إن في تاريخ العظماء لخبرا، وإن في سير العلماء لعبرا، وإن في أحوال النبلاء لمدّكرا، وأمتنا الإسلامية أمة أمجادٍ وحضارة، وتاريخ وأصالة، وقد ازدان سجلها الحافل عبر التاريخ بكوكبة من الأئمة العظام، والعلماء الأفذاذ الكرام، مثلوا عقد جيدها وتاج رأسها، ودري كواكبها، كانوا في الفضل شموساً ساطعة، وفي العلم نجوماً لامعة، فعدوا بحقٍ أنوار هدى، ومصابيح دجى، وشموعاً تضيء بمنهجها المتلألئ، وعلمها المشرق الوضاء غياهب الظُلَم، وتبددها أنوار العلوم والحكم. وإن ارتباط الأجيال اللاحقة والناشئة المعاصرة بسلفهم من العلماء الأفذاذ، ينتفعون بسيرتهم ويسيرون على منهجهم، ويقتبسون من نور علمهم وفضلهم، لهو من أهم الأمور التي ينبغي أن نعني بها، لا سيما العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله، ورجال الحسبة والإصلاح، كيف ونحن نعيش في أعقاب الزمن حيث كثرت الفتن، وطمت المحن، واستحكمت الأزمات، وعمت الخلافات، وتباينت المشكلات والمعضلات، ولا مخلص منها إلا الاعتصام بالكتاب والسنة، والسير على منهج علماء سلف هذه الأمة رحمهم الله الذين يعدون أمثلة حية ونماذج فريدة، تمثل التطبيق الحي السليم، والمنهج العملي الصحيح للإسلام، عقيدة وسلوكاً. ولهذا قال بعض أهل العلم: سير الرجال أحب إلينا من كثيرٍ من الفقه، ومن أهم هذه السير سيرة إمام المدينة الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - وفي هذه المقالة بيان لبعض الصفحات المشرقة من حياته.