بيت المقدس
الكاتب : صالح بن عبد الله بن حميد
نبذة مختصرة
بيت المقدس: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - في المسجد الحرام يوم الجمعة 2/ 5/ 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن أهمية بيت المقدس في حياة المسلمين، ودليل ذلك من صريح القرآن الكريم، والتحذير مما يحدث في الأقصى من انتهاكات اليهود وتعدّيهم وظلمهم وبيان عاقبتهم ولو بعد حين، ودعوة للمسلمين بضرورة الاجتماع وعدم التفرُّق لكي ينتصروا على أعدائهم.
- 1
PDF 5.6 MB 2019-05-02
- 2
DOC 1.8 MB 2019-05-02
تفاصيل
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزّ الإسلام بنصره، ومُذِلّ الشرك بقهره، ومُصرِّف الأمور ومُدَاوِل الأيام بتقديره وأمره، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله العون على حسن عبادته وشكره وذكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل العاقبة للمتقين بفضله، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق وأظهره على الدين كله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله هم فرع النبوة وأصلها، وعلى أصحابه التزموا كلمة التقوى؛ فهم الأحق بها وأهلها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوا لله - رحمكم الله - والزَموا خشية ربكم في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، واحذروا - وقاكم الله - الشُّحّ المُطَاع، والهوى المُتَّبع، والإعجاب بالرأي والنفس، وترك محاسبة النفس عنوان الغفلة، ومن المقت: ذكر العبد عيوب غيره وغفلته عن عيوب نفسه، ومن سوَّف في التوبة وترك الاستغفار تكاثَرَت عليه الذنوب؛ فاتقوا الله {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16 ].
أيها المسلمون:
القدس وبيت المقدس وفلسطين وأكناف بيت المقدس تُجسِّد صمود المرابطين في أرض الإسراء، وتُدوِّن ملاحم الجهاد لشعب فلسطين ومن ورائهم إخوانهم العرب والمسلمون دفاعًا عن الدين والأرض والعِرض والمقدسات.
فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى أساسٌ في العزة، ومنطلق الاعتزاز الصادق الحي بالدين والقيم والغيرة وبالوطن، وسيادة العقيدة، وشموخ المبادئ.
قضية فلسطين هي أم القضايا، وهي الجرح الأعمق في جراح الأمة، فلسطين وبيت المقدس أمانةٌ في أعناق جميع المسلمين، هي أرضهم وفيها مُقدَّساتهم، بيت المقدس قِبلتهم الأولى ومَسْرَى رسولهم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضائل القدس وأكنافها في صريح كتاب ربهم وسنة نبيهم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
بسم الله الرحمن الرحيم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء: 1 ]، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71 ]، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81 ].
أيها المسلمون:
وتتعاظم المسئولية وتشتد الأمانة مع تعاظم المُخطَّطات والتعدِّيَات وظالمي الممارسات، الأخطار على القدس تزداد يومًا بعد يوم، سياسة فرض التطهير العرقي وأخذ الحكم بوضع اليد، إخراج أهل الدور من دورهم، وتشريد الآلاف من ممتلكاتهم والاستيلاء على بيوتهم ومزارعهم ومساكنهم ليُقيم عليها يهود مُستعمراتٍ ومُغتصَباتٍ يمسونها: «مُستَوطَناتٍ»، اعتداءٌ على المصلين والمتعبدين والركع السجود، التهويد المبيّت، والنهب المُخطَّط، والالتهام المُدبَّر، الهدف واضح، والخطة معلومة، والعمل مُعلَن، اتفق عليه يهود بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم وأحزابهم: الجدار العازل، والحصار الاقتصادي، وسحب الهوية، والاعتقالات، وتدنِّي مستوى الخدمات، وإغلاق المؤسَّسات الخيرية، وانتشار البَطَالة بين الفلسطينيين، ومضايقة السكان بشتى ألوان المضايقات.
إن ممتلكات المسلمين وتراثهم في القدس وفلسطين المحتلَّة تتناقص يومًا بعد يوم بسبب العبث اليهودي من أجل طَمْس حقائق الحق الشاهدة على الأرض ودلائل إثبات راسخة، سرقة وطمس، وإتلاف مُنظَّم مُحكَم.
معاشر المسلمين:
لن يُجدِي مع صَلَف اليهود وعَبَثهم المواثيق الدولية، ولا الاتفاقات الثنائية أو الرباعية، ولا المعاهدات ولا الاستنكارات؛ فالمعاهدات الدولية تمنع من العبث أو التغيير في المعالم في الأرض المحتلة أو الاستيلاء على آثارها فضلًا عن طمس تاريخها وهويتها، هذا هو الواقع، وهذه هي الحال.
معاشر المسلمين:
ومع هذا الحال المُظلِم والوضع البائس يظن الظالم أنه قادرٌ على تزييف الحقائق والتاريخ بجرَّة قلم، أو اتفاقيةٍ ظالمة؛ يظنُّ أنه قادرٌ على العبث بالذاكرة الإنسانية، يعتقد أن الأمم تبقى في سُباتٍ دائمًا لا يقظة معه أو ضعفٍ لا قدرة بعده.
إن دوام الحال في هذه الدنيا من المُحَال، والشعوب لا تقبل الانهزام، والنفوس تأبى الظلم، والأمم ترفض الاحتلال، ناهيكم بتدنيس المُقدَّس، والعبث بالتراث.
ولكي تعلموا يقظة الشعوب وثبات الحق وإصرار أهل الحق تأمَّلوا الإحراجات التي يتلقَّاها مسئولو الدول الكبرى وهم يتلقَّون ألوانًا من الأسئلة الصريحة الفاضحة، والتنبيه بالمعايير المزدوجة، والنفاق السياسي، ووعي الأجيال العربية المسلمة بحقوقها، إنها حقوقٌ ثابتةٌ لا تسقط بالتقادم.
المحتل قد يملك من وسائل الظلم والتسلُّط ما يملك من السجون والجنود والسلاح، يبطش ويهدم ويقتل ويطرد ويسجن ويشرد، ولكنه ضعيفٌ خوَّار أمام الصبر والكفاح والجهاد والمقاومة؛ فوجوده باطلٌ، وسلوكه محرَّم، وتصرفه مجرم، الأرض لن تضيع، والبيت لن يختفي، والحق لن يزول - بإذن الله - ولكنه ابتلاءٌ وشدةٌ وتمحيصٌ، وأهل الحق - بعون الله - هم الغالبون، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
معاشر المسلمين:
لا ينبغي أن يُفهم أن ما يبدو من صمتٍ ظاهرٍ لشعوب الأمة الإسلامية أنه انصراف أو عدم اهتمام، كلا ثم كلا، ولكنهم ينتظرون من قياداتهم وعلمائهم ونخبهم التوجّه الرشيد، والتوجيه السديد، لقد انتصرت أمَّتُنا على تحدِّياتٍ أكبر من التحدِّي الصهيوني من التتار، والصليبين، والاستعمار الحديث، أُمَّتنا لا يعرف اليأسُ إليها طريقًا، أُمَّتُنا بدينها وإيمانها تعِي التاريخ وسنن الله - عز وجل -.
إن التاريخ يقول: إن الاستعمار والصليبين احتلُّوا مساحاتٍ أكبر مما يحتلُّه اليهود، وبقوا مدة أطول امتدَّت إلى قرون، ولكن المسلمين - بدينهم وعقيدتهم وبعد توفيق الله وعونه، ثم بعزيمتهم وقوتهم وجهادهم - دَحَروا المُحتلِّين وحرَّروا أراضيهم وديارهم، والحديث ليس عن قراءة التاريخ؛ بل عن الوعي بالتاريخ والسنن؛ فهو الذي ينهض بالأمة وتقوم عليه النُّخَب المسلمة، والليل مهما طال فعاقبته الفجر الصادق، والظلم مهما امتدَّ فالنصر للمظلومين وسوء العاقبة للظالمين.
ولا يقول المسلم ذلك أماني وتسليات؛ بل هو عقيدة وإيمان ويقين.
القدس والمُقدَّسات لا يُعمَّر فيها ظالم، والتاريخ شاهدٌ أن كل الظالمين الذين دَخَلوها زالوا واندَحَروا وتبقى القدس وفلسطين لأهلها وأصحاب الحق فيها.
على الظالم أن يقرأ التاريخ قراءة الحكمة والعلم بسنن الله - عز وجل -، عُمْرُ الاحتلال مهما بَدَا طويلًا في حساب الأفراد فإنه قصيرٌ في حساب الأمم والشعوب، أين كانت مُستعمَراتٌ لا تغيب عنها الشمس؟ وأمثالها في التاريخ القديم والحديث كثير، لقد كانت قُوى ضاربة في سلاحها وعتادها؛ بل حتى في تخطيطها وسياساتها ولكن النصر - بإذن الله - والبقاء للشعوب وأهل الأرض ودين الحق.
أما الاعتداء والظلم ولو أُحِيط بمُعاهَدَاتٍ وكُتِب بمواثيق، فما بُنِيَ على الظلم فهو إلى الفناء يصير؛ فلا حياة على أنقاض الشعوب، ولا راحة بين جدران المظلومين، ولئن انخفض الصوت في بعض الظروف والأحوال فإن الأجيال هم الذخيرة بعد الله، وهم الذخيرة ليوم النصر - بإذن الله -، ومع كل هذه الحقائق الناصعة - أيها المسلمون - والسنن الثابتة، والإيمان الراسخ بحسن العاقبة للمتقين، فإن الأمة مدعُوَّة لتوحيد الطاقات والجهود لنصرة الأقصى، ودحر العدوان، وطرد المحتل كلٌّ في ميدانه وموقعه قيامًا بالمسئولية، وبراءة للذمَّة، واستنزالًا لنصر الله - عز وجل -.
على الأمة أن تُعِدُّ نفسها إعدادًا واستعدادًا يحفظ الكرامة ويُعيد الحق، وبين المؤتمر والمقاومة والحجر يُولَد صلاح الدين، ويُولَد عبد الحميد كما وُلِد عُمَر، عُمَر العربي فتحها، وصلاح الدين الكُرْدي حرَّرها، وعبد الحميد التركي حافَظَ عليها، وهذا هو نهجُنا، وطريق نصرنا، وهذه هي أمتنا.
لا مَنَاصَ من الوعي بأسباب ضعف الأمة وما آلت إليه أمورها لا بد من سلوك طريق النصر بصدق الإيمان بالله وحسن الاعتصام به والاعتماد عليه ولزوم طريق الشرع في إخلاصٍ وعملٍ جادٍّ يليقُ بالمهمة ويَرقَى مع عظم المسئولية وعدالة القضية، ففلسطين والأقصى وبيت المقدس هي أرضنا، وهي حُبُّنا، وهي مُلكُنا طال الزمان أم قَصُر، والمستقبل - بإذن الله - لفلسطين، والعاقبة للصادقين المخلصين.
يجب أن يعلو العرب والمسلمون على خلافاتهم، وينبذوا معاركهم الجانبية، يجب مقاومة أيّ محاولة لتمزيق الصف وتفريق الجمع؛ بالاختلاف تضيع الأوطان، ويتمزَّق الكيان، وتُطِلُّ برأسها الفتن، ويتمكَّن العدو.
الأمة الحرة لا تَستجدي حقَّها، ولا ترجو الإحسان من أصحاب الإساءات، ولا المغفرة من الظالمين، الأمة الكريمة تعرِفُ عدوَّها كما تعرِفُ سبيل المجرمين وكيد الماكرين في وعيٍ راشدٍ، وعملٍ حكيمٍ، وسَعيٍ دَؤوبٍ لا تستطيل الطريق، ولا تستبطئ الفوز، ولا تستعجل النتائج.
بل لقد قال بعض أهل الحكمة: «سِيروا ولو عُرجًا ومكاسير فإن انتظار الصحة بَطَالة»، ومن سأل اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
وبعد:
فإن العرب والمسلمين لا يقبلون سلامًا لا يُقيم دولةً، ولا يُعيد مُشرَّدًا، ولا يرُدُّ قُدسًا، والمبادرات لا تكون دائمًا فوق المِنضَدة، لا يقبلون مفاوضاتٍ تأخذ ولا تُعطِي، تُرضي القاتل وتهضِم حق المقتول تُقِرّ باطلًا وتُفقِد حقَّها، يأخذ بها قومٌ لا يدخلون مفاوضات يأخذ بها قومٌ كل ما يريد، والطرف الآخر بين وعد ووعيد، وطريق المقاومة والجهاد لا يستطال مهما كثُرَت تكاليفه وضحاياه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10- 13 ].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وهو بالحمد جدير، أحمده - سبحانه - تنزَّه عن الشبيه والنظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى أصحابه ذوي القدرِ العَلِيّ والمقام الكبير، والتابعين ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم التسليمَ الكثير.
أما بعد:
فأهلًا لأهلنا المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، رَفَضوا الاستسلام، وتحرَّروا من الوَهن، وأصرُّوا على أن يعيشوا أعِزَّةً ويموتوا شهداء، مقاومة أهلنا في القدس مقاومةٌ مباركةٌ شريفةٌ يقومون بها بشجاعةٍ وبَسالةٍ مُتعالِين على العَنَت الصهيوني والتسلُّط الظالم.
أما إخوتنا في القيادات الفلسطينية فأوصيهم بتقوى الله في أنفسهم ومسئولياتهم؛ إن خلافهم يُضعِف قضيتنا، ويُبعثِر جهودنا، ويُضعِف أيّ تأثير عربي وإسلامي، الرابح في هذا الخلاف هو العدو وكل متربِّص بفلسطين وأهلها، ولعلكم لاحظتم - إخوتنا - أنه بقدر ما يتوسَّع الخلاف بينكم يتوسَّع العدو في أطماعه، وكلما زاد خلافكم أعاد العدو الحساب في أولوياته فتصبح الثانويات أولويات والمحذورات مباحات، وكلما زاد في التهويد زادت مطالباته في التطبيع، إن صراعكم الداخلي - أيها الأشقاء - أشد من مكائد العدو وأخطر عليكم من عدوان المحتل.
لقد ناداكم ذو القامة الشامخة والسياسة المُحنَّكة، ناداكم من يحمِل همَّ أمته في مواقف شريفة، مواقف حقٍّ وقوة وجرأةٍ مقرونةٍ بنزاهة المقصد، واستقلال القرار، وسجل في التاريخ والسياسة ناصع البياض، لقد ناداكم وليُّ أمر هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين وناشدكم بقوله - حفظه الله -: «إننا نفهم عدوان العدو الغادر الغاشم وخطط الحاقدين ومؤامرات الحاسدين، ولكننا لا نفهم أن يطعن الشقيق شقيقه، ولا أن يدُبّ القتال بين أبناء الوطن الواحد لفرق السلاح والمصير.
إن ما يحدث في فلسطين من صراعٍ مُروِّعٍ بين الأشِقَّاء لا يُرضِي الله ولا رسوله ولا المؤمنين، إن قلوب المسلمين في كل مكان تتصدّع وهي ترى الإخوة وقد انقسموا إلى فريقين يكيلُ كلٌّ منهما للآخر التُّهَم ويتربَّص به الدوائر.
والحقَّ أقول لكم - والكلام لمقامه الكريم حفظه الله - والحق أقول لكم أيها الإخوة: إنه لو أجمع العالم كله على قيام دولة فلسطينية مستقلة ولو حشد لها كل وسائل الدعم والمساندة لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شِيَعًا وطوائف.
أُذكِّركم ونفسي بقول الله - عز وجل -: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4 ]، وبقوله - عز وجل -: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46 ].
وإني باسم إخوانكم في مهبط الوحي، وباسم إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أُذكِّرُكم بإيمانكم وبمواثيقكم المغلظة يوم اجتمعتم في البيت الحرام أمام الكعبة المشرفة، إنني أستحلِفُكم بالله - رب البيت - أن تكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى، وأن تكونوا حُماةَ ربوع الإسراء، أستحلِفُكم بالله أن يكون إيمانكم أكبر من جراحكم ووطنيتكم أعلى من صغائركم، أستحلِفُكم بالله أن تُوحِّدُوا الصفَّ وترأَبُوا الصّدْع.
وأُبشِّركم إن فعلتم ذلك، أُبشِّركم بنصر الله وفتحٍ قريبٍ، وهو سبحانه القائل - ووعدُه الحق -: {إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7 ]».
هذا هو الحال - أيها المسلمون - وهذه هي الوصية والآمال كبار، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للصابرين المجاهدين المخلصين.
فاتقوا الله جميعًا - رحمكم الله -، وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمة المُهدَاة والنعمة المُسدَاة: نبيِّكم محمد رسول الله؛ فقد أَمَرَكم بذلك ربُّكم، فقال - عزَّ قائلًا عليمًا -: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم أيِّده بتأييدك، ووفِّقه بتوفيقك، وأعِزّ به دينك، وأعْلِ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمَع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخُذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رشد يُعزُّ فيه أهل الطاعة ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إن اليهود الصهاينة المُحتلِّين قد طغَوا وبغَوا وآذَوا وأفسدوا وقتلوا وشرَّدوا وأسرفوا في الطغيان، اللهم فرِّق جمعهم، وشتِّت شملهم، واجعل الدائرة عليهم، وأنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إن اليهود الصهاينة المحتلين قد طغَوا وبغَوا وآذوا وأفسدوا وقتلوا وشردوا وأسرفوا في الطغيان اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم، واجعل الدائرة عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، وسدِّد رميَهم وآراءهم، اللهم قوِّ عزائمهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم ارحم شهداءهم، واشف مرضاهم، وفُكّ أسراهم، ورُدّ مُشرَّدهم، اللهم ارفع الحصار عن إخواننا في غزة، اللهم ارفع الحصار عن إخواننا في غزة، اللهم مكِّنْ للمسلمين في بيت المقدس، اللهم مكِّنْ للمسلمين في بيت المقدس وادحر اليهود المحتلين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
التصانيف العلمية: