من آيات الله في الأرض
الكاتب : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
نبذة مختصرة
الآيات والعلامات الدالة على وجود الله وعظمته وحكمته كثيرةٌ جدًّا; وفي هذه المقالة آيةٌ من آيات الله تعالى، وهي: الأرض، وبعض آياتها من بسطها، وإرساء الجبال عليها، وتثبيتها بها، وغير ذلك من الآيات.
- 1
PDF 59.7 KB 2019-05-02
- 2
DOC 1.1 MB 2019-05-02
تفاصيل
من آيات الله في الأرض
إنّ الله - جلّ وعلا - دعا عباده في آيات كثيرة في القرآن الكريم إلى التفكُّر في آياته، والتأمّل في مخلوقاته الدّالَّة على عظمة خالقها، وكمال مُوجِدها، وعظمة الرّب الجليل - سبحانه وتعالى -، وكم هي الآيات العظيمة والبراهين الواضحة الدالَّة على كمال الخالق الرب العظيم سبحانه.
وفي كلِّ شيءٌ له آية
تدلُّ على أنّه الواحدُ
وإن من آيات الله العظيمة وبراهينه القويمة الدالة على كمال الرب - جلا وعلا -: هذه الأرض التي نمشي عليها، ونسير في فِجَاجها، كم فيها من البراهين الدالَّة على كمال الخالق وعظمة المُوجِد - سبحانه وتعالى -، يقول الله - جلّ وعلا -: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3]، ويقول - جلّ وعلا -: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20]، ويقول - جلّ وعلا -: {أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17- 20].
ما أعظمَها من آيةٍ دالَّةٍ على كمال الخالق - جلّ وعلا -، هذه الأرض لم يُوجِدها - عزّ وجلّ - لعبًا وهَمَلاً وباطلاً - تنزَّه ربُّنا عن ذلك، وتقدّس جلّ شأنه -؛ بل إنّه - جلّ وعلا - وضعها للأنام وسخّرها لهم وأوجَدَ فيها من النِّعم ما لا يُعَدُّ ولا يُحصَى ليُطيعَه الأنام عليها {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 10- 13].
ومن آيات الله العظيمة في الأرض: إمساك الله - جلّ وعلا - لها أن تزول وتقع وتسقط، يقول - جلّ وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41]، ويقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25].
تبارك الله ما أعظمها من آيةٍ إمساكه لهذه الأرض من السقوط والوقوع والهُوِيُّ، إنها لآيةٌ عظيمةٌ دالَّةٌ على كمال الخالق الجليل والرب العظيم، ثم إنه - جلّ وعلا - ثبّت هذه الأرض وأرساها بالجبال، يقول - جلّ وعلا -: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15]، ويقول: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: 32].
فما أعظمَها من آيةٍ هذا التثبيت للأرض من الزوال والتزلزُلُ والهوِيُّ بهذه الجبال العظيمة الصُّمّ الصِّلاب الرّاسخة التي جعلها الله - عزّ وجل - أوتادًا للأرض تُثبِّتُها.
ثم إنه - جلّ وعلا - مدَّ هذه الأرض وبَسَطَها لعباده ليتمكَّنوا من العيش فيها والسير في فجاجها، يقول الله - تبارك وتعالى -: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19]، ويقول - جلّ وعلا -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، ويقول - جلّ وعلا -: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19].
مدّها - جلّ وعلا - وبَسَطَها، وجَعَلَ فيها السُّبُل ليسير العباد في أكنافها، ويمشوا في فِجَاجها طلباً لرزق الله، وسعيًا في الحصول على نعمة الله، فما أعظمها من آيةٍ دالَّةٍ على كمال الخالق - جلّ وعلا -.
ومن آيات الله العظيمة في هذه الأرض: أنّك ترى الأرض خاشعةً، وتراها هامدةً، لا زرع فيها ولا نبات، فينزل عليها الرحمن - جلّ وعلا - الماء فتهتزُّ وتربُو وتنبُتُ من كُلٍّ زوجٍ بهيجٍ، يقول - جلّ وعلا -: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج: 5- 7].
إنّ هذه لآيةٌ دالَّةٌ على كمال الخالق، وأنه الإله الحق، وأنه على كل شيء قدير.
ومن عظيم آيات الله - عز وجل - في الأرض: أن القِطَع المتجاورات المتماثلات في الهيئة يُنزل الرب - جلَّ وعلا - عليها الماء فتُنبِتُ أنواعًا من الزّروع مختلفة في الهيئات وفي الأشكال وفي الطعم وفي المنظر، مع أنها سُقِيَت بماءٍ واحدٍ، ونبَتَتْ على أرضٍ واحدةٍ، ما أعظمها من آيةٍ، يقول الله - جلَّ وعلا -: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4].
وإن من عظيم آيات الله في الأرض: أن جعلها قرارًا للعباد، ساكنةً مُطمئنَّةً ليست رَجْراجَةً متكفِّئَةً، وإنما ثبَّتها وجعلها قرارًا، كما قال الله عزّ وجل: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} [غافر: 64]؛ أي: مُستقِرَّة ساكنة تمشون عليها مطمئنين ليست مهتزّة من تحت أرجلكم ولا متزلزلة وليست بأرضٍ رَجْرَاجَة، فما أعظمَها من آية.
واعتبِر بما يُحدِثُه - جلَّ وعلا - في بعض الأوقات على أجزاءٍ من الأرض من زلازل تتحرَّك الأرضُ من تحت الناس، فلا يَقَرُّ لهم قرارٌ، ولا يهدَأُ لهم بالٌ، ولا يهنَأُ لهم عيشٌ؛ بل إنّ اهتزازَها إذا اشتدَّ وعَظُم أهلكتْ من يمشي عليها، ولعلَّنا نسمع عندما تحدث الزلازل عن الأضرار المُتَرتِّبة على ذلك من هلاك الأنفس، وتهدُّم البيوت، وتَلَف الزّروع، وربما في لحظةٍ واحدةٍ مات عشراتُ الآلاف من الناس موتةَ نفسٍ واحدة، والحافظُ هو الله وحده، حَفِظَ الله علينا أجمعين أمنَنَا وإيماننا ورخاءنا واطمئناننا.
روى ابن أبي الدّنيا في كتابه "العقوبات" (20) عن صفيّة بنت أبي عبيد الثقفية، قالت: زُلزِلَتْ المدينة على عهد عمر - رضي الله عنه -، فقال: "أيُّها النّاس! ما هذا؟! ما أسرع ما أحدثتُم! لئِن عادَتْ لا أُساكِنُكم فيها".
ولا شك أنّ هذه آيةٌ تدلُّ على عظمة الخالق - جلَّ وعلا -، وأنه على كل شيء قدير، ولا يغيب عن بالنا قول الله - جلَّ وعلا -: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
إنّ هذا فيه عِظةٌ للعباد وعبرةٌ ليتذكَّروا عظمةَ الخالق الجليل، وكمالَ المُبدِع العظيم وقدرتَه على كلِّ شيء، أفلا تذكَّرنا نعمةَ الله علينا بثبات هذه الأرض التي نمشي عليها وقرارها وسكونها, كيف لو تزَلزَلَت وتحرَّكَت؟ كيف يكون الشأن في البيوت والزروع وفي المصالح والأعمال؟ إنّ كلَّ ذلك يتعطَّل ولا يُنتَفَع منه بشيء, ولا يهدأ للناس بال.
فلنتفكَّر في هذه الآية العظيمة، ولنُقبِل على الخالق الجليل - جلَّ وعلا - ولنستَفِد من عِتَابه لعباده، كما قال بعض السلف - رحمهم الله - عندما اهتَزَّتْ الأرض في زمانه قال للناس: "إنّ هذا ربُّكم يستعتِبُكم"؛ أي: يطلُبُ منكم أن تعودوا إليه وتُنِيبُوا إليه.
ولنتذكّر عظمة الله عزّ وجلّ وأنه خلقنا لطاعته وعبادته، ولنتفكَّر في شأن هذا الإنسان الذي يمشي على هذه الأرض ما شأنه بها، يقول الله - تبارك وتعالى -: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 17، 18].
إنّ هذا الإنسانَ أُنبِتَ من الأرض؛ لأنَّ أبانا آدم خلق وذريتُه في صلبه من تراب، فالله - جلَّ وعلا - أنبت الناس من الأرض نباتًا ثم يُعيدُهم فيها، وعندما يموت كلُّ واحدٍ مآلَه إلى الدّفن في الأرض، فالله - جلَّ وعلا - جعل الأرض كِفاتًا للأحياء من الناس والأموات {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 25، 26]، فهي كِفاتٌ لهم عليها يمشون ويسكنون في حياتهم، وفي بطنها يُودَعون ويدخلون بعد مماتهم {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 18]، وذلك البعثُ والنشور يخرج الناس من الأرض للقيام بين يدي ربِّ العالمين ليجزِيهم ويُحاسِبهم على أعمالهم في هذه الأرض هل كانوا يمشون عليها مُطمئنِّين بعبادة الله خاشعين مُمتَثِلِين لأوامر الله، كما قال الله عن عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]، أم أنهم كانوا يمشون على الأرض بالفساد والعتُوِّ والتجبُّر والطغيان {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33]، والحساب يوم القيامة يحاسبُ الله الناس ويُجازيهم على أعمالهم على هذه الأرض {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].
فلنتُبْ إلى الله ولنتذكّر نعمة الله ومِنَّته - جلَّ وعلا - علينا بهذه الأرض التي خُلِقنا وأُوجِدنا عليها لنمشي عليها مطمئنين، ولله طائعين، ومنه - تبارك وتعالى – خائفين، وعلى عبادته مُقبِلين، ولرحمته راجين.
اللهم وفِّقنا لما تحبه وترضى، وأعِنَّا على البر والتقوى، ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد.