تحريم التبرج والسفور والاختلاط والخلوة وسفر المرأة بدون مَحرم

نبذة مختصرة

تحريم التبرج والسفور والاختلاط والخلوة وسفر المرأة بدون محرم: خطبةٌ تتحدَّث عما عمَّت به البلوى بلاد المسلمين من تبرج النساء واختلاطهن بالرجال، وسفرهن بدون محارمهن، وأن ذلك من أسباب العقوبات والمحن والبلايا التي تنزل بالأمة.

تنزيــل
أرسل ملاحظة

تفاصيل

    تحريم التبرج، والسفور، والاختلاط، والخلوة، وسفر المرأة بدون محرم

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

    فاتقوا الله يا عباد الله، كما أمركم ربكم تبارك وتعالى بقوله:

    ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[([1]).

    عباد الله، لا يخفى على الكثير منكم ما عمت به البلوى في كثير من البلدان، من تبرج الكثير من النساء (وهو إظهار المرأة زينتها)([2]) ، وسفورهن (والسفور هو كشف المرأة وجهها)([3])، وعدم تحجبهن من الرجال (والحجاب هو ستر المحاسن والزينة عن الرجال غير المحارم)، واختلاطهن بغير المحارم، والخلوة المحرمة، وسفر المرأة بدون محرم، وإبدائهن لكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها.

    ولا شك ان ذلك من المنكرات العظيمة، والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب العقوبات، ونزول النقمات؛ لما يترتب على ذلك من ظهور الفواحش، وارتكاب الجرائم، وقلة الحياء، وعموم الفساد، سواء كان ذلك في الجامعات، أو المدارس، أو المستشفيات، أو الأسواق المختلطة، أو غير ذلك.

    فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب، والتستر، وعدم الاختلاط بغير المحارم، وعدم السفر بدون محرم، واحذورا غضَبَ الله I، وعظيم عقوبته، فعن قَيْسٍ بن أبي حازم قَالَ: قَامَ أبو بَكْرٍ t، فَحَمِدَ اللَّهَ ﷻ‬، وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ وَلا يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ اللَّهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ))([4]).

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬: « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ». ثُمَّ قَالَ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ: « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا » وفي رواية زَادَ: «أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ »([6]).

    وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ))([7]).

    وعن أبي سعيد t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))([8]).

    وقد أمر الله I في كتابه الكريم بتحجب النساء، ولزومهن البيوت، وحذر من التبرج، والخضوع بالقول للرجال، صيانة لهن عن الفساد، وتحذيراً لهن من أسباب الفتنة، فقال تعالى: ]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[([9]).

    فقد نهى الله I في هذه الآيات نساء النبي الكريم، أمهات المؤمنين، وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال، و هو تليين القول وترقيقه؛ لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك، وأمر بلزومهن البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو إظهار الزينة والمحاسن: كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا. وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة – مع صلاحهن، وإيمانهن، وطهارتهن – فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار، والخوف عليهن من أسباب الفتنة. ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: : ]وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[. فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي ﷺ‬ ولغيرهن([10]).

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا([12]).

    وعن جرير بن عبد الله البجلي t قال:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ عَنْ نَظْرِ الْفَجْاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي([13]).

    وعن بريدة t قال: قال رسول الله ﷺ‬ لعلي بن أبي طالب: ((يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ))([14]).

    عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسيول الله ﷺ‬: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ))([15]).

    وعن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ))([16]).

    وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ‬ قال: ((كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ))([17]).

    قال بعض السلف: النظر سهمُ سم إلى القلب([18]).

    وما أحسن ما قال القائل:

    كل الحوادث مبدؤها من النظر

    ومعظم النار من مستصغر الشرر

    المرء ما دام ذا عين يقلبها

    في أعين الغير موقوفاً على الخطر

    وقد قيل: من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته([19]).

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    وقال I: ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [([21]).

    لما أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ[ عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، ]وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ[ من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. ]وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ[ كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: ]إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[ أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، ]وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[ وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: ]إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ[ أي: أزواجهن ]أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ[ يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا ]أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن[ ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا ]أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ[ أشقاء، أو لأب، أو لأم ]أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ[ أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقاً، ويحتمل أن الإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية.

    ]أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ[ فيجوز للمملوك إذا كان كله للأنثى، أن ينظر لسيدته، ما دامت مالكة له كله، فإن زال الملك أو بعضه، لم يجز النظر. ]أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ[ أي: أو الذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة، كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة، لا في فرجه، ولا في قلبه، فإن هذا لا محذور من نظره.

    ]أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[ أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء.

    ]وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ[ أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ[ لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح، فقال: ]لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهراً وباطناً، إلى: ما يحبه ظاهراً وباطناً، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعاً، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ[ أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة([22]).

    وقال تعالى: ] وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [([23]).

    وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ أي: اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة ]اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا[ أي: لا يطمعن في النكاح، ولا يطمع فيهن، وذلك لكونها عجوزاً لا تشتهى، أو دميمة الخلقة لا تشتهي ولا تشتهى ]فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ[ أي: حرج وإثم ]أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ[ أي: الثياب الظاهرة، كالخمار ونحوه، الذي قال الله فيه للنساء: ]وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[ فهؤلاء، يجوز لهن أن يكشفن وجوههن لآمن المحذور منها وعليها، ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب، ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء، دفع هذا الاحتراز بقوله: ]غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ[ أي: غير مظهرات للناس زينة، من تجمل بثياب ظاهرة، وتستر وجهها، ومن ضرب الأرض برجلها، ليعلم ما تخفي من زينتها، لأن مجرد الزينة على الأنثى، ولو مع تسترها، ولو كانت لا تشتهى يفتن فيها، ويوقع الناظر إليها في الحرج ]وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ[.

    والاستعفاف: طلب العفة، بفعل الأسباب المقتضية لذلك، من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة، ]وَاللَّهُ سَمِيعٌ[ لجميع الأصوات ]عَلِيمٌ[ بالنيات والمقاصد، فليحذرن من كل قول وقصد فاسد، وليعلمن أن الله يجازي على ذلك([24]).

    وقال سبحانه: ] وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ [([25]).

    ]مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[ أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه.

    فصار النظر إليهن ممنوعًا بكل حال، وكلامهن فيه التفصيل، الذي ذكره اللّه، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: ]ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[ لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه.

    فلهذا، من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته، ممنوعة، وأنه مشروع، البعد عنها، بكل طريق([26]).

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    لما ذكر أنهن لا يسألن متاعًا إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عامًا [لكل أحد] احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، وأنه ]لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ[ في عدم الاحتجاب عنهم.

    ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن إذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولا خالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال، مقدمة، على ما يفهم من هذه الآية.

    وقوله: ]وَلا نِسَائِهِنَّ[ أي: لا جناح عليهن ألا يحتجبن عن نسائهن، أي: اللاتي من جنسهن في الدين، فيكون ذلك مخرجًا لنساء الكفار، ويحتمل أن المراد جنس النساء، فإن المرأة لا تحتجب عن المرأة. ]وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ[ ما دام العبد في ملكها جميعه.

    ولما رفع الجناح عن هؤلاء، شرط فيه وفي غيره، لزوم تقوى اللّه، وأن لا يكون في محذور شرعي فقال: ]وَاتَّقِينَ اللَّهَ[ أي: استعملن تقواه في جميع الأحوال ] إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا[ يشهد أعمال العباد، ظاهرها وباطنها، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم، ثم يجازيهم على ذلك، أتم الجزاء وأوفاه([28]).

    وقال جل وعلا: ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[([29]).

    هذه الآية، التي تسمى آية الحجاب، فأمر اللّه نبيه، أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره] ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا[.

    أن ]يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ[ وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي: يغطين بها، وجوههن وصدورهن.

    وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة.

    وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدةَ السّلماني عن قول الله تعالى: ]يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ[ ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.

    وقال عكرمة: تغطي ثُغْرَة نحرها بجلبابها تدنيه عليها.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    ومما يدل على تغطية الوجه حديث عائشة رَضْيَ اللَّهُ عَنْهَا في قصة الإفك، وفيه أنها قالت: ((... وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي))([31]).

    ويدل على ذلك أيضاً حديث أنس t عن زواج النبي بصفية أم المؤمنين أنه ﷺ‬ حجبها عندما تزوجها بعد غزوة خيبر، ففي الحديث: ((وقال الناس: لا ندري أتزوجها، أم اتخذها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها، فقعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه قد تزوجها...))([32]).

    وعن عبد الله بن مسعود t: أن النبيَّ ﷺ‬ قال: «المرأةُ عورة، فَإِذا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشيطانُ))([33]). ولفظ ابن خزيمة: في صحيحه: ((إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها))([34]).

    وقالت عائشة رضي الله عنها: ((كان الركبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ‬ محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه))([35] وعن فاطمة بنت المنذر رحمها الله قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر))([36]).

    ثم ذكر حكمة ذلك، فقال: ]ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ[ دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن، وربما استهين بهن، وظن أنهن إماء، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    وخلوة المرأة بالرجال غير المحارم محرمة، فعن: عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((...لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ))([38]).

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((لاَ يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلاَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ))([39]).

    وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتُ، رءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا))([40]).

    وسفرها بدون مَحْرم مُحرّم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ‬: ((لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: ((اخْرُجْ مَعَهَا)). وفي لفظ لمسلم: ((لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ تُسَافِرْ إلاَّ مَعَ ذي مَحْرًمٍ) فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ((انْطَلِق فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ)) ([41]). فلا يجب على المرأة أن تسافر للحج، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج، أو ذي محرم([42])؛ لكن لو حجت المرأة بغير محرم، أجزأته الحجة عن حجة الفرض، مع معصيتها، وعظيم الإثم عليها([43]).

    واختلاط المرأة بالرجال الأجانب محرّم؛ فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه، والتجول سافرة، لم يحصل منها حياء، ولا خجل من مزاحمة، وفي ذلك فتنة كبيرة، وفساد عريض، وقد خرج النبي ﷺ‬ ذات يوم من المسجد، وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال النبي ﷺ‬: ((اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ)). فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ([44]).

    ويجب على العبد أن يغار لدين الله تعالى، وينكر المنكر بالحكمة، والأسلوب الحسن.

    عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬، فَقَالَ: ((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ))([45]).

    والغيرة صفة كمال.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    وعن أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬: ((إِنَّ اللهَ ﷻ‬ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللهُ ﷻ‬ عَلَيْهِ))([47]).

    وقال أَبو هُرَيْرَةَ t: ((بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ جُلُوسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬: ((بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا))، فَبَكَى عُمَرُ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ))([48]).

    قال ابن القيم رحمه الله: والغيرة منزلة شريفة عظيمة جداً، جليلة المقدار... والغيرة أيضاً نوعان: غيرة العبد من نفسه على نفسه، كغيرته من نفسه على قلبه، ومن تفرقته على جمعيته، ومن إعراضه على إقباله، ومن صفاته المذمومة على صفاته الممدوحة، وهذه الغيرة خاصية النفس الشريفة الزكية...

    ثم الغيرة أيضاً نوعان: غيرة الحق تعالى على عبده، وغيرة العبد لربه لا عليه.

    1- فأما غيرة الرب على عبده فهي أن لا يجعله للخلق عبداً...

    2- وغيرة العبد لربه نوعان أيضاً:

    أ- غيرة من نفسه، وغيرة من غيره، فالتي من نفسه أن لا يجعل شيئاً من أعماله، وأقواله، وأحواله، وأوقاته، وأنفاسه لغير ربه.

    ب- والتي من غيره: أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون، ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون([49]).

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المؤمنين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، وامنعوا نساءكم من التبرج، والسفور، والاختلاط، والخلوة بغير المحارم، وسفر المرأة بدون محرم، سواء كان ذلك عن طريق الطائرات، أو السيارات، أو القطارات، أو أي وسيلة من وسائل النقل، فلا يجوز للمرأة المسلمة السفر إلا مع محرم، لا للدراسة، ولا للعلاج، ولا للحج، ولا للعمرة، ولا لأي أمر أخر، واحذروا مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فإن ذلك يسبب غضب الله ﷻ‬، وانتقامه.

    فقد قال I: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا[([50]).

    وقال ﷻ‬: ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[([51]).

    وقال جل شأنه: ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[([52]).

    وقال عز من قائل: ]فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[([53]).

    وقال I: ]وَمَا آتـَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[([54]).

    وقال سبحانه: ]قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ[([55]).

    هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير الخلق نبينا محمد ﷺ‬، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وارضَ عن أصحابه أبي بكرٍٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، ودمِّر أعداءَك أعداء الدين، اللهم أذلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادَكَ الموحدين، اللهم وفق ولاة امرنا إلى كل خير، اللم اللهم من أرادنا وأراد دينَنَا وبلادنا، وولاة أمرنا بسوءٍ فاجعل كيدَهُ في نحرِهِ، واخذلهُ واقطع آماله، وأنزل الرُّعب في قلبه. ﴿ !$sY­/u‘ $sYÏ?#uä ’Îû $u‹÷R‘‰9$# ZpuZ|¡xm ’Îûuﷺ‬ Ïou½zFy$# ZpuZ|¡xm $sYÏ%uﷺ‬ z>#x‹tã ͑$¨Z9$# ﴾.

    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات واغفر لموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين.

    عباد الله ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مختارات من خطب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    ([1]) سورة آل عمران، الآية: 102.

    ([2]) محتار الصحاح، مادة (برج).

    ([3]) مختار الصحاح، مادة (سفر).

    ([4]) مسند أحمد، برقم 16 بلفظه، وبرقم 29، وقال الشيخ الأرناؤوط: ((إسناده صحيح على شرط الشيخين)).

    ([5]) سورة المائدة، الآيتان: 78 – 79.

    ([6]) سنن أبي داود، برقم 4338، و4339، والترمذي، برقم 3047. وحسنه الترمذي، ووافقه النووي في رياض الصالحين، وأحمد، والطبراني، والبزار بألفاظ متقاربة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 7 / 269: ((رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح) وفي 7/ 270: قال ((رواه أحمد والبزار والطبراني وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح)).

    ([7]) مسند أحمد، برقم 23301، قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2313: ((حسن لغيره)) ، وصححه في صحيح الترمذي، 2/ 420، وقال شعيب الأناؤوط في تعليقه على المسند: ((حسن لغيره))، وهو عند الترمذي، برقم 2169، وابن ماجه، برقم 4006، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

    ([8]) صحيح مسلم، برقم 49.

    ([9]) سورة الأحزاب، الآيتان: 32 ، 33.

    ([10]) حكم السفور والحجاب لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، ص 4.

    ([11]) سورة النور، الآية: 30.

    ([12]) تفسير ابن كثير، 10/ 212 (ط عالم الكتب).

    ([13]) صحيح مسلم، برقم 2159.

    ([14]) نسنن ابي داود، برقم 2151، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 403.

    ([15]) متفق عليه: البخاري، برقم 2465، ومسلم، برقم 2119.

    ([16]) متفق عليه: البخاري، برقم 5232، ومسلم، 2172.

    ([17]) مسلم، برقم 2657.

    ([18]) مختصر ابن كثير للرفاعي، 3/ 257.

    ([19]) مختصر ابن كثير للرفاعي، 3/ 257.

    ([20]) الترمذي، برقم 2786، وقال عنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي: حسن، وفي غير الترمذي: ((إذا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ على القوم لِيَجِدُوا رِيحَهَا فهى زَانِيَةٌ))،صحيح الجامع، 1/ 148، حسنه، وعزاه لابن خزيمة وغيره عن أبي موسى.

    ([21])سورة النور، الآية: 31.

    ([22]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 566.

    ([23]) سورة النور، الآية: 60.

    ([24]) تيسير الكريم الرحمن، ص 574.

    ([25]) سورة الأحزاب، الآية: 53.

    ([26]) تيسير الكريم الرحمن، ص 670.

    ([27]) سورة الأحزاب، الآية: 55.

    ([28]) تيسير الكريم الرحمن، ص 671.

    ([29]) سورة الأحزاب، الآية: 59.

    ([30]) كل هذه الآثار ذكرها ابن كثير في تفسيره، 11/ 242. (ط دار عالم الكتب).

    ([31]) البخاري، برقم 4141، ومسلم، برقم 2770.

    ([32]) البخاري، برقم 4212، ورقم 4213، ومسلم، برقم 1365.

    ([33]) سنن الترمذي، برقم 1173، وصححه اللأباني في صحيح سنن الترمذي، 3 / 173، وفي المشكاة (3109) ، الإرواء ( 273 ) ، التعليق على ابن خزيمة ( 1685 )

    ([34]) صحيح ابن خزيمة، 3 / 93، برقم 1685. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 83.

    ([35])أبو داود، برقم 1835، وأحمد، 6/30، وفي سنده يزيد بن أبي زياد القرشي، وحسن إسناده الأرنؤوط لشاهده عند الحاكم، وسيأتي. انظر: شرح السنة للبغوي، 7/240. وصححه الألبباني في مشكاة المصابيح، برقم 2690. وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: (حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة)، ص33: ((وهو حديث صحيح مخرج في " الحجاب " ( ص 50 ))). مع أنه رحمه الله ضعفه في ضعيف سنن أبي داود، برقم 1833، وغيره. وكان شيخنا ابن باز رحمه الله يرى بأن الحديث ثابت.

    ([36]) الموطأ، 1/328، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/454، وقال الألباني في إرواء الغليل، 4/212: ((إسناده صحيح) وانظر: جامع الأصول، 3/31.

    ([37]) تيسير الكريم الرحمن، ص 672.

    ([38]) مسند أحمد، برقم 114، والترمذي، برقم 2165، والنسائي في الكبرى، برقم 9225، وقال عنه الشيخ الأرناؤوط في مسند أحمد: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير علي بن إسحاق - وهو المروزي - فقد روى له الترمذي ، وهو ثقة)).

    ([39]) مسلم، برقم 2173.

    ([40]) مشلم، برقم 2129.

    ([41]) متفق عليه: البخاري، برقم 3006، ومسلم، برقم 1341.

    ([42]) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 1/ 172.

    ([43]) المرجع السابق، 1/ 182.

    ([44]) سنن أبي داود، برقم 5274. وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 856.

    ([45]) البخاري، برقم 7416، ومسلم، برقم 1499.

    ([46]) البخاري، برقم 4634، ومسلم، برقم 2760، واللفظ له.

    ([47]) البخاري، برقم 5223، ومسلم بلفظه، برقم 2761.

    ([48]) البخاري، برقم 5227، ومسلم، برقم 2395.

    ([49]) مدارج السالكين، 3/ 43.

    ([50]) سورة الأحزاب، الآية: 36.

    ([51]) سورة النساء، الآية: 59.

    ([52]) سورة النور، الآية: 63.

    ([53]) سورة النساء، الآية: 65.

    ([54])سورة الحشر، الآية: 7.

    ([55])سورة النور، الآية: 54.