الواقع الإيجابي بين المجتمعات المسلمة
الكاتب : سعود بن إبراهيم الشريم
نبذة مختصرة
الواقع الإيجابي بين المجتمعات المسلمة: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - في المسجد الحرام يوم الجمعة 28- 6- 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن بث روح الثبات على الدين وآداب المغالبة والمدافعة على الشدائد، وتقبُّل الفتن والرزايا بروح الراضي بقضاء ربه الواثق بإنجازه وعده، وحثَّ المسلمين على وجوب التحاب والتراحم والتعاطف فيما بينهم مثلهم كمثل الجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وذلك تنفيذًا لأمر الله - جل وعلا - بالاعتصام وعدم التفرق.
- 1
الواقع الإيجابي بين المجتمعات المسلمة
PDF 2.9 MB 2019-05-02
- 2
الواقع الإيجابي بين المجتمعات المسلمة
DOC 1.3 MB 2019-05-02
تفاصيل
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -، فتقواه خير زادٍ ليوم المعاد.
إخوة الإسلام:
الخير كلُّ الخير في التفقُّه في الدين ومعرفة أحكام ربِّ العالمين؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْه في الدين»، وإن مما يجبُ على المسلم معرفته والعناية بقواعده وضوابطه أحكام الطلاق، تلك الأحكام التي يجهلها كثير ويخالفها بعض، فيقع حينئذٍ في حرجٍ كبيرٍ، وعَنَتٍ شديدٍ، يتصيَّد معه الفتاوى لإصلاح الحال.
معاشر المسلمين:
وهذه وقفاتٌ يسيرةٌ في مجمل أحكام الطلاق بيَّنَها القرآن وسنةُ سيِّد ولد عدنان:
أولها: أن اللجوء إلى الطلاق آخر الحلول، فينبغي البُعد عنه ما أمكن لما يترتَّب عليه من المفاسد الكثيرة، والأصل في الحياة الزوجية في الإسلام النظرُ للجوانب الحسنة، والتغافُل عن الصفات السيئة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منها خُلقًا رَضِيَ منها آخر»؛ رواه مسلم.
ولهذا نصَّ الفقهاء على أن الطلاق مُباحٌ للحاجة، كسوءِ خُلُق المرأة أو التضرُّر بها، وأنه مكروهٌ لعدم الحاجة، ومُستحبٌّ إذا تضرَّرَت المرأةُ باستدامة النكاح.
ثاني الوقفات: لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غيرما بأسٍ، من غير مضرَّةٍ لها لا تُحتَمل، أو مفسدةٍ لا تُغتَفَر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أيّما امرأةٍ سأَلَت زوجَها الطلاق من غير بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنة»؛ صحَّحه جماعةٌ من المُحقِّقين.
الثالثة: أن صفة الطلاق المشروعة: أن يُطلِّق الرجلُ زوجَتَه المدخول بها طلقةً واحدةً في طُهرٍ لم يَمسَسها فيه، أو أن يُطلِّقها حاملًا، ثم يتركها بعد ذلك حتى تنقضي عِدَّتها إن لم يرغب في مراجعتها؛ فلا يجوز التطليق في حال حيضٍ أو نِفاسٍ، أو في طُهرٍ جَامَعَ فيه ما لم تكن حاملًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1 ]، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «أي: طاهرات من غير جماع».
وفي «الصحيحين» - واللفظ لمسلم - أن ابن عمر - رضي الله عنهما - طلَّقَ امرأتَه وهي حائض، فسأل عمرُ عن ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «مُرْه فليُراجِعها، ثم ليُطلِّقها طاهرًا أو حاملًا».
إخوة الإسلام:
كما لا يجوز جمعُ الطلقات الثلاث في كلمة واحدة، كقوله: أنت طالقٌ بالثلاث، أو أنت طالق ثلاثًا، وكذا لا يجوز تكرار الطلاق ثلاث مرات أو مرتين في مجلسٍ واحدٍ سواءً كان مدخولًا بها أو غير مدخولٍ بها.
في «سنن النسائي» - ورجاله ثقات - من حديث محمود بن لبيد قال: أُخبِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجلٍ طلَّق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام - صلى الله عليه وسلم - غضبان فقال: «أيُلعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!».
وفي «الصحيحين»: أن ابن عمر عدَّ ذلك معصيةً لله - جل وعلا -، أما مَنْ لم يدخل بها من النساء فيجوز طلاقها حائضًا أو طاهرًا؛ لأنها لا عِدَّة عليها كما نصَّ على ذلك القرآن الكريم.
الرابعة: يحرُم الهَزل والمِزَاح بالطلاق ويقع بذلك عند أهل العلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزْلُهنَّ جِدٌّ: النكاح، والطلاق، والرجعة»؛ وهو حديثٌ حسن.
الخامسة: انعَقَدَ الإجماع على أنه إذا طلَّق الرجل بعد أن دخل بالمرأة أو خَلَا بها، ولم يكن الطلاق على عِوضٍ ماليٍّ فله عليها الرجعة حينئذٍ ما دامَت في عِدَّتها، ولا يعتبر رضاها في الرجعة ولا علمها، والرجعية ما دامت في العِدَّة فلها ما للزوجات من نفقةٍ أو كسوةٍ أو سكنٍ، وعليها حكمُ الزوجات من لزوم السكن، ويحرُمُ إخراجها منه حتى تنتهي العدة لكن لا قَسم لها، ويلحقها طلاقه عند أكثر أهل العلم، وترِثُه - إن مات في العِدَّة – بالإجماع، وتحصُلُ الرجعة باللفظ كـ (راجَعْتُ زوجتي)، وتحصل بالفعل وهو الوطء ولو لم ينوِ به الرجعة على الصحيح من أقوال أهل العلم، ويُسنُّ الإشهادُ على الرَّجْعة، وترجِعُ إليه بما بقي من عدد الطَّلَقَات الثلاث، فمثلًا: إذا طلَّقَها طلقةً ثم راجَعَها بقِيَ له طلقتان.
معاشر المسلمين:
وأما غيرُ المدخول بها أو غير المخلِيّ بها فتَبِينُ بَيْنُونةً صغرى بطلقةٍ ولا عِدَّةٍ عليها، وكذا المُطلَّقة على مال - وهي المُختَلِعَة -، وكذا الرجعية التي انتهَت عِدَّتها قبل أن يُراجِعها زوجُها، ففي مثل هذه الحالات الثلاث لا تحِلُّ لمُطلِّقها إلا بنكاحٍ جديد تتوفَّر فيه شروطُ الصحة؛ لأنه حينئذٍ يُصبِح خاطبًا من الخطَّاب، والبائنُ بينونةً صغرى إذا طلَّقَها اثنتين ثم تزوَّجَها مرةً أخرى رَجَعَت إليه بطلقةٍ واحدةٍ، وإن طلَّقَها واحدةً ثم تزوَّجَها رَجَعَت إليه بطلقتين، صحَّ ذلك عن عمر، وعن علي، وعن غيرهما من الصحابة.
قال الإمام أحمد: هذا قول الأكابر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مذهبُ أهل الحديث، ومذهب الشافعي، ومالك.
وأما إذا تزوَّجَها بعد أن تزَوَّجَت غيره ولم يُصِبها الزوج الثاني، فلا يملك الأول إلا ما بقي من طلاقها عند الجميع، وهذه المسألة تُسمَّى: مسألة الهدم في الطلاق.
السادسة: أن الرجل إذا طلَّق الثالثة - حسبما ورد في الطلاق المشروع - فلا تحِلُّ له حتى تنكِح غيره نكاحَ رغبةٍ لا تحليلٍ، ويُصيبَ منها المسيسَ المعروف عند الناس، كما نصَّ على ذلك القرآن والسنة المطهرة.
السابعة: أنه لا ينبغي الحلف بالطلاق للحَثِّ على فعل شيءٍ، أو المنع منه، أو التصديق لشيءٍ، أو التكذيب منه، أو التكذيب به، كأن يقول: إن فعلتَ كذا فعليَّ الطلاق، أو إن لم تفعلي فعليَّ الطلاق، وكذا لا يجوز التحريم لما أحلَّ الله كقوله: إذا فعلتِ كذا فأنتِ عليَّ حرامٌ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1 ].
وحينئذٍ من حَصَلَ منه هذا الحلف أو هذا التحريم فعليه أن يستفتِيَ مَن يثِقُ بدينه وعلمه وتقواه؛ لأن مثل هذه المسائل لها أحكامٌ تخُصُّها من حيث وقوع الطلاق وعدمه، يٌقرِّرُها أهل العلم بعد الاستفصال والاستيضاح من المُطلِّق.
الوقفة الثامنة: ليس على الولد طاعة والده أو والدته في طلاق زوجته بدون سببٍ وجيهٍ شرعًا كأذاها لهما، أو وقوع جُرْمٍ منها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطاعةُ في معروف».
الوقفة الأخيرة: بعضُ الناس يُوسوِسُ له الشيطان أنه طلَّق ولم يُطلِّق في نفس الأمر بلفظٍ مسموعٍ، أو بكتابةٍ معروفةٍ، فإذا لم يوجَد غالبُ ظنٍّ أو جزمٍ بوقوع الطلاق منه بلفظٍ أو كتابةٍ، وإنما هي شُكُوكٌ وأوهامٌ عنده، فالطلاقُ لا يقعُ بالشك حينئذٍ، ومن نَوَى التطليق بقلبه ولم يتلفَّظ بلسانه فلا يقع بالنيَّة المجردة شيءٌ كما قرَّر ذلك أهل العلم.
فاتقوا الله - عباد الله -، والتزِمُوا حدوده واحذروا من المجاوزة والتعدِّي؛ فربُّنا - جلَّ وعلا - يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229 ].
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله العليُّ الأعلى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ المصطفى، اللهم صلَّ وسلم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه الأتقِيَا.
أمة الإسلام:
جراحاتُ الأمة الإسلامية كثيرةٌ في عالم ضَاعَت فيه المقاييس، وانقَلَبَت فيه الموازين، وغابَت معاييرُ الكرامة الإنسانية، وإن من أعظم المآسي على الأمة الإسلامية الحِصار المضروب على غزةَ العزيزة بإذن الله، وما حَدَثَ قبل أيام لقوافل المساعدات الإنسانية ليس بخافٍ على أحدٍ من العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبُنا ونعم الوكيل.
وإن الواجب على المسلمين أن ينهَضُوا من سُباتهم، وأن يعلموا أن التمسُّك بعقيدة التوحيد الخالص وإخلاص الطاعة لله - جل وعلا - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - هو المُنقِذُ - بعد الله - لما تمُرُّ به الأمة من هوانٍ وضعفٍ، وعلى المسلمين في كل مكان أن يعتَصِمُوا بحبل الله، وأن ينبذوا عنهم التفرُّق المذموم، والصِّدَام الذي لا يخدم إلا الأعداء.
وعلى المسلمين أن يُقدِّموا لإخوانهم المنكوبين في فلسطينَ وفي كل مكان كلَّ ما يقدرون عليه من العون المادي والمعنوي، وأن يتوجَّهوا إلى المولى - جل وعلا - بالدعاء لإخوانهم بالنصر والتمكين، ورفع الكُرَب وتفريج الهموم، وعلى الحكام أن يتَّقُوا الله - جل وعلا - وأن يقومُوا بمسئوليتهم تجاه الإسلام وأهله؛ فهم أمام الله مسئولون، وعن تفريطهم مُحَاكمون، في يومٍ لا ينفع فيه جاهٌ ولا مالٌ ولا بنون.
{إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبينا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن الآلِ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزُونك.
اللهم قوِّ شوكةَ المسلمين في كل مكان، اللهم قوِّ شوكة المسلمين في كل مكان، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم فرِّج همومَ إخواننا في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان، اللهم ارفع كُرباتهم، اللهم ارفع كُرباتهم، اللهم يسِّر أمورهم، اللهم يسِّر أمورهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكشف غُمَّتهم يا ذا الجلال والإكرام يا حيُّ يا قيوم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنَا عذاب النار.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه خدمة رعاياهم.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201 ].