حسن الخلق معالمه وآثاره
الكاتب : صالح بن عبد الله بن حميد
نبذة مختصرة
حسن الخلق معالمه وآثاره: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - في المسجد الحرام يوم الجمعة 19/ 3/ 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن بيان أهمية حسن الخلق، وطبيعته، وآثاره، وارتباطه الوثيق بالدين والتدين، والأدلة الواردة في ذلك، ثم بعض حقائق حسن الخلق التي يغفل عنها الناس.
- 1
PDF 5.5 MB 2019-05-02
- 2
DOC 1.6 MB 2019-05-02
تفاصيل
الخطبة الأولى
الحمد لله القائم على النفوس بآجالها، العالم بتقلُّباتها وأحوالها، أجرى على الخلق ما شاء بقدرته ومشيئته، ونفَذَت فيهم أحكامه بتقديره وإرادته، أحمده - سبحانه - وأشكره على سوابغ فضله، وجزيل نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا مُعقِّب لحكمه ولا مُنتهَى لحكمته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد االله ورسوله، بَعَثَه على حين فترةٍ من الرسل ودروسٍ من السبل فرَحِمَ العالمين ببعثته، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى أصحابه وعترته والتابعين ومن تَبِعَهم بإحسان، وسارَ على منهاجه وسنَّته، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوا الله - رحمكم الله -، الزَموا التقوى بينكم وبين الله، والزَموا المجاهدة بينكم وبين أنفسكم، والزَموا التواضع بينكم وبين الناس، والزَموا الزهد بينكم وبين الدنيا، واعلموا أن الرحمة بالخلق باب الرحمة من الخالق، فالراحمون يرحمهم الرحمن، وتزيَّنوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18 ]؛ فقد خفَّ الحسابَ في الآخرة على من حاسَبُوا أنفسهم في الدنيا، وثقُلَت موازين قومٍ في الآخرة، وزِنُوا أنفسهم في الدنيا، ومُحاسَبة النفس - رحمكم الله - تكون بالورع والتزيُّن للعرض الأكبر بخشية ملكِ الملوك لا إله إلا هو.
أيها المسلمون:
الأُخُوَّة بين أهل الإسلام صلةٌ عظيمةٌ قائمةٌ على الارتباط الوثيق إخاءٌ تزدَهِرُ فيه عراقةُ النسب الإنساني مُرتبطة بحقائق الرسالة الإسلامية، وما تفرِضُه هذه الحقائق من مشاعر ومناهج ومباهج، الأُخُوَّة هي روحُ الإسلام، ولُبُّ نظمه وشرائعه، وجِماعُ جماعته وحكومته، إخاءٌ على الوفاء بتعاليم الإسلام، والقيام على أحكامه، وإنفاذ وصاياه، والتزام أخلاقه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103 ].
إن دين الإسلام - بعقائده وعباداته وأخلاقه - جاء لينقل البشر والنفس البشرية إلى ميادين فسيحة، وعوالم مشرقة من الفضائل والآداب، وفي المقابل؛ فإن علوم الدين وأحكامه وتعاليمه تضمر وتضعف إذا غلب الهوى، وطغى الانحراف، وساد ظلم النفوس وظلم العباد.
إن المرء لا يُوصَف بحسن التديُّن إذا كان قلبه قاسيًا، وعقله غاضبًا، ولا يُوصَف بحُسن الصلاح مَن أفسَدَ قلبه الهوى، وعَبَثَت بقلبه الخرافة، التديُّنُ الصالحُ أساسه صحة أجهزة الإنسان - قلبه وعقله ونفسه وجوارحه -، وبراءتها وسلامتها من التشويه والانحراف: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30 ]، {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22 ].
والعبادات تبلغ ذروتها إذا أنتجت الخلق العالي، والسلوك المستقيم: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45 ]، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103 ]، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197 ].
إن محور العبادات هو تزكيةُ النفس، وإخلاصُ السريرة، وتحقيق معنى الخضوع الحق لله ربّ العالمين؛ فلا نجاةَ ولا صلاحَ ولا نجاحَ ولا فلاحَ إلا بصدق العبودية لله، وحُسن المعاملة مع خلق الله.
من هو هذا المتدين الذي يقوم بعباداته وهو كالح الوجه، بادِيَ الشرّ، قريب العدوان؟! كيف يكون التديُّن والصلاح إذا كانت رذائل الأخلاق تزخَر في النفوس، وتمتَلِئ بها الصدور ليظهر ضررها، ويبدو خطرها؟!
ولقد علمتم أن المُفلِس في دين الإسلام: «مَنْ يأتي بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ، ويأتي وقدْ شَتمَ هذا، وقَذفَ هذا، وأَكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضَربَ هذَا؛ فيُعْطَى هذا مِنْ حسناتِهِ، وهَذا من حَسَناتِه، فإنْ فَنِيَتْ حسناتُهُ، قَبلَ أنْ يُقْضَى مَا علَيهِ أُخِذَ مِنْ خطاياهُمْ، فطُرِحتْ عليه ثمَّ طُرِحَ في النَّار»؛ حديثٌ صحيحٌ أخرجه الإمام مسلم.
أيها المسلمون:
إن إحياء الدين في النفوس وإحياءه في السلوك بإحياء أخلاقه وتوجيهاته يجب أن تُجلِّي حقائق الإيمان جواهر السلوك كما يُجلِّي العبادات ذاك السلوك: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45 ].
الأخلاق في الإسلام - عباد الله - من أصول الحياة الطيبة، يقول الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «أصل الإيمان وفرعه بعد الشهادتين والفرائض: صدقُ الحديث، وحفظُ الأمانة، والوفاءُ بالعهد، وصلةُ الرحم، والنصيحةُ للمسلمين».
بل قال أهل العلم: «الدين كله خُلُق، فمَن زادَ عليك في الخُلُق زادَ عليك في الدين»، الدينُ هو الذي يرسُمُ قواعدَ الأخلاق، ويُحدِّد معالمها، ويضبِطُ مقاييسها، ويُمجِّدُ مكارمَها.
والأخلاقُ من غير دينٍ عَبَثٌ؛ فالدينُ والأخلاقُ صِنوان لا ينفصلان، وقد صحَّت الأخبارُ عن المصطفى المختار سيدنا ونبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ أحبَّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ أحسنهُم خُلُقًا»، و«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا»، و«َخَيرُ مَا أُعْطِي الإنْسانُ خُلُقٌ حَسَن»، والأقربُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة منه مجلسًا أحسنهم خُلُقًا: «وما من شيءٍ أثقلُ في ميزَانِ المؤمن يومَ القِيامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَن»، و«البرُّ حسنُ الخلُق»، وكرم المؤمن دينه، ومروءتُه عقلُه، وحَسَبُه خُلُقُه.
ولكي تتجلَّى لكم - أيها المسلمون - منزلةُ الأخلاق وأثرُها في ضبط السلوك ودورها في استقرار المجتمع، انظروا إلى الأحكام والقوانين، فعلى الرغم مما عُلِم وعُرِف من أهميتها وضرورتها - أي: الأحكام والقوانين - لتنظيم شئون الناس، وإحقاق الحق، ورفع التظالم، ولكنها لا تستقلُّ وحدها بضبط مسالك البشر؛ لأن الأحكام والقوانين مهما كان حزمها وصرامتها، ودقة تطبيقها، فسلطانُها على الظاهر لا على الباطن، وهي في العلاقات العامة دون الخاصة، وهي تُعاقِبُ المسيء لكنها لا تُثِيبُ المُحسِن، والتحايُل عليها يسير، وتطويعُ نصوصها والالتفافُ عليها مُستطَاع، والهروبُ من جزائها غيرُ عسيرٍ، وفي هذا كلّه مع أنها مؤيَّدة بقوة السلطان ووازِعِ الحكَّام.
وكم من نفوس إذا تجرَّدَت من الأخلاق من قُدُرات على الزور المُموّه، والباطل المُزيّن، والفساد المصبوغ بصبغةِ الصلاح، هذا هو شأنُ الأحكام والقوانين والنظم المجرَّدة، إذن فلا بد ثم لا بد للإنسان من التديُّن والأخلاق: «إذَا جاءَكُمْ مَنْ ترضَوْنَ دينَهُ وخُلقَهُ فزوِّجُوه إلا تفْعلُوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٍ كبِير»؛ أخرجه الترمذي بإسنادٍ حسنٍ. وبدون الدين لا تكون الأخلاق، وبدون الأخلاق لا يكون قانونٌ، ولا نظامٌ، ولا أحكامٌ.
معاشر الأحبة:
إذا كان الأمر كذلك؛ فإن مجامع الأخلاق ومحاسنها: الحياء، ونفع الناس، والصدق، والجد في العمل، واتقاء الأخطاء، واتقاء فضول القول والعمل، والبر، والوفاء، والصبر، والشجاعة، والإحسان، والشكر، والحلم، والعدل، والعفاف، والشفقة، وعفة اللسان والنفس، وسلامة الصدر والتسامح، وكرم اليد والنفس، والأناة، والرحمة، والتعاطف، والإنصاف من النفس، ومواساة الإخوان، أما التوسُّط والوسطية فمنشأُ جميعِ الأخلاق.
معاشر الإخوة:
حَسَنُ الخلق عفوٌّ كريمٌ، يكظِمُ غيظَه وهو قادرٌ على إمضائِه، ويعفُو وهو قادرٌ على الانتقام، يتسامَح وهو صاحبُ حقٍّ، لا يشغَل نفسَه بالخِصَام والعداوات؛ فالعمرُ عنده أعزُّ، والحياةُ لديه أغلى، والأُخُوَّةُ أثمَن.
حَسَنُ الخُلُق يُجسِّدُ الأُخُوَّة في الدين، والمشاركة في المُثُل العُلْيا، حَسَنُ الخُلُق سعيدٌ بنفسه وأهله، يدخل السرور على المحزون، ويمسح الدمع عن الباكي، وينير السبيل للحيران، ويهدي الضال، تعلوه بسمةٌ رقيقة، ويدٌ حانية، وقلبٌ شفوق، النفس الكريمة الخلوق، ترقع الفُتُوق، وتُكمل بخلقها النقائص، ويُشرِق نبلها من داخلها، فتُحسِنُ التصرُّف والمسير وسط دياجير الظلمات وتقلُّبَات الأعاصير.
صاحبُ الخُلُق الحسن مؤمنٌ برحمة ربه وعدله فيما قسم من حظوظ، وما وزّع من مواهب؛ فهو يُمسِي ويُصبِح سليمَ الصدر، نقيَّ الفؤاد، يدعو بدعاء الصالحين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10 ].
يستقبل يومه ويختمه: «اللهمَّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقِكَ فمِنكَ وحدَكَ لا شريكَ لك؛ فلك الحمدُ ولك الشكر»، يأخذ بالرحمة، ويدفع بالحسنى، يأمر بالمستطاع، ولا يكلف ما لا يُطاق.
وتأمَّلُوا هذه الجميلات الثلاث: الصبرُ الجميلُ، والصفحُ الجميلُ، والهجرُ الجميلُ، ولا تكون هذه الجميلات إلا لذي الخُلُق الجميل.
يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: «البرُّ شيءٌ هيِّن: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن»، ويقول عروة بن الزبير: «رُبَّ كلمة ذُلٍّ احتملتُهَا أورَثَتْني عزًّا لا يُطاول».
ويقول الأبشيهي: «يُستدَلُّ على رجَاحةِ عقل الرجلِ بمَيْلِه إلى محاسنِ الأخلاق، وإعراضِهِ عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسِبُه عارًا، أو يُورثه سوءَ سُمعة».
وبعد - رحمكم الله -:
فالأخلاق مِلاكُ الفرد، وقوامُ المجتمع السعيد، يُبقِي المجتمع راقيًا ما بقِيَت، ويذهب فانيًا ما ذهبت، وما الأمم إلا أخلاقها، وما الأقوام إلا بزاكي فعالها.
حُسْنُ الخلق يجعل المُرَّ حلوًا، ويحول التراب تِبرًا، والكدر صفوًا، والسقم نعمة، والشدة رحمةً، والعدو صديقًا، حُسنُ الخُلُق يُلين الحديد، ويُذِيبُ الحجر، ويبعث في النفوس الحياة، حُسْنُ الخلق - بإذن الله - هو الذي يبسط الرضا، وينشر الأمن، والصادقُ في خُلُقه هو من خَالَطَت قلبَهُ بشاشةُ الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34- 36 ].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أحمد لله حمدَ الشاكرين، وأُومِنُ به إيمانَ المُوقِنين، وأشكرُه على فضله المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُخلصًا له الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، وأصلي وأسلِّم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكل المسلمين يقولون، ويؤمنون بأن الإسلام دين الفضائل، وشرعة المكارم، يحب معالي الأمور، ويدعو إليها، ويكره سفاسفها، وينهى عنها، وكلهم يقول: ما من خُلُق كريم إلا وحثَّ عليه الدين، وما من خُلُق ذميمٍ إلا وحذَّرَ منه، ولكن - مع الأسف -؛ كم في المسلمين من لا يعرف إحسانًا ولا حنانًا، ولا رحمةً ولا عطفًا، ولا عفوًا ولا عدلًا، ولا صبرًا ولا حلمًا، فيهم من يقطع الأرحام، ويُسِيء الجوار، ومن لا يُوقِّرُ الكبير، ولا يرحمُ الصغير، ولا يسعَى على الأرملة واليتيم والمسكين، كم فيهم من يتعمَّد الكذب، ويخلف الوعد، ويستمرئ الخداع والغش، هذه صورة.
والصورة الأشد: أن بعض المسلمين عنده قصورٌ في فهم الدين وحقيقة التديُّن؛ فمن القصور والخلل: أن ترى بعض المسلمين يُحسِنُ الصلاة، ويحافظ عليها في الجماعة، ولكنه يُقصِّرُ تقصيرًا عظيمًا في باب المعاملات والتصرُّفات، وكأنه يقصُر الدين في هذه الصورة، والتديُّن في هذه العبادة.
إن من القصور البيِّن: أن يُنظَر إلى الأخلاق وحسن السلوك وكأنه في المرتبة الرابعة أو العاشرة، فالآداب والأخلاق ليست عنده من المؤكّدات المطلوبات، وقد علمتم - رحمكم الله - مَن هو المفلس يوم القيامة، وفي الحديث الصحيح: «ثلاثٌ مَنْ كنَّ فيه فهو منافقٌ، وإن صلَّى وصَامَ وحجَّ واعْتمَر، وقال: إنَّني مُسلِم؛ إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَدَ أخْلَف، وإذا اؤتُمِن خَان»، و«ليسَ بمؤمنٍ مَنْ لا يأمَنُ جارُهُ بوائِقَه»، والفُحشُ والتفحُّش ليس من الإسلام.
الأخلاقُ السيئة هي السمومُ القاتلة، والمخازي الفاضحة، والرذائلُ الكريهة هي الخبائث المُبعِدة عن جوار الله، وجوار نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
الأخلاق السيئة أمراض القلوب وأسقام النفوس، يقول عبد الرحمن بن مهدي: «ليتقِ الرجلُ دناءة الخلق كما يتَّقى الحرام؛ فإن الكرم دين»، وقالت الحكماء: «لا يكون العجِل محمودًا، ولا الغضوبُ مسرورًا، ولا المَلُول ذا إخوان، ولا الحُرّ حريصًا، ولا الشَّرِه غنيًّا». سوء الخلق يُذهِبُ القوى، ويُوهِنُ البدن، ويُثِيرُ الفوضى.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، والزَمُوا دينكم عقيدةً وعبادةً وأخلاقًا، واجتنِبُوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثمٌ، ولا تجسَّسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا، ولا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم، وكونوا عباد الله إخوانًا، بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلم.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسْداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال - وهو الصادق في قيله - قولًا كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى، والنبي المُجتَبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واقتل الطغاة والملاحدة، وسائر أعداء الملة والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأمِدّه بطاعتك، وأعِزَّ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم وفِّق ولاة أمور المسمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيكم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمع بهم كلمة الحق والهدى يا رب العالمين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رشد، يُعَزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموت راحةً لنا من كل شرٍّ، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرْنا من خِزْي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمنَنا وأمتنا واجتماع كلمتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعُوذُ بك من شرورهم.
اللهم عليك باليهود الغاصِبِين، اللهم عليك باليهود الصهاينة المُغتَصبين المُحتلِّيْن، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطِيْن، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقٍ.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا، وكفِّر عنَّا سيئاتنا، وتُبْ علينا، واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.
ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنَا عذابَ النار.
عباد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظُكُم لعلَّكم تذكَّرُون؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكُم، ولذِكْرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التصانيف العلمية: