَلَيهمَا بجَنَازَة، فَقَامَا، فَقيلَ لَهُمَا: إنهَا من أَهل الأَرض، أَي من أَهل الذمة، فَقَالَا: إن النَّبي ﷺ مَرت به جنَازَةٌ فَقَامَ، فَقيلَ لَهُ: إنهَا جنَازَةُ يَهُودي. فَقَالَ: (أَلَيسَت نَفسًا) متفق عليه.
١- احترامَ الروح الإِنسَانية التي أَودَع اللهُ فيها سر الحياة.
٢- الاعتبار بموقف الموت وهيبته.
عَن أَنَس -رَضيَ اللهُ عَنهُ-عَن النَّبي ﷺ قَالَ: (العَبدُ إذَا وُضعَ في قَبره وَتُوُليَ وَذَهَبَ أَصحَابُهُ، حَتى إنهُ لَيَسمَعُ قَرعَ نعَالهم، أَتَاهُ مَلَكَان فَأَقعَدَاهُ فَيَقُولَان لَهُ: مَا كُنتَ تَقُولُ في هَذَا الرجُل -مُحَمد ﷺ -؟ فَيَقُولُ: أَشهَدُ أَنهُ عَبدُ الله وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انظُر إلَى مَقعَدكَ منَ النار، أَبدَلَكَ اللهُ به مَقعَدًا منَ الجَنة). قَالَ النَّبي ﷺ: (فَيَرَاهُمَا جميعًا، وَأَما الكَافرُ أَو المُنَافقُ فَيَقُولُ: لَا أَدري، كُنتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ الناسُ. فَيُقَالُ: لَا دَرَيتَ وَلَا تَلَيتَ. ثُم يُضرَبُ بمطرَقَة من حَديد ضَربَةً بَينَ أُذُنَيه، فَيَصيحُ صَيحَةً يَسمَعُهَا مَن يَليه إلا الثقَلَين) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. قرع نعالهم: أي صوتها عند المشي.
2. ولا تليت: أي ولا قرأتَ. وقيل: ولا اتبعتَ من يدري.
3. انظُر إلى مَقعدكَ منَ النار: أي انظر إلى مكانك المعَد لك في النار لو لم تكن مؤمنًا، أبدَلَك اللهُ به مَقعدًا في الجنة.
إثبات عذاب القبر، وأنه واقع عَلَى الكفار ومن شاء الله من الموحدين.
عَن عَائِشَة -رَضيَ اللهُ عَنهَا-أَن يَهُوديةً دَخَلَت عَلَيهَا، فَذَكَرَت عَذَابَ القَبر، فَقَالَت لَهَا: أَعَاذَك اللهُ من عَذَاب القَبر، فَسَأَلَت عَائِشَة رَسُولَ الله ﷺ عَن عَذَاب القَبر، فَقَالَ: (نَعَم، عَذَابُ القَبر حق). قَالَت عَائِشَة -رَضيَ اللهُ عَنهَا-: فَمَا رَأَيتُ رَسُولَ الله ﷺ بَعدُ صَلى صَلَاةً إلا تَعَوَّذَ من عَذَاب القَبر. رواه البخاري.
إثبات عذاب القبر والتعوذ منه.
عن أَسمَاءَ بنت أَبي بَكر -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا- قالت: "قَامَ رَسُولُ الله ﷺ خَطيبًا، فَذَكَرَ فتنَةَ القَبر التي يَفتَتنُ فيهَا المَرءُ، فَلَما ذَكَرَ ذَلكَ ضَج المُسلمُونَ ضَجةً" رواه البخاري.
معاني الكلمات:
ضج المسلمون ضجةً: أي صاحوا صيحةً عظيمةً؛ هلَعًا وخوفًا من فتنة القبر.
إثبات عذاب القبر.
عَن أَبي أَيوبَ -رَضيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: خَرَجَ النَّبي ﷺ وَقَد وَجَبَت الشمسُ، فَسَمعَ صَوتًا، فَقَالَ: (يَهُودُ تُعَذبُ في قُبُورهَا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. وجبت الشمس: أي سقطت، والمراد غروبها.
2. فسمع صوتًا: إما أن يكون سمع صوت ملائكة العذاب، أو صوت اليهود المعذبين، أو صوت وقع العذاب.
١- بيان إحدى مُعجزات النَّبي ﷺ وهي إخبارُه عن الغَيبيات كعذاب هؤلاء اليهود في قبورهم.
٢- إثبات عذاب القبر.
عَن عَبد الله بن عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا-أَن رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: (إن أَحَدَكُم إذَا مَاتَ عُرضَ عَلَيه مَقعَدُهُ بالغَدَاة وَالعَشي، إن كَانَ من أَهل الجَنة فَمن أَهل الجَنة، وَإن كَانَ من أَهل النار فَمن أَهل النار، فَيُقَالُ: هَذَا مَقعَدُكَ. حَتى يَبعَثَكَ اللهُ يَومَ القيَامَة) متفق عليه.
١- إثبات عذاب القبر.
٢- أن الروح لا تفنى بفناء الجسد؛ لأن العرض لا يقع إلا عَلَى حي.
عَن أَبي هُرَيرَة -رَضيَ اللهُ عَنهُ -قَالَ: قال رسول الله ﷺ: (أُرسلَ مَلَكُ المَوت إلَى مُوسَى -عَلَيهمَا السَّلام-فَلَما جَاءَهُ صَكهُ، فَرَجَعَ إلَى رَبه فَقَالَ: أَرسَلتَني إلَى عَبد لَا يُريدُ المَوتَ. فَرَد اللهُ عَلَيه عَينَهُ، وَقَالَ: ارجع فَقُل لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتن ثَور فَلَهُ بكُل مَا غَطت به يَدُهُ بكُل شَعرَة سَنَةٌ. قَالَ: أَي رَب، ثُم مَاذَا؟ قَالَ: ثُم المَوتُ، قَالَ: فَالآنَ. فَسَأَلَ اللهَ أَن يُدنيَهُ منَ الأَرض المُقَدسَة رَميَةً بحَجَر). قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (فَلَو كُنتُ ثَم لَأَرَيتُكُم قَبرَهُ إلَى جَانب الطريق عندَ الكَثيب الأَحمَر) متفق عليه.
معاني الكلمات:
متن ثور: ظهره.
١- المنزلة العظيمة لموسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- عند الله؛ حيث فقأ عين ملك الموت ولم يعاتبه عليه.
٢- استحباب الدفن في المواضع الفاضلة.
٣- أن للملك قدرة عَلَى التصور بصورة غير صورته.
٤- في قَوله: (يضع يَده عَلَى متن ثَور) دلالة عَلَى أن الدُّنيا بقي منها كثير، وإن كان قد ذهب أكثرها.
عَن جَابر بن عَبد الله -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا-قَالَ: كَانَ النَّبي ﷺ يَجمَعُ بَينَ الرجُلَين من قَتلَى أُحُد في ثَوب وَاحد، ثُم يَقُولُ: (أَيهُم أَكثَرُ أَخذًا للقُرآن؟). فَإذَا أُشيرَ لَهُ إلَى أَحَدهمَا قَدمَهُ في اللحد، وَقَالَ: (أَنَا شَهيدٌ عَلَى هَؤُلَاء يَومَ القيَامَة). وَأَمَرَ بدَفنهم في دمَائهم، وَلَم يُغَسلُوا وَلَم يُصَل عَلَيهم. رواه البخاري.
١- جَوَاز تكفين الرجلين في ثوب واحد، لأجل الضَّرورة، إما بجمعهما فيه، وإما بقطعه بينهما.
٢- جَوَاز دفن اثنين في لحد.
٣- استحباب تَقْدِيم أفضلهما لداخل اللحد.
٤- أن شهيد المعركة لا يغسل ولا يصلى عليه.
٥- فَضِيلَة ظاهرة لقارئ القرآن، ويلحق به أهل الفقه والزهد، وسائر وجوه الفضل.
عَن عُقبَةَ بن عَامر- رضي الله عنه-أَن النَّبي ﷺ خَرَجَ يَومًا فَصَلى عَلَى أَهل أُحُد صَلَاتَهُ عَلَى المَيت، ثُم انصَرَفَ إلَى المنبَر، فَقَالَ: (إني فَرَطٌ لَكُم، وَأَنَا شَهيدٌ عَلَيكُم، وَإني وَالله لَأَنظُرُ إلَى حَوضي الآنَ، وَإني أُعطيتُ مَفَاتيحَ خَزَائن الأَرض -أَو: مَفَاتيحَ الأَرض- وَإني وَالله مَا أَخَافُ عَلَيكُم أَن تُشركُوا بَعدي، وَلَكن أَخَافُ عَلَيكُم أَن تَنَافَسُوا فيهَا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
الفَرَط: المتقدم من كل شيء.
١- إثبات الحوض، وأنه مخلوق وموجود اليوم وأنه حقيقي.
٢-معجزة ظاهرة للنبي ﷺ حيث نظر إلى الحوض في الدُّنيا وأخبر عنه.
٣- معجزة وعلم من أعلام نبوته ﷺ؛ إذ أعطي مفاتيح خزائن الأرض، وملكتها أمته بعده.
٤- فيه دليل لمن قال من العلماء بمَشرُوعيَّة الصَّلاة عَلَى الشهداء.
عَن جَابر -رَضيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: لَما حَضَرَ أُحُدٌ دَعَاني أَبي منَ الليل، فَقَالَ: مَا أُرَاني إلا مَقتُولًا في أوَّل مَن يُقتَلُ من أَصحَاب النَّبي ﷺ وَإني لَا أَترُكُ بَعدي أَعَز عَلَي منكَ غَيرَ نَفس رَسُول الله ﷺ فَإن عَلَيَّ دَينًا فَاقض، وَاستَوص بأَخَوَاتكَ خَيرًا. فَأَصبَحنَا فَكَانَ أوَّل قَتيل وَدُفنَ مَعَهُ آخَرُ في قَبر، ثُم لَم تَطب نَفسي أَن أَترُكَهُ مَعَ الآخَر، فَاستَخرَجتُهُ بَعدَ ستة أَشهُر فَإذَا هُوَ كَيَومَ وَضَعتُهُ هُنَيةً غَيرَ أُذُنه. رواه البخاري.
معاني الكلمات:
1. أُرَاني: أي أظنني.
2. هُنَيةً: أي قريبا.
3. غير أذنه: أي أن المشركين مثلوا به فقطعوا بعض أذنيه.
١- جَوَاز إخراج الميت من قبره إذا كانت حاجة لذلك.
٢- كرامة من كَرامات الله للشهداء.
٣- فَضِيلَة الشهداء وحفظ الله لأجسادهم.
٤- فَضِيلَة عبد الله بن حرام رضي اللهُ عنه.
٥- الوصية وبيان حقوق الناس لمن شعر بقرب أجله.
عَن أَنَس -رضي اللهُ عَنهُ-قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودي يَخدُمُ النَّبي ﷺ فَمَرضَ فَأَتَاهُ النَّبي ﷺ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عندَ رَأسه فَقَالَ لَهُ: (أَسلم). فَنَظَرَ إلَى أَبيه وَهُوَ عندَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطع أَبَا القَاسم ﷺ فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبي ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمدُ لله الذِي أَنقَذَهُ منَ النار) رواه البخاري.
١- جَوَاز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض.
٢- حسن العهد.
٣- جَوَاز استخدام الصغير.
٤- صحة عرض الإسلام عَلَى الصبي.
٥- أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب.
عن المُسَيب بن حزن قال: لَما حَضَرَت أَبَا طَالب الوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله ﷺ فَوَجَدَ عندَهُ أَبَا جَهل بنَ هشَام، وَعَبدَ الله بنَ أَبي أُمَيةَ بن المُغيرَة قَالَ رَسُولُ الله ﷺ لأَبي طَالب: (يَا عَم، قُل لَا إلَهَ إلا اللهُ؛ كَلمَةً أَشهَدُ لَكَ بهَا عندَ الله). فَقَالَ أَبُو جَهل، وَعَبدُ الله بنُ أَبي أُمَيةَ: يَا أَبَا طَالب، أَتَرغَبُ عَن ملة عَبد المُطلب؟ فَلَم يَزَل رَسُولُ الله ﷺ يَعرضُهَا عَلَيه، وَيَعُودَان بتلكَ المَقَالَة، حَتى قَالَ أَبُو طَالب آخرَ مَا كَلمَهُم: هُوَ عَلَى ملة عَبد المُطلب. وَأَبَى أَن يَقُولَ لَا إلَهَ إلا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (أَمَا وَالله لَأَستَغفرَن لَكَ مَا لَم أُنهَ عَنكَ). فَأَنزَلَ اللهُ تعالى فيه: {مَا كَانَ للنبي}. الآيَةَ متفق عليه.
١- صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع.
٢- جَوَاز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم عَلَى الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب.
٣- شؤم صاحب السوء وسوء مغبة رفقته.
٤- عدم جَوَاز الاستغفار للمشركين والدعاء لهم.
عَن عَلي -رَضيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: كُنا في جَنَازَة في بَقيع الغَرقَد فَأَتَانَا النَّبي ﷺ فَقَعَدَ وَقَعَدنَا حَولَهُ وَمَعَهُ مخصَرَةٌ، فَنَكسَ فَجَعَلَ يَنكُتُ بمخصَرَته، ثُم قَالَ: (مَا منكُم من أَحَد مَا من نَفس مَنفُوسَة إلا كُتبَ مَكَانُهَا منَ الجَنة، وَالنار، وَإلا قَد كُتبَ شَقيةً أَو سَعيدَةً). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا نَتكلُ عَلَى كتَابنَا وَنَدَعُ العَمَلَ، فَمَن كَانَ منا من أَهل السعَادَة فَسَيَصيرُ إلَى عَمَل أَهل السعَادَة، وَأَما مَن كَانَ منا من أَهل الشقَاوَة فَسَيَصيرُ إلَى عَمَل أَهل الشقَاوَة؟ قَالَ: (أَما أَهلُ السعَادَة فَيُيَسرُونَ لعَمَل السعَادَة، وَأَما أَهلُ الشقَاوَة فَيُيَسرُونَ لعَمَل الشقَاوَة). ثُم قَرَأَ: ({فَأَما مَن أَعطَى وَاتقَى)} الآيَةَ. متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. مخصرة: المخصرة: شيء يتخذه الإِنسَان كالعصا؛ يتكئ عليه أو يُشير به.
2. منفوسة: أي مولودة.
3. أَفَلَا نَتكلُ عَلَى كتَابنَا وَنَدَعُ العَمَلَ حاصل هذا السُّؤال: ألا نترك مشقة العمل؛ فإنا سنصير إلى ما قدر علينا، وحاصل الجواب: لا مشقة; لأن كل أحد ميسر لما خلق له، وهو يسير عَلَى من يسره الله.
١- استحباب الوعظ عند القبر.
٢- أن السعادة والشقاء بتقدير الله تعالى السابق.
٣- حسن تعليمه ﷺ وحكمته في ذلك.
٤- النَّهي عن ترك العمل والاتكال عَلَى ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له.
عَن البَرَاء بن عَازب -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا-عَن النَّبي ﷺ قَالَ: (إذَا أُقعدَ المُؤمنُ في قَبره أُتيَ ثُم شَهدَ أَن لَا إلَهَ إلا اللهُ وَأَن مُحَمدًا رَسُولُ الله، فَذَلكَ قَولُهُ: {يُثَبتُ اللهُ الذِينَ آمَنُوا بالقَول الثابت}) متفق عليه.
١- فضل شهادة التوحيد، وأنها سبب نجاة المؤمنين في الدُّنيا والآخرة.
٢- بيان ابتلاء الله للمؤمنين في القبور.
٣- إثبات سؤال القبر.
عن ابن عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنهُمَا -أنه قَالَ: "اطلَعَ النَّبي ﷺ عَلَى أَهل القَليب، فَقَالَ: (وَجَدتُم مَا وَعَدَ رَبكُم حَقا؟). فَقيلَ لَهُ: تَدعُو أَموَاتًا؟ فَقَالَ: (مَا أَنتُم بأَسمَعَ منهُم وَلَكن لَا يُجيبُونَ) رواه البخاري.
١- إثبات عذاب القبر.
٢- أن الموتى يسمعون كلام الأحياء. كما ثبت صريحا في "الصحيحين" عن النَّبي ﷺ أنه قال: "يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه" وغيره من الأدلة.
٣- أن الموتى لا يستطيعون إجابة من يدعوهم.
عَن عَائِشَة -رَضيَ اللهُ عَنهَا-أَن رَجُلًا قَالَ للنبي ﷺ: "إن أُمي افتُلتَت نَفسُهَا، وَأَظُنهَا لَو تَكَلمَت تَصَدقَت، فَهَل لَهَا أَجرٌ إن تَصَدقتُ عَنهَا؟ قَالَ: (نَعَم) متفق عليه.
معاني الكلمات:
افتلت نفسها: أي ماتت فجأة.
جَوَاز الصدقة عن الميت وأنه ينتفع بها.
عَن عَائِشَة -رَضيَ اللهُ عَنهَا-قَالَت: قَالَ النَّبي ﷺ: (لَا تَسُبوا الأَموَاتَ؛ فَإنهُم قَد أَفضَوا إلَى مَا قَدمُوا) رواه البخاري.
معاني الكلمات:
أفضوا: أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر.
النَّهي عن سب الأموات إلا إذا كان للتحذير من مساويهم التي بقي أثرها بعد موتهم.
عن أبي سَعيد الخُدري-رضي الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ الله - ﷺ (لَقنُوا مَوتَاكُم: لَا إلَهَ إلا اللهُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
لقنوا موتاكم لا إله إلا الله: أي من حضره الموت، والمراد: ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة).
١- استحباب تلقين الميت (لا إله إلا الله)، وعدم الإكثار عليه والموالاة لئلَّا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه، ويتكلم بما لا يليق، وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر، فيعاد التعريض به ليكون آخر كلامه.
٢- استحباب الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه، وإغماض عينيه والقيام بحقوقه.
عن أُم سَلَمَةَ زَوج النَّبي ﷺ قالت: سَمعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: (مَا من عَبد تُصيبُهُ مُصيبَةٌ، فَيَقُولُ: إنا لله وَإنا إلَيه رَاجعُونَ، اللهُم اؤجُرني في مُصيبَتي وَأَخلف لي خَيرًا منهَا. إلا أَجَرَهُ اللهُ في مُصيبَته، وَأَخلَفَ لَهُ خَيرًا منهَا). قَالَت: فَلَما تُوُفيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلتُ كَمَا أَمَرَني رَسُولُ الله ﷺ؛ فَأَخلَفَ اللهُ لي خَيرًا منهُ رَسُولَ الله ﷺ" رواه مسلم.
١- فَضِيلَة الاسترجاع عند المصيبة.
٢- الأمر بالصبر عَلَى المصائب وعدم الجزع.
٣- التوجه بالدعاء إلى الله في الملمات لأن عنده العوض.
٤- ضرورة امثتال المؤمن لأمر النَّبي ﷺ وإن لم تظهر له الحكمة من أمره.
عَن أُم سَلَمَةَ-رضي الله عنها-قَالَت: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (إذَا حَضَرتُمُ المَريضَ، أَو المَيتَ، فَقُولُوا خَيرًا، فَإن المَلَائكَةَ يُؤَمنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ). قَالَت: فَلَما مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، أَتَيتُ النَّبي ﷺ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، إن أَبَا سَلَمَةَ قَد مَاتَ، قَالَ: (قُولي: اللهُم اغفر لي وَلَهُ، وَأَعقبني منهُ عُقبَى حَسَنَةً). قَالَت: فَقُلتُ، فَأَعقَبَني اللهُ مَن هُوَ خَيرٌ لي منهُ؛ مُحَمدًا - ﷺ رواه مسلم.
معاني الكلمات:
عُقبَى: أي بدلا وعوضا.
الندب إلى قول الخير عند المحتضر من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به، والتخفيف عنه ونحوه.
عَن أُم سَلَمَةَ-رضي الله عنها-قَالَت: دَخَلَ رَسُولُ الله ﷺ عَلَى أَبي سَلَمَةَ، وَقَد شَق بَصَرُهُ، فَأَغمَضَهُ، ثُم قَالَ: (إن الروحَ إذَا قُبضَ تَبعَهُ البَصَرُ). فَضَجَّ نَاسٌ من أَهله، فَقَالَ: (لَا تَدعُوا عَلَى أَنفُسكُم إلا بخَير، فَإن المَلَائكَةَ يُؤَمنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ). ثُم قَالَ: (اللهُم اغفر لأَبي سَلَمَةَ، وَارفَع دَرَجَتَهُ في المَهديينَ، وَاخلُفهُ في عَقبه في الغَابرينَ، وَاغفر لَنَا وَلَهُ يَا رَب العَالَمينَ، وَافسَح لَهُ في قَبره، وَنَور لَهُ فيه) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
شق بصرُه: انفتح بصره وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه.
١- استحباب إغماض الميت، حتى لا يقبح منظره لو ترك إغماضه.
٢-الحثّ عَلَى الصبر عند قبض روح الميت والدعاء له بخير.
٣- استحباب الدعاء للميت عند موته، ولأهله وذريته بأمور الآخرة والدُّنيا.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ، شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمَلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ؛ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ؛ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) متفق عليه.
1. (حتى إذا بلغت الحلقوم)، أي: قاربت الروح بلوغه.
2. (لفلان كذا): يعني الموصى به من المال.
3. (وقد كان لفلان)، أي: وقد صار للوارث أي قارب أن يصير له.
معنى الحديث: أفضل الصدقة أن تتصدق حال حياتك وصحتك مع احتياجك إليه واختصاصك به، لا في حال سقمك وسياق موتك، لأن المال حينئذ خرج عنك وتعلق بغيرك، فأفضل الصدقة أن تتصدق في حال صحتك، واختصاص المال بك، وشح نفسك، لا في حال سقمك، وسياق موتك؛ لأن المال حينئذ خرج عنك، وتعلَّق بورثتك، فالصدقة حال صحتك وتعلقك بالمال؛ أشد مراغمة للنفس؛ لأن فيها مجاهدة للنفس عَلَى إخراج المال، الذِي هو شقيق الروح، مع قيام مانع الشح.
١- أن الصدقة في وقت صحة الإِنسَان وسلامته وتعلُّقه بالمال أفضلُ من غيرها.
٢- كلما ازدادت الموانع والمشاق في عمل الطاعة ازداد فضلها عند الله.
٣- ينبغي المبادرةُ للطاعات قبل نزول الموت بالإِنسَان.
عَنْ أَسْمَاءَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبي ﷺ: (لَا تُوكِي؛ فَيُوكَى عَلَيْكِ، ولَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ) رواه البخاري.
1. قوله: (لا توكي) بضم التاء وكسر الكاف، يقال: أوكأ سقاءه إذا شده بالوكاء، وهو الخيط الذِي يشد به رأس القربة. والمعنى: لا تمنعي ما عندك، (فيوكى عليك) أي: فتنقطع عنك مادة الرزق.
2. قوله: (لَا تُحْصِي)؛ مأخوذ من الإحصاء، وهو معرفة قدر الشَّيء، أَو وَزنه، أَو عدده، ومعناه: لا تحصي مَا تُعْطِي فتستكثريه؛ فَيكون سَببا لانقطاعه.
1. الصدقة تنمي المال، وأن البخل بالصدقة؛ لا سيما الواجبة منها، يؤدِّي إلى إتلافه.
2. الذِي ينفق فإن الله عز وجل ينفق عليه، والذِي لا ينفق فيدخر، أو يكنز؛ فإنه يعامل بمثل ما يصنع مع الفقراء، فجزاؤه من جنس عمله.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاة الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ)، قَالَ: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) متفق عليه.
١- بيان بعض أركان الإِسلام، وهي التوحيد والصَّلاة، والزكاة، والصوم، ولم يذكر الحج؛ لأنه لم يكن شرع بعد.
٢- أن المُبَّشَّرَ بالجنة أكثر من العشرة المشهورين.
٣-البشارة والتبشير للمؤمن الذِي يؤدِّي الواجبات بدخول الجنة.
٤- سؤال أهل العلم عن أسباب نيل رضوان الله وجنته.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ. ثُمَّ تَلَا: ((لَا يَحْسِبَنَّ الذِينَ يَبْخَلُونَ... الْآيَةَ)) رواه البخاري.
1. (الشجاع): الحية الذكر. وقيل: الحية مطلقا.
2. (الأقرع): الذِي لا شعر عَلَى رأسه، يريد حية، قد تمعط جلد رأسه لكثرة سمه وطول عمره.
3. (زبيبتان): هما زَبَدتان أو نقطتان في جانبي فم الحيَّة، وقيل: هما نابان يخرجان من الفم.
١- فرضية الزكاة لورود الوعيد الشديد عَلَى تركها.
٢- عظم قدرة الله تعالى ويدل عليها في الحديث قلب الأعيان وذلك في قدرة الله تعالى هين لا ينكر.
٣- عظم حسرة مانع الزكاة حين يعذب بماله الذِي بخل به في الدُّنيا.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَينِ؛ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) متفق عليه.
حسد: المراد الغبطة، وهي أن يتمنى المرء مثل ما لغيره من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه.
١- التَّرْغِيب فِي إنفاق المال في أوجهه.
٢- أن الغني إذا قام بشروط المال، وفعل ما يرضي ربه تبارك وتعالى فهو أفضل من الفقير الذِي لا يقدر عَلَى مثل هذا.
٣- فضل نشر العلم وتعليمه للناس.
٤- أن بذل العلم ونشره بين الناس بمنزلة إنفاق المال.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي. وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا. فَنَزَلَتِ: {الذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}. الْآيَةَ. متفق عليه.
نحامل: أي: نحمل عَلَى ظهورنا بالأجرة؛ لنكتسب ما نتصدق به.
١- حرص الصَّحابة رضي الله عنهم عَلَى الصدقة رغم فقرهم.
٢- أن الحاجة تَفْتِقُ الحيلة.
٣- خبث المنافقين وتخذيلهم للمؤمنين عن العمل الصالح.
عَنْ أَنَسٍ -رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ) متفق عليه.
١- فضل الغرس والزرع وهما من خير المكاسب.
٢- حصول الأجر للغارس والزارع، وإن لم يقصدا ذلك.
٣- أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح وغير قادح في الزهد، خلافا لما قاله بعض المتزهدة.
٤- الحض عَلَى عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أَنْفَقَتِ المرأَة مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شيئًا) متفق عليه.
١- فضل الأمانة وحفظ المال.
٢- فضل سخاوة النفس.
٣- طيب النفس في فعل الخير.
٤- الإعانة عَلَى فعل الخير.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) متفق عليه.
أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال، بحيث لا يصير المتصدِّقُ محتاجا بعد صدقته إلى أحد.
١- تَقْدِيم نفقة نفسه وعياله؛ لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم.
٢- الابتداء بالأهمِّ فالأهمِّ في الأمور الشرعية.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) متفق عليه.
١- الترغيب في إنفاق المال في وجوه البر.
٢- أن دعاء الملائكة مستجاب.
٣- أن المنفق ماله في طاعة الله موعود بالخلف.
٤- أن الممسك ماله بخلا عن إنفاقه في طاعة الله متوَّعد بالتلف في نفسه وماله.
عَنْ أَبِي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ). فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ، وَيَتَصَدَّقُ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ) متفق عليه.
الملهوف: المستغيث.
معاني الكلمات:
١- أن الأحكام تجري عَلَى الغالب؛ لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها.
٢- مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام.
٣-فضل التكسُّب لما فيه من الإعانة.
٤- تَقْدِيم النفس عَلَى غيرها، والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) متفق عليه.
مزعة لحم: أي: قطعة يسيرة من اللحم. والمعنى: ليس في وجهه من الحسن شيء؛ لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم. وقيل: يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا لا وجه له عند الله. وقيل: هو عَلَى ظاهره فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له، وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه.
ذمِّ الإلحاف في المسألة، ووعيد من سأل الناس تكثرًا وليس محتاجًا.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيْسَ الْمِسْكِينُ الذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا) متفق عليه.
1. (الأُكلة والأُكلتان) بالضم فيهما، أي: اللقمة واللقمتان.
والمعنى أي ليس المسكين من يتردد عَلَى الأبواب ويأخذ لقمة أو لقمتين، فإن من فعل هذا ليس بمسكين؛ لأنه يقدر عَلَى تحصيل قوته.
2. إلحافا: الإلحاح في المسألة.
١- ذمُّ من يسأل الناس اليسير من المال أو الطَّعَام؛ فهو ليس مضطرا إلى السُّؤال.
٢- ضرورة الاعتناء بالفقير المتعفف عن الإلحاح في السُّؤال، فينبغي البحث عنه وصلته بما يسد حاجته.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبي ﷺ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: (فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شيئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ". ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ). ثَلَاثًا" متفق عليه.
1. رغاء: صوت البعير.
2. خوار: صوت البقر.
3. تعير، أي: تصيح. واليُعار: صوت المعز.
4. عفرة إبطيه: العفرة: البياض الذِي ليس بناصع، وقيل: البياض المخالط للحمرة.
١- أن هدية العامل مردودة إلى بيت المال.
٢- محاسبة العامل عَلَى عمله وردُّه عن خطئه.
٣- الترهيب من قبول ما يهدى إلى العامل بسبب عمله.
٤- التشهير بأهل الغلول يوم القيامة، وفضحهم عَلَى رؤوس الأشهاد.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" متفق عليه.
وقال أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شيئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نائمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ" رواه البخاري.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ) متفق عليه.
١- النَّهي عن استقبال رمضان بصيام يوم أو يومين من آخر شعبان بنية كونهما من رمضان؛ لاحتمال كونهما منه؛ لأن الصيام بنية رمضان قبله مخالفة لحكم الشارع الذِي علق الصيام عَلَى الرؤية.
٢- جَوَاز صيام ذلك لمن له صيام اعتاده بأن وافق ذلك يومي الاثنين أو الخميس مثلا.
٣- النَّهي عن الاحتياط في غير محله والتنطع الزائد.
عن أَبي هُرَيرَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) متفق عليه.
1. (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام)، أي: فيه حظ ومدخل لاطلاع الناس عليه، فهو يتعجل به ثوابًا من الناس ويحوز به حظًّا من الدُّنيا إلا الصيام؛ فإنه خالص لي، لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيري.
2. (وأنا أَجزي به)، أي: أتولّى جزاءَه.
3. "جُنَّةٌ": وقايةٌ من المعاصي ومن النّارِ.
4. "فلا يَرفُثْ"، أي: لا يُفحِشْ في الكلام.
5. "ولا يصخب"، أي: لا يصح ولا يخاصم.
6. "لَخُلُوفُ"، أي: تغيُّرُ رائحة فمِ الصائم؛ لخَلاءِ مَعِدَتِه من الطَّعَام أطيب عند الله يومَ القيامة من ريح المسك.
7. في الحديث فضائل متعددة للصوم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ؛ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) متفق عليه.
شهر رمضان من مواسم الخير والغفران؛ ففيه تقع عبادة الصوم، وفيه ليلة القدر؛ أشرف ليالي العام، ومن فضله- كما في هذا الحديث-: أنه إذا دخل الشهر فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين، يعني: شدت بالسلاسل ومنعت من الوصول إلى بغيتها من إفساد المسلمين بالقدر الذِي كانت تفعله في غير رمضان، كل ذلك لما خص الله هذا الشهر بتنزل الرحمات والغفران.
عَنْ سَهْلٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ أنه قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ، أيُّنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) متفق عليه.
1. سُمى باب الريان ولم يسم باب الصيام؛ لأن الصيام هو الإمساك والحبس وقد كان التكليف في الدُّنيا والانقطاع عن المحبوبات أما في الآخرة فهي دار الجزاء وتنعيم الطائعين.
2. في الحديث فَضِيلَة ظاهرة للصيام وكرامة عظيمة للصائمين.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مرَّتيْن. وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تعالى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي. الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) متفق عليه.
1. جُنَّة: سترة ووقاية من النار ومن المعاصي المؤدية إليها.
2. يرفث: الرفث هو الكلام الفاحش، ويطلق أيضًا عَلَى الجماع ومقدماته، وعَلَى ذكره مع النِّساء أو مطلقا.
3. لا يجهل: لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك.
4. خُلُوْف: تغير رائحة الفم.
5. الصيام لي، أي: أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر، بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى، ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره.
١- أن في الصوم إصلاحَ الغريزة، وترويضها عَلَى الوقوف عند حدود الشرع والعقل.
٢- عظم جزاء الصائمين ومضاعفة ثوابهم عند الله تعالى.
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ: (يا فُلَانُ، قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: (انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: (انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا). قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ: (انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا). فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبي ﷺ ثُمَّ قَالَ: (إذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) متفق عليه.
1. فاجدح: اخلط السويق بالماء وحرِّكْه حتى يستوي.
2. معنى الحديث: أن الرسول ﷺ وأصحابه كانوا صيامًا في رمضان، فلما غربت الشمس أمر أحدهم بالجدح ليفطروا، فرأى المخاطَب آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس؛ فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك، وظن أن النَّبي ﷺ لم يرها، فأراد تذكيره وإعلامه بذلك فكرر عليه المراجعة.
1-جَوَاز الصوم في السفر، وتفضيلُه عَلَى الفطر، إلا لمن تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة.
2-انقضاء الصوم بمجرد غروب الشمس.
3-استحباب تعجيل الفطر.
4- تذكير العالِم ما يخاف أن يكون نسيه.
5- جَوَاز الفطر عَلَى غير التمر.
عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبي ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاة." فقُلْتُ: "كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟" قَالَ: "قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً" رواه البخاري.
1- استحباب تأخير السَّحور لكونه أبلغَ في المقصود من حيثُ الرفق بالصائم.
2- أن أوقات الصَّحابة - رضي الله عنهم- كانت مستغرقة بالعِبَادَة حتى كان تقديرهم للزمن يقاس بها.
3- تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة والمجالسة.
4- حسن الأدب في العبارة لقوله: "تسحرنا مع رسول الله ﷺ " ولم يقل نحن ورسول الله ﷺ لما يشعر لفظ المعية بالتبعية.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجود مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ " رواه البخاري.
1. (ثم تكون سرعتي)، أي: أنه لقرب سحوره من طلوع الفجر لا يدرك الصَّلاة إلا بإسراعه.
2. السُّجود: صلاة الفجر. عبر بالجزء عن الكل.
1- استحباب تأخير السحور.
2- المبادرة بصلاة الصبح في أوَّل وقتها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ؛ فَاقْدِرُوا لَهُ) متفق عليه.
1. أغمي: منع من رؤية الهلال غيم أو نحوه.
2. اقدروا له: قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا.
١- أنه لا يجوز صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم.
٢- أنه لا يصام رمضان إلا إذا رؤي الهلال، وكذلك لا ينتهي الصيام ويفطر إلا عند رؤية هلال شوال.
٣- إذا تعذرت رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فإنه يكمل ثلاثين يومًا.
عن أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) متفق عليه.
لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما، وإن نقص عددهما، وأنهما شهرا عيد؛ لأن العيد يعقب شهر رمضان، ولأنه في عاشر ذي الحجة.
١- أن الحكمة من تخصيصهما بالذكر تعلق حكم الصوم والحج بهما.
٢- التسوية في الثواب بين الشهر الكامل وبين الشهر الناقص.
قال عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عِقَالًا أَبْيَضَ، وَعِقَالًا أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ) متفق عليه.
1. العقال: الحبل الذِي يعقل به البعير.
2. (إن وسادك لعريض): معناه إن جعلت تحت وسادك الخيطين الذِين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما، وحينئذ يكون عريضًا، وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري (إنك لعريض القفا) لأن من يكون هذا وساده يكون عظم قفاه.
أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن للصائم الأكل، وغيره حتى يطلع الفجر
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا، حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ). قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا، وَيَرْقَى هَذَا. متفق عليه.
(ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا): قال النووي: قال العلماء: معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أوَّل طلوع الفجر. والله أعلم.
١- جَوَاز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر.
٢- جَوَاز الأكل والشرب والجماع وسائر الأشياء إلى طلوع الفجر.
٣- جَوَاز أذان الأعمى إذا كان له من يعلمه بدخول الوَقْت أو وسيلة معلومة لذلك.
٤- استحباب أذانين للصبح أحدهما قبل الفجر، والآخر بعد طلوعه أوَّل الطلوع.
٥- استحباب السحور وتأخيره.
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي اللّه عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) رواه مسلم.
1. أكلة: اسم مرة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن كثر المأكول فيه.
2. كان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب إلى وقت الفجر.
١- الحثّ عَلَى السحور.
٢-الإعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه.
٣- أن مخالفة أهل الكتاب قاعدة مطردة في الشرع وهي نعمة ينبغي شكرها.
عن أَبي عَطِيَّةَ الهمداني، قال: "دَخَلْتُ أَنَا، وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَة- رضي الله عنها- فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَحَدُهُمَا: يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ، وَيُعَجِّلُ الصَّلاة، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ، وَيُؤَخِّرُ الصَّلاة، قَالَتْ، أيُّهُمَا الذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ، وَيُعَجِّلُ الصَّلاة؟ فقُلْنَا: عَبْدُ اللَّهِ. يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " رواه مسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (وَمَا أَهْلَكَكَ؟). قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟). قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟) قَالَ: لَا. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبي ﷺ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: (تَصَدَّقْ بِهَذَا). قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؛ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبي ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) متفق عليه.
1. العرق: وعاء يُعمل من الخوص.
2. لابتيها، أي: لابتي المدينة، واللابة: الحَرَّة، وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمدينة بين حرَّتين.
١- أن كفارة الجماع في نهار رمضان مرتبة إعتاقًا، ثم صومًا، ثم إطعامًا.
٢- إعانة المعسر في الكفارة.
٣- جَوَاز المبالغة في الضحك عند التعجب.
٤- استعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه.
٥- الرفق بالمتعلم، والتلطف في التعليم، والتأليف عَلَى الدين.
٦-الندم عَلَى المَعصِية، واستشعار الخوف.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. متفق عليه.
١- أن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم عَلَى سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوَقْت.
٢- جَوَاز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان من العام الذِي يليه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) متفق عليه.
1. سبيل الله: قال ابن دقيق العيد: العرف الأكثر استعماله في الجهاد فإن حمل عليه كانت الفَضِيلَة لاجتماع العبادتين، ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، والأوَّل أقرب.
2. خريفا: فصل معروف في السنة والمراد به هنا العام.
3. باعد الله وجهه: عافاه منها.
فَضِيلَة الصيام في سبيل الله، وهو محمول عَلَى من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقا، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه
عن عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ: (يَا عَائِشَة هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ. قَالَ: (فَإِنِّي صَائِمٌ). قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شيئًا، قَالَ: (مَا هُوَ؟). قُلْتُ: حَيْسٌ. قَالَ: (هَاتِيهِ). فَجِئْتُ بِهِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: (قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا). قَالَ طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ، يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ؛ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ؛ أَمْسَكَهَا. رواه مسلم.
1. جاءنا زور وقد خبأت لك: جاءنا زائرون ومعهم هدية خبأت لك منها، أو جاءنا زور فأهدي لنا بسببهم هدية، فخبأت لك منها.
2. حيس: طعام يصنع من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل مكان الأقط الدقيق أو الفتيت. والأقط: لبن جامد مستحجر يطبخ به.
3. ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله. فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها: فعل النَّبي ﷺ ذلك لأن له حرية الاختيار في التطوع، وهو بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله. "فإن شاء أمضاها"، أي: أنفذها وأعطاها لمن كان ينوي أن يعطيها له، "وإن شاء أمسكها"، أي: وإن أراد أمسكها ومنعها ولم يخرجها.
١- أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس.
٢- سماحة الإسلام ويسره.
٣- زهده ﷺ وبساطة حياته فقد كان لا يجد الطَّعَام دوما.
٤- جَوَاز إفطار الصائم في صيام التطوع في أي وقت من اليوم.
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَأَلْتُ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنْ صَوْمِ النَّبي ﷺ فَقَالَتْ: "كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ، وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ" متفق عليه.
أن أعمال التطوع ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي عَلَى قدر الإرادة لها والنشاط فيها.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ يَقُولُ: (خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَلَّ حَتَّى تَمَلُّوا). وَكَانَ يَقُولُ: (أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ) متفق عليه.
فإن الله لا يمل حتى تملوا، أي: لا يمل من ثوابكم حتى تملوا من العمل.
أن العمل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما- قال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّي أقُولُ: لَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ، وَلَأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (آنْتَ الذِي تَقُولُ ذَلِكَ؟). فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ، وَأَفْطِرْ، وَنَمْ، وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ). قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمَيْن). قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلام- وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ). قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ). قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي. متفق عليه.
١- أن أفضل صوم التطوع هو صوم نبي الله داود عليه السَّلام.
٢- الحثّ عَلَى الاقتصاد في بعض العبادات؛ ليتبقى بعض القوة لغيرها.
٣- بيان رفق رسول الله ﷺ بأمته، وشفقته عليهم، وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم، وحثه إياهم عَلَى ما يطيقون الدوام عليه، ونهيهم عن التعمق في العِبَادَة؛ لما يخشى من إفضائه إلى الملل أو ترك البعض.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلاة إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا) متفق عليه.
هذه الطريقة أحب إلى الله من أجل الأخذ بالرفق عَلَى النفوس التي يخشى منها السآمة والملل الذِي هو سبب إلى ترك العِبَادَة، والله يحب أن يديم فضله، ويوالي إحسانه أبدا، وفيه من المصلحة أيضًا: استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء؛ لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القوى؛ فهو أقرب إلى أن يخفي عمله الماضي عَلَى من يراه.
عن مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ، قالت: سَأَلْتُ عَائِشَة زَوْجَ النَّبي ﷺ: "أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقالت لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ. رواه مسلم.
استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وأنه لا يشترط أن تكون أيام البيض.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاة بَعْدَ الْفَرِيضَةِ؛ صَلَاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم.
١- فَضِيلَة الصَّلاة في جوف الليل.
٢- فَضِيلَة شهر المحرم وفَضِيلَة الصوم فيه.
٣- أن التطوع والنوافل تكون بعد أداء الفرائض.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ، فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا، فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبي ﷺ بِخِبَائِهِ، فَضُرِبَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْفَجْرَ نَظَرَ، فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ، فَقَالَ: (آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟). فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ، فَقُوِّضَ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأوَّل مِنْ شَوَّالٍ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. خباء: خيمة صغيرة من صوف.
2. آلبر تردن: خشي ﷺ أن يكون الحامل لهن عَلَى ذلك المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرة حرصًا عَلَى القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه.
3. قوض: قلع وأزيل.
١- جَوَاز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعًا من المَسْجِد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق عَلَى الناس.
٢- صحة اعتكاف النِّساء؛ لأنه ﷺ كان أذن لهن، وإنما منعهن بعد ذلك لعارض.
٣- أن المرأَة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها.
٤- جَوَاز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أوَّل شوال هو يوم الفطر وصومه حرام.
٥- أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى استحبابا.
٦- جَوَاز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وأنه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه.
٧- شؤم الغيرة؛ لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل لأجله.
٨- ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة.
٩- أن من خشي عَلَى عمله الرياء جاز له تركه وقطعه.
١٠- أن المرأَة إذا اعتكفت في المَسْجِد استحب لها أن تجعل لها ما يسترها، ويشترط أن تكون إقامتها في موضع لا يضيق عَلَى المصلين.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلام- يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبي ﷺ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلام- كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" متفق عليه.
1- الحثّ عَلَى الجود في كل وقت.
2- زيادة الجود في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح.
3- زيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه.
4- استحباب الإكثار من قِرَاءَة القرآن في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار.
عن أَبي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبي ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ؛ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبي ﷺ وَابْنِ رَوَاحَةَ" متفق عليه.
أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه، ولم يصبه منه مشقة شديدة.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا" رواه البخاري.
1. سبب اعتكافه في هذا العام عشرين يومًا:
أ- قيل: لأن جبريل - عليه السَّلام - عارضه القرآن في ذلك العام مرَّتيْن، فاعتكف عشرين يوما لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة.
ب- وقيل: لأنه ﷺ علم بانقضاء أجله؛ فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل، ليلقوا الله عَلَى خير أحوالهم. وقيل غير ذلك.
ت- قيل: لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف عشرا، فسافر عام تسع إلى تبوك فلم يعتكف، فاعتكف من قابل عشرين يوما. وقيل غير ذلك.
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رضي الله عنه- قال: "خَرَجَ النَّبي ﷺ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: (خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ) رواه البخاري.
تلاحى: تنازع.
1-أن المخاصمة والمنازعة مذمومة، وأنها سبب في الحرمان.
2-استحباب تحري ليلة القدر في ليلة تسع وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة خمس وعشرين.
3-أن خفاء تحديدها فيه خير ليجتهد المؤمن في جميع ليالي العشر.
وعن أَبي هُرَيرَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ).
النَّهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام.
عن عَائِشَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ". قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبي، أَوْ بِالنَّبي ﷺ رواه البخاري
1- جَوَاز تأخير قضاء رمضان مطلقًا.
2- لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر.
3- حسن تبعل المرأَة لزوجها ومراعاتها لحقوقه.
عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ-رضي الله عنها- قال: "أَرْسَلَ النَّبي ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ). قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَام أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَار" متفق عليه.
1-أن عاشوراء كان فرضًا قبل أن يفرض رمضان.
2-مَشرُوعيَّة تمرين الصبيان عَلَى الصيام.
3-أن من الرحمة والشَّفقة عَلَى الصبيان تمرينَهم عَلَى العِبَادَة كالصيام والاستيقاظ للصَّلاة ليقْوَوْا عليها إذا كُلِّفوا.
4-أن الصحابي إذا قال: (فعلنا كذا في عهد النَّبي ﷺ) كان حكمه الرفع؛ لأن سكوته ﷺ عن ذلك يدل عَلَى تقريرهم عليه، إذ لو لم يكن راضيًا بذلك لأنكر عليهم.
5-حرص الصَّحابة -رضي الله عنهم- عَلَى تربية أولادهم عَلَى الطاعة وتنشئتهم عَلَى العِبَادَة.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ) رواه البخاري.
١- أن صوم عاشوراء كان فرضًا في أوَّل الأمر ثم نسخ وُجُوبه.
٢- أن أهل الجاهلية كانوا يكسون الكعبة في يوم عاشوراء.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "قَدِمَ النَّبي ﷺ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: (مَا هَذَا؟). قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ). فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" متفق عليه.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-قال: "قَدِمَ النَّبي ﷺ الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ النَّبي ﷺ لِأَصْحَابِهِ: (أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصُومُوا) متفق عليه.
ظهر: الظهور هو الغلبة
عَلَى استحباب صوم يوم عاشوراء.
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ -صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ). قَالَ: "فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " رواه مسلم.
استحباب صوم يوم عاشوراء ويومًا قبله.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "مَا رَأَيْتُ النَّبي ﷺ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" متفق عليه.
يتحرى: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه، وفي الحديث استحباب صوم يوم عاشوراء.
عن أبي قتادة-رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ سئل عن صيام يوم عرفة، فقال: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم
1. قال النووي: المراد بالذنوب الصغائر وإن لم تكن الصغائر يرجى تخفيف الكبائر فإن لم تكن رفعت الدرجات.
2. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجَمَاعَة، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله.
فإن قيل: كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة؟
قيل: معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها، وقيل: أن يعطيه من الرحمة الثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب.
عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) متفق عليه.
1. قوله: (فقد أفطر الصائم) أي: دخل في وقت الفطر كما يقال: أنجد، إذا أقام بنجد، وأتهم إذا أقام بتهامة.
2. قوله: (أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس)، قال العلماء: كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الآخرين ويلازمهما، وإنما جمع بينها؛ لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء.
من فوائد الحديث:
مَشرُوعيَّة المبادرة بالفطر إذا رأى علاماتِ دخولِ وقتِه.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِﷺ قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) متفق عليه.
الحثّ عَلَى تعجيل الفطر بعد تحقّق غروب الشمس، ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظمًا، وهم بخير، ما داموا محافظين عَلَى هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة عَلَى فساد يقعون فيه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري.
(فليس لله حاجة في أن يدع طعامه)، أي: يسقط أجره وليس المقصود أن يؤمر بترك الصيام أو أن يقضي يومًا مكانه.
من فوائد الحديث:
التحذير من قول الزور والعمل به؛ لأنه ينقص أجر الصيام.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
1-وقَع الجزاءُ بصيغةِ الماضي (غُفِرَ) مع أنَّ المغفرةَ تكونُ في المستقبَلِ؛ للإشعارِ بأنَّه متيقَّنُ الوقوعِ، مُتحقِّقُ الثُّبوتِ، فضلًا مِن اللهِ تعالى عَلَى عبادِه.
2-الحثّ عَلَى قيامِ رمضانَ.
3-الحثّ عَلَى الإخلاصِ، واحتسابِ الأعمالِ.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) متفق عليه.
1-أهمية أكلة السحور في رمضان ولمن أراد الصيام تطوعا.
2- تحصيل البركة في تناول السُّحور، والبركة التي فيه هي الاستقواء عَلَى صيام النهار، ومزيد من الأجر في الآخرة، وهذه البركة مادية ومعنوية؛ فإنها تقوي عَلَى صيام بقية اليوم إلى وقت المغرب، كما أن في التسحُّر استجابة لأمر النَّبي الكريم ﷺ، وفي اتباع أمره بركة أيضًا.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) متفق عليه.
بيان لُطفِ الله تعالى بعباده، وتيسيرِه عليهم، ورفْعِ المشقَّةِ والحرَجِ عنهم.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ) متفق عليه.
استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها، وكراهة تركها عَلَى وجه التشديد والتنطع.
عَنْ عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبي ﷺ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ-رضي الله عنه- قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟" -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) متفق عليه.
جَوَاز الفطر في السفر وكذلك جَوَاز الصوم لمن لا يضره.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ" متفق عليه.
الغزو في رمضان، والفطر في نهاره؛ لئلَّا يضعفوا عن الحرب.
عن أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ-رضي الله عنه-قال: "كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبي ﷺ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ" متفق عليه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً، فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ" رواه مسلم.
جَوَاز الفطر في السفر وجَوَاز الصوم لمن لا يضره.
عن عَائِشَة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ" متفق عليه.
1- جَوَاز تأخير الغسل من الجنابة في رمضان إلى أن يُدْرِكَهُ الفجر.
2- أن الاحتلام لا يقع للنبي ﷺ لأن الاحتلام من الشَّيطان وهو معصوم منه.
3- صحة صوم من أدركه وقت الفجر وهو جنب من احتلام أو من جماع أهله.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبي ﷺ قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِد الْحَرَامِ. قَالَ: (فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ) متفق عليه.
1- جَوَاز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن الليل ليس ظرفا للصوم، فلو كان شرطًا لأمر النَّبي ﷺ به.
2- أن الاعتكاف قربة تلزم بالنذر.
3- أنه يصح أن يكون الاعتكاف يوما أو ليلة.
عَنْ عَائِشَة وعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَم- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ" متفق عليه.
1- أن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة.
2-مشروعيته للنساء.
3- أنه ليس من خصائصه ﷺ.
4- أنه لم ينسخ.
عن صَفِيَّةَ زَوْجِ النَّبي ﷺ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِد فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبي ﷺ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِد عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمَا النَّبي ﷺ :(عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ). فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ الشَّيطان يَبْلُغُ مِنَ الإِنسَان مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شيئًا) متفق عليه.
1. يَقْلِبُهَا: يردها إلى منزلها.
2. (عَلَى رسلكما): لا تسرعا في المشي؛ لظنٍّ قد يقع في قلوبكما.
1-كمال شفقته ﷺ عَلَى أمته، ومراعاته لمصالحهم، وصيانته قلوبهم وجوارحهم.
2-جَوَاز زيارة المرأَة لزوجها المعتكف في ليل أو نهار، وأنه لا يضرُّ اعتكافَه.
3-استحباب التحرّز من التعرّض لسوء ظن الناس في الإِنسَان، وطلب السَّلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة.
4-التحفظ من مكايد الشَّيطان؛ فإنه يجري من الإِنسَان مجرى الدم.
5-جَوَاز التسبيح تعظيمًا للشيء وتعجبًا منه، وقد كثر في الأحاديث، وجاء به القرآن في قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك}.
عن عُرْوَةَ بنِ الزبير-رضي الله عنه، قال: "أَخْبَرَتْنِي عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِد، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ" متفق عليه.
مجاور: معتكف.
1- أن المعتكف ممنوع من الخروج من المَسْجِد إلا لغائط أو بول إلا إذا اشتراط الخروج لأمر مباح محدد.
2- طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته.
3- أن الحائض لا تدخل المَسْجِد.
4- جَوَاز التنظُّف والتطيُّب والغسل والحَلْق والتزُّين للمعتكف إلحاقا بالترجُّل.
5- أن إخراجه رأسه يدلُّ عَلَى اشتراط المَسْجِد للاعتكاف.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ النَّبي ﷺ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا" رواه البخاري.
1. للعلماء أقوال في سبب اعتكافه في هذا العام عشرين يومًا:
· قيل: لأن جبريل - عليه السَّلام - عارضه القرآن في ذلك العام مرَّتيْن، فاعتكف عشرين يومًا لفعل جبريل؛ حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة.
· وقيل: لأنه ﷺ علم بانقضاء أجله؛ فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل، ليلقوا الله عَلَى خير أحوالهم.
· قيل: لأنه ﷺ كان يعتكف عشرا، فسافر عام تسع إلى تبوك فلم يعتكف، فاعتكف من قابل عشرين يومًا.
وقيل غير ذلك.
عَنْ عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ؛ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" متفق عليه.
(شدَّ مئزره): المئزر هو: ما يلبس من الثياب أسفل البدن، وهذا كناية عن اعتزال النِّساء والاجتهاد في العِبَادَة.
1- استحباب تخصيص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في غيرها.
2- استحباب الاجتهاد في إحياء الليل وإيقاظ الأهل في هذه العشر اقتداءً به ﷺ.
3- استحباب التقلل من الصوارف عن العِبَادَة في هذه العشر.
4- الحثّ عَلَى تجويد الخاتمة في العمل بالحرص عَلَى مداومة القيام في العشر الأخيرة.
عَنْ عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) متفق عليه.
عن أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه.
1- الحثّ عَلَى قيامِ رمضانَ.
2- الحثّ عَلَى الإخلاصِ، واحتسابِ الأعمالِ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبي ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) متفق عليه.
1. قوله: (أُرُوا ليلة القدر) أروا بضم أوَّله عَلَى البناء للمجهول، أي: قيل: لهم في المنام: إنها في السبع الأواخر.
2. قوله: (تواطأت) بالهمزة أي: توافقت وَزْنا ومعنى، والمقصود بها:
أ- أن توافق جماعة عَلَى رؤيا واحدة دالٌّ عَلَى صدقها وصحتها، كما تستفاد قوة الخبر من التوارد عَلَى الإخبار من جماعة.
ب- أن السبع الأواخر أرجى من غيرها أن تكون فيها ليلة القدر. والله أعلم.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبيونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) متفق عليه.
استحباب هذا الدعاء في صلاة الليل.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟) رواه البخاري.
١- إثبات صفة نزول الله -تبارك وتعالى - إلى سماء الدُّنيا كما يليق بجلاله وعظمته.
٢- الحثّ عَلَى الإكثار من الدعاء والاستغفار في هذا الوَقْت الجليل.
عن الْمُغِيرَةَ بن شعبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "إِنْ كَانَ النَّبي ﷺ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) متفق عليه.
كثرة اجتهاده ﷺ في قيام الليل.
قال عَبْدُ اللَّهِ بنُ مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي ﷺ لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبي ﷺ متفق عليه.
طول صلاته ﷺ في قيام الليل.
عَن ابن عَباس - رضي الله عنهما- عَن النَّبي ﷺ أَنهُ قَالَ: (مَا العَمَلُ في أَيام العَشر أَفضَلَ منَ العَمَل في هَذه). قَالُوا: وَلَا الجهَادُ؟ قَالَ: (وَلَا الجهَادُ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطرُ بنَفسه وَمَاله فَلَم يَرجع بشَيء) رواه البخاري.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ). يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه أبو داود.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ) رواه أحمد.
١- فضل الأعمال الصالحة في العشر من ذي الحجة عَلَى سائر الأيام.
٢- أن العمل الصالح في هذه العشر أفضل من الجهاد في سبيل الله الذِي هو ذورة سنام الإسلام إلا من قتل في سبيل الله.
٣- استحباب الإكثار من الذكر وخصوصا التكبير والتهليل والتحميد.
عن أبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) متفق عليه.
1. (فلم يرفث): الرفث: الجماع، ويطلق عَلَى التعريض به وعَلَى الفحش في القول.
2. (رجع كيوم ولدته أمه)، أي: بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات.
أن الحج الخالي عن المخالفات الشرعية صغيرة أو كبيرة يكفر جميع الذنوب، فهنيئا لمن وفق للحج فصانه عن الرفث والفسوق.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي، وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا) رواه أحمد وصحح الألباني.
(يحط الخطايا حطا): يسقطها وهي كناية مغفرتها. وأكّدها بالمصدر.
فضل استلام الركنين، وأنَّ مسحَهما يكفِّر الصغائر ويمحوها.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ-رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
فَضِيلَة عظيمة للتلبية، لأن ترديد ما يسمعه لتلبيته دليلٌ عَلَى فضيلتها وشرفها ومكانتها عند الله، ويجوز أن يكتبَ له أجرُ هذه الأشياء؛ لأن ما صدر عنها من الذكر هو تبع له فصار كأنه دالٌّ عَلَى الخير.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا) رواه أحمد وحسنه أحمد شاكر رحمهما الله تعالى.
قال الساعاتي في "الفتح الرباني": وليس المراد أن صحة الصَّلاة تتوقف عَلَى الأضحية، بل هو زجر له وطرد عن مجالس الأخيار؛ وإعلام بأنه ليس مع جماعة المسلمين ولا عَلَى طريقهم الكاملة.
تأكد سنية الأضحية ومشروعيتها.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئًا)
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعَرًا، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا)
عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي ﷺ قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شيئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ) رواها مسلم
نهي من كان لديه أضحية عن الأخذ من شعره وظفره منذ رؤية هلال ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته.
قال أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، رَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَسَمَّى وَكَبَّرَ" متفق عليه.
1. الأملح: الذِي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر، وقيل: هو الأبيض الخالص.
2. أقرنين أي لكل واحد منهما قرنان حسنان.
3. صفاحهما: مثنى صفاح وهو الجانب
١- تأكد استحباب الأضحية وقال بعض العلماء بوُجُوبها عَلَى القادر.
٢- وُجُوب التسمية عند الذبح.
٣- استحباب التكبير مع التسمية عند الذبح.
٤- استحباب وضع الرجل عَلَى صفحة عنق الأضحية الأيمن.
عن أبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- عن النَّبي ﷺ قال: (ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر). قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: (نعم) رواه الطبراني وحسنه الألباني
الفضل العظيم للإكثار من التكبير والتلبية.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاة فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاة، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ) متفق عليه.
عَنْ جُنْدَبٍ بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى النَّبي ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ) متفق عليه.
أن وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد، ولا يصح قبلها ومن ذبحها قبل الصَّلاة فعليه أن يذبح مكانها أخرى.
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا رُئِيَ الشَّيطان يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ)، قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ) رواه مالك في الموطأ.
1. (أدحر)، أي: أذلّ وأبعد.
2. (يَزَعُ): أصلها يكفّ ويمنع، والمراد: يرتّبهم ويصفُّهم للحرب، فكأنه يكفُّهم عن التفرُّق والانتشار.
١- فضل الحج وشهود عرفة.
٢- بيان سعة فضل الله عَلَى المذنبين حيث يغفر في يوم عرفة الكبائر والذنوب العظام.
٣- بيان حسد إبليس وعداوته- لعنه الله- للمؤمنين.
٤- بيان ما يعتري الشَّيطان في يوم عرفة من ذل وهوان.
٥- إثباتُ قتال الملائكة في يوم بدر.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها-: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) رواه مسلم.
ذكر ابنُ رجب - رحمه الله – في اللطائف: أن العتقَ من النار عام لجميع المسلمين.
قال رحمه الله: يوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله من النار من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذِي يليه عيدًا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، مَنْ شهد الموسم منهم، ومَنْ لم يشهده لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كل عام رحمة
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبيونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواه الترمذي وحسنه الألباني رحمهما الله تعالى.
وصف بعض العلماء الدعاء يوم عرفة بوصف مختصر دقيق فقال: "هو أَجْزَلُ إِثَابَةً وَأَعْجَلُ إِجَابَةً".
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "أَتَى رَجُلٌ النَّبي ﷺ فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ". فَقَالَ النَّبي ﷺ: (لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ) متفق عليه.
١- جَوَاز النيابة في الحج.
٢- أن الحج إذا وجب في ذمة المكلَّف فلا يسقط إلا بأدائه.
٣- مَشرُوعيَّة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع، وأقربَ إلى سرعة فهمه.
٤- تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه.
٥- أنه يستحب للمفتي التنبيه عَلَى وجه الدليل إذا ترتبت عَلَى ذلك مصلحةٌ وهو أطيبُ لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه.
٦- أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقررًا؛ ولهذا حسن الإلحاق به.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَأوَّلتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ -وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيطان فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا) رواه البخاري.
1. تقأوَّلت: أي: قاله بعضهم لبعض.
2. بعاث: هو يوم جرت فيه بين الأوس والخزرج في الجاهلية حربٌ.
3. وليستا بمغنيتين، أي: ليس الغناء عادةً لهما، ولا هما معروفتان به. فليستا ممن يتغنّى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال، وما يحرِّك النفوسَ، ويبعث الهوى والغزل.
١- مَشرُوعيَّة التوسعة عَلَى العيال في أيام الأعياد بالمباح.
٢- أن ما أبيح من الإنشاد والغناء ليس فيه ما يقع الآن من الغناء المبتذل المثير للغرائز المشتملِ عَلَى كثير من المنكرات والمخالفات الشرعية من المعازف وغيرها.
٣- أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
٤- جَوَاز دخول الرجل عَلَى ابنتِه وهي عند زوجِها إذا كان له بذلك عادة.
٥- جَوَاز تأديب الأب ابنته بحضرة زوجها.
٦- الرفقُ بالمرأَة واستجلابُ مودتها.
٧- كمال خلقه ﷺ وحسن عشرته لأهله وللناس.
عن أُمِّ عَطِيَّةَ-رضي الله عنها-قالت: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى" متفق عليه.
1. (العواتق): جمع عاتق، وهي الجارية البالغة.
2. (ذوات الخدور): جمع "خِدْر" وهو: ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه.
1- استحباب خروج النِّساء إلى شهود العيدين.
2- أن من شأن العواتق والمخدَّرات عدمَ البروز إلا فيما أذن لهنّ فيه.
3- أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطنَ الخير كمجالس العلم والذكر سوى المَسَاجِد.
قال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن المصلى: أن في وقوفهنّ وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال، فاستحب لهن اجتناب ذلك.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما-قال: "إِنَّ النَّبي ﷺ قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاة ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ فَأَتَى النِّساء فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّساء صَدَقَةً" متفق عليه.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-قال: صلى النَّبي ﷺ يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّساء وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي المرأَة خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا" متفق عليه.
1. الخُرْص: الحلقة الصغيرة من الحلي.
2. السِّخاب: هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره، ولا يكون فيه خرز، وقيل هو خيط فيه خرز.
1- استحباب تخصيص النِّساء بموعظة في خطبة العيد.
2- لا تشرع سنة قبل صلاة العيد ولا بعدها.
3- أن عطية المرأَة البالغة وصدقتها بغير إذن زوجها جائزة ماضية، ولو كان ذلك مفتقرًا إلى إذن الأزواج لم يكن النَّبي ﷺ ليأمرهن بالصدقة قبل أن يستأذن أزواجهن في ذلك.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا" رواه البخاري
عن جَابِرِ بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-قال: كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ". رواه البخاري.
1- المبادرة بامتثال أمر الله تعالى بالفطر بعد رمضان.
2- استحباب أن يفطر عَلَى التمر.
3- استحباب قطع ما يأكله من التمر عَلَى وتر، وفيه الإشَارة إلى وحدانية الله تعالى، وكان ﷺ يفعله في جميع أموره تبركًا بذلك.
4- استحباب الذهاب إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ) رواه البخاري.
١- الحض عَلَى حسن النية.
٢- بيان شدة شفقة النَّبي ﷺ عَلَى أمته ورأفته بهم.
٣- استحباب طلب القتل في سبيل الله.
٤- جَوَاز قول: وددت حصول كذا من الخير، وإن علم أنه لا يحصل.
٥- ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح أو لدفع مفسدة.
٦- جَوَاز تمني ما يمتنع في العادة.
٧- السعي في إزالة المكروه عن المسلمين.
عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ: (لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ -يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا) رواه البخاري.
1. قوله: (قاب) أي: مقدار.
2. قوله: (غدوة): المرة الواحدة من الغدوّ، وهو السير في أي وقت من أوَّل النهار إلى انتصافه.
3. قوله: (روحة): المرة الواحدة من الرواح، وهو السير في أي وقت من الظهر إلى آخر النهار.
4. قوله: (ولنصيفها) أي: خمارها.
الفضل العظيم للجهاد في سبيل الله.
عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ) متفق عليه.
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنيا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى) متفق عليه.
الفضل العظيم للجهاد في سبيل الله، وهذا أجل ما جاء في فضل الشهادة، وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ. قَالَ: (لَا أَجِدُهُ). قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟). قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيرَة: إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ. متفق عليه.
1. يستن، أي: يمرح بنشاط.
2. طوله: وهو الحبل الذِي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى.
فضل الجهاد وعظيم أجره، وأنه أفضل من الإكثار من نوافل الصَّلاة والصيام.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) متفق عليه.
١- فضل الجهاد في سبيل الله.
٢- أن الفضائل لا تدرك دائمًا بالقياس، بل هي بفضل الله تعالى.
٣- استعمال التمثيل في توضيح الأحكام.
٤- أن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لأعيانها، وإنما تحصل بالنية الخالصة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاة، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا). فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعَلَى الْجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) رواه البخاري.
١- فضل المجاهدين في سبيل الله وعلو منازلهم في الجنة.
٢- عظم الجنة ودرجاتها وأعظمها الفردوس.
٣- أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة، وإما بما يوازيه من الأعمال الصالحة؛ لأنه ﷺ أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد للمجاهدين.
4- إثبات العرش وأنه في العلو، وفيه إثبات العلو لله سبحانه وتعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ - إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ) متفق عليه.
يُكْلم: يجرح.
١- إظهار شرف المجاهد لأهل الموقف يوم القيامة بما فيه من رائحة المسك الشاهدة بالطيب.
٢- بيان عظيم فضل الجهاد، والترغيب فيه.
٣- أن الإخلاص شرط لنيل هذا الفضل لمن جاهد في سبيل الله.
عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: أَتَى النَّبي ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ؟ قَالَ: (أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ). فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (عَمِلَ قليلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا). رواه البخاري.
مقنَّعٌ بالحديد: كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب.
١-أن الكافر لا يؤجر عَلَى عمله ولو كان نافعا إلا بعد إسلامه.
٢-أن الأجر الكثير قد يحصل بالعمل اليسير فضلا من الله وإحسانا.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ أَتَتِ النَّبي ﷺ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ؟ - وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ -فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: (يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعَلَى) رواه البخاري.
سهم غرب، أي: سهم لا يعرف راميه.
١- أن كل من خرج في سبيل الله فقتل فهو شهيد، ولو برمية طائشة من سهم أو رصاصة أو نحوهما.
٢- أن منازل الشهداء في الفردوس الأعَلَى.
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبْرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ) رواه البخاري.
قال ابن الأثير: وسبيل الله عام يقع عَلَى كلّ عمل خالص، سُلك به طريق التقرّب إلى اللَّه تعالى بأداء الفرائض، والنوافل، وأنواع التطوّعات، وقد حمله الإِمَام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في صحيحه عَلَى عموم أنواع الطاعات؛ ولذلك ترجم في كتاب الجمعة (باب المشي إلى الجمعة)، ثم أورد هذا الحديث عملًا بعموم اللفظ؛ ولأن راوي الحديث استدلّ به عَلَى ذلك.
فضل الجهاد في سبيل اللَّه تعالى.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) متفق عليه.
1. قوله: (من صام يومًا في سبيل الله) في معناه أقوال:
· قال ابن الجوزي: إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد.
· وقال القرطبي: سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصدا وجه الله.
· وقال ابن دقيق العيد: العرف الأكثر استعماله في الجهاد، فإن حمل عليه كانت الفَضِيلَة لاجتماع العبادتين، ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى؛ لأن الصائم يضعف عن اللقاء لأن الفضل المذكور محمول عَلَى من لم يخش ضعفا ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية، فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين.
فَضِيلَة عظيمة للصوم خصوصًا إذا كان في الجهاد في سبيل الله.
عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) متفق عليه.
1. (فقد غزى)، أي: أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة.
2. (خلف غازيا)، أي: قام مقامه في رعاية أهله.
الحثّ عَلَى الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين، أو قام بأمر من مهماتهم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) رواه البخاري.
أن من حبسه العذر من أعمال البر مع نية فيها يكتب له أجر العامل به.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري.
(احتبس فرسًا): أوقفه وأرصده وأعده.
١- أن المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل.
٢- لا بأس بذكر الشيء المستقذر بلفظه للحاجة لذلك.
٣- الترغيب في اقتناء الخيل وتوقيفها في سبيل الله ليجاهد عليها الغزاة.
٤- أن كل ما يستعان به عَلَى الجهاد في سبيل الله يؤجر صاحبه عَلَى ما أنفق عليه.
٥- جَوَاز وقف المنقولات كما يجوز وقف غير المنقولات.
عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: (يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى). قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنيا". فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شيئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ". فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبي ﷺ حَتَّى تُوُفِّيَ. متفق عليه.
1. خضر حلو، أي: مُشتهى مرغوب فيه.
2. بسخاوة نفس، أي: بغير شره ولا إلحاح.
3. إشراف نفس: طمع وتطلع.
4. لا أرزأ أحدا: لا أنقص ماله بالطلب منه.
5. الفيء: ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب.
١-الترغيب في الاستعفاف عن السُّؤال والقناعة والرضا بالقليل.
٢- أن الفائدة في المال ليست في عينه، وإنما هي لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم.
٣- أن من أخذ المال من طرقه المشروعة عن سماحة نفس وقنع بما أعطاه الله منه بارك الله له فيه.
٤- فضل حكيم بن حزام ووفائه بما عاهد رسول الله ﷺ عليه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، آثَرَ النَّبي ﷺ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبي ﷺ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" متفق عليه.
١- جَوَاز تألف حديثي العهد بالإسلام بالمال لترغيبهم في الإسلام وتثبيتهم عليه.
٢- يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق.
٣- عظم صبره ﷺ عَلَى ما كان يلقاه من الناس.
٤- أن تنقص أحكام الشرع والطعن فيها من أعظم المحرمات.
٥- التذكير بالاقتداء بالسابقين من الأنبياء والصالحين.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ؛ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ) رواه البخاري.
١- التحذير من فتنة المال.
٢- دليل من دلائل نبوته ﷺ لوقوع ما أخبر به من كثير من الناس.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبي ﷺ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبي ﷺ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ). وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ. رواه البخاري.
1. الإهالة: كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به. وقيل: ما أُذيب من الألية والشحم. وقيل: الدسم الجامد.
2. سنخة، أي: متغيرة الريح.
١- جَوَاز معاملة الكفار فيما لم يتحقَّق تحريم عين المتعامل فيه.
٢- جَوَاز معاملة من أكثرُ مالِه حرامٌ.
٣- جَوَاز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيًّا.
٤- جَوَاز الشراء بالثمن المؤجل.
٥- ما كان عليه النَّبي ﷺ من التواضع والزهد في الدُّنيا والتقلل منها مع قدرته عليها.
٦- فَضِيلَة أزواجه رضي الله عنهن لصبرهن معه عَلَى شظف الحياة وقلة ذات اليد.
عَنِ الْمِقْدَامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلام- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري.
1-وقوع البركة في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير.
2-فضل الكسب من عمل اليد.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) رواه البخاري.
1. سمْحا: أي سهلا، وهي صفةٌ مشبهةٌ تدل عَلَى الثبوت.
2. اقتضى: أي طلب قضاء حقه بسهولةٍ وعدمِ إلحاف.
١- الحضُّ عَلَى السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحَّة.
٢- الحضُّ عَلَى ترك التضييق عَلَى الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ) رواه البخاري.
١- أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله كفَّر كثيرا من السيئات.
٢- أن الأجر يحصل لمن يأمر به وإن لم يتولَّ ذلك بنفسه.
٣- فضل إنظار المعسر والتيسيرِ عليه.
عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا - أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) متفق عليه.
١- حصول البركة للبائع والمشتري إذا حصل منهما الصدق والتبيين، ومحقِها إن وجد ضدُّهما وهو الكذب والكتم.
٢- أن الدُّنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح.
٣- أن شؤم المعاصي يذهب بخير الدُّنيا والآخرة.
عن أَبي مَسْعُودٍ-رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبي ﷺ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَدَعَاهُمْ فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَائْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ). فَقَالَ: "لَا، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ" متفق عليه.
قصَّاب: أي جزار.
١- بيان ما كانوا فيه من شظف العيش وقلة ذات اليد.
٢- تأكيد إطعام الطَّعَام والضيافة خصوصا لمن علم حاجته لذلك.
٣- ينبغي لمن دعا من له منزلة إلى طعامه أن يدعو معه أصحابه الذِين هم أهل مجالسته.
٤- ينبغي لمن أراد أن يدعو جماعة أن يصنع لهم من الطَّعَام كفايتهم.
٥- لا ينبغي للمدعو أن يرد من تبعه إلى الدعوة، بل يستأذنه عليه لجَوَاز أن يأذن له.
٦- ينبغي للمدعو أن يستأذن صاحب المنزل فيمن تبعه إلى الدعوة، لئلَّا ينكسر خاطره ما لم يكن ثمة داع لعدم دخوله.
٧- ينبغي للمدعو إذا استأذن لمن تبعه أن يتلطف في الاستئذان ولا يتحكم عَلَى صاحب المنزل بقوله: ائذن لهذا، ونحو ذلك.
٨- ينبغي للمدعو إذا استأذن لمن تبعه أن يعلم صاحب الدعوة أن الأمر في الإذن إليه، وأنه ليس للمدعو أن يحتكم عليه.
٩- ينبغي للداعي إذا استأذن المدعو فيمن تبعه أن يأذن له.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ) متفق عليه.
1. (مُنفِّقة للسلعة): سبب لسرعة بيعها، وكثرة الرغبة، والحرص عليها بسبب اليمين.
2. (ممحقة للكسب): سبب لذهاب بركة الكسب ونفعه.
التحذيرُ من الحلف لترويج السلعة خصوصا لو كان الحالف كاذبا فإن فيه ذهابَ بركةِ ماله ولو نفقت سلعتُه وأغرى الناسَ بشرائها بيمينه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ تعالى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ) رواه البخاري.
(أعطى بي ثم غدر)، أي: عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه.
الترهيبُ من الغدر والخيانة.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: وَاللَّهِ الذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا. فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ). ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قليلًا}. متفق عليه.
1. (فضل ماء): زائد عن حاجته.
2. خصَّ بعد العصر بالحلف؛ لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في ذلك الوَقْت.
١- عظم إثم من منع الناس من الانتفاع بالعيون والآبار التي تكون في طريقهم.
٢- عظم إثم من بايع إمامه لأجل تَحَصُّلِه عَلَى عرض من الدُّنيا وتسخطه إذا انتقص منها.
٣- عظم إثم من كذب في يمينه؛ ليروِّجَ سلعته.
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ قُبَاءً، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أوَّل شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ، فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أوَّل مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ، فَلَا يُولَدُ لَكُمْ. متفق عليه.
1. المُتِّم: الحامل التي أتمت مدة الحمل وقاربت الوضع.
2. التحنيك: دلك حنك الصبي بتمر ونحوه بعد مضغه.
١- عدة مناقب لعبد الله بن الزبير.
٢- مَشرُوعيَّة الإتيان بالمولود إلى الرجل الصالح ليحنكه ويدعو له بالبركة
٣- مَشرُوعيَّة الفرح برد المقالة الكاذبة.
عن سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) رواه البخاري.
(أميطوا عنه الأذى)، ومما قيل في معناه:
أ- بحلق شعره.
ب- بتطهيره من الأوساخ التي تلطخ به عند الولادة.
ج- بالختان.
١- استحباب العقيقة، وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم السابع من مولده.
٢- استحباب تنظيف المولود يوم سابعه بإزالة ما به من قذر.
عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَام وَالشَّرَابَ). وَأَحْسِبُهُ قَالَ: (وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ) متفق عليه.
(أوكوا الأسقية): شدوا أفواهها بالوكاء، والوكاء: رباط القربة وغيرها.
1-الإرشاد إلى عدم النَّوم وترك النيران مشتعلة.
2-الأمر بغلق الأبواب عند النَّوم.
3-الحثّ عَلَى تغطية الإناء، فإذا لم يجد شيئًا يضع عليه عودا، ويذكر اسم الله؛ لما في ذلك من الحكم والأسرار الجليلة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا) رواه البخاري.
1. (غير مكفي)، أي: لا أحد يطعمه سبحانه، ولا أحد يسقيه حاشاه -سبحانه وتعالى- فلا يحتاج إلى أحد، بل هو الذِي يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ سبحانه وتعالى.
2. (ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا)، أي: لا نودع ولا نستغني عن ربنا سبحانه وتعالى، ولا نودع هذا الطَّعَام بحيث يكون آخر طعام.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ - وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ - قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ). وَقَالَ مَرَّةً: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا) رواه البخاري.
(ولا مكفور)، أي: مجحود فضله ونعمته.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَأوَّلهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ - أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ - فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ) متفق عليه.
1. أُكلة: لقمة.
2. علاجه: صنعه وإنضاجه.
١- الحثّ عَلَى مكارم الأخلاق.
٢- المواساة في الطَّعَام، لا سيما في حق من صنعه أو حمله.
٣- استحباب إطعام الخادم من غالب القوت الذِي يأكل منه أهل البيت.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أُتِيَ النَّبي ﷺ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: (يَا غُلَامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الْأَشْيَاخَ؟) قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. متفق عليه.
١- فضيلة اليمين على الشمال.
٢- أن من استحق شيئا لم يدفع عنه، صغيرا كان أو كبيرا، إذا كان ممن يجوز إذنه.
٣- حسن تعامله ﷺ مع الصغار، وتقديرهم، وعدم التقليل من شأنهم في المجالس وغيرها.
٤- نباهة هذا الغلام وذكاؤه وحسن منطقه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الذِي بَلَغَ بِي. فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) متفق عليه.
يلهث: يخرج لسانه من شدة العطش.
١- الحثّ عَلَى الإحسان إلى الحيوان، إلا الضار منه كالفواسق الخمس (الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديَّا)، وما في معناها فإنها تقتل حيثما وجدت.
٢- الحثّ عَلَى الإحسان إلى الناس؛ لأنه إذا حصلت المغفرةُ بسبب سَقْيِ الكلب فسَقْيُ المسلمِ أعظمُ أجرا.
٣- أن يسير العمل إذا صاحبته نيةٌ صالحةٌ يبلغ بصاحبه منازلَ عظيمةً عند الله.
قَالَ أَبُو هُرَيرَة-رضي الله عنه-: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَأَخَذَ اللَّبَنَ. قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ؛ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ" متفق عليه.
1. إيلياء: مدينة بيت المقدس.
2. الفطرة: الإسلام والاستقامة.
3. غوت أمتك: ضلت وانهمكت في الشر. والمقصود أنه لو شربها لأحل للأمة شربها فوقعوا في ضررها وشرها.
١- استحباب حمد الله عند تجدد النعم، وحصول ما كان الإِنسَان يتوقع حصوله، واندفاع ما كان يخاف وقوعه.
٢- استقامة المُقتدى به سبب لاستقامة أتباعه؛ لأنه بمنزلة القلب للأعضاء.
٣-عناية الله سبحانه وتعالى بنبيّه ﷺ فِي جميع أموره.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: الْأَيْمَنَ الْأَيْمَنَ". متفق عليه.
١-مَشرُوعيَّة تَقْدِيم من هو عَلَى يمين الشارب في الشرب وإن كان مفضولًا بالنسبة إلى من كان عَلَى يسار الشارب.
٢-جَوَاز شوب اللبن بالماء لنفسه ولأهل بيته ولأضيافه، وإنما يمتنع شوبه بالماء إذا أراد بيعه لأنه غش.
٣-أن من قدم إليه شيء من الأكل أو الشرب فليس عليه أن يسأل من أين هو وما أصله؟ إذا علم طيب مكسب صاحبه في الأغلب.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبي ﷺ وَقَدْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ، فَأُتِيَ النَّبي ﷺ بِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: (حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوَضُوءِ، الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ). فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لَا آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ. قيل لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ" رواه البخاري.
1. غير فضلة، أي: بقية من ماء
2. لا آلو: لا أقصِّر، والمراد أنه جعل يستكثر من شربه من ذلك الماء لأجل البركة.
١- بركة النَّبي ﷺ فيما يباشره من الطَّعَام والشراب.
٢- أنه لا سرف ولا شره في الطَّعَام أو الشراب الذِي تظهر فيه البركة بالمعجزة، بل يستحب الاستكثار منه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ". فَقَالَ النَّبي ﷺ: (لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ) متفق عليه
1. يسترخي: سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر رضي الله عنه.
2. (إلا أن أتعاهد ذلك منه): يسترخي إذا غفلت عنه، فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختيار.
١- الوعيد الشديد لمن جر ثوبه تكبرا.
٢- أنه لا حرج عَلَى من انجر إزاره بغير قصده مطلقا.
٣- اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصلٌ مطرد غالبا.
٤- تزكية أبي بكر الصديق رضي الله عنه بسلامة نفسه من الكبر.
عن أَبي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبي ﷺ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا، حَتَّى أَتَى المَسْجِد وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شيئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا) متفق عليه.
1. يجر ثوبه، أي: إزاره.
2. وثاب الناس، أي: رجعوا إلى المَسْجِد بعد أن كانوا خرجوا منه.
أن جرَّ الثوب إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النَّهي الوارد في الحديث السابق؛ لأنه ليس فيه خيلاء.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ) رواه البخاري.
1. (ما أسفل من...): الموضع الذِي يناله الإزار من أسفل الكعبين يعذب في النار.
النَّهي عن إطالة الإزار إلى ما أسفل من الكعبين لعموم الحديث.
قال الشيخ عبد الكريم الخضير - حفظه الله -:
"حديث (من جر ثوبه خيلاء...) مقيد، وحديث: (ما أسفل من الكعبين) مطلق، وقال بعضهم: إن المطلق يحمل عَلَى المقيد، فإذا برئ الإِنسَان وسلم من الخيلاء والكبر فإنه يجوز له إرخاء ثوبه أسفل من الكعبين، لكن بالنظر إلى قواعد حمل المطلق عَلَى المقيد نجد أنه لا يمكن حمل المطلق عَلَى المقيد هنا؛ للاختلاف في الحكم والسبب؛ وإذا اختلف الحكم والسبب فلا يحمل المطلق عَلَى المقيد اتفاقًا، الحكم مختلف هنا في النار، وهناك: (لم ينظر الله إليه يوم القيامة) هذا الحكم أشد، مناسب لما اقترن بمجرد الإسبال إذا اقترن معه الخيلاء، إذا اقترن مع الإسبال الخيلاء فالحكم أشد، فجاء حكم يناسب، إذا كان مجرد إسبال من غير خيلاء فحكمه مناسب (ما أسفل من الكعبين ففي النار).
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ النَّبي ﷺ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ؛ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
1. (الحُلَّة): ثوبان أحدهما فوق الآخر، وقيل: إزار ورداء، وهو الأشهر.
2. (تعجبه نفسه): ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله.
3. (مرجِّل): ترجيل الشعر: تسريحه ودهنه.
4. (جُمَّته): هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين، وإلى أكثر من ذلك.
5. (يتجلجل): يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق.
١- أن عقوبة بعض الذنوب قد تعجل في الدُّنيا.
٢- أن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته من كبائر الذنوب.
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: (لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ) متفق عليه.
1. الفَرُّوْج: ثوب ضيِّق الكمَّين ضيق الْوسط مشقوقٌ من خلف.
2. (فلبسه ثم صلى فيه): كان ذلك قبل تحريم لبس الحرير.
١- تحريم لبس الحرير عَلَى الرِّجال إلاّ في حالات مرضية استثنائية كحالة الجرب مثلًا.
٢- تحريم الصَّلاة في الثوب الحرير، فمن فعل ذلك، صحت صلاته مع الإِثم والعصيان، وهو مذهب الجمهور.
عن حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "نَهَانَا النَّبي ﷺ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" متفق عليه.
الدِّيبَاجُ: ما غلظ من ثياب الحرير.
١- تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
٢- تحريم لبس الحرير الخالص للرجال لغير عذر شرعيٍّ من جَرَبٍ أو نحوِه
٣- تحريم افتراش الحرير.
عَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبي ﷺ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبي ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبي ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ. قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. رواه البخاري.
البردة: كساء يُلتحف به.
١- حسن خلق النَّبي ﷺ وسعة جوده.
٢- قبوله ﷺ الهدية.
٣- جَوَاز استحسان الإِنسَان ما يراه عَلَى غيره من الملابس وغيرها، إما ليعرِّفَه قدرها، وإما ليعرضَ له بطلبه منه؛ حيث يسوغ له ذلك.
٤- مَشرُوعيَّة الإنكار عند مخالفة الأدب ظاهرا، وإن لم يبلغ المنكر درجة التحريم.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبي ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبي ﷺ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ" متفق عليه.
1. بُرْد: ثوب مخطط.
2. حاشية الرداء: جانبه وطرفه.
3. عاتق: ما بين المنكب والعنق، والمنكب: مجتمع رأس الكتف والعضد.
١- بيان حلمه ﷺ وصبره عَلَى الأذى في النفس والمال.
٢- أنَّ مَن ولي عَلَى قوم يُستحبُّ له احتمال أذاهم.
٣- استحباب تألف حديث العهد بالإسلام بشيء من المال.
عن أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ-رضي الله عنها- قالت: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟). فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ، قَالَ: (ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ). فَأُتِيَ بِيَ النَّبي ﷺ فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي). مرَّتيْن، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: (يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا، وَيَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا). وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ: الْحَسَنُ. رواه البخاري.
1. (أبلي وأخلقي): فعلَا أمر من الإبلاء والإخلاق، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي: أنها تطول حياته حتى يبلي الثوب ويخلق، أي: يتمزق ويتقطع.
2. الخميصة: كساء مربع من صوف أو غيره به خطوط أو نقوش.
3. عَلَم: نقش أو رسم.
١- حسن خلقه ﷺ وتحبَّبه إلى الأطفال.
٢- الدُّعَاء لمن يلبس جَدِيدا بطول العمر.
٣- جَوَاز الرطانة بغير العربية.
٤- جَوَاز تكنية الصغار.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي: يَا أَنَسُ، انْظُرْ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَا يُصِيبَنَّ شيئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبي ﷺ يُحَنِّكُهُ. فَغَدَوْتُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّةٌ، وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ." متفق عليه.
1. حائط: بستان.
2. حُرَيْثِيَّةٌ: منسوبة إلى حُرَيْث وهو رجل من قُضَاعة.
3. يسم: يضع عليه علامة بالكي ليعرف.
4. الظهر: الإبل.
١- اعتناء الإِمَام بأموال الصدقة وتولِّيها بنفسه، ويلتحق به جميع أمور المسلمين.
٢- جَوَاز إيلام الحيوان للحاجة.
٣- قصد أهل الفضل لتحنيك المولود؛ لأجل البركة.
٤- مباشرة أعمال المهنة وترك الاستنابة فيها؛ رغبةً في زيادة الأجر ونفي الكبر.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أنه سئل: أَكَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. رواه البخاري
جَوَاز الصَّلاة في النعال، ما لم يتحقَّق عليها نجاسة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ، فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِيَكُنِ اليُمنى أوَّلهُمَا تُنْعَلُ، وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ) متفق عليه.
انتعل: لبس النعل.
1. قال النووي: يستحب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم أو الزينة، والبداءة باليسار في ضد ذلك كالدخول إلى الخلاء ونزع النعل والخف، والخروج من المَسْجِد والاستنجاء ونحو ذلك
2. قال الحليمي: وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة؛ لأنه وقاية للبدن، فلما كانت اليُمنى أكرم من اليُسرى بدئ بها في اللبس، وأخرت في الخلع؛ لتكون الكرامة لها أدومَ، وحظُّها منها أكثرَ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جميعًا) متفق عليه.
يكره المشي في نعل واحدة، أو خف واحدة، أو مداس واحد إلا لعذر، وسببه أن ذلك تشويه ومُثْلَةٌ، ومخالف للوقار؛ ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، فيعسر مشيه، وربما كان سببا للعثار.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي. فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ. قَالَ: (عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا؟). قَالَ: لَا. قَالَ: (انْظُرْ). فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ شيئًا). قَالَ: (اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ). فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِي. فَقَالَ النَّبي ﷺ: (إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ). فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبي ﷺ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: (مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ). قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا. لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا، قَالَ: (قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) متفق عليه.
١- جَوَاز عرض المرأَة نفسها عَلَى الرجل وتعريفه رغبتها فيه.
٢- لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة.
٣- من خصائصه ﷺ أن يزوج نفسه بغير ولي ولا شهود ولا استئذان وبلفظ الهبة.
٤- ضيق حال كثير من الصَّحابة رضي الله عنهم وقلة ذات أيديهم.
٥- أنه لا حد لأقل المهر.
٦- حرص الصحابي عَلَى إعفاف نفسه.
٧- أن الهبة في النكاح خاصة بالنَّبي ﷺ لقول الرجل: "زوجنيها" ولم يقل: هبها لي؛ ولقولها هي: "وهبت نفسي لك"، وسكت النَّبي ﷺ عَلَى ذلك، فدل عَلَى جَوَازه له خاصة، مع قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين}.
٨- أن الإِمَام يزوج من ليس لها وليٌّ خاصٌّ لمن يراه كفئًا لها، ولكن لا بد من رضاها بذلك.
٩- أن الهبة لا تتم إلا بالقبول؛ لأنها لما قالت: "وهبت نفسي لك"، ولم يقل: قبلت، ولم يتم مقصودها، ولو قبلها لصارت زوجًا له؛ ولذلك لم ينكر عَلَى القائل: "زوجنيها".
١٠- أن النكاح لا بد فيه من الصَّداق؛ لقوله: (هل عندك من شيء تصدقها؟).
١١- أن الأولى أن يذكر الصَّداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأَة، لأنه يثبت لها نصف المسمّى لو طلقت قبل الدخول.
١٢- استحباب تعجيل تسليم المهر.
١٣- جَوَاز الحلف بغير استحلاف للتأكيد.
١٤- جَوَاز جعل المنفعة صداقًا ولو كان تعليم القرآن.
١٥- لا يشترط في صحة العقد تقدم الخُطبة؛ إذ لم يقع في شيء من طرق هذا الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة.
١٦-حسن خلقه ﷺ ورفقُه بالناس ورحمته بهم.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: (أَيْنَ لُكَعُ؟) ثَلَاثًا، (ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ). فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي، وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبي ﷺ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ) رواه البخاري.
1. السخاب: خيط ينظم به الخرز ويلبس، وقيل: قلادة للصبيان والجواري تتخذ من قرنفل وطيب ونحوه.
2. (لكع): الطفل الصغير. وإذا قيل للكبير قُصد به صغير العلم والعقل.
١- رحمته ﷺ بالصغار، وعطفه عليهم، ومزاحه معهم، وتقبيلهم ومعانقتهم.
٢- جَوَاز إلباس الصبيان القلائدَ والسخبَ ونحوها من الزينة.
٣- منقبة من مناقب الحسن بن علي رضي الله عنهما.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ) متفق عليه.
1. الفطرة، أي: السنة، يعني سنن الأنبياء عليهم السَّلام التي أمرنا أن نقتدي بها واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه.
2. الاستحداد: استعمال الموسى في حلق العانة.
1. استحباب بعض السنن مما يدخل في الطهارة والنظافة.
2. أما الختان، فقد وردت نصوص أخرى في وُجُوبه؛ لتعلقه بشرط الطهارة، الذِي لا تصح الصَّلاة إلا به.
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} متفق عليه.
1. الوشم: غرز الجلد بإبرة وحشوه كحلا أو نحوه فيزرق أثره أو يخضر. والواشمة: التي يفعل بها الوشم، والمستوشمة: التي تطلبه.
2. المتنمصة: التي تطلب النمص، والنامصة: التي تفعله، والنمص: إزالة شعر الحاجبين؛ لترفيعهما أو تسويتهما.
3. المتفلجات: جمع المتفلجة؛ وهي التي تُفرِّق بين أسنانها لإظهار الحُسْن.
١- تحريم الوشم والنمص وتفليج الأسنان طلبا للحسن.
٢- سبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع.
٣- يجوز نسبة من فعل أمرا يندرج في عموم أحد الأحاديث إلى القرآن استنادا إلى الآية المذكورة في الحديث.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ، فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبي ﷺ فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) متفق عليه.
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: "إِنِّي أَنْكَحْتُ ابْنَتِي، ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى، فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا، وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِي بِهَا، أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا؟" فَسَبَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. متفق عليه.
1. تمعَّط شعرها: تقطَّع وتساقط.
2. يصلوها: يصلوا شعرها بشعر آخر.
3. تمرَّق رأسها: تساقط شعرها.
4. يَسْتَحِثُّنِي بِهَا، أي: يحضني عَلَى دخوله بها.
5. سبَّ: لعن.
تحريم وصل المرأَة شعرها بشعر آخر وهو ما يسمَّى حديثا بـ(الباروكة) إذا كان فيه خداعًا للخاطب أو الزوج، لكن لو كان بالمرأَة مرض أدى إلى الصَلَع فلا بأس باستعمالها لأنه يكون حينئذٍ من إزالة العيب وليس من الوصل الذِي فيه الغش والتدليس.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ-رضي الله عنه- فَقُلْتُ: عَنِ النَّبي؟ فَقَالَ: عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) متفق عليه.
١- أن النفقة عَلَى الأهل إذا قصد بها ابتغاء مرضاة الله وانتظار ثوابه عليها أعطاه الله تعالى أجره كما يعطى المتصدق ثوابه عَلَى صدقته.
٢- أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونًا بالنيّة الصالحة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ) متفق عليه.
الحثّ عَلَى الإنفاق في وجوه الخير والتبشير بالخَلَفِ من فضل الله تعالى.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا أَنْفَقَتِ المرأَة مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ) متفق عليه.
١- جَوَاز صدقة المرأَة من بيت زوجها، إذا أذن لها الزوج، إما صريحًا، وإما دلالة.
٢-ترغيب المرأَة في التصدّق مما في بيتها.
٣- حثُّ الرجل عَلَى أن يسمح لأهل بيته بالتصدّق عَلَى الفقراء والمساكين، وأن له بذلك الأجر والثواب.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري.
1. ينسأ: يؤخر
2. أثره: أجله
١- أن صلة الرحم سبب في زيادة الرزق وحلول البركة فيه.
٢- أن صلة الرحم سبب في طول العمر وحلول البركة فيه.
٣- أن حصول الرزق لا يعتمد عَلَى الأسباب المادية فحسب.
عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قامَ النَّبي ﷺ فدعا الناسَ فقال: (هَلُمُّوا إليَّ). فأقْبَلوا إليهِ فجلَسوا، فقال: (هذا رسولُ ربِّ العالمينَ؛ جبريلُ ﷺ نفَثَ في رُوعي: أنَّه لا تموتُ نفسٌ حتَّى تَسْتَكْمِلَ رزْقها وإنْ أَبْطَأ عليها، فاتَّقوا الله؛ وأجْمِلوا في الطلب، ولا يَحْمِلنّكُمُ اسْتِبْطاءُ الرزْقِ أنْ تأخُذوه بِمْعصِيَةِ الله، فإنَّ الله لا يُنالُ ما عندَه إلا بِطاعَتِه) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
1. (نفث في رُوعي) أي: نفخ في قلبي؛ أي: أوقع في قلبي.
2. (وأَجْمِلوا في الطلب)، أي: أحسنوا في طلب الرزق فاطلبوه من الحلال.
3. (ولا يحملنكم استبطاء الرزق): الاستبطاء هو المكث والتَّأخير؛ يعني: لا تطلبوا الرزق من الحرام بسبب تأخّر رزقكم من الحلال.
١- أن من أنواع الوحي الذِي يوحيه الله إلى رسوله ﷺ ما يلقيه الملك من المعاني في قلبه.
٢- أن الرزق مقدَّر مقسومٌ لا بدَّ من وصوله إلى العبد، ولو تأخر فيما يظنه العبد.
٣- أن ينبغي للعبد أن يسعى في طلب رزقه بالأسباب المشروعة.
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: (إنَّ الرزقَ لَيطْلُبُ العبدَ كما يطلُبه أجَلُه) رواه ابن حبان وصححه الألباني.
عن أبي سعيدٍ الخدريَّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: (لو فرَّ أحدُكم مِنْ رزقِه؛ أدْركَه كما يدْرِكُه الموتُ) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
أن العبد سينال رزقه المقدر له، ولن يتأخر عنه أو يتقدم كأجله؛ فلا ينبغي للعبد أن يخاف عَلَى رزقه.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ". رواه الترمذي وقال: " هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وصححه الألباني.
1. خماصًا: جمع خميص أي: ضامرة البطن من الجوع.
2. بطانًا: جمع بطين أي ممتلئة البطن.
أن الرزق حاصل للعبد بتوكله عَلَى الله وثقته به مع بذل سببه ولو كان يسيرًا جدًّا.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود-رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا؛ هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنيا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
1-فضل القناعة من الدُّنيا بالقليل.
2-الحثّ عَلَى الإقبال عَلَى العمل الصالح.
3-أن من توكل عَلَى الله كفاه الله كل الهموم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ). قَالَ: فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ؛ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟) قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: (احْلِفْ). قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَنْ يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قليلًا أوَّلٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} متفق عليه.
١- التحذير الشديد مِن الحَلف بالله كذبًا، خاصة إذا كان الحلف عَلَى حق ليس له وقد اقتطعه من غيره.
٢- جَوَاز كلام الخصوم بعضهم في بعض.
٣- أن البينة عَلَى المُدِّعِي، واليَمينَ عَلَى المُدَّعَى عليه إذا أنكَرَ.
٤- أن البينة تقدم عَلَى اليد ويقضى لصاحبها بغير يمين.
٥- أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل، وتسقط عنه المطالبة بها.
عن عبد الرحمن بن سمرة أن النَّبي ﷺ قال له: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الذِي هُوَ خَيْرٌ) متفق عليه.
١- كراهة سؤال الولاية، سواء أ كانت ولاية الإمارة أو القضاء أو الحسبة أو غيرها.
٢-أن من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من الله تعالى، ولا تكون فيه كفاية لذلك العمل، فينبغي ألا يولى، ولهذا قال النَّبي ﷺ: (إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه) متفق عليه.
٣-أن الحلف عَلَى فعل شيء أو عَلَى تركه لا يمنع صاحبه من الرجوع في ذلك إذا رأى فيه خيرا ومصلحة شرعية.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) متفق عليه.
١- عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها ﷺ؛ لقوله: (تجاوز لي)، وفيه إشعار باختصاصها بذلك.
٢- نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح، أو القول باللسان عَلَى وفق ذلك.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ) متفق عليه.
1. يلجَّ: يلج -بكسر اللام ويجوز فتحها، بعدها جيم -من اللجاج، وهو أن يتمادى في الأمر ولو تبين له خطؤه، وأصل اللجاج في اللغة هو الإصرار عَلَى الشيء مطلقا.
2. آثم: - بالمد - أي: أشد إثمًا.
3. قال النووي: معنى الحديث: أن من حلف يمينًا تتعلق بأهله؛ بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه، فينبغي أن يحنث فيفعل ذلك الشيء، ويكفر عن يمينه، فإن قال: لا أحنث، بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم، فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره عَلَى عدم الحنث وإقامة الضرر لأهله أكثر إثمًا من الحنث، ولا بد من تنزيله عَلَى ما إذا كان الحنث لا معصية فيه.
١- أن الحنث في اليمين أفضل من الإقامة عليها إذا كان فيه مصلحة.
٢- أن الكفارة عَلَى الحانث في يمينه فرض.
٣- أن ذكر الأهل خرج مخرج الغالب في أن نفع الإِنسَان وضرره إنما يعود عَلَى أهله فلو عاد ذلك عَلَى غير أهله كان حكمه حكم ما لو عاد عليهم، وقد يتناول جميع ذلك قوله: - عليه الصَّلاة والسَّلام - "لا أحلف عَلَى يمين فأرى غيرها خيرا منها...".
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ) متفق عليه.
1. (تطعنون في إمارة أبيه): يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة؛ وإنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا من الموالي، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف، فلما جاء الله بالإسلام ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم والتقى. لكن بقي بعض الأعراب ورؤساء القبائل يختلج في صدورهم شيء من ذلك، لاسيما أهل النفاق.
2. خليقًا: جديرا.
3. (وايم الله): أقسم بالله.
١- فضل زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما.
٢- جَوَاز إمارة الموالي، وتولية الصغار عَلَى الكبار، والمفضول عَلَى الفاضل للمصلحة.
٣- جَوَاز القسم بـ(وايم الله).
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: أدرك رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ، يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) متفق عليه.
النَّهي عن الحلف بغير الله تعالى.
عن الْبَرَاءِ بن عازب-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-قال: "أَمَرَنَا النَّبي ﷺ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ" متفق عليه.
إبرار المقسم، أي: فعل ما أراده الحالف ليصير بذلك بارا بقسمه؛ وفي هذا الحديث الحثّ عَلَى أن يوفي المرء بقسم أخيه إذا أقسم عليه بشيء.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) رواه البخاري.
اليمين الغموس: هي اليمين الكاذبة الفاجرة، كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره، سُمِّيت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي الحديث التحذير من هذه الكبائر والتخويف من الوقوع فيها.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-قال: "إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- اسْتَفْتَى النَّبي ﷺ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ" متفق عليه.
١- قضاء الحقوق الواجبة عن الميت.
٢- استفتاء الأعلم.
٣- فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهما.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-قال: "بَيْنَا النَّبي ﷺ يَخْطُبُ؛ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبي ﷺ: (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) رواه البخاري.
١- أن السكوت عن المباح ليس من طاعة الله.
٢- أن كل شيء يتأذى به الإِنسَان مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيًا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر.
٣- عدم وُجُوب الكفارة عَلَى من نذر معصية أو ما لا طاقة فيه.
٤- أن النذر لا يصح إلا فيما فيه قربة، وما لا قربة فيه فنذره لغو لا عبرة به.
٥- أن الدين مبناه اليسرُ وعدم المشقة.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبي ﷺ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) متفق عليه.
تسلية للمؤمن فيما يصيبه من مصائب الدُّنيا ومن الأمراض؛ فكل ما يصيب المؤمن خير له.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا، فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ، وَالْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً، حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ) متفق عليه.
1. (الخامة): الغضة الليِّنة من الزرع.
2. (كَفَأَتْهَا): أمالتها.
3. (صمَّاء)، أي: صلبة شديدة بلا تجويف.
4. (الأرزة): شجر بالشام يقال لثمره: الصنوبر. وهو شجر معتدل صلبٌ لا يحرِّكه هبوب الريح.
أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله، وذلك مكفر لسيئاته، ورافعٌ لدرجاته. وأما الكافر فقليلها، وإن وقع به شيء لم يكفر شيئًا من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة. وهذا في الغالب من حال الاثنين.
١-أن عَلَى المؤمن أن يوطن نفسه عَلَى الابتلاء في الدُّنيا.
٢-ألا يغتر المؤمن بقلة ما يصيب الكافرَ والمنافقَ من البلاء فإن الله يريد أن يضاعف عليهما العقوبة بهما فيهلكهما، فيكون موتهما أشدَّ عذابًا عليه، وأكثر ألمًا في خروج الروح.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) رواه البخاري.
(يُصِبْ منه)، أي: يبتليه بالمصائب؛ ليثيبه عليها، ويطهِّرَه بها من الذنوب.
بشارةٌ عظيمة لكلِّ مؤمن؛ لأن الآدميَّ لا ينفكُّ غالبًا من ألم بسبب مرض أو همٍّ أو نحو ذلك كما ورد في الأحاديث، وأن الأمراض والأوجاع والآلام -بدنيةً كانت أو قلبيةً- تكفر ذنوبَ من تقع له.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "أَتَيْتُ النَّبي ﷺ فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: (أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ) متفق عليه.
حاتَّ: أسقط.
بشرى عظيمةٌ للمسلم إذا صبر عَلَى الابتلاء.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ) رواه البخاري.
(حبيبتيه): عينيه؛ لأنهما أحب أعضاء الإِنسَان إليه، لما يحصل له بفقدهما من الأسف عَلَى فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به، أو شر فيجتنبه.
بيان عظم أجر من صبر عَلَى مصيبة فقد البصر فيعوضه الله خيرًا مما فقد بنعيم الجنة التي فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عَلَى قلب بشر.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: دخل النَّبي ﷺ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، وَكَانَ النَّبي ﷺ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: (لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟ كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبي ﷺ: (فَنَعَمْ إِذَنْ). رواه البخاري.
١- استحباب عيادة المريض والتفاؤل له بالسَّلامة والتنفيس عنه.
٢- سوء عاقبة من أساء الظن بالله.
٣- ينبغي للمريض أن يتلقَّى موعظة العائد بالقبول، ويحسن جواب من يذكره بذلك.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبي ﷺ: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) متفق عليه.
١- لا يجوز تمني الموت لأي ضرر دنيوي، سواء أ كان مرضًا بدنيًّا أو نفسيًّا أو خسارة مالية أو نحو ذلك؛ لما في ذلك من التبرِّم بقضاء الله، وعدم الصبر عَلَى بلائه.
٢- يستحب للعبد المؤمن إذا اشتدَّت عليه الكروب أن يصبر، ويلجَأ إلى الصَّلاة والتضرُّع والدعاء.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: (أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) متفق عليه.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُمنى وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) متفق عليه.
١- أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادفْ تقديرَ الله تعالى وإلا فلا ينجع.
٢- مَشرُوعيَّة مسح الراقي الوجع بيده اليُمنى.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْقِي، يَقُولُ: (امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ) متفق عليه.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: (بِاسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا) متفق عليه.
1. (بسم الله) أي: أتبرك به.
2. (تربة أرضنا) أي: هذه تربة أرضنا ممزوجة (بريقة بعضنا) وهذا يدل عَلَى أنه كان يتفل عند الرقية.
3. قال النووي: المراد بأرضها جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة خاصة لبركتها، وكان النَّبي ﷺ يأخذ من ريق نفسه، عَلَى إصبعه السبابة، ثم يضعها عَلَى التراب، فيعلق بها منه، فيمسح بها عَلَى الموضع الجريح والعليل، ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قال رسول الله ﷺ: (الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ) متفق عليه.
المِحجم: مشرط الحجَّام.
١- أفضل العلاجات والأدوية النافعة بإذن الله ثلاثة: العسل والحجامة والكَيُّ.
٢- أن الكيَّ مكروهٌ أو خلافُ الأولى لنهيه ﷺ عنه.
٣- تقوية نفس المريض، ومساعدته عَلَى مكافحة المرض، لاستشعاره أن لدائه دواء فيتعلق قلبه بالرجاء، وتفتح له أبواب الأمل.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ. فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا) فَسَقَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا. فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ. فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا). ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا). ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا). فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. متفق عليه.
1. استطلاق البطن: الإسهال.
2. (وكذب بطن أخيك):
قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك، أي زَلَّ فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعنى كذب بطنه، أي: لم يصلح لقبول الشفاء بل زلَّ عنه.
فهذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته، فوصف له النَّبي ﷺ العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء؛ لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط، ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الدافئ، وإنما لم يفده في أوَّل مرة؛ لأن الدواء يجب أن يكون له مقدارٌ وكمية بحسب الداء؛ إن قَصُرَ عنه لم يدفعْه بالكليَّة، وإن جاوزه أوهى القوَّة وأحدث ضررًا آخر، فكأنه شرب منه أوَّلًا مقدارًا لا يفي بمقاومة الداء؛ فأمر بمعاودة سقيه، فلما تكرَّرت الشرباتُ بحسب مادة الداء بَرَأ بإذن الله تعالى.
عن أَبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا السَّامَ) متفق عليه.
السام: الموت.
١- أن لكل داء سواء أ كان نفسيًّا أو جسميًّا دواء يؤثر فيه ويقضي عليه ما عدا الموت.
٢- مَشرُوعيَّة العلاج؛ لأنه ﷺ أخبرنا بأن الذِي خلق الداء خلق الدواء تنبيهًا لنا وإرشادًا وترغيبًا في التداوي.
٣- أن في الحبة السوداء دواء لكل داء إلا الموت.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) متفق عليه.
1. (التلبينة): حساء يتخذ من دقيق أو نخالة، وربما جُعل فيها عسلٌ أو لبن.
2. (تجم فؤاد المريض): تريحه وتكمل صلاحه ونشاطه.
بيان فائدة التلبينة للمريض ومن أصيب بحزن عَلَى فقد عزيز.
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ -رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ) متفق عليه.
1. (العود الهندي): خشب يؤتى به من بلاد الهند طيب الرائحة، ويقال له: القسط الهندي أيضًا.
2. (يستعط): وهو مأخوذ من السعوط، وهو ما يصب في الأنف بأن يدق العود ناعمًا، ويدخل في الأنف، وقيل: يبل ويقطر فيه.
3. (العُذْرة): وجع وورم في الحلق.
4. (يُلدُّ): مأخوذ من لد الرجل إذا صب الدواء في أحد شقي الفم.
5. (ذات الجنب): هو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
6. قال ابن العربي: ذكر النَّبي ﷺ سبعة أشفية في القسط، فسمى منها اثنين ووكل باقيها إلى طلب المعرفة أو الشهرة فيها.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: (إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ) متفق عليه.
1. أمثل: أفضل.
2. القُسط: يكون بحريًّا وهنديًّا فالبحريّ، وهو الأبيضُ أَجْوَدُ من الهنديّ الأسودِ، وهو من عقاقيرِ البحرِ تتبخَّر به النِّساء.
١- جَوَاز أجرة الحجام. أما ما ورد من النَّهي عن كسب الحجام فمحمول عَلَى التنزيه.
٢- جَوَاز التداوي بالحجامة.
٣- أن الحجامة والقُسط البحري من أنفع الأدوية.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ. متفق عليه.
1. شقيقة: نوع من صداع يعرض في مقدم الرأس وإلى أحد جانبيه.
١- جَوَاز الحجامة للمحرم، وأن إخراجه الدم لا يقدح في إحرامه.
٢- أن الحجامة من أنفع الأدوية للشقيقة.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ. متفق عليه.
1. اجتووا: أصابهم الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وكرهوا الإقامة بالمدينة؛ وذلك أنه لم يوافقهم هواؤها.
2. الذود: هو من الإبل ما بين ثلاثة إلى عشرة.
3. سمر أعينهم: بالراء في أكثر الروايات وفي بعضها (وسمل) باللام موضع الراء، ومعنى: سمر كحلها بالمسامير المحماة، ومعنى: سمل أعينهم، أي: فقاها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: هو فقؤها بالشوك، وإنما فعل بهم ذلك؛ لأنهم فعلوا بالراعي كذلك، فجازاهم عَلَى صنعهم.
١- مَشرُوعيَّة الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها.
٢-أن كل جسد يطبب بما اعتاده.
٣-قتل الجَمَاعَة بالوَاحِد سواء أقتلوه غيلة أو حرابة.
٤-المماثلة في القصاص.
٥- طهارة أبوال الإبل.
عن أَبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ) متفق عليه
1. (لا عدوى): العدوى: انتقال الداء من المريض إلى الصحيح، والمراد أن المرض لا يتعدى بنفسه، وأن الله هو الذِي يُمرض ويُنزل الداء.
2. (لا طيرة): الطيرة: ما يُتفاءل به أو يُتشاءم منه، والمذموم منها التشاؤم الذِي يصد عن العمل، واعتقاد أنها تجلب النفع أو تدفع الضُّرَّ.
3. (لا هامة): الهامة: طائر كانت العرب تتشاءم منه، وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل تصير هامة، وتقول: اسقوني، فإذا أخذ بثأره طارت، وقيل: كانوا يعتقدون أن عظام الميت أو روحه تنقلب هامة تطير، فنفى الإسلام ذلك وأبطله.
4. (لا صفر): كانت العرب تزعم أن في البطن حَيَّة يقال لها الصَّفَر تصيب الإِنسَان إذا جاع، وتؤذيه، وأنها تُعدي فأبطل الإسلام ذلك. وقيل: أراد به النسيء الذِي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخير المحرَّم إلى صفر، ويجعلون صفرًا هو الشهر الحرام، فأبطله الإسلام.
١- إبطال بعض الاعتقادات الجاهلية.
٢- وُجُوب الأخذ بالأسباب لاتقاء الأمراض مع الاعتقاد بأن العدوى لا تقع بنفسها.
عن سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) متفق عليه.
1. (الكمأة): نبات لا ورق له ولا ساق يوجد مدفونًا في الأرض من غير أن يزرع، وهو مما يؤكل. ويعرف عند الناس بـ(الفقع).
2. (المنّ): تشبيه بالمنِّ الذِي أُنزل عَلَى بني إسرائيل من غير كسب ولا تعب في تحصيله.
أن الكمأة من النعم التي أنعم الله بها عَلَى هذه الأمة، فيسَّر لهم التحصُّل عليها دون عناء، كما سخر المَنَّ لبني إسرائيل دون تعب أو مشقة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ-رضي الله عنه- أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ، بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) متفق عليه.
1. الوباء: الطَّاعُون.
2. سرغ: قرية في طريق الشام مما يلي الحجاز، ويقال: هي مدينة افتتحها أبو عبيدة رضي الله عنه.
١- جَوَاز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها الطَّاعُون، وأن ذلك ليس من الطيرة، وإنما هي من منع الإلقاء إلى التهلكة أو سدُّ الذريعة.
٢- منعُ من وقع الطَّاعُون ببلد هو فيها من الخروج منه.
٣- مَشرُوعيَّة المناظرة والاستشارة في النوازل وفي الأحكام.
٤- الرجوع عند الاختلاف إلى النصِّ، وأن النصَّ يسمَّى عِلمًا.
٥- وُجُوب العمل بخبر الواحد.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري.
1. قوله: (المطعون) أي: هو الذِي يموت في الطَّاعُون كما في الرواية الأخرى: "الطَّاعُون شهادة لكل مسلم".
2. قوله: (المبطون) أي: الذِي يموت بمرض في بطنه.
3. قوله: (صاحب الهدم) أي: الذِي مات تحت بناء انهدم عليه.
4. معنى كونهم شهداء كما قال النووي: أنه يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدُّنيا فيغسلون ويصلى عليهم. وقال أيضًا: الشهداء ثلاثة أقسام؛ شهيد في الدُّنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدُّنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدُّنيا دون الآخرة وهو من قتل وقد غل في الغنيمة أو قتل مدبرًا.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبي ﷺ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَقال: (إنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُون، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ) رواه البخاري.
١- أن من اتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطَّاعُون ثم لم يمت منه؛ فإنه يحصل له ثواب الشهيد.
٢- أن من اتصف بالصفات المذكورة ثم وقع به الطَّاعُون فمات به؛ فإنه يكون له أجرُ شهيدين.
٣- أن من لم يتصف بالصفات المذكورة، فلا يكون شهيدًا ولو وقع به الطَّاعُون ومات به، فضلًا عن أن يموت بغيره.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ، كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا. وسئل الزُّهْرِيُّ: كَيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. متفق عليه.
1. ثقل: اشتد مرضه.
١- استحباب النفث في الرقية.
٢- استحباب أن يرقي المريض نفسه بالمعوذات لبركتها وحصول الشفاء بها.
٣- بركة النَّبي ﷺ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبي ﷺ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أوَّلئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلَا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ؛ فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لَا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبي ﷺ فَسَأَلُوهُ؛ فَضَحِكَ وَقَالَ: (وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ) متفق عليه.
1. يقروهم: يضيفوهم.
2. جُعْلًا: ما يعطى من المال لمن ينجز عملا ما.
١- جَوَاز أخذ الأجرة عَلَى الرقية بالفاتحة والذكر.
٢- مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه.
٣- جَوَاز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك وإجابته إليه.
٤- جَوَاز قبض الشيء الذِي ظاهره الحلُّ وتركُ التصرُّف فيه إذا عَرَضَتْ فيه شبهة.
٥- الاجتهاد عند فقد النصِّ.
٦- عظمة القرآن في صدور الصَّحابة وعظمة الفاتحة خاصَّة.
٧- أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -أَوْ أَمَرَ- أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ" متفق عليه.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبي ﷺ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا؛ فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) متفق عليه.
1. سَفْعَةٌ: أثر سواد، وقيل: علامة أو ضربة من الشَّيطان.
2. (فَإِن بهَا النظرة): أصابتها عين، يُقَال: رجل مَنْظُور إِذا أصابته العين.
١- مَشرُوعيَّة الرقية لمن أصابته العين.
٢- جَوَاز طلب الرقية.
٣- أن للعين تأثيرًا حسِّيًّا عَلَى المصاب بها.
عن عَائِشَة -رضي اللّه عنها- أنها سُئِلت عَنِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ، فَقَالَتْ: رَخَّصَ النَّبي ﷺ الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ. متفق عليه.
1. الحُمَة: سُمُّ العقرب وغيرها.
أنه كان ينهى عنها قبل ذلك؛ لأنهم كانوا يرقون برقى الجاهلية، ثم رخص لهم بالرقى الشرعية الخاليةِ من الشرك.
عن أَبي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيطان، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شيئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ). وَقَالَ أَبُو سلمةَ: وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا. متفق عليه.
١- أن الرؤيا نوعان:
· رؤيا حسنة: تَسُرُّ النفس وهي تضافُ إلى الله تعالى تشريفًا وتكريمًا، كما يضاف إليه كلُّ شيء جميل، أو لأنها بشارةٌ من الله تعالى لمن يراها.
· ورؤيا سيئة تخيف الرائي، وتفزعه، وهذه تضاف إلى الشَّيطان؛ لأنه يريد أن يسيء ظَنّ الرائي بالله، ويحزنه ويقلِّل حَظَّه من شكر الله وتسمى حُلُمًا.
٢- يستحب لمن رأى ما يكره، وأراد السَّلامة من تلك الرؤيا أن يستعيذ بالله من شرّها، وينفث عن يساره ثلاثًا، ويتحول عن جنبه الذِي كان عليه، كما جاء في بعض الروايات، ولا يحدث بها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَالشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ؛ فِي المرأَة وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ) متفق عليه.
1. قال الخطابي: هو استثناء من غير الجنس. معناه: إبطال مذهب الجاهلية في التطير. فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره سيره؛ فليفارقه.
2. وقيل: ليس المراد بالشؤم في قوله: (الشؤم في ثلاثة) معناه الحقيقي؛ بل المراد من شؤم الدار ضيقها، وسوء جوارها، ومن شؤم المرأَة أن لا تلد، وأن تحمل لسانها عليك، ومن شؤم الفرس ألا يغزى عليه.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ). قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) رواه البخاري
1. (وخيرُها الفَأل): الفأل خير من الطيرة، وليس معنى هذا الكلام: أن الطيرة فيها خير، والفأل خير منها، بل لا خير في الطيرة أصلًا، وهذا مثل قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} يعني: أصحاب الجنة خير من أصحاب النار، ومعلوم أنه لا خير في أصحاب النار أصلًا.
2. الفأل ضد الطيرة كأن يسمع مريض يا سالم، أو طالب يا واجد.. ونحو ذلك
3. قوله: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) يعني: الفأل أن يقصد أحدكم، فيسمع كلمة صالحة يفرح بها، وتحرضه عَلَى ذلك الأمر.
١- النَّهي عن التشاؤم.
٢- التفاؤل بالكلمة الطيبة والاسم الحسن.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: (لَيْسَ بِشَيْءٍ). فَقَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) رواه البخاري.
1. (ليس بشيء) أي: ليس قولهم بشيء يعتمد عليه، والعرب تقول لمن عمل شيئًا ولم يحكمه: ما عمل شيئًا.
2. (يَقُرُّها): القَرّ هو ترديد الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه.
١- بقاء استراق الشياطين السمع، لكنه قلَّ حتى كاد يضمحلُّ بالنسبة لما كانوا فيه من الجاهلية.
٢- النَّهي عن إتيان الكهان.
٣- نفي علم الكهان للغيب.
٤- بيان كذب الكهان في أكثر ما يخبرون به.
عن سَعْدِ بن أبي وقّاص-رضي الله عنه-قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ) متفق عليه.
1. اصطبح: الاصطباح: الأكل أو الشرب في الصباح.
فضل عجوة المدينة، وقيل: عام لكل عجوة، وأما السر فيه وفي تخصيص العدد بسبع فهو مما يعلمه الشرع، ويجب الإيمان به، كما في عدد الركعات ونصب الزكوات.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الْآخَرِ دَاءً) رواه البخاري.
١- جَوَاز قتل الذُّباب دفعًا لضرره.
٢- أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع لا ينجسه، وفي حكمه كلُّ ما ليس له نفس سائلة كالنحل والزنبور ونحوهما.
٣- أن ما فيه من الداء يدفعه ما فيه من الدواء، وهذا من عظيم قدرة الله تعالى في خلقه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ: (أَرْبَعُونَ خَصْلَةً، أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ) رواه البخاري.
1. المنيحة: شاة يعطيها الرجل لصاحبه ينتفع بلبنها زمانًا ثم يردها إليه.
2. لم يذكر النَّبي ﷺ الأربعين ترغيبًا في كل أعمال الخير؛ إذ لو عيّنها لوقف بعضُ الناس عندها وتركوا غيرها، ونظيره إخفاء ليلة القدر وساعةِ الجمعة، ويقاس عَلَى منيحة العنز منيحة الإبل والبقر بالأولى إذ هي أكثر نفعًا وأجرًا.
١- فضل التصدُّق بمنيحة العنز.
٢- كثرة أبواب الخير ويسرها عَلَى من يفعلها.
٣- أن المنيحة من أفضل الصدقات ومن أعظم القربات، وأنها فوق أربعين خصلة، الواحدةُ منها تُدخل صاحبَها الجنة.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ-رضي الله عنهما- أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا. فَقَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَارْجِعْهُ) متفق عليه.
1. نحلت، أي: أعطيته بغير عوض.
١- النَّهي عن المفاضلة بين الأولاد في العطية، إلا لسبب شرعي يقتضي هبة أحدهم دون غيره.
٢- الندب إلى التآلف بين الإخوة، وترك ما يوقع بينهم الشحناء، أو يورث العقوقَ للآباء.
٣- مَشرُوعيَّة استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال.
٤- أن للإمام أن يردَّ الهبة والوصية ممن يَعْرِفُ منه هروبًا عن بعض الورثة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) متفق عليه.
ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده.
استحباب كتابة الوصية، وقال بعض العلماء بوُجُوبها لمن عليه دين أو عنده وديعة لأحد ونحوه.
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص -رضي الله عنه-: "عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: (لَا). قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: (لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ). قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي. قَالَ: (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ). قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. متفق عليه.
1. أشفيت: اقتربت.
2. (عالة): فقراء.
3. (يتكففون الناس): يسألون الناس.
4. (عَلَى أعقابهم)، أي: إلى حالتهم الأولى من ترك الهجرة.
5. "يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة". قال العلماء: هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النَّبي ﷺ بل انتهى كلامه ﷺ بقوله: (لكن البائس سعد بن خولة). فقال الراوي تفسيرًا لمعنى هذا الكلام: إن النَّبي ﷺ يتوجع له ويرق عليه؛ لكونه مات بمكة ففاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته، والغربة عن وطنه إلى هجرة لله تعالى.
١- استحباب زيارة المريض.
٢- جَوَاز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح؛ من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك.
٣-الحثُّ عَلَى صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب، والشَّفقة عَلَى الورثة.
٤- أن الإنفاق عَلَى العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى.
٥- أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه.
٦- فَضِيلَة طول العمر للازدياد من العمل الصالح.
٧- هذا الحديث من دلائل النبوة، فإن سعدًا -رضي الله عنه- عاش حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم؛ فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وولي العراق فاهتدى عَلَى يديه خلائق، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم رضي الله عنه.
٨- جَوَاز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة، وهو قول جمهور الأصوليين.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا) متفق عليه.
(اشتروا أنفسكم)، أي: بتخليصها من العذاب بالطاعة؛ لأنها ثمن النجاة.
١- أن من أوصى للأقارب دخل فيهم الذكور والإِناث معًا، سواء أ كانوا من قبل أبيه أو من قبل أمه.
٢- أن قرابة النسب من الأنبياء والصالحين لا تنفع الكافر في النجاة من دخول النار.
٣- أن قرابة الداعية والمصلح أولى الناس بدعوته ونصحه وإرشاده.
عن أَنَس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟" رواه البخاري
١- جَوَاز السفر باليتيم إذا كان ذلك مما فيه صلاح له.
٢- الثناء عَلَى المرء بحضرته إذا أمن عليه الفتنة.
٣- جَوَاز استخدام الحر الصغير الذِي لا يجوز أمره فيما ينفعه.
٤- أن خدمة الإِمَام والعالم واجبة عَلَى المسلمين. وأن ذلك شرف لمن خدمهم لما يرجى من بركة ذلك.
٥- حلم رسول الله ﷺ وحسن تعامله مع خدمه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ) متفق عليه.
تحاسد: المراد الغبطة، وهي أن يتمنى المرء مثل ما لغيره من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه.
لا ينبغي أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل صاحب نعمة إلا أن تكون النعمة مما يتقرب به إلى الله -تعالى- كتلاوة القرآن والتصدق بالمال وغيرهما من الخيرات.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
المعقلة: المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذِي يشد به ذراع البعير.
١-الحثّ عَلَى تعاهد القرآن وتلاوته، والحذر من تعريضه للنسيان.
٢-فضل حافظ القرآن بوصفه بأنه صاحب القرآن والصحبة تعني الألفة والمحبة ونعم الوصف هذا.
٣-أن إتقان حفظ القرآن يحتاج إلى جهد عظيم وعمل دؤوب كما أن ربط الإبل فيه صعوبة كبيرة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجال مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. كيت وكيت: أي: كذا وكذا.
2. استذكروا القرآن أي: واظبوا عَلَى تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به.
3. تفصِّيًا: أي تفلُّتًا.
١-الأمر بتعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه للنسيان.
٢-كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قوله أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها؛ لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-أن النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ؛ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. أذن: استمع.
2. التغني بالقرآن: تحسين الصوت بقراءته والجهر به. وقيل: معناه الاستغناء به عما سواه.
معنى الحديث:
أن الله تعالى لم يستمع لشيء كاستماعه للنبي ﷺ يتغنى بالقرآن، يحسن صوته به.
١-إثبات صفة السمع لله تعالى عَلَى ما يليق به تعالى.
٢-أن في قِرَاءَةِ الأنبياء طِيبُ الصوت لكمال خلقهم، وتمام الخشية، وهذا هو الغاية في ذلك.
٣-الحثّ عَلَى تحسين الصوت عند قِرَاءَة القرآن الكريم.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي مُوسَى: (لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. مزمارًا: أي صوت حسن، شبَّه حُسنَ صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار.
2. آل داود: أي داود نفسه عليه السَّلام.
١-الإشَارة إلى حسن صوت داود عليه السَّلام.
٢-فضل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
٣-الحثّ عَلَى تحسين الصوت عند قِرَاءَة القرآن الكريم.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ -رضي الله عنه-قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ، قَالَ: فَقَرَأَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، وَرَجَّعَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلَا النَّاسُ لَأَخَذْتُ لَكُمْ بِذَلِكَ الذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبي ﷺ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. رجَّع: ردد الصوت في الحلق والجهر بالقول مكررًا بعد خفائه بحيث يشبع المد في موضعه.
2. لولا الناس لأخذت لكم بذلك، أي: أن القِرَاءَة بالترجيع تجمع نفوسَ النّاس إلى الإصغاء والتفهم، ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن الاستماع.
١-جَوَاز القِرَاءَة بالترجيع والألحان الملذَّذَة للقلوب بحسن الصوت.
٢-استحباب تحسين الصوت عند قِرَاءَة القرآن الكريم.
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ. وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ؛ لَا رِيحَ لَهَا، وَطَعْمُهَا حُلْوٌ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ؛ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1- الأترجَّة: ثمرة طيِّبة المذاق، تشبه الليمون؛ إلا أنها أكبر منه بكثير، ولونها يميل إلى البرتقالي الذهبي والأخضر، ولها رائحة مميزة.
١-فَضِيلَة حافظ القرآن الكريم.
٢-استحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد.
٣-أن المقصود من تلاوة القرآن الكريم العمل بما دل عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟) قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: (فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
خلفات: جمع خَلِفَة: وهي الناقة الحامل.
١-الحثّ عَلَى قِرَاءَة القرآن.
٢-بيان فضل قِرَاءَة القرآن، وعظم أجرها.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ-رضي الله عنه-قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟) "فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: (أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِد فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. بطحان: وادٍ بقرب المدينة.
2. كوماوين: تثنية كوماء؛ وهي العظيمة السنام.
3. فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ أي: لا يحصل عَلَى الناقتين بإثم كسرقة، أو أن يقطع رحمًا بهما.
١-فضل طلب العلم.
٢-فضل تعلم القرآن.
٣-تعاهد النَّبي ﷺ لأصحابه بالموعظة والإرشاد، وفي هذا تعليم لولاة الأمور؛ ليتأسوا بالنَّبي ﷺ في تعاملهم مع رعيتهم.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. السفرة: الملائكة.
2. يتتعتع: يتعاهده وهو عليه شديد؛ لضعف حفظه.
١-فَضِيلَة إتقان حفظ القرآن الكريم.
٢-فَضِيلَة من يجاهد نفسه لحفظ القرآن الكريم ويتحمل ما يلقاه من مشقة شديدة في ذلك.
عن أَبي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَى-رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِد، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: (أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟) ثُمَّ قَالَ لِي: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِد). ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ({الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي أُوتِيتُهُ) رواه البخاري.
المثاني: سُمِّيت بذلك؛ لأنها تُثنَّى في كل صلاة؛ أي تُعاد. وقيل: لأنها استُثنيت لهذه الأمة لم تنزل عَلَى من قبلها. وقيل: لأنها نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة تعظيمًا لها واهتمامًا بشأنها. وقيل: سُمِّيت بذلك لما فيها من الثناء عَلَى الله تعالى، وقيل غير ذلك.
١- فضل سورة الفاتحة وأنها أعظم سورة في القرآن.
٢- التشويق إلى العلم ليحرص المتعلم عليه.
٣- من أسماء الفاتحة: الحمد لله رب العالمين -السبع المثاني- القرآن العظيم.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) متفق عليه.
(كفتاه)، في معناه أقوال منها:
أ- أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن.
ب- أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا.
ج- كفتاه كل سوء. وقيل غير ذلك.
عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قَدْ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
مولًى: من كان عبدًا ثم أعتِق.
١- مَشرُوعيَّة أن يولى المولى عَلَى الأحرار إذا كان فقيهًا عالمًا بالفرائض.
٢- أن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن من حفظه وعمل به.
٣- أن الله عز وجل يضع بهذا القرآن أقوامًا أضاعوه وتركوا العمل بما فيه.
٤- فَضِيلَة العلم.
عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رضي الله عنه-، فَقَالَ: إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ لَقَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهِنَّ؛ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ" متفق عليه.
معاني الكلمات:
1. المفصل: هو صغار السور، وقيل: يبدأ المفصل من سورة محمد حتى آخر القرآن الكريم، وقيل: يبدأ من سورة ق حتى آخر القرآن.
2. هذَّا: الهذّ: الإسراع في القِرَاءَة.
3. النظائر: النظائر: جمع نظيرة، وهي المثل والشبه، والمراد السور المتشابهة في الطول، وقيل: في المعاني.
١- أن الغاية من قِرَاءَة القرآن الفهم والتدبر لما يُقرأ.
٢- أن السنة في قِرَاءَة القرآن مراعاة معاني السور والآيات وتقاربها.
عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال: "قَالَ لِيَ النَّبي ﷺ: (اقْرَأْ عَلَيَّ). قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: (فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي). فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّساء، حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. قَالَ: (أَمْسِكْ). فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفق عليه.
استحباب استماع القِرَاءَة والإصغاء إليها والبكاء عندها والتدبر فيها.
عن الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ-رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبي ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ) متفق عليه.
1. رجل: هو أسيد بن حضير.
2. شطنين: الشطن هو الحبل. وقيل: الحبل الطويل.
3. السكينة: الملائكة.
فضلُ قِرَاءَة سورة الكهف.
عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ-رضي الله عنه-قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا. اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. الزهراوين: المنيرتين، وسميَتَا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما
2. غيايتان: مثنى غياية، وهي كل شيء أظل الإِنسَان فوق رأسه كالسحابة وغيرها.
3. فرقان: أي: جماعتان.
4. صوافَّ، أي: باسطات أجنحتها في الطيران.
5. البطلة: السحرة.
١-الحثّ عَلَى قِرَاءَة القرآن.
٢-فَضِيلَة سورة البقرة وآل عمران، وعظم سورة البقرة خصوصًا.
عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ- رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ)، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ: (كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ظلتان: سحابتان.
2. شرْق: ضوء.
3. حزقان: جماعتان.
4. صوافَّ: باسطات أجنحتها في الطيران.
الفضل العظيم لسورتي البقرة وآل عمران.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-قَالَ: "بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبي ﷺ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
نقيضًا: صوتًا كصوت الباب إذا فتح.
١- بيان عظم مكانة سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحثّ عَلَى قراءتهما.
٢- بيان أن من الملائكة رسلًا إلى الأنبياء غير جبريل عليهم السَّلام جميعًا.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أوَّل سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
عصم من الدجال، أي: حفظ ووقي من فتنة الدجال؛ لأن في هذه الآيات من العجائب والآيات؛ فمن علمهما لا يستغرب أمر الدجال ولا يفتتن به. أو تكون العصمة من الدجال من خصائص الله لمن حفظ هذه الآيات.
فضل العشر الآيات من أوَّل سورة الكهف.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟). قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: (وَاللَّهِ، لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ) رواه مسلم.
١-فضل آية الكرسي.
٢- منقبة عظيمة لأُبَيٍّ رضي الله عنه، ودليل عَلَى كثرة علمه.
٣- تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم.
٤- مدح الإِنسَان في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه إعجاب ونحوه؛ لكمال نفسه ورسوخه في التقوى.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟) قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) رواه مسلم.
معنى الحديث:
تعدل ثلث القرآن، أي: يحصل لقارئها ثواب قِرَاءَة ثلث القرآن، وهي تساوي ثلث القرآن باعتبار معانيه؛ فإن القرآن فيه أحكام وأخبار وتوحيد، والتوحيد يدخل فيه معرفة أسماء الله تعالى وصفاته، وقد اشتملت هي عَلَى القسم الثالث (التوحيد)؛ فكانت ثلثا بهذا الاعتبار، ويستأنس لذلك بما وقع في رواية لمسلم: "إنَّ اللهِ جَزَّأَ القرآنَ ثلاثةَ أجزاءٍ، فَجَعَلَ (قُلْ هو اللهُ أَحَدٌ) جُزءًا من أجزاءِ القرآنِ"؛ وذلك لأنها اشتملت عَلَى اسمين من أسماء الله تعالى، متضمنين كل أوصاف الكمال، ولم يوجدَا في غيرها من سور القرآن، وهما: الأحد، والصمد؛ فإنهما يدلان عَلَى ذات الله الموصوفة بجميع أوصاف الكمال.
١- بيان فضل سورة الإخلاص.
٢- سعة عظيم فضل الله تعالى عَلَى عباده، بأن جعل قِرَاءَة سورة قصيرة تعدل ثلث القرآن.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (احْشُدُوا؛ فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
احشدوا: اجتمعوا واستحضروا الناس.
١- حسن تعليم النَّبي ﷺ لأصحابه، وأدب الصَّحابة رضي الله عنهم معه.
٢- بيان فضل سورة الإخلاص، وأنها تعدل ثلث القرآن في الأجر والجزاء.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) رواه البخاري.
٢- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ لِأَصْحَابِهِ: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا، أيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (اللَّهُ الوَاحِد الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ) رواه البخاري.
1. يَتَقَالُّهَا: يعتقد أنها قليلة.
١- إثبات فضل {قل هو الله أحد}.
٢- إلقاء العالم المسائل عَلَى أصحابه.
٣- استعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم؛ لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلا، وقد ظهر أن ذلك غير مراد.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. متفق عليه.
١- فضل المعوذات.
٢- استحباب الرقية والنفث والمسح باليد.
٣- بركة النَّبي ﷺ.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}) رواه مسلم.
١- بيان عظم فضل هاتين السورتين.
٢- بيان أنه لا يوجد في القرآن مثل المعوذتين، من حيث المعاني، والبركة، والتعوذ بهما.
٣- جَوَاز تفضيل بعض آيات القرآن وسوره عَلَى بعض.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. متفق عليه.
ظاهر الحديث: أن النفث يكون قبل القِرَاءَة، وهذا ما لم يقل به أحد من العلماء؛ لأن النفث ينبغى أن يكون بعد التلاوة؛ لتوصل بركة القراَن واسم الله إلى بشرة القارئ. وإنما المراد أنه جمع كفيه ثم عزم عَلَى النفث بعد ما قرأ فيهما وهو كقول الله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فالاستعاذة إنما تكون قبل القِرَاءَة لا بعدها.
استحباب التعوذ بهذه السور المباركات؛ فإن فيها حفظا للإنسان من المكاره، ولم يُتَعوّذ بمثلهن.
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ والْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- رضي الله عنهما- قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم.
يُرى: يُظنُّ.
١- تغليظ الكذب عَلَى رسول الله ﷺ.
٢- من غلب عَلَى ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا.
1- عن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ) متفق عليه.
2- قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) متفق عليه.
3- عن الْمُغِيرَةِ بن شعبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) متفق عليه.
4- عنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ أنه قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم.
١- وُجُوب التحري في الإخبار، وعدم نقل كل ما يقال دون تمحيص
٢- التحذير من كثرة الكلام التي تؤدي إلى الوقوع في الكذب.
عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم.
الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإِنسَان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن.
قَالَ مَالِكٌ - رحمه الله-: "اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا، وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ". رواه مسلم.
التنبيه إلى ضرورة الحذر من نقل كل ما يسمعه الإِنسَان أو يصل إليه، خصوصا مع كثرة ما يتداوله الناس في هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أحاديث وقصص وأخبار ثم يتضح أنها كذب أو تهويل ومبالغة.
عن عبد الرحمن الصُّنَابِحِيُّ قال: "دخلت عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَهْلًا لِمَ تَبْكِي؟ فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ، وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ. ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ) متفق عليه.
1- "فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك"، أي: لئن مت قبلك وطلب الله مني الشهادة يوم القيامة، فسوف أشهد لك بما أعلمه عنك من خير.
2- "ولئن شفعت لأشفعن لك"، أي: وإن شفعني الله في أحد من خلقه فسوف أشفع لك.
3- "وقد أحيط بنفسي"، أي: وقد حانت ساعتي وأيقنت بموتي.
١- أن المرء لا يحدث إلا بما فيه الخير للناس.
٢- أن من شهد لله تعالى بالتوحيد ولمحمد ﷺ بالرسالة، وعمل بمقتضى ذلك، وتيقن معناها، ومات عليها، وقاه الله النار وأدخله الجنة، وتوجيه هذا الحديث: أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة، وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون فيها.
٣- ترك التحديث بما يخشى أن يفهم عَلَى غير معناه الصحيح. وذلك فيما ليس تحته عمل، ولا فيه حد من حدود الشريعة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ. قَالَ: (يَا مُعَاذُ). قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: (يَا مُعَاذُ). قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: (يَا مُعَاذُ). قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: (مًا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: (إِذَنْ يَتَّكِلُوا)، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. متفق عليه.
1- (حرمه الله عَلَى النار): حرم الله عليه الخلود في النار.
2- تأثمًا: خروجًا من الإثم في كتم العلم.
١- أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار.
٢- أن من العلم ما يعطى لعامة الناس، ومنه ما يعطى للخاصة فقط.
٣- بيان تواضع النَّبي ﷺ.
٤- منزلة معاذ بن جبل رضي الله عنه من العلم؛ لأنه خصه بما ذكر.
٥- تكرار الكلام لنكتة وقصد معنى.
٦- الإجابة بلبيك وسعديك.
٧- بشارة عظيمة للموحدين.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقولهمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً" رواه مسلم.
أنه ينبغي لمن يعلم الناس أن يخاطبهم عَلَى قدر عقولهم وأفهامهم وأن يجتنب ما يشتبه عليهم لئلَّا يفهموه عَلَى غير معناه.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) متفق عليه.
1. دجَّالون: مزورون، وملبسون، وخداعون، من الدجل، وهو تلبيس الباطل بما يشبه الحق.
2. فإيَّاكم: احذروهم، وأبعدوا أنفسكم عنهم.
3. وإيَّاهم: أبعدوهم عنكم.
تشديد النَّهي عن الابتداع، والتحذير من أهل البدع، والحض عَلَى الاتباع والتزام السنة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- قال: "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ" متفق عليه.
(فاستداروا إلى الكعبة): بأن تحوّل الإِمَام من مكانه في مقدَّم المَسْجِد إلى مؤخَّره، ثم تحول الرِّجال حتى صاروا خلفه، وتحولت النِّساء حتى صرن خلف الرِّجال.
1- قبول خبر الوَاحِد الثقة ووُجُوب العمل به.
2- جَوَاز تعليم مَنْ ليس في الصَّلاة من هو فيها، وأن استماع المصلِّي لكلام من ليس في الصَّلاة لا يفسد صلاته.
3- أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلَّف حتى يبلغه؛ لأن أهل قباء لم يُؤمروا بالإِعادة، مع أن الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم.
4- أن الذِي يؤمر به النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يلزم أمته، وأن أفعاله يؤتسى بها كأقواله، حتى يقومَ دليلٌ عَلَى الخصوصية.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ -: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) متفق عليه.
١- قبول خبر الوَاحِد ووُجُوب العمل به.
٢- أن الكفار يدعون إلى الإسلام قبل القتال، وإنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين.
٣- أن الصلوات الخمس فرض في كل يوم وليلة خمس مرات.
٤- أن الزكاة فرض.
٥- أن الساعي عَلَى الزكاة ليس له أن يأخذ خيار الأموال، بل يأخذ الوسط بين الخيار والرديء.
٦- أن دعوة المظلوم لا ترد، ولو كان فيه ما يقتضي ألَّا يستجاب لمثله من كون مطعمه حرامًا أو نحو ذلك حتى ورد في بعض طرقه. وإن كان كافرًا ليس دونه حجاب، رواه أحمد من حديث أنس، وفي حديث أبي هُرَيرَة: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا، ففجوره عَلَى نفسه) وإسناده حسن.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
١- أن من سنة الله في الأنبياء جميعًا أن يمدهم بالمعجزات.
٢- أن من فضائل القرآن كونه المعجزة الخالدة لنبينا ﷺ في جميع العصور والأزمان.
٣- كثرة أتباع نبينا ﷺ يوم القيامة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه البخاري.
أن طاعة رسول الله ﷺ والتمسك بسنته سبب لدخول الجنة، وأن معصيته ﷺ والامتناع عن قَبولِ دَعْوته أو امتثالِ أمْره سبب لدخول النار.
عَنْ أَبِي مُوسَى-رضي الله عنه-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ) متفق عليه.
1. العريان: أي المجرد عن الثياب؛ وأصله أن الرجل إذا كان عَلَى مكان عال فرأى العدو قد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه.
2. النجاء: أي انجوا بأنفسكم.
3. أدلجوا: ساروا من أوَّل الليل.
١- حرص النَّبي ﷺ عَلَى هداية أمته، وحدبه عليهم.
٢- الاجتهاد وبذل الوسع في النصح والإرشاد.
٣- حسن عاقبة من يستجيب للناصحين.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّواب الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا). متفق عليه.
حُجزكم: جمع حُجزة، وهي موضع شد الإزار، وذلك لأن أخذ الوسط أقوى لمنعهم وإبعادهم عن النار.
يتقحمن: يرمين بأنفسهن.
١- حرص النَّبي ﷺ عَلَى هداية أمته، وحدبه عليهم.
٢- جهل كثير من الناس بما ينفعهم وإصرارهم عَلَى ارتكاب موجبات العذاب.
٣- كثرة من يأبى الهداية ويرتكب المحرمات.
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ، فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. رواه البخاري.
بيان حلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحسن خلقه واعتصامه بكتاب الله ووقوفه عند حدوده.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا، أي: رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلاة، وَالصِّيَامَ، وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا نُطِيقُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا، وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). قَالُوا: سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تعالى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قَالَ: نَعَمْ. {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قَالَ: نَعَمْ. {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قَالَ: نَعَمْ. {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، قَالَ: نَعَمْ. رواه مسلم.
١-شدة تعظيم الصَّحابة رضي الله عنهم لأمر الله تعالى ورسوله ﷺ.
٢- أن الله سبحانه وتعالى لا يحملنا ما لا طاقة لنا به، ولا يكلفنا إلا وسعنا، وأن الوساوس التي تجول في صدورنا إذا لم نركن إليها، ولم نطمئن إليها، ولم نأخذ بها - فإنها لا تضر.
٣- أن الله تجاوز عن الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
عن أَسْمَاءَ بنتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قالت: "أَتَيْتُ عَائِشَة حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالنَّاسُ قِيَامٌ، وَهِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقُلْتُ، آيةٌ؟ قَالَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ نَعَمْ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَرَهُ إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوِ الْمُسْلِمُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ -فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، عَلِمْنَا أَنَّكَ مُوقِنٌ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - أَوِ الْمُرْتَابُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شيئًا فَقُلْتُهُ) متفق عليه.
١- الإشَارة تنزل منزلة العبارة إذا كانت واضحة.
٢- إثبات السُّؤال في القبر.
٣- أن الجنة والنار مخلوقتان الآن.
٤- إثبات عذاب القبر.
٥- إثبات خروج الدجال.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه.
١- النَّهي عن الاختلاف وكثرة الأسئلة من غير ضرورة.
٢- الأمر بطاعة الرسول ﷺ، والتمسك بسنته، والعمل بأقواله وأفعاله وتقريراته، والوقوف عندها أمرا ونهيا.
٣- أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
٤- أنه لا حكم قبل ورود الشرع، وأن الأصل في الأشياء عدم الوُجُوب.
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ) متفق عليه.
1- نهى الشارع الحكيم عن كثرة السُّؤال، وكذلك الابتداء بالسُّؤال عما لا يقع، فربما يكون السُّؤال في وقت نزول الوحي والتشريع سببا في تحريم شيء عَلَى المسلمين، كان حلالًا، فيلحقهم بتحريمه المشقة. وهذا في حق من سأل عبثًا وتكلفًا فيما لا حاجة به إليه؛ كمسألة بني إسرائيل في شأن البقرة، دون من يسأل سؤال حاجة.
2- أن الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يرد الشرع بخلاف ذلك.
عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا؛ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبي ﷺ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلَافِي. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبي ﷺ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إِلَى قوله: {عَظِيمٌ}. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - إِذَا حَدَّثَ النَّبي ﷺ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ، كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ" رواه البخاري.
النَّهي عن السبق والتقدم بالقول والرأي عَلَى النَّبي ﷺ وضرورة انتظار أمره وحكمه في كل الأمور، وينطبق هذا عَلَى سنته ﷺ بعد مماته.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ) متفق عليه.
١- تعظيم مكانة العلماء، وأنهم هداة الأمة.
٢- خطورة الفتيا بالرأي، وأنها سبب الضلال وإن كان صاحبها حسن النية.
٣- حض أهل العلم وطلبته عَلَى أخذ بعضهم عن بعض.
٤- شهادة العلماء بعضهم لبعض بالحفظ والفضل.
٥- حض العالم طالبه عَلَى الأخذ عن غيره ليستفيد ما ليس عنده.
عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) متفق عليه.
(وإنما أنا قاسم..)، أي: لم أستأثر بشيء من مال الله، وسبب قوله: ذلك؛ تطييب قلوب الناس؛ لمفاضلته بينهم بالعطاء؛ فالمال لله، والعباد لله، والنَّبي قاسم بإذنه ماله بينكم، فمن قسم له ﷺ كثيرًا، فبقدر الله تعالى، وما سبق له في الكتاب، وكذا من قسم له قليل.
١-أن العلم الشرعي أشرف العلوم إطلاقًا؛ لعلاقته بالله.
٢-أن الفقه في الدين من علامات خيرية المسلم.
٣-فضل العلم، وفضل تعلمه
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ). فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: (وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أوَّلئِكَ) رواه البخاري.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عن-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ) متفق عليه.
1- (ومن الناس إلا أوَّلئك)، أي: هم المتبعون المعهودون المتقدمون لكونهم كانوا إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادًا.
2- سَنَن: بفتح السين والنون: الطريقة والسبيل والمنهاج، يقال: استقام فلان علي سنن واحد.
١- التحذير من اتباع طريقة الكفار في بدعهم وضلالهم.
٢- معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ فقد وقع ما أخبر به.
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلام- بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمْ: (أَلَا تُصَلُّونَ؟). فَقَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شيئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الإِنسَان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) متفق عليه.
١- فَضِيلَة صلاة الليل، وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك.
٢- إثبات المشيئة لله، وأن العبد لا يفعل شيئًا إلا بإرادة الله.
٣- جَوَاز ضرب الفخذ عند التأسف.
٤- جَوَاز الانتزاع من القرآن.
٥- ترجيح قول من قال: إن اللام في قوله: (وكان الإِنسَان) للعموم لا لخصوص الكفار.
٦- منقبة لـعلي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضة، فقدم مصلحة نشر العلم وتبليغه عَلَى كتمه.
٧-ليس للإمام أن يشدد في النوافل حيث قنع ﷺ بقول علي رضي الله عنه " أنفسنا بيد الله " لأنه كلام صحيح في العذر عن التنفل، ولو كان فرضا ما عذره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ. فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (مَا أَلْوَانُهَا؟). قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: (هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَأَنَّى ذَلِكَ؟). قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: (فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ) متفق عليه.
1- أورق: أسمر، وهو ما فيه بياض إلى سواد يشبه لونه لون الرماد.
2- نزعه عرق، أي: جذبه أصل من أصوله إلى شبهه وأظهر لونه عليه.
١- ضرب المثل، وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبا لفهم السائل.
٢- صحة القياس والاعتبار بالنظير.
٣- أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن، وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه.
٤- الاحتياط للأنساب وإبقائها مع الإمكان.
٥- الزجر عن تحقيق ظن السوء.
٦- أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح به.
عن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: "اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ، فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا لَهُ. فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَالَ: فَأْتِنِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ إِلَّا أَصَاغِرُنَا. فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبي ﷺ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ" متفق عليه.
١- أن قول الصحابي: "كنا نؤمر بكذا". محمول عَلَى الرفع إلى النَّبي ﷺ
٢- أن الصحابي الكبير القدر الشديد اللزوم لرسول الله ﷺ قد يخفى عليه بعض أمره ويسمعه من هو دونه.
٣- أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه.
٤- ضرورة التحري في تصديق ما ينسب إلى رسول الله ﷺ.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيرَة يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ إِنِّي كُنْتُ امْرَءًا مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَالَ: (مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شيئًا سَمِعَهُ مِنِّي؟). فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا نَسِيتُ شيئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. رواه البخاري
١- معجزة للنبي ﷺ ومن دلائل نبوته ﷺ.
٢- الحرص عَلَى التعلم وإيثار طلبه عَلَى طلب المال.
٣- فَضِيلَة ظاهرة لأبي هُرَيرَة رضي الله عنه، وبيان لسبب إكثاره عن غيره من التحديث عن النَّبي ﷺ.
عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: " أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ قَالَ: (إِنْ لَمْ تَجِدِينِي، فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) رواه البخاري
١- الإشَارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعد النَّبي ﷺ.
٢- فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
٣- أنه إذا اقترن بحال للسائل حالةٌ مفهمة اعتُبرتْ وإن لم ينطق بها؛ لأن النَّبي ﷺ استدل بظاهر قولها: (إن لم أجدك) أنها أرادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر.
عن أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَكَفَّ النَّبي ﷺ ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: (لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ). قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاة، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاة الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ). قَالَ: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شيئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) متفق عليه.
١- حرص الصَّحابة - رضي الله عنهم- عَلَى السُّؤال عن أمور الآخرة.
٢- تشويق السامعين لما سيلقى عليهم.
٣- تفاضل الأعمال بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها.
4- البشارة والتبشير للمؤمن الذِي يؤدِّي الواجبات بدخول الجنة.
5- أن المبشر بالجنة أكثر من العشرة المشهورين.
6- تفاضل الأعمال بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها.
عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شيئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: وَاللَّهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شيئًا. متفق عليه.
1. (أَحْلَلْتُ الْحَلَالَ): اعتقدت حله وأتيته.
2. (حَرَّمْتُ الْحَرَامَ): اعتقدت حرمته وتركته.
فضل الله عَلَى المؤمنين في تيسير أسباب دخول الجنة.
عن طارق بن أشيم -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) رواه مسلم.
أن العبرة في أمور الدُّنيا بما يظهره الإِنسَان من قول أو فعل، فيعامل بحسب ظاهره وتجرى عليه في الدُّنيا أحكام المسلمين، وأما في الآخرة فحسابه عَلَى الله عز وجل وهو يجازيه بما يعلمه من قلبه.
عن عبادة بن الصامت -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله ﷺ من قال: (أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وأنَّ عيسَى عبدُ اللهِ وابنُ أمتِه وكلِمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ، وأنَّ النَّارَ حقٌّ، أدخله اللهُ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ الثَّمانيةِ شاء) متفق عليه. وفي روايةٍ: (لأدخله اللهُ الجنَّةَ عَلَى ما كان من عملٍ) ولم يذكُرْ (من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ الثَّمانيةِ شاء).
1- (كلمته)، أي: أنه خلق بقوله تعالى: (كن)، وقيل: إن هذا إشارة إلى أنه حجة الله عَلَى عباده، أبدعه من غير أب، وأنطقه في غير أوانه، وأحيا الموتى عَلَى يده، وقيل: لأنه قال في صغره: إني عبد الله.
2- (روح منه)، أي: إنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله عَلَى وجه التشريف، وتسميته عليه السَّلام بالروح؛ لأنه وجد من غير أب، فأحياه الله تعالى من غير الأسباب المعتادة.
١- التعريض بالنصارى في ادِّعائهم عَلَى الله الولد.
٢- أن العصاة من المسلمين لا يخلدون في النار.
٣- سعة فضل الله تعالى عَلَى المؤمنين وتيسير أسباب دخول الجنة.
عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ مَاتَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.
أن من مات وهو مؤمن بالله ويعلم بتوحيده وعمل بمقتضاه، دخل الجنة في الآخرة برحمة الله سبحانه، وإن كان له ذنوب حوسب عليها بالقدر الذِي يريده الله عز وجل، ثم يدخله الجنة.
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) رواه مسلم.
١- إثبات أن الإيمان له حلاوة وطعم يتلذذ به المؤمن الحق.
٢- الترغيب في الإيمان التام بالله ورسوله ودينه.
٣- أن من رضي بهذه الأمور سهلت عليه كل مصاعب الدُّنيا؛ لأنه أصبح مستندًا إلى يقين الله والتسليم الصادق له ولشرعه الذِي جاء به النَّبي محمد ﷺ، فيجد بذلك راحة وطمأنينة في قلبه، ويجد اللذة الحقيقية.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:(الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَان) متفق عليه.
بضع: بكسر أوَّله، وحكي الفتح لغة، وهو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع.
١- الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهو شعب ودرجات
٢- أن الخصال الحميدة كلها تندرج تحت الإيمان.
عن أبي قتادة-رضي الله عنه- قال: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ). قَالَ: أَوْ قَالَ: (الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ). فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ. قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ. وَقَالَ: أَلَا أَرَى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتُعَارِضُ فِيهِ؟ قَالَ: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَأَعَادَ بُشَيْرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ. قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ. متفق عليه.
1- المراد بالحياء هنا ما يكون شرعيًّا، والحياء الذِي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا، بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي وهو خلق يبعث عَلَى ترك القبيح.
2- (فما زلنا نقول فيه: إنه منا)، أي: ليس من أهل النفاق.
١- أن الحياء خير كله.
٢- الإنكار عَلَى من يعارض سنة رسول الله ﷺ بكلام الناس.
٣- الغضب لله تعالى والغيرة عَلَى الدين.
عن سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ". قَالَ: (قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ) رواه مسلم.
١- شدة حرص الصَّحابة - رضي الله عنهم- عَلَى سؤال النَّبي ﷺ عما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.
٢- ما أوتيه النَّبي ﷺ من جوامع الكلم.
٣- ضرورة الثبات عَلَى الإيمان والاستمرار عَلَى العمل الصالح الذِي يهدي صاحبه إلى الطريق المستقيم.
٤- ضرورة اجتماع القول مع الفعل لينتفع به صاحبه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبي ﷺ فَسَأَلُوهُ، إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟). قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رضي الله عنه-قَالَ: سُئِلَ النَّبي ﷺ عَنِ الْوَسْوَسَةِ، قَالَ: (تِلْك مَحْضُ الْإِيمَانِ) رواهما مسلم.
أن استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
وقيل: معناه أن الشَّيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه عَلَى الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد.
١- بيان أن الشَّيطان يوسوس لابن آدم حتى يخرجه من الإيمان فليحذر المؤمن.
٢- بيان موقف المؤمن من وساوس الشَّيطان وإلقائه الشبهات بأن يصمت ولا يتكلم بذلك بل يستعيذ بالله.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) متفق عليه.
معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله -عز وجل- ورسوله ﷺ وإيثار ذلك عَلَى عرض الدُّنيا، ومحبة العبد ربه - سبحانه وتعالى - بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله ﷺ.
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) متفق عليه.
أن من استكمل الإيمان علم أن حق النَّبي ﷺ آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين؛ لأن به ﷺ استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال.
قال القاضي عياض رحمه الله: ومن محبته ﷺ نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته؛ فيبذل ماله ونفسه دونه.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ) أَوْ قَالَ: (لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) متفق عليه.
لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة. والمراد أن يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات مثل ما يحب لنفسه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَمَّا نَزَلَتِ {الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالُوا، أيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}) متفق عليه.
١- التصريح بانصراف الظلم المذكور في الآية إلى الشرك.
٢- كون الشرك ظلما؛ حيث إن الله هو المنعم؛ فإذا أشرك عبده معه غيره فقد جاء بظلم عظيم.
٣- أن المعاصي لا تسمى شركا، وأن من لم يشرك بالله شيئًا فله الأمن وهو مهتد.
٤- أن درجات الظلم تتفاوت.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) متفق عليه.
1- مقصود الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وكل ذلك تعريف بحق الجار، وحث عَلَى حفظه.
2- (فليقل خيرا أو ليصمت): أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه، واجبًا أو مندوبًا فليتكلم. وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه، فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين. فعَلَى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه. وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا.
عن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أوَّل مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاة مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلاة قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم.
"قدْ تُرِكَ ما هنالِكَ": ترك الناس استماع الخطبة إذا أخرناها عن الصَّلاة لاستعجالهم.
١- الأمر بالتدرج في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر كل بحسب استطاعته وقدراته.
٢- أن النَّهي عن المنكر من الإيمان.
٣- حرص الصَّحابة - رضي الله عنهم- عَلَى تطبيق السنة والإنكار عَلَى من خالفها.
٤- أن الإنكار يكون حسب المنكر في إظهاره وإخفائه.
عَنْ أَنَسِ بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ) رواه مسلم.
(حتى لا يقال)، أي: حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد.
أن القيامة إنما تقوم عَلَى شرار الخلق كما جاء في الرواية الأخرى: (تأتي الريح من قبل اليمن فتقبض أرواح المؤمنين عند قرب الساعة).
عن حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ؟) قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةٍ؟ قَالَ: (إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا) قَالَ: فَابْتُلِيَنَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا سِرًّا. متفق عليه.
١- علم من أعلام النبوة بالإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع ذلك وأدركه حذيفة، ووقع أشد منه بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره.
٢- مَشرُوعيَّة الاستسرار بالإيمان للخائف.
عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- قال: "قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَسْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ فُلَانًا، فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (أَوْ مُسْلِمٌ). أَقوله ثَلَاثًا، وَيُرَدِّدُهَا عَلَيَّ ثَلَاثًا (أَوْ مُسْلِمٌ)، ثُمَّ قَالَ: (إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ) متفق عليه.
١- التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام.
٢- ترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه.
٣- الرد عَلَى غلاة المرجئة في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان.
٤- جَوَاز تصرف الإِمَام في مال المصالح وتَقْدِيم الأهم فالأهم وإن خفي وجه ذلك عَلَى بعض الرعية.
٥- جَوَاز الشفاعة عند الإِمَام فيما يعتقد الشافع جَوَازه.
٦- تنبيه الصغير للكبير عَلَى ما يظن أنه ذهل عنه.
٧- أن من أشير عليه بما يعتقده المشير مصلحة لا ينكر عليه، بل يبين له وجه الصواب.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ﷺ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أوَّلمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ) متفق عليه.
1-لما نزل قوله تعالى: {رب أرني كيف تحي الموتى} قال بعض الناس: شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال ﷺ: "نحن أحق بالشك من إبراهيم".
والمراد بذلك ﷺ المبالغة في نفي الشك عن إبراهيم عليه السَّلام، فإذا كنا نحن لا نشك في قدرة الله عَلَى إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بعدم الشك، وإنما سأل إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى عيانا ومشاهدة؛ ليطمئن قلبه، لأنه أبلغ في اليقين.
2- قوله: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} تعجب ﷺ من قول لوط عليه السَّلام هذا، كيف يتمنى أن يجد معينًا وناصرًا يحمي أضيافه من قومه، وقد كان يأوي إلى ركن شديد، وهو الله العزيز المقتدر.
3- "ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي" أي: لأسرعت إلى الإجابة، قال ذلك إعجابًا بصبر يوسف عليه السَّلام وقوة عزيمته، حيث قال لرسول الملك الذِي أرسل إليه ليأتيه به: {ارجع إلى ربك...} الآية، ولم يسارع بالخروج من السجن الطويل والراحة من البلية العظيمة لأوَّل ما أمكنه، بل تثبت حتى تظهر براءته، ويلقى الملك غير مرتاب ولا خجل مما عساه يقع بقلبه مما رفع عنه؛ فأراد أن يخرج خروج من قد ثبتت له الحجة، لا خروج من عفي عنه.
١- حسن تواضع النَّبي ﷺ وتوقيره لمن سبقه من الأنبياء عليهم السَّلام.
٢- فضل يوسف عليه السَّلام والثناء عَلَى صبره عَلَى المصائب.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم.
١- وُجُوب الإيمان بمحمد ﷺ عَلَى كل من بلغته دعوته لعموم رسالته.
٢- نسخ الملل كلها برسالة نبينا ﷺ.
٣- أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، وَحَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَة: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} الْآيَةَ" متفق عليه.
1. حَكَمًا، أي: ينزل حاكما بهذه الشريعة لا ينزل برسالة مستقلة، وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة.
2. فيكسر الصليب، أي: يكسره حقيقة ويبطل ما يزعمه النصارى من تعظيمه.
3. يضع الجزية، أي: لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها، بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل.
4. ويَفيض المال، أي: يكثر وتنزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل وعدم التظالم وتقيء الأرض أفلاذ كبدها وتقل أيضًا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب الساعة، فإن عيسى ﷺ من أعلام الساعة.
5. (حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدُّنيا وما فيها)، أي: أن الناس تكثر رغبتهم في الصَّلاة وسائر الطاعات لقصر آمالهم بقرب القيامة، وقلة رغبتهم في الدُّنيا لعدم الحاجة إليها.
6. {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}، أي: وإن من أهل الكتاب من أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وهم أهل الكتاب الذِين يكونون في زمان نزوله، فتكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَّلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ) رواه مسلم.
(ولا تؤمنوا حتى تحابوا): لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب.
الحثّ العظيم عَلَى إفشاء السَّلام وبذله للمسلمين كلهم؛ من عرفت ومن لم تعرف، والسَّلام أوَّل أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ). قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) متفق عليه.
1. النصيحة: مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب. وقيل: إنها مأخوذة من نصحتُ العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط.
2. النصيحة لله تعالى: الإيمان به، ونفي الشريك عنه، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والاعتراف بنعمته، وشكره عليها، والإخلاص له في جميع الأمور.
3. النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى بالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه.
4. أما النصيحة لرسول الله ﷺ؛ فتصديقه عَلَى الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، وإعظامها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه.
5. أما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فمعاونتهم عَلَى الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم، والصَّلاة خلفهم، والجهاد معهم.
6. أما نصيحة عامة المسلمين؛ وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم.
عن جَرِير بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلاة، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.
١- النصح للمسلمين، ومعاملتهم معاملة حسنة خالصة من المكر والخديعة والغش والخيانة.
٢- تحري الخير للمسلمين، والحرص عَلَى مصالحهم، والسعي في منافعهم.
عن الْبَرَاءِ بن عازب - رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَنْصَارِ: (لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ) متفق عليه.
أن من عرف مرتبة الأنصار وما كان منهم في نصرة دين الإسلام، والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النَّبي ﷺ وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه وقتالهم، ومعاداتهم سائر الناس إيثارًا للإسلام، ثم أحبهم لهذا، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ورسوله ﷺ ومن أبغضهم كان بضد ذلك، واستدل به عَلَى نفاقه وفساد سريرته.
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "وَالذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبي الْأُمِّيِّ ﷺ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ" رواه مسلم.
النسمة: الإِنسَان. وقيل: النفس.
فَضِيلَة عظيمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
عن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ). قَالَ، أي: الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا). قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ. قَالَ: (تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: (تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ) متفق عليه.
أخرق: أحمق وجاهل أو لا يُحسن الصنعة.
١- حسن المراجعة في السُّؤال.
٢-صبر المفتي والمعلم عَلَى التلميذ ورفقه به.
٣- أن الكف عن الشر داخل في فعل الإِنسَان وكسبه حتى يؤجر عليه ويعاقب، لكن لا بد فيه النية والقصد.
٤- أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع؛ لأن غير الصانع مظنة الإعانة من كل أحد، بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يُغفل عن إعانته، فهي من جنس الصدقة عَلَى المستور.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) متفق عليه.
1- "فقدْ باءَ بها أحدُهما"، أي: يعني إن كان من قيلت له أهل لهذه الكلمة فقد وقعت موقعها، والقائل صادق، لكن إن لم يكن أهلًا لها فإنها ترجع إلى قائلها، وليس معنى هذا أنه يكفر بالفعل، ويخرج من الملة، لكنه قال كلمة عظيمة يبوء بإثمها، وكفره هنا دون كفر، إلا إن استحل كفر المسلم بدون مكفر عليه من الله برهان.
١- الزجر والتحذير من رمي الناس بالكفر.
٢- أن وصف الغير بالكفر يرتد عَلَى قائله إن لم يكن صادقًا.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رضي اللّه عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ). قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ:(حَجٌّ مَبْرُورٌ). وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:(إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) متفق عليه.
(حج مبرور)، أي: مقبول، ومنه بر حجك، وقيل: المبرور الذِي لا يخالطه إثم، وقيل: الذِي لا رياء فيه.
١- حرص الصَّحابة -رضي الله عنهم- عَلَى السُّؤال عن أفضل الأعمال رغبة في تحصيل أجرها واغتنام فضلها.
٢- معرفة النَّبي ﷺ بأحوال أصحابه - رضي اللّه عنهم- فكان يرشد كلا منهم إلى ما هو الأفضل والأولى في حقه.
٣- أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
٤- أن الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال.
٥- فضل الجهاد والحج المبرور.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، حِينَ يَنْتَهِبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ) متفق عليه.
لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق عَلَى نفي الشيء ويراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.
وقد حمل نفي الإيمان في هذا الحديث عَلَى نفي كماله للأدلة الشرعية المتضافرة في ذلك ومنها حديث أبي ذر وغيره: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؛ وإن زنى وإن سرق)، وحديث عبادة بن الصامت أنهم بايعوه ﷺ عَلَى أن لا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يعصوا.. ثم قال لهم ﷺ: (فمن وفى منكم فأجره عَلَى الله، ومن فعل شيئًا من ذلك فعوقب في الدُّنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه). فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} مع إجماع أهل الحق عَلَى أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك، لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان. إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين عَلَى الكبائر كانوا في المشيئة.
١- نقصان الإيمان بارتكاب الكبائر.
٢- الإيمان الكامل يمنع من ارتكاب الكبائر.
٣- تفاوت أهل الإيمان في مراتبه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ، فَلَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ وفي رواية: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ) رواه مسلم.
١- الإخبار عن مقدمة من مقدمات قيام الساعة.
٢- أن الإيمان يزيد وينقص.
٣- الرفق بالمؤمنين والإكرام لهم عند قبض أرواحهم.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا، قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ - أَوِ الْحَيَا - فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟) متفق عليه.
امتحشوا: احترقوا
حمما: فحمًا
الحِبَّة: بزور البقول وحب الرياحين، وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش.
حميل السيل: ما يحمله السيل ويجيء به من طين وغيره، والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
الحيا: المطر
١- أن الإيمان في القلوب يتفاضل، وأن أهل الإيمان يتفاضلون في درجات إيمانهم.
٢- أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمَعصِية، وهو مذهب أهل السنة والجَمَاعَة.
٣- أن مرتكب المعاصي معرض للعقوبة في الدار الآخرة، ودخول النار، إلا أن يعفو الله عنه.
٤- أن المؤمن العاصي إذا عذب في النار لا يخلد فيها.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ، أَوْ قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ، فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ. رواه مسلم.
1- ضبائر: جماعات في تفرقة.
2- "فقال رجلٌ مِن القَومِ: كأنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد كان في الباديَةِ" أي: كأنه كان يعيش في الصحراء ويرى سيل الأمطار وما يحمله وما ينتجه؛ لدقة وصفه لكيفية الإنبات للزروع المسقاة بماء السيل.
أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى، وهي إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم عَلَى قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما، فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة، ويلقون عَلَى أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة، فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم.
١- أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار.
٢- إثبات الشفاعة في أهل المعاصي.
٣- عظم أمر الإيمان فهو يمنع صاحبه من الخلود في النار.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) متفق عليه.
1- قبول خبر الوَاحِد ووُجُوب العمل به.
2- أن السنة التدَرُّجُ في عرض شرائع الإسلام.
3-أنه لا يحكم بإسلام شخص إلا بالنطق بالشهادتين.
4- بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإِمَام ينبغي أن يعظ ولاته.
5- أنه يحرم عَلَى الساعي أخذُ كرائم المال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط.
عن عِمْرَانَ بن الحصين- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ). قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (هُمُ الذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). فَقَامَ عُكَّاشَةُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (أَنْتَ مِنْهُمْ). قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ). متفق عليه.
١- عظم ما أكرم الله سبحانه وتعالى به النَّبي ﷺ وأمته، زادها الله فضلا وشرفا.
٢- أن ترك طلب الرقية والكيِّ توكلًا عَلَى الله تعالى أفضل من فعلهما.
٣- إخباره ﷺ عن الغيبيات.
٤- فضل عكاشة بن محصن رضي الله عنه.
عَنْ عَائِشَة -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبي ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟). فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبي ﷺ: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) متفق عليه.
١- إثباتُ صفة المحبَّةِ لله تعالى، وهي مَحبَّةٌ حقيقيَّةٌ تليق بجلاله وكماله.
٢- جَوَاز قِرَاءَة أكثر من سورة في الرَّكعة.
٣- فضل سورة الإخلاص.
عن جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال:" أَتَى النَّبي ﷺ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: (مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ) رواه مسلم.
الموجبتان: الخصلتان من الخير والشر اللتان إذا فعلت إحداهما أوجبت لصاحبها الجنة أو أوجبت له النار.
١- أن من مات وهو مؤمن بالله موحد له فهذه خصلة الإيمان التي توجب له الجنة فيدخلها، ومن كانت عليه ذنوب فإما أن يعفو الله عنه دون حساب، أو يحاسبه عَلَى ما قدم ثم يدخله الجنة.
٢- أن من مات وهو مشرك بالله بأي نوع من الشرك الأكبر، كأن يعبد مع الله غيره، أو يعتقد أن أحدا شريك مع الله في الخلق والتدبير، فهذه هي خصلة الشرك التي توجب لصاحبها النار فيدخلها.
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) متفق عليه.
عظم صبر الله تعالى وحلمه عَلَى عباده، فمع سماعه وعلمه بما يعملون وقدرته عَلَى عقابهم إلا أنه يصبر عليهم، بل يعافيهم في أبدانهم وحياتهم ويرزقهم من فضله ونعمه في الدُّنيا، ويؤخر عقوبة من لم يتب منهم إلى الآخرة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وُضِعَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي) متفق عليه.
١- استواء الله تعالى عَلَى عرشه، وعلوه عَلَى خلقه.
٢-سعة رحمة الله، وكثرة فضله في حلمه قبل انتقامه، وعفوه قبل عقوبته.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (يَقُولُ اللَّهُ تعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) متفق عليه.
(أنا عند ظن عبدي بي): أي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العِبَادَة بشروطها تمسكًا بصادق وعده.
١- بيان فضل الله عز وجل، وأنه يعطي أكثر مما فعل من أجله، فيعطي العامل أكثر مما عمل.
٢- الترغيب في حسن الظن بالله تعالى.
٣- إثبات أن لله تعالى نفسا وذاتا يليقان بعظمته وجلاله.
٤- فضل الذكر سرا وعلانية.
٥- أن الله عز وجل يجازي العبد بحسب عمله.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ) متفق عليه.
1. يَغِيضُهَا: يَنقُصها.
2. سحَّاء: كثيرة العطاء.
3. (بيده الميزان): الميزان هنا مثل، وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق.
4. وقوله: (يخفض ويرفع)، أي: يوسع الرزق عَلَى من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى، وأئمة السنة عَلَى وُجُوب الايمان بهذا وأشباهه من غير تفسير، بل يجرى علي ظاهره ولا يقال كيف.
١- الحض عَلَى الإنفاق في الواجبات كالنفقة عَلَى الأهل، وصلة الرحم، ويدخل فيه أيضًا صدقة التطوع، والوعد بإخلاف الله تعالى عَلَى المنفق.
٢- إثبات صفة اليد لله سبحانه عَلَى ما يليق بكماله وجلاله.
٣- بيان غنى الله تعالى وسعة عطائه.
٤- حكمة الله تعالى في قسمة الأرزاق بين عباده يبسط لمن يشاء ويقدر.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقلِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) متفق عليه.
١- استحباب صلاة الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها.
٢- شفقته ﷺ بأمته وإرشادهم إلى مصالحهم دينا ودنيا.
٣- استحباب الاستخارة في كل وقت إلا في وقت الكراهة.
٤- سعة علم الله تعالى وقدرته عَلَى كل شيء.
٥- عَلَى المؤمن رد الأمور كلها إلى الله تعالى وصرف أزمتها والتبرؤ من الحول والقوة إلا به.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلام-: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ، قَالَ النَّبي ﷺ: (لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ) متفق عليه.
١- فضل فعل الخير وتعاطي أسبابه.
٢- أن كثيرا من المباحات والملاذ تصير مستحبات بالنية الصالحة والقصد الحسن.
٣- استحباب الاستثناء لمن قال: سأفعل كذا.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ) متفق عليه.
١- إثبات صفة الضحك لله -جل وعلا- عَلَى ما يليق بجلاله وعظمته. وهو يدل عَلَى غاية كرمه وجوده، وتنوع بره سبحانه وتعالى.
٢- بيان فضل الله - سبحانه وتعالى - وسعة رحمته، حيث يجعل كلا من المتقاتلين من أهل الجنَّة، مع أن الكافر قَتَل مسلمًا ظلمًا وعُدوانًا، لكن الله بواسع فضله، وسعة رحمته تفضّل عليه بالتوبة، وهداه للإسلام، والقتال في سبيله، حتّى استُشهد، فدخل الجنة.
٣- أن كل من قُتِل في سبيل الله فهو في الجنَّة.
٤- أن العبرة بالخواتيم، فلو عمل العبد دهرا من عمره أنواع الكبائر كلها، ثم وفقه الله في آخر حياته للتوبة، والعمل الصالح، مُحيت عنه ذنوبه كلها، وصار من أهل الجنَّة.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
أن لكل نبي عند الله من رفيع الدرجة وكرامة المنزلة أن جعل له أن يدعوه فيما أحب من الأمور ويبلغه أمنيته، فيدعو في ذلك وهو عالم بإجابة الله له، فادخر النَّبي ﷺ هذه الدعوة التي يتيقن إجابتها إلى يوم القيامة، وآثر أمته بما خصه الله به من إجابة الدعوة بالشفاعة لهم، ولم يجعل ذلك في خاصة نفسه وأهل بيته، فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء، وصلى الله عليه أطيب الصَّلاة؛ فهو كما وصفه الله {بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقوله، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}) رواه البخاري
1. خضعانا لقوله: خاضعين منقادين.
2. صفوان: الحجر الأملس.
3. ينفذهم ذلك: يعمهم.
4. فزع عن قلوبهم: أزل الخوف عنها.
١- إثبات علو الله تعالى عَلَى خلقه، وأنه سبحانه في السماء.
٢- أن الله تعالى يتكلم بما شاء وقتما شاء.
٣- انقياد الملائكة واستسلامها أمام كلام ربها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (قَالَ اللَّهُ تعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) متفق عليه.
1. (يؤذيني ابن آدم): بأن ينسب إليَّ ما لا يليق بجلالي.
2. (يسب الدهر): يشتم الزمان قل أو كثر، فيقول إذا أصابه مكروه عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة به، من موت عزيز، أو هرم، أو تلف مال أو غير ذلك: يا خيبة الدهر، أو بؤسًا للدهر، وتبًّا له، ونحو ذلك.
3. (وأنا الدهر): خالقه، بيدي الأمر الذِي ينسبونه إلى الدهر.
4. "أقلب الليل والنهار": يعني أن ما يجري فيهما من خير وشر بإرادة الله وتدبيره، وبعلم منه تعالى وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وُجُوب التأدُّب مع الله تعالى، واجتناب الألفاظ التي فيها سوء أدب مع الله تعالى.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ-رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبي ﷺ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)" رواه مسلم.
١- الجهر بالإنكار عَلَى الخطأ إذا اقتضى الحال.
٢- تعليم الأدب في المنطق، واجتناب الكلام المجمل والمحتمل في حق الله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ) متفق عليه.
١- فضل الله تعالى العظيم عَلَى الإِنسَان، وتجاوزه عنه.
٢- اطلاع الملك عَلَى ما في الآدمي؛ إما باطلاع الله إياه، وإما بأن يخلق الله له علمًا يُدرِكُ به ذلك.
٣- أن مضاعفة أجر الحسنة لا يختص بالنفقة فقط؛ بل يعمُّ كل الأعمال الصالحة لعموم الحديث.
عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا كان يومُ القيامةِ شفَعتُ، فقلتُ: يا رَبِّ أَدخِلِ الجنةَ مَن كان في قلبِه خردلَةٌ، فيُدخَلونَ، ثم أقولُ: أَدخِلِ الجنةَ مَن كان في قلبِه أدنى شيءٍ). فقال أنسٌ: كأني أنظُرُ إلى أصابعِ رسولِ اللهِ ﷺ. متفق عليه.
1- خردلة: نبتة صغيرة، والمعنى: من كان في قلبه قدر قليل من الإيمان، فيدخلهم الله سبحانه وتعالى الجنة بشفاعته ﷺ.
2- "كأني أنظر إلى أصابع رسول الله ﷺ"، يعني بقوله: أدنى شيء، وكأنه يضم أصابعه ويشير بها للتقليل.
إثبات الشفاعة الخاصة لرسول الله ﷺ وهي عَلَى أنواع، وفي هذا الحديث نوع منها وهي شفاعته في الموحدين الذِين أدخلوا النار.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) متفق عليه.
١- إثبات صفة الكلام لله تعالى عَلَى ما يليق بعظمته وجلاله.
٢- إثبات مناقشة الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعباده يوم القيامة.
٣-الحثّ عَلَى الصَّدقة، وأنه لا يمتنع الإِنسَان منها لقلّتها.
٤- أن قليل الصَّدقة سبب للنجاة من النّار.
٥- أن الكلمة الطيّبة تقوم مقام الصَّدقة، وتكون سببًا للنجاة من النّار.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا) متفق عليه.
١- إثبات صفة الكلام لله تعالى عَلَى ما يليق بجلاله وعظمته.
٢- عظمة نعيم أهل الجنة فيها.
٣- أن حلول رضوان الله تعالى عَلَى أهل الجنة أعظم من نعيمهم الذِي هم فيه.
عن جَرِيرِ بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا عِنْدَ النَّبي ﷺ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا). ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} متفق عليه.
1.(لا تضامون): فيها ثلاث روايات:
أ- لا (تَضامّون / تُضامّون): بفتح التاء وضمها مع تشديد الميم، أي: لا يزاحم بعضكم بعضا لتروه سبحانه. فالرؤية واضحة جدا لكل ناظر.
ب- (لا تُضامُون): بضم التاء والميم دون تشديد مأخوذ من الضيم، ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم له دون بعض.
ومعاني هذه الروايات يرجع بعضها إلى بعض.
١- فضل صلاتي الفجر والعصر.
٢- إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
٣- جَوَاز تشبيه الرؤية للقمر برؤية الله يوم القيامة بجامع الوضوح والمعاينة، ولله المثل الأعَلَى.
٤- حسن تعليمه ونصحه ﷺ باستعمال ما يقرب الصورة ويوضح المقصود.
٥- تفسير التسبيح المذكور في الآية بالصَّلاة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
عن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: (نُورٌ، أَنَّى أَرَاهُ؟).
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: قال: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ، فَقَالَ: (رَأَيْتُ نُورًا) رواهما مسلم.
أن النَّبي ﷺ لم ير الله بعينه يقظة بل ما رأى منه عز وجل إلا النور، ونور الله تعالى نور يليق به، وبذاته ليس له وصف أو تأويل
وقيل: إن النور الذِي رآه النَّبي ﷺ ما هو إلا الحجاب الذِي يكون بين الله وبين عباده، كما في قوله: ﷺ: "حجابُه النُّورُ لو كَشَفه لأَحَرقتْ سُبُحاتُ وجْهِه ما انتَهى إليه بصرُه من خَلْقِه" رواه مسلم.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ، وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) رواه مسلم.
1. بخمس كلمات، أي: بخمس فصول والكلمة لغة تطلق عَلَى الجملة المركبة المفيدة.
2. لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، أي: أنه سبحانه وتعالى لا ينام ويستحيل في حقه النَّوم، لأنه صفة نقص في الخالق والله تعالى منزه عنه.
3. يَخْفِضُ الْقِسْطَ، وَيَرْفَعُهُ، أي: يملك بيده ميزان العدل والأرزاق الذِي يعدل به بين عباده فيضيق ويوسع عليهم؛ لحكمة عنده سبحانه وتعالى.
4. يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وعمل النهار قبل عمل الليل: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذِي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذِي بعده.
5. سُبُحات وجهه: نوره وجلاله وبهاؤه.
6. ما انتهى إليه بصره، أي: كل مخلوق انتهى إليه بصره تعالى، ومعلوم أن بصره محيط بجميع الكائنات مع وجود الحجاب، فكيف إذا كشف فهذا كناية عن هلاك جميع المخلوقات.
١- أن رؤية الله ممتنعة عَلَى جميع الخلق في دار الدُّنيا ويكرم الله بها من يشاء من عباده في الآخرة.
٢- أن رفع الأعمال لا يتباطؤ فيه ولا ينتظر إلى إتمام اليوم.
٣- حث العباد أن يراقبوا الله عز وجل في ليلهم ونهارهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) وفي رواية: (وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ) متفق عليه.
1. خلة: خصلة أو صفة.
2. فجر: خرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا.
3. (كان منافقا خالصا): شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، وفي الحديث تحذير المسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) متفق عليه.
1. (سباب): هو مصدر، يقال: سب يسب سبًّا وسبابًا، وقيل: السباب أشد من السب، وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه.
2. (فسوق): الفسق في اللغة الخروج، وفي الشرع: الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو في عرف الشرع أشد من العصيان، قال الله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}.
3. أما (قتاله) بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرا يخرج به من الملة لكن لما كان القتال أشد من السباب -لأنه مفض إلى إزهاق الروح- عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر، ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير.
وأطلق عليه الكفر لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكافر. وقيل: المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية؛ لأن حق المسلم عَلَى المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غطى عَلَى هذا الحق.
تعظيم حق المسلم، والحكم عَلَى من سبه بغير حق بالفسق.
عن جَرِيرِ بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) متفق عليه.
لا تفعلوا كفعل الكفار باستباحة دماء بعضكم لبعض عن فرقة واختلاف، وفي الحديث التحذير من الوقوع في القتل المحرم، وأنه طريق إلى الوقوع في الكفر.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) رواه مسلم.
مما قيل في المعنى:
1. هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية.
2. وقيل: لأنه يؤدِّي إلى الكفر.
3. وقيل: هو كفر النعمة والإحسان.
4. وقيل: أن ذلك في المستحل.
تغليظ تحريم الطعن في النسب والنياحة.
قال زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ. فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قَالَ: (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) متفق عليه.
1. معاني الكلمات:
2. إثْر: ما يعقب الشيء.
3. السماء: المطر.
4. بنوء: النوء: النجم، وهو عند العرب: سقوط نجم في المغرب وطلوع آخر في المشرق، والمراد النَّهي عن اعتقاد أنه سبب المطر.
اختلف العلماء في كفر من قال: (مطرنا بنوء كذا) عَلَى قولين:
١- هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الإيمان مخرج من ملة الإسلام. وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا قول جماهير العلماء.
٢- أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره عَلَى إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ، فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيطان يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (يَا وَيْلِي، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجود، فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجود، فَأَبَيْتُ، فَلِي النَّارُ) رواه مسلم.
1. السجدة، آية السجدة.
2. يا ويله: هو من آداب الكلام، وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم، صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه.
فضل السُّجود وأنه سبب لدخول الجنة.
عن جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاة) رواه مسلم.
1. (بين الرجل وبين الشرك ترك الصَّلاة): أي: أن الذِي يمنع من كفره كونه لم يترك الصَّلاة، فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل، بل دخل فيه.
2. (الشرك والكفر): قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك.
التحذير الشديد من ترك الصَّلاة وإضاعتها.
عن عَائِشَة - رضي الله عنها- قالت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟" قَالَ: (لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ، اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) رواه مسلم.
١- أن من مات عَلَى الكفر لا ينفعه عمل.
٢- الإشَارة إلى أن الكافر لو أسلم لنفعه ما عمله في الكفر من الأعمال الصالحة.
عن أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟). قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ). فَمَا زَالَ يَقوله حَتَّى قُلْتُ: لَا يَسْكُتُ. متفق عليه.
١- استحباب إعادة الموعظة ثلاثًا لتفهم.
٢- انزعاج الواعظ في وعظه؛ ليكون أبلغَ في الوعي عنه، والزجر عن فعل ما ينهى عنه.
٣- غلظ أمر عقوق الوالدين فقد قرنه بالشرك بالله.
٤- غلظ أمر شهادة الزور لما يترتّب عليها من المفاسد.
٥- إشفاق التلميذ عَلَى شيخه إذا رآه منزعجًا، وتمنِّي عدم غضبه؛ لما يصيبه من المشقة في ذلك.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) متفق عليه.
1. التولي يوم الزحف، أي: الفرار من القتال يوم ملاقاة الكفار وأعداء الله.
2. المحصنات: العفيفات.
3. الغافلات: البريئات اللواتي لا يفطن إلى ما رمين به من الفجور.
4. في الحديث التحذير الشديد من إتيان هذه الأعمال المهلكة لصاحبها.
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) رواه البخاري.
أن المؤمن في أي ذنب وقع كان له في الدين والشرع مخرج إلا قتل النفس التي حرم الله قتلها، فإنه إذا ارتكبه يضيق عَلَى نفسه في دينه؛ وذلك لأنه أوقع نفسه في العمل الذِي توعد عليه الله سبحانه وتعالى بأشد العذاب.
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ" رواه البخاري.
ورطات: جمع ورطة - بسكون الراء - وهي الهلاك، يقال: وقع فلان في ورطة، أي: في شيء لا يكاد ينجو منه، وقد دل الأثر عَلَى أن من الأمور المهلكة التي لا يكاد صاحبها يتخلص منه: إراقة الدم الحرام بغير حله، أي: بغير حق من الحقوق التي تحل إراقة الدم كالقصاص وغيره.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ النَّبي ﷺ: (أوَّل مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ) متفق عليه.
من فوائد الحديث:
عظم شأن التعرض لدماء الناس، وأن أوَّل ما يقضى بين الناس في ظلمهم بعضهم بعضا يوم القيامة يكون في الدماء، كالقتل والجروح، وجاء في حديث آخر: أن "أوَّل ما يحاسب به العبد: الصَّلاة"، وهذا متعلق بالعبادات وحقوق الله تعالى، وأما القضاء في الدماء فمتعلق بحقوق العباد بعضهم عَلَى بعض.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأوَّل كِفْلٌ مِنْهَا). وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أوَّلا. متفق عليه.
كِفْلٌ: حظ ونصيب من الإثم، وقد دل الحديث عَلَى أن من ابتدع في الدين أو سن سنة سيئة فإن عليه وزر ذلك ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولما كان ابن آدم الأوَّل هو أوَّل من سن القتل بغير حق، وذلك بقتله أخاه؛ فإن عليه وزرا وكفلا، أي: نصيبا من كل قتل يحدث إلى يوم القيامة.
عن ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ). ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: (لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)" متفق عليه.
1. (وما يعذبان في كبير): ليس بكبير تركه والاحتراز منه، ولكنه في ذاته من الكبائر.
2. (لا يستتر من بوله): روي بثلاث روايات: (يستتر) بتائين مثناتين، (يستنزه) بالزاي والهاء، (يستبرئ) بالباء الموحدة والهمزة وهذه الثالثة في البخاري وغيره، وكلها صحيحة، ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه.
3. عسيب: الجريد والغصن من النخل.
١- إثبات عذاب القبر.
٢- التحذير من ملابسة البول، ويلتحق به غيره من النَّجَاسات في البدن والثوب.
٣- غلظ تحريم النميمة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُوْدٍ-رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ النَّبي ﷺ، أي: الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؛ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) متفق عليه.
١- عظم هذه الكبائر وشناعتها بذكر أحوال تقتضي البعد عن هذه الكبائر في الأصل.
٢- أكبر الكبائر وأعظمها أن يشرك العبد بالله تعالى مع أنه هو الذِي خلقه وأغدق عليه من نعمه. فكان الحري بالعبد ألا يشرك بالله شيئًا.
٣- ثم يليه أن يقتل الرجل ولده وكان الأولى به أن يحنو ويرحمه فكان قتله غاية في القبح والشناعة.
٤- ثم يليه أن يزني الرجل بزوجة جاره أو أمته وكان الحري به أن يحمي عرض جاره فإذا خانه فاعتدى عَلَى عرضه كان ذلك الفعل غاية في القبح والشناعة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ. وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ) متفق عليه.
١- أن من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء.
٢- قطع الذرائع فيؤخذ منه النَّهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر، والسلاح ممن يقطع الطريق، ونحو ذلك.
٣- أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم.
٤- أن الطبع السليم يأبى سب الوالدين ولعنهما.
عن أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ- رضي اللَّه ُ عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري
معاني الكلمات:
1. الحِرَ: الفرْج. والمقصود استحلال الزنا.
2. علم: جبل.
3. يروح عليهم بسارحة: يرعى لهم الراعي أغنامهم.
4. يبيتهم الله: يهلكهم ليلا.
5. ويضع العلم: يوقع الجبل عليهم.
١- الوعيد الشديد عَلَى من يتحيَّل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه.
٢- تغليظ التحريم في الزنا ولبس الحرير واستماع المعازف.
٣- علامة من علامات النبوة حيث وقع ما أخبر به النَّبي ﷺ من استحلال هذه المحرمات عند بعض الناس.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ). قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) رواه مسلم.
1. بطَرُ الحقِّ: دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا.
2. الغمط: الاستهانة والاستحقار.
النَّهي عنِ التكبُّرِ والتعاظُمِ عَلَى الناسِ، والنَّهي عن رفَضِ الحقِّ والبُعدِ عنه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) متفق عليه.
ليس منا، أي: ليس عَلَى طريقتنا، وأطلق اللفظ هنا للمبالغة في الزجر والتخويف، وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حمل السلاح عَلَى المسلمين وترويعهم وإخافتهم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَام؟). قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَام، كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم.
1. الصبرة: الكومة المجموعة من الطَّعَام.
2. أصابته السماء، أي: المطر.
3. (مَن غشَّ فليس مِنِّي) أي: من خدع الناس بأي صورة فليس عَلَى هدي النَّبي ﷺ وسنته وطريقته، وهذا زجر شديد من النَّبي ﷺ.
١- الزجر والنَّهي عن الغش في كل الأمور وفي المعاملات خاصة.
٢- ضرورة تبيين عيب السلعة للمشتري.
٣- تهديد من تمادى في الغش بأن يخرج عن طريقة النَّبي ﷺ.
عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَنِمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ) متفق عليه.
1- قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله-: كل من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا، فعليه ستة أمور:
الأوَّل: ألا يصدقه لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: ألا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: ألا يحمله ما حكي له عَلَى التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه؛ فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا فيصير به نماما، ويكون آتيا ما نهى عنه.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَ مِرَارًا. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا، وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رواه مسلم.
1. الإسبال: إطالة الثوب وإرساله إلى الأرض.
2. المنان: الذِي يمن بالعطاء بعد أن يعطيه، والمن هو التفاضل والتعالي عَلَى الآخذ.
3. المنفق سلعته: الذِي يروج ويبيع بضاعته وتجارته.
التحذير الشديد من المن والحلف الكاذب والإسبال.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) رواه مسلم.
1. "شيخ زان": رجل كبير السن قد وقع في فاحشة الزنا، مع أنه قد بلغ من الرشد والعقل وذهاب الشهوة ما يردعه عن ذلك، ولكنه فعل الفاحشة.
2. "ملك كذاب": ملك يكذب عَلَى رعيته؛ وقد توفرت له أسباب القوة والتمكين فليس بحاجة إلى الكذب.
3. "عائل مستكبر": فقير متكبر مختال متغطرس يتكبر عَلَى الخلق بلا داع ولا رادع؛ والإِنسَان قد يتكبر بماله أو جاهه وسلطانه وقوته، أما الفقير الذِي هو عالة عَلَى غيره فلا سبب يجعله يتكبر، بل كان الأحرى به التواضع لله وبين الناس.
١- التحذير من الزنا والكذب والتكبر.
٢- توعد الشيخ الزاني والملك الكذاب والفقير المتكبر بأشد العقوبة؛ لأن كل واحد منهم فعل المَعصِية التي فعلها مع بعدها منه وضعف دواعيها عنده.
٣- أن عقاب المعاند المستخف بالذنب المصر عليه أشد من غيره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) متفق عليه.
1. يَتَوَجَّأُ: يطعن.
2. يَتَحَسَّاهُ: يشربه في تمهل ويتجرعه.
3. تَرَدَّى: ألقى بنفسه.
4. (خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا): محمول عَلَى من فعل ذلك مستحلا له مع علمه بالتحريم، أو عَلَى أنه يعني طول المدة والإقامة التي يخلد فيها قاتل نفسه إن أنفذ عليه الوعيد، ولا يعني خلود الدوام.
الوعيد الشديد لمن قتل نفسه.
عن جندب بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله ﷺ: (إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) متفق عليه.
1. نكأها: قشرها وخرقها وفتحها.
2. يرقأ: يجف وينقطع سيلانه.
3. (بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة): كناية عن استعجال الموت.
4. (حرمت عليه الجنة): ذكر في معناه أقوال: فقيل: إنه كان استحل ذلك الفعل فصار كافرا، وقيل: كان كافرا في الأصل وعوقب بهذه المَعصِية زيادة عَلَى كفره، وقيل: إن المراد أن الجنة حرمت عليه في وقت ما، كالوَقْت الذِي يدخل فيه السابقون، أو الوَقْت الذِي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك شرع من مضى؛ أن أصحاب الكبائر يكفرون بفعلها، وقيل غير ذلك.
١- تحريم قتل النفس، سواء أكانت نفس القاتل أم غيره.
٢- رحمة الله تعالى بخلقه؛ حيث حرم عليهم قتل نفوسهم.
٣- أن الأنفس ملك الله.
٤- فَضِيلَة الصبر عَلَى البلاء، وترك التضجر من الآلام؛ لئلَّا يفضي إلى أشد منها.
٥- النَّهي عن تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس.
عن ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ) متفق عليه.
1. (من حلف عَلَى يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا): كأن قال والله إن فعلت كذا، فهو يهودي أو نصراني.
2. (فهو كما قال) أي: إذا أراد التدين بذلك، والعزم عليه إن فعل ذلك، فيصير كافرا حالا، لأن العزم عَلَى الكفر كفر.
3. أما إذا أراد المبالغة في منع نفسه من ذلك، وألا يفعله ألبتة من غير عزم عَلَى ذلك المحلوف به ألبتة، فمعصية عظيمة يجب عليه أن يستغفر الله منها.
4. (ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة): الجزاء من جنس العمل. وقد مر بنا في الحديث السابق.
5. (وليس عَلَى رجل نذر في شيء لا يملكه): ليس عليه وفاء نذر، فيما لا يملك، كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر، أو أتصدق بدار فلان.
قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبي ﷺ فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ، فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ، فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ). قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. رواه مسلم.
1- غلها: الغلول هو الخيانة في الغنيمة خاصة، وقيل: هي الخيانة في كل شيء.
١- تحريم الغلول من غير فارق بين القليل منه والكثير.
٢- أن المَعصِية قد تودي بالمؤمن إلى النار ليجازَى بما فعل، ثم أمره إلى الله بعد استيفاء جزائه.
٣- مَشرُوعيَّة تزكية الأموات وذكر مناقبهم.
٤- التحذير من مخالفة الله تعالى ورسوله ﷺ، ومن الغلول من المغانم.
٥- أن الغلول يجانب الإيمان؛ لأن الغال يكون خائنا خيانة لم يجاهر فيها سوى الله تعالى، ولو كان مؤمنا به حقا لم يكن ليخفي من الناس ما يجاهره به سبحانه وتعالى.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: (أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ) متفق عليه.
1. أحسن: دخل في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأصبح مسلما حقيقيا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر.
2. أساء: لم يدخل في الإسلام بقلبه بل أظهر النطق بالشهادتين فقط؛ فهذا منافق باق عَلَى كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام وبما عمل بعد إظهارها؛ لأنه مستمر عَلَى كفره.
عن حَكِيمِ بْنُ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءَ كُنْتُ أَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ - قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ)، قال: فَوَاللَّهِ لَا أَدَعُ شيئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا فَعَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ. متفق عليه.
أتبرر بها: أطلب بها البر والإحسان إلى الناس والتقرب إلى الله تعالى، وقد دل الحديث عَلَى أن الكافر إذا أسلم ومات عَلَى إسلامه، وكان قبل إسلامه يتصدق ويعتق العبيد ويصل الرحم والأقارب- يثاب عَلَى ما فعله من الخير في حالة الكفر.
عن أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً - وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ - فَقَالَ: (ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ) متفق عليه.
1. (إنما تركها من جرائي)، أي: من أجلي، فصار تركه لها- خوفا من الله، ومجاهدة لنفسه الأمارة بالسوء، وعصيانا لهواه- حسنة.
2. (أحسن أحدكم إسلامه): أسلم إسلامًا محققًا بريئًا من الشكوك، مؤمنا ظاهرا وباطنا.
عظيم فضل الله تعالى عَلَى عباده، ورحمته بهم.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شيئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) رواه مسلم.
بيمينه: جعل يأخذ حق غيره بالحلف بالله ويقسم به.
١- بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين.
٢- أنه لا فرق في أكل حقوق الناس بين قليل الحق وكثيره.
٣- التحذير من استخدام الأيمان الكاذبة.
عن وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا، لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْحَضْرَمِيِّ: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَلَكَ يَمِينُهُ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَدْبَرَ: (أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ، لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ) رواه مسلم.
١- التحذير الشديد من الحلف بالله كذبًا، خاصة إذا كان الحلف عَلَى حق ليس له وقد اقتطعه من غيره.
٢- جَوَاز كلام الخصوم بعضهم في بعض.
٣- أن البينة عَلَى المدعي، واليمين عَلَى المدعى عليه إذا أنكر.
٤- أن البينة تقدم عَلَى اليد ويقضى لصاحبها بغير يمين.
٥- أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل، وتسقط عنه المطالبة بها.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتِلْهُ). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: (فَأَنْتَ شَهِيدٌ). قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: (هُوَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.
(فأنتَ شَهيدٌ): فأنت بمنزلة الشهيد ولك أجر شهيد، ولا يلزم منه أن يكون مثل ثواب شهيد الحرب.
١- الدفاع عن المال والنفس أمر لازم وثابت.
٢- دفع المعتدي عَلَى شيء من ضروريات الدين أمر واجب.
٣- التغليظ والتخويف والتحذير من الاعتداء عَلَى أموال الناس مخافة أخذها ظلمًا وعدوانًا.
عن أُسَامَةَ بن زيد -رضي الله عنهما-قال: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبي ﷺ؛ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ - وَعِنْدَهُ سَعْدٌ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذٌ - أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا: (لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى، كُلٌّ بِأَجَلٍ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ) متفق عليه.
يجود بنفسه، أي: أنه كان في النزع وسياق الموت.
الحثّ عَلَى الصبر عَلَى فقد الولد وغيره والتسليم بقدر الله الذِي قضاه ولو كان مما يكره الإِنسَان.
عن حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: (لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبي ﷺ خُطْبَةً، مَا تَرَكَ فِيهَا شيئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الشَّيْءَ قَدْ نَسِيتُ، فَأَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ) متفق عليه.
١- كمال علمه ﷺ بما يكون في المستقبل مما علمه الله تعالى.
٢-كمال علم حذيفة وعنايته بذلك واجتنابه من الآفات والفتن.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَثِيرًا مِمَّا كَانَ النَّبي ﷺ يَحْلِفُ: (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوب)
وعن عبد الله بْنُ عُمَرَ - رضي اللّه عنهما-قال: "كَانَتْ يَمِينُ النَّبي ﷺ: (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبي ﷺ يَحْلِفُ: (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) رواها البخاري.
١- أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى.
٢- وُجُوب تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته عَلَى الوجه الذِي يليق به.
٣- وُجُوب الكفارة عَلَى من حلف بصفة من صفات الله فحنث.
٤- جَوَاز الحلف بأفعال الله إذا وصف بها، ولم يذكر اسمه.
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "نَهَى النَّبي ﷺ عَنِ النَّذْرِ، قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شيئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ) متفق عليه.
النذر لا يأتي ابن آدم بشيء لم يكن قدر له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر الذِي قدر له، فيستخرج الله بالنذر من البخيل، وفي الحديث ذم النذر المعلق.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنها سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُون، فَقَال: (كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ، صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ) رواه البخاري.
"يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له"، أي: يظل داخل البلد الذِي وقع فيه الطَّاعُون، ولا يخرج منه؛ ظنا منه أن خروجه ينجيه من قدر الله المكتوب عليه، إلا كان له مثل أجر شهيد.
بيان عناية الله تعالى بهذه الأمة؛ حيث جعل ما عد عذابًا لغيرهم رحمة لهم.
عن الْبَرَاءِ بْنُ عَازِبٍ- رضي الله عنهما-قال: رَأَيْتُ النَّبي ﷺ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَهُوَ يَقُولُ:
(وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا) متفق عليه.
١- إنشاد بعض الشعر الحماسي أثناء العمل والجهاد.
٢- مشاركة النَّبي ﷺ لأصحابه في الأعمال الكبيرة تشجيعا لهم.
٣- إنشاد بعض الشعر الحماسي أثناء العمل؛ تشجيعا للعاملين وترغيبا لهم.
٤- تواضع النَّبي ﷺ.
٥- استشهاد النَّبي ﷺ من الشعر.
٦- تسلية الجيش وتنشيطه.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبي ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ النَّبي ﷺ سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ، وَقَالَ: (وَجَدْنَاهُ بَحْرًا) متفق عليه.
1- بيان شجاعته ﷺ من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس.
2- بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعًا بعد أن كان بطيئًا، وهو معنى قوله: ﷺ (وجدناه بحرًا) أي: واسع الجري.
3- جَوَاز سبق الإِنسَان وحده في كشف أخبار العدو مالم يتحقق الهلاك.
4- جَوَاز العارية وجَوَاز الغزو عَلَى الفرس المستعار لذلك.
5- استحباب تقلد السيف في العنق.
6- استحباب تبشير الناس بعدم الخوف إذا ذهب.
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ) متفق عليه.
1. (لي خمسة أسماء) أي: أختصُّ بها، لم يُسمَّ بها أحدٌ قبلي، أو: معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها.
2. قال القاضي عياض-رحمه الله-: "حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله، وإنما تسمى بعض العرب محمدا قرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيًّا سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا؛ فرجوا أن يكونوا هم؛ فسموا أبناءهم بذلك".
3. (وأنا الحاشر الذِي يحشر الناس عَلَى قدمي) أي: عَلَى أثري، أي: إنه يحشر قبل الناس، وهو موافق لقوله: في الرواية الأخرى: (يحشر الناس عَلَى عقبي).
4. (وأنا العاقب) أي: الذِي ليس بعده نبي.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال يَصِفُ النَّبي ﷺ "كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ". قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. رواه البخاري.
1. "ربعة"، أي: معتدل ليس بالطويل المفرط ولا القصير.
2. "أزهر"، أي: أبيض مستنير.
3. "أمهق"، أي: شديد البياض الذِي لا يخالط بياضَه شيءٌ من الحمرة، وهو بياض مكروه.
4. "آدم"، أي: أسمر.
5. "جعد"، الجعودة: اجتماع الشعر وتقبُّضُه والتواؤه.
6. "قطط"، أي: قصير. وقيل: شديد الجعودة.
7."سبط"، السبوطة: استرسال الشعر من غير تجعُّد.
8."رَجِل"، أي: مسرح الشعر.
9."فلبث بمكة عشر سنين": المعروف في السيرة أنه مكث بمكة ثلاثة عشر عامًا؛ ولذلك قال بعض الشراح: إن أنسًا- رضي الله الله- حذف الكسر هنا عَلَى عادة العرب في ذكر الأعداد، وقيل غير ذلك.
عن أَنَسِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبي ﷺ وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبي ﷺ " رواه البخاري.
1. "ديباجًا": هو نوعٌ من الثِّياب ظاهره وباطنه من الحرير.
2. "عَرْفًا": هو الريح الطيب.
عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: "كَانَ النَّبي ﷺ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، [وفي رواية إلى منكبيه] رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شيئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ" متفق عليه.
1. "مربوعًا"، أي: ليس بالطويل ولا بالقصير.
2. "بعيد ما بين المنكبين"، أي: عريض أعَلَى الظهر.
3. "شحمة أذنيه" وفي الرواية الأخرى "إلى منكبيه".
4. والجمع بين هاتين الروايتين: أن ما يلي الأذن هو الذِي يبلغ شحمة أذنيه، وهو الذِي بين أذنيه وعاتقه، وما خلفه هو الذِي يضرب منكبيه. وقيل: بل ذلك لاختلاف الأوقات، فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين، فكان يقصر ويطول بحسب ذلك.
5. "حُلّة"، أي: ثوب جيد جديد.
عن أَبي جُحَيْفَةَ [من صغار الصَّحابة] رضي الله عنه، قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. وكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المرأَة، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ" رواه البخاري.
"عَنَزَة": هي عصا أقصرُ من الرمح لها سِنَانٌ مثلُ سِنَانِ الرمح كان يضعها النَّبي ﷺ سترة يصلي إليها.
1. مَشرُوعيَّة الصَّلاة إلى السترة، وقال بعض العلماء بوُجُوبها.
2. أن مرور المرأَة من وراء السترة لا يقطع الصَّلاة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "مَا عَابَ النَّبي ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ" متفق عليه.
بيان كريم أخلاقه ﷺ وحسن معشره
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الذِي كُنْتُ فِيهِ) رواه البخاري.
أن النَّبي ﷺ قد اختاره اللهُ سبحانه وتعالى من خَيرِ طَبقاتِ البَشَرِ، طبقةً بعد طبقةً؛ فكان ﷺ يَنتقِلُ مِن الأصلابِ الشَّريفةِ إلى الأرحامِ الشَّريفةِ، حتّى ظهَر أخيرًا مِن البيتِ الهاشميِّ؛ أشرفِ بيوتاتِ العربِ، وأعرقِها نسَبًا، وأعلاها منزلةً في جزيرةِ العرب كلِّها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبي ﷺ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا) متفق عليه.
بيان كريم خلقه ﷺ.
عَنْ عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؛ فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ؛ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا" متفق عليه.
إرشاد المسلمين إلى أن يكون سبيل حياتهم عَلَى التيسير والمسامحة والبعد عن التشدد المبالغ فيه، مع الوقوف عند حرمات الله وحدوده؛ فلا ترتكب المعاصي والذنوب، ولا ينتهك حق الله في المجتمع المسلم، فإذا حدث ذلك وجب عَلَى المسلم الغضب لله مقتديًا بالنَّبي ﷺ، مع مراعاة وضع الأمور في نصابها، وأن يكون الغضب في محله ولا يتجاوزه إلى أكثر منه حتى لا يفسد من حيث أراد الإصلاح.
عن الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: كَانَ النَّبي ﷺ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ، أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يَقُولُ: (وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا). وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: (أَبَيْنَا أَبَيْنَا) رواه البخاري.
(أغمر بطنه): وارى التراب جلد بطنه وشعره وغطاه لكثافته عليه، وكان ﷺ كثير الشعر.
1- كمال خصاله ﷺ وتفرد خلاله، فلم يكتف بمجرد أمرهم بالعمل؛ بل شارك بنفسه مشاركة فاعلة حتى غطى الترابُ جلدَ بطنه من جدِّه في العمل.
2- دور القائد في تحفيز الأتباع وأثر مشاركته الفاعلة في إنجاز العمل وارتفاع المعنويات.
3- عظم الجهد والمشقة التي لقيها الصَّحابة في حفر الخندق.
4- بيان الفقر وضيق ذات اليد، وتواضع الطَّعَام الذِي كانوا يأكلونه.
5- مَشرُوعيَّة الرَّجَزِ وهو ما يقال من الشعر، وفيه من المعاني ما يبعث عَلَى النشاط في العمل والجدِّ فيه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبي ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وَإِذَا كَرِهَ شيئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ" متفق عليه.
الخدر: ستر يجعل للبكر جنب البيت.
١- فَضِيلَة الحياء وهو من شعب الإيمان.
٢- الغيرة عَلَى حرمات الله.
٣- كمال خلقه ﷺ.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "كان النَّبي ﷺ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ" متفق عليه.
"لو عده العاد لأحصاه"، أي: لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لأطاق ذلك وبلغ آخرها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم في حديثه.
ترغيب من يحدث الناس أو يعلمهم أن يترسل في حديثه ويتمهل.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبي ﷺ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: (مَا لَكُمْ؟) قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ؛ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً" متفق عليه.
1. الركوة: إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء.
2. الجهش: أن يفزع الإِنسَان إلى غيره مع إرادة البكاء.
3. يثور: ينبع بقوة وشدة.
من فوائد الحديث:
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عن الْبَرَاءِ بن عازب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبي ﷺ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ [حافَّته] فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ - أَوْ صَدَرَتْ - رَكَائِبُنَا" رواه البخاري.
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: (اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ). فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: (حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ). فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَلُ" رواه البخاري.
1. "الآيات": الأمور الخارقة للعادات أي: المعجزات.
2. "بركة وأنتم تعدونها تخويفًا": أنكر عليهم عدَّ جميع الخوارق تخويفًا، وإلا فليس جميع الخوارق بركة، فبعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطَّعَام القليل، وبعضها تخويف من الله ككسوف الشمس والقمر، كما قال النَّبي ﷺ : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده)، وكأن القوم الذِين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}.
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عن يَزِيدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ: قال "رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ بن الأكوع، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ. فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ. فَأَتَيْتُ النَّبي ﷺ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ" رواه البخاري.
النفث: نفخ لطيف بغير ريق أو مع ريق خفيف.
1- فَضِيلَة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
2- آية من آيات نبوته ﷺ بشفاء المريض بنفثه عليه الصَّلاة والسَّلام.
3- استحباب رقية الآخرين.
4- جَوَاز النفث في الرقية.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال " كان النَّبي ﷺ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ - أَوْ نَخْلَةٍ - فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ - أَوْ رَجُلٌ -: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟" قَالَ: (إِنْ شِئْتُمْ). فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبي ﷺ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا" رواه البخاري.
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عن جَابِرِ بن عبد الله- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَى النَّبي ﷺ فَقُالَ: "إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا؛ وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (انْزِعُوهُ). فَأَوْفَاهُمُ الذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ" رواه البخاري.
أن جابرا أتى النَّبي ﷺ يشكو إليه ثقل الدين الذِي تركه أبوه بعد وفاته، وإلحاح الغرماء عليه لاستيفاء حقهم، وأن ما تركه أبوه مما يخرجه نخله لا يوفي ما عليه؛ ولو مكث سنين. فأمره رسول الله ﷺ أن يصنِّف التمر الذِي عنده كلُّ صنف عَلَى حدة، ولا يخلط صنفا بغيره. ثم جاء رسول الله ﷺ فوقف عَلَى تمره ومشى بين بيادره وهي أماكن جمع التمر وتجفيفه وتنظيفه، ثم دعا فنزلت البركة في ذلك التمر، فأوفى للغرماء حقهم، وبقي مثل الذِي أعطاهم.
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عَنْ عُرْوَةَ بنِ الجعد -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- "أَنَّ النَّبي ﷺ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ" رواه البخاري.
بيان إحدى دلائل نبوته ﷺ.
عن الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: لَمَّا أَقْبَلَ النَّبي ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبي ﷺ فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ، قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ. فَدَعَا لَهُ، قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. متفق عليه.
1. ساخت: غاصت به.
2. كثبة: قدر حَلْبة. وقيل: القدح.
1- حفظ الله لنبيه ﷺ.
2- معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ.
3- منقبة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه.
4- جَوَاز الدعاء للكافر.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قال: "غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَاسْتَظَلَّ بِهَا، وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ. فَشَامَهُ، ثُمَّ قَعَدَ فَهُوَ هَذَا). قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " رواه البخاري.
1. القائلة: وقت القيلولة؛ وهي استراحة نصف النهار.
2. العضاه: كل شجر له شوك، وقيل: أعظم الشجر.
3. صلتًا: مسلولًا مجردًا من غمده.
4. فشامه: أغمده.
1- عظم توكله ﷺ عَلَى الله.
2- حفظ الله لنبيه ﷺ وعصمته له من الناس.
3- كمال أخلاقه وعفوه ﷺ عمن أراد قتله بعد قدرته عليه.
عن عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ) متفق عليه.
1. قوله:(معقود): ملازم لها كأنه عُقِد بها.
2. (نواصيها): الشعر المسترسل عَلَى الجبهة. ويكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس، يقال: فلان مبارك الناصية، ومبارك الغرة، أي: الذات.
الترغيب في الغزو عَلَى الخيل، وفيه أيضًا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة؛ لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين، وهم المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون عَلَى الحق).
عن خَبَّابٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَتَيْتُ النَّبي ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ؛ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) رواه البخاري.
1- شدة البلاء الذِي كان يلقاه أتباع الأنبياء.
2- وُجُوب الصبر عَلَى البلاء حتى تنكشف الشدة، ويأتي الفرج.
3- البشارة بأن العاقبة للمتقين.
4- فيه من دلائل النبوة ما وقع من انتشار الإسلام والأمن وزوال الخوف.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ". قَالَ: (ابْسُطْ رِدَاءَكَ). فَبَسَطْتُ، فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (ضُمَّهُ)؛ فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ" رواه البخاري.
(فغرف) لم يذكر المغروف منه، فهي إشارة محضة بيده ﷺ فجعل الحفظ كالشيء الذِي يغرف منه، ورمى به في ردائه.
فَضِيلَة ظاهرة لأبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإِنسَان، وقد اعترف أبو هُرَيرَة بأنه كان يكثر منه، ثم تخلف عنه ببركة النَّبي ﷺ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدَيَّ).
قَالَ أَبُو هُرَيرَة: "فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا" متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبيونَ) رواه مسلم.
معاني الكلمات:
1. ذهب: توفي ولحق بربه تعالى.
2. تَنْتَثِلُونَهَا: تستخرجون كنوزها وتتمتعون بها كما وعدكم.
بيان علم من أعلام النبوة؛ فإنه إخبار بفتح هذه البلاد لأمته، ووقع كما أخبر ﷺ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ) متفق عليه.
1. (مد)، أي: مقدار ملء اليدين المتوسطتين.
2. (نصيفه)، أي: نصفه.
معنى الحديث: لا ينال أحدكم بإنفاق مثل جبل أحد ذهبًا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه. وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية وعظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه.
بيان فضل الصَّحابة رضي الله عنهم وعلو منزلتهم.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ وَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنيا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ). قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي؛ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِد بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ) متفق عليه.
1. (أمَنّ): أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل، ومنه قوله تعالى: (فإما منًّا بعد وإما فداءً)، والمعنى: إن أبذل الناس لنفسه وماله، لا من المنة التي تفسد الصنيعة المذكورة في قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا..).
2. (ولو كنت متخذا خليلا...إلخ) فيه منقبة عظيمة لأبي بكر -رضي الله عنه- لم يشاركه فيها أحد.
من فوائد الحديث:
فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
عن أَبي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبي ﷺ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبي ﷺ : (أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ). فَسَلَّمَ، وَقَالَ: "إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ"، فَقَالَ: (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ). ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبي ﷺ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبي ﷺ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مرَّتيْن، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ؛ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟) مرَّتيْن، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا" رواه البخاري.
1. (غامر): أي دخل في خصومة مع غيره.
2. "فأسرعت إليه"، أي: أغضبته.
3. "يتمَعَّر": تذهب نضارته من الغضب، وهو تعبير عن شدة الغضب.
4. "حتى أشفق أبو بكر" يعني: أن يكون من رسول الله ﷺ إلى عمر ما يكره.
1- فضل أبي بكر عَلَى جميع الصَّحابة رضي الله عنهم.
2- أن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه.
3- جَوَاز مدح المرء في وجهه، ومحله إذا أمن عليه الافتتان والاغترار.
4- بيان ما طُبع عليه الإِنسَان من البشرية حتى يحمله الغضب عَلَى ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى كقوله تعالى: (إن الذِين اتقوا إذا مسهم طائف من الشَّيطان تذكروا).
5- أن غير النَّبي ﷺ ولو بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم.
6- استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم.
7- أن من غضب عَلَى صاحبه نسبه إلى أبيه أو جده ولم يسمه باسمه، وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر رضي الله عنهما: "كان بيني وبين ابن الخطاب" فلم يذكره باسمه.
8- أن الركبة ليست عورة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ) متفق عليه.
"إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي" سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر رضي الله عنه.
1- فَضِيلَة ظاهرة لأبي بكر -رضي الله عنه-لحرصه عَلَى دينه، ولشهادة النَّبي ﷺ بما ينافي ما يكره.
2- اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصل مطَّرد غالبًا.
3- أنه لا حرج عَلَى من انجر إزاره بغير قصده مطلقا.
4- الوعيد الشديد لمن يطيل إزاره أو ثوبه أو نحوهما تكبُّرًا.
5- أن ذلك يعدُّ من الكبائر لورود الوعيد عليه يوم القيامة.
عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قال: "كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي، فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ" رواه البخاري.
1. (يخرج له الخراج) أي: يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيّد عَلَى عبده من مال يحضره له من كسبه.
2. (يأكل من خراجه): جاء في إحدى روايات البخاري: "فكان يجيء بكسبه فلا يأكل منه حتى يسأله، فأتاه ليلة بكسبه فأكل منه ولم يسأله، ثم سأله".
من فوائد الحديث:
فَضِيلَة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
عن عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ، قال: سَأَلْتُ عبد الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رضي الله عنهما: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبي ﷺ قَالَ: "بَيْنَا النَّبي ﷺ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}. الْآيَةَ. رواه البخاري.
1- بيان شدة ما لقي النَّبي ﷺ من بعض قومه.
2- شجاعة أبي بكر -رضي الله عنه- ودفعه عن رسول الله ﷺ بكل ما يستطيع.
3- منقبة عَظِيمَة لأبي بكر، رضي الله عنه.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً، إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ). فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) "وَمَا هُمَا ثَمَّ"، (وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ؟ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي). فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ). وَمَا هُمَا ثَمَّ" متفق عليه.
1. "وما هما ثَمَّ"، أي: ليسا حاضرَين. وفيه بيان صدق إيمانهما، وقوة يقينهما لتصديقهما بكل ما يخبر به النَّبي ﷺ.
2. (يوم السَّبُع): أي: إذا أخذها السبع لم يقدر عَلَى خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري، فإنك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها. وقيل غير ذلك.
من فوائد الحديث:
فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ [بعد وفاته]، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ؛ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ؛ لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ)، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. متفق عليه.
فَضِيلَة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وشهادة عليٍّ رضي الله عنه لهما، وحسن ثنائه عليهما، وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته، رضي الله عنهم أجمعين.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) متفق عليه.
1. (قليب): بئر.
2. (ذنوبًا): الدلو الممتلئ.
3. (وفي نزعه ضعف): أي قصر مدته، وعجلة موته، وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح، والازدياد الذِي بلغه عمر في طول مدته.
4. (استحالت): تحولت
5. (غربًا): الدلو العظيمة التي تُتَّخذ من جلد الثور.
6. (عبقريًّا): عبقري القوم: سيدهم وكبيرهم وقويهم.
7. (عطن): الموضع الذِي تُناخ فيه الإبل إذا شربت وروِيت. والمراد استقرار أمر الناس، وكثرة انتفاعهم في ولاية عمر؛ لطولها، واتساع بلاد الإسلام، وكثرة الأموال والغنائم فيها.
فَضِيلَة ظاهرة لعمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حيث قويت دولة الإسلام في عهده واتسعت وعزت وامتنعت ولا يعني ذلك أنه أفضل من الصديق ففضائل الصديق تزيد عَلَى فضائل عمر رضي الله عنهما.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً [صوتا]، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ). فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟ متفق عليه.
(الرميصاء): هي أم سليم وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنهما.
ورُمَيْصاء تصغير: (رَمْصَاء)، وهو مشتقٌّ مِن (الرَّمَص)، وأصلُ معناه: (القَذَى الذِي يجتمع في العين)، ويكون عادةً بسبب النَّوم، ومِن لوازمِ هذا عند العرب: (الترف والرفاهة)؛ ولذلك أطلقوا هذا الاسم عَلَى المرأَة المرفَّهة المنعَّمة، وصغَّروه دلالة عَلَى المحبة.
فضل أمِّ سليم وبلال وعمر رضي الله عنهم أجمعين، والشهادة لهم بالجنة.
عَنْ عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ؛ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي -أَوْ فِي أَظْفَارِي- ثُمَّ نَاوَلتُ عُمَرَ). فَقَالُوا: فَمَا أوَّلتَهُ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". متفق عليه.
1. (حتى أنظر إلى الري..): يعني الامتلاء من هذا اللبن، ورؤية الريِّ هي عَلَى سبيل الاستعارة، كأنه لما جعل الري جسمًا؛ أضاف إليه ما هو من خواصّ الجسم وهو كونه مرئيًّا.
قال ابن حجر: "والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ واختص عمر بذلك؛ لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، وباتفاق الناس عَلَى طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها -مع طول مدته- الناس بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعًا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثَمَّ الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارًا".
1. فضل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ووجه ذلك أنه عبر عن العلم الذِي أوتيه بأنه فضلة النَّبي ﷺ ونصيب مما آتاه الله، وناهيك بذلك شرفًا وفضلًا.
2. أن علم النَّبي ﷺ بالله لا يبلغ أحد درجته فيه؛ لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ؛ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ). قَالُوا: فَمَا أوَّلتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:(الدِّينَ) متفق عليه.
1. (قميص)، هو: الثوب المعروف عند الناس في هذه الأيام. وجمعه (قُمُص).
2. (منها ما يبلغ الثُّدِيَّ): جمع ثَدْي. والمعنى أن القميصَ قصير جدا بحيث لا يصلُ من الحلق إلى نحو السُّرة بل فوقها.
3. (ومنها ما يبلغ دون ذلك): يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل -وهو الظاهر- فيكون أطول، ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر، ويؤيد الأوَّل ما جاء في رواية أخرى (فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه).
4. (اجْتَرَّهُ): وفي رواية (يَجُرُّه)، أي: يسحبه في الأرض.
5. والقميص في النَّوم معناه الدين، وجرُّهُ يدلُّ عَلَى بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته؛ ليقتدى به.
من فوائد الحديث:
فَضِيلَة ظاهرة لعمر رضي الله عنه.
عن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،قال: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ". قَالَ: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تعالى، مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي؛ فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ" رواه البخاري.
1. "يُجَزِّعُهُ"، أي: يواسيه ويزيل جزعه وخوفه.
2. "فهو من أجلك ومن أجل أصحابك"، أي: أنه مهموم فيمن يستخلف عليهم، أو من أجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم، وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه وتواضعه لربه.
3. "طلاع الأرض" أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل.
4. "قبل أن أراه" أي العذاب؛ وإنما قال ذلك لغلبة الخوف الذِي وقع له في ذلك الوَقْت، من خشية التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية، أو من الفتنة بمدحهم.
في هذا الموقف بيان خشية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وشدة خوفه من الله تعالى، وتواضعه لله عز وجل، وشعوره بعظيم منن الله تعالى عليه، ولا غرابة في ذلك، فهو الذِي أوتي فضل علم النبوة، وكان ذا دين وتقوى بشهادة رسول الله ﷺ له.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ) متفق عليه.
(مُحَدَّثُونَ) أي: مُلهَمون. والمُلهَم هو الذِي يُلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدسًا وفراسة، وهو نوع يختص به الله عز وجل من يشاء من عباده، وفي الحديث: "إن الله جعل الحق عَلَى لسان عمر وقلبه" أخرجه الترمذي.
وسبب تخصيص عمر-رضي الله عنه- بذلك؛ كثرة ما وقع له في زمن النَّبي ﷺ من الموافقات التي نزل القرآن مطابقًا لها، ووقع له بعد النَّبي ﷺ عدة إصابات.
فَضِيلَة عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبي ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)، قَالَ: لَا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبي ﷺ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبي ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. رواه البخاري.
"لا شيء"، أي: لا شيء كثيرًا من العمل الصالح، وفسرته بعض الروايات "مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ".
1. فضل الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- لتمني أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن يكون معهم.
2. فضل محبة الصالحين.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ صَعدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ) رواه البخاري.
فضل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ مَعَ النَّبي ﷺ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ). فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبي ﷺ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ). فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبي ﷺ - فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: (افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ). فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ" متفق عليه.
"عَلَى بلوى تصيبه": أشار ﷺ بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار.
فضل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم.
عن سَهْلِ بْنُ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: (لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ؛ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ). قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: (أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟) فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا؛ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري.
1. "يدوكون"، أي: يتحدثون ويخوضون.
2. "حتى يكونوا مثلنا"، أي: يسلمون.
3. (عَلَى رسلك)، أي: عَلَى مهلك.
4. (حمر النَّعم) النَّعم: الإبل، وكانت الإبل الحمْر أنفس أموال العرب وأكرمها عندهم.
1- معجزة الشفاء بريقه ﷺ ودعائه.
2- فضل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بشهادة النَّبي ﷺ له بمحبة الله تعالى ورسوله ﷺ له. ومحبته لله تعالى ورسوله ﷺ فهنيئا له بهذه الشهادة.
3- شجاعة علي رضي الله عنه.
4- فضل الدعوة إلى الإسلام وعظم أجرها.
عن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ فَاطِمَةَ- عَلَيْهَا السَّلام- شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبي ﷺ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَة، فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبي ﷺ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَة بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبي ﷺ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ، فَقَالَ: (عَلَى مَكَانِكُمَا)، فَقَعَدَ بَيْنَنَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: (أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا؛ تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ) متفق عليه.
1. "شكت ما تلقى من أثر الرحى"، أي: من مشقة كثرة إدارة الرحى مما تطحن حتى أثّر ذلك في يدها كثيرًا.
2. "سبي"، أي: رقيق.
3. "فوجدت برد قدميه..."، أي: أتاهما ليلًا في وقت شدة البرد، وكانا ملتحفين بثوب؛ فأدخل قدميه بينهما من البرد؛ حتى وجد عليٌ برد قدميه.
1- منقبة لعلي -رضي الله عنه- من جهة منزلته من النَّبي ﷺ لكونه زوج ابنته.
2- اختيار النَّبي ﷺ لعليٍّ ما اختار لابنته من إيثار أمر الآخرة عَلَى أمر الدُّنيا ورضاهما بذلك. وهذه منقبة عظيمة لهما.
3- من واظب عَلَى هذا الذكر عند النَّوم؛ أعطي قوةً عظيمةً ولم يصبه إعياء.
4- غاية التلطف منه ﷺ عَلَى ابنته وصهره - رضي الله عنهما.
عن سَعْدِ بن أبي وقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا [يعني عَلَى المدينة]، فَقَالَ: "أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّساء؟" قَالَ: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي) متفق عليه.
1. إثبات فَضِيلَة عليٍّ -رضي الله عنه- حين اختاره النَّبي ﷺ ليستخلفه عَلَى المدينة كفعل موسى مع هارون- عليهما السَّلام- ولا تعرض فيه؛ لكونه أفضل من غيره أو مثله.
2. ليس فيه دلالة لاستخلاف عليٍّ بعد النَّبي ﷺ كما تقول الرافضة؛ لأنه إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى- عليهما السَّلام- بل توفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ. قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ- عَلَيْهَا السَّلام- بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَغْسِلُهُ، وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا، وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ" متفق عليه.
1. الْمِجَنّ: الترس.
2. البَيْضة: الخوذة التي توضع عَلَى الرأس.
3. رَبَاعيته: الرباعية هي السِّنُ التي بين الناب والثنية، ولكل إنسان أربع رباعيات.
من فوائد الحديث:
1- جَوَاز التداوي وأنه لا ينافي التوكل عَلَى الله، وقال بعض أهل العلم بوُجُوبه.
2- أن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام ليعظم لهم بذلك الأجر، وتزداد رفعة درجاتهم، وليتأسى بهم أتباعُهم في الصبر عَلَى المكاره.
3- جَوَاز المعالجة باستخدام النار عند الحاجة والضَّرورة.
4- منقبة عظيمة لعلي وفاطمة رضي الله عنهما.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبي ﷺ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبي ﷺ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: (انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ)، فَأَشْرَفَ النَّبي ﷺ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ؛ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَة بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلَآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ، إِمَّا مرَّتيْن، وَإِمَّا ثَلَاثًا". متفق عليه.
1. "مجوب به عليه بحجفة له"، أي: مترِّس عليه يقيه بترس له.
2. "شديد القدّ": شديد وتر القوس، ومع هذا تكسرت في يده قوسان أو ثلاث لشدة قوة بأسه في الرمي.
3. "الجعبة من النبل"، أي: الكنانة من الجلد التي تجعل فيها السهام.
4. "لا تشرف": لا ترفع رأسك لتنظر.
5. "خدم سوقهما": جمع خَدَمة، وهي الخلاخيل.
6. "تنقزان القرب": النقز: الوثب والقفز، أراد أنهما لسرعتهما في السير تتحرك القِرب وتضطرب عَلَى ظهورهما كالوثب.
من فوائد الحديث:
1- ثبات أبي طلحة -رضي الله عنه- ودفاعه عن رسول الله ﷺ.
2- مهارة أبي طلحة -رضي الله عنه- في الرمي وإتقانه له.
3- مشاركة النِّساء في مداواة الجرحى وسقي الجيش، في غزوة أحد عام 3هـ قبل فرض الحجاب عام 6هـ.
4- من حسن إدارة القتال إسناد المهام إلى من يتقنها.
5- السكينة والطمأنينة التي ألقاها الله تعالى في قلوب المؤمنين حتى كان النَّوم يغلب أبا طلحة فيسقط منه سيفه مرارًا.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ. فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شيئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَهْيَمْ؟". قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: "مَا سُقْتَ فِيهَا؟" قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: "أوَّلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" متفق عليه.
1. "وضرٌ": الأثر من الطِّيب وغيره.
2. "صفرة": اللون الأصفر، وهو لون طيب يصنع من زعفران وغيره.
3. "مَهْيَمْ": كلمة استفهام، معناها: ما حالك، وما شأنك، وما وراءك؟
4. "نواة": وزن معروف بينهم، وقيمته خمسة دراهم، أو: هو اسم لما زنته خمسة دراهم، وقيل: قيمته ثلاثة دراهم وثلث، وقيل: المراد قدر نواة التمر من ذهب.
1- فضل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وما جعل الله له من البركة في تجارته.
2- فضل سعد بن الربيع، وإيثاره لأخيه عبد الرحمن بن عوف بما يملك رضي الله عنهما وأرضاهما.
3- أن الكسب من التجارة ونحوها أولى من الكسب من الهبة ونحوها.
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال: "أتي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ. قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنيا مَا بُسِطَ. أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنيا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي، حَتَّى تَرَكَ الطَّعَام. رواه البخاري.
1- تواضع عبد الرحمن بن عوف -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مع أنه من السابقين إلى الإسلام، ومن العشرة المشهود لهم بالجنة.
2- تعظيم فضل من قتل في المشاهد الفاضلة مع النَّبي ﷺ كمصعب وحمزة - رضي الله عنهما.
3- فضل الزهد، وأن الفاضل في الدين ينبغي له ألا يتوسع في الدُّنيا؛ لئلَّا تنقص حسناته.
4- استحباب ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدُّنيا لتقلّ رغبته فيها.
5- خوف الإِنسَان وشفقته ألا يلحق بمن تقدمه من الصالحين.
عن سعد بن أبي قاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "إِنِّي لَأوَّل الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبي ﷺ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ وَضَلَّ عَمَلِي". وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي) متفق عليه.
1. "إن أحدنا ليضع..": كناية عما يخرج منهم أثناء التغوط.
2. "ما له خِلْط"، أي: لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته من أكلهم ورق الشجر.
3. "تعززني عَلَى الإسلام"، أي: يعلمونني أحكام الإسلام، وقيل: يوبخونني عَلَى التقصير فيه.
1- فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- وسابقته في الإسلام؛ حتى قال: "مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ" رواه البخاري.
2- بيان الشدة والفقر التي عاشها الصَّحابة - رضي الله عنهم- في بدء الإسلام، فصبروا عَلَى تلك المشاق العظيمة، حتى فتح الله عليهم؛ فملكوا الأمصار، ونشروا الإسلام؛ ثم دخل الناس في دين الله أفواجا.
3-جَوَاز مدح الإِنسَان لنفسه بما له من الفضائل والمناقب؛ إذا عيره الجهال بما ليس فيه؛ فيضطر إلى ذكر فضله. والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة، وكان مقصود قائلها إظهارَ الحق، وشكرَ نعمة الله؛ فلا بأس بها.
4- أن شدة الخصومة قد تؤدي ببعض الناس إلى الفجور فيها، فينعتون خصومهم بما ليس فيهم لينالوا منهم عياذا بالله
عن سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "رَأَيْتُ رَسُولَ- اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ" متفق عليه.
رجلان يقاتلان: هما جبريل وميكائيل كما جاء في رواية مسلم.
1- دليل عَلَى قتال الملائكة في أحد كما قاتلت في بدر.
2- فَضِيلَة الثياب البيض.
3- أن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصَّحابة والأوَّلياء.
4- منقبة لسعد بن أبي وقاص الذِي رأى الملائكة.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) متفق عليه.
وعَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ لِأَهْلِ نَجْرَانَ: (لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ). فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ- رضي الله عنهم- فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- متفق عليه.
1. (حق أمين)، أي: بلغ في الأمانة الغاية القصوى، قيل: الأمانة كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصَّحابة؛ لكن النَّبي ﷺ خصَّ بعضهم بصفات غلبت عليه، وكان بها أخص. وقيل: خصه بالأمانة؛ لكمال هذه الصفة فيه.
2. (فأشرف أصحابه)، أي: تطلعوا إلى الولاية، ورغبوا فيها؛ حرصًا عَلَى أن يكون أحدهم هو الأمين الموعود في الحديث، لا حرصًا عَلَى الولاية من حيث هي.
فَضِيلَة ظاهرة لأبي عبيدة رضي الله عنه وأرضاه.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قليلًا قليلًا، حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، قال وهبٌ: فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا" متفق عليه.
1. فكان مزودي تمر: مزودي مُثَنَّى مِزودة. وهي ما يجعل فيه الزاد، مثل: الجِراب؛ وعاءٌ من جلد. والمعنى: أنّ ما جُمع من التمر من الجيش بلغ مزودتين.
2. يقوتنا: يعطينا القوت، وهو مقدار ما يحفظ حياة الإِنسَان من الطَّعَام.
3. الظرب: الجبل الصغير.
1- فضل أبي عُبَيْدَة -رضي الله عنه- وحسن تدبيره.
2- فضل الصَّحابة- رضي الله عنهم- وصبرهم عَلَى ما لقوا من الشدة والجوع وطاعتهم لأميرهم.
3- الكرامة لهؤلاء الصَّحابة بأن تكفي الوَاحِد منهم تمرةٌ واحدة في يومه وليلته؛ لما فيها من البركة، وكذلك إخراج ذلك الحوت لهم فأكلوا منه وتنعموا به.
4- جَوَاز الشّركَة فِي الطَّعَام بخلط الأزواد فِي السّفر إِذا كَانَ ذَلِك أرْفق بهم.
5- إباحة ميتة البحر.
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبي ﷺ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبي ﷺ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا؛ أَقُصُّهَا عَلَى النَّبي ﷺ وَكُنْتُ غُلَامًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِد عَلَى عَهْدِ النَّبي ﷺ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ؛ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ). قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قليلًا. متفق عليه.
1. "لها قرنان": هما المنارتانِ عن جانبيِ البئرِ، اللَّتانِ تُجعَلُ عليها الخشَبةُ الَّتي تُعلَّقُ عليها البَكَرةُ التي فيها الحبل النازل داخل البئر.
2. (لن تُرَاعَ) أي لا خوف عليك بعد هذا.
1- فضل ابن عمر- رضي الله عنهما- وسرعة استجابته لتوجيه النَّبي ﷺ غير المباشر له بالحرص عَلَى صلاة الليل، ومداومته عَلَى ذلك طوال حياته.
2- لطف النَّبي ﷺ ورفقه في التوجيه والنصح.
3- جَوَاز المبيت في المَسْجِد.
4- تأدب ابن عمر-رضي الله عنهما- مع النَّبي ﷺ ومهابته له؛ حيث لم يقص رؤياه بنفسه.
5- فضل قيام الليل وكونه نجاة من المخاوف.
6- تمني الرؤيا الصالحة من أخلاق الصالحين؛ لأنها من المبشرات.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا ﷺ فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا، فَاسْقِنَا" قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. رواه البخاري.
1- بيان فضل العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-.
2- تواضع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإقراره بفضل العباس ومكانته.
3- الرد الواضح عَلَى من يتوسل بالنَّبي ﷺ أو غيره من الصالحين بعد موتهم.
4- إكرام صالحي أهل البيت وإجلالهم وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيرَة، وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِشِبَعِ بَطْنِي، حَتَّى لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْحَبِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ هِيَ مَعِي؛ كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. رواه البخاري.
1. "أكثر أبو هُرَيرَة"، أي: من الحديث.
2. "ألصق بطني بالحصباء": فائدة ذلك انكسار شدة حرارة الجوع ببرودة الحجر.
3. "بشبع بطني"، أي: لأجل شبع بطني.
4. "الخمير"، أي: الخبز الذِي جعل في عجينه الخمير.
5. "الحبير"، أي: نوع من جيد الثياب فيه خطوط يصنع من الحرير.
6. "كي ينقلب بي"، أي: يرجع بي إلى منزله.
7. "العُكَّة": إناء السمن.
1. فضل أبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- وكثرة ملازمته لرسول الله ﷺ وتفرغه لطلب العلم منه حتى كان أكثر الصَّحابة رواية.
2. كرامة نفس أبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- فلم يكن يسأل الناس شيئًا صراحة.
3. زهد أبي هُرَيرَة -رضي الله عنه- في الدُّنيا، وقنوعه بما يسد جوعته فقط، وعدم تطلعه لطيب الطَّعَام واللباس.
4. شرف جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعظم جوده؛ وحبه للمساكين، فكان ينفق في سبيل الله كل ما عنده حتى يُفرغ أوعيته، ويستقصي تفريغها؛ حتى يشق العكة التي لم يبق فيها ما يمكن إخراجه منها إلا أن تشق فيلعقون ما فيها.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ-رضي الله عنه- عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبي ﷺ حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبي ﷺ مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" رواه البخاري.
منقبة ظاهرة لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حيث كان من أشبه الناس برسول الله ﷺ.
عن أَبي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، فَمَكثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبي ﷺ لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبي ﷺ " متفق عليه.
فضل عبد الله بن مسعود وشد قربه من النَّبي ج
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ المَسْجِد قَالَ النَّبي ﷺ: (قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ) أَوْ (سَيِّدِكُمْ)، فَقَالَ: (يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ). قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. قَالَ: (حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ)، أَوْ (بِحُكْمِ الْمَلِكِ)" متفق عليه.
هذا الحديث جاء في حادثة تحكيم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في بني قريضة بعد نقضهم عهد رسول الله ﷺ في غزوة الأحزاب حين تحالفوا مع قريش ومن معهم من العرب ضد رسول الله ﷺ.
1. "تُقتل مقاتلتهم"، أي: الطائفة المقاتلة أو الرِّجال.
2. "وتُسبى ذراريهم": جمع الذرية، أي: النِّساء والصبيان.
من فوائد الحديث:
3. فَضِيلَة ظاهرة لسعد بن معاذ -رضي الله عنه-.
4. جَوَاز إطلاق لفظ (السيد) عَلَى كبير القوم وزعيمهم.
عن جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) متفق عليه.
(اهتز العرش)، أي: تحرك حقيقة (لموت سعد بن معاذ) فرحًا بقدوم روحه.
منقبة ظاهرة لسعد بن معاذ -رضي الله عنه-.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن النَّبي ﷺ قال لِأُبَيٍّ: "(إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}). قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: (نَعَمْ) فَبَكَى" متفق عليه.
1-المنقبة الشريفة لأبيٍّ -رضي الله عنه- بقِرَاءَة النَّبي ﷺ عليه ولا يعلم أحد من الناس شاركه في هذا.
2- منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصّه عليه في هذه المنزلة الرفيعة.
3- استحباب قِرَاءَة القرآن عَلَى الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل، وإن كان القارئ أفضلَ من المقروء عليه.
4- البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإِنسَان به ويعطاه من معالي الأمور.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبي ﷺ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبي ﷺ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: (أَبْشِرْ). فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ. فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ، فَقَالَ: (رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا). قَالَا: قَبِلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا). فَأَخَذَا الْقَدَحَ، فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ-رضي الله عنها- مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا. فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً" متفق عليه.
أفضلا لأمكما: أبقيا.
1- منقبة لأبي موسى وبلال وأم سلمة رضي الله عنهم.
2- استحباب البشارة.
3- استحباب الازدحام فيما يتبرك به، وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: دَخَلَ النَّبي ﷺ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: (أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ؛ فَإِنِّي صَائِمٌ). ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً [حاجة تخصني]. قَالَ: (مَا هِيَ؟) قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ)؛ فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا. وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ" متفق عليه.
1- جَوَاز ردِّ الهدية إذا لم يشقَّ ذلك عَلَى المهدي، وأن أخذ من رُدَّ عليه ذلك له ليس من العود في الهبة.
2- العناية بحفظ الطَّعَام وترك التفريط فيه.
3-جبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له.
4- مَشرُوعيَّة الدعاء عقب الصَّلاة.
5- مَشرُوعيَّة الدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي.
6- إيثار الولد عَلَى النفس.
7- حسن التلطُّف في السُّؤال.
عن أَسْمَاءُ بنتُ أبي بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: "حَمَلَتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبي ﷺ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أوَّل شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أوَّل مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ، فَلَا يُولَدُ لَكُمْ" متفق عليه.
1. مُتِمٌّ: قد أتممتُ مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر، ويطلق "متم" كذلك عَلَى من ولدتْ لتمام.
2. حنكه: وضع في فيه التمرة، ودلك حنكه بها.
1- مناقب متعددة لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- ومنها: أن النَّبي ﷺ مسح عليه وبرّك عليه، ودعا له، وأوَّل شيء دخل جوفه ريقه ﷺ وأنه أوَّل من ولد في الإسلام بالمدينة للمهاجرين.
2- مَشرُوعيَّة الإتيان بالمولود إلى الرجل الصالح.
3- مَشرُوعيَّة أن يحنكه ويدعو له بالبركة.
4- مَشرُوعيَّة الفرح برد المقالة الكاذبة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ) متفق عليه.
١- الحثّ عَلَى قيام الليل والاستمرار عليه.
٢- استحباب الدوام عَلَى ما اعتاده المرء من الخير من غير تفريط.
٣- كراهة قطع العِبَادَة، وإن لم تكن واجبة.
٤- جَوَاز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيعه.
عن سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَا سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}". متفق عليه.
(ما سمعت): لا ينفي أصل الإخبار بالجنة لغيره؛ لأن سعدًا نفى سماعه فقط، وحمل بعض الشراح قوله: (ما سمعت...) عَلَى أنه لم يقل لأحد غيره حال مشيه عَلَى الأرض، وقيل غير ذلك.
منقبة عظيمة لعبد الله بن سلام رضي الله عنه.
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟" قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ "قَالَا: لَا. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ". وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. متفق عليه.
1. أضلع: أقوى وأشدّ.
2. سوادي: شخصي.
3. الأعجل: الأقرب أجلا.
4. سلبه: ما يُسلب من سلاح وثياب ودابة وغير ذلك.
1- المبادرة إلى الخيرات، والاشتياق إلى الفضائل.
2- الغضب لله ولرسوله ﷺ
3- أنه ينبغي ألا يُحتقر الصغار في الأمور الكبار، فقد يكونون أهلا لها.
4- عظم التربية التي نالها هذان الغلامان، وعلوّ همتهما حتى سمت نفساهما لقتل رأس الكفر أبي جهل بذاته، وليس أحدا من عامة المشركين.
5- منقبة عظيمة لمعاذ ومعوذ ابنا عفراء وقيل: هما معاذا.
6- إذلال رأس الكفر أبي جهل بأن قتل عَلَى يدي غلامين صغيرين لم يعهد عنهما بأسٌ أو قوة في الجهاد، ثم أجهز عليه عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ولم يكن من المعروفين بالقوة والبأس في القتال، وصدق الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
عن أَنَسِ بنِ مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ-رضي الله عنه- عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، غِبْتُ عَنْ أوَّل قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ- يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ-يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ- ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى- أَوْ نَظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. متفق عليه.
فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه: من شدة ما مثل به المشركون لم تعرفه إلا أخته بطرف إصبعه.
1- فضل الوفاء بالعهد ولو شق عَلَى النفس حتى يصل إلى إهلاكها.
2- أن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النَّهي عن الإلقاء بالنفس إلى التهلكة.
3- فَضِيلَة ظاهرة لأنس بن النضر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين.
4- بلاغة أنس بن النضر رضي الله عنه وفصاحته في قوله: في حق المسلمين: أعتذر إليك، وفي حق المشركين: أبرأ إليك، فأشار إلى أنه لم يرض الأمرين جميعًا مع تغايرهما في المعنى.
5- شجاعة أنس بن النضر وقوة قلبه في الجهاد في سبيل الله تعالى.
عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "مَا حَجَبَنِي النَّبي ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا) متفق عليه.
1- أن لقاء الناس بالتبسم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبر جالب للمودة.
2- فَضِيلَة ظاهرة لجرير رضي الله عنه.
3- استحباب الدعاء لمن يطلبه بأكثر مما طلب.
4- أنه لا بأس للإمام أو للعالم إذا أشار إليه إنسان في مخاطبة أو غيرها أن يضع عليه يده ويضرب بعض جسده، وذلك من التواضع واستمالة النفوس.
5- بركة دعوته ﷺ؛ لأنه جاء في الحديث أنه ما سقط بعد ذلك من الخيل.
عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنه- قال: "كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، أَوِ الْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :(هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟) قَالَ: "فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، فَكَسَرْنَا، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا، وَلِأَحْمَسَ". رواه البخاري
1. "الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية": كان يقال لها اليمانية باعتبار كونها باليمن، والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام.
2. "أحمس": هم إخوة بَجِيلة رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار.
1- تعب قلب المؤمن لوقوع الشرك بالله تعالى.
2- فضل الجهاد في سبيل الله.
3- فضل جرير ومن معه رضي الله عنهم لاختيارهم لهذه المهمة العظيمة.
4- النكاية بآثار الباطل والمبالغة في إزالته.
عن الْبَرَاءِ بن عازب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال: "أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ حُلَّةُ حَرِيرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا، وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا) أَوْ: (أَلْيَنُ). متفق عليه.
1. "أهديت": الذِي أهداه هو أكيدر دومة الجندل وهو زعيم قومه، وقد كانت هذه الحلّة من فاخر الثياب من لباس الملوك.
2. (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين): جمع منديل، وهو الذِي يحمل في اليد، وهو مشتق من الندل وهو النقل؛ لأنه ينقل من واحد إلى واحد، وقيل: من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يندل به.
1- الإشَارة إلى عظيم منزلة سعد رضي الله عنه في الجنة، وأن أدنى ثيابه فيها [المناديلَ] خيرٌ من هذه الثياب الفاخرة لملك من ملوك الدُّنيا، وهكذا كل نعيم في الجنة - ولو كان يسيرا- فهو خير من الدُّنيا وما فيها.
2- إثبات الجنة لسعد -رضي الله عنه-.
3- تذكير الناس بعظمة نعيم الجنة لئلَّا يفتنوا بما يرون من نعيم الدُّنيا.
4- جَوَاز قبول الهدايا من المشركين.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قال: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبي ﷺ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا! وَلَكِنْ كَانَ النَّبي ﷺ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنيا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ. فَيَقُولُ: (إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ) متفق عليه.
1- فضل أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وعظم مكانتها عند النَّبي ﷺ.
2- حسن العهد، وحفظ الودّ، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيَّا وميْتَا، وإكرام معارف ذلك الصاحب.
3- أن الغيرة غريزة في النفس لا تلام عليها النِّساء، قال الطبري: "الغيرة مسامح للنساء ما يقع فيها؛ لأن من تحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها، فلهذا تصدر منها أمور لا تصدر منها في حال عدم الغيرة".
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَتَى جِبْرِيلُ النَّبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلام مِنْ رَبِّهَا، وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ" متفق عليه.
1. "قصب": لؤلؤ مجوف واسع.
2. "صخب": الصياح والمنازعة برفع الصوت.
3. "نصب": تعب ومشقة.
1. قال السهيلي: لذكر البيت معنى لطيف؛ لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث، ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به، فلم يكن عَلَى وجه الأرض في أوَّل يوم بعث النَّبي ﷺ بيت إسلامٍ إلا بيتها، وهي فَضِيلَة ما شاركها فيها أيضًا غيرها، وجزاء الفعل يذكر غالبًا بلفظه وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر.
2. فَضِيلَة ظاهرة لأمنا خديجة رضي الله وأرضاها.
عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :(كَمَلَ مِنَ الرِّجال كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساء إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَة عَلَى النِّساء كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام) متفق عليه.
1. (كمل من الرِّجال): الكمال هو التناهي فِي جَمِيع فَضَائِل الرِّجال.
2. (الثريد) هو: الطَّعَام الذِي يصنع بخلط اللحم والخبز المفتت مع المرق، وأحيانا يكون من غير اللحم.
أن فضل عَائِشَة رضي الله عنها زائد عَلَى النِّساء كزيادة فضل الثريد عَلَى غيره من الأطعمة.
قال النووي: (قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه. والمراد بالفَضِيلَة: نفعه والتشبع منه، وسهولة مساغه والالتذاذ به، وتيسر تناوله وتمكن الإِنسَان من أخذ كفايته منه بسرعة، وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة، وفضل عَائِشَة عَلَى النِّساء زائد كزيادة فضل الثريد عَلَى غيره من الأطعمة، وليس في هذا تصريح بتفضيلها عَلَى مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلُها عَلَى نساء هذه الأمة)، وبهذا يتبين فضلها ومنزلتها رضي الله عنها وأرضاها.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ- اللَّهِ ﷺ يَوْمًا: "(يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلام). فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلام وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى؟ تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ " متفق عليه.
1-فضل عَائِشَة- رضي الله عنها-.
2- استحباب بعث السَّلام وينبغي عَلَى الرسول تبليغه.
3-بعث الأجنبي السَّلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة. وعليه بوب البخاري في كتاب "الأدب".
4- أن الذِي يبلغه السَّلام يرد عليه.
5- حسن عشرة النَّبي ﷺ لعَائِشَة -رضي الله عنها-، وترخيمه لاسمها في النداء تلطفا معها.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبي ﷺ فَقَالَ النَّبي ﷺ :(مَرْحَبًا بِابْنَتِي)، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ - أَوْ عَنْ شِمَالِهِ - ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى قُبِضَ النَّبي ﷺ فَسَأَلْتُهَا؛ فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ (إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مرَّتيْن، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أوَّل أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي) فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟). فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. متفق عليه.
فَضِيلَة ظاهرة لفاطمة رضي الله عنها.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَعَثَ النَّبي ﷺ أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا؛ قَالَ لَهُمْ خَالِي [حرام بن ملحان]: أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا. فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبي ﷺ إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ وآخَرَ مَعَهُ- فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلام- النَّبي ﷺ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لِحْيَانَ، وَبَنِي عُصَيَّةَ، الذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ " متفق عليه.
1. أومئوا: أشاروا خفية.
2. فأنفذه، أي: أخرجه من الجانب الآخر.
3. فكنا نقرأ، أي: فيما نسخ من القرآن.
1- فَضِيلَة عظيمة لهؤلاء القراء.
2- من شرِّ الخلالِ الغدرُ والخيانة.
3- المؤمن يرى الموت في سبيل الله فوزا عظيما؛ ليقينه بحسن العاقبة.
4- مَشرُوعيَّة القنوت في النوازل.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ الذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا، قَالَ: يَقُولُ النَّبي ﷺ وَهُوَ يُجِيبُهُمُ: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ". قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ" متفق عليه.
1. إهالة: كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به.
2. سنخة: تغير طعمها ولونها من قدمها.
3. بشعة في الحلق: كريهة الطعم.
من فوائد الحديث:
فضل الصَّحابة وصبرهم عَلَى نصرة نبينا ﷺ.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ). مرَّتيْن متفق عليه.
فَضِيلَة ظاهرة جدا للأنصار رضي الله عنهم.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ -وَأَعْطَى قُرَيْشًا-: "وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ؛ إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ". فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي ﷺ فَدَعَا الْأَنْصَارَ، فَقَالَ: (مَا الذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟)- وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ- فَقَالُوا: "هُوَ الذِي بَلَغَكَ". قَالَ: (أوَّلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ) متفق عليه.
هذه الحادثة كانت في غزوة حنين، حين قسم النَّبي ﷺ الغنائم في قريش، ولم يعط الأنصار منها شيئًا، فوقع ذلك في نفوسهم.
فَضِيلَة ظاهرة للأنصار- رضي الله عنهم وأرضاهم-.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَام، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا، أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ) رواه البخاري.
1. "ملحفة متعطفًا بها"، أي: إزارًا كبيرًا مرتديًا إياه.
2. "عصابة": كل ما تشد به الرأس وغيرها.
3. "دسماء"، أي: سوداء.
4. (فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ): الأنصار-رضي الله عنهم- قد انقضى زمانهم، فلا يلحقون فيه، وكلمّا مضى منهم واحد لم يأت له بدل؛ فيكثر غيرهم وهم يقلّون.
5. (حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَام): في قلته.
6. (فمن ولي منكم أمرًا يضر فيه أحدًا أو ينفعه) أي من صار له ولاية، وأصبح في استطاعته معاقبة المسيء، ومكافأة المحسن.
وصية عظيمة بالأنصار لما لهم من النصرة للإسلام والمكانة العظيمة عند رسول الله ﷺ.
عَنْ أَبِي مُوسَى-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) متفق عليه.
أرملوا، أي: فني زادهم.
١- فَضِيلَة عظيمة للأشعريين قبيلة أبي موسى رضي الله عنهم.
٢- جَوَاز تحديث الرجل بمناقبه.
٣- جَوَاز هبة المجهول.
٤- فَضِيلَة الإيثار والمواساة.
٥- استحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضًا.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه- قال: كان النَّبي ﷺ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبي ﷺ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغَيِّرُ شيئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ). قَالَ: فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ" متفق عليه.
1. "سلى جزور": الجلدة التي يكون فيها الولد.
2. "مَنَعَةٌ"، أي: قوة.
3. "ويحيل بعضهم": ينسب بعضهم فعل ذلك إلى بعض بالإشَارة تهكُّما. وفي رواية: "ويميل" بالميم أي: من كثرة الضحك.
1- معرفة الكفار بصدقه ﷺ لخوفهم من دعائه.
2- حلمه ﷺ عمن آذاه.
3- استحباب الدعاء ثلاثا.
4- قوة نفس فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- من صغرها لشرفها في قومها؛ لكونها صرخت بشتمهم وهم رؤوس قريش فلم يردُّوا عليها.
عن خَبَّابٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "هَاجَرْنَا مَعَ النَّبي ﷺ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شيئًا؛ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبي ﷺ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ" متفق عليه.
1. "هاجرنا مع رسول الله..."، أي: بأمره وإذنه، أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسًّا إلا الصديق وعامر بن فهيرة - رضي الله عنهما-.
2. "لم يأكل من أجره شيئًا": كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح.
3. "أينعت"، أي: نضجت.
4. "يهدبها"، أي: يقطفها ويجنيها؛ أراد ما فتح الله عليهم من الدُّنيا.
5. "الإذخر": حشيش طيب الرائحة.
1- فَضِيلَة مصعب بن عمير.
2- عظم أجر السابقين من الصَّحابة.
3- صدق السلف في وصف أحوالهم.
4- أن الصبر عَلَى مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) متفق عليه.
1. (يأرز)، أي: ينضم ويجتمع.
2. (كما تأرز الحية إلى جحرها) أي: أنها تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به، فإذا راعها شيء؛ رجعت إلى جحرها.
· مقصود الحديث: أن المؤمنين كلما شعروا بالخوف عَلَى دينهم، لجأوا إلى المدينة وآووا إليها؛ كما تأوي الحية عندما تحسُّ بالخطر إلى جحرها؛ لتأمن فيه عَلَى نفسها.
أن المدينة قلعة الإِيمان، وحصنه الحصين، الذِي يأوي إليه المسلمون، عند اشتداد الفتن حفاظًا عَلَى دينهم.
عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِيْ وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ؛ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ) متفق عليه.
1. (انماع) أي: ذاب، وفي رواية مسلم عن أبي هُرَيرَة وسعد جميعًا: (من أراد أهلها بسوء؛ أذابه الله كما يذوب الملح في الماء).
· ووجه الشبه: السرعة في الهلاك والذهاب، كما جرى لكل من غزا المدينة وحأوَّل إيذاء أهلها كمسلم بن عقبة وغيره.
شرف المدينة وفضلها، وأنه لا يريد أحد أهلها بسوء إلا انماع؛ والانمياع في الحديث فيما أرى هو: انفتات عزيمته، وانتكاث صريمته.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبي ﷺ قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ) متفق عليه.
1. المقصود بالبركة المذكورة في الحديث هي بركة الدُّنيا، بقرينة قوله: في الحديث الآخر: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومُدِّنا).
2. قال النووي: الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل، بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها.
3. وقال بعضهم: إن البركة أعمُّ من ذلك، لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل، كتضعيف الصَّلاة بمكة عَلَى المدينة.
4. فالبركة ومضاعفتها في المدينة في أمر دنيوي حسيٍّ.
5. والبركة ومضاعفتها في مكة في أمر أخروي معنوي.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) متفق عليه.
1. (أمرت بقرية) أي: أمرني ربي بالهجرة إليها أو سكناها.
2. (تأكل القرى)، أي: يغلِب أهلها عَلَى سائر البلاد وينصر الله دينه بهم، ويفتح القرى عليهم ويُغنِمهم إياها فيأكلونها.
3. (يقولون يثرب وهي المدينة)، أي: إن بعض المنافقين يسميها يثرب، واسمها الذِي يليق بها المدينة.
4. (تنفي الناس): تخرج شرار الناس، كما يخرج الكِيْر الوَسَخَ من الحديد.
5. الكير: آلة الحداد التي ينفخ فيها لإشعال النار.
١- فضل المدينة وأهلها.
٢- كراهة تسمية المدينة يثرب.
٣- أن المدينة تخرج شرار الناس منها وهذا يكون في آخر الزمان عند خروج الدجال، وإن كان قد يقع قبل ذلك فيستقر عند خروج الدجال فيخرج إليه كل منافق ومنافقة وهو حينها عَلَى أطرافها.
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَان).
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُون وَلَا الدَّجَّالُ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلَا الطَّاعُون) متفق عليه.
أنقاب: جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين.
1. أن المدينة محروسة، محفوظة من الدجال والطَّاعُون.
وقد ذكر بعض المؤرخين أنه لم ينقل أن الطَّاعُون دخل المدينة وانتشر فيها، لا قديما ولا حديثا؛ رغم أنه أصاب بعض المواقع القريبة منها في الحجاز، صلى الله وسلم عَلَى الصادق المصدوق، الذِي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
2. فَضِيلَة المدينة.
3. فَضِيلَة سكنى المدينة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ) متفق عليه.
ترجف المدينة أي: يحصل لها زلزلة بعد أخرى ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في إيمانه ويبقى بها المؤمن الخالص، فلا يسلط عليه الدجال.
1-الإخبارُ عن بعضِ ما يكونُ في آخرِ الزَّمانِ مِن الفِتَنِ.
2-بيانُ فضلِ المدينةِ، وفضلِ أهلِها المُؤمِنين الخالِصينَ.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) متفق عليه.
1. قوله: (روضة من رياض الجنة) في معناها أقوال:
أ. كروضة من رياض الجنة، في نزول الرحمة، وحصول السعادة؛ بما يحصل من ملازمة حِلَقِ الذكر؛ لا سيما في عهده ﷺ فيكون تشبيها بغير أداة،
ب. أو المعنى أن العِبَادَة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا،
ج. أو هو عَلَى ظاهره، وأن المراد أنه روضة حقيقة بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة.
هذا محصل ما أوَّله العلماء في هذا الحديث، وهي عَلَى ترتيبها هذا في القوة.
2.قوله: "ومنبري عَلَى حوضي" في معناها أقوال:
أ. ينقل يوم القيامة فينصب عَلَى الحوض،
ب. وقال الأكثر: المراد منبره بعينه الذِي قال هذه المقالة، وهو فوقه،
ج. وقيل: المراد المنبر الذِي يوضع له يوم القيامة، والأوَّل أظهر.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ). رواه أحمد.
1. اللأْواء: الشدة وضيق المعيشة.
2. أكناف بيت المقدس: نواحيه وجوانبه.
بشرى عظيمةٌ بظهور أهل بيت المقدس، وانتصارهم عَلَى عدوهم؛ وإنْ أصابتهم الشدائدُ العظام، وإن خذلوا، وإن استُضعفوا، لكنهم قاهرون لعدوِّهم، ظاهرون عليهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو-رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ : (أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ﷺ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ -خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ المَسْجِد أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاة فِيهِ، أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه النسائي وصححه الألباني رحمهما الله.
ينهزه: يدفعه.
فضل الصَّلاة في المَسْجِد الأقصى حيث تحصل بها مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (سَيَكُونُ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ). فَقَالَ رَجُلٌ: فَخِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (عَلَيْكَ بِالشَّامِ، عَلَيْكَ بِالشَّامِ عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ، وَأَهْلِهِ) رواه أحمد.
1. (خر لي)، أي: اختر لي جندا ألزمه.
2. (وليسق من غدره): جمع غدير وهي الحياض، والمعنى أن الناس في الثغور كانوا يتخذون حياضًا للشرب والتطهر وسقي الدَّواب، فوصاهم بالسقي مما يختص بهم وترك المزاحمة فيما سواه لئلَّا يقع الاختلاف والفتنة.
3. (تكفل لي بالشام)، أي: ضمن لي حفظها وحفظ أهلها من بأس الكفرة واستيلائهم.
ضمانة من الله تعالى بظهور المؤمنين في الشام وانتصارهم عَلَى عدوهم، فإذا كان الله -جل وعلا- قد تكفل بالشام وأهله؛ فمن له قبل بهزيمتهم والقضاء عليهم؟
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ-رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا حِينَ قَالَ: (طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ). قُلْتُ: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: (الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ). رواه أحمد.
1. (طوبى للشام)، أي: حالة طيبة لها ولأهلها.
2. (الملائكة باسطو أجنحتها)، أي: حفظًا لها عن الشرور، واستجلابًا للخيرات، ودفعًا عنه للهلكات والمؤذيات.
ضمانة لظهور المؤمنين في الشام وبقائهم وانتصارهم.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ). رواه أحمد.
(عمود الكتاب)، أي: ما يعتمد عليه، وهم حملته القائمون به.
منقبة عظيمة للشام عند وقوع الفتن وشدتها؛ حيث يبقى فيه خيرةُ الله من خلقه، الذِين يقيمون الدين ويقومون به.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنيا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ ﷺ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنيا) رواه البخاري.
1. (خلص المؤمنون من النار)، أي: نجوا من السقوط فيها بعدما جازوا عَلَى الصراط.
2. (حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار)، أي: أُخروا عَلَى الصراط بين الجنة والنار.
3. (فيتقاصّون مظالم..) أي: يقتص بعضهم من بعض.
4. (وهذبوا) أي: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض.
5. (أدل بمنزله..) أي: يعرف منزله في الجنة أكثر من معرفته لمنزله في الدُّنيا.
١-التحذير الشديد من ارتكاب المظالم والتعدِّي عَلَى حقوق الآخرين.
٢-أن الحقوق لا تضيع، فمن لم يظفر بحقه في الدُّنيا، فسوف يستوفيه يوم القيامة.
٣-أن أهل الجنة يعرفون منازلَهم أكثرَ من معرفة أهل الدُّنيا بمنازلهم.
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- آخِذٌ بِيَدِهِ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنيا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} متفق عليه.
1. (النجوى)، أي: مناجاة الله تعالى للعبد يوم القيامة.
2. (كنفه)، أي: حفظه وستره.
سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عَلَى عباده.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ) متفق عليه.
١- فضل إماطة الأذى عن الطريق.
٢- أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر إذا حسنت النية فيه.
3- قال الجزري: في أسماء الله تعالى الشكور، هو الذِي يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء. فشكره لعباده مغفرته لهم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) متفق عليه.
(له مظلمة)، أي: عليه مظلمة.
التحذيرُ من الظلم والتعدِّي عَلَى الناس، وأن قبول التوبة من ذلك موقوفٌ عَلَى ردِّ الحقوق أو تحلُّل أصحابها، وإلا فإن وفاء حقوقهم سيكون من حسناته، فإن لم يقضِ ما عليه حُمِلَ عليه من سيئاتهم.
عن أُمَّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا) متفق عليه.
الخصم، أي: من بينهم خصومة. وهو اسم مصدر يستوي فيه الوَاحِد والجمع والمثنى مذكرا ومؤنثا، ويجوز جمعه وتثنيته.
١- الترهيب لمن خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئًا هو في الباطن حرامٌ عليه.
٢- أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل، حتى يصير حقا في الظاهر، ويحكم له به أنه لا يحلُّ له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.
٣- أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يؤجر.
٤- أن الحكم بين الناس يقع عَلَى ما يُسمَع من الخصمين بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غيرُ ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.
(ظلمات يوم القيامة): في معناها أقوال:
أ- قيل: هو عَلَى ظاهره، فيكون ظلماتٍ عَلَى صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين يسعى نورُ المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم.
ب- ويحتمل أنَّ الظلماتِ هنا الشدائد، وبه فسَّروا قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} أي: شدائدهما.
ج- ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.
عن أَبي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ، فَذَكَرَ لِعَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الْأَرْضَ؛ فَإِنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) متفق عليه.
عَنْ عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شيئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري.
1. قيد: مقدار.
2. طوّقه، أي: يخسف الله به الأرض فتصير البقعةُ المغصوبة في عنقه كالطوق.
وقيل: هو أن يُطَوَّق، أي: يُكلّف حملَها يوم القيامة.
١- تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته.
٢- أن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض.
٣-أن الأرضين السبع طباق كالسماوات، وهو ظاهر قوله تعالى: {ومن الأرض مثلهن}.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجال إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ) متفق عليه.
الألد: الشديد الخصومة، وفي الحديث التحذير من الشدة في الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ فَقَالَ: (لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ) متفق عليه.
مِسِّيك، أي: شديدُ البخل والإمساك لماله.
١- جَوَاز أخذ صاحب الحقِّ من مال مَنْ لم يوفِّه أو جَحَدَه قدرَ حَقِّه.
٢- وُجُوب نفقة الأولاد عَلَى أبيهم.
٣- أن النفقة مقدَّرةٌ بالكفاية بمثل المتعارَف عليه لمثلهم.
٤- جَوَاز ذكر الإِنسَان بما يكره عند الحاجة.
٥- جَوَاز خروجِ المرأَة من بيتها لحاجتها.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَام وَقَالَ: (كُلُوا). وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ. رواه البخاري.
قَصْعَة: إناء من خشب.
١- حسن خلقه ﷺ وإنصافه وحلمه.
٢- أن من أتلف شيئًا ضمن مثله أو قيمته.
٣- مراعاته ﷺ لطبيعة المرأَة، وما جبلت عليه من الغيرة فلم يعاتب الكاسرة للقصعة.
٤- أن الغيرة الشديدة تقع بين النِّساء حتى في بيوت النبوة؛ فينبغي للرجل أن يحسن التصرُّفَ في تلك المواقف.
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) متفق عليه.
١- استحباب طلب التعليم من العالم في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم خصوصًا.
٢- أن الاعتراف بالخطايا والشعور بالنقص هو عين الكمال؛ ولذلك علم النَّبي ﷺ الصديق هذا الدعاء العظيم.
٣- الاعتراف بأن الله سبحانه هو المتفضل المعطي من عنده رحمة عَلَى عباده من غير مقابلة عمل حسن.
٤- استحباب قِرَاءَة الأدعية في آخر الصَّلاة من الدعوات المأثورة أو المشابهة لألفاظ القرآن.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبي ﷺ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}. الْآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي). وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ) رواه مسلم.
١- بيان كمال شفقة النَّبي ﷺ عَلَى أمته واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم.
٢- استحباب رفع اليدين في الدعاء.
٣- البشارة العظيمة لهذه الأمة بما وعدها الله تعالى بقوله: (سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها.
٤- بيان عظم منزلة النَّبي ﷺ عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به ﷺ.
عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قال: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ). قَالَ: (وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري.
1. (سيد الاستغفار): لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها؛ استعير له اسم السيد، وهو في الأصل الرئيس الذِي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور
2. (من قالها موقنا بها)، أي: مخلصا من قلبه مصدقا بثوابه.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) رواه البخاري.
١- استحباب الإكثار من الاستغفار لكل واحد من المؤمنين محسنًا كان أو مسيئًا؛ لأن رسول الله ﷺ وهو إمام المتقين كان يكثر من الاستغفار إلى هذا الحد فكيف بغيره.
٢- يجوز القسم عَلَى الشيء تأكيدًا له وإن لم يكن عند السامع فيه شك.
عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ للصَّلاة، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ؛ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ). فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ: وَبِرَسُولِكَ الذِي أَرْسَلْتَ. قَالَ: (لَا، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ) متفق عليه.
١- استحباب الوضوء عند النَّوم وإن كان متوضئًا كفاه؛ لأن المقصود النَّوم عَلَى طهارة.
٢- استحباب النَّوم عَلَى اليمين.
٣- الختم بذكر الله تعالى فإنه يعود عَلَى صاحبه بفائدة عظيمة، وهي الموت عَلَى فطرة الإِسلام، والفوز بخيري الدُّنيا والآخرة.
٤- الحرص عَلَى الالتزام بلفظ الذكر كما ورد.
عن حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا). وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) رواه البخاري.
(باسمك أموت وأحيا)، أي: بذكر اسمك أحيا ما حييت، وعليه أموت، أو المراد باسمك المميت أموت، وباسمك المحيي أحيا؛ إذ معاني الأسماء الحسنى ثابتة له تعالى؛ فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) متفق عليه.
1. داخلة إزاره: طرفه وحاشيته من داخل.
1. (لا يدري ما خلفه عليه): لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام.
عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال لِلنَّبِيِّ ﷺ: "عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي". قَالَ: (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) متفق عليه.
١- مَشرُوعيَّة الدعاء في الصَّلاة.
٢- فضل الدعاء المذكور عَلَى غيره.
٣- طلب التعليم من الأعَلَى.
٤- أن المرء ينظر في عبادته إلى الأرفع فيسعى في تحصيله.
٤- هضم النفس والاعتراف بالتقصير في حق الله تعالى.
5- هذا الدعاء من الجوامع؛ لأن فيه الاعتراف بغاية التقصير، وطلب غاية الإنعام، فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها، والرحمة إيصال الخيرات، ففي الأوَّل طلب الزحزحة عن النار، وفي الثاني طلب إدخال الجنة؛ وهذا هو الفوز العظيم.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي. فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ) متفق عليه.
1. (فليعزم المسألة): العزم في المسألة والدعاء: الجدّ فيهما، وعدم تعليق الإجابة عَلَى المشيئة.
2. (لا مستكره له): إن تعليق الدعاء بالمشيئة يشعر بأن الله -تعالى- يعطي ما لا يريد، كما يحصل لابن آدم، وهذا لا يجوز اعتقاده في الله.
١- أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء، ويكون عَلَى رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة؛ فإنه يدعو كريما.
٢- يحرم تعليق الدعاء بالمشيئة لعلتين:
إحداهما: إشعار ذلك باستغناء الداعي عما يدعو، وهو خلاف الواقع، وخلاف العبودية الواجبة عَلَى العبد.
والثانية: إشعار ذلك بأن الله قد يعطي ما يكره عطاءه، فيجب عَلَى العبد أن يدعو ربه بعزم لا تردد فيه، وبرغبة وإلحاح وإظهار الافتقار والفاقة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) متفق عليه.
أدب عظيم من آداب الدعاء وهو أنه يلازم العبد الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) متفق عليه.
استحباب هذا الدعاء في حال الكرب.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ" متفق عليه.
1. (جهد البلاء): ما أصاب الإِنسَان من شدة المشقة والجهد فيما لا طاقة له بحمله ولا يقدر عَلَى دفعه عن نفسه.
2. (درك الشقاء)، أي: لحاق الشدة وأعظمه سوء الخاتمة نعوذ بالله منه.
3. (وسوء القضاء): هو ما يسوء الإِنسَان ويحزنه من الأقضية المقدرة عليه.
1. (شماتة الأعداء): هِيَ الْحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه، وَهُوَ مِمَّا ينْكَأ فِي الْقلب، ويؤثر فِي النَّفس تَأْثِيرا شَدِيدا، في هذا الحديث استحباب الاستعاذة بالله من هذه الأمور.
عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ" متفق عليه.
1. خاتمه بين كتفيه: شيء بارز من اللحم بين كتفيه ﷺ.
2. الحجلة: بيت كالقبة يُستر بالثياب وتكون له أزرار كبار. وقيل: الحجلة: طائر معروف في حجم الحمام، وزرها: بيضتها.
١- علم من أعلام النبوة نُعِتَ به في الكتب المنزلة يُعلَم به أنه النَّبي الموعود، المُبَشَرِ به فيها.
٢- طهارة الماء المستعمل.
٣ - عظم بركته ﷺ وكثرة نفعه لأصحابه رضي الله عنهم.
عن سَعْدِ بن أبي وقاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه كان يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاة: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنيا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) رواه البخاري.
1. قال الطِّيْبِيُّ: الجود إما بالنفس وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال وهو السخاوة، ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص.
2. أرذل العمر، أي: آخره في حال الكبر والعجز والخَرَف.
١-شرف هذه الكلمات، والحض عَلَى تعلمهن وتعليمهن الأولاد.
٢- استحباب الاستعاذة من هذه الأمور الواردة في الحديث بعد السَّلام من الصَّلاة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطان؛ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا) متفق عليه.
١- نزول الرحمة عند حضور أهل الصلاح فيستحب الدعاء في ذلك الوَقْت.
٢- نزول الغضب عند رؤية أهل المَعصِية فيستحب التعوذ.
٣- أن من المخلوقات من ترى ما لا يراه الإِنسَان.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: (مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}) متفق عليه.
1. المَخِيلة: السحابة التي إذا رأيتها حسبتها ماطرة.
2. سري عنه، أي: أزيل ما به وكشف عنه.
3. عارض: سحاب عرض في أفق السماء.
١- تذكر ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية، والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم.
٢- شفقته ﷺ عَلَى أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: "كُنَّا مَعَ النَّبي ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا). ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَقَالَ:(يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ). أَوْ قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) متفق عليه.
1. اربعوا: ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم؛ فإن رفع الصوت إنما يفعله الإِنسَان لبعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون الله تعالى، وليس هو بأصمَّ ولا غائبا، بل هو سميع قريب.
2. (كنز من كنوز الجنة)، أي: أنها كالكنز في نفاسته وصيانته من أعين الناس أو أنها من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة. قال النووي: المعنى أن قوله يحصل ثوابا نفيسًا يدخر لصاحبه في الجنة.
3. قال ابن بطال: كان عليه السَّلام معلمًا لأمته، فلا يراهم عَلَى حالة من الخير إلا أحب لهم الزيادة، فأحب للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر.
١- الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه؛ فإنه إذا خفضه كان أبلغَ في توقيره وتعظيمه، فإن دعت حاجة إلى الرفع رفع، كما جاءت به أحاديث.
٢- إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى بما يليق به.
٣- إثبات قرب الله من عباده بعلمه بكل أحوالهم.
٤- فضل قول (لا حول ولا قوة إلا بالله).
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "كان رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) متفق عليه.
1. قفل: رجع.
2. شرف: المكان العالي.
3. (من غزو أو حج أو عمرة): ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث وليس الحكم كذلك عند الجمهور، بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم، وقيل: يتعدى أيضًا إلى السفر المباح، وإنما اقتصر الصحابي عَلَى هذه الثلاث لانحصار سفر النَّبي ﷺ فيها.
4. الحكمة من تكبيره ﷺ عند الارتفاع هو استشعار لكبرياء الله عز وجل لما يرى من عظيم خلقه سبحانه فيعلم أنه سبحانه أكبر من كل شيء.
١- حمد الله تعالى وشكره عَلَى نعمه من إتمام المناسك، والنصر عَلَى الأعداء، والرجوع سالما إلى الأوطان بعد عناء السفر.
٢- أن نهيه ﷺ عن السجع في الدعاء ليس للتحريم؛ لوجود السجع في دعائه ﷺ ودعاء أصحابه، ويحتمل أن يكون نهيه عن السجع مختصًّا بوقت الدعاء خشية أن يشتغل الداعي بطلب الألفاظ المناسبة للسجع، ورعاية الفواصل عن إخلاص النية وإفراغ القلب في الدعاء والاجتهاد فيه.
عن أَنَسٍ-رضي الله عنه-قال: "كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبي ﷺ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) متفق عليه.
قال القاضي عياض: "إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدُّنيا والآخرة، قال: والحسنة عندهم هاهنا النعمة، فسأل نعيم الدُّنيا والآخرة والوقاية من العذاب نسأل الله - تعالى - أن يمن علينا بذلك ودوامه".
عن عبد الله بْنُ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْأَحْزَابِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) متفق عليه.
١- فضل الدعاء وأثره في استنزال النصر.
٢- مَشرُوعيَّة التوسل بأفعال الله تعالى.
٣- رفقه ﷺ ورحمته، فقد خص الدعاء عليهم بالهزيمة والزلزلة، دون أن يدعو عليهم بالهلاك؛ لأن الهزيمة فيها سلامة نفوسهم، وقد يكون ذلك رجاء أن يتوبوا من الشرك ويدخلوا في الإسلام، والإهلاك الماحق لهم يفوِّت هذا المقصد الصحيح.
عنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ كَانَ إِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ). فِي الرَّكعة الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَنَتَ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) متفق عليه.
1- كَسِنِي يُوسُفَ: هي السنين التي ذكرها الله تعالى في كتابه: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} أي: سبع سنين فيها قحط وجدب.
١- جَوَاز الدعاء في القنوت لضعفة المسلمين بتخليصهم من الأسر، ويقاس عليه جَوَاز الدعاء لهم بالنجاة من كل ورطة يقعون فيها من غير فرق بين المستضعفين وغيرهم.
٢- جَوَاز الدعاء عَلَى الكفار بالجدب والبلاء.
٣- مَشرُوعيَّة الجهر بالقنوت.
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كُنَّا مَعَ النَّبي ﷺ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: (مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ). وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. متفق عليه.
١-شدة ما عانه النَّبي ﷺ والصَّحابة من المشركين في غزوة الأحزاب.
٢-جَوَاز الدعاء عَلَى المشركين بمثل ما ورد في الحديث.
٣-أنَّ الصَّلاة الوسطى؛ هي العصرُ.
٤-جَوَاز الدعاء عَلَى الظالم بما يليق به.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ) متفق عليه.
١- رحمة رسول الله ﷺ بأمته ومحبته لهدايتهم.
٢- أن فرصة الخير تنتهز عند اشتداد ضدها، فانتهز رسول الله ﷺ فرصة الخير، ودعا لدوس بالهداية، فكان ذلك أليق بسجاياه الكريمة، وأدعى إلى فلاحهم.
عن أبي مُوسَى- رضي اللّه عنه – قال: كان النَّبي ﷺ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَايَ وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي) متفق عليه.
١- التضرع والافتقار إلى الله تعالى، والاعتراف بالخطأ والتقصير في حقه عز وجل.
٢- سعة رحمة الله ومغفرته فهي تحيط بجميع الذنوب؛ متقدمها ومتأخرها، وسرها وعلنها، وما كان منها عَلَى جهة الإسراف، وما علم به الداعي، وما لم يعلم به.
٣- تعليمه ﷺ أمته جوامع الدعاء.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيطان يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ) متفق عليه.
١- فضل التهليل وأثره في تكفير السيئات، واكتساب الحسنات، ورفع الدرجات، والحفظ من الشَّيطان، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، لأنه يعدل عتق عشر رقاب، وقد قال ﷺ: (من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منها عضوًا منه من النار).
٢- أن التهليل أفضل الأذكار لقوله: ﷺ: (لم يأت أحد بأفضل مما جاء به)، ولما فيه من كتابة مائة حسنة، ومحو مئة سيئة، وعتق عشر رقاب، وكونه حرزًا من الشَّيطان، وهذه المزايا كلها لا توجد في التسبيح وغيره.
3- قال النووي: ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصِّل هذا الأجرَ المذكورَ في هذا الحديث من قال هذا التهليلَ مائة مرةٍ في يومه، سواء أقاله متوالية أو متفرقة في مجالس، أو بعضها أوَّل النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أوَّل النهار، ليكون حرزا له في جميع نهاره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) متفق عليه.
زبد البحر: الرغوة التي تعلو وجه ماء البحر.
١- فضل التسبيح عامة، وفضل هذا التسبيح خاصة.
٢- أن هذا التسبيح يمحو الذنوب مهما كثر عددها لقوله: ﷺ: (ولو كانت مثل زبد البحر).
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ). وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَقَالَ لِي: (يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟). قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ- فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي-. قَالَ: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) رواه البخاري.
1. (اربعوا عَلَى أنفسكم): ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم؛ فإن رفع الصوت إنما يفعله الإِنسَان لبعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون الله تعالى، وليس هو بأصمَّ ولا غائبٍ، بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة.
2. (كنز من كنوز الجنة)، أي: أن قوله يُحصَّل به ثوابٌ نفيس يُدَّخَر لصاحبه في الجنة كما يدَّخَر الكنزُ في الدُّنيا.
1- الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى رفعه؛ فإنه إذا خفضه كان أبلغَ في توقير الله وتعظيمِه، وأكمل َفي أدب الدعاء، فإنْ دعت حاجةٌ إلى الرفع رَفَع، كما جاءت به أحاديث.
2- ينبغي للإنسان ألا يُجهد نفسه ولا يَشقَّ عليها ولا يرفع صوته رفعا بالغا.
3- إثباتُ قربِ الله تعالى ومعيته لعباده بعلمه بما يقولون وما يفعلون.
4- فَضِيلَة قول (لا حول ولا قوة إلا بالله).
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) متفق عليه.
(وبحمده): قيل الواو للحال والتقدير: أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل: عاطفة: والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده.
١-الحثّ عَلَى إدامة هذا الذكر والمحافظة عليه.
٢- إيراد الحكم المرغَّبِ في فعله بلفظ الخبر.
٣- إطلاق الكلمة عَلَى الكلام وهو مثل كلمة الإخلاص وكلمة التوحيد.
٤- الإطالة في وصف الخبر بالأوصاف الجميلة يزيد شوق السامع.
٥- إثبات محبة الله للعمل الصالح وصاحبه.
عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَثَلُ الذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالذِي لَا يَذْكُرُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) متفق عليه.
الحي تحصلُ منه طاعة، والميت لا تحصلُ منه طاعة، فالذاكرُ ربَّه هو الحيُّ عَلَى الحقيقة؛ لأن الحيَّ من له تلذُّذٌ وحياة، والتلذذ والحياة الحقيقية هو ذكرُ الله تعالى وطاعتُهُ؛ لأنَّ الذكرَ يُحيي القلوبَ، ويوجِبُ لصاحبه الجنةَ، ولقاءَ الله ورضاه، وهذه الأشياءُ هي الحياةُ الحقيقية، ومن خلا من الذكرِ، فهو ميتٌ؛ لأنه خالٍ ممَّا يُحيي قلبَه، ومما يوجب له الحياة الأبدية، وهو ذكرُ الله وطاعته.
الندب إلى المحافظة عَلَى ذكر الله تعالى والتلذذ به.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري.
الحثّ عَلَى استثمار حالي الصحة والفراغ بالعمل الصالح فإن الأحوال لا تدوم.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْخَنْدَقِ، وَهُوَ يَحْفِرُ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ، وَيَمُرُّ بِنَا فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ) متفق عليه.
١- فضل المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.
٢- تواضعه ﷺ بمشاركته أصحابه -رضي الله عنهم- حفر الخندق بنفسه.
٣- تحقير عيش الدُّنيا لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء.
٤- جَوَاز الارتجاز وقول الأشعار في حال الأعمال والأسفار ونحوها؛ لتنشيط النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليها.
5- قال النووي: "ما ورد من الارتجاز في هذا الحديث ونظائره لا يعدُّ شعرا في اصطلاح أهل العروض؛ فلا يعارض قول الله تعالى عن نبيه ﷺ (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)؛ لأن الشعر لا يكون شعرا إلا بالقصد، أما إذا جرى كلام موزون بغير قصد فلا يكون شعرا".
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنيا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ). وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ" رواه البخاري.
(غريب أو عابر سبيل): "أو" هنا بمعنى "بل" يعنى: كن قليل التعلق بالدُّنيا مثل الغريب عن وطنه لا يتعلق بغيره بل كن أشد منه كالمسافر الذِي لا يلبث أن يعود إلى وطنه.
الحثّ عَلَى أن ينزل المؤمن نفسه في الدُّنيا منزلة الغريب، فلا يعلق قلبه بشيء من بلد الغربة، بل قلبه متعلق بوطنه الذِي يرجع إليه، ويجعل إقامته في الدُّنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع إلى وطنه، وهذا شأن الغريب، بل يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه، بل هو دائم السير إلى بلد الإقامة.
عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "خَطَّ النَّبي ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: (هَذَا الإِنسَان، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري.
1. الأعراض: الآفات العارضة له، فإن سلم من هذا لم يسلم من هذا، وإن سلم من الجميع ولم تصبه آفة من مرض أو فقد مال أو غير ذلك بغته الأجل.
2. نهشه: أصابه، وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والإهلاك؛ لأن الإِنسَان تبغته هذه الأعراض أو الموت.
من فوائد الحديث:
إشارة إلى الحض عَلَى قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ أنه قَالَ: (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) رواه البخاري.
أعذر: الإعذار: إزالة العذر، أي: لم يُبق للعبد اعتذارا كأن يقول: لو مد لي في العمر لفعلت ما أُمرت به.
١- الإشَارة الى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الأجل.
٢- أن الإِنسَان كلما طال عمره قامت عليه الحجة، وانتفت عنه المعاذير؛ فينبغي أن يتوب ويحسن العمل.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ؛ فِي حُبِّ الدُّنيا وَطُولِ الْأَمَلِ) متفق عليه.
وعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ، وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ؛ حُبُّ الْمَالِ وَطُول الْعُمُرِ) متفق عليه.
١- الإشَارة إلى قوة استحكام حب الإِنسَان للدنيا وتعلق قلبه بها.
٢- كراهة الحرص عَلَى طول العمر وكثرة المال.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تعالى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الْجَنَّةُ) رواه البخاري.
1- صفيه: الصفي هو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإِنسَان.
من فوائد الحديث:
فضل الصبر والاحتساب عند فقد الأحباب.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا - أَوْ: يُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا - يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا) رواه مسلم.
بادروا: سابقوا وسارعوا.
١- الحثّ عَلَى المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر.
٢- شدة هذه الفتن حتى إن الإِنسَان ينقلب في اليوم الوَاحِد هذا الانقلاب بين الإيمان والكفر.
عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ). قَالَ عِمْرَانُ: فَمَا أَدْرِي قَالَ النَّبي ﷺ بَعْدَ قوله: مرَّتيْن أَوْ ثَلَاثًا. (ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ) متفق عليه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ) متفق عليه.
1. (يشهدون ولا يستشهدون): هم الذِين لم يستشهد بهم في قضية ولا علم لهم بها، وإنما يشهدون زورًا.
2. (تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم): لا يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين.
3. (يظهر فيهم السمن): يعظم حرصهم عَلَى الدُّنيا والتمتع بلذاتها وإيثار شهواتها والترفّه في نعيمها حتى تسمن أجسادهم أو المراد تكثرهم بما ليس فيهم وادّعاؤهم الشرف أو المراد جمعهم المال.
١- فضل الصَّحابة والتابعين وتابعي التابعين عَلَى غيرهم من الناس.
٢- ذم شهادة الزور والتحذير منها.
٣- التحذير من التوسع في ملذات الدُّنيا والانغماس فيها.
٤- التحذير من الإكثار من الأيمان.
عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الْأوَّل فَالْأوَّل، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ - أَوِ التَّمْرِ - لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً) رواه البخاري.
1. (يذهب الصالحون الأوَّل فالأوَّل): تقبض أرواحهم.
2. حفالة: الرديء من كل شيء، والمراد: أرذال الناس.
3. لا يباليهم: لا يرفع لهم قدرا، ولا يقيم لهم وزنًا.
١- أن موت الصالحين من أشراط الساعة.
٢- الندب إلى الاقتداء بأهل الخير والتحذير من مخالفتهم؛ خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به.
٣- انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى إلا أهل الشر.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) رواه البخاري.
1. تعس: سقط عَلَى وجهه، وقد يقال بمعنى: هلك. والمعنى: أنه خاب وخسر وتعرض للهلاك من استعبده المال وأخذ بمجامع قلبه.
2. شيك: أصابته شوكة.
3. انتقش: أخرجها بالمنقاش، والمراد: أنه إذا شاكته شوكة لا يقدر عَلَى إخراجها.
4. طوبى: اسم الجنة أو شجرة فيها، وقيل: هي الحالة الطيبة والعيش الطيب.
5. الساقة: مؤخرة الجيش، وهم الذِين يسوقون الجيش ويكونون من ورائه يحفظونه.
١- ذم شدة الحرص عَلَى الدُّنيا والشغف بالمال.
٢- الحض عَلَى الجهاد في سبيل الله.
٣- الحثّ عَلَى ترك حب الرياسة والشهرة.
٤- فضل ملازمة التواضع والبعد عن المناصب الدنيوية إلا إذا كان في ذلك مصلحة شرعية لنفع الناس كحال يوسف عليه السَّلام.
٥- اتقان العمل الذِي يكلف به الإِنسَان والإخلاص فيه ولو كان مما لا يظهر للناس.
٦- أن المرء قد لا يكون له وجاهة ولا مكانة ولا قدرًا عند الناس، لكنّ له شأنًا عظيمًا ومكانة جليلة عند الله تعالى.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) متفق عليه.
(لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، أي: لا يزال حريصا عَلَى الدُّنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره.
١- أن بني آدم مجبولون عَلَى حب المال والسعي في طلبه، ولا يشبع منه إلا من عصمه الله ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم.
٢- ذم الحرص عَلَى الدُّنيا وحب المكاثرة بها والرغبة فيها.
٣- الحثّ عَلَى التوبة والترغيب فيها.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ النَّبي ﷺ: (أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ. قَالَ: (فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ) رواه البخاري.
1. (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله)، أي: أن الذِي يخلفه الإِنسَان من المال وإن كان هو في الحال منسوبا إليه، فإنه باعتبار انتقاله إلى وارثه يكون منسوبا للوارث، فنسبته للمالك في حياته حقيقية، ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية ومن بعد موته حقيقية.
2. (فإن ماله ما قدم)، أي: هو الذِي يضاف إليه في الحياة وبعد الموت بخلاف المال الذِي يخلفه.
من فوائد الحديث:
الحثّ عَلَى تَقْدِيم ما يمكن تَقْدِيمه من المال في وجوه القربة والبر لينتفع به في الآخرة.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شيئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ) متفق عليه.
١- الحثّ عَلَى الإنفاق في وجوه الخير.
٢- أن النَّبي ﷺ كان في أعَلَى درجات الزهد في الدُّنيا بحيث إنه لا يحب أن يبقى بيده شيء من الدُّنيا إلا لإنفاقه فيمن يستحقه، وإما لإرصاده لمن له حق.
٣- تَقْدِيم وفاء الدين عَلَى صدقة التطوع.
٤- الحثّ عَلَى وفاء الديون وأداء الأمانات.
٥- الحض عَلَى إنفاق المال في الحياة وفي الصحة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ أنه قَالَ: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) متفق عليه.
العَرَض: متاع الدُّنيا من المال وغيره.
أن حقيقة الغنى ليست كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي، ولم يحرص عَلَى الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ-رضي الله عنه-قال: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ:(مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟). فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟). فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقوله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا). رواه البخاري.
١-أن السيادة بمجرد الدُّنيا لا أثر لها، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما في حديث: "أن العيش عيش الآخرة".
٢- أن الذِي يفوته الحظ من الدُّنيا يعاض عنه بحسنة الآخرة وهي خير وأبقى.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها- قالت: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ؛ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ" متفق عليه.
1. شطر شعير، أي: شيء من شعير.
2. "فأكلت منه حتى طال علي"، أي: ظلَّت تأكل منه زمنًا طويلًا حتى تعجبت من طول بقائه.
3. " فكلته ففني"، أي: عرفت قدره بالكيل فعلمت المدة التي ينقضي فيها فنفد.
4. قال ابن بطال: كان الشعير الذِي عند عَائِشَة غير مكيل فكانت البركة فيه من أجل جهلها بكيله، وكانت تظن في كل يوم أنه سيفنى لقلة كانت تتوهمها فيه، فلذلك طال عليها، فلما كالته علمت مدة بقائه، ففني عند تمام ذلك الأمد.
١- بيان ما جعل من البركة في بيوت رسول الله ﷺ وطعامهم.
٢- فضل التوكل عَلَى الله.
٣-ينبغي للعبد ألا يلتفت بقلبه إلى ما عنده من رزق خشية نفاده؛ فيزداد حرصه وخوفه من الفقر، فحينئذ تنزع منه البركة فيوكل إلى نفسه فيقع له ما خشي منه.
عن أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "لَمْ يَأْكُلِ النَّبي ﷺ عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ، وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ" رواه البخاري.
1. خوان: المائدة التي يوضع عليها الطَّعَام.
2. مرققا: رقيقا.
أن النَّبي ﷺ اختار لنفسه طريق الزهد والتقشف، وأعرض عن كل ما في هذه الدُّنيا من ملاذ الحياة ومظاهر الترف والنعيم، فلم يتقصد تناول الأطعمة الشهية ولم يكثر منها، ولا أكل عَلَى الموائد الفاخرة، ولا استعمل المشهيات وإنما قنع من الطَّعَام بلقيمات يقمن صلبه، لا تحريمًا منه ﷺ لملاذ الحياة وطيباتها، وإنما ترك ذلك زهدًا وإيثارًا للحياة الباقية، وفي هذا دليل واضح عَلَى أن الزهد سلوك فاضل من هدي النَّبيين والصديقين.
عن قَتَادَةَ رضي الله عنه، قال: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ. وَقَالَ: "كُلُوا فَمَا أَعْلَمُ النَّبي ﷺ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ" رواه البخاري.
1. مرققًا: رقيقًا لينًا.
2. شاةً سميطًا: هي التي أزيل شعرها بالماء المسخن، وشوي بجلده، وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري، وهو من فعل المترفين من وجهين:
أحدهما: المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه.
وثانيهما: أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده.
أن النَّبي ﷺ لم يكن منعما في المأكولات.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ" متفق عليه.
بيان ما كان عليه النَّبي ﷺ وآل بيته من حياة التقشف والزهد ايثارًا للحياة الباقية عَلَى الدار الفانية.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلَّا إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ" متفق عليه.
١- بيان شدة العيش التي كان عليها النَّبي ﷺ وآل بيته.
٢- أن التمرَ كان أيسر عندهم من غيره من الطَّعَام.
٣- أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر.
عن عَائِشَة -رضي الله عنها-قالت: "كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَدَمٍ وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ" رواه البخاري.
1. أدم: جلد.
2. ليف: هو الذِي يخرج في أصول سعف النخل تحشى به الوسائد والفرش، وتفتل منه الحبال.
بيان زهد النَّبي ﷺ في متاع الدُّنيا، واكتفائه بأقل القليل منها، فلم تكن وسائده تحشى من القطن أو غيره من الأشياء الناعمة واللينة بل كانت من الليف الخشن؛ كل ذلك رغبة عن الدُّنيا الفانية وإيثارا للآخرة الباقية ونعيمها المقيم.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ" متفق عليه.
اللحيم: اليسير من اللحم يهدى إليهم، وفي الحديث عَلَى زهده ﷺ وتقلله من متاع الدُّنيا.
عن مسروق قال: "سَأَلْتُ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أي: الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبي ﷺ؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ" متفق عليه.
الصارخ: الديك.
١- الحثّ عَلَى المداومة عَلَى العمل وإن قلَّ.
٢- الاقتصاد في العِبَادَة، وترك التعمق فيها؛ لأنه أنشط للقلب وأدعى للمداومة.
٣- قيام الليل في الثلث الأخير منه اغتنامًا لفضل تلك الساعة.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها-قالت: "كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟)، قُلْتُ: فُلَانَةُ، لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ: (مَهْ، عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) متفق عليه.
1. (مَهْ): كلمة زجر.
2. (لا يملُّ)، أي: لا يقطع عنكم ثوابه حتى تتركوا العمل، والإفراط في العِبَادَة قد يؤدِّي إلى الملل وعدم المداومة. وقيل: المراد أن الله لا يمل أبدًا مللتم أو لم تملوا.
١- فَضِيلَة الدوام عَلَى العمل ولو كان قليلًا.
٢- بيان شفقة النَّبي ﷺ ورأفته بأمته، لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم.
٣- أن صلاة جميع الليل مكروهة.
عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ -رضي الله عنه- قال: "بعث رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبي ﷺ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الْفَجْرَ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: (أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ). قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنيا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ). رواه البخاري.
1- أن طلب العطاء من الإِمَام لا غضاضة فيه عند الحاجة بلا استكثار.
2- البشرى من الإِمَام لأتباعه وتوسيع أملهم منه.
3- فيه من أعلام النبوة إخباره ﷺ بما يفتح عليهم.
4- أن المنافسة في الدُّنيا قد تجرُّ إلى هلاك الدين.
عن سَهْلِ بنِ سعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-"الْتَقَى النَّبي ﷺ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا، فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: (إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ). فَقَالُوا، أيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ. حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟" فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري.
1. شاذّة ولا فاذّة: كناية عن شجاعته بحيث لا يدع أحدًا إلا قتله سواءً أكان مع الجمع أو منفردًا وسواء أكان صغيرًا أو كبيرًا.
2. ما أجزأ: ما أغنى.
3. نصاب السيف: طرفه الذِي يمسك به.
4. ذباب السيف: طرف السيف الحاد.
1- إثبات القدر السابق.
2- أن الأعمال بالخواتيم.
3- التحذير من الاغترار بالأعمال، وإنه ينبغي للعبد ألا يتكل عليها، ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق.
4- ينبغي للعاصي ألا يقنط، ولغيره ألا يقنطه من رحمة الله تعالى.
5- هذا الرجل المذكور في الحديث اسمه قُزمان الظفيري وكان من المنافقين ولم يقاتل إلا حمية لقومه.
جاء في بعض روايات أهل السير: " وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النِّساء، فخرج حتى صار في الصف الأوَّل، فكان أوَّل من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك الشهادة، قال: والله إني ما قاتلت عَلَى دين، وإنما قاتلت عَلَى حسب قومي، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه".
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبي ﷺ فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ؛ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ" متفق عليه.
1. نعتقبه، أي: نركبه عُقْبة عُقْبة، وهو أن يركب هذا قليلًا ثم ينزل، فيركب الآخر بالنوبة، حتى يأتي عَلَى سائرهم.
2. نقبت أقدامنا: رق جلدها وقرحت من المشي.
1- جَوَاز التعاقب عَلَى البعير إذا لم يكن ذلك يضرُّ به.
2- بيان ما كان فيه الصَّحابة-رضي الله عنهم- من الشدة والضيق.
3- استحباب إخفاء الأعمال الصالحة، وما يكابده العبد من المشاق في طاعة الله تعالى؛ لئلَّا يلحق بالتشكي، أو بالعجب بالعمل والتزّين به، فتدخل فيه هذه الآفات، فيخشى حطُّ الأجر لذلك، إلا إذا كان إظهار العمل فيه مصلحةٌ شرعية راجحة.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعريُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن رسول الله ﷺ قال: (إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ، أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ) متفق عليه.
1. حكيم: هُوَ اسْمُ عَلَمٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ.
2. تنظروهم: تنتظروهم.
3. وهذا كناية عن شجاعته، بأنه مقدَّم عَلَى القوم في لقاء العدو، غير مُبالٍ بهم، لذلك يأمرهم بالوقوف، وهو وحده.
4. وأما عَلَى الوجه الآخر من الرواية وهو قوله: (إذا لقي الخيل) فلعله يريد بها خيل المسلمين، فأصحابه كانوا رجَّالة، فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم؛ ليسيروا إلى العدو جميعًا، فهم يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم.
1- فضل الأشعريين رضي الله عنهم لكثرة قراءتهم للقرآن وقيامهم بالليل.
2- أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن، لكن محله إذا لم يؤذ أحدا، وأمن من الرياء.
3- شجاعة الأشعريين رضي الله عنهم وقوة بأسهم في القتال.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ، وَالْإِبِلَ، وَالْمَتَاعَ، وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَلَى، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا). فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبي ﷺ بِشِرَاكٍ، أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (شِرَاكٌ - أَوْ شِرَاكَانِ - مِنْ نَارٍ) رواه البخاري.
1. رَحْل: ما يوضع عَلَى ظهر البعير للركوب عليه.
2. سهم عائر: لا يُدرى من رماه.
3. الحوائط: البساتين.
4. شملة: الكساء الذِي يأتزر به الرجل.
5. شراك: أحد سيور النعل التي تكون عَلَى وجهه.
1- تعظيم أمر الغلول. ولا فرق بين قليله وكثيره في التحريم حتى الشراك.
2- أن من المؤمنين من يعاقب بالمعاصي ممن شاء الله أن يعاقبه إلا أن الإيمان سيعود عليه بعد ذلك بالجنة.
3- جَوَاز الحلف بالله من غير ضرورة لكن لتأكيد الحكم.
4- التشديد في وعظ الناس وتخويفهم من أكل المال الحرام.
5- لا ينبغي الجزم لمعين بالشهادة؛ لاحتمال ارتكابه ما يمنع هذا الوصفَ عنه.
عن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت:" لَمْ يَكُنِ النَّبي ﷺ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: (خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا)، وَأَحَبُّ الصَّلاة إِلَى النَّبي ﷺ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا" متفق عليه.
1. يصوم شعبان كاملًا، أي: كان يصوم معظمه، كما يقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره.
2. لا يملُّ، أي: لا يقطع عنكم ثوابه حتى تتركوا العمل. والإفراط في العِبَادَة قد يؤدِّي إلى الملل وعدم المداومة، وقيل: المراد أن الله لا يمل أبدًا مللتم أو لم تملوا.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ). قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لَا، وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ) متفق عليه.
1. (يتغمدني): يسترني.
2. (يستعتب): يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا.
١- أن الأعمال ليست ثمنًا لدخول الجنة.
٢- النَّهي عن تمنّي الموت.
٣- بيان فائدة طول عمر الإِنسَان؛ ليزداد المحسنُ في إحسانه، ويتوبَ المسيء من إساءته.
٤- الحثّ عَلَى الازدياد من الخير، والزجر عن التمادي في الشرّ.
عن أبي جحيفة-رضي الله عنه- قال: "آخَى النَّبي ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنيا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ. فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ. فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبي ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (صَدَقَ سَلْمَانُ)" رواه البخاري.
متبذلة، أي: تاركة للتزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة.
1- مَشرُوعيَّة المؤاخاة في الله، وزيارة الإخوان والمبيت عندهم.
2- جَوَاز مخاطبة الأجنبية للحاجة، والسُّؤال عما يترتب عليه المصلحةُ وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل.
3- النصح للمسلم وتنبيه من أغفل.
4- فضل قيام آخر الليل.
5- مَشرُوعيَّة تزين المرأَة لزوجها.
6- ثبوت حق المرأَة عَلَى الزوج في حسن العشرة.
6- جَوَاز النَّهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل، وتفويت الحقوق المطلوبة.
7- جَوَاز الفطر من صوم التطوع.
عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟). قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ" متفق عليه.
1. الْحُرَقَة: بطن من قبيلة جهينة.
2. فصبَّحنا القوم، أي: هجموا عليهم صباحًا، قبل أن يشعروا بهم.
3. غشيناه: لحقنا به حتى تغطّى بنا.
4. متعوذًا، أي: قالها خوفا من السلاح.
5. (حتى تمنيت....) أي: أن إسلامي كان ذلك اليوم؛ لأن الإسلام يَجبُّ ما قبله.
1- أن الأحكام تُرَتَّبُ عَلَى الأسباب الظاهرة دون الباطنة.
2- عظم إثم قتل من قال (لا إله إلا الله).
3- مع شديد حبِّ النَّبي ﷺ لأسامة وقربه منه؛ إلا أنه لم يجامله حين قتل الرجل، بل شدد عليه في ذلك كثيرًا؛ لذلك ينبغي للمربي ألا تأخذه العاطفة عند انتهاك ما يوجب حدَّا.
عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ-رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهما- يَسْتَشْفِعُونَهُ، قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟) قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتِلْكَ المرأَة فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَتْ. قَالَتْ عَائِشَة- رضي الله عنها-: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ " متفق عليه.
1- منع الشفاعة في الحدود.
2- عظم مكانة أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عند رسول الله ﷺ.
3- عظم منزلة فاطمة رضي الله عنها عند أبيها ﷺ.
4- ترك المحاباة في إقامة الحد عَلَى من وجب عليه ولو كان ولدًا أو قريبًا أو كبير القدر والتشديد في ذلك والإنكار عَلَى من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه.
5- جَوَاز ضرب المثل بكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل المحرم.
6- من أعظم أسباب الهلاك عدم العدل في إقامة الحدود.
7- أن من حسنت توبته لا يعير بذنبه بل يعان عَلَى أموره.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا) متفق عليه.
سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا، أي: سأصلها بصلتها التي تستحقها، والبلال جمع البلل والعرب يطلقون النداوة عَلَى الصلة كما يطلق اليبس عَلَى القطيعة لأنهم لما رأوا أن بعض الأشياء يتصل بالنداوة ويحصل بينها التجافي والتفريق باليبس استعاروا البلل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة.
١- انقطاع الولاية بين المسلم والكافر ولو كان قريبا.
٢- أن عدم موالاة الكافر القريب وعدم محبته لا تمنع من صلته وبره والإحسان إليه.
٣- الاعتناء بدعوة الأقربين أكثر من غيرهم.
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما- قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، قَالَ: انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ، فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا، ثُمَّ نَادَى: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ، إِنِّي نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهْ) رواه مسلم.
1. رضمة: صخور مجتمعة بعضها فوق بعض.
2. يربأ أهله، أي: يحرسهم، ويكون عينا لهم؛ لئلَّا يدهمهم عدو.
3. يا صباحاه: كلمة يقوله المستغيث عند إغارة العدو، لأن الغالب عَلَى الإغارة أن تكون صباحا.
بيان حرصه الشديد ﷺ عَلَى دعوة قرابته وهدايتهم
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قال: "لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)؛ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: (يَا صَبَاحَاهْ)، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: (يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ، لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟). قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ). قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) إِلَى آخِرِ السُّورَة. متفق عليه.
تبًّا: هلاكًا وخسرانًا.
١- حرصه الشديد ﷺ عَلَى دعوة قرابته وهدايته.
٢- حسن عرضه لدعوته ﷺ عَلَى قومه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ) متفق عليه.
١- سعة فضل الله عَلَى عباده المؤمنين.
٢- الحثّ عَلَى الإيمان واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة.
٣- أن العبد ينبغي أن يكون بين الرجاء والخوف بمطالعة صفات الجمال تارة وبملاحظة نعوت الجلال تارة.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) متفق عليه.
(سقط عَلَى بعيره)، أي: صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به. ومنه قوله: "عَلَى الخبير سقطت"، زاد مسلم في روايته: (فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها؛ فبينا هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح).
١- فضل التوبة والحثّ الشديد عليها.
٢- إثبات صفة الفرح لله تعالى بما يليق بجلاله وعظمته.
٣- أن ما يقوله: الإِنسَان حال ذهوله ودهشته بعدم قصد منه لا يؤاخذ به.
٤- لا بأس بحكاية القول المحرم للفائدة العلمية والشرعية، لا عَلَى سبيل العبث والهزل والمحاكاة.
٥- ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة مسلكٌ مهم في التعليم والتربية.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "كَانَ النَّبي ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَجِيءَ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ" متفق عليه.
(عَلَى شقه الأيمن) قيل: الحكمة فيه أن القلب في جهة اليسار، فلو اضطجع عليه لاستغرق نومًا، لكونه أبلغ في الراحة، بخلاف اليمين، فيكون القلب معلقًا فلا يستغرق.
١- استحباب تَقْدِيم سنة الصبح في أوَّل الوَقْت وتخفيفها.
٢- استحباب الاضطجاع والنَّوم عَلَى الشق الأيمن.
٣- أن الاضطجاع اليسير لا ينقض الوضوء.
٤- استحباب إتيان المؤذن إلى الإِمَام الراتب وإعلامه بحضور الصَّلاة.
٥- أن الانتظار للصَّلاة في البيت كالانتظار في المَسْجِد، إذ لو لم يكن كذلك لخرج النَّبي ﷺ إلى المَسْجِد ليأخذ لنفسه بحظها من فَضِيلَة الانتظار.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ) رواه البخاري.
توكل: تكفل.
أن أعظم البلاء عَلَى المرء في الدُّنيا لسانه وفرجه، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر.
عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جميعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جميعًا) رواه البخاري.
استهموا: اقترعوا.
١-استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
٢-تبيين العالم الحكم بضرب المثل.
٣-وُجُوب الصبر عَلَى أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشدُّ ضررا.
٤-أنه ليس لصاحب السفل أن يحدث عَلَى صاحب العلوّ ما يضر به.
٥-جَوَاز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة وإن كان فيه علوٌّ وسفل.
عَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ-رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ) رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ أوَّل مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ). ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إِلَى قوله: {فَاسِقُونَ}. ثُمَّ قَالَ: (كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا)، وفي رواية: (أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ) رواه أبو داود وصححه أحمد شاكر
١- التحذير من ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وبيان عقوبته.
٢- الحذر من تطبيع المنكر في النفس بكثرة رؤيته مع عدم إنكاره.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) رواه الترمذي وصححه المنذري.
معاني الكلمات:
"لَيْسَ مِنَّا": لَيْسَ مِنْ سُنَّتِنَا، لَيْسَ مِنْ أَدَبِنَا
التحذير من ترك شعيرة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ". متفق عليه.
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "أُجَاهِدُ؟" قَالَ: (لَكَ أَبَوَانِ؟). قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) متفق عليه.
"ففيهما فجاهد"، أي: إن كان لك أبوان فابلغ جَهْدَك في برِّهما والإحسان إليهما؛ فإن ذلك يقوم لك مقامَ قتالِ العدوِّ.
١- فضل برِّ الوالدين وتعظيم حقِّهما وكثرة الثواب عَلَى برِّهما.
٢- أن بر الوالدين قد يكون أفضلَ من الجهاد.
٣- أن المستشار يشير بالنصيحة المحضة.
٤- تحريم السفر بغير إذن؛ لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ)، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: (يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ) متفق عليه.
١- عظم حقِّ الأبوين.
٢- العمل بالغالب؛ لأن الذِي يسبُّ أبا الرجل، يجوز أن يسب الآخر أباه، ويجوز ألا يفعل، لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله.
٣- مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله: مما يشكل عليه.
4- قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم، والأصل في هذا الحديث قوله تعالى: {ولا تسبوا الذِين يدعون من دون الله} الآية.
عَنِ الْمُغِيرَةِ بن شعبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤال، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) متفق عليه.
1. (عقوق الأمهات): اقتصر عليهن مع أن عقوق الآباء أيضًا محرَّم؛ لأن الاستخفافَ بهنَّ أكثرُ؛ لضعفهن وعجزهن بخلاف الآباء ولينبه عَلَى تَقْدِيم برّهن عَلَى برّ الأب في التلطُّف والخير ونحو ذلك.
2. (منعا وهات): أن يمنع الرجل ما توجه عليه من الحقوق ويطلب ما لا يستحق.
3. (قيل وقال): اللغو وفضول الكلام.
١- النَّهي الشديد عن عقوق الوالدين والأمهات خصوصا لعظم حقِّهن.
٢- تحريم الجشع في طلب ما ليس له، ومنع ما عليه.
٣-تحريم وأْدِ البنات، وهو من أكبر الكبائر
٤- كراهة كثرة الكلام بلا فائدة وكثرة سؤال الناس المالَ وغيرَه والإسراف والتبذير.
عن أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قالت: "أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبي ﷺ فَسَأَلْتُ النَّبي ﷺ: آصِلُهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} متفق عليه.
راغبة: طامعة تسألني شيئًا.
١- جَوَاز صلة القريب ولو كان عَلَى غير دين الواصل.
٢- جَوَاز أن تتصرف المرأَة في مالها بدون إذن زوجها.
٣- موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة.
٤- فضل أسماء بنت أبي بكر وتحريها في أمر دينها، وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير -رضي الله عنهم-.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-قالت: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شيئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبي ﷺ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ) متفق عليه.
١-تأكيد حقِّ البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن.
٢- جَوَاز سؤال المحتاج.
٣- سخاء عَائِشَة-رضي الله عنها- لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها.
٤- أن القليل لا يمتنع التصدُّق به لحقارته، بل ينبغي للمتصدِّق أن يتصدق بما تيسر له؛ قل أو كثر.
٥- جَوَاز ذكر المعروف إن لم يكن عَلَى وجه الفخر ولا المنة.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ، مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَرَبٌ مَا لَهُ). فَقَالَ النَّبي ﷺ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاة، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ) متفق عليه.
1. (أَرَبٌ ما له): الأرب: الحاجة، أي: له حاجة جاءت به.
2. قال الأصمعي: أرِب في الشيء صار ماهرًا فيه فهو أريب، وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته. ويؤيده قوله: في رواية مسلم: فقال النَّبي ﷺ (لقد وفق، أو لقد هدي).
3. (تصل الرحم): خَصَّ النَّبي ﷺ هذه الخصلة من بين خلال الخير؛ نظرًا إلى حال السائل كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به؛ لأنه المهم بالنسبة إليه.
١- فضل صلة الرحم، وأنها من أسباب دخول الجنة.
٢- تخصيص بعض الأعمال بالحضِّ عليها بحسب حال المخاطب، وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها؛ إما لمشقتها عليه، وإما لتسهيله في أمرها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَهُوَ لَكِ). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم}) متفق عليه.
1. العائذ: المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به.
2. قال الطبري: معنى وصل الله تعالى عبده إذا وصل رحمه، فهو تعطفه عليه بفضله، إما في عاجل دنياه أو آجل آخرته، والعرب تقول إذا تفضل رجل عَلَى آخر بمال أو هبة: (وصل فلان فلانًا بكذا وتسمى العطية صلة فتقول: وصلت إلى فلان صلة فلان).
من فوائد الحديث:
التحذيرُ الشديدُ من قطيعة الرحم وأنها سبب لقطع صاحبها من كل خير وبر.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ) متفق عليه.
(شجنة): هي في الأصل عروق الشجر المشتبكة، والمراد منها هنا:
أ- أنها مشتقة (من الرحمن) فالرحم مشتق من اسم الرحمن، فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق.
ب- وقيل في وجه الشجنة: أن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن، ومتداخلة فيه. ومنه حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا: (أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي).
الحثّ عَلَى صلة الرحم وبيان جزائها، والتحذيرُ الشديدُ من قطعها وبيان عقوبته.
عن عَمْرِو بْنَ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: (إِنَّ آلَ أَبِي فلان لَيْسُوا بِأوَّليَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ، أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا). يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. متفق عليه.
(آل أبي فلان): حذفت التسمية؛ لئلَّا يتأذى بذلك المسلمون من أبنائهم. وقال النووي: هذه الكناية من بعض الرواة، خشي أن يصرِّح بالاسم؛ فيترتب عليه مفسدة.
أني لا أوالي أحدًا بالقرابة، وإنما أحب الله تعالى؛ لما له من الحق الواجب عَلَى العباد، وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء أ كان من ذوي رحم أو لا، ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) رواه البخاري.
1. (المكافئ): الذِي يصل رحمه مجازاة لهم عَلَى صلة تقدَّمت منهم إليه.
2. المعنى: ليست حقيقة الواصل ومن يعتدُّ بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكنه من يتفضل عَلَى صاحبه.
أن الصلة الكاملة للرحم لا تكون بالمكافأة عَلَى الصلة بمثلها، لكن أعظم الصلة وأفضلها عند الله هي صلة من قطعك والإحسان إلى من أساء إليك.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: (مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ) متفق عليه.
١- استحباب تقبيل الأطفال والرفق بهم والحنوِّ عليهم.
٢- أن الرحمة تجلب الرحمة.
عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "قَدِمَ عَلَى النَّبي ﷺ سَبْيٌ؛ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبي ﷺ: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟). قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) متفق عليه.
1. سبي: ما يؤسر من النِّساء والأولاد من الكفار في القتال.
2. تحلب ثديها: تهيأ لأن يحلب لكثرة اجتماع اللبن فيه، لعدم ولدها معها فلم ترضعه.
١-ضرب المثل بالشيء المدرك بالحواس، لما لا يدرك بها لتحصيل المعرفة بالشيء عَلَى وجهه.
٢-ينبغي للمرء أن يجعل تعلقَّه في جميع أموره بالله وحده، فهو أرحم به من كل من سواه.
٣- استغلال المواقف للتربية والتعليم والوعظ.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا؛ خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ) متفق عليه.
خص الفرس بالذكر؛ لأنها أشدُّ الحيوان المألوف الذِي يعاين المخاطبون حركته مع ولده؛ ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقُّل، ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها.
من فوائد الحديث:
سعة رحمة الله تعالى والترغيب في الطمع فيها.
عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُنِي، فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا؛ فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا) رواه البخاري.
١- فضل الحسن بن علي وأسامة بن زيد - رضي اللّه عنهم.
٢- بيان رحمة النَّبي ﷺ بالصغار ورفقه بهم.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ، ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا" متفق عليه.
1. القصب: لؤلؤ مجوَّف واسع.
2. خُلَّتها: أهل ودِّها وصداقتها.
١- حسن العهد وحفظ الودِّ من النَّبي ﷺ لخديجة بعد وفاتها بسنوات.
٢- فضل خديجة - رضي الله عنها- ومكانتها عند رسول الله ﷺ.
٣- ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النِّساء، فضلا عمن دونهن.
عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا). وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. متفق عليه.
1. (وقال بأصبعيه السبابة والوسطى)، أي: أشار بأصبعيه.
2. قال ابن بطال: حق عَلَى من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النَّبي ﷺ في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك.
فضل كفالة اليتيم.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). وَأَحْسِبُهُ قَالَ: (كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ) متفق عليه.
1. الساعي: الكاسب لهما العامل لمؤنتهما.
2. (كالمجاهد في سبيل الله)، أي: ثواب القائم بأمرهما وإصلاح شأنهما والإنفاق عليهما كثواب الغازي في جهاده؛ فإن المال شقيق الروح وفي بذله مخالفة النفس، وطلب لرضا الرب سبحانه وتعالى.
3. لا يفتر: لا يملُّ ولا يكسل.
فضل السعي عَلَى الأرملة والمسكين.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) متفق عليه.
1. (سيورثه)، أي: يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره، فيجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب.
2. اختلف في حد الجوار: فقيل:
· من سمع النداء فهو جار.
· من صلى معك صلاة الصبح في المَسْجِد فهو جار.
· حق الجوار أربعون دارا من كل جانب. وقيل غير ذلك.
التأكيد عَلَى أداء حقوق الجار.
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ". قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) متفق عليه.
بوايقه: جمع بائقة وهي الداهية، والشيء المهلك، والأمر الشديد الذِي يوافي بغتة.
١- تأكيد حقِّ الجار لقسمه ﷺ عَلَى ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرات.
٢- نفي كمال الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) متفق عليه.
فِرْسَن شاة، أي: ظلف شاة، وهو لها كالحافر للفرس، والمعنى: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها؛ لاستقلالها واحتقارها ما عندها، بل تجود بما تيسر.
١- الحضُّ عَلَى التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرًا.
٢- استحباب المودة وإسقاط التكلف.
٣- نهي الجارة المعطاة عن احتقار ما يُهدى إليها.
عن أَبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ-رضي الله عنه- قال: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ). قلت: "وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) متفق عليه.
1. جائزته: العطية، وقيل في المراد:
أ- إتحافه والمبالغة في إكرامه.
ب- إعطاؤه ما يجوز به ويكفيه مسافة يوم وليلة عند انصرافه.
١- الحض عَلَى الضيافة والعناية بها لعظيم موقعها في الشريعة؛ لأنها من دلائل كمال الإيمان.
٢- ينبغي للمؤمن الإمساك عن الكلام الذِي ليس فيه خير ولا شر؛ لأنه مما لا يعنيه. ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام.
عن عَائِشَة-رضي الله عنها-قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: (إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا) رواه البخاري.
1. محل هذا الحديث إذا كان ما عند الشخص لا يكفي للإهداء للجارين كليهما فيقدم أوَّلاهما
2. الحكمة في تَقْدِيم الأقرب بابا أنه يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها، فيتشوف لها بخلاف الأبعد، كذلك الأقرب بابا أسرع إجارة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة
3. أن الأخذ في العمل بما هو أعَلَى أولى.
4. تَقْدِيم العلم عَلَى العمل.
5. أن الاعتبار في الجوار بقرب الباب، لا قرب الجدار.
عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: (فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: (فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ). أَوْ قَالَ: (بِالْمَعْرُوفِ). قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ) متفق عليه.
الملهوف: المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما أو عاجزا.
١- توسيع معنى الصدقة فهي لا تقتصر عَلَى العطية للمحتاج بل تشمل كل عمل صالح سواء أ كان قاصرا عَلَى الشخص أو معديا إلى غيره.
٢- أن أعمال الخير تُنَزَّلُ منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها.
٣- أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة.
عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ-رضي الله عنه- قال: "ذَكَرَ النَّبي ﷺ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ"، ثُمَّ قَالَ: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) متفق عليه.
أشاح: صرف بوجهه عن الشيء، فِعْل الحذِر منه الكارِه له، كأنه - عليه الصَّلاة السَّلام - كان يراها ويحذر ريح سعيرها، فنحى وجهه عنها.
١- الحثّ عَلَى الصدقة.
٢- دليل عَلَى قبول الصدقة ولو قَلَّتْ.
٣- ترك احتقار القليل من الصدقة.
٤- أن قليل الصدقة سبب للنجاة من النار.
٥- أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار.
٦- الإشَارة إلى عظم عذاب النار بإشاحته عنها وتعوذه منها.
عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبي ﷺ قال: "دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَة: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَهْلًا يَا عَائِشَة، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أوَّلمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ) متفق عليه.
السام: الموت. وقيل: الموت العاجل
١-مَشرُوعيَّة الدعاء عَلَى المشركين ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه.
٢-عظيم خلقه ﷺ وكمال حلمه.
٣-الحثّ عَلَى الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدعُ حاجة إلى المخاشنة.
٤-استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِد، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تُزْرِمُوهُ). ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصُبَّ عَلَيْهِ. متفق عليه.
لا تزرموه: لا تقطعوا عليه بوله.
١- أن الاحتراز من النَّجَاسة كان مقررا في نفوس الصَّحابة، ولذا بادروا إلى الإنكار بحضرته ﷺ قبل استئذانه.
٢- إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء.
٣- تعيين الماء لإزالة النَّجَاسة.
٤- الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف.
٥- رأفة النَّبي ﷺ وحسن خلقه.
٦- تعظيم المَسْجِد وتنزيهه عن الأقذار.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري-رضي الله عنه- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ) متفق عليه.
1. (اشفعوا): الشفاعة هي: السُّؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم وفي إعانة ذوي الحاجات. والشافع هو الجاعل الوتر شفعًا، والمراد هنا: الساعي في نفع غيره كأنه ضم سعيه إلى سعيه فكان شفعًا.
2. (وَليَقْضِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) معناه: الدعاء، أي: اللَّهمّ اقض، أو الأمرُ هنا بمعنى الخبر.
3. (عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ) ﷺ (مَا شَاءَ) أي: إنّ اللَّه سبحانه وتعالى يقضي للمشفوع له عَلَى لسان رَسُولِهِ ﷺ ما شاء من قضاء حاجاته، أو عدم قضائها، يعني: أن المطلوب منكم حصول الشفاعة حتى يحصل لكم الأجر، وأما قضاء الحاجة وعدم قضائها فموكول إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
١- الحض عَلَى الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه.
٢- استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء أ كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أو إلى واحد من الناس.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "لَمْ يَكُنِ النَّبي ﷺ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: (مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ؟) رواه البخاري.
1. المعتبة: العتاب
2. ترب جبينه: إذا أصابه التراب، ويقال: تربت يداك عَلَى الدعاء أي: لا أصبت خيرا.
3. قال الخطابي هذا الدعاء يحتمل وجهين:
الأوَّل: أن يخر لوجهه فيصيب التراب جبينه.
والآخر: أن يكون دعاء له بالطاعة ليصلي فيتترب جبينه.
وقيل: الجبينان هما اللذان يكتنفان الجبهة فمعناه صرع لجنبه فيكون سقوط رأسه عَلَى الأرض من ناحية الجبين. وهذه كلمة جرت عَلَى لسان العرب ولا يراد حقيقتها مثل (ثكلتك أمك).
بيان كمال خلقه، وطيب منطقه، وحسن عشرته ﷺ وترفعه عن السباب والشتم.
عَنْ عَائِشَة-رضي الله عنها-أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبي ﷺ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: (بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ). فَلَمَّا جَلَسَ، تَطَلَّقَ النَّبي ﷺ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا عَائِشَة، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) متفق عليه.
تَطَلَّقَ: أبدى له طلاقة وجهه، يقال: وجهه طلق وطليق، أي: مسترسل منبسط غير عبوس.
1. جَوَاز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم، والدعاء إلى البدعة مع جَوَاز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى.
2. الفرق بين المداراة والمداهنة: أن المداراة بذل الدُّنيا لصلاح الدُّنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة، وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدُّنيا، والنَّبي ﷺ إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله: فيه فعلَه، فإن قوله: فيه قولٌ حقٌّ، وفعلَه معه حسن عشرة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ:(إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) متفق عليه.
1- تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم؛ لأن العبد إذا سمع عن مولاه أنه يحبه حصل عَلَى أعَلَى السرور عنده وتحقق بكل خير.
2- تَقْدِيم الأمر بذلك لجبريل قبل غيره من الملائكة إظهارٌ لرفيع منزلته عند الله تعالى عَلَى غيره منهم.
3- الحثّ عَلَى توفية أعمال البر عَلَى اختلاف أنواعها فرضها وسنتها.
4- كثرة التحذير عن المعاصي والبدع؛ لأنها مظنة السخط.
عن أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ). مِرَارًا ثُمَّ، قَالَ: (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ) متفق عليه.
عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعَ النَّبي ﷺ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ، فَقَالَ: (أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ) متفق عليه.
(قطعت عنق صاحبك)، أي: آذيته في دينه وخلقه؛ لأنه إذا علم بمدحك هذا دَاخَلَه الغرورُ، وأُعجب بنفسه، فهلك لا محالة.
١- تحريم المبالغة في المدح والثناء؛ لأن ذلك يفضي بالممدوح إلى العجب والغرور.
٢- جَوَاز المدح بثلاثة شروط:
أوَّلا: أن يكون المادح صادقًا فيما يقول في ممدوحه حسب اعتقاده.
ثانيا: ألا يخشى عَلَى الممدوح أن يغترَّ بذلك المديح، فتتغيرَ نفسه، وتفسدَ أخلاقُه.
ثالثا: أن يكون المدح مجرّدًا عن الغلوِّ والإطراء والقطع بتزكية أحدٍ عَلَى الله مهما كان.
عَنْ عَائِشَة زَوْجِ النَّبي ﷺ ورضي عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبي ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ). قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: (لَعَلَّهُ يَا عَائِشَة، كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}) رواه مسلم.
1. "إذا عصفت الريح"، أي: اشتد هبوبها.
2. "تخيلت السماء": من المَخْيَلة وهي سحابة فيها رعد وبرق، يخيل إليه أنها ماطرة، ويقال: أخالت، إذا تغيمت.
3. قوله: "سري عنه"، أي: أزيل ما به وكشف عنه.
1-استحباب ذكر هذا الدعاء عند هبوب الريح.
2- ما كان عليه النَّبي ﷺ من الخوف العظيم من الله تعالى عَلَى ما له من كرامة عليه، وهذا خوف المؤمن الذِي لا يأمن مكر الله، وإذا كان النَّبي ﷺ بهذه الدرجة من الخوف من ربه، فينبغي أن يكون غيره أشد خوفا وحرصا عَلَى المداومة عَلَى الطاعة وعدم المَعصِية.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ). قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ الْقَتْلُ) متفق عليه.
1. يتقارب الزمان: كناية عن قِصر الأعمار وقلة البركة.
2. يلقى الشح: يوضع في القلوب.
أن من علامات الساعة كثرة ظهور الفتن والأمور الكريهة، فيتمكن الشح من نفوس الناس فيكفُّون أيديهم عن البذل والإِنفاق، ويزول التراحم، وترتفع المحبة، وتحلُّ مكانَها العداوةُ والبغضاء، وتشتدُّ حتى يتدابر الناس ويتقاتلون، ويكثر فيهم القتل وسفك الدماء.
عن أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "خَدَمْتُ النَّبي ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلَّا صَنَعْتَ" متفق عليه.
أفّ: قال الراغب: أصل الأُفِّ كُلُّ مستقذرٍ من وسخ كقلامة الظفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكلِّ مستخفٍّ به، ويقال أيضًا عند تكرُّه الشيء وعند التضجُّر من الشيء.
1-استحباب ترك العتاب عَلَى ما فات، وتنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته.
2-بيان عظيم خُلُقه ﷺ وطيب عشرته، ولطف منطقه.
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ؛ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ؛ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ" رواه البخاري
١-الحذر من اقتراف جميع الفواحش لأن الله تعالى يغار عَلَى عباده غيرة شديدة.
٢- الإكثار من حمد الله والثناء عليه بالاجتهاد في ذكره وعبادته لمحبته ذلك من عباده.
٣- الحرص عَلَى العمل الصالح لينال العبد ثناء الله عليه وشكره له فيزيده من نعمه وأفضاله.
عن سُلَيْمَانُ بْنِ صُرَدٍ-رضي الله عنه-قال: "اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبي ﷺ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبي ﷺ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا، لَذَهَبَ عَنْهُ الذِي يَجِدُ). فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبي ﷺ وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطان. فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ، أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ". متفق عليه.
1. قال ابن حجر: "هذا المأمور قد يكون كافرًا أو منافقًا، أو كان غلب عليه الغضب حتى أخرجه عن الاعتدال بحيث زجر الناصح الذِي دله عَلَى ما يزيل عنه ما كان به من وهج غضب بهذا الجواب السيئ، وقيل: إنه كان من جفاة الأعراب، وظن أنه لا يستعيذ من الشَّيطان إلا من به جنون، ولم يعلم أن الغضب نوع من شر الشَّيطان؛ ولهذا يخرج به عن صورته ويزين إفساد ماله كتقطيع ثوبه وكسر آنيته، أو الإقدام عَلَى من أغضبه ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال.
2. الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
3. الاستعاذة بالله من الشَّيطان الرجيم وقت الغضب.
4. خطورة الغضب وسوء مغبته حيث يدفع صاحبه إلى ردِّ الحق والإصرار عَلَى الخطأ.
5. تسلط الشَّيطان عَلَى الغاضب وعبثه به.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) متفق عليه.
1. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شرِّ الناس؛ لأن حاله حال المنافق؛ إذ هو متملِّق بالباطل وبالكذب، مدخل للفساد بين الناس.
2. في الحديث ذمُّ النَّفاقِ وأهلِه والتَّحذيرُ مِنهم.
عن أَبي هُرَيرَة-رضي الله عنه-قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) متفق عليه.
1. (معافى)، أي: في عافية وسلامة من المكروه ويرجى له العفو والمغفرة.
2. (المجانة): مأخوذ من المجون والجراءة عَلَى المعاصي فلا يبالي بما صنع، ولا بما قيل فيه غيبة ومذمة ونسبة إلى فاحشة.
١- يجب عَلَى من ابتلي بمعصية أن يستر عَلَى نفسه ويتوب بينه وبين الله تعالى.
٢- أن ارتكاب المَعصِية مع سترها أهون وأخف من المجاهرة بها.
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) متفق عليه.
1. متضاعف، أي: متواضع ليّن. ويُروى بفتح العين، أي: من يستضعفه الناس ويتجبرون عليه لفقره.
2. عتلّ: الشديد الخصومة. وقيل: الجافي عن الموعظة.
3. جواظ: الجموع المنوع. وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته.
4. (لو أقسم عَلَى الله لأبرّه)، أي: لو حلف عَلَى شيء أن يقع طمعًا في كرم الله بإبراره لأبره وأوقعه لأجله.
5. قال النووي: المراد أن أغلب أهل الجنة وأهل النار هذان الفريقان.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" رواه البخاري.
بيان تواضعه ﷺ ولين جانبه للضعفاء وبذله نفسه لقضاء حوائجهم ورفقه بهم.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ) قَالَتْ: قُلْتُ: "وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: (إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ). قَالَتْ: قُلْتُ: "أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ" متفق عليه.
١- حسن خلقه ﷺ وطيب معشره.
٢- اغتفار مغاضبة عَائِشَة للنبي ﷺ مع ما في ذلك من الحرج؛ لأن الغضب عَلَى النَّبي ﷺ معصية كبيرة؛ لأن الحامل لها عَلَى ذلك الغيرة التي جُبلت عليها النِّساء.
٣- أن الغضب لا يستلزم البغض القلبي.
٤- عظم حبِّ عَائِشَة-رضي الله عنها- للنبي ﷺ.
٥- فطنة عَائِشَة رضي الله عنها وذكاؤها لاختيارها اسم إبراهيم عند هجرها اسم النَّبي ﷺ لأنه أولى الناس به.
عن أَبي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "أَتَى رَجُلٌ النَّبي ﷺ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ) متفق عليه.
١- استحباب تخفيف الإِمَام القيام والقِرَاءَة في الصَّلاة، ومراعاة ظروف المصلين وأحوالهم.
٢- جَوَاز ذكر الإِنسَان بشيء يكرهه في معرض الشكوى والاستفتاء.
3-الغضب في الموعظة إذا اقتضى الأمر ذلك.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قال: "مَرَّ النَّبي ﷺ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي. حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ) متفق عليه.
1. (قد أضرَّ بك): بلغ به الحياء أن ترك طلب بعض حقه أو نحو ذلك.
2. في الحديث بيان فضل الحياء والحثّ عليه حتى لو بلغ بصاحبه أن يترك المطالبة بحقه حياء من الناس؛ لأن الحياء من الإيمان، ولا يأتي إلا بخير، وصاحبه لا يتجرأ عَلَى حرمات الله ولا يتعدى حدوده وذلك من الإيمان.
عن أَبي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأولى، إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) رواه البخاري.
1. (إن مما أدرك.. ): أن الحياء لم يزل أمره ثابتا منذ زمان النبوة الأولى، فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، وإنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم.
2. (فاصنع ما شئت): ذكر في توجيه الأمر عدة أوجه:
أحدها: أن معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر كأنه يقول: إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت مما تدعوك إليه نفسك من القبيح.
وثانيها: أن معناه الوعيد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} أي: اصنع ما شئت فإن الله يجازيك.
وثالثها: معناه ينبغي أن تنظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان ذلك مما لا يُستحيى منه فافعله، وإن كان مما يٌستحيى منه فدعه.
الحثّ عَلَى التخلق بالحياء فإنه من مكارم الأخلاق التي تحول بين الإِنسَان وبين القبائح من الأقوال والأفعال.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مرَّتيْن) متفق عليه.
(لا يلدغ المؤمن..): هذا لفظه خبر ومعناه أمر، أي: ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدُّنيا وهو أوَّلاهما بالحذر.
من فوائد الحديث:
أدب شريف أدّب به النَّبي ﷺ أمته ونبههم كيف يحذرون مما يخافون سوء عاقبته.
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: (مَا اسْمُكَ؟). قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: (أَنْتَ سَهْلٌ). قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. رواه البخاري.
(فما زالت الحزونة)، أي: الشدة والصعوبة في أخلاقهم
١-تغيير الاسم غير المرغوب إلى ما هو أحسن.
٢-أن ذلك مستحب وليس بواجب.
٣-أن للاسم أثرًا في المسمى.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رضي الله عنه-أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا. فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَيْنَبَ". متفق عليه.
١-كراهة الاسم الذِي فيه تزكية.
٢-تغيير الاسم غير المرغوب إلى ما هو أحسن منه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيطان، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا؛ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيطان) رواه البخاري.
1. يحب العطاس: لما فيه من خروج المواد الضارّة التي يؤدِّي خروجها إلى نشاط الجسم، وخفة البدن والدماغ، والتخفيف من حدة الزكام.
2. يكره التثاؤب: لأنه يمنع صاحبه من النشاط في الطاعة، ويوجب الغفلة.
١- أن العطاس ظاهرة محبوبة عند الله تعالى؛ لأنه ينشأ من خفة الجسم وأن التثاؤب ظاهرة كريهة عند الله تعالى؛ لأنها من الشَّيطان، بسبب الفتور والكسل.
٢- استحباب مبادرة العاطس بالتحميد.
٣- أنه يستحب للمتثائب أن يرد تثاؤبه قدر استطاعته.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أوَّلئِكَ نَفَرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٍ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ؛ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلام عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلام عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ) متفق عليه.
1. (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا)، أي: أوجده الله تعالى عَلَى الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا، ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته؛ بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أوَّل ما نفخ فيه الروح.
2. (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن)، أي: أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذِي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر عَلَى ذلك.
١- أن القادم عَلَى قوم جلوس يسلم عليهم.
٢-أن الأفضل أن يقول: السَّلام عليكم -بالألف واللام- ولو قال: سلام عليكم، كفاه.
٣- أن رد السَّلام يستحب أن يكون زيادة عَلَى الابتداء.
٤- يجوز في الردِّ أن يقول: السَّلام عليكم، ولا يشترط أن يقول: وعليكم السَّلام.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ). فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا؟ فَقَالَ: (إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ). قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلام، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ) متفق عليه.
١- أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أوَّلا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق.
٢- جَوَاز الجلوس في الطرقات للحاجة بشرط الالتزام بالآداب الشرعية المنصوص عليها.
٣- رفقه ﷺ وتخفيفه عن أمته.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبي ﷺ، أي: الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِمُ الطَّعَام، وَتَقْرَأُ السَّلام عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ) متفق عليه.
١- الحثّ عَلَى إطعام الطَّعَام والجود والعناية بنفع المسلمين، والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل بمباشرة أو سبب.
٢- الحثّ عَلَى تألف قلوب المسلمين، واجتماع كلمتهم وتوادهم، واستجلاب ما يحصل ذلك.
٣- بذل السَّلام لمن عرفت ومن لم تعرف وإخلاص العمل فيه لله تعالى.
٤- التواضع وإفشاء السَّلام وهو شعار هذه الأمة.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الذِي يَبْدَأُ بِالسَّلام) متفق عليه.
١- تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال، وإباحته في الثلاث وما دونه.
٢- أن الهجر ينقطع بالسَّلام.
٣- أن البادئ بالسَّلام خيرٌ من الآخر.
4- علة إباحة الهجر في الثلاث وما دونها: أن الآدمي مجبول عَلَى الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض.
عن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "بَعَثَ النَّبي ﷺ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبي ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبي ﷺ مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبي ﷺ فَقَالَ: (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري.
(لو دخلوها ما خرجوا..)، أي: لو دخلوا فيها لاحترقوا فماتوا، فلم يخرجوا منها أحياء.
1- أن الحكم في حال الغضب لا ينفذ منه ما خالف الشرع.
2- أن شدة الغضب تدفع إلى سوء الفعل.
3- أن الإيمان بالله ينجِّي صاحبه من النار.
4- أن الأمر المطلق لا يعمُّ كلَّ الأحوال.
5- أن صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشرَّ فإن الله يصرفه عنه.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبي ﷺ وَمَعَ النَّبي ﷺ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) متفق عليه.
عن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: "اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبي ﷺ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبي ﷺ بِمِشْقَصٍ -أَوْ بِمَشَاقِصَ- فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ" متفق عليه.
1. مِدرىً: شيء يُعمل من حديد أو خشب عَلَى شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد ويستعمله من لا مشط له.
2. مشقص: نَصْل السهم إذا كان طويلًا.
3. يختل: يحأوَّل أن يأتيه من حيث لا يشعر.
١- أن للبيوت حرمةً وخصوصية فلا يجوز لأحد أن يسترق النظر إليها.
٢- أن من قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن؛ جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقأ عينه.
٣- مَشرُوعيَّة القياس والعلل.
٤- أن المرء لا يحتاج في دخول منزله إلى الاستئذان لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان.
٥- أنه يشرع الاستئذان عَلَى كل أحد حتى المحارم لئلَّا تكون متكشفة العورة.
عن أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) متفق عليه.
1. (كتب عَلَى ابن آدم)، أي: قُدِّر عليه أن يقع منه هذا الفعل، وهذا العموم (ابن آدم) المراد به الجنس لا كل فرد من بني آدم لأن أهل العفة والاستقامة لم يكتب عليهم ذلك، ولم يفعلوا شيئًا منه بتوفيق الله تعالى وحفظه لهم.
2. (والفرج يصدق ذلك، ويكذبه): سمى هذه الأشياء باسم الزنا؛ لأنها مقدمات مؤذنة بوقوعه، ونسب التصديق، والتكذيب إلى الفرج، لأنه منشؤه، ومكانه أي: يصدقه بالإتيان. مما هو المراد منه، ويكذبه بالكف عنه.
١- التحذير الشديد من أسباب الزنا ومقدماته، كالنظر إلى المرأَة الأجنبية، والحديث إليها، وسماع حديثها، ولمسها بشهوة، فإن ذلك محرّم، وإن كان من الصغائر، وقد سماه النَّبي ﷺ زنًا تنبيهًا عَلَى خطورته؛ لأنه يؤدِّي إلى الزنا، ويسوق إليه.
٢- أن الزنا نوعان: زنا الفرج، وهو من الكبائر، وزنا الجوارح وهو من الصغائر، ولكنه طريق المخاطر.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَلَّمَ، سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، أَعَادَهَا ثَلَاثًا. رواه البخاري.
١-مَشرُوعيَّة تكرار السَّلام في بعض الحالات. قال ابن القيم: "هذا كان هديه في السَّلام عَلَى الجمع الكثير الذِين لا يبلغهم سلام واحد، أو هديه في إسماع السَّلام الثاني والثالث إن ظن أن الأوَّل لم يحصل به الإسماع".
٢-من طرق التعليم والتربية إعادة الجملة ثلاث مرات؛ لكي يستوعبها الطالب.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: كَانَ النَّبي ﷺ يَفْعَلُهُ. متفق عليه.
١-تدريب الصبيان عَلَى آداب الشريعة.
٢-تواضع الأكابر ولين جانبهم.
٣-إعطاء الصبيان مكانةً واحترامًا مما يقوي نفوسهم ويبني فيها الثقة.
عن سَهَلٍ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قيل له: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ (نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ، فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا، وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا، فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ" رواه البخاري.
1. السلق: نوع من البقل.
2. تكركر: تطحن.
١- جَوَاز السَّلام عَلَى النسوة الأجانب إذا أُمنت الفتنة.
٢- استحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير.
٣- بيان ما كان الصَّحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا عَائِشَة، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلام). فقُلْتُ: "وَعَلَيْهِ السَّلام وَرَحْمَةُ اللَّهِ، تَرَى مَا لَا نَرَى" تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. متفق عليه.
١- جَوَاز تسليم النِّساء عَلَى الرِّجال والرِّجال عَلَى النِّساء إذا أُمنت الفتنة.
٢- فضل عَائِشَة رضي الله عنها.
٣- استحباب بعث السَّلام وينبغي عَلَى المرسل به تبليغه.
٤- أن الذِي يبلغه سلام غيره عليه أن يردَّه.
٥- استحباب أن يأتي في الرّدّ بالواو، فيقول في جواب الحاضر: "وعليكم السَّلام"، وفي جواب الغائب: "وعليه السَّلام"، كما وقع في هذا الحديث.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسَ مَكَانَهُ. متفق عليه.
1- دل الحديث عَلَى تحريم إقامة الرجل من مكانه في المَسْجِد أو غيره مطلقًا.
2- قال النووي: والنَّهي للتحريم، فمن سبق إلى مباح من مسجد أو غيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها تحرم إقامته منه. لكن يستثنى من ذلك ما لو ألِفَ موضعًا لنحو إفتاءٍ أو قِرَاءَة فهو أحق به، فإن قعد فيه غيره فله أن يقيمه.
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ-رضي الله عنها- كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ ﷺ نِطَعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النَّبي ﷺ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ، أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ. متفق عليه.
1. نطعًا: بساطا من جلد.
2. يقيل عندها: ينام وقت القيلولة. وهي من محارمه من جهة الرضاع.
3. سكّ: نوع من الطيب.
4. حنوطه: الطيب الذِي يصنع للميت خاصة.
١- مَشرُوعيَّة القائلة للكبير في بيوت أقاربه أو معارفه وثقات إخوانه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة.
٢- طهارة شعر الآدمي وعرقه.
٣- شدة محبة الصَّحابة -رضي الله عنهم- وتبركهم بآثار النَّبي ﷺ الحسيِّة.
عن أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ-رضي الله عنه-قال: "أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبي ﷺ سِرًّا فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ، فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ" متفق عليه.
١- فضل أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وكماله مع صغر سنه.
٢- الحثّ عَلَى حفظ السر وكتمانه ولو عن أقرب الناس.
3- وقد ذكر ابن حجر أن إباحة السر بعد موت صاحبه ينقسم إلى:
· ما يباح وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحبه كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة.
· ما يكره مطلقًا وقد يحرم، وهو ما إذا كان عَلَى صاحبه منه ضرر وغضاضة.
· ما يجب ذكره حقَّا عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبي ﷺ: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ؛ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ) متفق عليه.
أَجْلَ: من أجل.
قال النووي: في الحديث النَّهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهي تحريم، فيحرم عَلَى الجَمَاعَة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن.
قال أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أُقِيمَتِ الصَّلاة وَرَجُلٌ يُنَاجِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَمَا زَالَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى" رواه البخاري.
١- جَوَاز مناجاة الوَاحِد غيره بحضور الجَمَاعَة.
٢- جَوَاز الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام إذا كان لحاجة.
٣- أن النَّوم الخفيف الذِي لا يستغرق لا ينقض الطهارة.
٤- جَوَاز تأخير الصَّلاة عن أوَّل وقتها للحاجة.
عن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: "احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ) متفق عليه.
إنما هي عدو: من حيث أنها تؤذي أبدانكم وأموالكم كالعدو. وصيغة الحصر هنا مبالغة في بيان شدة ضررها إذا أسيء استخدامها.
النَّهي عن ترك النار في البيت عند النَّوم، لئلَّا يشتعل البيت عَلَى أصحابه.
عن أَبي سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قال: "لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيطان، وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) متفق عليه.
١- أن من رأى رؤيا حسنة مما يحب "فلا يحدث به إلا من يحب"؛ لأن الحبيب إن عرف خيرا قاله، وإن جهل أو شك سكت.
٢- أن من رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا، ومن شر الشَّيطان؛ لأنه الذِي يخيل فيها، ثم يتفل- أي يبصق- عن يساره ثلاثا، استقذارًا للشيطان واحتقارًا له، كما يفعل الإِنسَان عند الشيء القذر يراه، "ولا يحدث بها أحدا".
٣- أن من فعل ما أرشد إليه النَّبي ﷺ فلن تضره هذه الرؤيا المكروهة؛ لأن ما ذكر من التعوذ وغيره سبب للسلامة من ذلك.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) متفق عليه.
الرؤيا الصالحة تشبه النبوة من حيث كونُها اطِّلاعًا عَلَى الغيب من وجه ما، فتعبر بأمور تحصل في المستقبل.
وأما كونها جزءًا من ستة وأربعين فوجهه كما قال ابن الأثير وغيره: إن مدة النبوة ثلاث وعشرون سنة من عمره الشريف ﷺ وكان في أوَّل الأمر يرى الوحي في المنام ودام ذلك نصف سنة ثم رأى الملك في اليقظة فإذا نسبت مدة الوحي في النَّوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاث وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزء وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزء.
عن أَبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ). قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) متفق عليه.
انقطع خبر السماء والوحي بموت النَّبي ﷺ، فهو آخر الأنبياء إلى قيام الساعة، فانقطعت النبوة بموته ﷺ، ولم يبق منها سوى المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة، والمبشرات هي الأخبار السارة، والمعنى: أن النبوة قد انقطعت إلا ما قد يراه المؤمن من الرؤيا الصالحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، والتعبير بالمبشرات خرج للأغلب؛ فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن؛ رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه.
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيطان لَا يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) متفق عليه.
١- أن الشَّيطان لا يتمثل في صورته ﷺ.
٢- أن من رآه في المنام عَلَى هيئته ووصفه المعروف، فإنه يكون رآه ﷺ حقيقة؛ لأن الشَّيطان لا يمكنه التشبه بصورته.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبي ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) متفق عليه.
1. قوله: (أروا ليلة القدر) أروا بضم أوَّله عَلَى البناء للمجهول أي: قيل: لهم في المنام: إنها في السبع الأواخر.
2. قوله: (تواطأت) بالهمزة أي: توافقت وزنا ومعنى.
1- أن توافق جماعة عَلَى رؤيا واحدة دال عَلَى صدقها وصحتها، كما تستفاد قوة الخبر من التوارد عَلَى الإخبار به من جماعة.
2- وفيه أن السبع الأواخر أرجى من غيرها أن تكون فيها ليلة القدر.
عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما-قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي). يَعْنِي عُمَرَ، قَالُوا: فَمَا أوَّلتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْعِلْمَ) متفق عليه.
1- فضلي: ما تبقى منه.
١- مَشرُوعيَّة قصِّ الكبير رؤياه عَلَى من دونه.
٢- إلقاء العالم المسائل، واختبار أصحابه في تأويلها.
٣- أن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه.
٤- فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفوقه في علوم الشريعة.
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ). قَالُوا: مَا أوَّلتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الدِّينَ) متفق عليه.
1. قُمُص: جمع قميص.
2. (منها ما يبلغ الثدي): جمع ثدي، والمعنى: أن القميص قصير جدًّا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقه.
١- استحباب تأويل الرؤيا إذا كان عارفًا به، أو أنه يسأل العالم بها عنها، كما أوَّل ﷺ المنام الذِي رآه لعمر لما سألوه عنه بالدين.
٢- أن القميص في النَّوم معناه الدين، وجره يدل عَلَى بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به.
٣- فضل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه
٤- أن رؤيا الأنبياء -عليهم السَّلام- حق.
عَنْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مرَّتيْن، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ) متفق عليه.
1- سرقة: قطعة من الحرير الجيد.
١- رؤيا الأنبياء حق.
٢- فضل عَائِشَة رضي الله عنها.
قال ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ، لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبي ﷺ فَقَالَ: (إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ). أَوْ قَالَ: (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ). رواه البخاري.
١- منقبة جليلة لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
٢- أن الرؤيا الصادقة من المبشرات للصالحين، وهي مما يؤيد الله بها إيمانهم ويثبت قلوبهم عَلَى الحق.
عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا؛ إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا - أَوْ ذَنُوبَيْنِ - وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) متفق عليه.
1- ذنوبا: الذَّنوب: الدلو الممتلئ.
2- فاستحالت: تحولت.
3- غربا: الغرب: الدلو العظيمة التي تُتَّخذ من جلد الثور.
4- عبقريا: عبقري القوم: سيدهم وكبيرهم وقويهم.
5- يَفْرِي فَرْيَهُ، أي: يفعل فعله، ويُحسن ويُجيد مثله.
6- بعطن: العطن: الموضع الذِي تُناخ فيه الإبل إذا شربت وروِيت. والمراد استقرار أمر الناس وكثرة انتفاعهم في ولاية عُمَر لطولها واتساع بلاد الإسلام وكثرة الأموال والغنائم فيها.
١- الإشَارة إلى قصر مدة خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
٢- الإشَارة إلى طول خلافة عمر بن الخطاب وحسن إدارته لشؤون الناس.
٣- الإعلام بخلافتهما رضي الله عنهما، وصحة ولايتهما، وكثرة الانتفاع بهما.
٤- أن رؤيا الأنبياء حق.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جُلُوسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا لِعُمَرَ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا). فَبَكَى عُمَرُ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ: أَوَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟ متفق عليه.
١- مراعاة النَّبي ﷺ الصحبة.
٢- فَضِيلَة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
٣- أن من علم من صاحبه خلقًا لا ينبغي أن يتعرض لما ينافره.
٤- أن الجنة موجودة وكذلك الحور.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ) رواه البخاري.
1- أفرى الفرى: أشد الكذب. ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة نحو قوله: ليل أليل
2- يري عينه ما لم تر: يدعى رؤيا لم ترها عيناه، وعظم ذنبه لأنه كذب عَلَى الله تعالى؛ لأنه ادعى الرؤيا الصادقة وهي من الله تعالى وجزء من النبوة، بينما هو في الحقيقة لم ينل شيئًا من ذلك، وفي الحديث وعيد شديد لمن يكذب فيدعي رؤيا لم يرها أو يكذب في تفاصيلها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم.
طوبى: اسم الجنة أو شجرة فيها، وقيل: هي الحالة الطيبة والعيش الطيب.
١- فَضِيلَة الثبات عَلَى الدين في وقت ضعف تمسك الناس به.
٢- البشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام كذلك سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ المَسْجِديْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا) رواه مسلم.
1- يَأْرِزُ: ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.
2- (كما تأرِزُ الحية في جحرها)، أي: كما تعود الحية إلى جحرها إذا راعها شيء، فكذلك يعود الإسلام- كما بدأ من مكة والمدينة- إليهما مرة أخرى.
١- فضل مسجدي مكة والمدينة.
٢- أن الدين ينضم ويجتمع بينهما ويعود إليهما، وهو إشارة إلى أن المؤمنين يفرون إليهما؛ وقاية من الفتن، وخوفا عَلَى الدين.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ، فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ) رواه مسلم.
1- لتتركن الْقِلَاصُ: جمع قلوص وهي الناقة الشَّابة.
2- فَلَا يسْعَى عَلَيْهَا: أَي يزهد فِيهَا وَلَا يرغب فِي اقتنائها وَلَا يعتني بهَا لِكَثْرَة الْأَمْوَال وَقلة الآمال.
وقيل: فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، أي: تُترك زكاتها فلا يكون لها ساع، والساعي عامل الزكاة.
نزول عيسى بن مريم عليه السَّلام في آخر الزمان وحكمه بشريعة محمد ﷺ.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ النَّبي ﷺ يَقُولُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). قَالَ: (فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) رواه مسلم.
١- أمة الإسلام شأنها عظيم.
٢- أن دين الإسلام الذِي جاء به محمد لا ينسخ إلى قيام الساعة، وأن ترك عيسى عليه السَّلام إمامة المسلمين في الصَّلاة مع كونه نبيا؛ لئلَّا يظن أن شريعة الإسلام قد نسخت.
٣- علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر النَّبي ﷺ بما سيكون بعده في أمته.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) متفق عليه.
١- أن طلوع الشمس من مغربها من الآيات الكبرى لقيام الساعة.
٢- أن الناس كلَّهم يؤمنون ويوقنون بالحق حينئذٍ.
٣- أن باب التوبة يغلق حينئذٍ فلا تنفع صاحبها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ) رواه مسلم.
إغلاق باب التوبة بعد ظهور هذه الآيات الكبرى للساعة.
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ، أَنَّهُ قَالَ: (يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ. فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ) متفق عليه.
(بعض السباخ): جمع سَبَخَة وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها، وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحَرَّة.
فَضلُ العِلمِ، وأنَّه مِن أسبابِ البصيرةِ بالفِتَنِ، والثَّباتِ عَلَى الحقِّ وقتَ وقوعِها.
عن أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبي ﷺ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيطان، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ) رواه البخاري.
إضافة الحلم إلى الشَّيطان بمعنى: أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك، بخلاف الرؤيا الصادقة؛ فأضيفت إلى الله إضافة تشريف وإن كان الكل بخلق الله وتقديره، كما أن الجميع عباد الله ولو كانوا عصاة، كما قال: {يا عبادي الذِين أسرفوا عَلَى أنفسهم..}.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطان؛ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا) متفق عليه.
1. قوله: (فإنها رأت ملكا)، قال القاضي عياض- رحمه الله-: "السبب فيه رجاء تأمين الملائكة عَلَى دعائه، واستغفارهم له، وشهادتهم له بالإخلاص، ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين؛ تبركا بهم".
2. قوله: (فإنه رأى شيطانا)، قال القاضي عياض- رحمه الله-: "فائدة الأمر بالتعوذ ما يخشى من شر الشَّيطان وشر وسوسته؛ فيلجأ إلى الله في دفع ذلك".
عَنْ أَبِي هُرَيرَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : (أوَّل زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) متفق عليه.
1. قوله: (مجامرهم الأَلُوَّة): المجامر جمع مجمرة وهي: المبخرة، سميت مجمرة؛ لأنه يوضع فيها الجمر؛ ليفوح به ما يوضع فيها من البخور، والألوة هي: العود الذِي يبخر به.
2. قوله: (رشحهم): أي عرقهم.
3. قوله: (يُرى مخ سوقهما..)، المخ هو: ما في داخل العظم، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ، وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد.
4. قوله: (قلوبهم قلبُ رجلٍ واحد) أي: في الاتفاق والمحبة.
5. قوله: (يسبحون الله بكرة وعشيا) أي: قدرهما، وهذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، وقد فسره جابر رضي الله عنه في حديثه عند مسلم بقوله: (يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس)، ووجه التشبيه أن تنفس الإِنسَان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا، وسببه: أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- لَا يَدْخُلُ أوَّلهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) متفق عليه.
1. قوله: (لا يدخل أوَّلهم حتى يدخل آخرهم): جاء في رواية الإِمَام مسلم (متماسكون آخذ بعضهم ببعض) معناه: أنهم يدخلون صفًّا واحدًا، فيدخل الجميع دفعة واحدة.
2. وقال النووي: يدخلون معترضين صفًّا واحدًا، بعضهم بجنب بعض.
3. ووصفهم بالأوَّلية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها عَلَى الصراط، وفي ذلك إشارة إلى سعة الباب الذِي يدخلون منه الجنة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا) متفق عليه.
سبحان الله! ما أعظم نعيم الجنة!! وهذا بعضه! شجرة عظيمة جدا لا يكاد العقل يحيط بها، شجرة يظل الراكب الجواد السريع المضمّر سائرا مئة عام ما يقطع ظلها ولا ينتهي إلى طرفه، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ - أَوِ الْمَغْرِبِ - لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: (بَلَى، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) متفق عليه.
1. قوله: (يتراءيون) أي: ينظرون ويرون.
2. قوله: (الدُّرِّيَّ) أي: الشديد الإنارة، كأنه نُسِب إلى الدر تشبيها بصفائه.
3. قوله: (الغابر) أي: الذاهب.
4. معنى الحديث: أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم.
عظيم نعيم أهل الجنة.
عن أبي موسى الْأَشْعَرِيِّ-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبي ﷺ قَالَ: (الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لَا يَرَاهُمُ الْآخَرُونَ) متفق عليه.
درة مجوفة: واسعة الجوف.
1. سعة هذه الخيمة التي تعطى للمؤمن في الجنة فارتفاعها ثلاثون ميلا في السماء وجاء في رواية مسلم "وعرضها ستون ميلا".
2. كثرة ما يعطاه المؤمن من الحور العين في الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أوَّل زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لَا يَسْقَمُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الْأَلُوَّةُ - قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي الْعُودَ - وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ) متفق عليه.
1. مخ ساقها: ما في داخل العظم، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد.
2. مجامرهم: جمع مِجمرة، وهي المبخرة التي يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور.
3. الألوة: العود الذِي يُتبخَّر به.
١- جمال أهل الجنة، وحسن وجوههم.
٢- طهارة أهل الجنة ونقاؤهم من جميع العيوب والنقائص الجسمية والنفسية.
٣- عظمة نعيم أهل الجنة.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا - أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - لَا يَدْخُلُ أوَّلهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) متفق عليه.
(لا يدخل أوَّلهم حتى..)، أي: أنهم يدخلون صفًّا واحدًا فيدخل الجميع دفعة واحدة ووصفهم بالأوَّلية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها عَلَى الصراط، وفي ذلك إشارة إلى سعة الباب الذِي يدخلون منه الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاة دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاة، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ). فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) متفق عليه.
1. سمي باب الريان تنبيهًا عَلَى أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى، وعاقبته إليه، وهو مشتق من الريِّ.
2. (ما عَلَى من دعي من تلك الأبواب من ضرورة)، أي: أن من لم يكن إلا من أهل خصلة واحدة من هذه الخصال ودعي من بابها لا ضرر عليه؛ لأن الغاية المطلوبة دخول الجنة قد تحققت له.
١- فضل الصدقة والصَّلاة والصيام والجهاد.
٢- أن أعمال البر قلَّ أن تجتمع كلُّها لشخص واحد عَلَى السواء.
٣- فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}) متفق عليه.
(مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ): ما يفرح، ويسر.
١- أن الجنة مخلوقة الآن.
٢- فضل الله عَلَى عباده بمجازتهم عَلَى أعمالهم الحسنة بأحسن مما عملوا.
٣- أن حواس البشر أضعف من أن تدرك حقيقة نعيم الجنة العظيم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: رَبِّ، الْجَنَّةُ مَلْأَى. فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الْجَنَّةُ مَلْأَى. فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنيا عَشْرَ مِرَارٍ) متفق عليه.
١- إثبات صفة الكلام لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته.
٢- بيان عظمة رحمة الله تعالى وكرمه عَلَى عباده.
٣- كثرة أهل الجنة.
٤- سعة الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبي ﷺ "كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: (أوَّلسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ). فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" رواه البخاري.
1. (ألست فيما شئت)، أي: ألست تتقلب في النعيم.
2. (فتبادر الطرف..): أسرع نبات هذا الزرع حتى كان أسرع من ارتداد حركة عينيه.
3. دونك: خذ.
١- أن كل ما اشتهاه الإِنسَان في الجنة من أمور الدُّنيا ممكن فيها.
٢- فضل القناعة والاقتصار عَلَى البلغة وذم الشره والرغبة.
٣- وصف الناس بغالب عاداتهم.
٤- لين جانب النَّبي ﷺ وتلطفه مع أصحابه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَقَالَ: (أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: (أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: (وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَاكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ) متفق عليه.
١- كرامة الله تعالى لهذه الأمة وتفضيله لها عَلَى سائر الأمم.
٢- أن من مات عَلَى الكفر لا يدخل الجنة أصلا.
عن أبي موسى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) متفق عليه.
إثبات رؤية المؤمنين لربهم عزَّوجلَّ، وهي من النعيم الذِي يؤتاه أهل الجنة، بل أفضل نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية المؤمنين لربهم عزَّوجلَّ
عَنْ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: تُرِيدُونَ شيئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟). قَالَ: (فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شيئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم.
إثبات رؤية المؤمنين لربهم عزَّ وجلَّ، وهي من النعيم الذِي يؤتاه أهل الجنة، بل أفضل نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية المؤمنين لربهم عز َّ وجلَّ
عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله ﷺ قال: (سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ، أي: رَبِّ، كَيْفَ، وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنيا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أوَّلئِكَ الذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}" رواه مسلم.
1- أردت: اخترت واصطفيت.
2- غرست كرامتهم بيدي، أي: اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير.
١- بيان نعيم أدنى أهل الجنة.
٢- بيان درجات الجنة.
٣- وجود الجنة التي خلقها الله تعالى لتكون دار النعيم لأوَّليائه.
٤-ثبوت صفة اليد لله عز وجل.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ، فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ، أي: رَبِّ، إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلَا تُعِدْنِي فِيهَا، فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا) رواه مسلم.
يخرج من النار أربعة أي: أربعة أصناف أو أربعة رجال، وقيل: هم الآخرون خروجا منها، فيعرضون عَلَى الله، أي: ليقضي الله عز وجل فيهم أمره، والغالب فيهم أنهم من أهل التوحيد ولكن يدخلون النار تخليصا لذنوب ومعاص، فيلتفت أحدهم، أي: أحد الأربعة؛ فيقول، أي: رب! لقد كنت أرجو، أي: أطمع في فضلك وجودك؛ إذ أخرجتني منها، أي: من النار، فلا تعدني فيها، أي: لا ترجعني إلى النار، قال النَّبي ﷺ: فينجيه الله منها، أي: يخلصه من النار لا يرده إليها ويدخله الجنة سبحانه جل شأنه.
١- عظيم كرم الله تعالى، وفضل حسن الظن به عز وجل.
٢- حث الكرماء عَلَى إتمام ما أنعموا به؛ إذ المنعم بالنعمة لا يعقبها بضدها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَنَا أوَّل النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا) رواه مسلم.
أنا أوَّل الناسِ يَشفعُ في الجنةِ، أي: للعصاة يوم القيامة؛ ليدخلهم الجنة، أو يشفع ﷺ لمن في الجنة ليرفع درجاتهم فيها، في الحديث بيان التكريم الرباني لنبينا محمد ﷺ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أوَّل مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ) رواه مسلم.
أنا أوَّل مَنْ يَقْرَعُ أي يَدُقُّ ويَسْتَفْتِحُ، باب الجنة ليفتح له حارسها، وفي الحديث بيان التكريم الرباني لنبينا محمد ﷺ؛ بتخصيصه بأوَّلية الدخول إلى الجنة بل إلى أعَلَى مقاماتها؛ إلى المقام المحمود؛ فإن أهل الدُّنيا إذا أرادوا بيان فضل إنسان وعظمه لم يدخلوا أحدا قبله إلى الدار أو إلى الوليمة
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ النَّبي ﷺ: (أَنَا أوَّل شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ) رواه مسلم.
لم يُصَدَّقْ نَبيٌّ منَ الأنبياءِ ما صُدِّقْتُ، أي: لم يكن لنبي من أتباع بمثل ما كان لرسول الله ﷺ من أتباع، وفي هذا إشعار بأن أكثرية الأتباع توجب أفضلية المتبوع.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ، لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) رواه مسلم.
١- الإعلام منه ﷺ أنه أوَّل من يدخل الجنة.
٢- بيان التكريم الرباني لنبينا محمد ﷺ؛ بتخصيصه بأوَّلية الدخول إلى الجنة بل إلى أعَلَى مقاماتها؛ إلى المقام المحمود؛ فإن أهل الدُّنيا إذا أرادوا بيان فضل إنسان وعظمه لم يدخلوا أحدا قبله إلى الدار أو إلى الوليمة.
عن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ، وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) متفق عليه.
1. يحوطك: يصونك ويرعاك ويدافع عنك.
2. ضحضاح: الماء القليل الذِي يبلغ الكعبين، فاستعير هنا للنار.
3. الدرك: الدرك واحد الأدراك، وهي منازل في النار.
أن الله قد يعطي الكافر عوضا من أعماله التي مثلها يكون قربة لأهل الإيمان بالله تعالى؛ فقد نفع أبا طالب نصرته للنبي ﷺ وحياطته له التخفيف الذِي لو لم ينصره في الدُّنيا لم يخفف عنه.
عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) متفق عليه.
١- أن النار -أعاذنا الله منها- موجودة الآن لا أنها تخلق يوم القيامة.
٢- أن الشكوى تتصور من جماد ومن حيوان أيضًا كما جاء في معجزات النَّبي ﷺ - شكوى الجذع وشكوى الجمل وغيرهما.
٣- شدة حرارة النار -أجارنا الله منها- حتى إنها لم تطق حرارة نفسها، فكيف بمن يعذب فيها.
عَنْ أَبِي هُرَيرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. قَالَ: (فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا) متفق عليه.
١- أن نار جهنم تزيد شدة حرارتها عَلَى نار الدُّنيا بتسعة وستين ضعفًا، وأن نسبة الحرارة الموجودة في نار الدُّنيا كنسبة واحد إلى سبعين من نار الآخرة.
٢- أن نار الدُّنيا مخلوقة من نار الآخرة، إلا أنها خُفِّفت عنها مرات كثيرة جدًا.
٣- أن النار مخلوقة الآن لا أنها تخلق يوم القيامة.
عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. يَقُولُ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ، أي: فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" متفق عليه.
1. تندلق: تخرج.
2. أقتاب: أمعاء.
وعيدٌ شديد لمن خالف قوله: فعله، وأنَّ العذاب يُشَدَّدُ عَلَى العالِم إذا عصى أعظم من غيره، كما يضاعف له الأجر إذا عمل بعلمه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبي ﷺ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ؛ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنيا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنيا - فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟). فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يُقَالُ: ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. متفق عليه.
بيان سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ) رواه مسلم.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ_ رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا) متفق عليه.
بيان شِدَّةِ عذابِ النّارِ- سَلَّمنا اللهُ تعالى منها.
نهاية الكتاب
اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد شيئًا
وصلى الله وسلم عَلَى نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين